MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




لماذا تأسيس نادي قضاة المغرب؟

     

ذ هشام العماري

عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب



لماذا تأسيس نادي قضاة المغرب؟
إن تأسيس "نادي قضاة المغرب" كجمعية مهنية في إطار الفصل 111 من الدستور الجديد أتى ليعكس رغبة دفينة لدى قضاة المملكة في الخروج من القوقعة التي كانوا يعيشون بداخلها و الانفتاح على المحيط السياسي والقانوني والثقافي, تفعيلا لدورهم في ممارسة جميع حقوق المواطنة الكاملة، فلم يعد مقبولا عند شرائح مهمة من القضاة أن يتم تعديل مجموعة من القوانين التي تمس حياة الأفراد والمؤسسات دون السماح لهم بإبداء رأيهم و بإشراكهم في النقاش العام لمختلف الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و كذا فعاليات المجتمع المدني، بل الأكثر من ذلك فحتى القوانين التي لها علاقة وطيدة بإصلاح القضاء لم تكن تعرض على القضاة ليبدوا فيها رأيهم لا بصفة فردية أو بصفة جماعية، والحال أن إصلاح القضاء شأن مجتمعي مهم, وهو أمر يعني جميع فئات المجتمع, ولا يمكن أن يستثني منه القاضي كمواطن يقع في صلب مسلسل ومنظومة إصلاح القضاء.

إن العقلية التي كانت سائدة قبل اعتماد الدستور الجديد انبنت على تصور مفاده أن القاضي شخص يعيش داخل قاعة المحكمة وقاعة المداولة فقط، بحيث لم يكن مسموحا له التعبير عن أرائه الشخصية مخافة أن يتحول إلى فاعل سياسي أو نقابي. والواقع أن التصور المذكور يفرض نوعا من الوصاية والحجر على حرية القاضي في التفكير و التعبير. وكانت الممارسة تحتم على القاضي الحصول على إذن من وزير العدل من أجل نشر مقال أو مشاركة في يوم دراسي أو ندوة.وهو الوضع الذي ضاق به القضاة ذرعا لما فيه من الوصاية والتضييق .إذ كيف يعقل أن يكون القاضي -الذي منحه القانون سلطة إصدار الأحكام باسم جلالة الملك-محتاجا إلى إذن خاص من وزير العدل للمشاركة في ندوة قانونية أو ثقافية أو فكرية. لذلك وأمام تطور الوعي الذي رافق الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي, والذي أدى إلى اقتراح دستور جديد للمملكة.لم تكن فئة القضاة بمنأى عن هذا التغيير فكان أول دستور يعترف بحق القضاة في الانتظام داخلا جمعيات مهنية.

إن تأسيس "نادي قضاة المغرب"كجمعية مهنية ليس من شأنه إقحام القضاة في أي عمل سياسي أو نقابي، لما تفرضه مبادئ الحياد والتجرد من ترك مسافة بين القضاة ومختلف الفاعلين السياسيين والنقابيين.وإنما الغاية من هذا التأسيس وكما جاء في النظام الأساسي للنادي هي:

-الدفاع عن الضمانات الأساسية للحقوق وحريات المواطنين.

-الدفاع عن السلطة القضائية واستقلالها.

-إذكاء روح التضامن والإخاء في صفوف القضاة المغرب... وغيرها من الأهداف المسطرة في المادة الرابعة من النظام المذكور، و التي لا تتناقض مع مبدأ استقلال السلطة القضائية كمؤسسة دستورية و استقلال القاضي كمهمة و وظيفة.

و من بين الأهداف الرئيسية الدافعة لتأسيس نادي قضاة المغرب هو إشراك كل القضاة في مناقشة الشأن القضائي بغض النظر عن مواقعهم أو أقدميتهم, ولذلك حرص النادي عل عدم وضع أي شرط بخصوص السن أو الأقدمية في وجه كل قاض يرغب في الترشح لمناصب المسؤولية أو التسيير في النادي تدعيما لأسسه الديمقراطية, ومحاربة لمختلف أشكال الإقصاء والتمييز التي ليس لها معنى داخل النخبة القضائية. وبهذا يضمن النادي تمثيل الأغلبية في صفوفه,وإشراك الطاقات القضائية الشابة في التسيير.

ومن بين أهداف التأسيس كذلك، الرغبة في خلق مناخ محفز للإبداع والاجتهاد داخل الوسط القضائي، إذ أن الضغط و الرقابة غالبا يولدان الجمود والتقليد، على خلاف الحرية والانفتاح فهما عاملان أساسيان للتحفيز على تطوير الفكر.وبذلك سوف يتخلص القضاة تدريجيا من روح التفسير الإداري للنصوص القانونية، هدا التفسير الإداري الذي يظهر واضحا في الدلائل العملية أو في المنشورات و الدوريات الصادرة عن وزارة العدل، والتي لم تعد مقتصرة في توجيهها إلى قضاة النيابة العامة و قضاة التوثيق و إنما أصبحت توجه أيضا -و لو بشكل غير مباشر- إلى قضاة الموضوع في تناقض تام مع مبدأ"استقلال القضاء".

إن "نادي قضاة المغرب" لايهدف إلى زرع أي فتنة داخل جسم القضاة، وإنما يهدف إلى إذكاء روح التضامن بينهم على الأسس الجامعة التي توحدهم حفاظا على كرامة القضاة وضمان استقلالهم عن باقي السلط. لكن من دون خنق حرية التفكير أو التعبير لديهم. فإذا كان الحكم القضائي عنوانا للحقيقة القضائية بمناسبة البت و الفصل في نزاع معين، فإن القاضي يمتلك-خارج عمله القضائي-كامل الحرية في التعبير عن ارائه الشخصية بخصوص الشأن العمومي بكل اتزان مساهمة منه في تعزيز الثقافة الحقوقية و بناء المؤسسات ، وذلك لا ينال من هيبته ووقاره في شيء.

نتمنى لهذا "النادي" النجاح والتوفيق، بفضل مساهمة جميع أعضائه في تحقيق أهدافه، وسعة صدرهم لتقبل مبدأ الحق في الاختلاف، ومشاركتهم في ضمان تواصل فعال بين الجيل القديم، جيل التجربة والصنعة، والجيل الجديد- جيل الحماسة والطموح-، و كل المغاربة تواقون إلى رد الاعتبار لقضائهم و استرجاع ثقتهم فيه.



الاثنين 28 ماي 2012

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter