إن الغاية من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، هو تأكيد مبدأ سمـو الدستور، لأن ما يحتويه الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات العامة، قررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، كما تسمح هذه الآلية بإشراك المواطنين بشكل غير مباشر في عملية التشريع واتخاذ القرارات العمومية.
وقد تبنى دستور فاتح يوليوز 2011 الدفع بعدم دستورية القانون، بمناسبة رفع الدعاوي أمام المحاكم المغربية، كمحاولة منه لتكريس الديمقراطية الشبه مباشرة، وترسيخ مفهوم العقد الاجتماعي، وهكذا نص الفصل 133 من الدستور على أنه " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"، وأما مآل هذا القانون، فقد حدده الفصل 134 من الدستور، عندما صرح بأنه " ... وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من الدستور، ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها، ولا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية". وبناء عليه، فإن هناك ثلاثة أهداف يمكن تحقيقها من خلال هذه الوسيلة:
وفي هذا الإطـار طرحت وزارة العدل والحريات مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور، والذي جاء في تقديرنا متأخرا، بعد أربع سنوات من تطبيق دستور فاتح يوليوز 2011.
وكقراءة أولية لمسودة مشروع القانون التنظيمي المومأ إليها أعلاه، يمكـن رصـد جملـة من الاختلالات التشريعية، وذلك كالتالي:
أولا: إن مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، لم تعطي تعريفا لعبارة " الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"، مما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحقوق والحريات تشمل تلك المضمّنة في المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ونشر مقتضياتها بالجريدة الرسمية؟ مع العلم أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقدم بمذكرة، دعا من خلالها إلى تبني تعريف واسـع للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، باعتبار مدى هذه الحقوق والحريات على ضوء مفهوم " الكتلة الدستورية ".
ثانيـا: لم يعطي المشرع للنيابة العامة ولا لقضاة الحكم، ولا حتى للأطراف المتدخلة في الدعوى أو المدخلة فيها، إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون، فهل إذن القواعد الدستورية ليست قواعد آمرة ومن النظام العام، التي لا يجوز مخالفتها، حتى لا نمكّن القضاة من إثارتها بشكل تلقائي؟ إذ حصرت مسودة مشروع القانون التنظيمي حق ممارسة هذا الدفع في المدعي والمدعى عليه في الدعاوى المدنية أو التجارية أو الإدارية، وكل متهم أو مطالب بالحق المدني أو مسؤول مدني في الدعوى العمومية (المادة 2). ومن هنا ندعو إلى تبني القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، للانفتاح والمرونة، وبتجاوز بعض نقط ضعف القاعدة الدستورية.
ثالثـا: إن تبنّي مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، لآلية الفحـص المزدوج لقبـول الدفع بعدم دستورية القوانين، يعـدّ نوعا من الكبْـح والفرملـة لأحد أهم المكتسبات الدستورية التي جاء بها دستور فاتح يوليوز 2011، فمن جهة يجب أن يتم قبـول الدفع من طرف المحكمة التي أثيـر أمامها النزاع بموجب مقرر غير قابل للطعن (المادة 7) بعد استيفاءه لمجموعة من الشروط الواردة ضمن مقتضيات المادة 6، ومن جهـة أخرى يجب أن ينال الدفع، بعد حصوله على تأشيرة المحكمة المثار أمام النزاع، على قبـول المحكمة الدستورية، وفي حالة عدم توفر الدفع على الشروط المنصوص عليها في المادة 15، والتي هي تقريبا نفس الشروط التي سبق للمحكمة المثار أمامها النزاع أن بثت فيها، فإن المحكمة الدستورية تصرح بعدم قبول الدفع بمقتضى مقرر غير قابل للطعن (المادة 16)، وهو ما يشكل تعقيدا وتقييدا لحق دستوري، على اعتبار أن المجلس الدستوري سبق له أن بث بعدم دستورية مقتضيات المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، والمتعلقة بكيفية تقديم العرائض، اعتبارا لتضمّنه لشرط " من شأنه الحد من ممارسة حق دستوري مخوّل للجمعيات" (قرار المجلس الدستوري رقم 15/966 الصادر بتاريخ 30 يونيو 2015).
رابعـا: إن بؤس عدد الموارد البشرية التي تتوفر عليها المحكمة الدستورية، من شأنه أن يعـوق ممارسة حق الرقابـة الشعبية على دستورية القوانين، على اعتبـار أن المحكمة الدستورية غير مؤهلة في بنيتها الحالية للبث في سيْـل من الدفوع بعدم دستورية القوانين، إذ حسـب المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، فإن هذه الأخيرة تتألف فقط من 12 عضوا، إلى جانب الأمين العام ومحاسب، وبعض القضاة والموظفين الملحقين بالمحكمة أو الموضوعين رهن الإشارة (المادة 46 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية).
خامســا: عدم تحديد مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 ، بشكل دقيـق، لعبارة " القانون الذي يدفع أحد أطراف الدعوى بأنه يمس بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات التي يضمنها الدستور"، بحيث اكتفت المسودة بالتوضيح بأنه "كل مقتضى ذو طابع تشريعي" وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول مدى قابلية بعض مراسيم التدابيـر، التي تتخذها الحكومة بموجب قانون الإذن (الفصل 70 من دستور 2011)، للـدفع بعدم دستوريتها؟
وعلى هذا الأساس، نستخلص بأن مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، أخذت بالرقابة عن طريق الدفع مع احتكار مجال الاختصاص للمحكمة الدستورية، بمعنى عدم جواز البث في دستورية القوانين من طرف المحاكم (مدنية، جنائية، تجارية، إدارية ...)، وبالتالي أضحى المواطن مشاركا بصفة غير مباشرة في رسم معالم القاعدة الدستورية، كما نشيـر كذلك إلى المحكمة الدستورية، قبل أن تحال على أنظارها الدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين، يجـب أن تبـث أولا في مدى مطابقة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، لدستور فاتح يوليوز 2011.
وقد تبنى دستور فاتح يوليوز 2011 الدفع بعدم دستورية القانون، بمناسبة رفع الدعاوي أمام المحاكم المغربية، كمحاولة منه لتكريس الديمقراطية الشبه مباشرة، وترسيخ مفهوم العقد الاجتماعي، وهكذا نص الفصل 133 من الدستور على أنه " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"، وأما مآل هذا القانون، فقد حدده الفصل 134 من الدستور، عندما صرح بأنه " ... وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من الدستور، ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها، ولا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية". وبناء عليه، فإن هناك ثلاثة أهداف يمكن تحقيقها من خلال هذه الوسيلة:
- إعطاء حق جديد يمكن للمتقاضي من الدفاع عن حقوقه المضمونة دستوريا، من خلال الولوج غير المباشر للقضاء الدستوري.
- تصفية النظام القانوني من مقتضيات غير دستورية، وبالتالي إشراك المواطنين بطريقة غير مباشرة في عملية التشريع.
- تحقيق مبدأ سمو القاعدة الدستورية في النظام المعياري الداخلي.
وفي هذا الإطـار طرحت وزارة العدل والحريات مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور، والذي جاء في تقديرنا متأخرا، بعد أربع سنوات من تطبيق دستور فاتح يوليوز 2011.
وكقراءة أولية لمسودة مشروع القانون التنظيمي المومأ إليها أعلاه، يمكـن رصـد جملـة من الاختلالات التشريعية، وذلك كالتالي:
أولا: إن مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، لم تعطي تعريفا لعبارة " الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور"، مما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحقوق والحريات تشمل تلك المضمّنة في المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ونشر مقتضياتها بالجريدة الرسمية؟ مع العلم أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقدم بمذكرة، دعا من خلالها إلى تبني تعريف واسـع للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، باعتبار مدى هذه الحقوق والحريات على ضوء مفهوم " الكتلة الدستورية ".
ثانيـا: لم يعطي المشرع للنيابة العامة ولا لقضاة الحكم، ولا حتى للأطراف المتدخلة في الدعوى أو المدخلة فيها، إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون، فهل إذن القواعد الدستورية ليست قواعد آمرة ومن النظام العام، التي لا يجوز مخالفتها، حتى لا نمكّن القضاة من إثارتها بشكل تلقائي؟ إذ حصرت مسودة مشروع القانون التنظيمي حق ممارسة هذا الدفع في المدعي والمدعى عليه في الدعاوى المدنية أو التجارية أو الإدارية، وكل متهم أو مطالب بالحق المدني أو مسؤول مدني في الدعوى العمومية (المادة 2). ومن هنا ندعو إلى تبني القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، للانفتاح والمرونة، وبتجاوز بعض نقط ضعف القاعدة الدستورية.
ثالثـا: إن تبنّي مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، لآلية الفحـص المزدوج لقبـول الدفع بعدم دستورية القوانين، يعـدّ نوعا من الكبْـح والفرملـة لأحد أهم المكتسبات الدستورية التي جاء بها دستور فاتح يوليوز 2011، فمن جهة يجب أن يتم قبـول الدفع من طرف المحكمة التي أثيـر أمامها النزاع بموجب مقرر غير قابل للطعن (المادة 7) بعد استيفاءه لمجموعة من الشروط الواردة ضمن مقتضيات المادة 6، ومن جهـة أخرى يجب أن ينال الدفع، بعد حصوله على تأشيرة المحكمة المثار أمام النزاع، على قبـول المحكمة الدستورية، وفي حالة عدم توفر الدفع على الشروط المنصوص عليها في المادة 15، والتي هي تقريبا نفس الشروط التي سبق للمحكمة المثار أمامها النزاع أن بثت فيها، فإن المحكمة الدستورية تصرح بعدم قبول الدفع بمقتضى مقرر غير قابل للطعن (المادة 16)، وهو ما يشكل تعقيدا وتقييدا لحق دستوري، على اعتبار أن المجلس الدستوري سبق له أن بث بعدم دستورية مقتضيات المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، والمتعلقة بكيفية تقديم العرائض، اعتبارا لتضمّنه لشرط " من شأنه الحد من ممارسة حق دستوري مخوّل للجمعيات" (قرار المجلس الدستوري رقم 15/966 الصادر بتاريخ 30 يونيو 2015).
رابعـا: إن بؤس عدد الموارد البشرية التي تتوفر عليها المحكمة الدستورية، من شأنه أن يعـوق ممارسة حق الرقابـة الشعبية على دستورية القوانين، على اعتبـار أن المحكمة الدستورية غير مؤهلة في بنيتها الحالية للبث في سيْـل من الدفوع بعدم دستورية القوانين، إذ حسـب المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، فإن هذه الأخيرة تتألف فقط من 12 عضوا، إلى جانب الأمين العام ومحاسب، وبعض القضاة والموظفين الملحقين بالمحكمة أو الموضوعين رهن الإشارة (المادة 46 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية).
خامســا: عدم تحديد مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 ، بشكل دقيـق، لعبارة " القانون الذي يدفع أحد أطراف الدعوى بأنه يمس بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات التي يضمنها الدستور"، بحيث اكتفت المسودة بالتوضيح بأنه "كل مقتضى ذو طابع تشريعي" وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول مدى قابلية بعض مراسيم التدابيـر، التي تتخذها الحكومة بموجب قانون الإذن (الفصل 70 من دستور 2011)، للـدفع بعدم دستوريتها؟
وعلى هذا الأساس، نستخلص بأن مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، أخذت بالرقابة عن طريق الدفع مع احتكار مجال الاختصاص للمحكمة الدستورية، بمعنى عدم جواز البث في دستورية القوانين من طرف المحاكم (مدنية، جنائية، تجارية، إدارية ...)، وبالتالي أضحى المواطن مشاركا بصفة غير مباشرة في رسم معالم القاعدة الدستورية، كما نشيـر كذلك إلى المحكمة الدستورية، قبل أن تحال على أنظارها الدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين، يجـب أن تبـث أولا في مدى مطابقة مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15، لدستور فاتح يوليوز 2011.