MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




لهذه الأسباب من المستحيل تنزيل توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بالإرث

     

جواد روݣي
باحث في القانون المدني



لهذه الأسباب من المستحيل تنزيل توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بالإرث
ليس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أول من دعا إلى المساواة في الإرث بين الجنسين، فموضوع المساواة في الإرث سبق أن أثارته مجموعة من الهيئات الحقوقية،  كما سبق وأن جاءت هذه الدعوات باسم أشخاص معروفون بتوجهاتهم السياسية والفكرية، إلا أن ما تتميز به دعوة المجلس الوطني  لحقوق الإنسان هو أنها صادرة من مؤسسة دستورية بما لها من ثقل على السلطة التشريعية في المغرب مما يدفع إلى التساؤل حول مدى إمكانية ترجمة توصيتها إلى  قانون ساري المفعول.

تم إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار التزام المملكة المغربية بحماية حقوق المواطنين، وحرياتهم، وتكريس مسلسل دولة الحق والقانون والمؤسسات، وقد عهد إلى المجلس بحث مدى ملاءمة النصوص التشريعية الوطنية مع مقتضيات المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وفي إطار مزاولته اختصاصاته الممنوحة له دستوريا وكذا في إطار تفاعله مع قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين جاءت توصية المجلس الداعية للمساواة في الإرث.

صحيح أن المجلس المذكور ليس مؤسسة خولها الشعب التشريع بالنيابة عنه، لكن لا أحد ينكر بصمة هذه المؤسسة على جل التشريعات الوطنية، ومع ذلك يصعب الحديث عن فرص قوية لتمرير مقترحها وذلك راجع لطبيعة توصية المجلس ذاتها، والتي اتخذت بعدا دينيا، إلى جانب أنها أثارت إشكالية عميقة متمثلة في مدى التجاوب مع مفاهيم حقوق الإنسان الكونية إذا تعارضت مع هوية الدولة ومعتقداتها التي تشكل مرجعيتها الأسمى.  وهنا نقف عند قلعتين متينتين تقفان في وجه توصية المجلس والحيلولة دون ترجمتها كقانون ساري المفعول.

 القلعة الأولى التي تقف في وجه توصية المجلس هي القلعة الدستورية. ينص الفصل 19 من الدستور المغربي على أنه "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في ھذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليھا المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينھا ...".  فقضية المساواة تجد أساسها في دستور 2011  إلا أن الذي يتم التغاضي عنه  هو تحديد المشرع الدستوري نفسه نطاق إعمال المساواة بين الجنسين في أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، ويعتبر الدين الإسلامي أحد ثوابت المملكة وأحد مكونات هويتها الراسخة، والذي من المفروض ألا يتم تجاوز أحكامه في مسائل الميراث، فالدين الإسلامي قد حسم موضوع الميراث مند الأزل اللهم إلا إذا  استجاب المجلس العلمي الأعلى والذي يرأسه أمير المومنين-والذي أنيط به  ضمان الأمن الروحي للمغاربة، وحراسة الثوابت الدينية للأمة- لتوصية المجلس الوطني  وهذا أمر جد مستبعد، إذ ليس ببعيد الرد القاطع الذي تلقاه أحد القيادات الحزبية الذي سبق له أن أثار مسألة المساواة من المجلس العلمي والذي جاء في بيانه أن أحكام الإرث قاطعة ولا تجديد فيها،  وأنه لا مجال لإعمال الرأي في المسألة .

 أما إمكانية اللعب على وثر الاتفاقيات الدولية وسموها على التشريعات الداخلية بما فيها الدستور،  فإن مسألة "السمو" هاته لابد من التوقف عندها لاستجلاء بعض المغالطات التي تستغلها بعض الفعاليات الحقوقية لتمرير مقترحاتها تحت مظلة الاتفاقيات الدولية .

  فتوصية المجلس جاءت مستندة على اتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة  والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/180 المؤرخ في 18 ديسمبر 1979،  والتي يعد المغرب من الدول التي صادقت عليها . فما مدى سمو هذه الاتفاقية على التشريعات الوطنية بما في ذلك الدستور؟ .

    من بين ما جاء في تصدير الدستور المغربي جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليھا المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور،  وقوانين المملكة،  وھويتھا الوطنية الراسخة،  تسمو،  فور نشرھا،  على التشريعات الوطنية،  والعمل على ملاءمة ھذه التشريعات،  مع ما تتطلبه تلك المصادقة". علما أن هذا التصدير يشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور. فكما هو مبين فإن الدستور قيد سمو الاتفاقية الدولية بعدم معارضتها الهوية الوطنية  الراسخة والذي يشكل الدين الإسلامي أحد مكوناتها، ذلك أنه من بين ما جاء في التصدير "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية،  وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية". هذا من جهة،  ومن جهة أخرى فإن الدستور المغربي في حالة الرغبة في تعديله ليتماشى والاتفاقيات الدولية  يمنع كل مراجعة تطاله يمكن أن تشمل الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي،  وبالنظام الملكي للدولة،  وبالاختيار الديمقراطي للأمة.

 أما القلعة الثانية والتي تصد التوصية بالمساواة في الإرث فمتمثلة في طبيعة البنية الاجتماعية المستهدفة بهاته التوصية، فكما هو معلوم في أدبيات العلوم القانونية، فالقانون ما هو إلا تلك المرآة العاكسة لنمط عيش الجماعة التي يستهدفها بالتنظيم، فجودة التشريع دائما ما تقاس بمدى اتساع الهوة بين القانون كقواعد تشريعية  وما يسير عليه المجتمع المعني بالقاعدة القانونية،  فمتى كان القانون نابعا من المجتمع ومتأثرا به تكون له هيبة على أفراد هذا المجتمع لأنه يعبر عن هويتهم، ومرجعيتهم العليا. بخلاف ما إذا كان القانون يحاول أن يكون في مركز المؤثر، إذ يراه حينئذ أفراد المجتمع كأنه دخيل عليهم، فيفقد بذلك مصداقيته، فيكون ذلك من أسباب رفضهم إياه.

هذا وتعتبر المرجعية العليا لأي مجتمع محددة لسلوكياته، ومن تم تكون حَكَما على وظيفة مؤسساته التشريعية، وما تنتجه من قوانين، وما تتبناه من منطلقات  أو سياسات. ويعد الإسلام المرجعية العليا بالنسبة للدولة المغربية؛ كما نص على ذلك الدستور، وبذلك  يكون الإسلام مؤطِرا ومحدِدا لباقي مكونات الهوية المغربية التي لا يجب  في أي حال من الأحوال أن تتعارض وأحكامه.

من خلال ما سبق فكل ما يمكنه أن يتعارض وأحكام الدين الإسلامي بالصورة التي تتم الدعوة لها اليوم سيكون من دون شك محل رفض من المجتمع المغربي، فتشبث المغاربة بأحكام الدين الإسلامي لا ينكرها إلا جاحد.

وكما أشرنا إلى ذلك سابقا  فالنقاش حول المساواة بين المرأة والرجل في الإرث ليس جديدًا في المغرب،  إذ ترجع بعض فصوله إلى ما كان يُعرف بـ"خطة إذماج المرأة في التنمية" قبل حوالي 15  عاما حيث يَذكر المغاربة جيدا عندما حدث انقسام في الشارع بين الحداثيين والإسلاميين على هذا المفهوم،  ومن هنا  تطفو على السطح إمكانية حدوث احتقان  شعبي في حال ما إذا تم عرض التوصية على المؤسسة التشريعية تمهيدا لترجمتها كقانون، خصوصا وأن التوصية تستفز هوية  السواد الأعظم من الشعب. وحتى إن لم يتم رفضها كمشروع أثناء مناقشتها فمن المؤكد رفضه بطريق غاية في التأدب من خلال عدم تنزيله على أرض الواقع كما هو حال العديد من بنود مدونة الأسرة التي لم يتم التفاعل معها بالشكل الذي كان منتظرا.

وخلاصة القول أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأثناء صياغته للتوصية المذكورة تناسى النمط الاجتماعي الذي اختارته الأسرة المغربية للعيش على منواله، والبعيد في غالبية جوانبه عن كل ما هو مادي صرف، كما تناسى وضعية المرأة في بعض البوادي والتي جرت العادة على حرمانها من حقها في الميراث نهائيا، والتي كان عليه منحها الأولوية في توصيته .لذلك كان على المجلس المذكور  تجاوز الاشتغال بمنطق "الأولوية للقضايا التي تثير البلبلة داخل المجتمع".
  



الاربعاء 4 نونبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter