جاءت التصريحات الخطيرة للجهات الرسمية لكوريا الشمالية . في كونها على استعداد لشن الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية , لتؤكد مدى خطورة التسلح النووي على مستقبل السلم و الأمن الدوليين .
هذا السيناريو في السياسة الدولية الراهنة , يذكر بأحداث الحرب الباردة التي تميزت بالردع النووي المتبادل المتناهي الحساسية و التعقيد . الذي كان من أسبابه امتلاك العظميين- الاتحاد السوفيتي سابقا و الولايات المتحدة - للسلاح النووي في تلك الفترة من تاريخ العلاقات الدولية...
إن أجواء التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية و كوريا الشمالية , هو في حقيقة الأمر استمرار للحرب الباردة التي دارت رحاها ما بين 1945-1990. فعند نهاية الحرب العالمية الثانية , قام الحلفاء بتحرير كوريا من اليابان , ليتم تقسيمها في ما بعد بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية.
فإذا كان الاتحاد السوفيتي قد تفكك و حذف من خريطة السياسة الدولية إلا آن حليفته – كوريا الشمالية – لازالت قائما بل أصبحت قادرة على التهديد باستخدام القوة لحل خلافاتها مع الولايات المتحدة.
فالخوض في حرب نووية هو من من الخطورة بمكان , على كلا الجانبين .بل على النظام الدولي كله . و منه فكوريا الشمالية تحاول نزع الضغوط الدولية - الأمريكية - المفروضة عليها بصورة أو بأخرى و, التخفيف من العزلة الدولية التي تعيشها....
السؤال هنا لماذا لما يعرف العالم خلال الحرب الباردة حرب نووية ؟؟؟ لان العظميين كان مدركين مدى خطورة خوض تلك الحرب....فالنتيجة لمثل هذه الصراعات الدولية تدميرية الإطراف المتصارعة .خاصة في العلاقات الدولية الراهنة المتميزة بكثافة الاعتماد المتبادل و تشابك المصالح و التي أصبح العالم معها قرية صغيرة.... فكل أزمة دولية لها تداعياتها على مختلف الفاعلين الدوليين .
إن اكتساب الترسانة النووية ليس هدفه الحقيقي هو الدخول في الحرب . بل لكي تحمي الدول أمنها القومي من كافة التهديدات الخارجية , إضافة إلى تحقيق أهداف السياسات الخارجية التي تنهجها تلك الدول النووية.
و التصريح الكوري يحمل في طياته انتهاكا صريحا لمبادئ القانون الدولي , حيث تنص المادة الثانية في الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على مايلي " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".
فالمادة الثانية المذكورة لم تنص فقط على تحريم اللجوء إلى استخدام القوة فقط , بل جاءت لتمنع أيضا من التهديد باستعمالها , ومنه فالتصريح الرسمي و التهديدات الكورية – الشمالية – باللجوء إلى القوة هو مخالف للميثاق الأممي..
لكن يطرح التساؤل , لماذا يسمح للولايات المتحدة امتلاك السلاح النووي , خلافا لذلك لا يسمح لبلد أخر مثل كوريا الشمالية ؟؟؟
بعد نهاية الحرب الباردة والتي كان العالم معها مقسما إلى كتلتين , و قيام ما أطلق عليه " النظام العالمي الجديد " – الذي جاء به جورج بوش الأب - و الذي دشن باندلاع أزمة الخليج الثانية . تم تقسيم العالم مرة أخرى إلى محوريين محور الشر المتمثل في إيران و العراق و كوريا الشمالية , و إلى محور الخير بزعامة الولايات المتحدة ...و منه فسياسة منع انتشار الأسلحة النووية و الحد منها تخضع للسياسة المعايير المزدوجة و اعتبارات سياسية أكثر مما هي إنسانية , و إلا كيف يتم السماح لإسرائيل – التي تمتنع من المصادقة على اتفاقية حظر الأسلحة النووية - من امتلاك أسلحة نووية متطورة و أكثر فتكا...؟؟؟؟ خلافا لذلك يتم احتلال العراق في سنة 2003 على أساس احتمال امتلاكه للأسلحة الدمار الشامل , و الإطاحة بنظام صدام حسين و إعدامه أمام المحكمة الوطنية --- لان المحكمة الجنائية الدولية لا تصدر أحكام الإعدام --.
واحتمال و قوع مثل هذه الحرب , ليس أمرا مستحيلا في السياسة الدولية التي لا تحكمها العواطف و الأخلاقيات و الضوابط الدينية , فكل شيء ممكن في سياسة لا تعرف اليأس ....و مع ذلك تبقى الجهود التي تقوم بها الدبلوماسية الدولية , كفيلة بتلافي وقوع هذا النوع الخطير من الصراعات الدولية على مستقبل السلم و الأمن الدوليين .