لقد حاول المشرع المغربي من خلال تعميمه لنظام التحفيظ العقاري التخلص من إزدواجية النظام الذي عرفه الوضع القانوني الحالي ،حيث كانت هناك عقارات تخضع لنظام التحفيظ العقاري وأخرى تخضع للفقه الإسلامي، لكن سياسة التعميم هذه التي نحاها المشرع وجدت أمامها مجموعة من العوائق كان أهمها مبدأ الاختيارية الذي يتميز به هذا النظام وفي المقابل وضع المشرع مساطر حاول من خلالها تكريس مبدأ الإجبارية في مسطرة التحفيظ وحدد لها حالات خاصة تتماشى وسياسة التعميم.
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ الاختيارية في مسطرة التحفيظ يعد من أهم خصائص التحفيظ العقاري فهو يهدف من حيث الواقع إلى التخلي عن تطبيق نظام العقارات الغير المحفظة والخضوع لظهير 14.07 المغير و المتمم لظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل12 أغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
إن هذه الازدواجية التي منحها المشرع لأصحاب الحقوق العينية هي في الواقع اختيار في اتجاه واحد إما الدخول في نظام التحفيظ العقاري أو البقاء في نظام العقارات الغير محفظة الذي تعتبر الأصل. ومع ذلك فلا يمكن أن يفهم من هذا الاختيار بأنه عملية تبادلية متكافئة بل إنه اختيار في اتجاه واحد.
سنخصص موضوعنا للحديث عن ازدواجية نظام التحفيظ العقاري من حيث مبدأي الاختيارية والإجبارية على ضوء القانون 14.07.
الفرع الأول: مبدأ الاختيارية في مسطرة التحفيظ العقاري
بدراسة مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري نجد أن التحفيظ في المغرب عمل اختياري في الأصل فهو غير إلزامي مبدئيا وهذا ما تضمنه الفصل السادس من القانون 14.07 :
"إن التحفيظ أمر اختياري غير أنه إذا قدم مطلب للتحفيظ فإنه لا يمكن سحبه مطلقا ".
إذن فصاحب الملكية أو المتمتع بأحد الحقوق العينية له كامل الحرية في اللجوء إلى نظام التحفيظ العقاري ، إذ لا توجد وسيلة لإجبار صاحب ملكية العقار أو المتمتع بأحد الحقوق العينية على ذلك.
والطابع الاختياري للتحفيظ يرجع إلى أنه لو فرضت الدولة إلزامية التحفيظ عن طريق العجلة لأدى ذلك إلى زيادة المنازعات حول الأملاك ثم إن الدولة تحتاج إلى أموال لإنجاز عمل ضخم يقدر بتحفيظ جميع الأملاك العقارية. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع سمح بإقامة عمارات وإنشاءات على عقارات محفظة وعلى العقارات الغير المحفظة بمقتضى القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ،وكذلك بيع العقارات في طور الإنجاز رقم 44.00 ولعل عمله هذا جاء تجاوبا مع الطلب المتزايد على العقارات المبنية.
ويرى بعض الفقه بأن موقف المشرع المغربي هذا موقف حكيم،لأن الطابع الاختياري للتحفيظ يساعد على نشر التوعية بين المواطنين من أجل أن يألفوا تدريجيا النظام المحدث،ويقدموا تلقائيا مع الزمن على إتباعه عندما يلمسون محاسنه و فوائد.
إذن فمبدأ الاختيارية في التحفيظ يتمتع به صاحب العقار الغير محفظ على اعتبار أن عقاره يخضع منذ الأصل لقواعد تستمد أسسها من الشريعة الإسلامية أما صاحب العقار المحفظ فهو لا يتمتع بهذه الإمكانية ولا يمكن له المطالبة بإرجاع عقاره إلى نظام العقارات غير المحفظة، ويستنتج هذا من مضمون المادة الأولى من ظهير التحفيظ العقاري التي أكدت:
"يرمي التحفيظ إلى جعل العقار خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد"
ويفيد مبدأ الاختيارية في الواقع إلى التشبث والخضوع للظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري والتخلي عن تطبيق نظام العقارات الغير محفظة .
مما تجدر الإشارة إليه أنه على الرغم من أن التحفيظ العقاري بالمغرب عمل اختياري في الأصل وأن تقديم مطلب الحفيظ يمنع على طالب التحفيظ سحبه مطلقا وهذا ما أكدته المادة 6 من قانون المتعلق بالتحفيظ العقاري التي تنص على أن :
" ..التحفيظ أمر اختياري غير أنه إذا قدم مطلب بالتحفيظ فإنه لا يمكن مطلقا سحبه".
والعبارة الأخيرة من المادة المشار إليها -فإنه لا يمكن مطلقا سحبه- تفيد التشدد الذي يريده المشرع من وراء عملية التحفيظ حتى لا يصبح التحفيظ وسيلة للتلاعب أو التردد من طرف طالبي التحفيظ كما ذكرنا سالفا، رغم هذا التشدد الذي نحاه المشرع أمام من تقدم بطلب التحفيظ فإن هذا الأخير يستطيع التملص من قسوة هذا المبدأ والتحلل من مطلبه بوسائل خوله إياها المشرع ذاته دون أي جزاء على ذلك ومن أهم الحالات نذكر ما يلي:
هذه الحالة تجد سندها في المادة 22 من ظهير التحفيظ العقاري حيث نصت على أنه:
" إذا لم يحضر طالب التحفيظ أو من ينوب عنه في المكان والتاريخ والوقت المعينين لإنجاز عملية التحديد، فلا يتم إنجازها ويقتصر في المحضر على إثبات هذا التغيب "
ونصت المادة 23 من نفس الظهير بأنه في حالة تغيب طالب التحفيظ فإن طلب التحفيظ يعتبر لاغيا.
وفي هذه الحالة يمكن لطالب التحفيظ أن يعطل مفعول طلبه بالامتناع عن تقديم الحجج التي تؤيد مطلبه أو الإدعاء بعدم وجودها حيث يجوز للمحافظ في مثل هذه الحالة إلغاء مطلب التحفيظ وهذا ما ورد التنصيص عليه في المادة 38 من ظهير التحفيظ العقاري بأنه :
" في حالة رفض مطلب التحفيظ لأي سبب كان وفي أي مرحلة من مراحل المسطرة يكون التحديد لاغيا ويلزم طالب التحفيظ بمحو أثره ..."
هذه الحالة تؤكد بدورها على إمكانية التراجع عن مطلب التحفيظ حيث جاء في نص المادة 50 من ظهير التحفيظ العقاري أن الطلب الرامي إلى التحفيظ والعمليات المتعلقة به يعتبر وكأن لم يكن إذا لم يقم طالب التحفيظ بأي إجراء لمتابعة المسطرة ، وذلك داخل ثلاثة أشهر من يوم تبليغه إنذارا من المحافظ بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية.
تأسيسا على ما سبق فالتحفيظ يظل عملا اختياريا اللهم إلا إذا تمت إجراءات التحفيظ وتم تأسيس الرسم العقاري، ففي هذه الحالة يتعذر على طالب التحفيظ التحلل من مطلبه أو التراجع عنه لأن العقار يصبح له كيان قانوني جديد يستحيل إخراجه منه بعد.
الفرع الثاني: حالات التحفيظ الإجباري على ضوء القانون 14.07
صدر قانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري مؤكدا على استمرارية العمل بمبادئ التحفيظ والتقييد العقاريين ، وذلك بعد عدة محاولات وترصدات بغية تجديد ترسانة التشريع العقاري، فمن بين المستجدات التي أتى بها هذا القانون "التحفيظ الإجباري " كما ورد التنصيص عليه في الفصل السابع والثامن من قانون 14.07 والفصول من 15-1 إلى 51-19وهناك أيضا حالات متفرقة تنظمها قوانين خاصة سوف نقوم بتفصيلها.
ينص الفصل الثامن من قانون 14.07 على ما يلي:
" يكون التحفيظ كذلك إجباريا عندما نأمر به المحاكم المختصة أثناء متابعة إجراءات الحجز العقاري في مواجهة المحجوز عليه".
يستفاد من هذا الفصل أنه يجوز للمحكمة الابتدائية المختصة أن تأمر بوقف بيع العقار المحجوز إلى أن يتم تحفيظه ، كما يحق لمن رست عليه المزايدة في عملية العقار المحجوز غير المحفظ أن يعلق أداء الثمن على وجوب تحفيظ العقار، والمحكمة غير ملزمة حينها بإصدار الأمر بتحفيظ العقار المحجوز إذا علمنا أن إجراءات التحفيظ قد تطول فتؤخر تنفيذ الحجز مما يضر بمصلحة طالب التنفيذ فضلا عن أن تحفيظ العقار هو من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية .
وفي ظل قانون المسطرة المدنية لم يعد بإمكان رئيس المحكمة الابتدائية تعليق بيع العقار المحجوز على إنجاز التحفيظ العقاري .
ب.التحفيظ الإجباري في ظل الفصول 51-1 إلى 51-19
في إطار التعديلات الجديدة لقانون التحفيظ العقاري بالمغرب و تحديدا القانون 14.07 ،أضاف المشرع مسطرة جديدة ، وهي تتعلق بالتحفيظ الإجباري الذي لم يعرفه من قبل ظهير 9 رمضان 1331؛ وهكذا أخضعه المشرع لمسطرة خاصة تخضع لها العقارات الموجودة بمناطق التحفيظ الإجباري، ثم حدد لها الفصول من 51-1 إلى 51-19 من القانون 14.07 .
وهكذا نص الفصل 51-1 على أن العقارات الموجودة بمناطق التحفيظ الإجباري تخضع للمقتضيات القانونية المقررة في الفرع السادس من الباب الثاني ولما لا يخالفها من مقتضيات القانون المذكور.
وقد أوجب القانون المذكور أن ينشر القرار الصادر بفتح وتحديد منطقة التحفيظ الإجباري بالجريدة الرسمية،وأن يعلق بمقر السلطة المحلية والجماعة والمحكمة الابتدائية والمحافظة العقارية.
والملاحظ أن المشرع قد عهد للجنة أطلق عليها اسم" لجنة التحفيظ الإجباري" مهمة إعداد المعنيين بالأمر لعمليات التحفيظ الإجباري وضمان حسن تنفيذ أشغال البحث الجزيئي والقانوني ومراقبتها واتخاذ كل التدابير التي تمكن من إدراج وتحديد مطالب التحفيظ العقاري .وتتكون اللجنة المذكورة من:
وإذا كانت منطقة التحفيظ الإجباري تمتد إلى أكثر من عمالة أو إقليم،فإن أعضاء اللجنة يعينون بقرار مشترك للعمال المعنيين.
من جهة أخرى عهد القانون لمصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بتنفيذ أشغال البحث الجزيئي والقانوني بمؤازرة لجنة التحفيظ الإجباري ،ومن المعلوم أن الغرض من البحث الجزيئي والقانوني تهيئة وتحرير مطالب التحفيظ في اسم المالكين الذين يدلون بالعقود والوثائق التي تبنت ملكيتهم للعقارات المراد تحفيظها.
أما العقارات التي لم يتم التعرف على مالكيها أثناء أشغال البحث ،فإن مطلب التحفيظ يجب أن يحرر ويدرج تلقائيا في اسم الملك الخاص للدولة ،في حين أن العقارات التي تغيب أصحابها أو تقاعس مالكوها عن الإدلاء بملكيتهم لها فإن مطلب تحفيظها يحرر ويدرج تلقائيا في اسمهم.
وبالنسبة لمطلب التحفيظ الذي أدرج قبل فتح منطقة التحفيظ الإجباري، فإنه يظل خاضعا للنصوص القانونية التي أدرج طبقا لمقتضياتها.
وابتداء من تاريخ نشر قرار فتح منطقة التحفيظ الإجباري لا يمكن أن يدرج أي مطالب إلا في إطار القانون 14.07 (الفصل 9.51).
كما أوكل المشرع لمصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أن يحيل على لجنة التحفيظ الإجباري ملف يتكون من الوثائق التالية:
وينشر الإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجزيئيين بالجريدة الرسمية ويلزم أن يتضمن الإعلان المذكور البيانات التالية:
وبمجرد نشر الإعلان المذكور بالجريدة الرسمية يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بانجاز برنامج لعمليات التحديد ويبلغه إلى ممثل السلطة المحلية ورئيس الجماعة المعنيين بالأمر لتعليقه في مقراتهم وذلك قبل التاريخ المعين لافتتاح العمليات بشهر واحد كما يعلق البرنامج بمقر المحافظة العقارية المختصة، ثم يستدعي المحافظ طبقا للقانون طالبي التحفيظ وكل متدخل في مسطرة التحفيظ بكيفية قانونية.
في هذا السياق أوجب المشرع انجاز التحديد المذكور قبل انتهاء أجل التعرض ويستوي أن يكون طالبوا التحفيظ أو حتى في غيابهم.
بخصوص أجل التعرض على مطالب التحفيظ الإجبارية فلقد حدده المشرع داخل أجل أربعة أشهر تبتدئ من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية للإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجريبيين بمقر السلطة المحلية. ولا يقبل تعرضا خارج هذا الأجل.
ويجب نشر كل حق تم اكتسابه خلال مسطرة التحفيظ طبقا لمقتضيات الفصل 84 من القانون رقم 14.07.
وبمجرد انتهاء أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية لمطالب التحفيظ المختص بإنشاء الرسوم العقارية لمطالب التحفيظ التي لم تكن محل تعرض ويحيل المطالب المثقلة بالتعرضات على المحكمة الابتدائية للبت في النزاعات المتعلقة بها.
ج. التحفيظ الإجباري خارج قانون 14.07.
لقد سبق الذكر أن الأصل في عملية التحفيظ هو الاختيارية ، فهي قاعدة عامة ، إلا أن المشرع عمد على التنصيص على بعض الإسثتناءات على هذا المبدأ ؛ بحيث جعل عملية التحفيظ عملية إجبارية في بعض الحالات وذلك ضمانا لتحقيق مصالح تعتبر أجدر بالرعاية من مصالح الخواص، لدى سوف نخص بالذكر هذه الحالات:
إن نجاح المشرع في توحيد النظام القانوني المتعلق بالتحفيظ العقاري ومحاولته كذلك تعميم هذا النظام على جميع أنواع العقارات خصوصا بعد صدور القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري 14.07. يعد محاولة كان الهدف منها تجديد وتحديث ترسانة التشريع العقاري. و الجدير بالذكر هو أن المشرع ظل مع ذلك وافيا لمبادئ التحفيظ العقاري رغم كل الحركية التي عرفتها الساحة العقارية. وهذا الوفاء والاستمرار يتجلى من خلال تمسك المشرع بمبدأ الاختيارية كمبدأ في نظام التحفيظ العقاري، بعد أن حدد حالات ألزم فيها بالإجبارية كاستثناء وارد على المبدأ. وهذا الأمر الذي دفع بالكثير من الفقه إلى انتقاده. ودعوا المشرع إلى تعديل هذا الموقف مع ما يتلاءم والتطور الحاصل في الساحة العقارية. ونظرا كذلك لما تلعبه مسطرة التحفيظ من أهمية في التنمية العقارية والإنعاش العقاري.
لائحة المصادر والمراجع
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ الاختيارية في مسطرة التحفيظ يعد من أهم خصائص التحفيظ العقاري فهو يهدف من حيث الواقع إلى التخلي عن تطبيق نظام العقارات الغير المحفظة والخضوع لظهير 14.07 المغير و المتمم لظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل12 أغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
إن هذه الازدواجية التي منحها المشرع لأصحاب الحقوق العينية هي في الواقع اختيار في اتجاه واحد إما الدخول في نظام التحفيظ العقاري أو البقاء في نظام العقارات الغير محفظة الذي تعتبر الأصل. ومع ذلك فلا يمكن أن يفهم من هذا الاختيار بأنه عملية تبادلية متكافئة بل إنه اختيار في اتجاه واحد.
سنخصص موضوعنا للحديث عن ازدواجية نظام التحفيظ العقاري من حيث مبدأي الاختيارية والإجبارية على ضوء القانون 14.07.
الفرع الأول: مبدأ الاختيارية في مسطرة التحفيظ العقاري
بدراسة مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري نجد أن التحفيظ في المغرب عمل اختياري في الأصل فهو غير إلزامي مبدئيا وهذا ما تضمنه الفصل السادس من القانون 14.07 :
"إن التحفيظ أمر اختياري غير أنه إذا قدم مطلب للتحفيظ فإنه لا يمكن سحبه مطلقا ".
إذن فصاحب الملكية أو المتمتع بأحد الحقوق العينية له كامل الحرية في اللجوء إلى نظام التحفيظ العقاري ، إذ لا توجد وسيلة لإجبار صاحب ملكية العقار أو المتمتع بأحد الحقوق العينية على ذلك.
والطابع الاختياري للتحفيظ يرجع إلى أنه لو فرضت الدولة إلزامية التحفيظ عن طريق العجلة لأدى ذلك إلى زيادة المنازعات حول الأملاك ثم إن الدولة تحتاج إلى أموال لإنجاز عمل ضخم يقدر بتحفيظ جميع الأملاك العقارية. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع سمح بإقامة عمارات وإنشاءات على عقارات محفظة وعلى العقارات الغير المحفظة بمقتضى القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ،وكذلك بيع العقارات في طور الإنجاز رقم 44.00 ولعل عمله هذا جاء تجاوبا مع الطلب المتزايد على العقارات المبنية.
ويرى بعض الفقه بأن موقف المشرع المغربي هذا موقف حكيم،لأن الطابع الاختياري للتحفيظ يساعد على نشر التوعية بين المواطنين من أجل أن يألفوا تدريجيا النظام المحدث،ويقدموا تلقائيا مع الزمن على إتباعه عندما يلمسون محاسنه و فوائد.
إذن فمبدأ الاختيارية في التحفيظ يتمتع به صاحب العقار الغير محفظ على اعتبار أن عقاره يخضع منذ الأصل لقواعد تستمد أسسها من الشريعة الإسلامية أما صاحب العقار المحفظ فهو لا يتمتع بهذه الإمكانية ولا يمكن له المطالبة بإرجاع عقاره إلى نظام العقارات غير المحفظة، ويستنتج هذا من مضمون المادة الأولى من ظهير التحفيظ العقاري التي أكدت:
"يرمي التحفيظ إلى جعل العقار خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد"
ويفيد مبدأ الاختيارية في الواقع إلى التشبث والخضوع للظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري والتخلي عن تطبيق نظام العقارات الغير محفظة .
مما تجدر الإشارة إليه أنه على الرغم من أن التحفيظ العقاري بالمغرب عمل اختياري في الأصل وأن تقديم مطلب الحفيظ يمنع على طالب التحفيظ سحبه مطلقا وهذا ما أكدته المادة 6 من قانون المتعلق بالتحفيظ العقاري التي تنص على أن :
" ..التحفيظ أمر اختياري غير أنه إذا قدم مطلب بالتحفيظ فإنه لا يمكن مطلقا سحبه".
والعبارة الأخيرة من المادة المشار إليها -فإنه لا يمكن مطلقا سحبه- تفيد التشدد الذي يريده المشرع من وراء عملية التحفيظ حتى لا يصبح التحفيظ وسيلة للتلاعب أو التردد من طرف طالبي التحفيظ كما ذكرنا سالفا، رغم هذا التشدد الذي نحاه المشرع أمام من تقدم بطلب التحفيظ فإن هذا الأخير يستطيع التملص من قسوة هذا المبدأ والتحلل من مطلبه بوسائل خوله إياها المشرع ذاته دون أي جزاء على ذلك ومن أهم الحالات نذكر ما يلي:
- الحالة الأولى: عدم حضور طالب التحفيظ أو تغيبه بدون عذر.
" إذا لم يحضر طالب التحفيظ أو من ينوب عنه في المكان والتاريخ والوقت المعينين لإنجاز عملية التحديد، فلا يتم إنجازها ويقتصر في المحضر على إثبات هذا التغيب "
ونصت المادة 23 من نفس الظهير بأنه في حالة تغيب طالب التحفيظ فإن طلب التحفيظ يعتبر لاغيا.
- الحالة الثانية: الامتناع من تقديم الحجج الكافية.
" في حالة رفض مطلب التحفيظ لأي سبب كان وفي أي مرحلة من مراحل المسطرة يكون التحديد لاغيا ويلزم طالب التحفيظ بمحو أثره ..."
- الحالة الثالثة: إذا لم يقوم طالب التحفيظ بأي إجراء لمواصلة المسطرة داخل ثلاثة أشهر من تاريخ إنذاره.
تأسيسا على ما سبق فالتحفيظ يظل عملا اختياريا اللهم إلا إذا تمت إجراءات التحفيظ وتم تأسيس الرسم العقاري، ففي هذه الحالة يتعذر على طالب التحفيظ التحلل من مطلبه أو التراجع عنه لأن العقار يصبح له كيان قانوني جديد يستحيل إخراجه منه بعد.
الفرع الثاني: حالات التحفيظ الإجباري على ضوء القانون 14.07
صدر قانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري مؤكدا على استمرارية العمل بمبادئ التحفيظ والتقييد العقاريين ، وذلك بعد عدة محاولات وترصدات بغية تجديد ترسانة التشريع العقاري، فمن بين المستجدات التي أتى بها هذا القانون "التحفيظ الإجباري " كما ورد التنصيص عليه في الفصل السابع والثامن من قانون 14.07 والفصول من 15-1 إلى 51-19وهناك أيضا حالات متفرقة تنظمها قوانين خاصة سوف نقوم بتفصيلها.
- مقتضيات الفصل الثامن من قانون 14.07.
" يكون التحفيظ كذلك إجباريا عندما نأمر به المحاكم المختصة أثناء متابعة إجراءات الحجز العقاري في مواجهة المحجوز عليه".
يستفاد من هذا الفصل أنه يجوز للمحكمة الابتدائية المختصة أن تأمر بوقف بيع العقار المحجوز إلى أن يتم تحفيظه ، كما يحق لمن رست عليه المزايدة في عملية العقار المحجوز غير المحفظ أن يعلق أداء الثمن على وجوب تحفيظ العقار، والمحكمة غير ملزمة حينها بإصدار الأمر بتحفيظ العقار المحجوز إذا علمنا أن إجراءات التحفيظ قد تطول فتؤخر تنفيذ الحجز مما يضر بمصلحة طالب التنفيذ فضلا عن أن تحفيظ العقار هو من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية .
وفي ظل قانون المسطرة المدنية لم يعد بإمكان رئيس المحكمة الابتدائية تعليق بيع العقار المحجوز على إنجاز التحفيظ العقاري .
ب.التحفيظ الإجباري في ظل الفصول 51-1 إلى 51-19
في إطار التعديلات الجديدة لقانون التحفيظ العقاري بالمغرب و تحديدا القانون 14.07 ،أضاف المشرع مسطرة جديدة ، وهي تتعلق بالتحفيظ الإجباري الذي لم يعرفه من قبل ظهير 9 رمضان 1331؛ وهكذا أخضعه المشرع لمسطرة خاصة تخضع لها العقارات الموجودة بمناطق التحفيظ الإجباري، ثم حدد لها الفصول من 51-1 إلى 51-19 من القانون 14.07 .
وهكذا نص الفصل 51-1 على أن العقارات الموجودة بمناطق التحفيظ الإجباري تخضع للمقتضيات القانونية المقررة في الفرع السادس من الباب الثاني ولما لا يخالفها من مقتضيات القانون المذكور.
وقد أوجب القانون المذكور أن ينشر القرار الصادر بفتح وتحديد منطقة التحفيظ الإجباري بالجريدة الرسمية،وأن يعلق بمقر السلطة المحلية والجماعة والمحكمة الابتدائية والمحافظة العقارية.
والملاحظ أن المشرع قد عهد للجنة أطلق عليها اسم" لجنة التحفيظ الإجباري" مهمة إعداد المعنيين بالأمر لعمليات التحفيظ الإجباري وضمان حسن تنفيذ أشغال البحث الجزيئي والقانوني ومراقبتها واتخاذ كل التدابير التي تمكن من إدراج وتحديد مطالب التحفيظ العقاري .وتتكون اللجنة المذكورة من:
- ممثل السلطة المحلية رئيسا.
- رئيس الجماعة التي يوجد العقار بدائرة ترابها أو نائبه.
- المحافظ على الأملاك العقارية أو من ينوب عنه .
- رئيس مصلحة المسح العقاري المعني أو من ينوب عنه.
- أعضاء لجنة التحفيظ الإجباري يعينون بقرار عاملي.
وإذا كانت منطقة التحفيظ الإجباري تمتد إلى أكثر من عمالة أو إقليم،فإن أعضاء اللجنة يعينون بقرار مشترك للعمال المعنيين.
من جهة أخرى عهد القانون لمصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بتنفيذ أشغال البحث الجزيئي والقانوني بمؤازرة لجنة التحفيظ الإجباري ،ومن المعلوم أن الغرض من البحث الجزيئي والقانوني تهيئة وتحرير مطالب التحفيظ في اسم المالكين الذين يدلون بالعقود والوثائق التي تبنت ملكيتهم للعقارات المراد تحفيظها.
أما العقارات التي لم يتم التعرف على مالكيها أثناء أشغال البحث ،فإن مطلب التحفيظ يجب أن يحرر ويدرج تلقائيا في اسم الملك الخاص للدولة ،في حين أن العقارات التي تغيب أصحابها أو تقاعس مالكوها عن الإدلاء بملكيتهم لها فإن مطلب تحفيظها يحرر ويدرج تلقائيا في اسمهم.
وبالنسبة لمطلب التحفيظ الذي أدرج قبل فتح منطقة التحفيظ الإجباري، فإنه يظل خاضعا للنصوص القانونية التي أدرج طبقا لمقتضياتها.
وابتداء من تاريخ نشر قرار فتح منطقة التحفيظ الإجباري لا يمكن أن يدرج أي مطالب إلا في إطار القانون 14.07 (الفصل 9.51).
كما أوكل المشرع لمصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أن يحيل على لجنة التحفيظ الإجباري ملف يتكون من الوثائق التالية:
- تصميم يحدد محيط المنطقة مرتبط بنظام إحداثيات لامبير منجز وفق سلم معمول به.
- مطالب التحفيظ المحررة.
- العقود والوثائق التي أدلى بها المالكون وعند الاقتضاء الشهادات الإدارية للملكية المسلمة من طرف السلطة المحلية .
- اللائحة والتصميم الجزيئيان اللذان يعنيان القطع الواقفة داخل منطقة التحفيظ الإجباري ومساحتها المضبوطة وهويات وعناوين المالكين.
- التصميم العقاري المنجز وفق الضوابط الجاري بها العمل والخاص بكل عقار على حدة.
وينشر الإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجزيئيين بالجريدة الرسمية ويلزم أن يتضمن الإعلان المذكور البيانات التالية:
- موقع المنطقة الخاضعة للتحفيظ الإجباري .
- تاريخ إيداع اللائحة والتصميم.
- أجل التعرض
وبمجرد نشر الإعلان المذكور بالجريدة الرسمية يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بانجاز برنامج لعمليات التحديد ويبلغه إلى ممثل السلطة المحلية ورئيس الجماعة المعنيين بالأمر لتعليقه في مقراتهم وذلك قبل التاريخ المعين لافتتاح العمليات بشهر واحد كما يعلق البرنامج بمقر المحافظة العقارية المختصة، ثم يستدعي المحافظ طبقا للقانون طالبي التحفيظ وكل متدخل في مسطرة التحفيظ بكيفية قانونية.
في هذا السياق أوجب المشرع انجاز التحديد المذكور قبل انتهاء أجل التعرض ويستوي أن يكون طالبوا التحفيظ أو حتى في غيابهم.
بخصوص أجل التعرض على مطالب التحفيظ الإجبارية فلقد حدده المشرع داخل أجل أربعة أشهر تبتدئ من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية للإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجريبيين بمقر السلطة المحلية. ولا يقبل تعرضا خارج هذا الأجل.
ويجب نشر كل حق تم اكتسابه خلال مسطرة التحفيظ طبقا لمقتضيات الفصل 84 من القانون رقم 14.07.
وبمجرد انتهاء أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية لمطالب التحفيظ المختص بإنشاء الرسوم العقارية لمطالب التحفيظ التي لم تكن محل تعرض ويحيل المطالب المثقلة بالتعرضات على المحكمة الابتدائية للبت في النزاعات المتعلقة بها.
ج. التحفيظ الإجباري خارج قانون 14.07.
لقد سبق الذكر أن الأصل في عملية التحفيظ هو الاختيارية ، فهي قاعدة عامة ، إلا أن المشرع عمد على التنصيص على بعض الإسثتناءات على هذا المبدأ ؛ بحيث جعل عملية التحفيظ عملية إجبارية في بعض الحالات وذلك ضمانا لتحقيق مصالح تعتبر أجدر بالرعاية من مصالح الخواص، لدى سوف نخص بالذكر هذه الحالات:
- حالة بيع العقار الجاري على أملاك الدولة الخاصة أو المقايضة عليه.
- مقايضة عقار محبس حبيسا عموميا وذلك لأن طريق بيعه ، لكن بالمعاوضة عليه. ويلزم وزارة الأوقاف بتحفيظ العقار المعاوض به إن لم يكن محفظا من قبل يقوم بهذه العملية صاحب العقار المقايض به.
- حالة التحفيظ الإلزامي ممن يتعرض عل تحديد أملاك الدولة حيث يكفل ظهير 3 يناير 1916 والمتعلق بتحديد أملاك الدولة الخاصة لكل مدعي بحث عيني على هذه العقارات أن يسلك مسطرة التعرض على عملية تحديد الأملاك الخاصة للدولة. وذلك في ظرف ثلاثة أشهر من تاريخ نشر الإعلان في الجريدة الرسمية متضمن إيداع محضر التحديد بمقر السلطة المحلية، مع ضرورة إرفاق ادعاءه بكل المستندات والوثائق التي تزكي تعرضه. ويجب عليه أن يقدم مطلب تحفيظ تأكيدي لتعرضه على عملية التحديد داخل ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء أجل التعرض.
- التحفيظ إلزامي للعقارات الموجودة ، فمن الأراضي الفلاحية الخاضعة لعملية الضم، وقد صدر ظهير 20 يونيو 1962 والذي عذل بدوره بظهير 20 يوليوز 1969 والذي جعل عملية الضم متاحة في جميع الأراضي المغربية. وتكمن الغاية الأساسية من عملية الضم تحسين استغلال هذه الأراضي عن طريق ضم الأملاك المنجزة لتكوين أملاك موحدة تشكل قطع شاسعة تصلح للفلاحة.
- التحفيظ الإجباري للعقارات الزراعية عند تجزئتها. وبهذا يكون التحفيظ إلزاميا للأراضي الزراعية لإقامة متاجر أماكن للسكن أو أماكن صناعية بمقتضى ظهير 25 يونيو 1966. والعرض من هذا الإلزام هو الحد من المنازعات التي تنشئ بعد تجزئة الأراضي الداخلة في التجمعات الزراعية حيث تنبث ملكية جزء لصاحبه وذلك ما ينسجم مع اتجاه الدولة إلى تنمية التجمعات الزراعية وتخفيف الضغط على المدن الكبرى بخلق تجمعات سكنية حديثة ومرافق خاصة بها. والدفع بعملية التحفيظ بشمولها المناطق المستحدثة.
- التحفيظ الإجباري للعقارات المنزوعة ملكيتها. فقد ألزم الفصل 37 من ظهير 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة على الجهة نازعة الملكية إيداع مطلب للتحفيظ مشفوعا بحكم قاضي صادر بنقل الملكية ومحضر تحديد أنجزته السلطة النازعة وتصميم موقع عليه ومؤشر من طرفها، وتباشر بشأنه مسطرة خاصة للتحفيظ بدون إشهار.
- التحفيظ الإجباري للمجموعات السكنية (المادة 5 و6) من قانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
إن نجاح المشرع في توحيد النظام القانوني المتعلق بالتحفيظ العقاري ومحاولته كذلك تعميم هذا النظام على جميع أنواع العقارات خصوصا بعد صدور القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري 14.07. يعد محاولة كان الهدف منها تجديد وتحديث ترسانة التشريع العقاري. و الجدير بالذكر هو أن المشرع ظل مع ذلك وافيا لمبادئ التحفيظ العقاري رغم كل الحركية التي عرفتها الساحة العقارية. وهذا الوفاء والاستمرار يتجلى من خلال تمسك المشرع بمبدأ الاختيارية كمبدأ في نظام التحفيظ العقاري، بعد أن حدد حالات ألزم فيها بالإجبارية كاستثناء وارد على المبدأ. وهذا الأمر الذي دفع بالكثير من الفقه إلى انتقاده. ودعوا المشرع إلى تعديل هذا الموقف مع ما يتلاءم والتطور الحاصل في الساحة العقارية. ونظرا كذلك لما تلعبه مسطرة التحفيظ من أهمية في التنمية العقارية والإنعاش العقاري.
لائحة المصادر والمراجع
- د. إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07. دار النشر المعرفة، الطبعة 2013.
- د. المختار بن أحمد العطار: التحفيظ العقاري في ضوء التشريع المغربي وفق أحدث التعديلات. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء، الطبعة 2013-2014.
- د. محمد بن أحمد بونبات: نظام التحفيظ العقاري في ضوء القانون رقم 14.07. المطبعة والوراقة الوطنية- الطبعة الثالثة، 2012.
- د. محمد بن أحمد بونبات: العقود على العقارات "دراسة شاملة للعقود المبرمة على العقارات في ضوء التشريع المغربي مدعمة بنظر الفقه والاجتهاد القضائي. الطبعة 2006، المطبعة الحي المحمدي مراكش.
- د. محمد خيري: مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي : دار النشر المعرفة. مطبعة المعارف الجديدة الرباط. طبعة 2013.
- د . المرحوم مأمون الكز بري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصيلة. مطبعة النجاح الجديدة الجديدة.