MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




ملاحظات أولية حول مسودة مشروع المسطرة المدنية بقلم ذ يوسف مرصود

     



ملاحظات أولية حول مسودة مشروع المسطرة المدنية بقلم ذ يوسف مرصود
                                                                          
مقدمة

   تعتبر ملاحظات أولية حول مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية دراسة لبعض النصوص القانونية التي جاءت بها هذه المسودة، والتي أثارت حفيظة المحامون وكان لهم ردود فعل قوية اتجاهها، بحيث سنقوم بقراءة لكل فصل، معبرين عن وجهة نظرنا نحوه بكل حياد وموضوعية وبطبيعة الحال من باب كوني محام.

 الملاحظة الأولى: قراءة في المادة 44

  نصت المادة 44 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على ما يلي :    

" ترفع الدعوى إلى المحكمة الإبتدائية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب مع مراعاة الإتفاقيات الدولية.

غير أنه يجوز للمدعي تقديم مقال موقع من طرفه شخصيا في الحالات التالية:

_ قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة،
_ القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا طبقا للمادة 25 أعلاه،
_القضايا المتعلقة بالحالة المدنية،
_ التي ينص عليها القانون ،
_إذا كان طرفا في الدعوى أو أحدهما قاضيا أو محاميا أمكن لهما ولمن يخاطبهما الترافع شخصيا....."
 

   والملاحظة الأولى حول هذا الفصل أنه وسع من مجال القضايا التي لا تستدعي تنصيب محامي فيها، أي أن مجموعة من القضايا التي سترفع للمحاكم لا تحتاج إلى تنصيب محام لتولي الدفاع عن مصالح رافعيها.

فبالرجوع إلى المادة 32 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة والتي تنص على ما يلي:  

"المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف ، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية،وقضايا النفقة أمام المحكمة الإبتدائية والإستئنافية والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات ".

  نجد أن الأصل أن جميع القضايا تستوجب تنصيب محامي، إلا القليل منها.

   ورغم ذلك فإن محاكم الموضوع لا تستجيب لمقتضيات هذه المادة في بعض النزاعات المنصوص عليها في الفصل 45 من ق م م الحالي، مثل قضايا التطليق والقضايا الإجتماعية معتبرة أن القانون يسمح بذلك ويخول للأطراف الترافع شخصيا في تلك القضايا تطبيقا لمقتضيات الفصل 45 المذكور.

   في حين أن المحامون كانوا يتمسكون بمقتضيات المادة 32 والتي لا تستثني تلك القضايا. 

   ليطرح الإشكال حول النص الواجب التطبيق والمقتضيات الواجب الرضوخ لها هل مقتضيات هي المسطرة المدنية بصفتها نصا عاما أم مقتضيات قانون المهنة بصفتها نصا خاصا.

  وهو الأمر الذي استدعى تدخل محكمة النقض، والتي أنصفت توجه المحامون، حيث جاء في قراراها عدد 1203 الصادر بتاريخ 07/06/2012 في الملف الإجتماعي عدد 1527/5/1/2011 والذي جاء فيه:  " حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أن الثابت لقضاة الموضوع أن الطالبة تقدمت من خلال مذكرتها الجوابية المدلى بها بجلسة 16-04-2009 بدفع شكلي يرمي إلى عدم قبول استئناف المطلوب لكونه قدمه بصفته الشخصية ودون أن ينصب عنه محاميا للدفاع عن مصالحه، إلا أن المحكمة المطعون في قرارها لم تجب على هذا الدفع رغم جديته، مما تكون معه قد خرقت مقتضيات المادة 31 من قانون مهنة المحاماة رقم 28.08 الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1 – 08-101 الصادر في 10/10/2008 التي تنص على انه " لا يسوغ أن يمثل الأشخاص الذاتيون والمعنويون والمؤسسات العمومية والشركات أو يؤازروا أمام القضاء إلا بواسطة محام ماعدا إذا تعلق الأمر بالدولة والادرارات العمومية تكون نيابة المحامي أمرا اختياريا". وكذا الفقرة الأولى  من المادة 32 التي تنص على مايلي:" المحامون المسجلون بجداول هيئات المملكة هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف ومؤازرتهم لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية والقضايا التي تختص بالنظر فيها المحاكم الابتدائية ابتدائيا وانتهائيا وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات،" وبحكم ان هذه الفقرة لا تستثني قضايا نزاعات الشغل من تمثيل المحامي، فإن المقال يبقى معيبا شكلا ويتعين عدم قبوله، وتبعا لذلك يبقى القرار المطعون فيه عرضة للنقض. وبصرف النظر عن بحث الفرع الثاني من الوسيلة الثانية.

  وحيث كان الأجدر بواضعي مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية توسيع المجال أمام المسطرة الكتابية لا العكس، فالمحامي هو المؤهل والمختص في الترافع على الأشخاص سواء كانوا طبيعيين أو معنويين، وفي ذلك ضمانا لحقوقهم، وحرصا على جودة الأحكام القضائية وحفاظا على تحقيق العدالة المنشودة، مادام أن المحامي مساهما رئيسيا  وفعليا في تحقيق العدالة .

  وهنا قد يقول قائل أن هناك قضايا لا ينبغي فيها إثقال كاهل المواطن بأتعاب المحامي ، الجواب بسيط جدا هناك المساعدة القضائية، فمن لا يستطع سداد أتعاب المحامي، يمكنه اللجوء للمساعدة القضائية وسيستفيد من خدمات المحامي مجانا إذا ما توفرت فيه شروط الإستفادة، فالمحامي عندما يدافع عن توسيع مجال اختصاصه ليس حبا في جمع الثروات، بل هو يدافع عن اختصاصه لحماية مصالح وحقوق المواطنين من سماسرة المحاكم ووسطاء السوء، فظاهرة السمسرة أصبحت تسود في المحاكم وكم من حق ضاع بسببهم، وليس بسبب هذا فقط  بل هناك مواطنون يجهلون القواعد القانونية والمساطر، فكيف لهم أن يدافعوا عن مصالحهم أمام هذا الجهل، وأحيانا يلجؤون لكتاب عموميون أكثر جهلا منهم فتضيع الحقوق.

  ويبقى الصواب هو أن المحامي المختص الوحيد في الترافع عن الأشخاص بصفة عامة  أمام المحاكم له ماله في إطار حقوقه وعليه ما عليه في إطار مسؤولياته.

  فهذا الفصل 2 من قانون المحاماة التونسي يحدد اختصاصات المحامي، والتي تبقى واسعة ومتعددة منحت له دون سواه في إطار اختصاصه، ونحن هنا في المغرب نجد من يرغب في القضاء على مهنة المحاماة وتقزيم دوره، والحد من اختصاصه.
  ينص الفصل 2  من قانون المحاماة التونسي على ما يلي:

  "يختص المحامي دون سواه بنيابة الأطراف على اختلاف طبيعتهم القانونية ومساعدتهم بالنصح والاستشارة وإتمام جميع الإجراءات في حقهم والدفاع عنهم لدى المحاكم وسائر الهيئات القضائية والإدارية والتأديبية والتعديلية وأمام الضابطة العدلية كل ذلك وفق ما تقتضيه الأحكام التشريعية المتعلقة بالإجراءات المدنية والتجارية والجبائية والجزائية.

كما يختص دون غيره بتحرير عقود تأسيس الشركات أو الترفيع أو التخفيض في رأسمالها كلما تعلق الأمر بمساهمة بأصل تجاري.

كما يختص بتحرير العقود والاتفاقات الناقلة للملكية العقارية وبعقود المساهمات العينية في رأسمال الشركات التجارية، كل ذلك دون المساس بما أجازه القانون لعدول الإشهاد ولمحرري العقود التابعين لإدارة الملكية العقارية.

وتعد الأعمال المنجزة من قبل غير من ذكر باطلة بطلانا مطلقا.

ويمكن للمحامي القيام خاصة بمهام التحكيم والوساطة والمصالحة والإئتمان والتصفية الرضائية والتعهد بعقود الوكالة وبأعمال التفاوض والتمثيل لدى المصالح الجبائية والإدارية وبمهام التكوين.

ويمكنه تمثيل حرفائه أو الحضور إلى جانبهم في الجلسات العامة أو هياكل التسيير الجماعي، وفق ما تنص عليه العقود التأسيسية للشركات التجارية.

كما يجوز للمحامي المرسّم لدى التعقيب القيام بمهام عضوية مجالس الإدارة أو مجالس المراقبة في الشركات التجارية.

ويتولى المحامي في إطار اختصاصاته تنفيذ المأموريات المسندة إليه من المحاكم وسائر الهيئات القضائية أو التعديلية.

كما يمكن له القيام بمهام الوكيل الرياضي أو وكيل الفنانين أو وكيل الملكية الفكرية أو الصناعية أو مهام التصرف الائتماني.

وللمحامي أن يتنقل خارج مكتبه بكل حرية وإن اقتضى الأمر خارج البلاد التونسية لغاية تنفيذ المهام المبينة أعلاه ما لم يكن ذلك مخالفا لقوانين الدول المعنية."


   بقيت ملاحظة بخصوص ما جاءت به المادة 44 من المسودة والمتعلق بالقضايا التي يكون أحد طرفيها محاميا أو قاضيا بحيث يمكن لهما الترافع شخصيا وأيضا لمن يخاصمهما.

    في نظري أن هذه الفقرة أو البند لا مبرر له ويبقى غير دستوري، فالمواطنين سواء أمام القانون، ولهم الحق في اللجوء للمحاكم قصد المطالبة بحقوقهم، وكما يفرض المحامي على غير القاضي والمحامي يفرض أيضا على هؤلاء، فلما الترافع شخصيا في مصالح شخصية لا أحد فوق القانون ، وبالتالي وجب حذف هذه الفقرة.

    وكخلاصة وجب على واضعي المسودة التفكير في تعديل المادة 44 منها وذلك بتوسيع قاعدة المسطرة الكتابية وضرورة تنصيب محامي في جميع القضايا المرفوعة أمام المحاكم لما في ذلك من مصلحة عامة وأيضا حذف الفقرة القائلة بإعفاء القضاة والمحامون ومن يخاصمهم من تنصيب محامي لعدم دستوريتها.
 
 
الملاحظة الثانية: قراءة في المادتين 50 و51:

  تنص المادة 50 في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على ما يلي :

"يجب على المدعي أو نائبه أو وكيله بمجرد تعيين تاريخ الجلسة أن يتسلم الطيات المتعلقة بالاستدعاء وكذا جميع إجراءات الملف القضائية الأخرى والخاصة بجميع أطراف الدعوى قصد السهر على تبليغها تحت  مسؤوليته إلى المدعى عليه أومن له المصلحة من أطراف الدعوى بواسطة مفوض قضائي"

ونصت المادة 51 من نفس المسودة على ما يلي:

"إذا لم تتوصل المحكمة بما يفيد قيام المدعي بالتبليغ أو بمحاولة التبليغ في الحالة المشار إليها في المادة السابقة، قبل تاريخ الجلسة أخرت القضية لجلسة تالية وإذا لم يتم إنجاز الإجراءات المطلوبة شطبت على الدعوى من جدول هذه الجلسة متى كان المدعي أو نائبه أو وكيله هو من تولى إجراءات التبليغ".

   قبل الخوض في دراسة هاتين المادتين هناك ملاحظة أساسية توضح إلى أي مدى كبير ما قيل عن هذه المسودة من أن بها عدة تناقضات، وصيغت بأسلوب ركيك، ففي مقدمة المادة 50 من المسودة والتي وردت بصيغة الوجوب نجد أنه "يجب على المدعي أو نائبه أو وكيله بمجرد تعيين تاريخ الجلسة أن يتسلم الطيات المتعلقة بالاستدعاء وكذا جميع إجراءات الملف القضائية الأخرى والخاصة بجميع أطراف الدعوى قصد السهر على تبليغها تحت  مسؤوليته..." أي أنه لا مناص من أن يتسلم المدعي أو نائبه أو وكيله الاستدعاء عند فتح الملف قصد السهر على تبليغها، ولا توجد غير هذه الإمكانية ولا يمكن لأي أحد أن  يسهر على مهمة التبليغ  كعون المحكمة أو المفوض القضائي مثلا غير هؤلاء المشار إليهم في مقدمة المادة 50 من المسودة.

  في حين أن خاتمة المادة 51 من المسودة جاءت ب "متى كان المدعي أو نائبه أو وكيله هو من تولى إجراءات التبليغ" فبقراءة هذا الجزء من هذه المادة يتضح جليا أن هناك جهات أخرى أيضا تتولى السهر على التبليغ غير تلك التي حددتها المادة50 وهي المدعي أو نائبه أو وكيله، فإذا كان الأمر كذلك لماذا حصرت المادة 50 فقط السهر على إجراءات التبليغ في هؤلاء وأوجبت ذلك عليهم، وإذا كان غير ذلك فلماذا جاءت خاتمة المادة 51 بذلك.

   فالمادة 50 توجب على المدعي أو نائبه أو وكيله تسلم الاستدعاء بمجرد تعيين الجلسة والسهر على تبليغها ، فيحين أن المادة 51 تخاطب هؤلاء متى كانوا هم الساهرين على إجراءات التبليغ ،أي أن السهر على التبليغ يكون اختياريا بهذا المفهوم فأي تناقض هذا.
   هذا من جهة ومن جهة أخرى يتضح بمطالعة المادة 50 أنه سيصبح لزوما على المدعي أو نائبه أو وكيله بمجرد تعيين الجلسة أن يستلم الطيات المتعلقة بالاستدعاء و يسلمها للمفوض القضائي قصد القيام بالتبليغ أي أن الأمر يتطلب منهم السهر على إجراءات التبليغ، في حين يقتصر الأمر حالا على أداء أجرة المفوض القضائي قصد التبليغ وأن أن الأخير هو من يعمل على سحب الطيات ويبلغها أي أنه يقوم بمهمة السهر على التبليغ ،والتبليغ.

   تنص المادة51 من القانون 81.03 بمثابة قانون منظم لمهنة المفوضين القضائيين على ما يلي:

"يختص المفوض القضائي بصفته هاته على مراعاة الفقرة الرابعة من هذه المادة، بالقيام بعمليات التبليغ وإجراءات تنفيذ الأوامر الأحكام والقرارات ...".

   وينص الفصل 37من ق م م على ما يلي:  

"يوجب الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط إلى أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية"

  وما يلاحظ من خلال المقتضيات أعلاه أن الساهرين على تبليغ الإستدعاءات هم أعوان كتابة الضبط أو المفوض القضائي.
  وعلى المستوى العملي يتم التبليغ بواسطة المفوض القضائي بحيث تؤدى أجرة المفوض القضائي قصد القيام بإجراءات التبليغ قبل أداء الرسوم القضائية للدعوى.

  والطبيعي بعدها أن يتسلم المفوض القضائي المختار الإستدعاءات ويسهر على تبليغها وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة 24 من القانون 81.03 "تسلم الإستدعاءات وشهادات التبليغ والطيات المتعلقة بالتبليغ والتنفيذ وجميع الوثائق المرتبطة بها من طرف كتابة الضبط إلى المفوض القضائي بواسطة سجل التداول مرقم الصفحات وموقع من طرف رئيس المحكمة".

  والذي يقع في بعض من الأحيان أن السادة المفوضين القضائيين لا يقومون بإجراءات التبليغ رغم استخلاصهم أجرتهم عن ذلك، وتأجل القضية إلى جلسة تلو الأخرى حتى تطلب المحكمة من الدفاع السهر على التبليغ، أو أن المحامي من تلقاء نفسه يلتمس من المحكمة السهر على الاستدعاء وهو العرف البدعة "صحبة عون"، ولو أن نية المحامي تذهب إلى الرغبة في مساعدة المحكمة من جهة ، وحماية مصالح موكله حرصا على عدم تطويل المساطر.

  والملاحظ أن االمشرع أراد أن يصبح هذا العرف قاعدة قانونية ملزمة ترتب الجزاء .

  وبصريح العبارة جزء كبير من السادة المحامون ساهموا في تكريس هذه العادة حتى أن المشرع أصبح يفكر في تشريعها ويجعل المحامي هو من يستوجب عليه القيام بالسهر على إجراءات التبليغ.

   فالمحامي يؤدي أجرة المفوض القضائي عند فتح كل قضية نيابة عن موكله ، وعند تعيين الجلسة تخاطبه المحكمة " لا دليل على التوصل...يعاد إلى جلسة..." فيتدخل المحامي ويطلب من المحكمة السهر على التبليغ ويسحب الإستدعاءات بعدها ويسلمها للسيد المفوض القضائي الذي اختاره أول مرة للقيام بالمهمةن أو إلى مفوض قضائي أخر أو كاتب هذا الأخير للقيام بالمهمة ويضطر لأداء مصاريف التبليغ مرة أخرى.

  في حين أن الصواب ومادام أن المفوض المختار للقيام بالمهمة والذي أديت له أجرة التبليغ، من المفروض عليه أن يقوم بالسهر  على سحب الإستدعاء والقيام  بالتبليغ ،  فكما للمفوض القضائي حقوق وأهمها المنصوص عليها في المادة 28 " يؤدى للمفوض القضائي مسبقا المبلغ الثابت مسبقا " وأيضا في المادة 29  "يتقاضى المفوض القضائي أجرته مباشرة من طالب الإجراء مقابل تسليم وصل بذلك من كناش ذي جذور" فإنه عليه واجبات وأهمها أن يباشر المهام الموكولة إليه .

   تنص المادة  30 من القانون 81.03 على ما يلي : "يلزم المفوض القضائي ما لم يكن هناك مانع مقبول بمباشرة  مهامه كلما طلب منه ذلك ،وإلا أجبر على إنجازها بمقتضى أمر كتابي يصدره رئيس المحكمة التي يرتبط بها .

يمنع على المفوض القضائي أن يحجم عن تقديم المساعدة الواجبة للقضاء والمتقاضين بدون عذر مقبول، كما يمنع على المفوضين القضائيين التواطؤ لنفس الغاية"


   ومن هذا المنطلق وجب على المحامين في حالة أداء صائر التبليغ للمفوض القضائي وعدم قيام هذا الأخير بمهامه رغم تنبيهه، ألا يلتمسوا من الحكمة السهر على التبليغ صحبة عون، بل وجب عليهم تقديم شكاية إلى رئيس المحكمة بهذا الشأن الذي يحيلها بدوره على السيد وكيل الملك حتى يلتزم كل بمهامه، لا أن نصنع تقاليد وأعراف تصبح بعدها سما يسري في عروقنا ، فها هو المشرع يرغب في تكريس هذا العرف ويسنه قاعدة قانونية ليلزمكم أيها المحامون بالسهر على التبليغ.

   ليكون المشرع بذلك أثقل كاهل المتقاضين والمحامين بمهمة أخرى لها ناسها المختصين ومن جهة أخرى وهي الأهم وهي فلسفة المشرع من خلال هاتين المادتين هو تخويل القضاء إمكانية التشطيب على القضايا التي يتعذر فيها التبليغ، بحيث أثبت الواقع العملي أن هناك مجموعة من الملفات تتأخر لانعدام التبليغ تصبح عبئا على المحكمة وتأخذ وقتا كثيرا يعد بالسنوات قبل البت فيها بسبب التبليغ.
   فلعل المشرع، بل بالتأكيد أنه أوجد مخرجا للقضاة بخصوص مشكلة انعدام التبليغ، وهكذا فالمتقاضي أو نائبه أو دفاعه وجب عليهم تسلم الإستدعاءات والسهر على تبليغها تحت طائلة التشطيب على الدعوى في حال عدم وجود ما يفيد التبليغ.

   وبصريح العبارة فإن ما جاءت به المسودة بهذا  الخصوص يبقى في غير محله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل مشاكل التبليغ على حساب المتقاضي والمحامي في حين أن هناك مؤسسة مختصة وهي مؤسسة المفوض القضائي وعلى السادة القضاة ورؤساء المحاكم ووكلاء الملك القيام بدورهم في هذا المجال ، كما أن السادة المحامون وجب عليهم أيضا مكاتبة هؤلاء بخصوص جميع المخالفات التي يرتكبها المفوض القضائي بخصوص التبليغ.

  فهذه المادة 33 من القانون 81.03 تنص على ما يلي:"يراقب رئيس المحكمة المختصة أو من ينتذبه من القضاة لهذه الغاية أعمال وإجراءات المفوضيين القضائيين الممارسين في دائرة اختصاصه.

ترمي هذه المراقبة إلى التحقق من شكليات الإجراءات ووقوعها داخل الأجل وكذا سلامة تداول   والأحوال التي يباشرها المفوض القضائي.
إذا ثبت لرئيس المحكمة من خلال مراقبة وقوع  إخلالات مهنية حرر تقريرا في الموضوع وأحاله إلى النيابة العامة".
  فالمطلوب تفعيل النصوص القانونية الموجودة، وليس المجيء بالبديل الذي يعد أسوأ بكثير من المتواجد، فكثير من النصوص القانونية الحالية لا ينقصها إلى التفعيل وليس التغيير، فيا أيها الساهرين على التغيير ابحثوا أولا واكتشفوا الداء حتى يتسنى لكم إيجاد الدواء.

الملاحظة الثالثة : قراءة في المادة 62:
 
  تنص المادة 62 من المسودة على ما يلي:" يجوز للرئيس دائما في حالة حدوث اضطراب أو ضوضاء أن يأمر بطرد الشخص المعني أو وكيله أو أي شخص أخر من الجلسة ، وإذا امتنع وقع طرده أو عاد إلى الجلسة أمكن للرئيس أن يتخذ في حقه الإجراءات المقررة في القانون المسطرة الجنائية، إذا صدرت منه أقوال تتضمن سبا أو قذفا أو إهانة تجاه المحكمة، حرر رئيس الجلسة محضرا يوجه في الحال إلى النيابة العامة لتطبيق المسطرة المتعلقة بالتلبس بالجريمة.
وإذا صدرت خطب تتضمن سبا أو قذفا من أحد الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق التمثيل أمام القضاء حرر رئيس الجلسة محضرا أو بعثه إلى النيابة العامة، فإذا تعلق الأمر بمحام بعثه إلى نقيب الهيئة وإلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما"
 

  والملاحظ أن واضعي المسودة أتوا بمقتضى جديد بخصوص الخطب الصادرة عن المحامي والتي يمكن أن تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا بحيث أن الأمر مستقبلا لن يعود كما هو عليه الآن، بحيث ينص الفصل 44 من ق  م م الحالي على ما يلي:
 
"إذا صدرت خطب تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا من أحد الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق التمثيل أمام القضاء ،حرر رئيس الجلسة محضرا وبعثه إلى النيابة العامة فإذا تعلق الأمر بمحام بعثه إلى نقيب الهيئة"
 
   بل سيصبح مستقبلا حسب رغبة واضعي المسودة أن يحرر رئيس الجلسة محضرا إذا تعلق الأمر بمحام ويبعثه إلى نقيب الهيئة وإلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما.
 
أي أن الأمر لن يقتصر فقط على توجيه المحضر لنقيب الهيئة بصفته ومجلس الهيئة، السلطة التأديبية للمحامي، بل سيدخل على الخط الوكيل العام للملك بصفته ممثلا للحق العام لاتخاذ ما يلزم أو ما يكون لازما كما نصت على ذلك المادة 62  وما قد يكون لازما طبعا هو تحريك المتابعة، أي أن النقيب في واد والنيابة العامة في واد أخر، كل يعمل من مجال اختصاصه ومهامه فبغض النظر عما سيتخذه النقيب ، فالنيابة العامة لها اتخاذ ما تراه لازما تجاه المحامي ومن ضمنها تحريك المتابعة، أي أن مهام السيد النقيب في هذا المجال ستصبح شكلية لأنه ليس هو الجهة الوحيدة التي ستحال عليها المحاضر المنصوص عليها في المادة 62 من المسودة بل هناك جهاز آخر بالموازاة وهو النيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك، وهو الأمر الذي لم يتقبله المحامون ومعهم النقباء ورفضوه رفضا قطعيا، لأن النقيب يبقى هو الجهة الوحيدة التي تحال عليها الشكايات المرفوعة ضد المحامي وأيضا المخالفات التي يمكن أن يرتكبها المحامي بسبب مزاولة مهنته وهو الجهة المخول لها إمكانية حفظ الشكاية أو تحريك المتابعة ولا يتدخل الوكيل العام للملك إلا من أجل الطعن في قرار الحفظ الصادر عن النقيب (المادة 67 من قانون المحاماة 28.08 ).
 
   لكـــــــن في حقيقة الأمر وإن كان هذا المقتضى الذي جاءت به المادة 62 من المسودة غير منصوص عليه في قانون المسطرة المدنية فهو منصوص عليه في المادة 58 من قانون المحاماة 28.08  فيما يتعلق بحصانة الدفاع والتي جاء فيها :" للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله .

لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته ما يستلزم حق الدفاع.
لا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها,
تحرر المحكمة محضرا بما قد يحدث من إخلال، وتحيله على النقيب ، وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما."

 
  أي أن المادة 62 لم تأت بجديد فقد نقلت مقتضى موجود في قانون مهنة المحاماة بالحرف وأضافته لمادة قانونية تتعلق بنفس المقتضى.
 
  وعليه كان عليكم أيها السادة المحامون أن تحتجوا على هذا المقتضى قبل سنه في قانون المهنة 28.08 ، وليس الآن حيث لا يعدو أن يكون الأمر سوى تحصيل حاصل.
 
الملاحظة الرابعة : قراء في المادة 71 :
 
تنص المادة 71 من المسودة على ما يلي :
 
"يمكن للأطراف أو من ينوب عنهم الإطلاع على مستندات القضية أو أخد صور منها على نفقتهم في كتابة الضبط دون نقلها ".
 
  تبقى المادة 71 من المسودة من بين المواد التي تلقت انتقادات من مجموعة من المحامين لكون أن المشرع يسمح فقط بالإطلاع على مستندات القضية وأخد صور منها في كتابة الضبط دون نقلها.
 
  أي أن المحامي لا يحق له نقل الوثائق من كتابة الضبط لأخذ صور منها  في جهة أخرى غير كتابة الضبط، هذا مع العلم أن معظم هيئات المحامين بالمغرب توفر آلات تصوير للمحامين بثمن تفضيلي يقل عن ثمن التصوير الذي تقوم به كتابة الضبط ويشكل أيضا دخلا من مداخيل الهيئة.
 
 
  ومن هذا المنطلق سيصبح ممنوعا على المحامي أن ينقل الوثائق من كتابة الضبط وأن هذه الأخيرة هي المسموح لها فقط بتصوير المستندات المتعلقة بالقضية، مما يشكل أيضا ضربة أخرى للمحامي وأجهزته مقابل انتصار لكتابة الضبط ، فكثير من الأحيان كانت كتابة الضبط  تطالب بإجلاء آلات تصوير هيئات المحامين لتمنح لها وحدها حق تصوير المستندات من أجل الإستفادة من المداخيل وصرفها في الأعمال الاجتماعية لهؤلاء ، وعلى ما يبدو أن واضعي المسودة استجابوا لرغبة هؤلاء وفكروا في سن هذا المقتضى.
 
  ولكن ومن جهة نظر أخرى ، وحتى نكون منطقيين في قراءتنا وتحليلنا للأمور، إن في عدم  نقل مستندات ووثائق القضية  من كتابة الضبط حفظ لها من الإختفاء من ملف القضية، وهناك حالات عرفت اختفاء بعض الوثائق من الملف بغض النظر عن الجهة المسؤولة على ذلك ، وهو ما أفقد الثقة في المحامي الذي ساهم نفسه في هذا الوضع  فهناك بعض المحاكم يطلب منك كاتب الضبط أنت كمحامي إذا رغبت في أخد نسخ لوثائق أن تحضر عاملة النظافة أو عون(شاوش) ليأخد الملف قصد تصويره ولا يتم تسليمه لك مباشرة ، وأمام سكوت المحامي وتكرار هذا الوضع أصبح عرفا معمولا به ، بحيث أصبح  أنك تتوجه لكتابة الضبط قصد تصوير الوثائق فتبحث قبلها عن عاملة النظافة أو عن عون (شاوش) لكي يرافقك .
 
  ومن هنا تضيع هيبة  المحامي شيئا فشيئا ، فما معنى أن تكون المحاماة  مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء  كما تنص على ذلك المادة الأولى من قانون المحاماة ،والمحامي لا يسمح له بنقل وثائق الملف لأحد صور لها ألا يقع الملف بين يدي القاضي، ألا يقع بين يدي كاتب الضبط  ، ألا يقع حتى بين يدي العموم ، ألا يخرج أحيانا من المحكمة إلى المنازل والمقاهي، ألا يقع بين يدي الأعوان، أكل هؤلاء أمناء والمحامي مشكوك في أمره.
 
  فأنتم يا محامون من ساهمتم بأن يحاك لكم ما يحاك الآن ، يشرعون لكم بالمقاس الذي يريدون أن تلبسوه آملين مستقبلا أن تصبحوا دمى يحركونها كما يشاؤون.
 
  ومن جهة أخرى وهو الأهم فهذا المقتضى الذي جاءت به المادة 71 وأحدثت زوبعة ليس بجديد هو الآخر فأحيلكم على مقتضيات الفصل 331 من قانون المسطرة المدنية الحالي الذي ينص على ما يلي:
 
    "يمكن للأطراف أو لوكلائهم الإطلاع على مستندات القضية في كتابة الضبط دون نقلها ".
 
الخلاصة
 
وعلى العموم فإن قانون المسطرة المدنية لا يحتاج إلى نسخ  جميع مقتضياته بل يحتاج إلى تغييرات وتعديلات ، والأكيد ليس بالنحو  الذي جاءت به المسودة في كثير من موادها، وخصوصا موضوع هذه الدراسة، كما أن الأسلوب الذي صيغت به هذه المسودة فيه كثير من الحشو والإطناب والركاكة وبعض من مواده ومقتضياته تعرف تناقضات مما يوضح أزمة صناعة التشريع التي تعرفها بلادنا، ويكشف لنا أيضا تسرع الساهرين عليها.
 
 وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، لما كل هذا التسرع في صياغة قواعد قانونية مهمة وحاسمة ومؤثرة، ولما تنتهج سياسة النسخ بدل التعديل والتتميم والتغيير، أ ليحسب لواضعيها أنهم أكبر منتج للقوانين ولا يهم مضمونها بقدر ما يهم أن تحسب لهم في إنجازاتهم.



الاربعاء 3 سبتمبر 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل الوليدي عبدالعزيز في 17/01/2015 13:02
تعليقي حول المادة 44 حينما يكون القاضي او المحامي طرفا فيها انا الان كنت املك 2 اراضي في دكالة
الالى اخدها محامي بالنصب
والثانية اخدها قاضي باانصب
لم اجد محاميا ينوب عني لكي اطالب بحقي
حتى هيأة المحامين بالجديدة رفضت تنصيب محامي لمساعدتي
رفضت شكايتي من طرف المحكمة بسدي بنورلا نني لا اتوفر على محامي
فاامعمل يصاحب المفهومية ؟؟

تعليق جديد
Twitter