نشرت الصحف الوطنية خبرا مفاده أن القضاء المغربي تلقى ضربة جديدة من ولاية تكساس الأمريكية، إذ رفضت محكمتها قبول حكم صادر عن القضاء المغربي في قضية لها علاقة بملف تالسنت لأنها خلصت إلى أن العدالة المغربية غير مستقلة .
استندت المحكمة في حكمها على ثلاث حيثيات رئيسية أولها تقرير صادر من جهة تتبع النشاط القضائي في بلادنا ، والثانية تصريح رسمي لوزير كان يتقلد مسؤولية حقيبة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، وثالثها الوقفات الاحتجاجية للقضاة وإمضاء عريضة تحمل مئات التوقيعات وتندد بعدم استقلال السلطة القضائية.
وقبل الخوض في مناقشة هذا الخبر، أو هذه الضربة الموجعة، نقول إذا كان الذهب الأسود قد جر على أصحابه الثروة والغنى، فإن مجرد خبر البحث والتنقيب عن هذه المادة في الأراضي المغربية، جر علينا سيلا أسود من الأكاذيب والتضليل، ونشر أخبار مزيفة عن نتائج البحث والتنقيب. أخبار لا أساس لها من الصحة، وتكرر هذا السيناريو ثلاث مراث، وفي عهد المغفور له جلالة الحسن الثاني طيب الله مثواه وفي عهد جلالة الملك محمد السادس.
وكما نشرت الصحف الوطنية، فإن المحكمة لم تتطرق لموضوع الدعوى ، و لم تغص في تفاصيلها، ولم تحترم حق الدفاع، ولم تعر أي اهتمام لأفعال النصب والغش اللذين ارتكبهما المدعي الذي قدم طعنا ضد الحكم المغربي ، بل اكتفت كما قيل بما شهد به أهلها.
وفي إطار التعليق على هذا الحكم، نقول أننا نتحمل كامل المسؤولية إذا فقد القضاء الأجنبي ثقته بالقضاء المغربي، فيكفي الرجوع إلى ما نشرته الصحف المغربية منذ أزيد من سنة عن الحرب الضروس القائمة بين جماعة من القضاة ووزارة العدل والحريات، في موضوع كان يمكن حله بوسائل تحافظ على هيبة القضاء المغربي، وبفتح حوار حضاري تقارع فيه الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، والبعد عن تبادل الاتهامات والتهديدات، والاقتناع بأن العالم برمته يتابع ما يجري ويسجل المواقف، ويراكم المعلومات لاستخدامها عند الحاجة.
لقد نشرت الصحف نتائج ما توصل إليه المجلس الأعلى للقضاء، والعقوبات التي أنزلها، من طرد، وإحالة على التقاعد، والتوقيف، والتوبيخ والإنذارات وعقوبات توحي للمتتبع من المهتمين خارج المغرب، بأن الجسم القضائي جسم عليل ، مع أنه كان يمكن أن تكون هذه المحاكمات التأديبية ذات طابع سري، شأنها شأن المحاكمات الزجرية التي تجري بصفة سرية، حفظا لعدة مصالح وخاصة سمعة البلاد.
وفي اليوم نفسه، وعلى صفحات تلك الجرائد، نشر خبر أخر يزيد الطين بلة، ويشكك في مرفق آخر من مرافق الدولة، والخبر هو أن وزير العدل والحريات يعلن الحرب على (الشهادات الطبية) سواء الصادرة من قطاع الصحة العمومي، أو من القطاع الخاص للصحة ، وأن القضاء يعتمد تلك الشهادات ويحكم بالإدانة دون أن يتأكد من صحة المعلومات الواردة في الشهادات الطبية.
وسبق لنا أن نشرنا مقالا على صفحات هذه الجريدة و لفتنا النظر لهذا المشكل، وذكرنا بمنشور لوزارة العدل صدر أيام المرحوم الوزير مصطفى العلوي، بحيث أن الوزير الحالي لم يأت بجديد وكان يكفي التذكير دون شن حرب أو هجوم .
نرجع لحيثيات الحكم الأمريكي الذي اعتمد على تصريح وزير مغربي قال فيه : (استقلال القضاء لم يعد بعد واقعا اليوم ). لنقول إنه يجب على الوزير السابق صاحب التصريح أن يبين موقفه من التصريح المنسوب إليه، فإن كان التصريح افتراء وعبارة عن أخبار مزيفة، فعليه أن يتخذ ما تنص عليه قوانين الصحافة في جميع أنحاء العالم ويطلب فتح متابعة ، ولا شك أن معهد the brookigs institute يحتفظ بالتسجيل الكامل لتلك المحاضرة .
يجب على المسؤولين المغاربة وهم يقومون بمهامات خارج المغرب أن يقللوا من التصريحات ، والوقوف أمام الكاميرات ، وأن يكون التصريح عند الضرورة مقتصرا على المهمة التي يقوم بها ذلك المسؤول وليس تقديم عرض أو تقييم عن أوضاع البلاد ونشاط جهة أخرى احتراما لمبدأ فصل السلط ، وليس من اختصاص وزير الخارجية وهو من السلطة التنفيذية أن يقيم أعمال السلطة القضائية.
أما بالنسبة إلى الوقفات الاحتجاجية للقضاة فيمكن أن يتخذ الاحتجاج نمطا آخر كان قد عبر عنه جلالة المغفور له الحسن الثاني وذلك بوضع شريط ذي لون خاص يرمز إلى التذمر من حالة يشتكي منها القضاة .
موقف المحكمة الأمريكية يجب ألا يمر مرورا عابرا، لأن له انعكاسات خطيرة، وسيصبح ذلك الحكم عبارة عن سابقة، وأتساءل هل من الممكن أن يتخذ المغرب إجراء امام تلك المحكمة ويطلب مثلا إعادة النظر فيه، لأنه بني على وقائع مادية خارجة عن نطاق النزاع وتعد شأنا داخليا وبالتالي يجب على الأمريكي المحكوم عليه، أن يذعن لحكم القضاء المغربي، وأن يؤدي التعويض الذي حكمت به المحكمة وقدره 123 مليون دولار مع الفوائد القانونية إلى غاية يوم التنفيذ.