تواجه مسطرة الطعن في المقررات القضائية وفق قانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل الكثير من الإشكالات والممارسات الخاطئة، منها ما يتعلق بالمبالغة في اللجوء إلى طرق الطعن، ومنها ما يخص لجوء بعض أطراف الدعوى إلى سلوك طريقة من طرق الطعن رغم علمهم المسبق أنها لن تنتج أي أثر سوى تمديد أجل القضية، ومنها سلوك أحد وسائل الطعن غير التي يتعين سلوكها. وهذا الوضع هو ما أفضى بهيئة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة إلى التوصية، ضمن الهدف الفرعي الرابع المتعلق ب"البت في القضايا وتنفيذ الأحكام خلال آجال معقولة"، ب "تقليص الطعون ضد الأحكام الصادرة بشأن القضايا البسيطة وترشيد الطعون من قبل النيابات العامة". فما هي المستجدات التي حملها المشروع الجديد؟ وإلى أي حد تفاعل هذا المشروع مع خلاصات الحوار الوطني وساهم في تجاوز سلبيات القانون الجاري به العمل؟
بالوقوف على النصوص المنظمة لطرق الطعن في الميدان الجنائي نجد أن المادة 393 من مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية جاءت بمقتضى شبيه بما هو منصوص عليه في قانون المسطرة المدنية من جعل التعرض قاصرا على الأحكام غير القابلة للطعن بالاستئناف، وهذا يعني من الناحية العملية أن الطعن بالتعرض سيكون قاصرا على المخالفات إذا لم تكن مقرونة بعقوبة سالبة للحرية.....
وإذا كان إعمال هذا المقتضى يأتي في سياق ترشيد استعمال طرق الطعن وفق السياق الذي ذكرناه ، فإن نفس المادة جاءت بمقتضى غريب مؤداه أنه " لا يبتدئ أجل الطعن في الأحكام الغيابية بالنسبة للنيابة العامة إلا من تاريخ إشعارها من طرف كتابة الضبط بانتهاء أجل التعــرض "، ووجه الغرابة هنا مستمد من أمرين: الأول أن حضور النيابة العامة في القضايا الزجرية هو إلزامي، بمعنى أنه يترتب عن تخلفها البطلان، ومعلوم أن المادة 400 من قانون المسطرة الجنائية حددت أجل الطعن بالنسبة لمن صدر الحكم حضوريا إزاءه في عشرة أيام، تبتدئ من تاريخ النطق بالحكم، وبذلك لا معنى لصدور هذا المقتضى، والأمر الثاني:لا يمكن لكتابة الضبط أن تتحمل مسؤولية خطأ ليست طرفا فيه، فرئيس النيابة العامة أو من ينوب عنه هم الموكول لهم بقوة القانون القيام بهذا الإجراء؛ ولا يفهم من هذا المقتضى الجديد سوى أن جهة ما أرادت أن تضيف عبئا آخر لكتابة الضبط،وأن تتملص من المسؤولية في حالة عدم قيام كتابة الضبط بالإشعار في الوقت المناسب.
وما قيل عن الطعن بالتعرض يقال كذلك عن الطعن بالنقض حيث اعتبرت الفقرة الأخيرة من المادة 527 أن أجل الطعن في الأحكام الغيابية لا يبتدئ بالنسبة للنيابة العامة والمطالب بالحق المدني – إن وجد- إلا من تاريخ إشعارهما من طرف كتابة الضبط بانتهاء أجل التعرض، وهو ما يجعل النيابة العامة في حالة استرخاء ما دام الحرص على ضبط أجل التعرض قد أصبح على عاتق كتابة الضبط التي لن يصبح من واجبها القيام بالإشعار فقط، بل الاحتفاظ أيضا بما يفيد قيامها بالإجراء؛ وهو ما يفرض على أطر وموظفي الإدارة القضائية رد هذه الهدية المسمومة عن طريق السعي إلى رفض المقتضيات الجديدة عبر القنوات التشريعية.
وبالعودة إلى المادة 393 من المسودة فإنها جاءت كذلك بمقتضى آخر لا يقل غرابة عما سبق بحيث اعتبرت "التبليغ للمحامي بمثابة تبليغ للمتهم، ويترتب عليه اعتبار الحكم بمثابة حضوري". وإذا كان سن هذا الإجراء يرمي إلى السعي نحو تبسيط مسطرة الطعن بالتعرض، فإنه كان يتعين قبل اعتماده مراعاة بعض الأمور التي تبدو أساسية،منها:
- من المعروف فقها وقضاء أن المحامي في الدعوى العمومية يؤازر ولا ينوب، ولذلك فإنه متى تخلف المتهم عن الحضور إلى الجلسة وحضر دفاعه فإن المحكمة تكتفي بتسجيل حضور الدفاع دون مناقشة القضية، استنادا إلى مبدأ "شخصية الجريمة" الذي لا يسمح أن يحل الوكيل المؤازر محل موكله في مناقشة القضية.
- أن الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها أعلاه بقيت على حالها دون تغيير بشكل يبدو متناقض مع ما ورد بالفقرة السابقة من أن توصل المحامي يرتب نفس الآثار المترتبة عن التوصل الشخصي للمتهم، حيث نصت على " أنه فيما يتعلق بالدعوى العمومية، إذا لم يتم التبليغ إلى المتهم شخصيا ولم يتبين من أية وثيقة من وثائق التنفيذ أن هذا الأخير علم بالحكم الزجري الصادر في حقه، فإن تعرضه على هذا الحكم يبقى مقبولا إلى غاية انتهاء آجال تقادم العقوبة".فكيف إذن يمكن التوفيق بين مقتضيات هذه الفقرة والفقرة التي اعتبرت أن التبليغ للمحامي هو بمثابة تبليغ للمتهم؟
وتجدر الإشارة إلى أن المقتضيات القانونية نفسها ليست صريحة فيما يخص وجوب إعادة تضمين الطعون بالسجل المعد لذلك إلا فيما يتعلق بالطعن بالنقض، حيث تشير المادة 526 في فقرتها الثالثة بعد تبيان كيفية تلقي التصريح إلى أنه "يتعين على رئيس المؤسسة السجنية أن يوجه داخل الأربع والعشرين ساعة الموالية للتصريح نسخة منه إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، حيث تضمن في السجل المنصوص عليه في الفقرة الثانية أعلاه"، ومعلوم أن الفقرة المتحدث عنها تشير إلى أنه "يقدم التصريح طالب النقض بنفسه أو بواسطة محام ويقيد التصريح بسجل معد لهذه الغاية، ويوقع عليه كاتب الضبط والمصرح".
أما فيما يخص الطعن بالاستئناف فإن هذا المقتضى يبقى غامضا بخصوص إعادة تضمين تصريح السجين إذا كان المتهم معتقلا، حيث أن الفقرة الثالثة من المادة 399 تحيل على المادة 223 من نفس القانون، إلا أنه بالرجوع إلى هذه المادة لا نجد إطلاقا ما يفيد وجوب إعادة تضمين التصريح في السجل المخصص لتضمين الطعون وهو النموذج 410 .
وللخروج من هذا الإشكال نقترح أن يتم تزويد المؤسسة السجنية بنفس نموذج سجل تلقي الطعون (أي نموذج 410 )، أو الاكتفاء بالتصريح المدلى به من طرف السجين أمام كتابة الضبط بالمؤسسة السجنية وعدم إعادة تضمينه حينما يحال على المحكمة المصدرة للحكم، والاكتفاء فقط بتضمين أسماء المصرحين للرجوع إليها أثناء تسليم شواهد بعدم الطعن أو الشواهد الضبطية .
ولم تشهد باقي أنواع الطعن تغييرات جوهرية حيث أشارت فقرة جديدة انضمت إلى المادة 563 إلى كيفية تقديم الطعن بإعادة النظر والأشخاص الذين يحق لهم استعمال هذه الوسيلة من وسائل الطعن والأجل الذي يتعين أن يقدم داخله.
أما فيما يتعلق بالطعن عن طريق المراجعة فإن المسودة عملت على ترجمة المقتضيات الدستورية الجديدة فيما يتعلق باستقلال النيابة العامة عن السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وكذا ما انتهى إليه الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة من خلال الهدف الفرعي الرابع من إسناد رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض،وتكريسا لهذا المبدأ تم إحلال الوكيل العام لمحكمة النقض محل وزير العدل فيما يخص الإجراءات التي يطلع بها هذا الأخير في إطار مسطرة المراجعة. كما نص المشروع على إحداث لجنة بمحكمة النقض تتألف من ثلاثة مستشارين مهمتها البت في طلبات المراجعة.
ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن المشروع عمل على إلغاء الغرف الاستئنافية التي سبق إحداثها على مستوى المحاكم الابتدائية، وهو ما يعني أن النظر في جميع القضايا المستأنفة سيعود من جديد إلى محاكم الاستئناف العادية.