مقدمة:
إن المشاريع والخدمات الاجتماعية شائعة ويتزايد حجمها يوما بعد آخر إلا أن مضمونها وطبيعتها القانونية ليست واضحة بما فيه الكفاية وتتجلى النشاطات الاجتماعية في تقديم خدمات اجتماعية إلى المواطنين وخاصة منهم هؤلاء الذين تضطرهم أوضاعهم المادية للاستفادة من تلك الخدمات، كالنشاط الذي يقوم به التعاون الوطني والجمعيات الخيرية، والأمر لم يعد محصورا في المحتاجين حيث أصبحت هناك نشاطات تنظم لفائدة حتى الفئات ذات الدخل المحترم ومن أمتلثمها الضمان الإجتماعي، والتقاعد والمعاشات...[1]
وقد كثرت هذه الخدمات الاجتماعية خاصة منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك يرجع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ الذي تبنته الأمم المتحدة وكذلك الدساتير الحديثة، وهذه الخدمات وأشباهها تستوجب إحداث مرافق عمومية تقوم بهذا الهدف أو ذاك وهي ما سميت بالمرافق الاجتماعية، وقد كان لقرار مجلس الدولة الفرنسي naliato الدور الأساسي في تحديد طبيعة الخدمات الاجتماعية إلى جانب الإدارية والاقتصادية،[2] وهذه المرافق قد تخضع للتسيير العام وتحكمها قواعد القانون العام أو التسيير الخاص وتخضع للقانون الخاص، وهذه الأخيرة هي التي تهمنا.
فمن المظاهر المألوفة في العصر الحديث قيام الأفراد أو الخواص بإنشاء بعض المؤسسات أو الجمعيات أو اللجان لا بقصد الحصول على الأرباح والنفع المادي لأصحابها وإنما بقصد تحقيق الصالح العام، ويعبر المشرع المغربي عنها بمؤسسة ذات "مصلحة عمومية" أو "منفعة عامة" ومثالها جمعية الهلال الأحمر، المؤسسة العلوية لرعاية المكفوفين الجمعية الخيرية لدفن موتى فقراء المسلمين، وقد تخضع هذه الأشخاص لرقابة قوية من جانب السلطات الإدارية وقد تساهم في تكوينها وقد تتدخل في أعمالها بصورة فعالة أحيانا وتساعدها بالمنح المالية وغيرها وقد تسمح لها باستعمال بعض وسائل القانون العام.[3]
وتتمثل الهيئات الاجتماعية في الجمعيات المكلفة بتسيير مرفق اجتماعي وهي على الرغم من أنها أشخاص قانون خاص فقد عهد لها بمقتضى القانون بمهمة مرفق عام، فقد أكد القضاء طبيعتها الخاصة في مجموعة من الأحكام وتشبه المؤسسات ذات النفع العام المؤسسات العامة في أن كل منهما يؤدي خدمات ذات نفع عام ويتمتع بالشخصية المعنوية، غير أن النوعين يختلفان في نواح أخرى عديدة، فالمؤسسات العامة أشخاص معنوية إدارية تخضع للقانون العام وهي لكونها مرافق عامة تخضع للنظام القانوني الخاص بالمرافق العامة وتتمتع بالمزايا العديدة التي يقرها هذا النظام، أما المؤسسات ذات النفع العام فهي أشخاص معنوية من أشخاص القانون الخاص تخضع في كل شؤونها للقانون الخاص، فأموالها أموال خاصة، وعمالها أجراء يخضعون في علاقتهم بالمؤسسات لقانون الشغل وأعمالها وتصرفاتها مدنية تخضع للقانون الخاص وهذا كله بعكس الحال بالنسبة للمؤسسات العامة.[4]
ونظرا لوجود أوجه التشابه بين النوعين فإن الأمر يختلط إلى درجة يتعذر معها في بعض الأحيان معرفة نوع المؤسسات إن كانت عامة أو خاصة، ومما يزيد في احتمالات هذا الخلط أن الإدارة تتدخل غالبا للإشراف والرقابة على المؤسسات الخاصة في معظم الدول مراعاة للصالح العام، ومظاهر هذا الإشراف وتلك الرقابة تشبه مظاهر الوصاية الإدارية التي تفرض على المؤسسات العامة، فيشترط مجلس الدولة الفرنسي للموافقة على منح الشخصية المعنوية للمؤسسات ذات النفع العام وجوب النص في نظامها الأساسي على عدة بيانات والتزامات وشروط خاصة.[5]
فماهي الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن المؤسسات أو الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي والمعترف لها بصفة المنفعة العامة؟ وما موفق الفقه من ذلك؟ وكيف تعامل القضاء الإداري معها؟ هل يعتبرها قرارات إدارية أم خاصة؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال تحليلنا لموضوع هذا المقال على أن نتطرق لموقف القضاء الإداري من الطبيعة القانونية لقرارات الجمعيات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي والمعترف لها بصفة المنفعة العامة في المطلب الأول وموقف الفقه من هذه القرارات في المطلب الثاني.
المطلب الأول: موقف القضاء الإداري من طبيعة قرارات الجمعيات الخاصة ذات المنفعة العامة.
تهدف الجمعيات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة العامة إلى تقديم الخدمات الاجتماعية للمنتفعين منها[6]، وخاصة الخدمات التي تضمن للمواطنين المعنيين بها مجابهة المخاطر والظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشون في ظلها في المجتمع[7] وتتخد في سبيل تحقيق ذلك مجموعة من القرارات والأعمال القانونية، فما موقف القضاء الإداري من الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عنها؟.
الفقرة الأولى: موقف القضاء الإداري المقارن
أثارت معالجة القضاء الفرنسي لبعض القرارت الصادرة عن الهيئات الخاصة جدلا فقهيا وقضائيا، وإن كان من المسلم به الإعتراف للمرافق العامة الكلاسيكية بسلطة إصدار قرارات انفرادية إدارية فإن الجدل الذي حصل كان حول إمكانية إصدار بعض الهيئات المكلفة بمهمة المرفق العام وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة قرارات انفرادية ذات طبيعة إدارية، وهو الأمر الذي شكل موضوع العديد من النقاشات الفقهية والقضائية وخرقا للمفاهيم الكلاسيكية التي تربط دائما بين مفهوم السلطة الإدارية والقرار الإداري فقد أصبح لزاما على القضاء الفرنسي تبني معايير جديدة لتصنيف أعمال أمثال هذه الهيئات المكلفة بالمرفق العام.
لقد كانت مؤسسات الضمان الاجتماعي بين الحربين العالميتين سببا في إثارة العديد من الإشكالات القانونية والإدارية، حيث لم يعرف في ذلك الوقت هل سيتم تسييرها باستخدام قواعد القانون الخاص أم بقواعد القانون العام؟ وهل سيعهد بتسييرها إلى مؤسسات خاصة أو إلى تنظيمات عامة؟، فمن جهة كان قطاع التأمين يطبق على المأجورين والمقاولات فهو بالتالي من اختصاص القانون الخاص لكن من جهة أخرى فهو يتميز بمجموعة من القواعد والإلتزامات التي يفرضها على المستخدمين والمشتركين وهو حق قانوني وذلك من أجل ضمان حقوق المواطنين وحمايتهم ضد الأخطار الاجتماعية المحتملة وهي قواعد تعود بالأساس إلى القانون العام[8] ، الشيء الذي أدى إلى طرح الطبيعة القانونية لأعمال الصندوق التعاضدي للمساعدة والحماية فمفوض الحكومة "LA TOURNERIE " تبين أن صناديق التأمين الاجتماعي :
ــ مؤسسة مسيرة إداريا طبقا لمقتضيات قانون 01/04/1898 الذي يهم شركات الاتـحاد التضامني وهي هيئات خاصة، لكن المشرع أشار إلى دورها في تحقيق المصلحة العامة، من خلال أنشطتها وارتباطها كذلك بالقانون العام، هكذا فقد أقر مجلس الدولة الفرنسي في حكمه سنة 1938PRIMAIRES AIDE ET PROTECTION CAISSE بأن قرارات الصندوق الأولي للمساعدة والحماية قرارات إدارية، مع التسليم بكونها هيئات خاصة مكلفة بإنجاز وإدارة مرفق عام[9]. يتضح من خلال هذا الحكم أن مجلس الدولة الفرنسي قد أقر بالطبيعة الإدارية للقرارات الصادرة عن المؤسسات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي والمكلفة بمهمة مرفق عام. غير أن الملاحظ هو أن مجلس الدولة الفرنسي قد تراجع عن هذا الموقف بخصوص الهيئات ذات الطابع الاجتماعي ــ وإن كان قد استمر على نفس التوجه بالنسبة للهيئات الأخرى، حكم Monpeurt، حكم Bouguen...ــ حيث أصبح يقر بأن منازعات القرارات الصادرة عن الجمعيات المسيرة لمرفق عام اجتماعي في فرنسا يرجع البث فيها للقضاء العادي، وقد أرسى مجلس الدولة الفرنسي مبادئ هذا الاختصاص منذ صدور حكمه بتاريخ 27 يناير 1951 في قضية caisse mutuelle d’allocation وذلك للاعتبارات الآتية:
- إما لأن المشرع قد تدخل بنصوص معينة وحدد القضاء المختص.
- وإما لأن هذه المرافق تقوم بإدارتها هيئات ذات طبيعة قانونية غير محددة ولكنها قد أنشأت في ظل أشكال قانونية تخضع للقانون الخاص، ولذلك اعتبرها القضاء من أشخاص القانون الخاص تخضع في إدارتها وتنظيمها وأموالها والأشخاص القائمين عليها للقضاء العادي باستثناء المدير والمحاسب والمراقب المالي.
ونفس الأمر أكده مجلس الدولة في قرار SEBIRE حيث جاء في حيثيات الحكم حيث أن السيد SEBIRE قد طلب من المحكمة الإدارية لــ caen إلغاء قرار الجمع العام لجمعية قدماء المحاربين لـ Fauguernon الذي تسبب في سحب مهام سكرتارية الجمعية منه، وعليه فلا يرجع للمحاكم الإدارية البث في الطلب، وأن الطاعن قد أخطأ عندما توجه للمحكمة الغير مختصة، فجمعية قدماء المحاربين تعتبر شخص من أشخاص القانون الخاص والقرارات المتخدة من قبل هيئاتها لا تشكل قرارات إدارية وبالتالي لا يمكنها أن تكون موضوع طعن بالإلغاء للشطط في إستعمال السلطة وعليه فمنازعاتها ترجع للمحاكم العادية.
كما تجدر الإشارة إلى أن الفقيه Marcelwaline قد أفاد في تعليقه بخصوص قضية المراكز الجهوية لمكافحة السرطان (20 نونبر 1961)، أنه إذا كان القضاء قد اعترف لهذه المراكز الجهوية لمكافحة السرطان بطابع المؤسسة الخاصة ذات النفع العام وبالتالي قد تنحى عن البث في نزاعات القرار الصادر عنها في حق الطبيب Bourguet فذلك يرجع لرغبة المشرع الفرنسي في الاعتراف لهذه المراكز بالطابع الخاص وبالتالي خضوع علاقاتها مع مستخدميها للقانون الخاص، هذا ما التمسناه من خلال حيثات الحكم "...حيث أن السيد Bourguet طبيب بالمراكز الجهوية لمكافحة السرطان...قد طعن أمام المحكمة الإدارية بــ Rennes في قرار مدير المركز الذي يهدف لتعديل غير شرعي لطرق ممارسته لمهنته...وحيث أن المراكز الجهوية لمكافحة السرطان مسؤولة عن تسيير المرفق العام وخاضعة حسب قانون 1 أكتوبر 1945 لمجموعة من القواعد التنظيمية تفرض رقابة الإدارة على مختلف أنشطتها... الذي يفسر أن المشرع من خلال القانون أعلاه قد رغب في منح هذه المراكز طابع المؤسسات الخاصة... ومنه فالعلاقات التي تربط المراكز الجهوية بمكافحة السرطان بمستخدميها تخضع لقواعد القانون الخاص، وبالتالي فالنزاع المرفوع من قبل الطبيب Bourguet ضد المركز الجهوي لمكافحة السرطان لايرجع النظر فيه للمحاكم الإدارية".
وقد تبنى القضاء الإداري المصري نفس التوجه حيث قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأن الجمعيات والتعاونيات المشكلة طبقا لأحكام القانون 123 لسنة 1981 لا تعد وفقا لما أراده المشرع في تنظيمها صراحة وضمنها في نصوص القانون المذكور من بين أشخاص القانون العام رغم قيامها بأعمال تتعلق بمرفق صيد الأسماك وهي أعمال ذات نفع عام، رغم ما تباشره الدولة ممثلة في الوزير والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية من رقابة وإشراف ووصاية على أعمالها فكل ذلك لا يخرجها عن طبيعتها التي فرضها المشرع ذاته حيث نص على اعتبارها وحدات اقتصادية اجتماعية صراحة والأثر المترتب عن ذلك هو كون القرارات الصادرة من مجالس إدارة هذه الجمعيات أو من جمعياتها العمومية قرارات خاصة لا تختص بها محاكم مجالس الدولة. غير أن القرارات التي تحتاج إلى تصديق السلطة الوصية فيفصل فيها أمام محاكم مجلس الدولة متى صادقت عليها السلطة الوصية[11].
وفي المقابل ذهبت إلى اختصاصها بالطعن على القرار الصادر من الاتحاد التعاوني الإسكاني المتضمن تغيير مكان انعقاد الجمعية العمومية لإحدى جمعيات الإسكان[12].
انطلاقا مما سبق يتضح أن كل من القضاء الإداري الفرنسي والمصري يتجه نحو استبعاد اختصاصه بخصوص مختلف القرارات الصادرة عن الجمعيات الخاصة ذات المنفعة العمومية، وإن كان قد أقر فيما قبل باختصاصه في ذلك. فما هو موقف القضاء الإداري المغربي بهذا الخصوص ؟ هل تأثر بنظيره الفرنسي والمصري واتجه نحو الإقرار بخصوصية قرارات الجمعيات ذات المنفعة العامة وبالتالي دفع بعدم اختصاصه ؟ أم أنه تبنى موقفا مغايرا خاصا به واعتبرها قرارات إدارية يجوز الطعن فيها أمامه بدعوى الإلغاء؟
الفقرة الثانية: القضاء الإداري المغربي
إذا كان القضاء الإداري الفرنسي والمصري قد استقرا على عدم اعتبار قرارات المؤسسات الخاصة ذات المنفعة العمومية قرارات إدارية، فإن القضاء الإداري المغربي قد اتخد مواقف جد مختلفة فتارة يتبنى نفس التوجه ولا يعترف بالطبيعة الإدارية لقرارات الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي وأخرى يتبنى فيها موقفا مغايرا ويعترف للجمعيات ذات الطابع الاجتماعي بإصدار قرارات من طبيعتها أن تقبل الطعن بالإلغاء أمام القاضي الإداري.
وفي هذا الإطار اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس[13] أن جمعية الأعمال الاجتماعية بوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي لا تتوفر في أعمالها على مقومات القرارات الإدارية وتبقى منازعاتها داخلة في اختصاص القضاء العادي، مما يبقى معه النزاع بجميع أجزائه غير مندرج في لائحة المواضيع المنعقد الإختصاص بشأنها إلى جهة القضاء الإداري ويتعين لذلك القضاء بعدم الإختصاص النوعي للبث في الطلب.
وهو نفس التوجه الذي تبنته المحكمة الإدارية بمكناس[14] في قضية محمد المحمودي ضد تعاونية الأصدقاء وجاء في حيثيات الحكم "... وحيث أنه باطلاع المحكمة على أوراق الملف دأب اجتهادها على الشاكلة الآتية... حيث أنه لانعقاد اختصاص قاضي المستعجلات الإدارية يتعين أن يكون النزاع في الموضوع له صبغة إدارية وأن الثابت من ظاهر الوثائق ومستندات الملف أن النزاع قائم بين المدعي وتعاونية الأصدقاء باعتبارهما من الأفراد العاديين للقانون الخاص ولاتسري عليهما مقتضيات المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم 90/41 ... وحيث أنه نظرا لكون النزاع غير ناتج عن قرارات إدارية أو وليد نشاط إداري يتعلق بمرفق عمومي وإنما هو تصرف صادر عن التعاونية المدعى عليها كأحد أفراد القانون الخاص. ودون الخوض في أساس الإدعاءات صرحت المحكمة الإدارية بعدم الإختصاص.
وقد أكدت المحكمة الإدارية بأكادير[15] في قضية العيون حسن ضد جمعية الفلاح بتاريخ 6/7/2006 على عدم اختصاصها طبقا للقانون 41/90 في المقررات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص وجاء في حيثيات الحكم... وحيث أن اختصاص هذه المحكمة في نازلة الحال رهين بوجود قرار إداري جامع لمقومات القرار الإداري وحيث أنه بالرجوع إلى المقرر موضوع الطعن في نازلة الحال يتبين للمحكمة أنه صادر عن جمعية مؤسسة في إطار ظهير 58-376 المتعلق بتأسيس الجمعيات والتعاونيات، والتي هي مؤسسة تخضع في تصرفاتها لأحكام القانون الخاص الشيء الذي يجعل هذا المقرر لا يرقى إلى منزلة القرارات الإدارية التي تختص المحاكم الإدارية بالنظر فيها طبقا للمادة 8 من قانون 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية.
وحيث يتعين تبعا لذلك التصريح بعدم اختصاص المحكمة نوعيا للبث في موضوع الدعوى...
وفي نفس السياق أكدت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط في قرارها بتاريخ 6/05/2009 بين مدرسة الأخوين بإفران وحسن تناني على عدم اختصاص المحاكم الإدارية بقرارات المؤسسات الخاصة " ... حيث يؤخد من وثائق الملف والحكم المستأنف أن حسن تناني نيابة عن ابنه القاصر سليم قدم بتاريخ 3/3/2008 مقالا للمحكمة الإدارية بمكناس عرض فيه أن ابنه المذكور يتابع دراسته بالمدرسة الأمريكية (المدعى عليها) على مستوى التاسعة إعدادي منذ سنة 1999 ففوجئ بالسيدة مديرة المدرسة تقدم به شكاية من أجل سرقة جهاز عاكس متعدد الإستعمالات وبعد تقديمه للنيابة العامة ومتابعته ... صدر حكم جنحي ... قضى ببراءته والذي أصبح نهائيا بعد استئنافه وأن المدعي عند محاولة تسجيل ابنه لمواصلة دراسته برسم سنه 2007/2008، امتنعت مديرة المدرسة بناء على قرار صادر عن المجلس التأديبي للمدرسة المدعى عليها طالبا إلغاء القرار والسماح لابنه بمواصلة الدراسة...
وبعد الجواب صدر حكم قضى بإلغاء المقرر الإداري بإقصاء التلميذ لتجاوز السلطة مع ما يترتب عن ذلك من أثار قانونية وهو الحكم المستأنف...
حيث أن الظهير رقم 227/93/1 الصادر بتاريخ 10/9/93 المنشأ لجامعة الأخوين نص في مادته 32 : أن جامعة الأخوين لا تخضع لأحكام الظهير الشريف المؤرخ بـ 25/2/75 المتعلق بالنظام الأساسي للتعليم الخاص، ولا بقانون رقم 15/86 بتاريخ 15/10/91 المتعلق بالنظام الأساسي للتعليم الخاص، فهي بذلك تبقى استثناء من نوع خاص ويتمتع مجلس ادارتها حسب المادة 4 بتحديد النظام الأساسي للقائمين بالتعليم والبحث وكذا النظام الأساسي لموظفيها الإداريين، مما يجعلها مؤسسة تعليمية خاضعة لوصاية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وبالتالي فإن ما يصدر عليها من قرارات تأديبية لا تكتسي صبغة قرارات إدارية حتى يمكن الطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء، مما تكون معه المحكمة الإدارية غير مختصة للنظر في الطلب، والحكم المستأنف لما قضى خلاف ذلك جاء غير مؤسس ويتعين إلغاؤه[16].
وفي مقابل هذا التوجيه القضائي الرافض إضفاء الصبغة الإدارية على قرارات المؤسسات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي نجد توجه آخر توجه فريد انفرد به القضاء الإداري المغربي عن نظيره الفرنسي والمصري يعتبر قرارات الجمعيات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي قرارات إدارية يطعن فيها بالإلغاء لتجاوز السلطة أمام قاضي المشروعية.
فابستقرائنا للاجتهادات القضائية في هذا الباب يتضح أن قضائنا الإداري قد اعتمد على طابع المنفعة العمومية لتبرير موقفه، حيث أنه استند على بعض النصوص القانونية التي نصت على هذا النوع من الجمعيات والتي تعترف لها بصفة المنفعة العمومية ومن بينها المادة 9 من قانون الحريات العامة "كل جمعية بأستثناء الأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية المشار إليها في الجزء الرابع من هذا القانون يمكن أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلبا في الموضوع وتجري السلطة الإدارية بحثا بشأن غايتها ووسائل عملها ".
فمن خلال مقتضيات المادة أعلاه نستشف أن المشرع قد اعترف للجمعيات التي ليست لها صبغة سياسية بصفة المنفعة العامة متى اعترف لها بذلك بمقتضى مرسوم.
هكذا فالقضاء الإداري قد ربط صفة المنفعة العامة بالصالح العام لتبرير موقفه، واستند بالإضافة لذلك لاستعمال هذه الجمعيات لوسائل القانون العام كسمة أساسية لاختصاصه، وبالتالي الاعتراف لقرارات هذا النوع من أشخاص القانون الخاص بالطبيعة الإدارية وهذا ما لمسناه من خلال حكم المحكمة الإدارية بمراكش[17] المتعلق بالسيد الهاري ضد معهد أبي العباس السبتي بمراكش التابع للمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين، وتتلخص وقائع القضية في أن أحد التلامذة المكفوفين كان يتابع دراسته بالقسم الداخلي بمعهد أبي العباس السبتي بمراكش التابع للمنظة العلوية لرعاية المكفوفين وقد اجتاز السنة الثامنة من التعليم الإبتدائي خلال الموسم الدراسي 2001/2002 بتفوق إلا أنه فوجئ أثناء توصله بنتيجة آخر السنة بفصله من القسم الدراسي للمؤسسة وذلك بناء على القرار الصادر بتاريخ 18 يونيو 2002 عن المجلس التأديبي لمعهد أبي العباس السبتي بمراكش بصفة نهائية مع السماح له بمتابعة دراسته بمؤسسة أخرى بعلة سوء السلوك والعنف اتجاه الطاقم الإداري والمدير والاعوان وحراس القسم الداخلي والخارجي والإعتداء الشنيع على أحد حراس الداخلية وتهديده بالسلاح الابيض دون أن يكون المجلس التأديبي المذكور قد انبثق عن المجلس الداخلي كما ينص عليه القانون، وهكذا قد طعن الطاعن وهو أب الطفل المكفوف في قرار الفصل أمام المحكمة الإدارية بمراكش والتي اعتبرت قرارات المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء، وقد بررت موقفها بكون المنظمة تتمتع بصفة المنفعة العمومية بموجب مرسوم، وسهرها على تسيير نشاط مرفق إدماج المكفوفين في المجتمع واستعمالها في ذلك وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة وجاء في حيثيات الحكم "... وحيث إن كان القضاء الإداري قد تجاوز الإقتصار على المعيار العضوي لتحديد القرار الإداري وأصبح يعتمد على المعيار المادي والموضوعي في تحديده، فإن القرار الإداري لم يعد هو ذلك القرار الصادر فقط عن السلطة الإدارية، وإنما أصبح كذلك يشمل كل قرار صادر عن هيئة خاصة مكلفة بتأدية مهمة المرفق العام ومتمتعة في ذلك ببعض امتيازات القانون العام ... وحيث لئن كانت المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين التابع لها معهد أبي العباس السبتي الصادر عنه القرار المطعون فيه من أشخاص القانون الخاص فإن الاعتراف لها بصفة المنفعة العمومية بمرسوم ملكي رقم 68/338 بتاريخ 3/9/68 وكذا سهرها على تسيير نشاط مرفق عمومي وهو مرفق إدماج المكفوفين في المجتمع كمواطن يتمتع بنفس حقوق وواجبات باقي المواطنين في جميع المرافق، التعليم، الصحة، التشغيل. واستعمالها في ذلك وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة يجعل القرارات التي تتخدها اُثناء تنفيدها مهام المرفق العام قرارات إدارية يمكن الطعن فيها أمام قاضي الإلغاء....
ونفس الأمر أكدته محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش[18] في قرارها بين مؤسسة الاعمال الاجتماعية لوزارة التجهيز والنقل، حيث أكدت على أن القرارت الصادرة عن أشخاص القانون الخاص تعتبر إدارية إذا كانت تتولى تسيير وإدارة مرفق عام وصدرت في إطار النشاط المتعلق بتدبير المرفق العام باستخدام أساليب القانون العام وامتيازات السلطة العامة باستثناء القرارات التي تهم تطبيق النظام الداخلي والصادرة في إطار هذا النظام لأنها إنما تهم الشخص نفسه كشخص خاص وليس المرفق العام الذي يتولى تسييره ــ القاعدة ــ وجاء في حيثيات القرار " حيث أنه من التابث من القانون الأساسي لمؤسسة الاعمال الإجتماعية لوزارة التجهيز والنقل والنظام الداخلي لها ومن باقي الوثائق الأخرى أن هذه المؤسسة تخضع لأحكام الظهير الشريف رقم 376/58/1 الصادر بتاريخ 15/11/1958 المتعلق بالحريات العامة وتأسيس الجمعيات، وأنها معترف بها ذات منفعة عامة طبقا للمرسوم رقم2/90/350. وأنها تهدف للنهوض بالتعاون في الميدان الاجتماعي وتنميته بين موظفي الوزارة والمصالح العامة والجمعيات المماثلة ...
وحيث استقر القضاء الإداري على اعتبار القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص قرارات إدارية إذا كانت تتولى تسيير وإدارة مرفق عام وصدرت في إطار النشاط المتعلق بتدبير المرفق العام باستخدام أساليب القانون العام وامتياز السلطة العامة، باستثناء القرارات التي تهم تطبيق النظام الداخلي والصادرة في إطار هذا النظام لأنها إنما تهم الشخص نفسه كشخص خاص وليس المرفق العام الذي يتولى تسييره...
وحيث لئن كان تأطير المؤسسة المستأنفة بمقتضى الظهير الشريف رقم 376/58/1 الصادر بتاريخ 15/11/1958 المتعلق بالحريات العامة وتأسيس الجمعيات المذكور لا يخرج قرارتها عن الطابع الإداري باعتبارها تتولى تسيير وإدارة مرفق عام..."
إذن وانطلاقا مما سبق يتضح أن هناك بعض التوجهات للقضاء الإداري المغربي نحو إضفاء الصفة الإدارية للقرارات الصادرة عن الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي متى ارتبطت بتسيير مرفق عام باستخدام وسائل القانون العام، وبهذا يكون القضاء الإداري المغربي قد تبنى توجها خاصا به مخالفا بذلك نظيره المصري والفرنسي اللذان يعتبران هذه القرارات قرارات خاصة يهتم بها القضاء العادي.
وهذا ما أكده الأستاذ الميلودي بوطريكي[19] في تعليقه على حكم المحكمة الإدارية بمراكش ــ أعلاه ــ حيث اعتبر أن حكمها جاء ليعزز الاجتهادات القضائية السابقة التي تضفي صفة القرار الإداري على قرارات أشخاص القانون الخاص ــ واستدل بقرارات للمجلس الأعلى اعترف فيها بصفة القرار الإداري لقرارات الجامعات الرياضية ــ ومن تم توحيد الاجتهاد القضائي في هذا الموضوع في نظره.
غير أن الأستاذ حميد ولد البلاد[20] لا يتفق مع هذا التوجه فيرى أنه لايمكن بأي حال من الأحوال الاعتراف لقرارات الجمعيات ذات المنفعة العامة بالطابع الإداري، لأن المنفعة العمومية الممنوحة لها لا تخولها سوى الاستفادة من بعض الامتيازات الجبائية والمساهمات المالية ولا تخولها صفة السلطة العامة حتى تصدر قرارات إدارية.
ونحن نؤيد توجه القضاء الإداري المغربي المعترف بصفة القرار الاداري لقرارات هذه الهيئات لأن القضاء قد تجاوز المعيار العضوي وبدأ يأخد بالمعيار المادي، فلا يمكن اعتبار قرارات مرتبطة بمرفق عام وتظهر فيها امتيازات السلطة العامة غير إدارية فقط لأنها صادرة عن شخص من أشخاص القانون الخاص دون البحث في موضوع القرار ومعرفة ما إذا كان يتعلق بعمل إداري تظهر فيه امتيازات السلطة العامة أم لا.
ومن هنا وجب التساؤل عن موقف الفقه من طبيعة قرارات الجمعيات ذات المنفعة العمومية؟ هل يعتبرها قرارات إدارية تدخل في اختصاص القاضي الإداري أم قرارات خاصة يختص بها القضاء العادي ؟.
المطلب الثاني: موفق الفقه من الطبيعة القانونية لقرارات الجمعيات ذات المنفعة العمومية.
لقد استقر الفقه سواء المغربي أو المقارن على اعتبار الجمعيات ذات المنفعة العمومية جمعيات أو مؤسسات خاصة والقرارت الصادرة عنها قرارات غير إدارية تدخل في اختصاص القضاء العادي.
الفقرة الأولى: الفقه الفرنسي والمصري.
في الواقع موقف الفقه لم يتعارض مع موقف القضاء الإداري الفرنسي أو المصري؛ بحيث أكد أن مجمل القرارات الصادرة عن الجمعيات ذات المنفعة العمومية لا تعتبر قرارات إدارية، وبالتالي لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء، وعلى رأس هؤلاء الفقهاء نجد الفقيه "سليمان محمد الطماوي"؛ حيث أفاد في هذا الصدد على أن "الهيئات الخاصة ولو كانت متمتعة بالشخصية المعنوية أو اعتراف لها بصفة النفع العام، فلا تقبل الدعوى بطلب إلغاء قراراتها.[21]
وهو نفس التوجه الذي تبناه الأستاذ "عبد الغني بسيوني"؛ حيث ميز ما بين الهيئات الخاصة المتمتعة بسلطات أشخاص القانون العام، التي تعتبر قراراتها إدارية، والتي لا تعتبر قراراتها إدارية، ومن بين الهيئات التي لا تعتبر قراراتها إدارية هي الهيئات الخاصة ذات النفع العام؛ بحيث أكد الفقيه على أن هذه القرارات لاتقبل الطعن بالإلغاء، وقد برر موقفه بما قضت به المحكمة الإدارية العليا بشأن مستشفى المساواة بالإسكندرية؛ إذ حكمت بأن، "مستشفى المساواة مؤسسة خاصة ذات نفع عام وبذلك تكون قرارات مديرها ليست من القرارات الإدارية التي يختص مجلس الدولة بنظرها، وبالتالي يكون طلب إحدى الممرضات إلغاء قرارات فصلها من المنازعات الخارجة بطبيعتها عن اختصاص القضاء الإداري الذي حدده القانون.[22]
كما اعتبر الأستاذ عبد العزيز عبد المنعم خليفة أن قرارات الجمعيات لا تدخل ضمن القرارات الإدارية لكونها من المؤسسات الخاصة التي لا تصدر قرارات إدارية وبالتالي يدخل الإختصاص بنظر ما يثور حولها من نزاع في اختصاص القضاء العادي.[23]
ونفس التوجه تبناه الأستاذ مهنا فؤاد[24]، حيث اعتبر جميع أعمال وتصرفات الجمعيات ذات المنفعة العمومية تخضع للقانون الخاص وتدخل في اختصاص القضاء العادي.
وقد سار الفقه الفرنسي في نفس التوجه حيث اعتبر الفقيهان waline و del aubader أن المؤسسات ذات النفع العام رغم كونها تهدف تحقيق المصلحة العامة فتبقى مؤسسات خاصة لا تصدر قرارات إدارية.[25]
كما أكد الفقيه hascdebb والفقيه a.bricht و g.souki على أن المؤسسة ذات المنفعة العامة تعتبر شخصا معنويا من أشخاص القانون الخاص وبالتالي لا يختص مجلس الدولة بنظر القرارات الصادرة عنها.[26]
يتضح إذا أن كل من الفقه الفرنسي والمصري يتفقان على اعتبار الجمعيات الخاصة ذات المنفعة العمومية أشخاص خاصة تخضع للقانون الخاص واختصاص القضاء العادي، ولايمكن في أي حال من الأحوال اعتبار قراراتها إدارية يختص بها القضاء الإداري فما هو موقف الفقه المغربي ؟ هل سارفي نفس الإتجاه ؟ أم اتخد موقفا خاصا به.؟
الفقرة الثانية: الفقه المغربي
لقد سار الفقه المغربي في نفس التوجه الذي تبناه نظيره الفرنسي والمصري، فالأستاذ محمد المرغيني نفى صفة القرار الإداري عن القرارات الصادرة عن الجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية، حيث جاء في صريح كتاباته "ومن الظاهر والمألوف في العصر الحديث قيام أفراد أي الخواص بإنشاء بعض المؤسسات أو الجمعيات واللجان لا بقصد الحصول على الأرباح والمنافع المادية لأصحابها وإنما بقصد تحقيق الصالح العام، وتعرف هذه المشروعات في الفقه بإسم "المؤسسات ذات النفع العام" والتي يعبر عنها المشرع المغربي بمؤسسات ذات مصلحة عمومية...وبالرغم من أن هذه الأشخاص تخضع لرقابة قوية من جانب السلطات الإدارية وقد تساهم في تكوينها وقد تتدخل في أعمالها بصورة فعالة، أحيانا تساعدها بالمنح المالية وغيرها وقد تسمح لها باستعمال بعض وسائل القانون العام، إلا أنها رغم كل هذا لا تعتبر من السلطات الإدارية ولا يجوز الطعن في المقررات الصادرة عنها بدعوى الشطط وإن جاز الطعن فيها بالدعاوي الأخرى أمام المحاكم العادية.[27]
وهو نفس التوجه الذي تبناه الأستاذ أحمد بوعشيق، حيث اعتبر أن المرافق العامة الإجتماعية ذات التسيير الخاص ــ يقصد بها المؤسسات الخاصة ذات المنفعة العمومية ــ تخضع في منازعاتها للقضاء العادي واستدل بحكم مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27 يناير 1951 في قضية CAISSE MUTUELLE D’ALLOCATION والتي من خلالها أرسى مجلس الدولة الفرنسي مبادئ هذا الاختصاص وذلك للاعتبارات الآتية:
- إما أن المشرع قد تدخل بنصوص معينة وجعل هذا القضاء من اختصاص المحاكم العادية.
- وإما لأن هذه المرافق تقوم بإدارتها هيئات ذات طبيعة قانونية غير محددة ولكنها قد أنشأت في ظل أشكال قانونية تخضع للقانون الخاص، ولذلك اعتبرها القضاء من أشخاص القانون الخاص تخضع في إدارتها وتنظيمها وأموالها والأشخاص القائمين عليها للقضاء العادي باستثناء المدير والمحاسب والمراقب المالي.
[28]
وقد أكد الأستاذ عد القادر باينة على أن القرارت الصادرة عن الجمعيات ــ بدون استثناء هي قرارات خاصة مثل القرارات التي قد يتخدها الأفراد في حياتهم اليومية، تخضع للقانون الخاص ويختص بها القضاء العادي الذي يطبق قواعد القانون الخاص، ولايمكن أن تعرض على القضاء الإداري قصد إلغائها عن طريق دعوى الإلغاء، واستدل بقرار المجلس الأعلى الذي اعتبر قرارات الرابطة الإسرائيلية، التي هي جمعية خاصة، قرارات غير إدارية، وبالتالي لايمكن أن تعرض على المجلس الأعلى في نطاق دعوى الإلغاء.[29]
كما اعتبرها ــ الجمعيات ذات المنفعة العامة ــ الأستاذ محمد يحيى[30] من الهيئات الخاصة التي لايمكن اعتبارها من أشخاص القانون العام رغم وجود مهمة المرفق العام ومن تم تخضع منازعاتها للقضاء العادي.
وقد أكد الأستاذ عبد الله حداد[31] ، أن المرافق العامة الإجتماعية قد تنظم بأسلوب الإدارة العامة ــ كالمؤسسات العمومية ــ وتدخل منازعتها في اختصاص القضاء الإداري ويمكن أن تنظم بأسلوب الإدارة الخاصة ــ كالجمعيات ذات المنفعة العامة ــ فيطبق عليها القانون الخاص وتكون منازعاتها خاضعة لولاية القضاء العادي، وانطلاقا مما سبق يتضح على أن كل من الفقه الفرنسي والمصري والمغربي يتفق على أن قرارات الجمعيات أو المؤسسات الخاصة ذات المنفعة العمومية هي قرارات خاصة تطبق عليها قواعد القانون الخاص ويختص بها القضاء العادي.
ونحن لا نساير هذا التوجه فقد كان على الفقه أن يميز في قرارات هذه الجمعيات، بين القرارات التي تظهر فيها امتيازات السلطة العامة والمتعلقة بتنفيد مهمة المرفق العام ــ ما دام قد سلم بأن هذه الجمعيات مكلفة بمهمة مرفق عام، وإمكانية تخويلها بعض امتيازات السلطة العامة ــ فهذه القرارات قرارات إدارية يطعن فيها أمام القضاء الإداري طبقا للمعيار الموضوعي، والقرارات المتعلقة ببعض أمورها الخاصة ــ قرارات التنظيم الداخلي، والقرارات المتعلقة بأعضائها والتي لا تظهر فيها امتيازات السلطة العامة فهذه القرارات هي قرارات خاصة تخضع للقانون الخاص وتدخل في اختصاص القضاء العادي وهو ما أكده الأستاذ محمد المنتصر الداودي حيث أكد على أنه يمكن الاستنتاج من طبيعة الهدف المتوخى من طرف جمعية ومن عناصر ومعطيات سيرها، ومصادر تمويلها وطبيعة الأجهزة المسيرة لها أنه يمكن تكييفها كشخص من أشخاص القانون العام، فمادامت مكلفة بمهمة مرفق عام وتتصرف تبعا لذلك كأشخاص قانون عام فهي تخضع في إطار هذه المهمة لمراقبة القضاء الإداري، وبالتالي فإن قراراتها هي قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة أمام قاضي المشروعية.[32]
انطلاقا مما سبق نخلص إلى أنه يمكن للجمعيات الخاصة ذات الطابع الاجتماعي والمعترف لها بصفة المنفعة العامة – رغم الاختلافات الفقهية والقضائية – إصدار قرارات انفرادية تأخذ صفة القرار الإداري متى ارتبطت بمرفق عام وظهرت فيها امتيازات السلطة العامة وكانت تهدف إلى تحقيق النفع العام.
الهوامش
- عبد الرحمان البكريوي "الوجيز في القانون الإداري المغربي" مطبعة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ، 1995 ، ص،271.[1]
- نفس المرجع، ص،272.[2]
- محمد مرغيني "المبادئ العامة للقانون الإداري المغربي"، مكتبة الطالب، الطبعة الرابعة، ص،417.[3]
- محمد فؤاد مهنا "الوجيز في القانون الإداري" مؤسسة المطبوعات الحديثة،1961_1980 ،ص،110.[4]
- محمد فؤاد مهنا، نفس المرجع ،ص،110.[5]
- مليكة صروخ: "نظرية المرافق العامة الكبرى" ، مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة 2001 ، ص، 42. [6]
- نواف كتعان: "القانون الإداري" ، الكتاب الاول ،دار الثقافة للنشر والتوزيع 2006 ، ص،328-329. [7]
[8] - P. delvolve, b, genvois, m. long. P. Weil : “les grands arrêt de la jurisprudence administrative”,dall0Z , 12éme éd. 1999, p, 120
- أحمد بوعشيف "المرافق العامة الكبرى" مرجع سابق، ص،73.[9]
- رأفت فودة، دروس في قضاء المسؤولية الإدارية، دار النهضة العربية،1993 ،ص، 91.
مذكور لدى أحمد بوعشيق "المرافق العامة الكبرى" مرجع سابق، ص77.[10]
مذكور لدى أحمد بوعشيق "المرافق العامة الكبرى" مرجع سابق، ص77.[10]
[11]- الطعن رقم 1450 لسنة 33 ق جلسة 7/2 /1993 مذكور لدى محمد ماهر أبو العينين "دعوى الإلغاء والطلبات المستعجلة أمام محاكم مجلس الدولة في بداية القرن 21 "، الطبعة السادسة 2004 ص33.
- الدعوى رقم 4243 السنة 39 ق جلسة20/2/1990 مذكور لدى محمد ماهر أبو العينين نفس المرجع،ص26.[12]
- المحكمة الإدارية بفاس، حكم رقم 558 بتاريخ 10/02/1999 ملف رقم 623غ/97 مذكور عند عبدالله حداد "دليل الدعوى غير الإدارية في [13] القانون المغربي" مرجع سابق ، ص163-167.
[14]- المحكمة الإدارية بمكناس، حكم رقم9/99/1س بتاريخ02/03/1999 ملف استعجالي رقم 7/199/1 س مذكور لدى عبدالله حداد "دليل الدعوى غير الإدارية في القانون المغربي " مرجع سابق، ص167-170.
- المحكمة الإدارية بأكادير، حكم رقم 157-2006 بتاريخ 6/07/2006 ملف عدد 62-2005غ، غير منشور. [15]
نفس التوجه تبنته المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم 1009 بتاريخ 12 أكتوبر 2004 ملف رقم 335/03غ، غير منشور.
نفس التوجه تبنته المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم 1009 بتاريخ 12 أكتوبر 2004 ملف رقم 335/03غ، غير منشور.
- محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط: قرار عدد 877 بتاريخ 6/5/2009 ملف عدد 347/08/5 ، غير منشور.[16]
- المحكمة الإدارية بمراكش، حكم رقم 54 بتاريخ 5/5/2005 ملف رقم 23/3/2005غ . منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 100 يناير فبراير 2006، ص191.[17]
- محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش، قرار رقم 199 بتاريخ 30 أبريل 2008 ملف رقم 08/2/1 غير منشور.[18]
[19]-أنظر: الميلودي بوطريكي "هل يمكن الحديث عن وفاة المعيار العضوي لتحديد القرار الإداري "المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 73-72 يناير أبريل2007 ص 174-173.
- مقابلة أجريت مع الاستاذ حميد ولد البلاد "مستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط" بتاريخ 14/7/2010.[20]
- محمد سليمان الطماوي: القضاء الإداري، فضاء الإلغاء، دار الفكر العربي 1976، ص،449. [21]
- بسيوني عبدالله عبد الغني: القضاء الإداري، قضاء الإلغاء، منشأة المعارف بالإسكندرية دار الهدى، 1997، ص،53.[22]
- أنظر : عبد العزيز عبد المنعم خليفة "القرارات الإدارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة" دار الفكر الجامعي2007، ص،343. [23]
- محمد فؤاد مهنا "الوجيز في القانون الإداري " مؤسسة المطبوعات الحديثة 1961-1980، ص،110-116.[24]
- نفس المرجع ، ص،111.[25]
- أنظر: جورج قوديل، بييار دلقولقيه "القانون الإداري" الجزء الثاني ،المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع،الطبعة الاولى2008، ص،497.[26]
- محمد مرغيني "المبادئ العامة للقانون الإداري المغربي" مكتبة الطالب،الطبعة الرابعة1984، ص،217.[27]
- أنظر: أحمد بوعشيق "المرافق العامة الكبرى" دار النشر المغربية الطبعة الثامنة 2004، ص،76-77.[28]
- عبد القادر باينة "تطبيقات القضاء الإداري بالمغرب"، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى1988 ، ص،30-31.[29]
- أنظر محمد يحيى "المغرب الإداري" مطبعة أسبارطيل، طنجة، طبعة 2004.[30]
- أنظر: عبد الله حداد "الوجيز في قانون المرافق العمومية الكبرى"، منشورات عكاظ ، ص،50-51.[31]
- محمد المنتصر الداودي "الإشكاليات القانونية والواقعية في اختصاص القضاء الإداري" ،دار القلم،الطبعة الاولى 2005، ص17.[32]