MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




هل فعلا القاعدة القانونية عامة ومجردة

     

د / العربي محمد مياد



هل فعلا القاعدة القانونية عامة ومجردة

    أتذكر ونحن طلبة بالسنة الثانية من الدراسات العليا قانون خاص بكلية الحقوق بالرباط، أن أستاذنا الدكتور سامي النصراوي ، طرح علي سؤال شفوي في مادة الجرائم الاقتصادية حول الفرق بين مضمون الفقرة الأولى من الفصل 8 من القانون رقم 008.71 يتعلق بتنظيم الأثمان ومراقبتها وبشروط امساك المنتوجات والبضائع وبيعها الصادر في 12 أكتوبر 1971، والفقرة الثانية منه. فكانت اجابتي ألا فرق جوهري بينهما، غير أنه لم يتوان عن معاتبتي وقال لي "إن المشرع لا يعبث". وبمعنى أدق أعمال المشرع منزهة عن العبث. وهذا ما أمنت به وقد مر على الواقعة  السنون الطويلة.

      أم في الوقت المعاصر فالاعتقاد السائد لدي بأن كل شيء نسبي في الحياة التشريعية . ذلك أنه أمام الاسهال التشريعي الذي نعيشه  حاليا ، و كثرة التعديلات المدخلة على جل القوانين الحديثة، وتعديلات التعديلات التي تكاد تمس أهم النصوص القانونية الاستراتيجية والماسة بحقوق الإنسان تجعل الباحث يتوقف من أجل استجماع مجهوده الفكري والذهني لكي يواكب  كل  التعديلات المبررة والظرفية التي قد يصادق عليها نفر من البرلمانيين .
   ولنا في كل من المسطرة الجنائية والقانون الجنائي اسوة سيئة، ذلك أنه ما فتئت التعديلات والتتميمات تتناسل في كل فترة وحين،  كان آخرها القانون رقم 73.15 القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 18 يوليو 2016 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 غشت 2016.

    ولن أودع سرا إذا قلت،  بأنه منذ مدة صمت عن متابعة هذا الإسهال القانوني إلا ما تعلق بالقوانين المرتبطة بالعقود والعقار بحكم التخصص ، والباقي  مرهون بتوضيح الرؤي بخصوص الفلسفة العقابية والتجارية والاجتماعية  التي تريد الدولة نهجها على الأقل على مدى المتوسط.
   ولكن الغريب أن هذه العدوى قد انتقلت كذلك إلى السلطة التنظيمية، وفي هذا الصدد أذكر كمثال حديث إقدام الحكومة على اصدار مرسوم بتاريخ 18 يوليو 2016 بتحديد تعريفة وجيبات المحافظة العقارية ، الذي سبق لنا دراسته في الصفحة القانونية  لجريدة العلم الغراء ، وقد نصت المادة الخامسة منه على أنه " يعمل بمقتضاه بعد انصرام 15 يوما من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ."

    وقد تم نشر هذا المرسوم بتاريخ 21 يوليوز 2016 بالجريدة الرسمية ، وبالتالي  من المفروض أن يصبح ساري المفعول عمليا  يوم 8 غشت 2016 بحكم أن يومي 6 و 7 غشت صادفا السبت والأحد وهما يومي عطلة إدارية في المغرب.

لكن  الحكومة  أصدرت مرسوما تعديليا تحت رقم 2.16.645 بتاريخ 29 يوليوز 2016 منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ فاتح غشت 2016 ، بتغيير المرسوم أعلاه ، مفاده تغيير المادة الخامسة  بشكل يجعل  تعريفة وجيبات المحافظة الجديدة لا تسري إلا ابتداء من فاتح نونبر 2016 عوضا عن 8 غشت 2016.وذلك بمبادرة من وزارة الفلاحة والصيد البحري ومن ورائها الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
     ولا غرو أن الحكومة  لم تقدم على هذا التعديل عبثا وإنما لأهداف غير معلنة وفي غياب الحق في المعلومة التي أقرها الدستور، نعتقد بأنه جاء  بناء على ضغوط من بعض  محرري العقود ، ولا سيما الموثقين العصريين وبدرجة أقل العدول أو المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض ، بدعوى أنه من غير المستساغ المطالبة بأداء وجيبة المحافظة العقارية الجديدة على تصرفات  في طور الإنجاز مع منح هؤلاء 15 يوما فقط من تاريخ النشر ، والكل يعلم بأن التوصل بالجريدة الرسمية لا يتم في يومه  بالنسبة لفئة غير قليلة من المهنيين القاطنين خارج العاصمة ، ناهيك عن أن النشر في موقع الأمانة العامة للحكومة  لا يباشر إلا بعد مرور بعض الأيام على النشر الورقي .

    والحاصل أنه حسب علمي، لم يحدث في تاريخ الترسانة التنظيمية المغربية أن تم تعديل مرسوم أو قرار إداري حتى قبل أن يصبح ساري المفعول، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا بصدد الإجهاز على المفاهيم القانونية التي تلقيناها ونحن طلبة شباب ،  ونلقنها  للأجيال الشابة بعد أن هرمنا بأن " القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة "  لنتخوف من أن تصبح " قاعدة قانونية نسبية وتحت الطلب " ./.
 



السبت 10 سبتمبر 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter