بعد انسحاب حزب الاستقلال من الاغلبية الحكومية ، و الذي احدث ازمة سياسية خلطت الاوراق ، و عطلت سير العمل الحكومي . هذا الانسحاب الذي برره الحزب المنسحب بنهج حزب العدالة والتنمية مقاربة احادية في تدبير الشـأن السياسي ، و عدم اشراك باقي مكونات الاغلبية في اتخاذ القرار ، و التعامل بمنطق " حزبوي ضيق " ، اضافة الى رفض حزب الاستقلال مجموعة من القرارات التي اقدم عليها رئيس الحكومة السيد عبد الاله بن كيران من قبيل : الزيادة في اسعار المحروقات و المواد الاولية ، تجميد رساميل التي كانت مخصصة للاستثمار ....فهذا و عدة ملفات اخرى عجلت بانبثاق معارضة "استقلالية " من رحم الائتلاف الحكومي ترتب عنها اعلان حزب الاستقلال في مؤتمره الحادي عشر عن انسحابه من الحكومة و اعلان نية توجهه الى صف المعارضة. ليجد رئيس الحكومة نفسه متوجها الى احزاب اخرى كانت بالأمس معارضة له و لسياساته ، وهنا اتحدث عن رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار الذي سبق لقيادات في العدالة و التنمية ان اتهمته بتورطه في اختلاسات مالية حينما كان يشغل حقيبة وزارة المالية في حكومة السيد عباس الفاسي .
فبالعودة الى ما قبل انتخابات 25 نوفمبر ، بعد ان ظهرت في الحقل السياسي المغربي ما اصطلح علية " بجموعة 8 " ، بقيادة حزب التجمع الوطني للاحرار ، بمشروع ليبرالي حداثي المناقض تماما للمشروع الاسلامي للعدالة و التنمية ، و قد ظهر حينذاك اننا امام اقطاب حزبية بمشاريع سياسية مختلفة اديولوجيا ، لكن بعد هذا التزاوج " اللقيط " ، و الذي تشكلت بصدده النسخة الثانية لحكومة عبد الاله بن كيران ظهرت متغيرات اخرى ، ليصبح الحرام حلالا طيبا ...فماهي ابرز الملاحظات التي يمكن الخروج بها بعد الاعلان عن المصادقة النهائية من طرف الملك باعتباره رئيس الدولة ؟
- حكومة ب 39 وزيرا في ظل الازمة المالية و الاقتصادية التي يعاني منها المغرب ، هذا سيكلف ميزانية الدولة الكثير ان استحضرنا اجور هؤلاء و دواوينهم و موظفيهم ، مما سيسبب سخطا اجتماعيا ، خصوصا ان الحكومة ذهبت الى اجراءات احترازية بعدم صرف المزيد من الميزانية ، كالتوظيف المباشر ، ووقف عمليات الترقية ، وتوقيف الحوار الاجتماعي...
- عودة الوزراء " التكنوقراط " بقوة مما يطرح اشكالية الشرعية الانتخابية ، و عدم وجود اليات للمحاسبة و ربطها بالمسؤولية ، فلا يمكن للشعب المغربي ان يحاسب وزيرا لا منتمي سياسيا...فهذا يمكن اعتباره تراجعا خطيرا وإجهازا للمكتسبات التي راكمتها الحركات الاجتماعية و القوى الحية في المجتمع .
- تعيين كم هائل من الوزراء المنتدبين ، وهذا خرق للدستورالجديد ، فهذا الاخير ينص على تعيين كتاب للدولة و ليس وزاراء منتدبين ، وهناك فرق بينهما ، فالأول يتوفر كل الصلاحيات كاملة ، اما الثاني فلا يتوفرعلى اي شيء ...
- اقحام رجال المال و الاعمال في التشكيلة الحكومية ، مما يطرح استمرار انغراس الطبقة البرجوازية و مراكمتها للثروة لتتحكم بذلك في القرار السياسي ، لتجسد في نهاية المطاف التماهي الحاصل بين السلطة و المال ، وهذا ابشع مظهر من مظاهر التسلط و الاستبداد.
- عودة رجال سلطة بتعين ولاة سابقين مما يعني امكانية تضاعف المقاربة الامنية اتجاه الحركات الاجتماعية ، و التي بدورها سجلت تغير وانقلاب جدري في التعاطي معها و مع مطالبها ...
- تغيير تسمية وزارة العدل و الحريات ، وذلك بحدف كلمة " الحريات " و الابقاء على تعبير وزارة العدل ، مما يعني شرعنة النزوع السلطوي الذي طال في الفترة الاخيرة مجموعة من الاقلام الحرة في الصحافة الوطنية كان اخرهم على انوزلا ، واعطاء رسائل مشفرة لكل من خولت له نفسه التطاول على السلطة ...
- عودة نسائية قوية في التشكيلة الجديدة ، يمكن ان يكون ناتجا عن ضغط الحركات النسائية ، لكن الملاحظ انه لم تتسنى لأي امرأة الحصول على وزارة مستقلة ، فكل التعيينات التي حصلت عليها النساء تعيينات منتدبة تحث اشراف الوزير المعنى .
- تغيير حقيبة وزارة الخارجية و التعاون و اسنادها الى صلاح الدين مزوار ، في الوقت الذي كان من المفترض ان تحافظ هذه الوزارة على استمراريتها ، نظرا لحساسية ملف الوحدة الترابية الذي يتطلب استمرار العمل الدبلوماسي والحفاظ على الاستراتيجيات المرسومة و ليس خلق القطائع تلوى الاخرى ...
- على المستوى الشعبي يلاحظ تدمرا كبيرا لأغلب قواعد الشعب المغربي بعد الاعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة ، نظرا للارتجالية في تحديد الحقائب ، و نهج مقاربة " ترضية الخواطر " بدل مقاربة الاستحقاق ، مما جعل فئات عريضة تقر بصحة فرضية ما اصطلح عليه " بالارتداد على الديمقراطية " .