راكم الخطاب العلمي في العلوم الاجتماعية الغربية مجموعة من الانساق المفهومية والطرائق المنهجية التي أصلت لهذا الحقل المعرفي من خلال محاولات المدارس الكبرى في إيجاد مقاربات نظرية علمية تبحث في عمق قوانين الظواهر الاجتماعية موضوع الدراسة والتحليل.
هذه المحاولات المهمة التي استمرت لعقود كثيرة واجهت فيها العلوم الاجتماعية مجموعة من الاشكاليات، كانت اغلبها مرتبطة بالجانب الابستمولوجي للظواهر، أي بعبارة أخرى الشبكة المفهومية العالقة. مما فرض تحقيق شرط القطيعة مع المفاهيم السابقة مع كل بدأ في البحث والتنقيب عن أصول المفاهيم الرائجة والسائدة.
ويعتبر كل من اوغست كونت من خلال المدرسة الوضعانية التقليدية وكارل ماركس ومن خلال تطويره لمنهج البحث الجدلي (الديالكتيك) من أوائل من حاولوا وضع أسس مقاربة جديدة في تقنيات البحث العلمي وتحييده عن أنواع الخطاب الأخرى – السياسي والديني والايديولوجي ...-لكن تبقى إشكالية الحياد الأخلاقي في البحث العلمي من اهم المشكلات التي تواجه الأبحاث. وهو ما يشير اليه ماكس فيبر في كتابه العلم والسياسة بوصفهما حرفة، بحيث يفرق بين حرفة رجل السياسة. وحرفة رجل العلم الذي عليه ان يتجرد من كل قيد أيديولوجي أو سياسي في إطار بحثه في المفاهيم والظواهر.
كما كانت اسهامات دوركهايم في تحديد شروط الخطاب العلمي وضوابطه متميزة من خلال المدرسة الوضعانية الجديدة. والذي وضع قواعد صارمة للباحث عليه اتباعها في اطار تحريه عن الظاهرة السوسيولوجية.
محاولة هذا الأخير ومحاولة ماكس فيبر وصفها بيير بورديو في كتابه حرفة عالم الاجتماع، بانها تأصيل لدين جديد في العلوم الاجتماعية. لأن الحياد ليس الشرط الوحيد والمقدس للبحث. بل ان البحث عن أصول المفهوم الرائج قبل توظيفه والبحث في قانونه هو الشرط الأساس، وهذا لا يتأتى الا بالمساءلة المستمرة لجذور المفهوم وواقعه. (عالم الاجتماع يطرح الأسئلة ولا يجيب عنها، بل ان الواقع هو الذي يجيبه) فهو يسأل الواقع.
ويشير جورج غورفيتش الى هذه المسالة في كتابه الأطر الاجتماعية للمعرفة الى أن ما يقلص من علمية وتجريبية الأبحاث والدراسات العلمية هو اعتمادها على مفاهيم هي '' علمية '' لأنها جاءت نتيجة أبحاث سابقة. ونظريات علمية مما يوفر للباحث في الظاهرة شبكة مفهومية متعددة، في هذه الحالة لا تتحقق القطيعة بين المفاهيم داخل الحقل المعرفي الواحد. بين مفاهيم علمية وأخرى شبه علمية، وأخرى أيديولوجية تكتسي طابع العلمية بفعل عمليات التأصيل التي يتم اتباعها من قبل باحثين سابقين لمحاولة توظيفها.
يلتقي غورفيتش وبورديو في تقاطعين مهمين في اسهاماتهم حول هذا النقاش، وهي القطيعة المفاهيمية والقطيعة المنهجية التي لا تتحقق بين الدراسات والأبحاث. في حين ان ما يتحقق في الغالب هو التراكم المعرفي الذي لا يخدم الخطاب العلمي بدرجة كبيرة بقدر ما يضفي الغموض أكثر على الظواهر التي تدرس.
وكمحاولة لتقريب هذه المعادلة السوسيولوجية من حال الخطاب العلمي السوسيولوجي المغربي كظاهرة يجب ان تدرس فالجدير بالذكر ان المغرب عرف مراحل من تطور هذا الحقل المعرفي، كانت أولى المفاهيم السوسيولوجية مع المدرسة الكولونيالية التي تركت ارثا غنيا من الدراسات والأبحاث والمفاهيم والنظريات والمناهج التي أصبحت الى اليوم تعتمد في إطار الأبحاث الاكاديمية. لكن الذي يهم في هذا النقاش هو حضور المفهوم المأدلج والمفهوم الرسمي في الخطاب العلمي السوسيولوجي. ونسائل بدورنا الخطاب السوسيولوجي ما بعد الكولونيالي عن مدى تحقيقه لشروط القطيعة المفاهيمية والقطيعة المنهجية مع الدراسات والأبحاث الكولونيالية؟
وكمثال لحضور المفاهيم الأيديولوجية والمفاهيم الرسمية حسب تعبير اخر في الخطاب العلمي المغربي، هو مفهوم '' المخزن'' كمؤسسة، هذا المفهوم الذي ظهر مع الدراسات الكولونيالية والتي حاولت ان تفسر ظاهر المخزن كمؤسسة وكنظام سياسي، سيتم اعتمادها حتى بعد الاستقلال في أطار الدراسات ما بعد الكولونيالية، ليصبح المفهوم علميا متأصلافي دراسات تأسيسية، في حين أن مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب عرفت ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي في الدراسات الاستشراقية كان المخزن مؤسسة سياسية ونظام حكم في الدولة العلوية.
المرحلة الثانية: وهي في الدراسات الكولونيالية، كان المخزن مجرد مؤسسة دينية يشرف عليه السلطان الذي لم يكن يتمتع باي صلاحيات ما عدى صلاحيات شرفية وأخرى دينية، مع استمرار السياسات المخزنية التي كانت تعتمد المؤسسة الكولونيالية عليها في تعاملها مع القبائل الأخرى.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الاستقلال والذي سيعرف اول دستور للملكة لتظهر مؤسسة الملك (الفصل 19) الى جانب امارة المؤمنين، مع استمرار السياسة المخزنية في التعامل مع القبائل من خلال طقوس الولاء والبيعة... إلخ.
هذا الواقع الذي يظهر ان مفهوم المخزن لم يعد له وجود بعد المرحلة الكولونيالية أي المرحلة الثانية. في حين ان دراسات تأسيسية واسهامات علمية توظف مفهوم المخزن على "‘انه مؤسسة سياسية لازالت تحكم الى الان بغطاء اخر''.
هذا مثال فقط من مجموعة امثلة للمفاهيم التي تتسرب الى الخطاب العلمي بغطاء علمي تأصيلي وهي تحمل في عمقها حمولة أيديولوجية او سياسي.
لكن الذي يجب التركيز عليه هنا، هو علمية هذه الدراسات التأسيسية والتأصيلية التي أسست ولازالت لمجموعة مفاهيم في الخطاب العلمي والتي أصبحت توظف في إطار الأبحاث والدراسات الجامعية والأكاديمية باعتبارها مفاهيم علمية.
مما يستحيل معه تحقيق القطائع الابستمولوجية مع هذه الشبكة من المفاهيم السابقة التي قد تكون شبه علمية في علم الاجتماع المغربي وأيضا القطائع المنهجية، وبعدم تحققها نكون قد راكمنا ولازلنا نراكم شبكة مفاهيمية عالقة يختلط فيها الأيديولوجي بالعلمي في الخطاب العلمي المغربي.
ولقد قدمت سوزان لانغر في كتابها الفلسفة في نغمة جديدة خير مثال على شبه علمية المفاهيم والأفكار، بقولها '' أن بعض الأفكار تفرض نفسها على المشهد الفكري بقوة هائلة، حتى إن هذه الأفكار تحل الكثير من المشاكل الأساسية على نحو فوري، ونرى الجميع يرحب بهذه الأفكار وكأنها المفتاح السحري أو '' افتح يا سمسم'' لعلم وضعي جديد أو كأنها المركز المفهومي الذي يمكن أن يكون أساسا صالحا يبنى عليه نظام تحليلي شامل. وتنتشر الفكرة بسرعة، وهذا الانتشار يعود الى ان كل العقول الحساسة والفاعلة تلتفت فورا الى استثمار هذه الفكرة، وها نحن ننكب على تجريبها في كل اتجاه ولبلوغ كل الأهداف، ونجري التجارب بتوسيع معناها الدقيق في كل المجالات المحتملة بتعميقات واشتقاقات مختلفة''.
حتى تصبح تلك الفكرة مألوفة لدينا، وتشكل جزءا من المنظومة العامة لمفهوماتنا النظرية، وبالتالي فان رؤية سوزان للأفكار هي تحديد للتطور الذي يخضع له المفهوم، مع انها لم تشير الى اصوله، الى ان المفهوم قد يكون سياسيا او دينيا او أيديولوجيا لا يهم، لكن ما يهم هو كيف يتحول الى مفهوم علمي يندس داخل الخطاب ويصبح صالحا للتحليل والتفسير. مما يحقق لنا مجموعة من القناعات شبه العلمية او العلمية الزائفة لمفاهيم لااساس لها من العلمية.
هذه المحاولات المهمة التي استمرت لعقود كثيرة واجهت فيها العلوم الاجتماعية مجموعة من الاشكاليات، كانت اغلبها مرتبطة بالجانب الابستمولوجي للظواهر، أي بعبارة أخرى الشبكة المفهومية العالقة. مما فرض تحقيق شرط القطيعة مع المفاهيم السابقة مع كل بدأ في البحث والتنقيب عن أصول المفاهيم الرائجة والسائدة.
ويعتبر كل من اوغست كونت من خلال المدرسة الوضعانية التقليدية وكارل ماركس ومن خلال تطويره لمنهج البحث الجدلي (الديالكتيك) من أوائل من حاولوا وضع أسس مقاربة جديدة في تقنيات البحث العلمي وتحييده عن أنواع الخطاب الأخرى – السياسي والديني والايديولوجي ...-لكن تبقى إشكالية الحياد الأخلاقي في البحث العلمي من اهم المشكلات التي تواجه الأبحاث. وهو ما يشير اليه ماكس فيبر في كتابه العلم والسياسة بوصفهما حرفة، بحيث يفرق بين حرفة رجل السياسة. وحرفة رجل العلم الذي عليه ان يتجرد من كل قيد أيديولوجي أو سياسي في إطار بحثه في المفاهيم والظواهر.
كما كانت اسهامات دوركهايم في تحديد شروط الخطاب العلمي وضوابطه متميزة من خلال المدرسة الوضعانية الجديدة. والذي وضع قواعد صارمة للباحث عليه اتباعها في اطار تحريه عن الظاهرة السوسيولوجية.
محاولة هذا الأخير ومحاولة ماكس فيبر وصفها بيير بورديو في كتابه حرفة عالم الاجتماع، بانها تأصيل لدين جديد في العلوم الاجتماعية. لأن الحياد ليس الشرط الوحيد والمقدس للبحث. بل ان البحث عن أصول المفهوم الرائج قبل توظيفه والبحث في قانونه هو الشرط الأساس، وهذا لا يتأتى الا بالمساءلة المستمرة لجذور المفهوم وواقعه. (عالم الاجتماع يطرح الأسئلة ولا يجيب عنها، بل ان الواقع هو الذي يجيبه) فهو يسأل الواقع.
ويشير جورج غورفيتش الى هذه المسالة في كتابه الأطر الاجتماعية للمعرفة الى أن ما يقلص من علمية وتجريبية الأبحاث والدراسات العلمية هو اعتمادها على مفاهيم هي '' علمية '' لأنها جاءت نتيجة أبحاث سابقة. ونظريات علمية مما يوفر للباحث في الظاهرة شبكة مفهومية متعددة، في هذه الحالة لا تتحقق القطيعة بين المفاهيم داخل الحقل المعرفي الواحد. بين مفاهيم علمية وأخرى شبه علمية، وأخرى أيديولوجية تكتسي طابع العلمية بفعل عمليات التأصيل التي يتم اتباعها من قبل باحثين سابقين لمحاولة توظيفها.
يلتقي غورفيتش وبورديو في تقاطعين مهمين في اسهاماتهم حول هذا النقاش، وهي القطيعة المفاهيمية والقطيعة المنهجية التي لا تتحقق بين الدراسات والأبحاث. في حين ان ما يتحقق في الغالب هو التراكم المعرفي الذي لا يخدم الخطاب العلمي بدرجة كبيرة بقدر ما يضفي الغموض أكثر على الظواهر التي تدرس.
وكمحاولة لتقريب هذه المعادلة السوسيولوجية من حال الخطاب العلمي السوسيولوجي المغربي كظاهرة يجب ان تدرس فالجدير بالذكر ان المغرب عرف مراحل من تطور هذا الحقل المعرفي، كانت أولى المفاهيم السوسيولوجية مع المدرسة الكولونيالية التي تركت ارثا غنيا من الدراسات والأبحاث والمفاهيم والنظريات والمناهج التي أصبحت الى اليوم تعتمد في إطار الأبحاث الاكاديمية. لكن الذي يهم في هذا النقاش هو حضور المفهوم المأدلج والمفهوم الرسمي في الخطاب العلمي السوسيولوجي. ونسائل بدورنا الخطاب السوسيولوجي ما بعد الكولونيالي عن مدى تحقيقه لشروط القطيعة المفاهيمية والقطيعة المنهجية مع الدراسات والأبحاث الكولونيالية؟
وكمثال لحضور المفاهيم الأيديولوجية والمفاهيم الرسمية حسب تعبير اخر في الخطاب العلمي المغربي، هو مفهوم '' المخزن'' كمؤسسة، هذا المفهوم الذي ظهر مع الدراسات الكولونيالية والتي حاولت ان تفسر ظاهر المخزن كمؤسسة وكنظام سياسي، سيتم اعتمادها حتى بعد الاستقلال في أطار الدراسات ما بعد الكولونيالية، ليصبح المفهوم علميا متأصلافي دراسات تأسيسية، في حين أن مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب عرفت ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي في الدراسات الاستشراقية كان المخزن مؤسسة سياسية ونظام حكم في الدولة العلوية.
المرحلة الثانية: وهي في الدراسات الكولونيالية، كان المخزن مجرد مؤسسة دينية يشرف عليه السلطان الذي لم يكن يتمتع باي صلاحيات ما عدى صلاحيات شرفية وأخرى دينية، مع استمرار السياسات المخزنية التي كانت تعتمد المؤسسة الكولونيالية عليها في تعاملها مع القبائل الأخرى.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الاستقلال والذي سيعرف اول دستور للملكة لتظهر مؤسسة الملك (الفصل 19) الى جانب امارة المؤمنين، مع استمرار السياسة المخزنية في التعامل مع القبائل من خلال طقوس الولاء والبيعة... إلخ.
هذا الواقع الذي يظهر ان مفهوم المخزن لم يعد له وجود بعد المرحلة الكولونيالية أي المرحلة الثانية. في حين ان دراسات تأسيسية واسهامات علمية توظف مفهوم المخزن على "‘انه مؤسسة سياسية لازالت تحكم الى الان بغطاء اخر''.
هذا مثال فقط من مجموعة امثلة للمفاهيم التي تتسرب الى الخطاب العلمي بغطاء علمي تأصيلي وهي تحمل في عمقها حمولة أيديولوجية او سياسي.
لكن الذي يجب التركيز عليه هنا، هو علمية هذه الدراسات التأسيسية والتأصيلية التي أسست ولازالت لمجموعة مفاهيم في الخطاب العلمي والتي أصبحت توظف في إطار الأبحاث والدراسات الجامعية والأكاديمية باعتبارها مفاهيم علمية.
مما يستحيل معه تحقيق القطائع الابستمولوجية مع هذه الشبكة من المفاهيم السابقة التي قد تكون شبه علمية في علم الاجتماع المغربي وأيضا القطائع المنهجية، وبعدم تحققها نكون قد راكمنا ولازلنا نراكم شبكة مفاهيمية عالقة يختلط فيها الأيديولوجي بالعلمي في الخطاب العلمي المغربي.
ولقد قدمت سوزان لانغر في كتابها الفلسفة في نغمة جديدة خير مثال على شبه علمية المفاهيم والأفكار، بقولها '' أن بعض الأفكار تفرض نفسها على المشهد الفكري بقوة هائلة، حتى إن هذه الأفكار تحل الكثير من المشاكل الأساسية على نحو فوري، ونرى الجميع يرحب بهذه الأفكار وكأنها المفتاح السحري أو '' افتح يا سمسم'' لعلم وضعي جديد أو كأنها المركز المفهومي الذي يمكن أن يكون أساسا صالحا يبنى عليه نظام تحليلي شامل. وتنتشر الفكرة بسرعة، وهذا الانتشار يعود الى ان كل العقول الحساسة والفاعلة تلتفت فورا الى استثمار هذه الفكرة، وها نحن ننكب على تجريبها في كل اتجاه ولبلوغ كل الأهداف، ونجري التجارب بتوسيع معناها الدقيق في كل المجالات المحتملة بتعميقات واشتقاقات مختلفة''.
حتى تصبح تلك الفكرة مألوفة لدينا، وتشكل جزءا من المنظومة العامة لمفهوماتنا النظرية، وبالتالي فان رؤية سوزان للأفكار هي تحديد للتطور الذي يخضع له المفهوم، مع انها لم تشير الى اصوله، الى ان المفهوم قد يكون سياسيا او دينيا او أيديولوجيا لا يهم، لكن ما يهم هو كيف يتحول الى مفهوم علمي يندس داخل الخطاب ويصبح صالحا للتحليل والتفسير. مما يحقق لنا مجموعة من القناعات شبه العلمية او العلمية الزائفة لمفاهيم لااساس لها من العلمية.