في إطار مسلسل تحديث المنظومة التشريعية المغربية أصدر المشرع المغربي في الثالث من فبراير 2004 مدونة الأسرة بموجب القانون رقم 03.70 ، والتي شكلت حدثا بارزا في مغرب الألفية الثالثة، اكتنز في طياته التحولات الإجتماعية والدينامية السياسية التي بصمت بنية المجتمع المغربي، والذي حاول من خلاله المشرع لم وجهات نظرأغلب التيارات الفكرية والسياسية ، وكذا إستحضاره للمرجعية الأممية المبنية على ثقافة حقوق الإنسان والأوفاق الدولية، بحيث عمل على تلبية رغبات هذه الأخيرة دون إثارة غضب المرجعية الإسلامية المعتبرة بمتابة الثابت الستاتيكي و"الملجأ الأخير للهوية".
ومن تم نتوصل إلى أن التعديلات التي جاء بها القانون رقم 03.70 ، قد جاءت ضمن سياق تاريخي، ومناخ سياسي،داخلي ودولي يعيشه المغرب، عملت من خلاله اللجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية على التأثيت لمبدأ المساواة بين الجنسين، سواء على مستوى إ نشاء الرابطة الزوجية ( المواد 4 ،5، 19، 24 ،25 ،51...) أو على مستوى إنهائها(المواد 78، 94، 98، 114...) أو حتى على مستوى آثار إنهاء هذه العلاقة (المواد 166، 238، 369...).
بيـد أن المشرع لم يكن لديه النفس الطويل للحفاظ على هذه المساواة، إذ لا زالت بعض الملامح الأبيسية، وكذا الأميسية تلقي بظلالها وتخيم على مدونة الأسرة
وبناء عليه، فسنعمل على استقصاء وجرد بعض مواطن حياد المشرع المغربي عن مبدأ المساواة بين الجنسين في مدونة الأسرة، وذلك كالتالي
أولا-
عدم المساواة بين الأم والأب في الولاية على أبنائها، بحيث نجد المشرع من خلال المادة 231، قد جعل ولاية الأم بعد ولاية الأب في حالة وفاته أو فقده أو غيبته، بل أكثر من ذلك نلاحظ أن المشرع جعل قيودا على ولاية الأم في تسيير أموال أبناءها في حالة وجودها مع وصي الأب، وذلك طبقا لما أشارت إليه الفقرة الأخيرة من المادة 238 من مدونة الأسرة
ثانيا-
إن المشرع المغربي- من خلال المادة 199 من مدونة الأسرة- نجده حين حديثه عن اشراك الأم في تحمل مسؤولية البيت كان خجولا تجاه هذه المسألة، فإشراكها هذا مقيد بعدة شروط ( عجز الأب، أن تكون الزوجة موسرة، ضرورة وجود الأبناء
وعليه، فإننا نرى أن المشرع بهذا التوجه الذي سلكه قد حاد عن روح التكافل العائلي، الذي ينبغي أن يسود العلاقات الأسرية
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي قد تجاوز هذا الإختلال حين نص في الفصل 23 من المجلة التونسية المعدل بالقانون عدد 74 لسنة 1993: " ...وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة أن ينفق على الزوجة والأبناء على قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة، وعلى الزوجة أن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مال
ثالثا-
التغييب الكلي لمبدأ المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال مقتضيات المادة 193 من مدونة الأسرة، إذ المشرع ميز بين البنت والولد،وذلك في حالة كون الملزم بالنفقة لا يستطيع الإنفاق على جميع الأولاد، بحيث يقدم الأنثى على الذكر، بالرغم من تواجدهما في نفس الوضعية الإقتصادية والإجتماعية، فلنتصور حالة إبن وبنت يتابعان دراستهما في الجامعة، وتبث أن الأب لا يستطيع إلا الإنفاق على أحدهما فقط ، فإنه بمقتضى المادة 193 من مدونة الأسرة، تقدم البنت ويصرف عليها،بينما يحرم أخوها لا لشئ سوى لكونه ذكر
رابعا-
إقرار المشرع للمساواة بين الزوجين فيما يتعلق بالشروط الإرادية التي يضمنها الزوجين في عقد الزواج(المواد 47، 48)، لا تصمد أمام مقتضيات المادة 98 من مدونة الأسرة، التي تنص على أن" للزوجة طلب التطليق بناء على أحد الأسباب الآتية
1- إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج
فالمادة المومأ إليها أعلاه تتحدث عن إخلال الزوج بشرط من شروط العقد، دون الحديث عن حالة إخلال الزوجة بهذه الشروط. فبإعمال مفهوم المخالفة لهذه الفقرة، نستشف أنه ليس من حق الزوج طلب التطليق للضرر إذا ما أخلت الزوجة بشرط إلتزمت به في عقد الزواج، ونحن نرى أن المشرع قد حاد عن الصواب بالنص على هذا المقتضى التمييزي الذي سيؤدي لا محالة الى إختلال الحقوق والإلتزامات المتبادلة بين الزوجين، إذ كيف بالزوجة أن تتحلل من شرط إلتزمت به بدعوى أن المادة 98 من مدونة الأسرة تتحدث عن الزوج دون الزوجة؟ ثم إلى أي حد يستقيم هذا المقتضى مع الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على أن" الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها"(أي إقرار قاعدة العقد شريعة المتعاقدين) ؟
خامسا-
إن المتأمل في إجراءات التبليغ التي سنها المشرع في إطار مسطرة الطلاق يخرج بنتيجة مفادها أن المشرع أبدى حرصا كبيرا بخصوص إجراءات تبليغ الزوجة (المادة 81) دون الزوج الذي يبلغ وفق الإجراءات العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ( الفصول 37، 38، 39، 40، 41، 42 )
بل أزيد من ذلك نجد بأن المشرع لم يرتب مقتضيات زجرية بالنسبة للزوجة في حالة ما إذا ثبت تحايلها، وأدلت ببيانات كاذبة عن عنوان الزوج. هذا على خلاف الزوج الذي رتب تجاهه المشرع عقوبات زجرية في حالة ثبوت تحايله، بحيث يطبق في حقه الفصل 361 من القانون الجنائي
فهل يسظل موفق المشرع موفق المتفرج حيال الزوجة التي تبث تحايلها، وذلك حالة إدلائها ببيانات كاذبة، أو إدلاها بعنوان غير صحيح لزوجها ؟
سادسا- إذا كان المشرع قد أجاز للزوجة التي حكم على زوجها بأكثر من ثلاث سنوات سجنا بتقديم طلب التطليق بعد مرور سنة من إعتقاله، فإننا نجده قد سكت عن قضية سجن الزوجة بفعل ارتكابها لأفعال إجرامية، وإعتقالها لنفس المدد المنصوص عليها في المادة 106 من مدونة الأسرة.
تاريخ التوصل: 30غشت2011
تاريخ النشر: 7سبتمبر2011
ومن تم نتوصل إلى أن التعديلات التي جاء بها القانون رقم 03.70 ، قد جاءت ضمن سياق تاريخي، ومناخ سياسي،داخلي ودولي يعيشه المغرب، عملت من خلاله اللجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية على التأثيت لمبدأ المساواة بين الجنسين، سواء على مستوى إ نشاء الرابطة الزوجية ( المواد 4 ،5، 19، 24 ،25 ،51...) أو على مستوى إنهائها(المواد 78، 94، 98، 114...) أو حتى على مستوى آثار إنهاء هذه العلاقة (المواد 166، 238، 369...).
بيـد أن المشرع لم يكن لديه النفس الطويل للحفاظ على هذه المساواة، إذ لا زالت بعض الملامح الأبيسية، وكذا الأميسية تلقي بظلالها وتخيم على مدونة الأسرة
وبناء عليه، فسنعمل على استقصاء وجرد بعض مواطن حياد المشرع المغربي عن مبدأ المساواة بين الجنسين في مدونة الأسرة، وذلك كالتالي
أولا-
عدم المساواة بين الأم والأب في الولاية على أبنائها، بحيث نجد المشرع من خلال المادة 231، قد جعل ولاية الأم بعد ولاية الأب في حالة وفاته أو فقده أو غيبته، بل أكثر من ذلك نلاحظ أن المشرع جعل قيودا على ولاية الأم في تسيير أموال أبناءها في حالة وجودها مع وصي الأب، وذلك طبقا لما أشارت إليه الفقرة الأخيرة من المادة 238 من مدونة الأسرة
ثانيا-
إن المشرع المغربي- من خلال المادة 199 من مدونة الأسرة- نجده حين حديثه عن اشراك الأم في تحمل مسؤولية البيت كان خجولا تجاه هذه المسألة، فإشراكها هذا مقيد بعدة شروط ( عجز الأب، أن تكون الزوجة موسرة، ضرورة وجود الأبناء
وعليه، فإننا نرى أن المشرع بهذا التوجه الذي سلكه قد حاد عن روح التكافل العائلي، الذي ينبغي أن يسود العلاقات الأسرية
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي قد تجاوز هذا الإختلال حين نص في الفصل 23 من المجلة التونسية المعدل بالقانون عدد 74 لسنة 1993: " ...وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة أن ينفق على الزوجة والأبناء على قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة، وعلى الزوجة أن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مال
ثالثا-
التغييب الكلي لمبدأ المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال مقتضيات المادة 193 من مدونة الأسرة، إذ المشرع ميز بين البنت والولد،وذلك في حالة كون الملزم بالنفقة لا يستطيع الإنفاق على جميع الأولاد، بحيث يقدم الأنثى على الذكر، بالرغم من تواجدهما في نفس الوضعية الإقتصادية والإجتماعية، فلنتصور حالة إبن وبنت يتابعان دراستهما في الجامعة، وتبث أن الأب لا يستطيع إلا الإنفاق على أحدهما فقط ، فإنه بمقتضى المادة 193 من مدونة الأسرة، تقدم البنت ويصرف عليها،بينما يحرم أخوها لا لشئ سوى لكونه ذكر
رابعا-
إقرار المشرع للمساواة بين الزوجين فيما يتعلق بالشروط الإرادية التي يضمنها الزوجين في عقد الزواج(المواد 47، 48)، لا تصمد أمام مقتضيات المادة 98 من مدونة الأسرة، التي تنص على أن" للزوجة طلب التطليق بناء على أحد الأسباب الآتية
1- إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج
فالمادة المومأ إليها أعلاه تتحدث عن إخلال الزوج بشرط من شروط العقد، دون الحديث عن حالة إخلال الزوجة بهذه الشروط. فبإعمال مفهوم المخالفة لهذه الفقرة، نستشف أنه ليس من حق الزوج طلب التطليق للضرر إذا ما أخلت الزوجة بشرط إلتزمت به في عقد الزواج، ونحن نرى أن المشرع قد حاد عن الصواب بالنص على هذا المقتضى التمييزي الذي سيؤدي لا محالة الى إختلال الحقوق والإلتزامات المتبادلة بين الزوجين، إذ كيف بالزوجة أن تتحلل من شرط إلتزمت به بدعوى أن المادة 98 من مدونة الأسرة تتحدث عن الزوج دون الزوجة؟ ثم إلى أي حد يستقيم هذا المقتضى مع الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على أن" الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها"(أي إقرار قاعدة العقد شريعة المتعاقدين) ؟
خامسا-
إن المتأمل في إجراءات التبليغ التي سنها المشرع في إطار مسطرة الطلاق يخرج بنتيجة مفادها أن المشرع أبدى حرصا كبيرا بخصوص إجراءات تبليغ الزوجة (المادة 81) دون الزوج الذي يبلغ وفق الإجراءات العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ( الفصول 37، 38، 39، 40، 41، 42 )
بل أزيد من ذلك نجد بأن المشرع لم يرتب مقتضيات زجرية بالنسبة للزوجة في حالة ما إذا ثبت تحايلها، وأدلت ببيانات كاذبة عن عنوان الزوج. هذا على خلاف الزوج الذي رتب تجاهه المشرع عقوبات زجرية في حالة ثبوت تحايله، بحيث يطبق في حقه الفصل 361 من القانون الجنائي
فهل يسظل موفق المشرع موفق المتفرج حيال الزوجة التي تبث تحايلها، وذلك حالة إدلائها ببيانات كاذبة، أو إدلاها بعنوان غير صحيح لزوجها ؟
سادسا- إذا كان المشرع قد أجاز للزوجة التي حكم على زوجها بأكثر من ثلاث سنوات سجنا بتقديم طلب التطليق بعد مرور سنة من إعتقاله، فإننا نجده قد سكت عن قضية سجن الزوجة بفعل ارتكابها لأفعال إجرامية، وإعتقالها لنفس المدد المنصوص عليها في المادة 106 من مدونة الأسرة.
تاريخ التوصل: 30غشت2011
تاريخ النشر: 7سبتمبر2011