MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مستقبل وزارة العدل في إطار التفعيل الدستوري لاستقلالية السلطة القضائية

     

د محمد الهيني
مستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط



مستقبل وزارة العدل في إطار التفعيل الدستوري لاستقلالية السلطة القضائية

بمناسبة زيارة لي بمعية  وفد قضائي لجمهورية دولة السودان الشقيقة التي تعرف نظام السلطة القضائية التي يرأسها رئيس يدعى "رئيس السلطة القضائية" هذه السلطة المستقلة جذريا عن وزارة العدل،ذلك أن رئيس السلطة القضائية يحتل المركز الرابع في هرمية بروتوكول الدولة،فيحين أن وزير العدل  تعادل درجته نائب رئيس السلطة القضائية،وكان لي فضل أن سألته عن علاقة السلطة القضائية بوزارة العدل فأجابني سيادته أن هذه العلاقة أشبه بعلاقة السلطة القضائية بوزارة الفلاحة القريبة من مركزها،أي علاقة الجوار والاحترام ليس إلا ؟ ولما طلب مني إلقاء عرض عن تأثير الإصلاحات الدستورية في المغرب على مركز السلطة القضائية  على  شرف قضاة المحكمة العليا ركزت بحماسة قل نظيرها عن منجزات الدستور العظيم فيما يخض الاعتراف باستقلال السلطة القضائية لأول مرة في الدستور وحصرية اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية على شؤون القضاء والعدالة ورجالها،وعن ضمانات وحقوق المتقاضين،وتلقيت سؤال في المناقشة عن علاقة وزارة العدل المغربية  بالسلطة القضائية ،فجازفت بالقول رغم تمثيليتي "للوزارة"أي الدولة  أنذاك بكل اعتزاز وفخر بأن الوضع المغربي تمام التقارب بين الوضع في السودان،وأن وزارة العدل عندنا لم يعد لها أي دور في دستور 2011 وأنها ستتكلف بمجرد  إقرار القوانين التنظيمية بأمور لوجستيك المحاكم والمكتبيات والأدوات المعلوماتية أي مورد المحاكم من الناحية المالية وتدبير وضعية الموظفين؟لكن مع ذلك بقي في نفسي شيء من التردد ؟هل التأويل الدستوري لاستقلال السلطة القضائية قادر على الصمود في وجه وزارة العدل لتنآى بنفسها جانبا عن شؤون العدالة ورجالها ،وبالأصح الإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم؟رغم أنها هي المشرع الحقيقي المكلف بصياغة القوانين والتفاوض حولها؟ وهل ترضى بديلا عن إدارة المحاكم؟ وكانت هذه التساؤلات هي نفسها التي طرحها معالي وزير العدل  على زملائي المفتين في الوزارة لبحث عن أرضية للمستقبل في إطار الخريطة الدستورية لاستقلالية السلطة القضائية ،فعكفت شخصيا عن إعداد أجوبة"اللامستقبل للعبور الهادئ للاستقلال"؟.

ومما لاشك فيه فإن قراءة متفحصة للدستور في باب السلطة القضائية تجعلك تخرجك بقناعة راسخة أن وزارة العدل لا وجود لها ضمن مقتضياته ،ولم تذكر تحت مسمى الحكومة إلا في فصل وحيد  جاء فيه "   يُصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان،آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدإ فصل السلط(الفصل 113).  

لذلك كان من اللازم في إطار التنزيل السليم للدستور ولاسيما لهذه الفقرة السابقة أن توضح مسودة مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية كيفية تطبيق هذا المقتضى الخاص والاستثنائي الذي لا يقبل أي قياس أو توسع في التفسير،لكن ذلك لم يحصل ،لرغبة وزارة العدل في مواصلة تصدر المشهد القضائي بكل امتياز وضدا على مقتضيات الدستور بصياغة نظرية مطلقة  تارة تحت مسمى "التنسيق" بين الرئيس المتندب للمجلس " وتارة تحت مسمى"الاختصاص الحصري "وما نطلق عليه نحن"الاعتداء المطلق" في الإشراف الإداري والمالي على المحاكم .وهكذا نصت المادة  45 من المسودة المذكورة" تحدث آلية للتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجمل شؤون منظومة العدالة تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل"

وكرست المادة 48 منها نفس الاتجاه المنافي لاستقلالية السلطة القضائية وبشكل  أكثر خطورة وتسلط  بنصها على أنه " تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل الإشراف الإداري والمالي على المحاكم ،بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية"

فكيف يمكن تصور إشراف على الإدارة القضائية للمحاكم لوزارة بدون المس باستقلال السلطة القضائية ،أيمكن جمع الضدان اللذان لا يلتقيان ؟لا شك أن الجواب بشكل علمي ورصين يتوقف على تحديد ماهية هذا الإشراف الإداري ليس باتباع آليات التفسير القانونية وإنما بالتحديد الدقيق لمجال الإشراف ودائرة تحركه .

والحقيقة أن هناك بعض الفقه ومعه زملاء من هيئة الحوارالوطني حول ميثاق إصلاح العدالة لا يرون في الإشراف مشكلة لأنه يخص من وجهة نظرهم تسيير الموظفين وتنفيذ الميزانية ،لكن ما تلبت رؤيتهم أن تتغير بعد أن تعرفهم كقاض سابق ملحق بذات الوزارة أن المقصود بالإشراف على الإدارة القضائية من وجهة نظر الوزارة أبعد مما يتصور؟، فهو يتصل بمجالات عمل مديرية الشؤون المدنية ومديرية الشؤون الجنائية والعفو ذات الصلة المباشرة بالعمل القضائي ،ولعل الوقوف على مجالات اختصاصهما يبين حقيقة المعنى والمبنى وإشكالية المحظور الماس باستقلال السلطة القضائية؟

تنص  المادة الأولى من المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة العدل على أنه:تناط بوزارة العدل مهام إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في ميدان العدالة.

تمارس وزارة العدل الصلاحيات المخولة لها وفقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ولاسيما ما يتعلق بالمجالات التالية:

- السهر على تنفيذ اختصاصات الوزارة بمقتضى قوانين المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية ،ومدونة الأسرة،والقوانين المتعلقة بمساعدي القضاء وغيرها من القوانين(الشق المهم والخطير من الاختصاصات المؤثرة على استقلالية القضاة والمحاكم)

-إعداد وتنفيذ السياسة الجنائية والإشراف على النيابة العامة والإسهام في تطوير واحترام حقوق الإنسان(أصبح من اختصاص الوكيل العام للملك في المسودة والميثاف)
-وضع الاستراتيحية المتعلقة بالموارد البشرية والمالية والتجهيزات والبنايات والمعلوميات ،وذلك بما يخدم حسن سيرعمل  المحاكم وتصريف العدالة.

-ممارسة الوصاية على المؤسسات العامة التابعة لوزارة العدل
-إعداد مشاريع النصوص القانونية المتعلقة بمجال اختصاصات الوزارة وإنجاز الدراسات القانونية.
-إعداد مشاريع اتفاقيات التعاون الدولي في الميدان القضائي" .

كما نصت المادة الثانية منه على أنه "تشتمل وزارة العدل بالإضافة إلى الديوان والمفتشية العامة على إدارة مركزية ومصالح لا متمركزة" 
وتزداد خطورة الإشراف الإداري على استقلال السلطة القضائية ليس من خلال الاختصاصات المتعرض لها وإنما من خلال عرض اختصاصات مديريتي الشؤون المدنية والجنائية المفصلة بعدة.

وهكذا نصت المادة السادسة على اختصاص مديرية الشؤون المدنية في :

-السهر على إعداد القرارات المتصلة بتطبيق قانون الجنسية وقانون الأسرة والحالة المدنية
-مراقبة عمل النيابة العامة في الميادين المدنية والجنائية والتجارية والأسرة والحالة المدنية وكل ما له اتصال بحالة الأشخاص
-مواكبة وتتبع نشاط المحاكم في قضايا القانون المدني والإداري والتجاري والحالة المدنية وقانون الأسرة ،وكذا تتبع تنفيذ أحكامها ومقرراتها.
-السهر على حسن سير الدعاوى في الميدان المدني  والإداري والتجاري والحالة المدنية والأسرة وتنفيذ الأحكام .
 
على أن تتولى مديرية الشؤون الجنائية نفس الاختصاص على مستوى المادة الزجرية من مواكبة وتتبع القضايا الزجرية والسهر على حسن سير القضايا(المادة السابعة) 
وبعد أن أتبثنا خطورة إشراف الإدارة المكلفة بالعدل على الإدارة القضائية للمحاكم التي أصبحت مجرد مصلحة خارجية للوزارة تحتاج إلى تتبع ومواكبة وتقييم ومراقبة حسن سير القضايا مما يؤثر على مستوى شرط الاستقلالية.

وإذا كان دستور 2011 قد استوجب إحداث مفتشية عامة تلحق بالمجلس ،فهل تبقى مديريات أقل منها درجة وخطورة مثل مديرية الشؤون المدنية ونظيرتها الجنائية عصية على نقل اختصاصاتها للمجلس ؟لأن الإصلاح من وجهة نظر المسودة الرديئة هو فقط تعويض وزير العدل بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالرئيس المنتدب وكأن الإصلاح هو استبدال شخص وإحلال شخص آخر ،إن الإصلاح يجب أن يراعي إحداث السلطة القضائية ودعم اختصاصاتها الدستورية بما يحفظ للمحاكم استقلاليتها الإدارية والمالية عن الوزارة ،ونقل اختصاصات الوزارة كلية للمجلس في إدارة الشأن القضائي.؟    

 وتتويجا لذلك نقترح معالجة المسودة وفقا للمقترحات التالية :

المادة 47: تعزيز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية  كهيئة دستورية ناظمة لها ولاية كاملة وحصرية على تسيير الشأن القضائي والإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم ، على أن يقتصر للتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجال التشريع المتصل بالعدل مما يحتم إلغاء الاختصاصات الممنوحة لوزير العدل في مجال قانوني المسطرة المدنية والجنائية والأسرة والحالة المدنية والجنسية وغيرها من القوانين، ولاسيما بخصوص تعيين القضاة كقضاة التحقيق والأحداث والقاضي المكلف بالزواج وغير ذلك، وتخويلها للجمعيات العمومية للمحاكم

المادة 48: يتعين إلغاء الإشراف الإداري للوزارة على المحاكم والمسؤولين القضائيين وأن يقتصر دور السلطة الحكومية المكلفة بالعدل على تعيين رؤساء كتابة الضبط والإشراف على تدبير وضعيات الموظفين ، والإشراف المالي على المحاكم ولاسيما تحديد حاجياتها .

يقترح أيضا حذف تعيين المسير الإداري للمحكمة لأن الرئيس يتولى هذه المهام ومن شأن ذلك خلق ثلاثة أجنحة داخل المحكمة "الرئيس والمسير الإداري ورئيس كتابة الضبط مما سيضعف التنسيق  والتكامل بينهما .

فهل يحق لنا بعد هذا أن نحلم بأن تكون علاقة السلطة القضائية بوزارة العدل  مثل علاقة السلطة القضائية بوزارة الفلاحة ( الانفصال والاستقلال المطلق )مثل ما تفضل  به أستاذنا  جلال الدين محمد عثمان الرئيس السابق للسلطة القضائية بجمهورية السودان.
   
 



الاحد 17 نونبر 2013

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter