يعتبر احترام الحق في المحاكمة العادلة كما جاء في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان .دليل على صحة النظام القضائي الجنائي في بلد ما ، ودليل مستوى احترام حقوق الإنسان وعدم احترام هذا الحق يمكن أن يؤدي إلى ظلم وحيف النظام القضائي الجنائي في ذلك البلد ، ودليل على انتهاك صارخ لحقوق الإنسان .
فالكل يعلم أن موضوع العدل البشري ناهيك عن واقع نسيبته، فأمر تحقيقه، بل طريقة تصوره لا يمكن ان تكون واحدة ، مادام أن العدل يقتضي إحقاق الحق وإعلان الحقيقة، واكتشاف هذه الأخيرة رهين بالمحاكمة التي لا تتطلب فقط من القاضي تطبيق القانون ، بل تفعيله والعمل على الاجتهاد في تكييفه مع واقع متغير، ولعلها الحقيقة الأولى التي تعطي للمحاكمة العادلة أكثر من مفهوم(1).
فقانون المسطرة الجنائية باعتباره مبدئيا " إطار الأمان " والذي يعول عليه لتحقيق المحاكمة العادلة في جانبها الزجري أمام مشكل جوهري يتعلق بالبحث عن توازن مرضي بين مصلحة المجتمع في توقيع عقاب عادل ضد المذنبين، ومصلحة الفرد المتابع ، سواء كان مذنبا أم لا ، في إمكانية الدفاع عن نفسه ، صعوبة مثل هذه المهمة التوفيقية هي التي تبرر وبشكل ملموس استمرار البحث عن التقنيات الكفيلة بتحقيق المحاكمة العادلة في كل بلدان العالم.
وفي سياق الاوراش الكبرى المرتبطة بإصلاح منظومة العدالة لملائمتها مع ما تنص به المواثيق الدولية خصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 وما جاءت به منظمة العفو الدولية من خلال دليل المحاكمة العادلة لسنة 2014 .وأيضا ترسيخ الضمانات التي جاء بها دستور 2011 فرض على المشرع
المغربي إعادة النظر في القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية .وهذا لا ينكر الضمانات التي كانت مخولة في ضل هذا القانون .لكن الضمانات التي جاءت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية تستجيب نوعا ما دعت له المواثيق الدولية ،وما يؤكد هذا الطرح ما جاءت به المادة الأولى من المسودة من مبادئ أساسية للمحاكمة العادلة ،
المساواة أمام القانون ،ضمان حقوق الضحايا و المتهمين على حد سواء ،احترام الإجراءات في اجل معقول ...
وغيرها من الضمانات التي جاءت بها المسودة وهذا ما سنتطرق له من خلال هذا الموضوع بشكل موجز للإحاطة بأهم الضمانات بين القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية و مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية و أيضا ما جاء به دستور 2011 .من خلال التطرق:
المبحث الأول: المبادئ الأساسية لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: استقلال السلطة القضائية
المطلب الثاني: الفصل بين الوظائف القضائية
المبحث الثاني: التطبيق القضائي لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: ضمانات قبل المحاكمة
المطلب الثاني: ضمانات أثناء المحاكمة
المبحث الأول: المبادئ الأساسية لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: استقلال السلطة القضائية
يعتبر الاستقلال السلطة القضائية ركيزة أساسية لترسيخ مفهوم المحاكمة العادلة لان طبيعة العمل القضائي يقتضي أن تمارسه سلطة مستقلة وهذا ما تم تأكيده في دستور 2011 من خلال الباب 7 خصوصا الفصل 107 الذي نص بصريح العبارة السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن التنفيذية ،وهذا إن ذل على شيئ فانه يعتبر السلطة القضائية سلطة شانها في ذلك شان السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، وهذا ما ظهر جليا من خلال تعويض المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يترأسه جلالة الملك وذلك اعتبارا للمسؤولية الملقاة علي عاتق القاضي باعتباره من يتولى حماية الأشخاص والجماعات وحرياتهم و أمنهم القضائي بحيث نص دستور الملكة الفصل 108 ( لا يعزل القضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون) ، وأيضا في ممارسته لمهامه فلا يتلقى أي تعليمات أو أوامر ولا يلزم إلا بتطبيق القانون بحيث اعتبر الدستور كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد يعد خطا مهنيا جسيما ، وذلك تنفيذا لرسالته السامية في افتتاح الدورة الأولي للبرلمان بتاريخ 8 أكتوبر2010 تكريسا لمفهوم جديد للعدالة بما في ذلك الحق في المقاضاة الإدارة والحق في المحاكمة العادلة واعتبار البراءة هي الأصل .
وتكريسا لمبدأ الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية الذي يستدعي استقلال القضاء بشقيه والجالس والواقف، وهذا الأخير الذي يتمثل في النيابة العامة التي أصبح موضوع استقلالها عن وزير العدل أمرا محسوما بوصفه من أهم توصيات التي جاء بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فالنيابة العامة هي قضاء من نوع خاص أوكل إليه المشرع السهر علي تطبيق السليم للقانون ضمانا للمحاكمة العادلة .
المطلب الثاني: الفصل بين الوظائف القضائية
يعتبر الفصل بين الوظائف القضائية فرصة لخلق نوع من المراقبة بينها إذ لا يمكن بواسطته ضبط تعسف البعض بمظاهر الحذر التي يمكن أن يبديها البعض الأخر، بحيث يتكرس البعض للاتهام والبعض للحكم فقضاء الحكم يعتبر مستقلا عن مؤسسة النيابة العامة حيث لا توجه هذه الأخيرة له أوامر أو تلزمه بالحكم وفق اتجاه معين، بحيث إذا صدر الحكم خلافا لملتمساتها لا يبقي لها سوي ممارسة طرق الطعن أمام محكمة أعلى درجة، وهذا ما أكدته المادة 40ق.م.ج (على أن وكيل جلالة الملك أن يستعمل عند الاقتضاء وسائل الطعن القانوني ضد مقررات الصادرة ,أيضا لا يمكن لممثل النيابة العامة الذي أثار المتابعة أن يكون عضوا مشكلا لهيئة الحكم المنتصبة لمحاكمة الذي تابعه بحيث لا يسمح أن يكون في نفس النازلة قاضيا و طرفا متابعا .وهذا يتنافى مع مبدأ الحياد ، وأيضا إبعاد النيابة العامة عن الحسم في وسائل الإثبات وذلك تعزيزا لمركز المتهم وحفاظا على مبدأ قرينة البراءة(2).
وأيضا استقلال قضاء الحكم عن قضاء التحقيق أي أن القاضي الذي تدخل بصورة حقيقية في مرحلة التحقيق ليس بإمكانه الانضمام إلى هيئة التي ستقوم بمحاكمة الشخص الذي سبق و أن حقق كما جاء في المادة 52 ق.م.ج ،.وأيضا على مستوى العمل القضائي من خلال القرار عدد696.7 ملف جنحي عدد 125.39.06 بتاريخ 21مارس2007 غير منشور (لا يسوغ لأحد أعضاء الغرفة الجنحية باعتبارها جهة من جهات التحقيق المشاركة في حكم موضوع القضية التي سبق أن أبدى رأيه فيها في أيطار التحقيق عملا بمقتضيات المادة 52ق.م.ج
المبحث الثاني: التطبيق القضائي لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: ضمانات قبل المحاكمة
نص الفصل 23 من الدستور على مجموعة من الحقوق (تجريم الاعتقال التعسفي – الاختفاء القسري – الحق في الإخبار بدواعي الاعتقال – الحق في الصمت .....الحق في محاكمة عادلة ) و قد نصت المسطرة الجنائية بالنسبة للمشتبه فيه قبل المحاكمة حيث رتب المشرع جزاء البطلان على إجراء التفتيش دون الرضا الصريح لصاحب المسكن الفصل 82 ق.م.ج .
وقد حدد الفصل 66 ق.م.ج شروط ومدة الوضع تحت الحراسة النظرية، و كرس حقوقا أخرى بموجب التعديل الأخير في إطار القانون 35.11(3) كالحق في الصمت و حق الإخبار بدواعي الاعتقال ... وأيضا في إطار مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي كرس لمجموعة من الضمانات ومنها المادة 160 اعتماد المراقبة القضائية بدلا عن الاعتقال الاحتياطي وأيضا جعل الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا ، و تنص المادة 155 من المسودة ضبط السلطة التقديرية فيما يخص الاعتقال الاحتياطي و إتاحة إمكانية الطعن في قرار الاعتقال المادة 2-73 من مسودة مشروع المسطرة الجنائية .فهذه التعديلات جاءت لتجاوز قصورالحماية القانونية لحقوق دستورية أساسية قبل المحاكمة إذ الأصل هو البراءة.
وأثناء مرحلة التحقيق الإعدادي تقدم النيابة العامة ملتمس لإجراء تحقيق في مواجهة المتهم و مثوله أمام قاضي التحقيق لينتقل من مشتبه به إلى متهم و في ضل مسطرة قضائية وافرة من الضمانات تبتدئ بحضور المحامي إلى جانب المتهم من أول لحظة بمجرد مثوله وذلك لتجنب انتزاع الاعتراف بالضغط و الإكراه و دليلا لشفافية التحقيق.
وأيضا الضمانات التي جاءت بها المسودة من تعزيز الدفاع خلال مرحلة البحث من خلال تمكينهم من الحضور إلى جانب الأحداث و الأشخاص المصابين بأحد العاهات أثناء الاستماع إليهم من طرف الشرطة القضائية المادة 1-66
المطلب الثاني: ضمانات أثناء المحاكمة
في هذه المرحلة نجد مبدأين يميزان جلسة الحكم وقبل ذلك ما تطرقت له المسودة المشروع من خلال المادة 318 انه يمكن للمحكمة أن تعين ترجمانا للضحية أو المطالب بالحق المدني اذا كان يتكلم لغة او لهجة يصعب فهمها .إلا أن أهم الضمانات تتجلى :
أولا مبدأ الشفوية: يعطي طابع الفعالية لمناقشة الحجج و الأدلة أثناء الجلسة و من تجلياتها شهادة الشهود بحيث يمنع عليهم تصفح أي وثيقة مكتوبة إلا استثناءا و بإذن من رئيس المحكمة 287 ق.م.ج
ثانيا مبدأ العلنية: يعتبر من أهم الضمانات المخولة للضنين .كما سيحقق للعدالة هدفها .وتأكيدا لذلك نصت المادة 300 من ق.م.ج على أن الإجراءات في الجلسة وكذا المناقشات يجب أن تكون علنية و إلا يترتب البطلان عنهما ،واستثناءا من ذلك من خلال المادة 301 ق.م.ج التي تمكن الرئيس أن يمنع على الأحداث أو البعض من الحضور للجلسات متى كان ذلك ضروريا حسب السلطة التقديرية، و مبدأ العلنية يشكل رقابة المجتمع على السير العدالة واطلاع الرأي العام لما يقع داخل المحاكم الوطنية(4) .
عموما فرغم الضمانات التي كانت متاحة في ضل قانون المسطرة الجنائية إلا أنها لم تكن بمستوى تطلعات دستور 2011 ،و كذا المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية جاءت لتواكب هذه التطلعات بضمانات وافرة تستجيب لميثاق إصلاح منظومة العدالة ،لكن الواقع المغربي لازال يعرف تداخلات خصوصا على المستوى العملي يكمن في تدخل وزير العدل في السلطة القضائية و من مظاهر هذا التدخل (بما أن قاضي التحقيق يعتبر قاضيا وان دستور 2011 ينص على استقلال السلطة القضائية فان سلطة الإعفاء وتعيين تعتبر من اختصاص وزير العدل فهذا يعتبر ضربا بهذا المبدأ .لكن في إطار مسودة المشروع التي ترسخ لمبدأ الاستقلالية من خلال المادة 1 -51 تنص باستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل و رئاستها من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض و هذا المطلب أصبح شبه محسوم إلا أن ترسيخ هذه الاستقلالية في الواقع العملي يبقى المحك الحقيقي .
الهوامش:
- فريجة محمد هشام –ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان – مجلة المفكر – العدد العاشر
- د.فريد السموني – المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية و الأمنية – الجزء الثاني المسطرة الجنائية – السنة الجامعية 2015\2014 – المحمدية
- جمعية عدالة – الأمن القضائي و جودة الأحكام – دار القلم بالرباط – نونبر 2013
- الهيئة العليا للحوار الوطني - ميثاق اصلاح منظومة العدالة –يوليوز 2013
- القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
- مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية
فالكل يعلم أن موضوع العدل البشري ناهيك عن واقع نسيبته، فأمر تحقيقه، بل طريقة تصوره لا يمكن ان تكون واحدة ، مادام أن العدل يقتضي إحقاق الحق وإعلان الحقيقة، واكتشاف هذه الأخيرة رهين بالمحاكمة التي لا تتطلب فقط من القاضي تطبيق القانون ، بل تفعيله والعمل على الاجتهاد في تكييفه مع واقع متغير، ولعلها الحقيقة الأولى التي تعطي للمحاكمة العادلة أكثر من مفهوم(1).
فقانون المسطرة الجنائية باعتباره مبدئيا " إطار الأمان " والذي يعول عليه لتحقيق المحاكمة العادلة في جانبها الزجري أمام مشكل جوهري يتعلق بالبحث عن توازن مرضي بين مصلحة المجتمع في توقيع عقاب عادل ضد المذنبين، ومصلحة الفرد المتابع ، سواء كان مذنبا أم لا ، في إمكانية الدفاع عن نفسه ، صعوبة مثل هذه المهمة التوفيقية هي التي تبرر وبشكل ملموس استمرار البحث عن التقنيات الكفيلة بتحقيق المحاكمة العادلة في كل بلدان العالم.
وفي سياق الاوراش الكبرى المرتبطة بإصلاح منظومة العدالة لملائمتها مع ما تنص به المواثيق الدولية خصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 وما جاءت به منظمة العفو الدولية من خلال دليل المحاكمة العادلة لسنة 2014 .وأيضا ترسيخ الضمانات التي جاء بها دستور 2011 فرض على المشرع
المغربي إعادة النظر في القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية .وهذا لا ينكر الضمانات التي كانت مخولة في ضل هذا القانون .لكن الضمانات التي جاءت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية تستجيب نوعا ما دعت له المواثيق الدولية ،وما يؤكد هذا الطرح ما جاءت به المادة الأولى من المسودة من مبادئ أساسية للمحاكمة العادلة ،
المساواة أمام القانون ،ضمان حقوق الضحايا و المتهمين على حد سواء ،احترام الإجراءات في اجل معقول ...
وغيرها من الضمانات التي جاءت بها المسودة وهذا ما سنتطرق له من خلال هذا الموضوع بشكل موجز للإحاطة بأهم الضمانات بين القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية و مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية و أيضا ما جاء به دستور 2011 .من خلال التطرق:
المبحث الأول: المبادئ الأساسية لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: استقلال السلطة القضائية
المطلب الثاني: الفصل بين الوظائف القضائية
المبحث الثاني: التطبيق القضائي لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: ضمانات قبل المحاكمة
المطلب الثاني: ضمانات أثناء المحاكمة
المبحث الأول: المبادئ الأساسية لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: استقلال السلطة القضائية
يعتبر الاستقلال السلطة القضائية ركيزة أساسية لترسيخ مفهوم المحاكمة العادلة لان طبيعة العمل القضائي يقتضي أن تمارسه سلطة مستقلة وهذا ما تم تأكيده في دستور 2011 من خلال الباب 7 خصوصا الفصل 107 الذي نص بصريح العبارة السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن التنفيذية ،وهذا إن ذل على شيئ فانه يعتبر السلطة القضائية سلطة شانها في ذلك شان السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، وهذا ما ظهر جليا من خلال تعويض المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يترأسه جلالة الملك وذلك اعتبارا للمسؤولية الملقاة علي عاتق القاضي باعتباره من يتولى حماية الأشخاص والجماعات وحرياتهم و أمنهم القضائي بحيث نص دستور الملكة الفصل 108 ( لا يعزل القضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون) ، وأيضا في ممارسته لمهامه فلا يتلقى أي تعليمات أو أوامر ولا يلزم إلا بتطبيق القانون بحيث اعتبر الدستور كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد يعد خطا مهنيا جسيما ، وذلك تنفيذا لرسالته السامية في افتتاح الدورة الأولي للبرلمان بتاريخ 8 أكتوبر2010 تكريسا لمفهوم جديد للعدالة بما في ذلك الحق في المقاضاة الإدارة والحق في المحاكمة العادلة واعتبار البراءة هي الأصل .
وتكريسا لمبدأ الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية الذي يستدعي استقلال القضاء بشقيه والجالس والواقف، وهذا الأخير الذي يتمثل في النيابة العامة التي أصبح موضوع استقلالها عن وزير العدل أمرا محسوما بوصفه من أهم توصيات التي جاء بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فالنيابة العامة هي قضاء من نوع خاص أوكل إليه المشرع السهر علي تطبيق السليم للقانون ضمانا للمحاكمة العادلة .
المطلب الثاني: الفصل بين الوظائف القضائية
يعتبر الفصل بين الوظائف القضائية فرصة لخلق نوع من المراقبة بينها إذ لا يمكن بواسطته ضبط تعسف البعض بمظاهر الحذر التي يمكن أن يبديها البعض الأخر، بحيث يتكرس البعض للاتهام والبعض للحكم فقضاء الحكم يعتبر مستقلا عن مؤسسة النيابة العامة حيث لا توجه هذه الأخيرة له أوامر أو تلزمه بالحكم وفق اتجاه معين، بحيث إذا صدر الحكم خلافا لملتمساتها لا يبقي لها سوي ممارسة طرق الطعن أمام محكمة أعلى درجة، وهذا ما أكدته المادة 40ق.م.ج (على أن وكيل جلالة الملك أن يستعمل عند الاقتضاء وسائل الطعن القانوني ضد مقررات الصادرة ,أيضا لا يمكن لممثل النيابة العامة الذي أثار المتابعة أن يكون عضوا مشكلا لهيئة الحكم المنتصبة لمحاكمة الذي تابعه بحيث لا يسمح أن يكون في نفس النازلة قاضيا و طرفا متابعا .وهذا يتنافى مع مبدأ الحياد ، وأيضا إبعاد النيابة العامة عن الحسم في وسائل الإثبات وذلك تعزيزا لمركز المتهم وحفاظا على مبدأ قرينة البراءة(2).
وأيضا استقلال قضاء الحكم عن قضاء التحقيق أي أن القاضي الذي تدخل بصورة حقيقية في مرحلة التحقيق ليس بإمكانه الانضمام إلى هيئة التي ستقوم بمحاكمة الشخص الذي سبق و أن حقق كما جاء في المادة 52 ق.م.ج ،.وأيضا على مستوى العمل القضائي من خلال القرار عدد696.7 ملف جنحي عدد 125.39.06 بتاريخ 21مارس2007 غير منشور (لا يسوغ لأحد أعضاء الغرفة الجنحية باعتبارها جهة من جهات التحقيق المشاركة في حكم موضوع القضية التي سبق أن أبدى رأيه فيها في أيطار التحقيق عملا بمقتضيات المادة 52ق.م.ج
المبحث الثاني: التطبيق القضائي لضمانات المحاكمة العادلة
المطلب الأول: ضمانات قبل المحاكمة
نص الفصل 23 من الدستور على مجموعة من الحقوق (تجريم الاعتقال التعسفي – الاختفاء القسري – الحق في الإخبار بدواعي الاعتقال – الحق في الصمت .....الحق في محاكمة عادلة ) و قد نصت المسطرة الجنائية بالنسبة للمشتبه فيه قبل المحاكمة حيث رتب المشرع جزاء البطلان على إجراء التفتيش دون الرضا الصريح لصاحب المسكن الفصل 82 ق.م.ج .
وقد حدد الفصل 66 ق.م.ج شروط ومدة الوضع تحت الحراسة النظرية، و كرس حقوقا أخرى بموجب التعديل الأخير في إطار القانون 35.11(3) كالحق في الصمت و حق الإخبار بدواعي الاعتقال ... وأيضا في إطار مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي كرس لمجموعة من الضمانات ومنها المادة 160 اعتماد المراقبة القضائية بدلا عن الاعتقال الاحتياطي وأيضا جعل الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا ، و تنص المادة 155 من المسودة ضبط السلطة التقديرية فيما يخص الاعتقال الاحتياطي و إتاحة إمكانية الطعن في قرار الاعتقال المادة 2-73 من مسودة مشروع المسطرة الجنائية .فهذه التعديلات جاءت لتجاوز قصورالحماية القانونية لحقوق دستورية أساسية قبل المحاكمة إذ الأصل هو البراءة.
وأثناء مرحلة التحقيق الإعدادي تقدم النيابة العامة ملتمس لإجراء تحقيق في مواجهة المتهم و مثوله أمام قاضي التحقيق لينتقل من مشتبه به إلى متهم و في ضل مسطرة قضائية وافرة من الضمانات تبتدئ بحضور المحامي إلى جانب المتهم من أول لحظة بمجرد مثوله وذلك لتجنب انتزاع الاعتراف بالضغط و الإكراه و دليلا لشفافية التحقيق.
وأيضا الضمانات التي جاءت بها المسودة من تعزيز الدفاع خلال مرحلة البحث من خلال تمكينهم من الحضور إلى جانب الأحداث و الأشخاص المصابين بأحد العاهات أثناء الاستماع إليهم من طرف الشرطة القضائية المادة 1-66
المطلب الثاني: ضمانات أثناء المحاكمة
في هذه المرحلة نجد مبدأين يميزان جلسة الحكم وقبل ذلك ما تطرقت له المسودة المشروع من خلال المادة 318 انه يمكن للمحكمة أن تعين ترجمانا للضحية أو المطالب بالحق المدني اذا كان يتكلم لغة او لهجة يصعب فهمها .إلا أن أهم الضمانات تتجلى :
أولا مبدأ الشفوية: يعطي طابع الفعالية لمناقشة الحجج و الأدلة أثناء الجلسة و من تجلياتها شهادة الشهود بحيث يمنع عليهم تصفح أي وثيقة مكتوبة إلا استثناءا و بإذن من رئيس المحكمة 287 ق.م.ج
ثانيا مبدأ العلنية: يعتبر من أهم الضمانات المخولة للضنين .كما سيحقق للعدالة هدفها .وتأكيدا لذلك نصت المادة 300 من ق.م.ج على أن الإجراءات في الجلسة وكذا المناقشات يجب أن تكون علنية و إلا يترتب البطلان عنهما ،واستثناءا من ذلك من خلال المادة 301 ق.م.ج التي تمكن الرئيس أن يمنع على الأحداث أو البعض من الحضور للجلسات متى كان ذلك ضروريا حسب السلطة التقديرية، و مبدأ العلنية يشكل رقابة المجتمع على السير العدالة واطلاع الرأي العام لما يقع داخل المحاكم الوطنية(4) .
عموما فرغم الضمانات التي كانت متاحة في ضل قانون المسطرة الجنائية إلا أنها لم تكن بمستوى تطلعات دستور 2011 ،و كذا المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية جاءت لتواكب هذه التطلعات بضمانات وافرة تستجيب لميثاق إصلاح منظومة العدالة ،لكن الواقع المغربي لازال يعرف تداخلات خصوصا على المستوى العملي يكمن في تدخل وزير العدل في السلطة القضائية و من مظاهر هذا التدخل (بما أن قاضي التحقيق يعتبر قاضيا وان دستور 2011 ينص على استقلال السلطة القضائية فان سلطة الإعفاء وتعيين تعتبر من اختصاص وزير العدل فهذا يعتبر ضربا بهذا المبدأ .لكن في إطار مسودة المشروع التي ترسخ لمبدأ الاستقلالية من خلال المادة 1 -51 تنص باستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل و رئاستها من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض و هذا المطلب أصبح شبه محسوم إلا أن ترسيخ هذه الاستقلالية في الواقع العملي يبقى المحك الحقيقي .
الهوامش:
- فريجة محمد هشام –ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان – مجلة المفكر – العدد العاشر
- د.فريد السموني – المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية و الأمنية – الجزء الثاني المسطرة الجنائية – السنة الجامعية 2015\2014 – المحمدية.ص30
- القانون 35.11 المتعلق بتغيير تتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية سنة 2011
- د.فريد السموني – المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية و الأمنية .م.س –ص33.
- فريجة محمد هشام –ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان – مجلة المفكر – العدد العاشر
- د.فريد السموني – المعين في المادة الجنائية لولوج المهن القضائية و الأمنية – الجزء الثاني المسطرة الجنائية – السنة الجامعية 2015\2014 – المحمدية
- جمعية عدالة – الأمن القضائي و جودة الأحكام – دار القلم بالرباط – نونبر 2013
- الهيئة العليا للحوار الوطني - ميثاق اصلاح منظومة العدالة –يوليوز 2013
- القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
- مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية