MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مسطرة إنشاء الوثيقة العدلية

     

بقلم: العربي أبوأيوب
ناسخ قضائي بقسم قضاء الأسرة
بالمحكمة الابتدائية بالجديدة



مسطرة إنشاء الوثيقة العدلية
ساد شعور بأن مسطرة إنجاز الوثيقة العدلية تتسم بالبطء وعدم مسايرة التطور المستمر في التسارع، خاصة مع موجة التكنولوجية الجديدة والطموح نحو تحقيق الإدارة الإلكترونية في ظل المغرب الرقمي، ويمكن القول أنه أصبح هناك إجماع من قبل الممارسين والمسؤولين والمتتبعين على ضرورة تعديل هذه المسطرة تعديلا جذريا يضمن بقاء قوة مكانة ودور الوثيقة العدلية  بما يتلائم مع دورها.

فالوثيقة العدلية من الناحية القانونية، هي وثيقة رسمية يمكن الاحتجاج بكل ماتتضمنه حتى في مواجهة الغير، وبذلك فهي تشكل حجة كتابية دامغة في حسم النزاعات وحفظ الأنساب والأعراض،  بل إنها تكون في غالب الأحيان سببا في عدم نشوب النزاع من أصله بخصوص كثير من الحقوق المحفوظة بها، بل إنها تمنع نشوب النزاع من أساسه وتدرأ كل طمع أو نكران، وقد نقول بأن إجراءات إنجازها تزيد الثقة في الوثيقة العدلية، لكن حتى وإن سلمنا بصحة ذلك فإن الكيفية التي تنجز بها في هذا القرن تؤدي إلى عكس ذلك تماما.

وفي انتظار ماسيسفر عنه الحوار الوطني من أجل إصلاح العدالة من مستجات في هذا الباب، نسرد هذه المسطرة بشكل مختصر من خلال أربع محطات أساسية والتي لابد وأن تمر منها أي وثيقة عدلية، ناهيك عن إجراءات أخرى تختلف  باختلاف نوع الوثيقة، فتكون إما سابقة عن المسطرة المفصلة أدناه مثل الإذن بالنسبة لوثيقة الزواج، أو متزامنة مثل التسجيل بالنسبة لعقد البيع، أو لاحقة مثل إخبار وزارة الأوقاف باعتناق إسلام.

فماهي هذه المحطات؟ ومن يقوم بتنفيذها؟

تمر الوثيقة العدلية قبل صيرورتها وثيقة رسمية إجباريا من أربع مراحل: المرحلتين الأوليين من اختصاص عدلان وهما: التلقي ثم التحرير، والمرحلة الثالثة ويختص بها ناسخ وهي مرحلة التضمين، ثم المرحلة الرابعة والأخيرة وتدخل في اختصاص القاضي المكلف بالتوثيق وهي مايعرف ب الخطاب فماذا يقصد بكل مرحلة من هذه المراحل؟

 المرحلة الأولى: التلقي

 يقصد بمصطلح "التلقي" في مجال التوثيق العدلي بداية ميلاد الوثيقة العدلية مهما كان نوعها أو موضوعها، حيث يقوم بها عدلان منتصبان للاشهاد معا بمحضر المعنيين بالأمر، وتتلخص في سرد هؤلاء مايريدون توثيقه أو الإشهاد بشأنه معززين مواقفهم ومراكزهم بالوثائق والمستندات المتطلبة قانونا، ويتولى العدلان معا سماع كل الحيثيات والجزئيات ويدونها أحدهما في مذكرة ممسوكة من طرفه بموافقة الآخر الذي يوقع صحبته في نهاية الشهادة بعد توقيع المعنيين بالأمر.
وقد حدد المشرع المغربي الخطوط العريضة لهذه المرحلة من خلال الباب الأول من القسم الثاني من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة بواسطة المواد من 27 إلى 32 منه، فألزم العدول بالتلقي الثنائي وفي آن واحد، أي أنه يجب أن يكونا حاضرين في مجلس العقد أو الشهادة إبان تلقيها، غير أنه قد يحدث مامن شأنه أن يتعذر معه التلقي في آن واحد، فسمح استثناء بتلقي العدلين فرادا وعليه فإن تلقي العقد أو الشهادة من لذن العدول لايمكن البثة أن تكون من طرف عدل واحد أبدا، فهي دائما من طرف عدلين إما  في وقت ومجلس واحد وهذا هو الأصل، أو استثناء من لدن عدلين كل واحد منهما على حدة في أوقات متفاوتة، وفي هذه الحالة الأخيرة يلزم كل منهما بتضمين الشهادة بمذكرته بعد إذن من القاضي المكلف بالتوثيق أو إشعاره في أجل ثلاث أيام من تاريخ التلقي، وفي كل الأحوال تكتب الشهادة وجوبا باللغة العربية، سواء أكان التعبير عن إرادة المعني بالأمر بالاشارة أو الكتابة من العاجز، أو بأي لغة أو لهجة أخرى، ويمكن للعدل أن يتسعين بالغير لاستجلاء إرادة الأطراف شريطة أن لايكون لهذا الغير مصلحة في الشهادة ويستحسن أن يكون مقبولا لدى المحاكم.
ولتوحيد عمل التوثيق العدلي بين كافة العدول بالمغرب وتنظيمه صدر قرار لوزير العدل رقم 978.09 بتاريخ 8/4/2009 تطبيقا للمادة 16 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر بتاريخ 28/10/2008 فحدد بدقة شكل ومضمون مذكرة الحفظ التي يمسكها العدل من حيث الطول والعرض وعدد الصفحات ومايجب ان تشتمل عليه كل صفحة، فيتولى العدل ملء تلك الأضلاع المكونة للجدول المسطر على صفحاتها عند كل عملية تلقي على النحو التالي:

1-العدد المتتابع؛ وهو الرقم الذي وقف عنده العدل بخصوص عدد الشهادات المدرجة في تلك المذكرة حيث يبدأ بالعدد 1 بالنسبة للشهادة الأولى في كل مذكرة وينتهي بالعدد الذي تملؤ عنده الصفحة 200 وهي الأخيرة في المذكرة، ويشترط في ذلك مراعاة التسلسل العددي.
2-نوع الشهادة ورقم الوصل؛ ويكتب فيه العدل عنوان الشهادة أو العقد كأن يكتب عقد زواج إذا كان الأمر يتعلق بزواج أو يكتب طلاق رجعي إذا كان الأمر يتعلق بطلاق من هذا النوع أو صدقة، أو غيره.
3-تاريخ التحرير؛ هذه الخانة يؤجلها العدل إلى ساعة إنجازه للعملية الموالية التي سنشرحها تباعا والمتعلقة بتحرير الشهادة فيشير حين ذالك لتاريخ تنفيذه لتلك المرحلة.
4-ملخص الشهادة؛ تعتبر هذه الخانة هي الأهم في الشهادة العدلية لذا خصص لها الحيز الأكبر ويدرج فيها العدل كافة البيانات المتعلقة بالشهادة ومضمونها والاشخاص المعنيين بها والتعريف بهم وذكر المستندات المعتمدة مع ذكر تاريخها والجهات الصادرة عنها إلى غير ذلك.
5-ملاحظات؛ اعتبار هذه الخانة بكونها احتياطية يكتب فيها العدل أي شيء يمكن أن يتعلق بتلك الشهادة، غير أن المشرع أوجب النص في هذا الضلع على مراجع الشهادة بمذكرة الحفظ للعدل الآخر إذا تم التلقي بشكل انفرادي، ومما جرى به العمل لدى السادة العدول أنهم يدرجوا كذالك مراجع تضمين الشهادة بالمحكمة بعد الخطاب عليها في خانة الملاحظات.

وحرصا من المشرع على إضفاء الصبغة الرسمية والحماية اللازمة لهذه المرحلة، منع العدل من استعمال المذكرة قبل إعطائها رقما متتابعا وترقيم جميع صفحاتها وختم سابقتها بعد المراجعة من طرف القاضي المكلف بالتوثيق، وتأشير هذا الأخير على المذكرة الموالية.

 المرحلة الثانية: التحرير

كما هو معلوم فالعدل لايمكن أن يسلم المذكرة التي يتلقى فيها مجموعة من الشهادات لطالب الشهادة، لذلك لابد من كتابة الشهادة المطلوبة في ورقة مستقلة وهذه العملية هي مايعرف ب"تحرير الشهادة" وقد تناول المشرع هذه العملية بالتنظيم من خلال الباب الثاني من القسم الثاني من القانون المذكور أعلاه، وبشيء من التفصيل أكثر من خلال الفرع الثالث من الباب الثالث من المرسوم التطبيقي له، ويقوم بها العدلين أو ممن ينوب عنهما تحت مسؤوليتهما في وثيقة واحدة انطلاقا مما هو مدرج في مذكرة الحفظ ويجب أن تراعى في هذه العملية عدة شروط شكلية وأخرى موضوعية:
إذ يجب أن التحرير في ورقة واحدة من نوع جيد وبكيفية واضحة، سواء كانت مخطوطة باليد أو مطبوعة بالحاسوب شريطة أن تكون بمداد أسود غير قابل للمحو، وقد منع القانون كل انقطاع أو بياض أو بشر أو إصلاح أو إقحام أو إلحاق أو تشطيب أو استعمال حرف إضراب.
وللإشارة هنا فإن القانون الملغى كان يسمح صراحة بالاعتذار على غير البثر أو البشر، في حين نجده في هذا القانون الجديد يمنع دون أن يفصح عن أي إمكانية للاعتذار، وهذا يفهم منه أنه لم يعد متاحا إمكانية تحرير شهادة مملوءة بالأخطاء المعتذر عنها، وهو أمر له مايبرره في زمن تطورت في وسائل الكتابة وأدواتها من جهة، ونظرا لمكانة وأهمية الوثيقة العدلية من جهة أخرى، خصوص وأن المحرِّر لن يجد أي عناء في إعادة التحرير كلما كان هناك خطأ، خلافا للمذكرة التي لايمكن تمزيق صفحاتها المرقمة والمطبوعة مسبقا.
كما انه يجب أن تتضمن الوثيقة في طليعتها اسمي العدلين المتلقيين، مع ذكر دائرة انتصابهما، وكذا تاريخ التلقي بالساعة واليوم والشهر والسنة بالحروف والأرقام، وفق التقويمين الهجري والميلادي، وكذا رقم مذكرة الحفظ وصاحبها، وعدد الشهادة فيها، كما يجب أن تتضمن تعريفا وافيا للمشهود عليهم من حيث حالاتهم المدنية وجنسياتهم ومهنم وعناوينهم الكاملة، وكذا أرقام البطائق الوطنية للتعريف وتاريخها إن وجدت، أو أي وثيقة إدارية تعرِّف بالأشخاص.
ولكي تكتمل عملية التحرير، يجب أن تتضمن الوثيقة المحررة الشهادة المتلقاة بأكملها بجميع أركانها وشروطها، وكذا مراجع المستندات المتعلقة المعتمدة فيها، ثم تذيل بتوقيع العدلان اللذان قاما بتلقيها بعد التنصيص على تاريخ تحريرها.
وبعد إنهاء عملية التحرير يكون العدل ملزما طبقا للمادة 27 من المرسوم المذكور بأن يقدم المحرر في أجل لا يتعدى ستة أيام من تاريخ التلقي إلى القاضي المكلف بالتوثيق ما لم ينص على خلاف ذلك، ويلاحظ أن مقتضى هذه المادة ذو طابع أدبي وليس قانوني، لأنه لم يفرد جزاء على من يخالفه الشيء الذي يجعل البعض يصفه بكونه مفرغا من الناحية العملية، غير أنه يمكن القول أنه مادامت مهنة العدالة مهنة حرة فإن الكل يسعى إلى تقديم خدمات أسرع وأفضل، لذلك فإن العدول سيكون في مصلحتهم الإسراع بإتمام إنجاز الشهادات وبالتالي لن نكون بحاجة إلى مثل هذا النص من أساسه، أو أن المراقبة المستمرة من قبل القضاة المكلفين بالتوثيق ومايخولهم القانون من صلاحيات يكونون قادرين على فرض احترام هذه المادة، وتفعيلها التفعيل الأمثل.
وتجدر الإشارة إلى أن العدل ملزما طبقا للمادة 30 من المرسوم المذكور بإرفاق الشهادة المحررة بأصول المستندات التي أسس عليها الشهادة، حتى يتمكن القاضي المكلف بالتوثيق من التثبت من قانونية الوثيقة الجديدة فيعطي إشارته للناسخ كي يضمنها في سجلات المحكمة.

المرحلة الثالثة: التضمين

التضمين هي عملية يختص بها الناسخ وحده طبقا للفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 49.00 الصادر بتاريخ 22 يونيو 2001 المتعلق بتنظيم مهنة النساخة، وذلك بنقله مضمون الوثيقة المحررة من قبل العدلين في أحد سجلات المحكمة المخصصة لهذا الغرض، وتكمن أهميتها في كونها الوسيلة الأمثل لحفظ هذه الوثيقة بأرشيف المحكمة بشكل حيادي يتيح لكل من تهمه هذه الوثيقة أن يسحب نسخة منها مستقبلا، وتتم هذه العملية وفق الضوابط القانونية، منها ماهو وارد في قوانين النساخة ومنها ماهو وارد في القوانين المتعلقة بخطة العدالة، فكيف يقوم بهذه العملية؟ وماهي السجلات التي يضمن فيها؟
إن الناسخ عند تضمينه لأحد الوثائق العدلية يجب أن يعرف أولا أي من السجلات التي يجب أن يستعملها تبعا لنوع الشهادة لأن الناسخ يمسك خمسة أنواع من السجلات حسب المادة 31 من المرسوم المتعلق بخطة العدالة، وهذه السجلات هي:

1)سجل الأملاك العقارية لتضمين الوثائق المتعلقة بالحقوق العينية العقارية: ويعرف هذا السجل لذا الممارسين أيضا ب "السجل الأول"، وكما يعبر على ذلك اسمه فإن الناسخ إذا كان بصدد تضمين شهادة يتعلق موضوعها بانتقال أو تعديل أو إنهاء حق عيني عقاري كالبيع أو الشراء أو الصدقة، الهبة استمرار، ملكية… فإن مكان تضمينها الصحيح هو هذا السجل.
2)سجل التركات والوصايا: وكان يدعى أيضا بالسجل الثالث، ويضم رسوم الاراثة والفريضة، إحصاء متروك، والوصية والرجوع في الوصية والتنزيل…
3)سجل خاص بتضمين نصوص عقود الزواج: ويخصص هذا السجل لتضمين جميع عقود الزواجات بكل أنواعها وعقود الرجعة والمراجعة.
4)سجل رسوم الطلاق: يضمن الناسخ في هذا السجل كافة أنواع رسوم الطلاق بشتى أنواعها والتي يتلقاها العدلان سواء كانت طلاقا رجعيا او طلاقا خلعيا، مع العلم أن هناك طلاقات لم يعد لم تبقى الحاجة فيها ماسة إلى العدلين لتوقيعها وعلى رأسها التطليق للشقاق الذي اصبح يتصدر كافة أنواع الفرقة الزوجية بالمغرب.
5)سجل باقي الوثائق: كان يدعى أيضا بالسجل الثاني، أو سجل المختلفة، وهو سجل يمكن القول أنه المكان الحر الذي لاحصر لأنواع الشهادات التي يتضمنها مادامت المعاملات لاحصر لها، أي أن كل شهادة لاتندرج في إطار أحد السجلات الاربع أعلاه فمكانها هو هذا السجل.

والملاحظ أن المشرع حدد عدد السجلات الممسوكة وأسمائها لكنه لم يحدد أنواع الرسوم التي يجب أن تضمن فيها، وهذا الفراغ خلق نوعا من عدم التوحيد بين المحاكم بخصوص تضمين بعض الشهادات، فمثلا الملاحق الإصلاحية أو الاستدراكات، هناك من يدرجها في سجلات المختلفة وهناك من يدرجها بحسب الأصل الملحق به؛ أي يضمن مثلا ملحق زواج في سجل الزواج، و ملحق شراء في سجل العقار وهكذا، وهذا الأمر ليس فيه أي مشكل من ناحية القيمة القانونية للوثيقة، لكنه يخلق نوعا من الارتباك وعدم التنظيم بعد مرور الزمن بخصوص البحث عن هذا الرسم حالة ضياعه خاصة مع عدم حوسبة هذا القطاع.
وقد حدد قرار وزير العدل رقم 979.09 بتاريخ 8 أبريل 2009، شكل تلك السجلات ومضمونها من خلال المادة الأولى منه، حيث يبلغ طول كل منها أربعة وثلاثين (34) سنتيمترا وعرضها ثمانية وعشرين (28) سنتيمترا، و يبلغ عدد صفحات كل منها خمسمائة (500)، تحمل أرقاما متتابعة وتشتمل كل صفحة على الأضلاع التالية:

1- العدد المتتابع؛ وهي الخانة الأولى وتكون مخصصة لترقيم كل شهادة على حدة بشكل تسلسلي الواحدة تلوى الأخرى.
2- نوع الشهادة؛ يكتب الناسخ في هذه الخانة اسم الإشهاد أو العقد الذي سيضمنه، وهذا الاسم يكون العدل قد حدده مسبقا كعنوان لمضمون الشهادة، وعادة مايكون هذا العنوان كفيل بأن يجعل الناسخ يدرك بسرعة نوع السجل الذي يجب عليه أن يضمن فيه الشهادة، فمثلا عندما يكون الناسخ بصدد تضمين عقد زواج، فإنها تكون معنونة من قبل العدل ب "عقد زواج" أو "نكاح" أو "عقد زواج مختلط" أو "قران" أو غيرها من الألفاظ الدالة حتما عليه، وتضمينها يكون بسجل عقود الزواج.
3- تاريخ التضمين؛ يكتب النساخ في هذه الخانة تاريخ تضمينه لهذا الرسم ويستحسن أن يكون بالهجري ومايوافقه بالميلادي على غرار تاريخ التلقي، وللإشارة فإنه قبل صدور هذا القرار كانت سجلات التضمين تحوي تاريخي التلقي والتحرير، وكان الناسخ مجبرا باستخراج تلك التواريخ من الرسم قيد التضمين وكتابة كل منهما في الضلع المخصص له، وهذه السجلات مزال العمل ساريا بها حتى الآن في عدد كبير من المحاكم على الرغم من صدور القرار بتاريخ في 8/4/2009.
4- مراجع التسجيل بالنسبة إلى السجلات التي تضمن فيها الشهادات الخاضعة للتسجيل؛ معلوم أن المشرع المغربي يفرض تسجيل بعض الرسوم لذا ادارة التسجيل بعد أن تستخلص عنها هذه الأخيرة واجبات التسجيل، كعقد البيع، وعقد الوكالة، وإحصاء المتروك وغيره، وهذه الشهادات تعطى لها بعد تسجيلها أرقاما مصحوبة بحروف تشكل كلها مراجع وعنوان تسجيل كل رسم، وقد ألزم المشرع الناسخ بأن يدون تلك المراجع في خانة خاصة بسجل تضمين تلك الشهادة.
5- نص الشهادة؛ يكتب الناسخ بيده الشهادة المحررة من طرف العدلين من أولها إلى آخرها حرفا حرفا من غير زيادة ولا نقصان بخط واضح وبمداد أسود غير قابل للمحو دون انقطاع أو بياض أو إصلاح أو إلحاق أو تشطيب إلا ما اعتذر عنه، أما البشر فيمنع مطلقا، وعادة مايتم الاعتذار ب "بل" عندما يقع الناسخ في خطإ بسيط وهو مازال يتابع تضمين تلك الوثيقة، كأن يكتب "…تزوج على بركة الله محمد" فأدرك حينها أنه أخطأ فبدل أن يكتب أحمد كتب محمد يستدرك الأمر حينا "…تزوج على بركة الله محمد بل احمد" ويتابع الضمين. وبعد انهائه التضمين يوقع العدلان معا في الختام بعد مراجعة مضمون الوثيقة، كما يوقع الناسخ عقب اسمه في الطرة أي أنه يضع اسمه في خانة الملاحظات على يسار نص الشهادة أو أسفل تاريخ التضمين أي على يمين نص الشهادة ويردفه بتوقيعه الخاص به.
6- ملاحظات؛ هذه الخانة عادة ماتبقى احتياطية لكل طارئ، فمثلا قد يضمن الناسخ شهادة زواج في سجل غير مخصص لذلك كسجل الطلاق مثلا، فإنه يعتذر على هذا التضمين الخاطئ في خانة الملاحظات ويعيد تضمينه في السجل المخصص له، بكل شروط التضمين وحيثياته.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعطيات التي تتعلق بتضمين الشهادة تسمى مراجع الشهادة ويجب أن تكتب أيضا في طرة الشهادة أو في أعلاها وهي بمثابة عنوان adresse يسهل الرجوع إلى هذا التضمين مرة أخرى وهذه المراجع تتكون أساسا من العدد المتتابع أعلاه إضافة الى الصفحة بالنسبة للسجل والتي تكون مرقمة من ذي قبل، ونوع السجل ورقمه الترتيبي ثم تاريخ التضمين.
ومما يجب أن لايفوتنا ذكره في هذا الباب أن الناسخ لايمكنه أن يشرع في عملية تضمين الشهادات المحررة من قبل العدلية إلا بعد مراقبتها من طرف القاضي المكلف بالتوثيق وتأكده من استيفائها لكافة الشروط القانونية، وقد درج أغلب القضاة المكلفين بالتوثيق على وضع كلمة "يضمن" في هامش المحرر العدلي كدليل على أنه راقب الوثيقة وأجاز تضمينها، وهناك من يستعمل أي إشارة أخرى كتاريخ التأشير مثلا أو رقما أو غير ذلك، غير أن هناك من القضاة وأمام كثرة الأشغال من يفضل التوقيع مباشرة وتكليف الناسخ بأن لايسلم الرسم للعدل إلا بعد تضمينه.
ويعطي القانون للناسخ أجل ثمانية أيام من تاريخ تسلمه المحرر كي يضمنه، ونفس الشيء الذي قيل في آجال التحرير يمكن أن يقال بالنسبة  بخصوص الآجال ذلك أن المشرع مرة أخرى لم يقرن شرط الأجل بجزاء.
وبعد إتمام عملية التضمين وتوقيع العدلين وتوقيع الناسخ بالسجل تعرض الوثيقة المحررة والسجل المضمنة فيه على القاضي المكلف بالتوثيق ليقوم هذا الأخير بآخر عملية تصبح حينها تلك الوثيقة رسمية متمتعة بحجيتها القانونية.

المرحلة الرابعة: الخطاب

تعتبر هذه المرحلة هي آخر مراحل ميلاد الوثيقة العدلية، فبعد التلقي ثم التحرير ثم التأشير ثم التضمين يأتي الخطاب ليعطي الوثيقة العدلية الصفة الرسمية، وبالتالي القوة القانونية لتصبح مبدئيا حجة قانونية قاطعة، يمكن الاحتجاج بها وبكل مضامينها سواء بين أطرافها أو الغير. فما المقصود بالخطاب ومن هو المختص به؟ وماهي عناصره وآجاله؟ وماهي النتائج المترتبة على وجوده؟ أو تخلفه؟
يعتبر القاضي المكلف بالتوثيق هو الجهاز المشرف والمراقب لسير العملية التوثيقية داخل أقسام قضاء الأسرة، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال المداة 34 من القانون رقم 16.03 حينما ألزم المشرع المغربي العدول بضرورة أداء الشهادة التي تلقوها لديه، الشيء الذي من شأنه أن يعزز دوره المذكور ويجعله دائما ومستمرا، وتتجلى هذه الأهمية في كونه وحده المخول طبقا للفقرة الأولى من المادة 35 بالمخاطبة على الشهادات العدلية، خصوصا وأن هذه العملية تكون آخر المراحل أي "بعد إتمام الإجراءات اللازمة" فيكون خطاب القاضي المكلف بالتوثيق موقوفا على مدى إتمام كافة الإجراءات اللازمة وكذا خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل.
فالخطاب إذا بمثابة مراقبة لكل الشهادات العدلية المنجزة، خص به المشرع جهة محايدة وهي القضاء، ويمكن اعتباره رقابة قبلية لضمان احترام القانون من جهة، وضمان مصداقية الوثيقة العدلية من جهة أخرى حفاظا على الثقة التي يجب أن يحس بها المواطن تجاه العدول، ويتكون الخطاب طبقا للمادة 38 من المرسوم رقم 2.08.378 من خمسة عناصر وهي:

1. نص الخطاب أو صيغة الخطاب: ويقصد به مجموعة من الكلمات كان يكتبها القاضي المكلف بالتوثيق بخط يده من ذي قبل، وقد تعددت صيغها ومنها "الحمد لله اطلع عليه" و "الحمد لله روقب"... غير أن العبارة التي كانت سائدة في الآونة الأخيرة قبل صدور القانون رقم 16.03 هي "الحمد لله أديا فقبلا وأعلم بثبوته" أما في ظل القانون الجديد فإن العبارة الموحدة التي يجب أن تعتبر صيغة الخطاب هي: "الحمد لله أعلم بأدائها ومراقبتها" وأصبح هناك طابعا ممسوكا من طرف القاضي المكلف بالتوثيق أو بيد الناسخ يحمل هذه العبارة ويطبع في نهاية كل الشهاداة العدلية على محررها المحرر في ورق من طرف العدل، وأيضا على تضمينها في سجل التضمين من طرف الناسخ.
2. التوقيع: ويدعى أيضا في لغة التوثيق شكل القاضي المكلف بالتوثيق ويقصد به إمضاؤه ويكون بمداد أسود.
3. اسم القاضي: يجب أن يقترن التوقيع بالاسم وهذه من الأمور البديهية، غير المادة 38 المذكورة أعلاه نصت صراحة على ذلك حتى لايتم إغفاله، وتتجلى أهمية ذلك في تحديد المسؤوليات.
4. الطابع: وهو طابع المحكمة الذي يشير إلى صفة صاحب التوقيع، فتجد فيه عبارة "قاضي التوثيق" أو "القاضي المكلف بالتوثيق" بعد عبارة "المملكة المغربية" "وزارة العدل" ثم اسم المحكمة الابتدائية وأحيانا قسم التوثيق بها حسب الأحوال.
5. التاريخ: لايخفى على أحد مدى أهمية ذكر تاريخ الخطاب على الشهادة العدلية، لأنها تصير ابتداء منه وثيقة رسمية مكتملة من الناحية القانونية، وعليه فقد درج العمل بالمغرب على التنصيص على التاريخ بالتقويمين الهجري ومايقابله من الميلادي علما أن المشرع اكتفى بعبارة "التنصيص على تاريخ الخطاب" وسكت، خلاف مافعل بالنسبة لتاريخ التلقي.

آجال الخطاب:

الحديث عن آجال الخطاب يقتضي منا التفريق بين الخطاب على الشهادة العدلية في المحرر، والخطاب عليها في سجلات التضمين، حيث أن المادة 38 من المرسوم المذكور حددت آجال الخطاب على المحرر في ستة أيام ابتداء من تاريخ تضمينها، وهذا يعني أن القاضي لايخاطب على المحرر إلا بعد تضمينه طبقا لمقتضيات هذه المادة من المرسوم وكذا صراحة المادة 33 منه وكذا طبقا لما يفهم أيضا من المادة 35 من القانون رقم 16.03 لأن التضمين يدخل حتما في إتمام الإجراءات الضرورية واللازمة للشهادة العدلية.
أما بالنسبة للخطاب على الشهادة في السجلات فقد نصت المادة 32 من القانون رقم 16.03 في فقرتها الأخيرة على مايلي: " يخاطب القاضي في تلك السجلات داخل أجل شهر من تاريخ التضمين على الشهادات المضمنة بها؛ كل شهادة على حدة بعد توقيع العدول شهودها عليها" أي أن القاضي المكلف بالتوثيق له الحق في تجاوز ستة أيام بالنسبة للسجلات دون أن يتجاوز الشهر.
ومما سبق نلاحظ أن المشرع المغربي جاء بمقتضى جديد لم يكن منصوصا عليه في القانون السابق، والهدف منه هو تمكين المواطن من الوثيقة في أقرب الآجال حتى لاتتوقف مصالحه على مجرد عدم حضور العدل العاطف لسبب من الأسباب، وهذا إقرار ضمني منه على كون مسطرة إنجاز الوثيقة العدلية تتسم بالبطء، لكنه يشترط في كل الأحوال أن تكون الشهادة ضمنة، غير أن هذا التفاوت في الآجال لايخلو من سلبيات عملية نطرحا في مناسبة أخرى.

النتائج التي تترتب على الخطاب:

قبل الخطاب على الوثيقة العدلية فإنها تكون غير تامة، ولاتكتسي الحجية القانونية التي للورقة الرسمية، وبالتالي فإنها قد تكون مجرد بداية حجة، أو وثيقة غير مكتملة الأركان، قد يستدعي اكتمال أركانها اللجوء إلى مسطرة التعريف، حسب الحالات والشروط الواردة في المادة 35 من المرسوم المذكور.
أما عندما يخاطب السيد القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادة العدلية، سواء كشهادة أصلية أو تعريف لشهادة أخرى، أو شهادة أعيد تحريرها فإنها تصبح وثيقة رسمية ويصير التعريف حين ذلك أصل طبقا للمادة 21 من المرسوم المذكور.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع يمنع من خلال المادة 35 من القانون المذكور على القاضي المكلف بالتوثيق المخاطبة على الشهادات التي تكون خاضعة للتسجيل إلا بعد تأديتها، علما أنه ألزم العدلين من خلال المادة 28 من المرسوم بأن يقوموا بما يلزم من أجل توجيه محرر الشهادة صوب الجهات المعنية قصد التسجيل، قبل أن تصبح بيد القاضي المكلف بالتوثيق.
أما بعد الخطاب فإن القاضي طبقا للمادة 38 من المرسوم يعمل على توجيه نسخة من الشهادات الخاضعة للتسجيل لمكتب التسجيل المختص، كما يوجه إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نظائر من عقود التحبيس وعقود اعتناق الإسلام.
كما يقوم طبقا للمادة 87 من مدونة الاسرة بتوجيه نسخة من وثيقة الطلاق إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق، ويقصد بالنسخة في كل الحالات نظير إذ يحرر العدل نظير إضافي يسحبه القاضي المكلف بالتوثيق أو من يكلفه هذا الأخير بذلك ليرسل إلى الجهات المعنية حسب نوع الرسم.
وفي الختام نشير إلى أن النساخ طالبوا بقوة من أجل تبسيط مسطرة صنع الوثيقة العدلية، كما طالبوا بتبسيط مسطرة استخراج نسخة من أصلها (ولنا عودة تحت عنوان: مسطرة استخراج نسخة من وثيقة عدلية)، وذلك بإلغاء مهنتهم النساخة في صورتها الحالية، فانظاف إليهم صوت العدول الذين نادوا أيضا بإلغاء مؤسسة القاضي المكلف بالتوثيق على غرار ماهو معمول به في التوثيق العصري.



الجمعة 22 فبراير 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter