عاشت مدينة الدريوش؛ التي توجد في الجهة الشرقية حسب التقسيم الجهوي الجديد للمملكة، مأساة ورعبا سنة 2008، بسبب فيضانات شهدتها المنطقة، والتي خلفت خسائر مادية وبشرية كبيرة، ولحدود الساعة لم يتم تعويض الضحايا، وذلك راجع لسببين؛ الأول يتمثل في غياب وعي حقوقي لدى المواطنين وكذا الضعف التكويني على المستوى القانوني للمجتمع المدني و النخب السياسية التي كانت تدافع عن هؤلاء الضحايا، والسبب الثاني يتمثل في مدى وجود مسؤول عن هذه الكارثة من عدمه؟ ونحن اليوم كباحثين أكاديميين في ملتقى علمي دولي يقارب الجماعات الترابية من باب حقوق الإنسان، نطرح من جهتنا هذه الإشكالية ونتساءل:
من المسؤول عن هذه الكارثة؟
هل يمكن أن نعتبر الفيضانات التي عرفتها مدينة الدريوش تتعلق بالقوة القاهرة المشار إليها في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود؟ وبالتالي عدم مسؤولية الجماعات الترابية عن الكارثة، أم أن الأمر يتعلق بمقتضيات المادة 79 من نفس القانون المتعلق بمسؤولية الدولة والجماعات الترابية عما حدث من أضرار للمواطنين؟
بالعودة إلى قانون الإلتزامات والعقود المغربي نجد أنه أعطى تعريفا للقوة القاهرة في الفصل 269 واعتبر أن هذه الأخيرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه؛ وبالتالي هل يمكن اعتبار فيضانات مدينة الدريوش غير متوقعة؟ سنحاول أن نكيف هذا مع الواقع لمعرفة مدى إمكانية توقع هذه الكارثة من عدمها إنطلاقا من الوقائع التالية:
- نعلم جيدا أن مديرية الأرصاد الجوية دائما ما تقدم نشرات جوية لتوقع الأمطار التي ستعرفها المنطقة وكذا كميتها، وعليه كان بإمكان المسؤولين التنبؤ بمدى خطورة هذه التساقطات.
- الظرفية التي حدثت فيها هذه الكارثة هي في فصل الشتاء، إذا التوقع بسقوط الأمطار أمر وارد، وخصوصا أن المناطق المجاورة لمدينة الدريوش تعرف تساقطات مطرية كبيرة.
- جميع المسؤولين داخل المدينة يعلمون أن "واد كرت" الذي تسبب في الحادثة تصب فيه مجموعة من الوديان ويأتي من أماكن بعيدة، ودائما ما يكون منسوبه مرتفع بشكل كبير وخطير وبشكل سنوي.
- ومن خلال هذه الوقائع يتبين لنا أن الأمر كان من الممكن توقعه
- الواد لايتوفر على أي سد رغم خطورته، وبالتالي لو قام المسؤولون ببناء سد لما حدثت هذه الكارثة.
- الواد الذي سبب في هذه الفيضانات يأتي من مناطق بعيدة جدا عن مدينة الدريوش، وبالتالي كان للمسؤولين الوقت الكافي لاتخاذ إجراءات عديدة تفاديا لجسامة الأضرار؛ خاصة في الأرواح البشرية. فلو أنها استخدمت وسائل الإنذار المبكر، وقامت بغلق الطرقات، مع إخلاء السكان من أماكن الوديان، لما كانت الأضرار بتلك الوخامة.
- غياب القناطر، توجد قنطرة واحدة بالمدينة وأثناء الفيضانات لم يستطع المواطنون الهروب من المنطقة المهددة لكون هذه القنطرة كانت بدورها غارقة ولم يبق لها أثر لأن المنسوب المرتفع للمياه تجاوزها، وبالتالي لو كانت هناك قناطر أخرى لكان بإمكان المواطنين الهروب إلى الضفة الآمنة.
- جميع المنازل التي جرفت والأرواح التي استشهدت كانت توجد في أماكن غير صالحة للسكن (على مشارف الواد)، إذا فمن المسؤول عن إعطاء الرخص لهؤلاء؟
- المكان الذي يتم فيه طرح نفايات المدينة سبب في خروج مجرى الواد إلى السكان، بحيث يوجد المطرح في الواد، وداخل المدينة، وعندما يمتلئ هذا المطرح يعرقل حركة الماء داخل الواد، ومنه فقد كان بإمكان المسؤولين إيجاد مطرح مناسب لتفادي الكارثة.
- لم يتم تسجيل أي تدخل من قبل المسؤولين لتقديم المساعدات ليلة الكارثة، لولا عودة سكان المنطقة إلى عادة "التويزة" لمحاولة خلق نوع من التضامن بين المتضررين.
- إذا يتبين لنا أنه كان بإمكان المسؤولين الدفع بهته الكارثة
ومن خلال هتين النتيجتين يتبين لنا أن الفيضانات التي حدثت بمدينة الدريوش لا يمكن أن ندرجها ضمن القوة القاهرة، استنادا إلى القانون أعلاه، وكذا الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 251 بتاريخ 23/01/2014 في الملف الاداري عدد 807/12/2010، و الذي جاء فيه" أن الامطار الغزيرة والاستثنائية المسببة للفيضانات لا تشكل قوة قاهرة وإنما قرينة على ترتيب المسؤولية لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سبب للإعفاء من المسؤولية".
واستنادا إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود والفصل 8 من القانون 90-41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية، تتحمل جميع المرافق العامة التي كانت سببا لهذا، مسؤوليتها عن هذه الكارثة وبالتالي ستصبح ملزمة بتعويض الضحايا عن الأضرار الناجمة عنها استنادا إلى نظرية المخاطر والخطأ المصلحي الموجب للتعويض، ومن حق المتضررين من هذه الفيضانات التوجه إلى القضاء الاداري حامي الحقوق والمحافظ عليها لرفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية المختصة (المحكمة الإدارية بوجدة) لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا، هو ما السبب في عدم تحريك هذا الملف على المستوى القضائي من طرف المتضررين؟ هل التحول الديمقراطي الذي تعيشه الدولة وخصوصا على مستوى تعزيز دولة الحق والمؤسسات، وتمكين المواطنين من حق مقاضاة الدولة والجماعات الترابية، لم يصل صيته بعد إلى المدينة بسبب الهشاشة النخبوية التي تتخبط فيها؟ أين هو دور الأحزاب في التأطير والتوجيه؟ أو بالأحرى لماذا لم يرقى المواطنين إلى التفكير في المراهنة على أحزاب حديثة ذات مخزون نخبوي قوي بدل المراهنة على الأحزاب الموسمية التي تستند على نخب لا شرعية لها في تدبير الشأن العام المحلي؟
لماذا لم نستطع على الأقل الإستفادة من الصندوق الخاص بمكافحة مخلفات الكوارث الطبيعية؟ الذي أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليمات من أجل إحداثه، والممول من الهبة التي قدمها عاهل المملكة العربية السعودية بقيمة مائة مليون دولار، ومن إسهام صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بقيمة 300 مليون درهم، إضافة إلى اعتمادات من ميزانية الدولة بقيمة 800 مليون درهم، منها 200 مليون درهم تدرج في قانون المالية لسنة 2009، والباقي برسم الفترة المتراوحة ما بين 2010 و2012.
ولكن في إطار هذا الوضع المؤسف والمخجل، نطلب من المسؤولين عن هذه الكارثة، أن يبرموا تصالحا مع المتضررين تمنح بموجبه تعويضات موضوعية لهم، وتوقع معهم اتفاقيات صلح تحتوي التزامهم بالتدخل العاجل لوضع حد لاستمرار هذه الكوارث داخل المنطقة، وخصوصا ما يتعلق ب :
- وضع سد في إحدى المناطق المتواجدة داخل "جماعة أمطالسة".
- إيجاد مطرح مناسب للنفايات يكون خارج المدينة وفي منطقة خالية من السكان.
- إيجاد سكن لائق للمواطنين الذين لازالوا يقطنون بقرب الواد.
- وضع قناطر أخرى، مع إعادة ترميم القنطرة الوحيدة بالمدينة.
- عدم الترخيص للمواطنين بالبناء في المناطق المهددة بالفيضانات.
- وضع مراكز للوقاية المدنية بالمنطقة،
- التنسيق مع الجماعات الأخرى التي يمر بها الواد من أجل وضع مراكز للحراسة، وكذا إحداث أنظمة للإنذار واليقظة، نظرا لخطورة هذا الواد.
وفي الأخير ما يسعني إلا أن أوجه نداء لجميع الغيورين على هذه المنطقة، وخصوصا أبناءها الحقيقيون، ونحن نعلم جيدا أن المنطقة تزخر بنخب حقيقية، تدافع عن المدينة في أي فرصة أتيحت لها، رغم أن معظمهم لا يقطنون بالمدينة، ويرفضون المشاركة في الانتخابات بسبب عدم نزاهتها، إلى متابعة الشأن العام المحلي من خلال تقديم العرائض وعبر آلية المجتمع المدني، وكذا التسويق الترابي للمدينة في مختلف المنابر الإعلامية، للتعويض على الأقل عن الفراغ النخبوي الذي لازالت مجالسنا الجماعية تتخبط فيه.