بدأ الحديث عن مفهوم الزامية تنصيب محام لتمثيل الأطراف عند تقديم بعض الأنواع من الدعاوى أمام القضاء مع صدور ظهير 10 سبتمبر 1993 المعتبر بمثابة القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بالمغرب (2) خاصة المادة 31 منه (3)؛ وقبل ذلك لم يكن ظهير8 نونبر 1979 (4) يلزم المتقاضين بضرورة تنصيب محام للدفاع عنهم في جميع الدعاوى التي يرفعونها أمام المحاكم؛ واعتبر آنذاك الحديث عن احتكار مهنة المحاماة لبعض الأنواع من القضايا المدنية طفرة نوعية لتنظيم المهنة ولحماية حقوق المتقاضين خاصة بالنسبة لبعض الأنواع من القضايا الشائكة التي تتطلب ممن يمارسها دراية كافية بالمقتضيات القانونية.
ومع تقديم وزير العدل و الحريات لمسودة مشروع قانون المسطرة المدنية (5) خلال الندوة التي نظمتها وزارته بتاريخ: 14 يونيو 2014 بدأ الحديث من جديد عن موضوع هذا الاحتكار بعدما نصت هذه المسودة على مقتضيات جديدة تنظم بدقة مجاله بشكل يرفع الغموض الذي شاب مقتضيات قانون المحاماة لسنة 1993 وسايره فيها ظهير 20 أكتوبر 2008 (6)؛ فهل ضيقت أم توسعت هذه المسودة في مجال احتكار المحامي لتقديم الدعاوى في القضايا المدنية؟
للجواب على هذا السؤال ينبغي في البداية وضع الإطار القانوني الذي ينظم مجال احتكار مهنة المحاماة لتمثيل الأطراف في بعض القضايا المدنية، ثم بعد ذلك مناقشة مدى توسع مجاله من خلال إجراء مقارنة بين قانون المحاماة وقانون المسطرة المدنية و مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.
أولا) الإطار القانوني:
نصت المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة (ظهير 20 أكتوبر 2008) أن " المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا:
- التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية،
- وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية،
- والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا"
من خلال القراءة الأولية لهذا النص يتبين أن قانون المحاماة جعل المحامي هو المؤهل وحده في تقديم المقالات و المستنتجات و المذكرات الدفاعية من اجل تمثيل الأطراف في جميع القضايا المدنية ما عدا المستثنيات التي نص عليها صراحة، فإذا كان احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية يبرز بقوة عند تقديم الدعاوى أمام القضاء بمقتضى مقالات مكتوبة فإنه كان لزاما الربط بين مقتضيات هذه المادة وما نص عليه قانون المسطرة المدنية بشأن كيفية تقديم الدعاوى أمام المحاكم حيث جاء في الفصل 31 منه:
"ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع.
و الفصل 45 الذي جاء فيه "تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستينافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستيناف وفقا لأحكام الفصول 329 و331 و332 و334 و335 و336 و342 و344 الآتية بعده.
تمارس المحكمة الابتدائية ورئيسها أو القاضي المقرر، كل فيما يخصه، الاختصاصات المخولة حسب الفصول المذكورة لمحكمة الاستيناف ولرئيسها الأول أو للمستشار المقرر.
غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية.
1 - القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
2 - قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
3 - القضايا الاجتماعية؛
4 - قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
5 - قضايا الحالة المدنية."
إن ما أشار إليه المشرع في قانون المحاماة من مجال احتكار المحامي لتقديم المقالات و المستنتجات والمذكرات أمام المحاكم بصفة عامة حدده قانون المسطرة المدنية حينما بين بدقة القضايا التي يكون فيها لزوما تقديم هذه المقالات المكتوبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في بعض القضايا الأخرى يمكن رفع الدعوى أمام المحاكم بمقتضى تصريح من المدعي يتلقاه كاتب الضبط؛ لكن إذا كان مجال احتكار مهنة المحاماة لبعض القضايا المدنية تتقاسمه مقتضيات فصول مختلفة أحدها يوجد في قانون المحاماة و الباقي في قانون المسطرة المدنية فإن المسودة (7) التي وضعتها وزارة العدل جاءت من أجل رفع هذه الازدواجية القانونية في تنظيم مجال احتكار مهنة المحاماة من خلال جمعه في مادة وحيدة هي المادة: 44 التي جاء فيها: "ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الاتفاقيات الدولية.
غير انه يجوز للمدعي تقديم مقال موقع من طرفه شخصيا في الحالات الآتية:
- قضايا الزواج و النفقة والطلاق والتطليق والحضانة؛
- القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا طبقا للمادة 25 أعلاه؛
- قضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛
- التي ينص عليها القانون؛
- إذا كان طرفا الدعوى أو أحدهما قاضيا أو محاميا أمكن لهما و لمن يخاصمهما الترافع شخصيا
ثانيا) مجال إلزامية تنصيب محامي في الدعاوى المدنية:
كما سبقت الإشارة فإن مفهوم احتكار مهنة المحاماة لتمثيل الأطراف في بعض الدعاوى المدنية المرفوعة أمام القضاء كما هو معمول به الآن لم ير النور إلا مع صدور ظهير 10 سبتمبر 1993 المعتبر بمثابة القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بالمغرب؛ ومنذ صدور هذا الظهير استقر العمل القضائي بالمحاكم على اعتبار أن مجال احتكار مهنة المحاماة ينحصر فقط في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية ودليله في ذلك أن المشرع في المادة 31 أعلاه أعطى الحق للمحامين حصرا بتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية وهذه الوسائل لا تنطبق إلا على المساطر الكتابية؛ وعلى هذا الأساس استقر العمل القضائي بالمحاكم على حصر مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية، ومعنى ذلك أن القضايا التي تطبق فيها المسطرة الشفوية في التقاضي مستثناة من مجال احتكار مهنة المحاماة، وقد استمر هذا التفسير القضائي للمادة 31 دون أية معارضة رغم صدور ظهير 20 أكتوبر 2008 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة مادامت المادة 32 منه سارت في نفس المنحى بالتأكيد على نفس العبارة وهي تقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية من طرف المحامين.
و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية نجد أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:
1 - القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
2 - قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
3 - القضايا الاجتماعية؛
4 - قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
5 - قضايا الحالة المدنية.
وإذا ما قارنا مجال احتكار مهنة المحاماة في وضعه الحالي مع مشروع المسودة نجد أن هذا المجال قد اتسع على اعتبار أن المادة 44 من مسودة المشروع نصت صراحة على هذا الاحتكار على خلاف سابقتها حيث جاء فيها " ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الاتفاقيات الدولية" وتبعا لذلك فإن جميع الدعاوى أضحت ترفع بواسطة مقال مكتوب يوقعه المحامي ولم يبق هناك مجال لرفع الدعوى بمقتضى التصريح الذي يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا؛ و رغم ما يمكن أن يقال بأن هذا النوع من التقاضي لم يبق له وجود؛ لكن من خلال ملاحظة العديد من الملفات الرائجة بالمحاكم فإن قضايا حوادث الشغل لازال القضاء يعتمد فيها على مجرد تصريح الأجير بمحضر الجلسة في رغبته في الحصول على التعويضات المستحقة له، ومادام القانون يسمح بسلوك هذه الوسيلة في رفع الدعاوى فإنه يتعين أخذها بعين الاعتبار ولو كان الأغلب الأعم من المتقاضين لا يلجؤون إليها.
وإذا كانت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية قد استثنت من احتكار مهنة المحاماة بعض القضايا التي عددتها في المادة 44 من ضمنها قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة؛ والقضايا التي لا تتجاوز قيمة الطلبات فيها 5000 درهم؛ والقضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛ فإن القاسم المشترك بين هذه القضايا أن المسطرة القانونية المتبعة بشأنها تتسم بالبساطة بالمقارنة مع باقي الأنواع الأخرى؛ وهي بالتالي لا تتطلب من صاحبها الإلمام الكبير بالمساطر والمقتضيات القانونية الواجبة التطبيق، كما أنها تمس إحدى أهم الشرائح الهشة من المجتمع التي لا تقدر على تحمل تكاليف تنصيب محام للدفاع عنها مثل النساء المهجورات والمطلقات؛ لكن ورغم ذلك ينبغي التذكير بأن دعاوى سماع الزوجية قد انتهى أجل تقديمها منذ الأسبوع الأول من شهر فبراير 2014 وهي التي تشكل الرافد الأكبر من روافد قضايا الزواج، وبالتالي فإن استثناءها من إلزامية المحامي لا تأثير له على مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية مادامت قد أضحت لحد الآن في حكم العدم ؛ وبالنسبة لقضايا الحالة المدنية فإن توسيع مجال اختصاص الإدارة في تنقيح بيانات الحالة المدنية الغير المنازع فيها من دون اللجوء إلى القضاء أضحى ضرورة ملحة يفرضها مبدأ التخفيف من الأعباء الملقاة على عاتق القضاة الشيء الذي سيقلل من أهمية هذا النوع من القضايا ومدى تأثيرها على مجال احتكار مهنة المحاماة.
لقد أثبتت التجربة أن أغلب المتقاضين الذين يودون تقديم دعوى في مواجهة أحد القضاة أو المحامين يصعب عليهم إيجاد محام ينوب عنهم في ذلك؛ سواء بدافع الحرج الذي يتذرع به الكثير تجنبا لمواجهة زميل لهم يشتغلون معه في نفس المجال؛ أو من حيث فرض القوانين الداخلية للنقابات الحصول على إذن خاص من النقيب قبل تقديم أي دعوى من طرف محام في مواجهة زميله داخل نفس النقابة، الشيء الذي يدفع الكثير من المحامين إلى الاعتذار لزبنائهم من تقديم الدعاوى القضائية في مواجهة زملائهم؛ ولقد صنعت المسودة خيرا عندما رفعت هذا الحرج عن المتقاضين حيث مكنتهم من تقديم دعواهم شخصيا في مواجهة القاضي و المحامي على حد سواء، كما مكنت هذين الأخيرين من تقديم الدعاوى بصفة شخصية وهما أدرى الناس بالمساطر القانونية و بالإجراءات ولا ضير من أن يمارسوها من دون حاجة لمن يدافع عنهما.
وخلاصة القول فإن مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية قد اتسع بالنسبة لمسودة مشروع قانون المسطرة المدنية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار امتداد هذا المجال ليشمل القضايا الاجتماعية؛ وقضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء التي تتجاوز قيمة الطلبات فيها 5000 درهم نظرا لأهميتها سواء من حيث عددها داخل المحاكم أو من حيث حجم المبالغ المحكوم بها بسببها.
هوامش:
1 - حاصل على دكتوراه الدولة في القانون من كلية القانون والعلوم الاجتماعية بجامعة غرناطة باسبانيا.
2 - ظهير شريف رقم 162 .93 .1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة
- منشور بالجريدة الرسمية عدد 4421 (14/10/1996) -
3- المادة 31 من ظهير 10 سبتمبر 1993 "المحامون المقيدون بجدول هيآت المحامين بالمملكة هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف ومؤازرتهم لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية وقضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية و الاستئنافية والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائنا. .."
4- ظهير شريف رقم 1.79.306 بتاريخ 17 ذي الحجة 1399 (8 نونبر 1979) يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 19.79 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3499 الصادرة بتاريخ فاتح محرم 1400 (21 نونبر 1979)
5- راجع نص المسودة على موقع وزارة العدل و الحريات من خلال هذا الرابط: http://www.justice.gov.ma/forumLegislation/Docs/AvantProjets/Projet_PCivil.pdf
6- ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 7 ذو القعدة 1429 (6 نوفمبر 2008)، ص 4044.
7- مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية
ومع تقديم وزير العدل و الحريات لمسودة مشروع قانون المسطرة المدنية (5) خلال الندوة التي نظمتها وزارته بتاريخ: 14 يونيو 2014 بدأ الحديث من جديد عن موضوع هذا الاحتكار بعدما نصت هذه المسودة على مقتضيات جديدة تنظم بدقة مجاله بشكل يرفع الغموض الذي شاب مقتضيات قانون المحاماة لسنة 1993 وسايره فيها ظهير 20 أكتوبر 2008 (6)؛ فهل ضيقت أم توسعت هذه المسودة في مجال احتكار المحامي لتقديم الدعاوى في القضايا المدنية؟
للجواب على هذا السؤال ينبغي في البداية وضع الإطار القانوني الذي ينظم مجال احتكار مهنة المحاماة لتمثيل الأطراف في بعض القضايا المدنية، ثم بعد ذلك مناقشة مدى توسع مجاله من خلال إجراء مقارنة بين قانون المحاماة وقانون المسطرة المدنية و مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.
أولا) الإطار القانوني:
نصت المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة (ظهير 20 أكتوبر 2008) أن " المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا:
- التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية،
- وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية،
- والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا"
من خلال القراءة الأولية لهذا النص يتبين أن قانون المحاماة جعل المحامي هو المؤهل وحده في تقديم المقالات و المستنتجات و المذكرات الدفاعية من اجل تمثيل الأطراف في جميع القضايا المدنية ما عدا المستثنيات التي نص عليها صراحة، فإذا كان احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية يبرز بقوة عند تقديم الدعاوى أمام القضاء بمقتضى مقالات مكتوبة فإنه كان لزاما الربط بين مقتضيات هذه المادة وما نص عليه قانون المسطرة المدنية بشأن كيفية تقديم الدعاوى أمام المحاكم حيث جاء في الفصل 31 منه:
"ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع.
و الفصل 45 الذي جاء فيه "تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستينافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستيناف وفقا لأحكام الفصول 329 و331 و332 و334 و335 و336 و342 و344 الآتية بعده.
تمارس المحكمة الابتدائية ورئيسها أو القاضي المقرر، كل فيما يخصه، الاختصاصات المخولة حسب الفصول المذكورة لمحكمة الاستيناف ولرئيسها الأول أو للمستشار المقرر.
غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية.
1 - القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
2 - قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
3 - القضايا الاجتماعية؛
4 - قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
5 - قضايا الحالة المدنية."
إن ما أشار إليه المشرع في قانون المحاماة من مجال احتكار المحامي لتقديم المقالات و المستنتجات والمذكرات أمام المحاكم بصفة عامة حدده قانون المسطرة المدنية حينما بين بدقة القضايا التي يكون فيها لزوما تقديم هذه المقالات المكتوبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في بعض القضايا الأخرى يمكن رفع الدعوى أمام المحاكم بمقتضى تصريح من المدعي يتلقاه كاتب الضبط؛ لكن إذا كان مجال احتكار مهنة المحاماة لبعض القضايا المدنية تتقاسمه مقتضيات فصول مختلفة أحدها يوجد في قانون المحاماة و الباقي في قانون المسطرة المدنية فإن المسودة (7) التي وضعتها وزارة العدل جاءت من أجل رفع هذه الازدواجية القانونية في تنظيم مجال احتكار مهنة المحاماة من خلال جمعه في مادة وحيدة هي المادة: 44 التي جاء فيها: "ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الاتفاقيات الدولية.
غير انه يجوز للمدعي تقديم مقال موقع من طرفه شخصيا في الحالات الآتية:
- قضايا الزواج و النفقة والطلاق والتطليق والحضانة؛
- القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا طبقا للمادة 25 أعلاه؛
- قضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛
- التي ينص عليها القانون؛
- إذا كان طرفا الدعوى أو أحدهما قاضيا أو محاميا أمكن لهما و لمن يخاصمهما الترافع شخصيا
ثانيا) مجال إلزامية تنصيب محامي في الدعاوى المدنية:
كما سبقت الإشارة فإن مفهوم احتكار مهنة المحاماة لتمثيل الأطراف في بعض الدعاوى المدنية المرفوعة أمام القضاء كما هو معمول به الآن لم ير النور إلا مع صدور ظهير 10 سبتمبر 1993 المعتبر بمثابة القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بالمغرب؛ ومنذ صدور هذا الظهير استقر العمل القضائي بالمحاكم على اعتبار أن مجال احتكار مهنة المحاماة ينحصر فقط في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية ودليله في ذلك أن المشرع في المادة 31 أعلاه أعطى الحق للمحامين حصرا بتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية وهذه الوسائل لا تنطبق إلا على المساطر الكتابية؛ وعلى هذا الأساس استقر العمل القضائي بالمحاكم على حصر مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا التي تطبق فيها المسطرة الكتابية، ومعنى ذلك أن القضايا التي تطبق فيها المسطرة الشفوية في التقاضي مستثناة من مجال احتكار مهنة المحاماة، وقد استمر هذا التفسير القضائي للمادة 31 دون أية معارضة رغم صدور ظهير 20 أكتوبر 2008 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة مادامت المادة 32 منه سارت في نفس المنحى بالتأكيد على نفس العبارة وهي تقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية من طرف المحامين.
و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية نجد أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:
1 - القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
2 - قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
3 - القضايا الاجتماعية؛
4 - قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
5 - قضايا الحالة المدنية.
وإذا ما قارنا مجال احتكار مهنة المحاماة في وضعه الحالي مع مشروع المسودة نجد أن هذا المجال قد اتسع على اعتبار أن المادة 44 من مسودة المشروع نصت صراحة على هذا الاحتكار على خلاف سابقتها حيث جاء فيها " ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الاتفاقيات الدولية" وتبعا لذلك فإن جميع الدعاوى أضحت ترفع بواسطة مقال مكتوب يوقعه المحامي ولم يبق هناك مجال لرفع الدعوى بمقتضى التصريح الذي يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا؛ و رغم ما يمكن أن يقال بأن هذا النوع من التقاضي لم يبق له وجود؛ لكن من خلال ملاحظة العديد من الملفات الرائجة بالمحاكم فإن قضايا حوادث الشغل لازال القضاء يعتمد فيها على مجرد تصريح الأجير بمحضر الجلسة في رغبته في الحصول على التعويضات المستحقة له، ومادام القانون يسمح بسلوك هذه الوسيلة في رفع الدعاوى فإنه يتعين أخذها بعين الاعتبار ولو كان الأغلب الأعم من المتقاضين لا يلجؤون إليها.
وإذا كانت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية قد استثنت من احتكار مهنة المحاماة بعض القضايا التي عددتها في المادة 44 من ضمنها قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة؛ والقضايا التي لا تتجاوز قيمة الطلبات فيها 5000 درهم؛ والقضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛ فإن القاسم المشترك بين هذه القضايا أن المسطرة القانونية المتبعة بشأنها تتسم بالبساطة بالمقارنة مع باقي الأنواع الأخرى؛ وهي بالتالي لا تتطلب من صاحبها الإلمام الكبير بالمساطر والمقتضيات القانونية الواجبة التطبيق، كما أنها تمس إحدى أهم الشرائح الهشة من المجتمع التي لا تقدر على تحمل تكاليف تنصيب محام للدفاع عنها مثل النساء المهجورات والمطلقات؛ لكن ورغم ذلك ينبغي التذكير بأن دعاوى سماع الزوجية قد انتهى أجل تقديمها منذ الأسبوع الأول من شهر فبراير 2014 وهي التي تشكل الرافد الأكبر من روافد قضايا الزواج، وبالتالي فإن استثناءها من إلزامية المحامي لا تأثير له على مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية مادامت قد أضحت لحد الآن في حكم العدم ؛ وبالنسبة لقضايا الحالة المدنية فإن توسيع مجال اختصاص الإدارة في تنقيح بيانات الحالة المدنية الغير المنازع فيها من دون اللجوء إلى القضاء أضحى ضرورة ملحة يفرضها مبدأ التخفيف من الأعباء الملقاة على عاتق القضاة الشيء الذي سيقلل من أهمية هذا النوع من القضايا ومدى تأثيرها على مجال احتكار مهنة المحاماة.
لقد أثبتت التجربة أن أغلب المتقاضين الذين يودون تقديم دعوى في مواجهة أحد القضاة أو المحامين يصعب عليهم إيجاد محام ينوب عنهم في ذلك؛ سواء بدافع الحرج الذي يتذرع به الكثير تجنبا لمواجهة زميل لهم يشتغلون معه في نفس المجال؛ أو من حيث فرض القوانين الداخلية للنقابات الحصول على إذن خاص من النقيب قبل تقديم أي دعوى من طرف محام في مواجهة زميله داخل نفس النقابة، الشيء الذي يدفع الكثير من المحامين إلى الاعتذار لزبنائهم من تقديم الدعاوى القضائية في مواجهة زملائهم؛ ولقد صنعت المسودة خيرا عندما رفعت هذا الحرج عن المتقاضين حيث مكنتهم من تقديم دعواهم شخصيا في مواجهة القاضي و المحامي على حد سواء، كما مكنت هذين الأخيرين من تقديم الدعاوى بصفة شخصية وهما أدرى الناس بالمساطر القانونية و بالإجراءات ولا ضير من أن يمارسوها من دون حاجة لمن يدافع عنهما.
وخلاصة القول فإن مجال احتكار مهنة المحاماة في القضايا المدنية قد اتسع بالنسبة لمسودة مشروع قانون المسطرة المدنية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار امتداد هذا المجال ليشمل القضايا الاجتماعية؛ وقضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء التي تتجاوز قيمة الطلبات فيها 5000 درهم نظرا لأهميتها سواء من حيث عددها داخل المحاكم أو من حيث حجم المبالغ المحكوم بها بسببها.
هوامش:
1 - حاصل على دكتوراه الدولة في القانون من كلية القانون والعلوم الاجتماعية بجامعة غرناطة باسبانيا.
2 - ظهير شريف رقم 162 .93 .1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة
- منشور بالجريدة الرسمية عدد 4421 (14/10/1996) -
3- المادة 31 من ظهير 10 سبتمبر 1993 "المحامون المقيدون بجدول هيآت المحامين بالمملكة هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف ومؤازرتهم لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية وقضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية و الاستئنافية والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائنا. .."
4- ظهير شريف رقم 1.79.306 بتاريخ 17 ذي الحجة 1399 (8 نونبر 1979) يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 19.79 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3499 الصادرة بتاريخ فاتح محرم 1400 (21 نونبر 1979)
5- راجع نص المسودة على موقع وزارة العدل و الحريات من خلال هذا الرابط: http://www.justice.gov.ma/forumLegislation/Docs/AvantProjets/Projet_PCivil.pdf
6- ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 7 ذو القعدة 1429 (6 نوفمبر 2008)، ص 4044.
7- مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية