MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




ماهية عقد التجارة الإلكترونية وطبيعته القانونية

     



سلطان بن سالم البلوشي
باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة



ماهية عقد التجارة الإلكترونية وطبيعته القانونية
                                                                                            
     إن العقد الإلكتروني مثله مثل أي عقد آخر يتم بالطرق التقليدية، فالفارق الوحيد يتمثل في طريقة التعاقد وإتمام العقد، فالعقد القديم كان يتم بالطريقة التقليدية على الورق، بينما العقد الإلكتروني يتم على شبكة الإنترنت، والتي يتم فيها استيفاء كافة أركان العقد بطريقة إلكترونية، وهذا ما قدم لهذا العقد خصوصيته (الفقرة الأولى)، وجعل طبيعته القانونية متأرجحة بين عقود التراضي وعقود الإذعان (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: خصوصية العقد الإلكتروني

    ينبغي أن نركز في تعريف العقد الإلكتروني على خصوصيته الناتجة بصفة أساسية عن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها، كما لا ينبغي على أي حال أن نغفل صفة هامة من صفاته وهو أنه ينتمي إلى طائفة العقود التي تبرم عن بعد.

أولا- العقد الإلكتروني في ضوء الطريقة التي ينعقد بها

    إن أول ما يطالعنا بشأن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها العقد الإلكتروني، أنه يتعين على المشترك من أجل إبرام العقد عبر شبكة الإنترنت، أن يكون متصل بهذه الشبكة، التي تتميز بوجهين أساسيين للخصوصية، بحيث أنها شبكة دولية تعمل بفضل البنية التحتية للاتصالات عن بعد وبالتالي فالانترنت هي شبكة دولية للاتصالات عن بعدRéseau international de télécommunication[[1]]url:#_ftn1 .
وجدير بالذكر أنه يمكن للعميل الذي يتصل بموقع التاجر، دراسة العرض المقدم من هذا الأخير، وطلب المعلومات التي يرغب في الإطلاع عليها، بل ويمكنه التجربة في بعض الأحيان، حيث تعرض بعض المواقع على سبيل المثال ملابس للبيع، وتسمح بتجربتها على مانيكانات افتراضية (mannequins virtuels)، وباختصار فلن يتخذ المستهلك موقفا سلبيا اتجاه العرض، فالتعاقد الإلكتروني يسمح بالتفاعل[[2]]url:#_ftn2 بين التاجر والعميل.
وبناء على خصوصية الطريقة أو الوسيلة التي يتم من خلالها انعقاد العقد عبر الإنترنت، يمكن أن نعرف العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية بأنه: "اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل"[[3]]url:#_ftn3 .
وعلى ذلك لا يختلف عقد التجارة الإلكترونية أو العقد الإلكتروني عن أي عقد آخر فيجوز أن يرد على كل الأشياء والخدمات، طالما أنها ليست خارجة عن التعامل، باعتبار أن هناك بعض العقود الإلكترونية التي يمكن أن يكون موضوعها سلع غير مشروعة، والتي قد تتمثل على سبيل المثال في عمليات بيع المخدرات وبيع الأفلام الإباحية وبيع السلاح...
فمن الناحية القانونية، ولما كانت القاعدة العامة هي عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون، ولما كانت المخدرات محرمة شرعا وقانونا، وأن القانون قد وضع أشد العقوبات على مرتكبيها سواء كان صانع أو زارع أو بائع أو متعاطي لها.
وعليه، فالعقد الإلكتروني متى كان موضوعه بيع سلعة أو تقديم خدمة مخالفة للقانون ومعاقب عليها بأشد العقوبات لما لها من آثار سيئة على المجتمع، فإن هذا العقد يعتبر معدوما ليس له أثارا قانونية ويحسب كأنه لم يكن[[4]]url:#_ftn4 .
أما عن أطراف هذا العقد فهم أنفسهم في أي تجارة أخرى: بائعون أو مقدمو خدمات ومشترون أو مستهلكون، كما قد تتم هذه العقود بين المشروعات (inter-entreprises) الخاصة أو العامة كما قد تكون عقودا بين الأفراد[[5]]url:#_ftn5 .
وهكذا يتجلى لنا أن العقد الإلكتروني ما هو إلا عقد كبقية العقود الأخرى، فإذا كان العقد العادي يبرم تقليديا بالكتابة أو باللفظ، شفاهة أو بالإشارة، فإن العقد الإلكتروني يبرم تقنيا بالكتابة الإلكترونية والوسائط أو الدعائم الإلكترونية[[6]]url:#_ftn6 . فهو ذلك العقد الذي يتم بوسيلة إلكترونية، وبالتالي فما هو إلا اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على الخط، ويتم ذلك بصور عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع، أشهرها العقود الإلكترونية على الويب، والتعاقد بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني، حيث تلتقي إرادة المزود أو المنتج أو البائع مع إرادة الزبون، ويبرم الاتفاق على الخط.
ومن أجل تسهيل الطريقة أو الوسيلة الإلكترونية التي ينعقد بها العقد الإلكتروني وبمعنى آخر تسهيل هذا النوع من التعاقد، فقد تمت صياغة عقد إلكتروني نموذجي في فرنسا بين التجار والمستهلكين[[7]]url:#_ftn7 تم اعتماده من طرف غرفة التجارة والصناعة في باريس بتاريخ 30 أبريل 1998، من طرف اللجنة القانونية للجمعية الفرنسية للتجارة والمبادلات الإلكترونية في 4 ماي 1998، بحيث تمت صياغة ووضع نصوصه وفقا لأحكام القانون الفرنسي بطبيعة الحال، وإن كان ذلك لا يحول دون إمكانية تطبيق القواعد الواردة به أمام إحدى المحاكم الأجنبية، إذا رأى القاضي أن هذه القواعد الاتفاقية تحقق للمستهلك حماية أكثر من تلك التي يحققها له قانونه الوطني.
أما بخصوص الطريقة التي صيغ بها هذا العقد، فقد تمت صياغة أحكامه في شقين يكمل كل منهما الآخر، أحدهما يتضمن الشروط النموذجية (clauses types) التي تتضمن القواعد التي يخضع لها هذا العقد، والآخر يتمثل في شروح أو تعليقات (commentaires) تمثل دليلا عمليا لتطبيق هذه الشروط النموذجية[[8]]url:#_ftn8 .

ثانيا- العقد الإلكتروني نوع خاص من العقود المبرمة عن بعد

يفترض في التعاقد عن بعد[[9]]url:#_ftn9 ، تدخل وسيلة لإيصال إرادة أحد المتعاقدين بغية إتحادها بإرادة الآخر، سواء كانت هذه الوسيلة بشرا كالرسول، أو آلة ميكانيكية كالهاتف أو الفاكس أو التلكس أو الإنترنت[[10]]url:#_ftn10 ، وبما أن العقد الإلكتروني يبرم عبر الإنترنت إذن فهو عقد يتم عن بعد، وبالتالي ينتمي لطائفة العقود المبرمة عن بعد، ومن ثم وجب أن يحترم القواعد الخاصة بها[[11]]url:#_ftn11 .
خصوصا تلك المتعلقة بحماية المستهلك إذا انعقد العقد بين مهني[[12]]url:#_ftn12 وبين طرف ثان لا يتعاقد في نطاق نشاطه المهني. إذ يجب على المهني الالتزام بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة التي تساهم في معرفة المستهلك بخصائص السلع أو الخدمات، وكيفية استعمالها والاستفادة منها، ويعد إخفاء المهني لخصائص السلعة أو الخدمة أو مجرد عدم التطابق بين المعلومات المقدمة وخصائص السلعة من قبيل الغش الذي يستوجب معاقبته.
وهذا الالتزام من جانب المهني يقابله التزام آخر من جانب المستهلك، يتمثل بالاستعلام بمعنى ألا يتخذ موقفا سلبيا، بل عليه أن يبادر القيام بمعرفة الشيء الذي يقدم في التعاقد عليه، وعلى كل المعلومات المتصلة بالعقد متى كان ذلك ممكنا، خصوصا أن المبادئ السائدة اليوم تقرر أن هناك موجب إعلام من لا يستطيع الاستعلام، خاصة بالنسبة للتقدم التقني في بعض الأشياء وكذلك للظروف التي يجري فيها إبرام العقد عن بعد.
لذا، فالعرض المقدم في إطار العقد الإلكتروني يجب أن يكون محددا وواضحا ومفهوما سواء على مستوى تحديد شخصية البائع خصوصا عندما يكون محل اعتبار شخصي وأساسا للتعاقد، أو على مستوى بيان السلعة أو الخدمة بيانا كافيا نافيا للجهالة[[13]]url:#_ftn13 .
وتأكيدا لحماية المستهلك في إطار العقود المبرمة عن بعد، قرر القضاء الفرنسي إلزام البائع بتبصير المشتري وإلزامه أيضا تعويض الأضرار التي قد تلحقه، فضلا عن فسخ العقد إذا طلب المشتري ذلك ومن هذه الأحكام[[14]]url:#_ftn14 :
ما قررته محكمة النقض الفرنسية من أنه:" كان يجب على البائع المهني، حث انتباه المشتري حول حقيقة المبيع، حيث أنه قد أغفل تنبيهه لذلك، فإنه يعتبر قد أخل بالتزامه بالإعلام اتجاه المشتري، ومن تم قررت المحكمة مسؤوليته وقضت بفسخ العقد بناء على طلب المشتري".
وما قررته محكمة الاستئناف أيضا، من "إدانة بائع أجهزة الحاسب الآلي، لإخلاله بالالتزام بالإعلام والنصيحة تجاه عميله المشتري العادي، وعدم مساعدته في اختيار الجهاز المناسب له، خاصة وأن هذا المشتري ليس خبرة في هذا المجال".
وقد استقر الفقه والقضاء على أن الكتمان في إطار العقود المبرمة عن بعد، يعد أحد وسائل التدليس سواء بشكله السلبي (الكتمان) أو الإيجابي (الخداع).
وفي الواقع فإن وضع قواعد خاصة بحماية المستهلك في العقود التي تبرم عن بعد، تنبع من طبيعة هذه العقود التي تؤدي بالبداهة إلى اختلاف أحكامها عن تلك العقود التي تبرم بين حاضرين[[15]]url:#_ftn15 .
ويضاف إلى ما سبق عنصر آخر في غاية الأهمية في نظرنا يبرر إفراد العقود عن بعد بأحكام خاصة، وهو أن المستهلك لن يكون بوسعه الحكم الدقيق على المنتوج الذي يتعاقد عليه، وذلك مهما بلغ وصف البائع له من دقة وأمانة، وهو ما يبرر بصفة خاصة التركيز على إعطاء المستهلك رخصة الرجوع[[16]]url:#_ftn16 (Droit de Rétractation) في العقد خلال مدة معينة تحسب عادة من تاريخ تسلمه للمنتوج الذي تعاقد عليه، وهو الحل الذي تبناه المشرع الفرنسي[[17]]url:#_ftn17 وكذلك التوجيه الأوروبي الصادر في عام 1997 والخاص بالعقود المبرمة عن بعد[[18]]url:#_ftn18 .

الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية لعقد التجارة الإلكترونية

إن العقود الإلكترونية التي تبرم بين الأطراف قد تتعلق بالبيع أو الشراء أو الإيجار، فمتى كان موضوعها سلعة استهلاكية يحتكرها شخص أو جهة ما، وقام هذا الشخص أو هذه الجهة بوضع عقد على الطرف الآخر إما أن يقبله أو يرفضه دون حق مناقشته أو تعديله، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان، أما إذا كان موضوعها سلعة عادية لا يحتكرها شخص أو جهة ما، وكان هناك تفاوض على بنود العقد وشروطه كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد رضائي.

أولا- عقد التجارة الإلكترونية عقد إذعان

أن محل العقد الإلكتروني أو موضوعه، قد يتخذ صورا عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع. وفي حالة ما انصب هذا المحل على توزيع سلعة أو توريد خدمة، فالعقد هنا كان عقد إذعان، بحيث تم بين محتكر توزيع تلك الخدمة وبين مستهلك لها[[19]]url:#_ftn19 ، وغالبا ما يكون محتكر توزيع تلك السلعة أو توريد تلك الخدمة هي جهة حكومية. فما المقصود بعقد الإذعان؟
فعقد الإذعان[[20]]url:#_ftn20 contrat d’adhésion، هو الذي ينعقد دون مناقشة ولا مساومة بين الطرفين، ففي هذا النوع من العقود يكون موقف أحد المتعاقدين موقف المطاوع لا يملك إلا أن يقبل شروطا يمليها الطرف الآخر أو يرفضها جملة، دون مفاوضة أو نقاش، وقد عرف هذا النوع من العقود عندما شاعت الاحتكارات القانونية لبعض المرافق العامة، كالماء والكهرباء والغاز ووسائل النقل العامة، فالراغب بالاشتراك في الغاز أو الكهرباء أو الماء أو الراغب في استعمال القطار، لا يستطيع أن يناقش ويساوم في شروط الاشتراك أو الاستعمال، بل ليس له إذا ما أراد التعاقد سوى الإذعان لإرادة الشركة المحتكرة، والقبول طائعا بالإيجاب الذي تعرضه عليه والذي يكون معدا مسبقا.
وقد انقسم الفقهاء[[21]]url:#_ftn21 في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين: فبعضهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية، ويذهب فريق آخر إلى أنها لا تختلف عن سائر العقود.
أما الفريق الأول، وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتبعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجييه وهوريو، فقد أنكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ.
ويرى الفريق الثاني، وهم غالبية فقهاء القانون المدني أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود، ومهما قيل أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الأخر، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي، ويكون ذلك بإحدى الوسيلتين أو بهما معا: الأولى وسيلة اقتصادية، فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر، والثانية وسيلة تشريعية حيث يتدخل المشرع لا القاضي لينظم عقود الإذعان[[22]]url:#_ftn22 .
وبناء على التعريف أعلاه، وفي ضوء العلاقة التعاقدية التي تجمع بين مهني متحكم ومستهلك مطاوع، فقد رأى الفقهاء في القانون الإنجليزي[[23]]url:#_ftn23 أن العقد الإلكتروني يحوي العلاقة نفسها بين طرفين غير متكافئين اقتصاديا، طرف قوي (تاجر مهني) وطرف ضعيف (مستهلك عادي) مما يصبغ عليه صفة عقد إذعاني، فالمتعاقد عبر شاشة الإنترنت، لا يمكن إلا أن يضغط على عدد من الخانات المفتوحة أمامه، في موقع البائع التي تضم المواصفات التي يرغب فيها ضمن السلع والخدمات وعلى الثمن المحدد سلفا الذي لا يملك المناقشة أو المفاوضة بشأنه مع المهني وكل ما يحتاج له إما قبول العقد برمته أو برفضه برمته.
إذن مما سبق، نستنتج أنه متى تعلق محل أو موضوع العقد الإلكتروني بسلعة أو خدمة تعتبر من الضروريات الأولية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومتى احتوى هذا العقد علاقة بين موجب مهني يحتكر احتكارا فعليا أو قانونيا شيئا يعد ضروريا لمستهلك ليس بمقدوره مناقشة أي جانب أو بند من بنود العقد، وما عليه سوى الرضوخ والتسليم بالشروط الواردة في الإيجاب، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان.

ثانيا- عقد التجارة الإلكترونية عقد تراضي

عقد التراضي[[24]]url:#_ftn24 أو عقد المساومة أو العقد العادي (Contrat de gréagré)، هو العقد الذي يتم التراضي فيه على أساس المساواة الفعلية والقانونية بين أطرافه، وتجري المناقشة والمساومة في بنوده وشروطه من قبل المتعاقدين اللذين يسهمان معا في المناقشة والمفاوضة والمساومة على وجه التعادل والمساواة وبمطلق الحرية.
وتوضع بنود هذا العقد والتزامات طرفيه وحقوقهم طبقا لما استقرت عليه المفاوضات التي تمت بينهما، دون أن يكون لأي منهما حق فرض شروطه على الطرف الآخر[[25]]url:#_ftn25 . لذلك يمكن القول بأن العقد الإلكتروني هو من حيث الأصل عقد تراضي حيث يكون فيه للأطراف حرية التعاقد، وإن كانت هناك شروط معدة سلفا فهم لا يجبرون على الموافقة عليها بل لهم حرية رفضها، إذ يجوز لهم شراء سلعة مماثلة من منتج أو مورد آخر، إذا لم تعجبهم الشروط المعروضة.
وعليه، فإن تفسير الشروط التي يضعها العارض إنما هي تحليل للإيجاب أو للدعوة إلى التعاقد، فهي تهدف إلى تسهيل عملية البيع والشراء التي تتم عن طريق أجهزة الكمبيوتر. وللتدليل على أن العقود الإلكترونية عقود تراضي، يمكننا أن نعتمد أيضا على عملية التعاقد المباشر بين الطرفين حيث يتفاوضان على شروط العقد مباشرة، دون أن ننسى الاعتماد كذلك على عملية التعاقد بواسطة البريد الإلكتروني، حيث لا يتم وضع شروط على الموقع، وإنما يتم إرسال إيجاب إلى أحد الأطراف فينظر فيه إما بالقبول أو بالرفض أو بالتعديل ما يراه مناسبا، فيصبح إيجابا جديدا، فهو اختيار بين فرضيات مختلفة ويشكل نوعا من التفاوض يؤدي إلى التعاقد.
فبناء على هذه الاعتبارات يمكننا القول أن العقد الإلكتروني هو عقد تراضي، سواء تم بطريقة التعاقد المباشر، أو عن طريق البريد الإلكتروني أو بواسطة المواقع التجارية على الإنترنت والتي تعرف بالعقود النموذجية[[26]]url:#_ftn26 .
إذن على ضوء ما قدمناه حول الطبيعة القانونية التي يمكن أن تكسو العقد الإلكتروني والأحوال التي يمكن اعتباره فيها عقد إذعان أو عقد تراضي، فما علينا بدورنا إلا أن نجزم على أن عقد التجارة الإلكترونية هو عقد خاص، ذو طبيعة قانونية خاصة تميزه عن غيره من العقود، سواء تلك التي تبرم بحضور الأطراف أو بغيابهم، لأنه حتى تلك العقود الأخرى التي تبرم عن بعد بواسطة الهاتف مثلا أو الفاكس تختلف بدورها عنه.

الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 -Guillaume Beaure d’augérs, Pierre Bresse et Stéphanie Thuilier: paiement numérique sur Internet, état de l’art, aspects juridiques et impact sur les métiers 1997, p : 76.
حيث يمكن تعريف الاتصالات عن بعد وفقا للفقرة الأولى من المادة الثانية من التشريع الفرنسي الصادر في 30 دجنبر 1986، بشأن حرية الاتصالات بأنها :"كل انتقال أو إرسال أو استقبال لرموز أو إشارات أو كتابة أو صور أو أصوات أو معلومات أيا كانت طبيعتها، بواسطة ألياف بصرية أو كهرباء لاسلكية أو أية أنظمة إلكترونية ومغناطيسية أخرى".
"On entend par télécommunication toute transmission, émission ou réception de signes, de signaux, d’images, de sons ou de renseignement de toute nature, par fil optique radioélectricité, ou autre systèmes électromagnétiques."
[[2]]url:#_ftnref2 - يمكن تعريف التفاعل بأنه:"إمكانية التبادل بين مستعمل نظام المعلومات والآلة، بواسطة نهاية طرفية متصلة بشاشة للرؤية". يراجع أسامة أبو الحسن: خصوصية التعاقد عبر الأنترنت، المجلد الأول من موسوعة مؤتمر القانون والكمبيوتر والإنترنت، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثانية 2004، الصفحة 129.
[[3]]url:#_ftnref3 -"une convention par laquelle une offre et une acceptation se rencontrent sur un réseau de télécommunication international, ouvert  selon un mode audiovisuel, grâce à l’interactivité entre l’offrant et l’acceptant…"voir, Beaure d’augére, Pierre Bresse et Stéphanie Thuilier, OP.cit, p : 76.
[[4]]url:#_ftnref4 - منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي: الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، مرجع سابق، 180.
[[5]]url:#_ftnref5 - Beaure d’augéres, pierre Bresse et Stephanie Thuilier, op.cit. p : 76.
[[6]]url:#_ftnref6 - إدريس الحياني وعمر انجوم: إبرام العقد الإلكتروني وفق القواعد العامة وعلى ضوء مشروع قانون التبادل الإلكتروني للبيانات القانونية، مقال منشور في المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد 11، أكتوبر 2006، الصفحة 48.
[[7]]url:#_ftnref7 -Nicole Totelle et Pascal Lointier: Internet pour les jurists, Dalloz, 1996, p: 23.
[[8]]url:#_ftnref8 - لقد جاء البند الثالث من هذا العقد النموذجي تحت عنوان: التعريف بالموجبidentification de l’auteur de l’offre  حيث ورد به وجوب ذكر اسم التاجر أو الشركة وعنوان مقر الشركة أو المؤسسة المسؤولة عن العرض والعنوان الإلكتروني (E-mail) ورقم الهاتف والفاكس. يراجع: أسامة مجاهد، خصوصية التعاقد عبر الانترنت، مرجع سابق، الصفحة 304.
[[9]]url:#_ftnref9 - إن عبارة التعاقد عن بعد تعني عدم وجود طرفي العقد في مكان واحد وفي وقت واحد وإن كان ذلك لا يخل بما يسمى "وحدة مجلس العقد" طالما أن طرفي العقد على اتصال ولو بوسيلة إلكترونية...يراجع: عمر انجوم "الحجية القانونية لوسائل الاتصال الحديثة"، مرجع سابق، الصفحة 56.
[[10]]url:#_ftnref10 - أحمد سالم الجنيبي: أحكام التعاقد بين الغائبين وتطبيقاتها على وسائل الاتصال الحديثة، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم الإسلامية، 2004-2005، الصفحة 26.
[[11]]url:#_ftnref11 -Beaura d’augére, Pierre Bresse et Stephanie Thuilier, op.cit, p: 79.
[[12]]url:#_ftnref12 - يعرف بأنه الشخص الذي يتصرف من أجل احتياجاته المهنية، ويعتمد تعريفه على طبيعة النشاط الذي يمارسه الشخص وهو النشاط المهني، فهو الذي يشتري البضائع من أجل إعادة بيعها وهو الذي يشتري مجموعة الآلات والأدوات اللازمة لتسيير مشروعاته على أفضل صورة فكل نشاط أو تعاقد يرتبط دائما بالنشاط المهني والتجاري له، على عكس المستهلك الذي يرتبط نشاطه دائما بالاستعمال الشخصي للسلعة أو الخدمة، وقد يكون المهني شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا يمارس نشاطا صناعيا أو زراعيا أو تجاريا الهدف منه الحصول على الربح، ويعد هذا الأخير معبرا عن عدم التكافؤ في العقود التي يبرمها مع المستهلك والذي يسعى من ورائها إلى الحصول على الربح بإغراء المستهلك وحثه على التعاقد.
يراجع، خالد عبد الفتاح محمد خليل: حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، السنة الجامعية 2001-2002، الصفحة 36.
[[13]]url:#_ftnref13 - فدوى مختاري: إبرام عقد التجارة الإلكترونية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة قانون الأعمال والاستثمار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2006-2007، الصفحة 24.
[[14]]url:#_ftnref14 - هذه الأحكام مشار إليها في مؤلف: سمير عبد السميع الأودن "العقد الإلكتروني" منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة 2005، الصفحة 125.
[[15]]url:#_ftnref15 -Jérôme Huet: le droit du multimédia de la télématique à Internet, rapport réalisé sous la direction de: Pierre Huet, Aftel, 1996 )cinquième partie : le commerce électronique, par gérome Huet (p : 234.
[[16]]url:#_ftnref16 - ما يلاحظ على مسألة رخصة الرجوع في العقد الإلكتروني أن خيار المجلس، كما يقول احد الباحثين، جعلته الشريعة عاملا حاسما في نفاذ العقد حيث يثبت في العقود الإلكترونية، وتكون صورته أن لكل واحد من المتعاقدين الحق في الرجوع عن البيع طالما كان متواصلا مع الجهاز، فان قام عنه، أو أغلقه بطوعه واختياره أو انتقل إلى معاملات أخرى أو مواقع أخرى سقط الخيار أي خيار الرجوع.
للمزيد من الإيضاح يراجع، ضويحي عبد الله بن محمد الضويحي: القواعد الفقهية الحاكمة للعقود ومدى تناولها للعقود الإلكترونية من حيث الانعقاد والإثبات، مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون، ما بين 10-12 ماي 2003، المجلد الخامس، الصفحة 200 وما بعدها.
[[17]]url:#_ftnref17 - حيث نصت المادة 16 من تقنين الاستهلاك الفرنسي على أنه:"يجوز للمشتري في كل عمليات البيع عن بعد، إرجاع المنتوج إلى البائع من أجل استبداله أو استرداد ثمنه في مدة سبعة أيام كاملة محسوبة من تاريخ تسليم طلبه، وذلك دون أية جزاءات باستثناء نفقات الإرجاع، فإذا صادف أن كان اليوم الأخير منها السبت أو الأحد أو يوم عطلة أو إضراب عن العمل، فإنها تمتد إلى يوم عمل يليه".
[[18]]url:#_ftnref18 - La directive concernant la protection des consommateurs en matière de contrats à distance, n97 mai 1997, p:19.
بالإضافة إلى تنظيمه لحق الرجوع، فقد وضع هذا التوجيه أيضا بعض الأحكام المفصلة لشأن التزام المورد بالإعلام المسبق للمستهلك ببعض المعلومات الأساسية بشأن العقد، ويراجع في شرح هذا التوجيه الأوروبي:
Jean Gatsi : la protection des consommateurs en matière de contrat à distance dans la directive du 30 Mai 1997, Dalloz, p 378 et suite.
[[19]]url:#_ftnref19 - منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي: الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، مرجع سابق، الصفحة 179.
[[20]]url:#_ftnref20 - مأمون الكزبري: نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، مرجع سابق، الصفحة 43.
[[21]]url:#_ftnref21 - عبد الرزاق أحمد السنهوري: مصادر الالتزام، مرجع سابق، الصفحة 246.
[[22]]url:#_ftnref22 - عبد الرزاق أحمد السنهوري: مصادر الالتزام، مرجع سابق، الصفحة 247.
[[23]]url:#_ftnref23 - إدريس الحياني وعمر أنجوم: إبرام العقد الإلكتروني وفق القواعد العامة وعلى ضوء مشروع قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، مرجع سابق، الصفحة 49.
[[24]]url:#_ftnref24 - إدريس العلوي العبدولاي: نظرية العقد، مرجع سابق، الصفحة 158.
[[25]]url:#_ftnref25 - منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي: الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، مرجع سابق، الصفحة 181.
[[26]]url:#_ftnref26 - إدريس الحياني وعمر أنجوم: إبرام العقد الإلكتروني وفق القواعد العامة وعلى ضوء مشروع قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، مرجع سابق، الصفحة 51.



الخميس 9 ماي 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter