أحدثت المادة 97 من مشروع النظام الأساسي للقضاة، خصوصا بعد تعديلها والمصادقة عليها من قبل لجنة العدل والتشريع، مجموعة من ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، بين هادئ ومستنكر، وعبر مجموعة من السادة القضاة عن رفضهم لهذه المادة على أساس أنها تغتال الاجتهاد القضائي وتجعل القاضي حبيس النص القانوني، ومنهم قضاة نادي القضاة، فيما عبر آخرون داخل نفس الجسم، ومنهم قضاة رابطة قضاة المغرب عن قبولهم بهذا المشروع، أما في صفوف المحامون فكذلك كان الشأن بين مؤيد ومعارض، وأيضا كانت كذلك ردود أفعال المواطن العادي.
ومن بين ما جاءت به هذه المادة التي أثارت اللغط والسخط، هو أنه يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه في حالة الخرق الخطير لقاعدة مسطرية أو الخرق الخطير لقانون الموضوع.
ويبقى المخاطب بهذه المادة هو القاضي، وهو ما يجعلنا نتساءل إذا كان القاضي هو الذي يقضي بين الناس في مسألة ما ليكشف عن الحق ويعطيه صاحبه، أليس من المفروض فيه أنه شخص مؤهل لذلك، وتوفرت فيه شروط القضاء، من حصوله على الشهادة المؤهلة، واجتياز امتحان القضاء، إلى التكوين بالمعهد العالي للقضاء، إلى التدريب إلى التعيين، ومنها إلى الممارسة، فإذا ما كنا نود أن نعيب، فالعيب ليس على القاضي، العيب على تلك المراحل التي مر منها القاضي قبل أن يصبح قاضيا، وأهمها التكوين وظروف التكوين، فإذا كان التكوين والتأهيل جيدا فلن يصنع لنا إلا قاضيا جيدا، والعيب أيضا على تلك الظروف التي يمارس فيها القاضي، من كثرة الملفات وعدم صلاحية مجموعة من المحاكم ومكاتبها وقاعاتها لممارسة القضاء، وعدم توفر الظروف المناسبة التي تساعد القاضي على الوصول إلى منطوق الحكم وهو على بينة من أمره، كما لا يمكن تغييب الجانب المادي المعيشي للقاضي والذي يؤثر على نفسيته بشكل أو بآخر.
إذن لا يمكن تجاوز كل ذلك لإلقاء اللوم فقط على القاضي، وفر لي ظروف جيدة ومناسبة وبمعايير دولية، وأنا مستعد للمحاسبة، هكذا تكون الأمور.
وفي حقيقة الأمر وهذا رأيي بتجرد، بغض النظر عن صفتي وعن ما أعلمه واقعا عن حال القضاء وصناعة الأحكام، أرى أنه هذه المادة تشكل عائقا أمام الاجتهاد القضائي، وستجعل القاضي يتخوف من أن يتجرأ على تفسير النص أو التعمق في فهمه، خصوصا وأن النص القانوني ليس قرآنا منزلا، بل إن القرآن يباح أن يجتهد فيه لاستنباط الأحكام الشرعية، وكيف يمنع الاجتهاد في نص من صناعة بشر كله خطّاء.
بل إن المشرع الوضعي نفسه يقع في أخطاء وزلات كارثية، لا تغتفر، وغالبا ما يتطلب الأمر اجتهاد القاضي ليكمّل النص القانوني أو يفسره للوصول إلى النتيجة المتواخاة، وهي إقامة العدل.
ويبقى اجتهاد القاضي هو بذل الجهد العقلي والفكري على الحكم من النص، والأكيد أن العقول تتباين وتتفاوت في مسألة استخلاص المعاني من النصوص، وهذا التفاوت في الإدراك قد يؤدي إلى نتائج متباينة في الظرف الواحد وهي تنظر في مرجعية واحدة، وهي النص، والأكيد أنها ترمي إلى إحقاق الحق.
ولهذا حدث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص،"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" /حديث متفق عليه/، والمقصود بالحاكم هنا هو القاضي.
فمسألة الاجتهاد مرغوبة، كما أن الخطأ يبقى واردا، ومن أجل هذا كان القضاء على درجتين، محاكم درجة أولى (المحاكم الابتدائية)، ومحاكم الدرجة الثانية (محاكم الاستئناف) كجهة استئنافية يعاد طرح النزاع أمامها من جديد لتصوب ما قد يكون غير صائب أو أنها تقر بصوابه، ومن أجل هذا أيضا كانت محكمة النقض، محكمة محاكمة الأحكام، التي يظل شغلها الشاغل هو مراقبة مدى احترام الحاكم لمقتضيات القانون المسطرية منها والموضوعية.
وفي حقيقة الأمر فان خرق قاعدة مسطرة أو خرق القانون هو سبب من أسباب النقض، وهو الأمر الموجود الآن، كما أن الفصل 122 من الدستور أعطى الحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة، إذن فمسألة الخطأ مسألة واردة لامناص منها لأننا بشر كلنا معرضون للخطأ.
وما يحق لنا التساؤل فيه وعنه أيضا، ما هي المعايير التي سيتم الاعتماد عليها للقول بان هذا خرق خطير لقاعدة مسطرية أو موضوعية، وما هي الجهة المختصة للقول بذلك وكيف لها أن تطمئن إلى أن القاضي ارتكب هذا الخطأ سهوا أم عمدا، كيف لها أن تسبر أعماق نيته للبحث عن كنهها، هل هي سيئة أم حسنة.
وصراحة إن هذا المقتضى المثير للجدل يعود بنا إلى ما تمت الدعوة إليه في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري بمنع الاجتهاد، وعرفت هذه المسألة باسم " قفل باب الاجتهاد".
دعونا نكون صرحاء، إن مسألة التخليق طغى جانبها على وزارة العدل والحريات منذ أن كلفت بترأس صانعي ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فوزارة العدالة ترى أن المنظومة جميعها فاسدة بقضاتها ومحاميها، ووجب التحجير عليهم ورسم الحدود الضيقة لهم للممارسة، والتشدد في تنظيم مهامهم ولا مجال لقول العكس.
فالبنسبة لوزارة العدل إن القضاة والمحامون هم المفسدون في الأرض، الذين وجبت محاربتهم وتضييق الخناق عليهم، فنحن لا ننكر أن الفساد ينخر هذا الجسد بذراعية القضاء والمحاماة، لكن أين نحن من محاربة الفساد الأكبر، أين نحن من ناهبي ثروة البلاد وهضم حقوق العباد، أين نحن من عفا الله عما سلف، أين نحن من اختلاس المال العام، أين نحن من عدم المحاسبة، أين نحن من عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، أين هم من أن زميلا بالأمس في حكومتهم بعثر وعبث ب 22 مليار من جيوب المواطنين ليتم الاستنجاد (بكراطة) لإنقاذ ماء الوجه، ولم تقم الدنيا ولم تقعد، أم أن الحلقة الضعيفة هي القاضي والمحامي.
خذوها مني، كفى من دغدغة مشاعر المواطن على حساب كرامتنا وحقوقنا، كفى من تقمص دور الحارس الأمين صاحب المعجزات، كفى من وضع الحجر الأساس لحملاتكم الانتخابية مبكرا لتعاودوا الكرة على حساب كرامتنا، ليس منا فقط الفاسدين بل منكم وفيكم أيضا الفاسدين وسلام على المرسلين.
ومن بين ما جاءت به هذه المادة التي أثارت اللغط والسخط، هو أنه يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه في حالة الخرق الخطير لقاعدة مسطرية أو الخرق الخطير لقانون الموضوع.
ويبقى المخاطب بهذه المادة هو القاضي، وهو ما يجعلنا نتساءل إذا كان القاضي هو الذي يقضي بين الناس في مسألة ما ليكشف عن الحق ويعطيه صاحبه، أليس من المفروض فيه أنه شخص مؤهل لذلك، وتوفرت فيه شروط القضاء، من حصوله على الشهادة المؤهلة، واجتياز امتحان القضاء، إلى التكوين بالمعهد العالي للقضاء، إلى التدريب إلى التعيين، ومنها إلى الممارسة، فإذا ما كنا نود أن نعيب، فالعيب ليس على القاضي، العيب على تلك المراحل التي مر منها القاضي قبل أن يصبح قاضيا، وأهمها التكوين وظروف التكوين، فإذا كان التكوين والتأهيل جيدا فلن يصنع لنا إلا قاضيا جيدا، والعيب أيضا على تلك الظروف التي يمارس فيها القاضي، من كثرة الملفات وعدم صلاحية مجموعة من المحاكم ومكاتبها وقاعاتها لممارسة القضاء، وعدم توفر الظروف المناسبة التي تساعد القاضي على الوصول إلى منطوق الحكم وهو على بينة من أمره، كما لا يمكن تغييب الجانب المادي المعيشي للقاضي والذي يؤثر على نفسيته بشكل أو بآخر.
إذن لا يمكن تجاوز كل ذلك لإلقاء اللوم فقط على القاضي، وفر لي ظروف جيدة ومناسبة وبمعايير دولية، وأنا مستعد للمحاسبة، هكذا تكون الأمور.
وفي حقيقة الأمر وهذا رأيي بتجرد، بغض النظر عن صفتي وعن ما أعلمه واقعا عن حال القضاء وصناعة الأحكام، أرى أنه هذه المادة تشكل عائقا أمام الاجتهاد القضائي، وستجعل القاضي يتخوف من أن يتجرأ على تفسير النص أو التعمق في فهمه، خصوصا وأن النص القانوني ليس قرآنا منزلا، بل إن القرآن يباح أن يجتهد فيه لاستنباط الأحكام الشرعية، وكيف يمنع الاجتهاد في نص من صناعة بشر كله خطّاء.
بل إن المشرع الوضعي نفسه يقع في أخطاء وزلات كارثية، لا تغتفر، وغالبا ما يتطلب الأمر اجتهاد القاضي ليكمّل النص القانوني أو يفسره للوصول إلى النتيجة المتواخاة، وهي إقامة العدل.
ويبقى اجتهاد القاضي هو بذل الجهد العقلي والفكري على الحكم من النص، والأكيد أن العقول تتباين وتتفاوت في مسألة استخلاص المعاني من النصوص، وهذا التفاوت في الإدراك قد يؤدي إلى نتائج متباينة في الظرف الواحد وهي تنظر في مرجعية واحدة، وهي النص، والأكيد أنها ترمي إلى إحقاق الحق.
ولهذا حدث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص،"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" /حديث متفق عليه/، والمقصود بالحاكم هنا هو القاضي.
فمسألة الاجتهاد مرغوبة، كما أن الخطأ يبقى واردا، ومن أجل هذا كان القضاء على درجتين، محاكم درجة أولى (المحاكم الابتدائية)، ومحاكم الدرجة الثانية (محاكم الاستئناف) كجهة استئنافية يعاد طرح النزاع أمامها من جديد لتصوب ما قد يكون غير صائب أو أنها تقر بصوابه، ومن أجل هذا أيضا كانت محكمة النقض، محكمة محاكمة الأحكام، التي يظل شغلها الشاغل هو مراقبة مدى احترام الحاكم لمقتضيات القانون المسطرية منها والموضوعية.
وفي حقيقة الأمر فان خرق قاعدة مسطرة أو خرق القانون هو سبب من أسباب النقض، وهو الأمر الموجود الآن، كما أن الفصل 122 من الدستور أعطى الحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة، إذن فمسألة الخطأ مسألة واردة لامناص منها لأننا بشر كلنا معرضون للخطأ.
وما يحق لنا التساؤل فيه وعنه أيضا، ما هي المعايير التي سيتم الاعتماد عليها للقول بان هذا خرق خطير لقاعدة مسطرية أو موضوعية، وما هي الجهة المختصة للقول بذلك وكيف لها أن تطمئن إلى أن القاضي ارتكب هذا الخطأ سهوا أم عمدا، كيف لها أن تسبر أعماق نيته للبحث عن كنهها، هل هي سيئة أم حسنة.
وصراحة إن هذا المقتضى المثير للجدل يعود بنا إلى ما تمت الدعوة إليه في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري بمنع الاجتهاد، وعرفت هذه المسألة باسم " قفل باب الاجتهاد".
دعونا نكون صرحاء، إن مسألة التخليق طغى جانبها على وزارة العدل والحريات منذ أن كلفت بترأس صانعي ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فوزارة العدالة ترى أن المنظومة جميعها فاسدة بقضاتها ومحاميها، ووجب التحجير عليهم ورسم الحدود الضيقة لهم للممارسة، والتشدد في تنظيم مهامهم ولا مجال لقول العكس.
فالبنسبة لوزارة العدل إن القضاة والمحامون هم المفسدون في الأرض، الذين وجبت محاربتهم وتضييق الخناق عليهم، فنحن لا ننكر أن الفساد ينخر هذا الجسد بذراعية القضاء والمحاماة، لكن أين نحن من محاربة الفساد الأكبر، أين نحن من ناهبي ثروة البلاد وهضم حقوق العباد، أين نحن من عفا الله عما سلف، أين نحن من اختلاس المال العام، أين نحن من عدم المحاسبة، أين نحن من عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، أين هم من أن زميلا بالأمس في حكومتهم بعثر وعبث ب 22 مليار من جيوب المواطنين ليتم الاستنجاد (بكراطة) لإنقاذ ماء الوجه، ولم تقم الدنيا ولم تقعد، أم أن الحلقة الضعيفة هي القاضي والمحامي.
خذوها مني، كفى من دغدغة مشاعر المواطن على حساب كرامتنا وحقوقنا، كفى من تقمص دور الحارس الأمين صاحب المعجزات، كفى من وضع الحجر الأساس لحملاتكم الانتخابية مبكرا لتعاودوا الكرة على حساب كرامتنا، ليس منا فقط الفاسدين بل منكم وفيكم أيضا الفاسدين وسلام على المرسلين.