الفصلان 56و79 من قانون التحفيظ العقاري لا يتماشيان مع مدونة الأسرة
ورد في الفصل 79 من ظهير 9 رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري أنه: (تسجل حقوق المرأة المتزوجة بطلب من زوجها وإلا فبطلب منها أو من أقاربها أو أصدقائها).
إن المتمعن في هذا الفصل يجده يثير الملاحظات التالية:
ـ أولا: أنه ورد في الباب الثاني من القانون المذكور تحت عنوان في السجلات والحال أنه كان من المفروض أن يأتي في ظهير 19 رجب 1333 الموافق 12 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ما دام أن الأمر يتعلق بتقييد حقوق عينية أو تكاليف عقارية المترتبة على عقار محفظ.
وهذا ما أكد عليه الفصل 2 من ظهير 19 رجب عندما نص على أن ضمان الحقوق العينية أو التكاليف العقارية ولو بين الأطراف، لا يحصل إلا بإعلانها عن طريق تقييدها بصفة موجزة في السجلات العقارية.
ـ ثانيا: إن الفصل 72 المذكور يؤكد على أن تسجيل حقوق المرأة في السجلات العقارية يكون بطلب منها إذا كانت متزوجة أو بطلب من زوجها أو أقاربها أو أصدقائها دون أن يحدد الطريقة التي يمكن بها لهؤلاء المطالبة بتسجيل تلك الحقوق، هل بإرادة منفردة أو لابد من الحصول على توكيل خاص.
وإذا كان الأمر يتطلب توكيلا خاصا، ألم يكن من الواجب التنصيص على ذلك ما دامت الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه، ومن تم يمكن للزوج أن يتلقى توكيلا من زوجته كما يمكن لهذه الأخيرة أن تتلقى توكيلا خاصا من زوجها أو من غيره.
أما إذا كان الأمر يتعلق بوصاية على المرأة المتزوجة من طرف الغير سواء كان هذا الغير الزوج أو أحد الأصدقاء أو الأقارب، فالأمر يختلف، وبالتالي ما يجري على المرأة المتزوجة لا يجري على الرجل المتزوج وفي هذا مس صريح برتبة المرأة في المجتمع الإسلامي ، حيث يكون للمرأة مكانة خاصة ولها الحق في أن تستقل بذمتها المالية.
ولاشك أن الوضع هنا ينسحب على المرأة المتزوجة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، وعليه سيكون تمييزا ضد المرأة تبعا لقانون أحوالها الشخصية.
وقد نص الفصل 56 من ظهير 9 رمضان 1331 السالف الذكر على أنه إذا حرر الرسم العقاري أو سجل به حق عيني في اسم امرأة متزوجة ليس لها حرية إدارة أموالها لها حسب قانون الأحوال الشخصية الذي تخضع له وجب التنصيص في الرسم على هذا الوضع وحين تسترجع هذه المرأة حرية إدارة أموالها يمكنها الحصول على تغيير في رسمها.
يستخلص مما سبق أن كلا من الفصلين 56 و 79 من قانون التحفيظ العقاري يميزا بين المرأة المتزوجة والمرأة غير المتزوجة، حيث كل القيود تنصب على الأولى دون غيرها.
والتساؤل المطروح هل هذان الفصلان قد ألغيا بصدور مدونة الأسرة بتاريخ 3 فبراير 2004؟
بداية لابد من الإشارة إلى أن مدونة الأسرة تسري طبقا للمادة 2 منها على الأشخاص المذكورين أسفله:
1 : جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى
2 : اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية.
3 : العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا.
4: العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم.
وقد استثنت الفقرة الأخيرة من هذه المادة اليهود المغاربة حيث تسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.
لكن، هل تسري هذه المدونة على المسيحيين المغاربة؟
في اعتقادنا يمكن أن تطبق أحكام مدونة الأسرة على كل المغاربة سواء كانوا مسيحيين أو يهودا حتى تحققت بعض الشروط، أهمها بالنسبة للمسيحي المغربي متى كانت هناك علاقة بين المسيحيين المغاربة أو مسيحي ويهودي أو مسلم مغربي، لأن ذلك ما يدخل ضمن تحت طائلة الفقرة 3 . ويجري نفس الأمر متى كانت العلاقة تربط بين مسلم وغير مسلم، سواء كان مسيحيا أو يهوديا. ومن تم لاترسي أحكام مدونة الأسرة إذا كانت العلاقة تربط بين يهوديين، لأنها خاضعة لقواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.
ويبقى السؤال معلقا إذا كانت العلاقة تربط بين مغربي وعديم الجنسية، إلا أننا نرى أن مدونة الأسرة تسري على هذه العلاقة مادام أحد الطرفين يحمل الجنسية المغربية.
يستخلص مما سبق أن مدونة الأسرة تعترف للزوجة كما للزوج بذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يمكن لهما في إطار تدبير الأموال الإتفاق على كيفية تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج (المادة 49 من مدونة الأسرة). وهذا يعني أنه لاتوجد أية مدونة للأحوال الشخصية تقر بعدم حرية المرأة في إدارة أموالها على الأقل بالنسبة للمسلم والمسيحي، الشيء الذي يفيد أن كل المدونات المتعلقة بالقانون العقاري المغربي التي تشير أن الفصلين 56 و79 من قانون التحفيظ العقاري لم يعدا متماشيين مع الوضع الحالي، وغير مرتكزة على أسس قانونية مادام أن مدونة الأسرة المغربية فصلت بين الذمة المالية للزوجين، كما أنها أشارت في المادة 397 على أنه تنسخ جميع الأحكام المخالفة لمقتضياتها، فضلا على أن المادة 400 منها نصت على أن كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
الدكتور: العربي مياد ـ أستاذ باحث
جريدة العلم
ورد في الفصل 79 من ظهير 9 رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري أنه: (تسجل حقوق المرأة المتزوجة بطلب من زوجها وإلا فبطلب منها أو من أقاربها أو أصدقائها).
إن المتمعن في هذا الفصل يجده يثير الملاحظات التالية:
ـ أولا: أنه ورد في الباب الثاني من القانون المذكور تحت عنوان في السجلات والحال أنه كان من المفروض أن يأتي في ظهير 19 رجب 1333 الموافق 12 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ما دام أن الأمر يتعلق بتقييد حقوق عينية أو تكاليف عقارية المترتبة على عقار محفظ.
وهذا ما أكد عليه الفصل 2 من ظهير 19 رجب عندما نص على أن ضمان الحقوق العينية أو التكاليف العقارية ولو بين الأطراف، لا يحصل إلا بإعلانها عن طريق تقييدها بصفة موجزة في السجلات العقارية.
ـ ثانيا: إن الفصل 72 المذكور يؤكد على أن تسجيل حقوق المرأة في السجلات العقارية يكون بطلب منها إذا كانت متزوجة أو بطلب من زوجها أو أقاربها أو أصدقائها دون أن يحدد الطريقة التي يمكن بها لهؤلاء المطالبة بتسجيل تلك الحقوق، هل بإرادة منفردة أو لابد من الحصول على توكيل خاص.
وإذا كان الأمر يتطلب توكيلا خاصا، ألم يكن من الواجب التنصيص على ذلك ما دامت الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه، ومن تم يمكن للزوج أن يتلقى توكيلا من زوجته كما يمكن لهذه الأخيرة أن تتلقى توكيلا خاصا من زوجها أو من غيره.
أما إذا كان الأمر يتعلق بوصاية على المرأة المتزوجة من طرف الغير سواء كان هذا الغير الزوج أو أحد الأصدقاء أو الأقارب، فالأمر يختلف، وبالتالي ما يجري على المرأة المتزوجة لا يجري على الرجل المتزوج وفي هذا مس صريح برتبة المرأة في المجتمع الإسلامي ، حيث يكون للمرأة مكانة خاصة ولها الحق في أن تستقل بذمتها المالية.
ولاشك أن الوضع هنا ينسحب على المرأة المتزوجة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، وعليه سيكون تمييزا ضد المرأة تبعا لقانون أحوالها الشخصية.
وقد نص الفصل 56 من ظهير 9 رمضان 1331 السالف الذكر على أنه إذا حرر الرسم العقاري أو سجل به حق عيني في اسم امرأة متزوجة ليس لها حرية إدارة أموالها لها حسب قانون الأحوال الشخصية الذي تخضع له وجب التنصيص في الرسم على هذا الوضع وحين تسترجع هذه المرأة حرية إدارة أموالها يمكنها الحصول على تغيير في رسمها.
يستخلص مما سبق أن كلا من الفصلين 56 و 79 من قانون التحفيظ العقاري يميزا بين المرأة المتزوجة والمرأة غير المتزوجة، حيث كل القيود تنصب على الأولى دون غيرها.
والتساؤل المطروح هل هذان الفصلان قد ألغيا بصدور مدونة الأسرة بتاريخ 3 فبراير 2004؟
بداية لابد من الإشارة إلى أن مدونة الأسرة تسري طبقا للمادة 2 منها على الأشخاص المذكورين أسفله:
1 : جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى
2 : اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية.
3 : العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا.
4: العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم.
وقد استثنت الفقرة الأخيرة من هذه المادة اليهود المغاربة حيث تسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.
لكن، هل تسري هذه المدونة على المسيحيين المغاربة؟
في اعتقادنا يمكن أن تطبق أحكام مدونة الأسرة على كل المغاربة سواء كانوا مسيحيين أو يهودا حتى تحققت بعض الشروط، أهمها بالنسبة للمسيحي المغربي متى كانت هناك علاقة بين المسيحيين المغاربة أو مسيحي ويهودي أو مسلم مغربي، لأن ذلك ما يدخل ضمن تحت طائلة الفقرة 3 . ويجري نفس الأمر متى كانت العلاقة تربط بين مسلم وغير مسلم، سواء كان مسيحيا أو يهوديا. ومن تم لاترسي أحكام مدونة الأسرة إذا كانت العلاقة تربط بين يهوديين، لأنها خاضعة لقواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.
ويبقى السؤال معلقا إذا كانت العلاقة تربط بين مغربي وعديم الجنسية، إلا أننا نرى أن مدونة الأسرة تسري على هذه العلاقة مادام أحد الطرفين يحمل الجنسية المغربية.
يستخلص مما سبق أن مدونة الأسرة تعترف للزوجة كما للزوج بذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يمكن لهما في إطار تدبير الأموال الإتفاق على كيفية تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج (المادة 49 من مدونة الأسرة). وهذا يعني أنه لاتوجد أية مدونة للأحوال الشخصية تقر بعدم حرية المرأة في إدارة أموالها على الأقل بالنسبة للمسلم والمسيحي، الشيء الذي يفيد أن كل المدونات المتعلقة بالقانون العقاري المغربي التي تشير أن الفصلين 56 و79 من قانون التحفيظ العقاري لم يعدا متماشيين مع الوضع الحالي، وغير مرتكزة على أسس قانونية مادام أن مدونة الأسرة المغربية فصلت بين الذمة المالية للزوجين، كما أنها أشارت في المادة 397 على أنه تنسخ جميع الأحكام المخالفة لمقتضياتها، فضلا على أن المادة 400 منها نصت على أن كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
الدكتور: العربي مياد ـ أستاذ باحث
جريدة العلم