جاء في تصدير الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، والذي يعد جزء لا يتجزأ من هذا الدستور أن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها.
وقد أكدت وألزمت المملكة المغربية في دستورها بما يلي:
وعليه فإن المغرب يحرص على احترام المواثيق الدولية لتأكيد انخراطه الفعلي والدائم في المنتظم الدولي، بل انه أعطاها الأولية في التطبيق ورجحها على القانون الداخلي، وأيضا يسعى إلى العمل على سلامة قوانينه الداخلية مع المواثيق الدولية مادامت أنها لا تتعارض مع التوابث الوطنية والدينية والسيادية للدولة، وبما يحفظ خصوصية الدولة.
وهكذا نص الفصل 19 من الدستور على مايلي:
" يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الإتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
..."
ومن هذا المنطلق، وجب على المشرع وهو يضع القوانين ويشرعها، الأخذ بعين الاعتبار المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب وآمن بمضامينها وصادق عليها.
كما وجب عليه أيضا أن يحرص على أن تكون هذه القوانين متطابقة مع ما جاء به الدستور وغير مخالفة له.
وبالرجوع إلى مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية التي أعدتها وزارة العدل وتعتزم تقديمها للبرلمان يوم 30 أكتوبر من هذه السنة، نجد أنها لم تستجب للمقتضيات الدستورية لهذه الدولة ولم تأخذ بعين الاعتبار المواثيق الدولية ذات الصلة، وعبرت بشكل صريح عن خرقها لذلك، وجاءت بمواد قانونية تشكل قمة التعارض مع معايير المحاكمة العادلة ومبدأ الحق في التقاضي وذلك على مستويين:
المستوى الأول نجده في المواد 44 و65 و171 من المسودة والتي نصت على ما يلي:
و تنص المادة 44 على مايلي:
" ترفع الدعوى إلى المحكمة الإبتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الإتفاقيات الدولية.
غير أنه يجوز للمدعي تقديم مقال موقع من طرفه شخصيا في الحالات التالية:
كما تنص المادة 65 على مايلي:
" تطبق المسطرة الشفوية في القضايا الآتية:
وكذلك تنص المادة 171 على مايلي:
"يرفع مقال الاستئناف بواسطة محام مسجل في جدول هيئة المحامين بالمغرب مع مراعات مقتضيات المادة 44 أعلاه، يتضمن الأسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة كل من المستأنف والمستأنف عليه وكذا اسم وصفة وموطن النائب أو الوكيل عند الاقتضاء، وإذا تعلق الأمر بشركة اسمها الكامل ونوعها ومركزها وفرعها كما يتضمن بيانات الحكم الابتدائي تاريخا ورقما وموضوع الطلب والوقائع والوسائل المثارة.
...".
والملاحظ أن واضعي المسودة كان الهاجس الكبير أمامهم هو إبعاد المحامي وتقليص مهامه وتقزيم دوره في منظومة العدالة، لما أتاحوا للأطراف حق التقاضي بصفة شخصية في مجموعة من القضايا و حتى أمام محكمة الاستئناف.
فإذا كانت نية واضعي هذه المسودة هي تلك وكان هدفهم هو ذلك، فإنهم بذلك لم يمسوا باختصاص المحامي فقط.
بل تعدوا ذلك إلى المساس بمصالح المواطنين المتقاضين.
فإذا كانت المحاكمة العادلة هي أحد الأعمدة الأساسية لدولة القانون، فإن من بين أهم مبادئ هذه المحاكمة العادلة هو الحق في الدفاع.
والمحاكمة العادلة لن تقوم لها قائمة بدون الاستعانة بمحامي، لأنه هو القائم الساهر على احترام شروطها ومبادئها بحكم تكوينه واختصاصه.
وإن دور المحامي في الدفاع عن مصالح الناس وحقوقهم ومبادئ المحاكمة العادلة، ليس ترفا أو خيارا، بل هو حتمية وضرورة وجود، فالمحامي صمام الأمان للمتقاضي والمدافع عن حقوقه ومصالحه طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وهو الممثل الشرعي والقانوني للأشخاص أمام المحاكم.
وإن في تهميش دور المحامي، وتقزيمه، ما يجعل المواطن عرضة لضياع مصالحه وحقوقه، وما يفتح الباب أيضا أمام الفوضى والعشوائية في منظومة العدالة، بما يتيح للسماسرة ووسطاء السوء العبث والتلاعب بمصالح الناس.
وإذا كان الهدف الحقيقي لميثاق إصلاح منظومة العدالة هو الحرص على حماية مصالح وحقوق المواطنين داخل منظومة العدالة، فإن ذلك لن يتأنى إلا بتعزيز ضمانات استقلال القضاء وتعزيز دور المحامي، كضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات.
وفي هذا المجال يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير المساعدة القضائية للأشخاص الذين لا يستطيعون تنصيب محامي للدفع عن مصالحهم، لا أن تعفيهم من المحامي، وفي ذلك ضرب لمصالحهم وحقوقهم بعرض الحائط.
فواضعي المسودة تعاملوا بذكاء مع هذا المعطى المتعلق بالمساعدة القضائية، وحاولوا إعفاء المتقاضين من الاستعانة بخدمات المحامي في العديد من القضايا ،وفي ذلك تهرب من التزامات الدولة المتعلقة بالمساعدة القضائية على حساب مصالح هذا المواطن.
ونقول لواضعي المسودة أنهم لم يضعو نصب أعينهم الفصل 119 من الدستور والذي ينص على مايلي:
" حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون".
وأيضا الفصل 120 الذي ينص على مايلي:
" لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل اجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".
وأيضا الفصل 121 على مايلي:
" يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانون لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي".
وأيضا لم يأخذو بعين الاعتبار المواثيق الدولية، ومن بينها المبادئ الأساسية بشان دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بهافانا من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990 والتي حثت الحكومات في إطار تشريعاتها وممارستها الوطنية، أن تراعي وتحترم المبادئ الأساسية بشان دور المحامين، الواردة في الوثيقة الصادرة عن المؤتمر، والتي صيغت لمساعدة الدول الأعضاء في المؤتمر في مهمتها المتعلقة بتعزيز وتامين الدور السليم للمحامين، وأوصت أن يطلع عليها المحامين وغيرهم من الأشخاص مثل القضاة ووكلاء النيابة وأعضاء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والجمهور بوجه عام.
ومن بين أهم المبادئ التي اعتمدها المؤتمر:
وهكذا، فان مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية جاءت مخالفة تماما للدستور المغربي والمواثيق الدولية، لما غيبت دور المحامي، ولم تضعه في المكان المخصص له، وأيضا لما حاولت أن تعفي الدولة من التزامها بتوفير المساعدة القضائية للمتقاضين المعوزين، بأن سمحت لهم بالتقاضي بصفة شخصية، وفي ذلك مساس وخطورة على مصالحهم وحقوقهم لأنه يجهلوا قواعد التقاضي ويجهلوا القانون ويفتقدوا للخطاب القانوني مع المحكمة.
فحق التقاضي، لا يعني حتما ولزوما إتاحة الفرصة للشخص للجوء للقضاء بصفة شخصية دون الاستعانة بخدمات محامي، لأن المحامي يبقى هو المختص بالدفاع عن مصالح المتقاضين وحقوقهم أمام المحاكم، ولكونه العارف بالقواعد القانونية، والمتقن لغة الحوار القانوني مع المحكمة.
والدولة يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها في توفير الاستعانة بمحامي للمواطن المعوز الذي لا يستطيع سداد أتعاب المحامي في إطار المساعدة القضائية ، لا أن تعفي نفسها من هذا الواجب على حساب المواطن ومصالحه، بأن يتيح له حق التقاضي بصفة شخصية وهو الجاهل بقواعد القانون، وبذلك فهي تضيع عليه مصالحه وحقوقه لأنه يجهل كيفية الدفاع عنها لكونه يفتقد للآليات للازمة لذلك.
أما المستوى الثاني فيتجلى في كثرة الغرامات التي حاول واضعي المسودة فرضها على المتقاضين.
فإذا كان حق التقاضي مكفول دستورا ،ومضمون على مستوى المواثيق الدولية، فلماذا حاول واضعي المسودة الحد من هذا الحق بما سيصبح معه المواطن يخشى اللجوء للقضاء خوفا من الغرامة؟.
فمثلا جاء في المادة 7 من المسودة أنه:
" يحكم على كل من يتقاضى بسوء نية، بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة تتراوح بين 500 درهم و5000 درهم وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر".
وغني عن البيان أن أصعب ما يمكن الوقوف عليه هو النية، وما مدى حسنها من عدم ذلك.
فأن يفرض المشرع مسبقا غرامة، فإنه يخلق الشك للمتقاضي ولو أن نيته حسنة، ويخشى أن تطبق عليه الغرامة في حال أنه خسر دعواه.
وكذلك الشأن بالنسبة لمقتضيات المادة 308 التي نصت على أن الطرف الذي لم يستجب لتعرضه يحكم عليه بغرامة لا تتجاوز 1000 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى و 2000 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الثانية و 3000 درهم بالنسبة لمحكمة النقض دون مساس بحق الطرف الآخر في التعويض عند الاقتضاء.
وأيضا مقتضيات المادة 459 التي جاءت بأنه إذا لم تقبل محكمة النقض الدعوى حكم على المدعي غير النيابة العامة، بالمصاريف كما يمكن الحكم عليه بغرامة لصالح الخزينة العامة لا تتجاوز خمسة آلاف درهم.
وأيضا ما تضمنته المادة 483 من أنه يحكم على الطرف الذي يخسر طلب إعادة النظر بغرامة في حدود المبلغ المشار إليه في المادة 480 أعلاه بصرف النظر عما يقضي به من التعويضات للطرف الآخر.
ونصت المادة 480 على أنه لايقبل طلب إعادة النظر مالم يصحب بوصل يثبت إيداع مبلغ بكتابة الضبط بالمحكمة يساوي ألفي درهم أمام محكمة الدرجة الأولى وثلاثة آلاف درهم أمام محكمة الاستئناف وخمسة آلاف درهم أمام محكمة النقض.
ومن شأن كل هذه المواد أن تمس بحق التقاضي ، فمحاصرة المتقاضي بمجموعة من الغرامات تجعله قد يفكر ألف مرة قبل اللجوء للقضاء قصد الدفاع عن مصالحه وحقوقه، وهو ما يشكل خرقا لمبدأ حق التقاضي المكفول دستورا والمضمون بمقتضى المواثيق الدولية.
وعليه وجب مراجعة هذه المواد المشار إليها في هذه الدراسة والتي مست بمصالح وحقوق المواطنين وانتصرت للخزينة العامة للدولة على حسابهم، في خرق سافر للدستور والمواثيق الدولية.
وقد أكدت وألزمت المملكة المغربية في دستورها بما يلي:
- جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب أو في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على سلامة هذه التشريعات مع ما تتطلب تلك المصادقة.
وعليه فإن المغرب يحرص على احترام المواثيق الدولية لتأكيد انخراطه الفعلي والدائم في المنتظم الدولي، بل انه أعطاها الأولية في التطبيق ورجحها على القانون الداخلي، وأيضا يسعى إلى العمل على سلامة قوانينه الداخلية مع المواثيق الدولية مادامت أنها لا تتعارض مع التوابث الوطنية والدينية والسيادية للدولة، وبما يحفظ خصوصية الدولة.
وهكذا نص الفصل 19 من الدستور على مايلي:
" يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الإتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
..."
ومن هذا المنطلق، وجب على المشرع وهو يضع القوانين ويشرعها، الأخذ بعين الاعتبار المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب وآمن بمضامينها وصادق عليها.
كما وجب عليه أيضا أن يحرص على أن تكون هذه القوانين متطابقة مع ما جاء به الدستور وغير مخالفة له.
وبالرجوع إلى مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية التي أعدتها وزارة العدل وتعتزم تقديمها للبرلمان يوم 30 أكتوبر من هذه السنة، نجد أنها لم تستجب للمقتضيات الدستورية لهذه الدولة ولم تأخذ بعين الاعتبار المواثيق الدولية ذات الصلة، وعبرت بشكل صريح عن خرقها لذلك، وجاءت بمواد قانونية تشكل قمة التعارض مع معايير المحاكمة العادلة ومبدأ الحق في التقاضي وذلك على مستويين:
المستوى الأول نجده في المواد 44 و65 و171 من المسودة والتي نصت على ما يلي:
و تنص المادة 44 على مايلي:
" ترفع الدعوى إلى المحكمة الإبتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الإتفاقيات الدولية.
غير أنه يجوز للمدعي تقديم مقال موقع من طرفه شخصيا في الحالات التالية:
- قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة،
- القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا طبقا للمادة 25 أعلاه،
- القضايا المتعلقة بالحالة المدنية،
- التي ينص عليها القانون ،
- إذا كان طرفا في الدعوى أو أحدهما قاضيا أو محاميا أمكن لهما ولمن يخاطبهما الترافع شخصيا....."
كما تنص المادة 65 على مايلي:
" تطبق المسطرة الشفوية في القضايا الآتية:
- القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا،
- قضايا النفقة والزواج والطلاق والتطليق والحضانة،
- القضايا الاجتماعية باستثناء دعاوى نزاعات الشغل مع مراعاة المقتضيات الخاصة
- قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء
- قضايا الحالة المدنية".
وكذلك تنص المادة 171 على مايلي:
"يرفع مقال الاستئناف بواسطة محام مسجل في جدول هيئة المحامين بالمغرب مع مراعات مقتضيات المادة 44 أعلاه، يتضمن الأسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة كل من المستأنف والمستأنف عليه وكذا اسم وصفة وموطن النائب أو الوكيل عند الاقتضاء، وإذا تعلق الأمر بشركة اسمها الكامل ونوعها ومركزها وفرعها كما يتضمن بيانات الحكم الابتدائي تاريخا ورقما وموضوع الطلب والوقائع والوسائل المثارة.
...".
والملاحظ أن واضعي المسودة كان الهاجس الكبير أمامهم هو إبعاد المحامي وتقليص مهامه وتقزيم دوره في منظومة العدالة، لما أتاحوا للأطراف حق التقاضي بصفة شخصية في مجموعة من القضايا و حتى أمام محكمة الاستئناف.
فإذا كانت نية واضعي هذه المسودة هي تلك وكان هدفهم هو ذلك، فإنهم بذلك لم يمسوا باختصاص المحامي فقط.
بل تعدوا ذلك إلى المساس بمصالح المواطنين المتقاضين.
فإذا كانت المحاكمة العادلة هي أحد الأعمدة الأساسية لدولة القانون، فإن من بين أهم مبادئ هذه المحاكمة العادلة هو الحق في الدفاع.
والمحاكمة العادلة لن تقوم لها قائمة بدون الاستعانة بمحامي، لأنه هو القائم الساهر على احترام شروطها ومبادئها بحكم تكوينه واختصاصه.
وإن دور المحامي في الدفاع عن مصالح الناس وحقوقهم ومبادئ المحاكمة العادلة، ليس ترفا أو خيارا، بل هو حتمية وضرورة وجود، فالمحامي صمام الأمان للمتقاضي والمدافع عن حقوقه ومصالحه طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وهو الممثل الشرعي والقانوني للأشخاص أمام المحاكم.
وإن في تهميش دور المحامي، وتقزيمه، ما يجعل المواطن عرضة لضياع مصالحه وحقوقه، وما يفتح الباب أيضا أمام الفوضى والعشوائية في منظومة العدالة، بما يتيح للسماسرة ووسطاء السوء العبث والتلاعب بمصالح الناس.
وإذا كان الهدف الحقيقي لميثاق إصلاح منظومة العدالة هو الحرص على حماية مصالح وحقوق المواطنين داخل منظومة العدالة، فإن ذلك لن يتأنى إلا بتعزيز ضمانات استقلال القضاء وتعزيز دور المحامي، كضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات.
وفي هذا المجال يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير المساعدة القضائية للأشخاص الذين لا يستطيعون تنصيب محامي للدفع عن مصالحهم، لا أن تعفيهم من المحامي، وفي ذلك ضرب لمصالحهم وحقوقهم بعرض الحائط.
فواضعي المسودة تعاملوا بذكاء مع هذا المعطى المتعلق بالمساعدة القضائية، وحاولوا إعفاء المتقاضين من الاستعانة بخدمات المحامي في العديد من القضايا ،وفي ذلك تهرب من التزامات الدولة المتعلقة بالمساعدة القضائية على حساب مصالح هذا المواطن.
ونقول لواضعي المسودة أنهم لم يضعو نصب أعينهم الفصل 119 من الدستور والذي ينص على مايلي:
" حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون".
وأيضا الفصل 120 الذي ينص على مايلي:
" لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل اجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".
وأيضا الفصل 121 على مايلي:
" يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانون لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي".
وأيضا لم يأخذو بعين الاعتبار المواثيق الدولية، ومن بينها المبادئ الأساسية بشان دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بهافانا من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990 والتي حثت الحكومات في إطار تشريعاتها وممارستها الوطنية، أن تراعي وتحترم المبادئ الأساسية بشان دور المحامين، الواردة في الوثيقة الصادرة عن المؤتمر، والتي صيغت لمساعدة الدول الأعضاء في المؤتمر في مهمتها المتعلقة بتعزيز وتامين الدور السليم للمحامين، وأوصت أن يطلع عليها المحامين وغيرهم من الأشخاص مثل القضاة ووكلاء النيابة وأعضاء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والجمهور بوجه عام.
ومن بين أهم المبادئ التي اعتمدها المؤتمر:
- لكل شخص الحق في طلب المساعدة القضائية من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.
- تضمن الحكومات توفير إجراءات فعالة واليات قادرة على الاستجابة تتيح الاستعانة بالمحامين بصورة فعالة وعلى قدم المساواه لجميع الأشخاص الموجودين في أراضيها والخاضعين لولايتها...
- تكفل الحكومات توفير التمويل الكافي والموارد الأخرى للازمة لتقديم الخدمات القانونية للفقراء ولغيرهم من الأشخاص من المحرومين، حسب الاقتضاء، وتتعاون الرابطات المهنية للمحامين في تنظيم وتوفير الخدمات والتفصيلات وغيرها من الموارد.
وهكذا، فان مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية جاءت مخالفة تماما للدستور المغربي والمواثيق الدولية، لما غيبت دور المحامي، ولم تضعه في المكان المخصص له، وأيضا لما حاولت أن تعفي الدولة من التزامها بتوفير المساعدة القضائية للمتقاضين المعوزين، بأن سمحت لهم بالتقاضي بصفة شخصية، وفي ذلك مساس وخطورة على مصالحهم وحقوقهم لأنه يجهلوا قواعد التقاضي ويجهلوا القانون ويفتقدوا للخطاب القانوني مع المحكمة.
فحق التقاضي، لا يعني حتما ولزوما إتاحة الفرصة للشخص للجوء للقضاء بصفة شخصية دون الاستعانة بخدمات محامي، لأن المحامي يبقى هو المختص بالدفاع عن مصالح المتقاضين وحقوقهم أمام المحاكم، ولكونه العارف بالقواعد القانونية، والمتقن لغة الحوار القانوني مع المحكمة.
والدولة يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها في توفير الاستعانة بمحامي للمواطن المعوز الذي لا يستطيع سداد أتعاب المحامي في إطار المساعدة القضائية ، لا أن تعفي نفسها من هذا الواجب على حساب المواطن ومصالحه، بأن يتيح له حق التقاضي بصفة شخصية وهو الجاهل بقواعد القانون، وبذلك فهي تضيع عليه مصالحه وحقوقه لأنه يجهل كيفية الدفاع عنها لكونه يفتقد للآليات للازمة لذلك.
أما المستوى الثاني فيتجلى في كثرة الغرامات التي حاول واضعي المسودة فرضها على المتقاضين.
فإذا كان حق التقاضي مكفول دستورا ،ومضمون على مستوى المواثيق الدولية، فلماذا حاول واضعي المسودة الحد من هذا الحق بما سيصبح معه المواطن يخشى اللجوء للقضاء خوفا من الغرامة؟.
فمثلا جاء في المادة 7 من المسودة أنه:
" يحكم على كل من يتقاضى بسوء نية، بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة تتراوح بين 500 درهم و5000 درهم وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر".
وغني عن البيان أن أصعب ما يمكن الوقوف عليه هو النية، وما مدى حسنها من عدم ذلك.
فأن يفرض المشرع مسبقا غرامة، فإنه يخلق الشك للمتقاضي ولو أن نيته حسنة، ويخشى أن تطبق عليه الغرامة في حال أنه خسر دعواه.
وكذلك الشأن بالنسبة لمقتضيات المادة 308 التي نصت على أن الطرف الذي لم يستجب لتعرضه يحكم عليه بغرامة لا تتجاوز 1000 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى و 2000 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الثانية و 3000 درهم بالنسبة لمحكمة النقض دون مساس بحق الطرف الآخر في التعويض عند الاقتضاء.
وأيضا مقتضيات المادة 459 التي جاءت بأنه إذا لم تقبل محكمة النقض الدعوى حكم على المدعي غير النيابة العامة، بالمصاريف كما يمكن الحكم عليه بغرامة لصالح الخزينة العامة لا تتجاوز خمسة آلاف درهم.
وأيضا ما تضمنته المادة 483 من أنه يحكم على الطرف الذي يخسر طلب إعادة النظر بغرامة في حدود المبلغ المشار إليه في المادة 480 أعلاه بصرف النظر عما يقضي به من التعويضات للطرف الآخر.
ونصت المادة 480 على أنه لايقبل طلب إعادة النظر مالم يصحب بوصل يثبت إيداع مبلغ بكتابة الضبط بالمحكمة يساوي ألفي درهم أمام محكمة الدرجة الأولى وثلاثة آلاف درهم أمام محكمة الاستئناف وخمسة آلاف درهم أمام محكمة النقض.
ومن شأن كل هذه المواد أن تمس بحق التقاضي ، فمحاصرة المتقاضي بمجموعة من الغرامات تجعله قد يفكر ألف مرة قبل اللجوء للقضاء قصد الدفاع عن مصالحه وحقوقه، وهو ما يشكل خرقا لمبدأ حق التقاضي المكفول دستورا والمضمون بمقتضى المواثيق الدولية.
وعليه وجب مراجعة هذه المواد المشار إليها في هذه الدراسة والتي مست بمصالح وحقوق المواطنين وانتصرت للخزينة العامة للدولة على حسابهم، في خرق سافر للدستور والمواثيق الدولية.