اعتَبرتُ من بَاب واجِبي وأنا عُضو بالهيئة العُليا للحِوار من أجل إصلاح العَدالة وخلال اشتغالها، أن أقتَرح على أعضاء الهيئة بحث ومعالجة نظام القَضاء العَسكري وقانون العَدل العسكري، لاقتناعي البديهي أن" العَدالة "هي وَطَن المدنيين والعسكريين بالمساواة ودون أي تمييز، ولاعتقادي أنه من واجب الهيئة العليا أن تتناول أوضاع هذا القضاء وأجهزته ومساطره وقواعد اختصاصه وأحكامه، وأن ينتهز الاعضاء اللحظة الدستورية والسياسية ليبرهنوا عن وعيهم بخطورة هذا القضاء الإستثنائي الذي طالبت مُكونات قانونية وحقوقية وسياسية وطنيا ودوليا بضرورة إلغائه أوتغييره أوإصلاحه، كل حسب قناعاته، لكن اقتراحي ادهَش البعض وازْعَج البعض ألآخر، وبالتالي لاقى اعتراضا وصُمتا من غَالبية مُكونات الهيئة، بل اعتبر بعضهم أن الموضوع " ليس من اختصَاص الهيئة وأن له أهله ".
وهكذا تقرر ألا يكون الإصلاح شاملا وعميقا من المنطلق، وتقرر مسبقا التمييز بين المتقاضين من خلال التمييز بين المحاكم الحاكمة، فلم تُبرمج لموضوع اصلاح القضاء العَسكري، بكل أسف، أية حلقة دراسية، وفهِمتُ أنني قد اقتَحمتُ بابا لا يستطيع أحَد ولوجه ولا يرغب أحد فتحه، وفهمت أنني طرقت موضوعا محرما غير وارد لا في جدول حياة الحكومة ولا في أجندة وزارة عدلها، وقلت مع نفسي سوف يأتي يوم ما أو حَدث ما، اختيارا أو اجبارا، يفرض على الدولة أن تعترف أمام العالم بالخطأ التاريخي الذي عَمرَ أكثر من خمسين سنة، ويفرض عليها وقف عدالة الإستثناء، فجَاءت قَضية اكديم ايزيك ومُحاكمة المتهمين فيها، وجَاء تقرير خوان مَانديـز المقرر الأممي الخاص بقضية التعذيب ليَصدُقَ تَنـبئِي، وشَكل الحدثان معا قُنبلة أسَالت الدمُوع على المحكمة العسكرية، وأطلقت أَلسِنَة مُدَربة على التهريج الإعلامي السخِيف الذي يمجد بالمحكمة العسكرية و" بمحاكماتها العادلة "، وتأكدْتُ أن مُغـَنية الحي لا تُطرب الحَاكمين ولا تُرعِبهم، وأنهم لا يعترفون أمامنا بالحقيقة وبالأخطاء إلا بعد أن يقولها ويدلهم عليها الخارج، وتأكدت أن النفاق L'YPOCRISIE من سمات تدبير السياسات العمومية الحكومية، واستحضرت النداء الذي اطلقته وزيرة مغربية بجنيف لمنع التعذيب بالعالم، في الوقت الذي لا زالت ممارسات التعذيب بالمغرب نهجا لبعض الأجهزة الأمنية خلال البحث ولازالت المحاكم تضفي علي انتزاع التصريحات المشروعية وتعتبرها في العيديد من المناسبات اعترافات تقوم عليها الإدانات، وقلت لماذا لا تنادي هذه المسؤولية الحكومية من داخل المغرب وأمام المغاربة بايقاف ممارسة التعذيب والمطالبة بمساءلة ممارسيه والمتسترين عليه قبل أن تطالب دول العالم بذلك؟ أو ليس اللعب بالمواقف المتناقضة امام العالم يضرب مصداقية الدولة ويشكل مرضا من نوع السكيزوفرينا يحتاج وضع صاحبه تحت المراقبة الطبية بسيكو-سوسيولوجيك.
عَرجت على هذه الواقعة لأؤكد أن الهيئة العليا تخلفت عن الموعد وتنازلت عن دورها، وصمتت في الوقت الذي كان عليها ان تعلن الموقف من القضاء العسكري، وسيقول التاريح عن هذه المرحلة قولته الحاسمة، ليبقى السؤال هل المحكمة العسكرية حقيقة محكمة، أم أنها " ثكنة قضائية " وهل أن أحْكَامها يمكن أن تُوصَف بالأحكام القضائية دون مغالاة، أم أنها في حقيقتها قرارات جِنرالات وأوامِر كُولونيلات يَفرضونها كما تُفرض عادة التعليمات داخل " ساحات السلاح - PLACE D'ARMES ؟ وهل أن جورج كلمانصو Jeorges Clemencau، الصحفي والسياسي الفرنسي لما قال Il suffit d'ajouter " Militaire' a un mot pour lui faire perdre sa signification يسعفنا لنقول أنه لا عدالة مع المحكمة عسكرية ؟؟ ولأتساءل كذلك هل للقضاة المدنيين رؤساء الجلسات دور في هذه المحكمة، أي هل هم مصدر سلطة للبث والفصل فيما يعرض عليهم من قضايا، بنظرة وبضَمير وحِرفية القاضي المدني المحايد والمسْتقل الذي يتعَامل مع قواعد المحاكَمة العادلة دون ان يَحيد عنها، ومع قواعد حقوق الدفاع كما هي مقررة كونيا، أم أن اولئك القُضاة هُم قضاة مدنيون، لكنهم لا يحملون من القضاء المدني إلا الإسم فقط، لأنهم لما يَدخلون محكمة قُضاتها في التحقيق والنيابة العامة عسكريون، موظفوها عسكريون، وسرعان ما يندمجوا رغم أنفهم في نظامها العسكري، ليصبحوا عساكر دون لباس عسكري، وحَمَلَة لسلاح من خشب لا يستطيعون به لا حماية قانون الإنصاف ولا ضمان عدالة المساواة، وليصنعوا في نهاية الأمر من المدنيين ومن العسكريين المحكومين بها " ضحايا عدالة التمييز وعدالة الأحكام دون تعليل ".
إن الإصلاح في مجال القضاء والعدالة ليس خُدعَة حَربية، أو عملية مُغَازلة نَتَمتع بلذتها لحظات عَابرة لنعود بعدها لبؤسنا، وليست تَصفية لحِسابات مع مِلفات وقضايا سَاخنة باستعمال المنَاورات السياسية مع المراقبين الدوليين واللعب مع التاريخ وبالرأي العام، بل إنه مسؤولية جمة ومشروع أمة لابد من الإيمان بقيمته وبضرورته، والتأمل في آثاره، مما يفرض علينا الوقوف على ما يثيره المشروع من خلال اشكاليتين بشكل واضح وعَلني، الأولى لماذا انصب الاصلاح على ما له علاقة بالإختصاص فقط دون إصلاح المساطر والإجراءات التي تنتهك أصول المحاكمة العادلة، والثانية تتعلق بقيمة ما أصدرته المحكمة العسكرية إلى اليوم من احكام ضد المدنيين وضد العسكريين في قضايا الحق العام، و بالبحث عن مصير المحكومين، أولئك الذين اتهموا و اعتقلوا و حوكموا وأدينوا بسنوات من السجن باستعمال قانون استثنائي وبنظام عدالة فارغ اجوف من قيم العدالة والإنصاف، ومن طرف قضاة مختلطون يتمتعون بقدرة الإنصات لتعليمات الرؤساء ولأوامر العليين من القادة، ولا بد من انقاذ مدنيين وعسكريين يذوبون في السجون بعد أن حوكموا وأدينوا أمامها، ولا يمكن أن يستمر وضع كهذا دون أن يثير انتباهنا ويفرض ايجاد حل لهم ينهي من معاناتهم، مع ما تتحمله الدولة من مسؤولية جبر ضررهم النفسي والمعنوي والعائلي والإجتماعي.... و تحملها تَبِعات مَا خلفته المحكمة العسكرية وراءها مِن أعْطاب ومن ضجيج سياسي وإعلامي، وما راكمته قراراتها من ضحايا بشرية، فالدولة التي صنعت قضاء استثنائيا عليها أن تجد حلولا استثنائية لمسح عار الأحكام الإستثنائية الصادرة من طرف قضاة لا يشبهون باقي القضاة.
وهكذا تقرر ألا يكون الإصلاح شاملا وعميقا من المنطلق، وتقرر مسبقا التمييز بين المتقاضين من خلال التمييز بين المحاكم الحاكمة، فلم تُبرمج لموضوع اصلاح القضاء العَسكري، بكل أسف، أية حلقة دراسية، وفهِمتُ أنني قد اقتَحمتُ بابا لا يستطيع أحَد ولوجه ولا يرغب أحد فتحه، وفهمت أنني طرقت موضوعا محرما غير وارد لا في جدول حياة الحكومة ولا في أجندة وزارة عدلها، وقلت مع نفسي سوف يأتي يوم ما أو حَدث ما، اختيارا أو اجبارا، يفرض على الدولة أن تعترف أمام العالم بالخطأ التاريخي الذي عَمرَ أكثر من خمسين سنة، ويفرض عليها وقف عدالة الإستثناء، فجَاءت قَضية اكديم ايزيك ومُحاكمة المتهمين فيها، وجَاء تقرير خوان مَانديـز المقرر الأممي الخاص بقضية التعذيب ليَصدُقَ تَنـبئِي، وشَكل الحدثان معا قُنبلة أسَالت الدمُوع على المحكمة العسكرية، وأطلقت أَلسِنَة مُدَربة على التهريج الإعلامي السخِيف الذي يمجد بالمحكمة العسكرية و" بمحاكماتها العادلة "، وتأكدْتُ أن مُغـَنية الحي لا تُطرب الحَاكمين ولا تُرعِبهم، وأنهم لا يعترفون أمامنا بالحقيقة وبالأخطاء إلا بعد أن يقولها ويدلهم عليها الخارج، وتأكدت أن النفاق L'YPOCRISIE من سمات تدبير السياسات العمومية الحكومية، واستحضرت النداء الذي اطلقته وزيرة مغربية بجنيف لمنع التعذيب بالعالم، في الوقت الذي لا زالت ممارسات التعذيب بالمغرب نهجا لبعض الأجهزة الأمنية خلال البحث ولازالت المحاكم تضفي علي انتزاع التصريحات المشروعية وتعتبرها في العيديد من المناسبات اعترافات تقوم عليها الإدانات، وقلت لماذا لا تنادي هذه المسؤولية الحكومية من داخل المغرب وأمام المغاربة بايقاف ممارسة التعذيب والمطالبة بمساءلة ممارسيه والمتسترين عليه قبل أن تطالب دول العالم بذلك؟ أو ليس اللعب بالمواقف المتناقضة امام العالم يضرب مصداقية الدولة ويشكل مرضا من نوع السكيزوفرينا يحتاج وضع صاحبه تحت المراقبة الطبية بسيكو-سوسيولوجيك.
عَرجت على هذه الواقعة لأؤكد أن الهيئة العليا تخلفت عن الموعد وتنازلت عن دورها، وصمتت في الوقت الذي كان عليها ان تعلن الموقف من القضاء العسكري، وسيقول التاريح عن هذه المرحلة قولته الحاسمة، ليبقى السؤال هل المحكمة العسكرية حقيقة محكمة، أم أنها " ثكنة قضائية " وهل أن أحْكَامها يمكن أن تُوصَف بالأحكام القضائية دون مغالاة، أم أنها في حقيقتها قرارات جِنرالات وأوامِر كُولونيلات يَفرضونها كما تُفرض عادة التعليمات داخل " ساحات السلاح - PLACE D'ARMES ؟ وهل أن جورج كلمانصو Jeorges Clemencau، الصحفي والسياسي الفرنسي لما قال Il suffit d'ajouter " Militaire' a un mot pour lui faire perdre sa signification يسعفنا لنقول أنه لا عدالة مع المحكمة عسكرية ؟؟ ولأتساءل كذلك هل للقضاة المدنيين رؤساء الجلسات دور في هذه المحكمة، أي هل هم مصدر سلطة للبث والفصل فيما يعرض عليهم من قضايا، بنظرة وبضَمير وحِرفية القاضي المدني المحايد والمسْتقل الذي يتعَامل مع قواعد المحاكَمة العادلة دون ان يَحيد عنها، ومع قواعد حقوق الدفاع كما هي مقررة كونيا، أم أن اولئك القُضاة هُم قضاة مدنيون، لكنهم لا يحملون من القضاء المدني إلا الإسم فقط، لأنهم لما يَدخلون محكمة قُضاتها في التحقيق والنيابة العامة عسكريون، موظفوها عسكريون، وسرعان ما يندمجوا رغم أنفهم في نظامها العسكري، ليصبحوا عساكر دون لباس عسكري، وحَمَلَة لسلاح من خشب لا يستطيعون به لا حماية قانون الإنصاف ولا ضمان عدالة المساواة، وليصنعوا في نهاية الأمر من المدنيين ومن العسكريين المحكومين بها " ضحايا عدالة التمييز وعدالة الأحكام دون تعليل ".
إن الإصلاح في مجال القضاء والعدالة ليس خُدعَة حَربية، أو عملية مُغَازلة نَتَمتع بلذتها لحظات عَابرة لنعود بعدها لبؤسنا، وليست تَصفية لحِسابات مع مِلفات وقضايا سَاخنة باستعمال المنَاورات السياسية مع المراقبين الدوليين واللعب مع التاريخ وبالرأي العام، بل إنه مسؤولية جمة ومشروع أمة لابد من الإيمان بقيمته وبضرورته، والتأمل في آثاره، مما يفرض علينا الوقوف على ما يثيره المشروع من خلال اشكاليتين بشكل واضح وعَلني، الأولى لماذا انصب الاصلاح على ما له علاقة بالإختصاص فقط دون إصلاح المساطر والإجراءات التي تنتهك أصول المحاكمة العادلة، والثانية تتعلق بقيمة ما أصدرته المحكمة العسكرية إلى اليوم من احكام ضد المدنيين وضد العسكريين في قضايا الحق العام، و بالبحث عن مصير المحكومين، أولئك الذين اتهموا و اعتقلوا و حوكموا وأدينوا بسنوات من السجن باستعمال قانون استثنائي وبنظام عدالة فارغ اجوف من قيم العدالة والإنصاف، ومن طرف قضاة مختلطون يتمتعون بقدرة الإنصات لتعليمات الرؤساء ولأوامر العليين من القادة، ولا بد من انقاذ مدنيين وعسكريين يذوبون في السجون بعد أن حوكموا وأدينوا أمامها، ولا يمكن أن يستمر وضع كهذا دون أن يثير انتباهنا ويفرض ايجاد حل لهم ينهي من معاناتهم، مع ما تتحمله الدولة من مسؤولية جبر ضررهم النفسي والمعنوي والعائلي والإجتماعي.... و تحملها تَبِعات مَا خلفته المحكمة العسكرية وراءها مِن أعْطاب ومن ضجيج سياسي وإعلامي، وما راكمته قراراتها من ضحايا بشرية، فالدولة التي صنعت قضاء استثنائيا عليها أن تجد حلولا استثنائية لمسح عار الأحكام الإستثنائية الصادرة من طرف قضاة لا يشبهون باقي القضاة.