بما أن عصابات المافيا والجريمة المنظمة تحصل على أموالها من جراء ممارسة الأنشطة الإجرامية فإنها تكون دوما بحاجة إلى إيجاد الوسائل والطرق الكفيلة بإخفاء المصادر الحقيقية لهذا المال، وهو ما يعرف بغسل الأموال. ومن خلال إجراء العديد من التحقيقات التي تمت في العديد من دول العالم في السنوات الأخيرة تكشف للسلطات العدلية المختصة في تلك الدول وجود تجاوزات ومخالفات خطيرة للقوانين والتعليمات الخاصة بغسل الأموال . وقد يكون تحديد المصدر الذي استمد منه الغاسل أمواله وكذلك الوسائل التي يستخدمها الجناة لإخفاء هذه الأموال من المهام الشاقة والعسيرة بالنسبة للمحققين ما لم يكن لديهم مخبرون يمكن الاعتماد عليهم ، أو شهود متعاونون ،أو عملاء سريون يمدونهم بالمعلومات .
إضافة إلى ذلك فإنه ربما كان من العسير أيضاً على هؤلاء المحققين التمييز ما بين الأموال التي تم الحصول عليها من أعمال مشروعة وتلك التي كسبها من خلال أعمال غير مشروعة.
وربما كانت العلاقة الوثيقة التي تربط ما بين مدى التشريعات الحكومية ومدى درجة الفساد في الدولة واحدة من المشكلات الأساسية. فالافتراض القائم هو أنه كلما كثر تدخل الدول في منع القرار كثرت الفرص المتاحة أمام تأثير الفساد وعدم الشرعية على قرارات عدد محدود من الساسة والبيروقراطيين ، وقد جاء إعلان المبادئ الذي صدر عن قمة الدول الأمريكية في ميامي عام 994 1 والذي وقعه قادة (34) بلداً من الدول الأمريكية ليؤكد على هذا الافتراض النظري . فقد أكد الإعلان على أن تطوير وتحديث الدولة ، بما في ذلك برامج الخصخصة وتبسيط الإجراءات الحكومية ، سوف تؤدي إلى تقليل فرص الفساد ، ولكن من يعيد التمعن في دول الملذات المصرفية الحرة يتكشف له العكس تماماً . فقد أدى إتباع مثل هذه السياسة في دول كتلك إلى المزيد من الفساد والتهرب الضريبي وهروب رؤوس الأموال إليها ، وباتت تشكل ملاذاً لغسل الأموال القذرة أكثر من كونها مرافئ للتجارة الحرة . وبالتالي فقد جاء من غير المدهش للجميع أن القادة الذين تجمعوا في ميامي قد أخطئوا في تقدير الحاجة إلى إدارة أكثر شفافية وأكثر خضوعا للرقابة الجماهيرية في المعركة الدائرة ضد تهريب المخدرات وغسل الأموال . وسوف نتطرق هنا إلي حالات الفساد المؤدى إلي غسل الأموال (اولا) وما هي الوسائل المستعملة في مكافحة غسل الأموال ( ثانيا) .
اولا: حالات الفساد المؤدي إلي غسل الأموال القذرة
أن الغالبية العظمى من جرائم الأموال التي جرى التحقيق فيها بوساطة السلطات الأمريكية ,مثل ،خلال المدة من نهاية السبعينيات إلى أوائل الثمانينيات كانت قد حدثت في منطقة الكاريبي . وبين عامي1978, 1983 . فمثلاً كانت هناك ( 464 ) جريمة من هذا النوع مثلت 45 % منها عمليات غير مشروعة تمت بأموال ذات مصادر مشروعة في حين مثلت 55 % منها بجزركايمان ، 28 % منها في بنما ،22% منها في جزر الباهاما ، 21% في جوز الأنتيل الهولندية ،وإذا كانت الأنظمة السياسية القائمة في دول معينة هي مدخلنا إلى تقييم حالات الفساد السياسي التي ينفذ منها غاسلو الأموال وعصابات الجريمة المنظمة إلى النظام المصرفي بتلك الدولة فإن المقارنة هنا يتحتم أن تتم بين تلك الدول ذات الأنظمة المصرفية والعاملة بمبدأ حرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال وما بين الدول التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية تحكم قبضتها على النظام المصرفي وتتدخل بصورة تعسفية في سن التشريعات واللوائح التي تحد من حرية العمل التجاري وحرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال، وفي محاولة للوصول إلى تقييم واضح لأي من هذه الأنظمة كان مجدياً وفعالاً في محاربة غسل الأموال, ويمكننا القول بأن أحدهما لم يكن بأفضل من الآخر . فالنظام الانفتاحي الديمقراطي مثلاً فتح الباب على مصراعيه لدخول الأموال ذات المصادر غير المشروعة إلى نظامه المصرفي من خلال التزامه بمبادئ مثل حرية التجارة وسرية العمل المصرفي وتخفيفه من وطأة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عملا بمبدأ الاقتصاد الحر . و مثال ذلك سويسرا والولايات المتحدة وبريطانيا ودول منطقة الكاريبي ذات الأنظمة الديمقراطية ، وبالنسبة للمثال الآخر، ألا وهو الأنظمة الديكتاتورية ، فإنه قد كان أسوأ حالا بكثير حيث أصبحت أنظمة مثل الديكتاتورية العسكرية في نيجيريا مظلة يستظل بها غاسلو الأموال وعصابات الجريمة المنظمة من خلال استغلالهم للفساد السياسي والإداري الموجود وانعدام وسائل الرقابة الشعبية والجماهيرية من صحافة ووسائل إعلام وما ماثلها . ولم تكن فضيحة الجنرال " نور ييغا " ديكتاتور بنما السابق وعلاقاته المشبوهة بعصابات الكونترا ببعيدة عن الأذهان . وبرغم أن نظامه الديكتاتوري كان يتبنى نظاماً مختلفاً عن ذاك المتبع في نيجيريا، فقد كانت بنما تعد واحدة من مرافئ التجارة الحرة , وبالرغم من أن النظام الاقتصادي الحر قد سمح لهذا الدكتاتور (نور ييغا) وأعانه إلى حد ما على الصمود أمام الضغوط التي فرضتها عليه الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن بعضهم يقولون بأن بنما كانت منذ زمن طويل تقدم خدماتها لكوبا وتعينها على تجاوز الحصار الذي فوضته ضدها الولايات المتحدة الأمريكية ، بل يدفع([1]) البعض إلى إن يقول(إن تجاوزات الحصار ضد كوبا لم تكن شخصية أو عارضة فقط بقدر ما كانت المؤسسية في طبيعتها وأنها كانت تجد التسهيلات من قبل المصارف العالمية (بما فيها بنك الاعتماد والتجارة الدولي ) ومنطقة كولون للتجارة الحرة . وبهذا يكون بمقدورنا أن نستشف أخيرا أنه عندما تكون هناك حاجة ماسة لسلعة معينة أو لصدور قرار معين فإن القوى المعنية بالعرض والطلب تقوم بتسهيل المهمة حتى على أولئك الأفراد الملتزمين بالقانون أو أولئك الذين يكون بمقدورهم اتخاذ القرارات اللازمة للولوج إلى داخل الجزء غير المشروع من حلبة العرض والتوريد ,يمكن القول هنا تعدد حالات الفساد المؤدية إلي ظهور ظاهرة غسل الأموال وتعتبر التجارة من التحديات والفساد الادري وتعقيدات النظم الإدارية , والحاجز المانعة , وارتفاع معدل الضرائب والرسوم في الأنشطة الاقتصادية وهي ([2]):
1-التجارة في المحرمات :
وخاصة جرائم المخدرات التي تشكل أكبر مصدر للدخل الغير مشروع وغيرها من الجرائم المصدر , وإيرادات هذه الجرائم في حاجه دائما للغسل.
2-الفساد الإداري :
حيث يقوم البعض من المسؤلين في مختلف بلاد العالم باستغلال سلطاتهم في الحصول علي رشاوى وعمولات مقابل تمرير صفقات معينه أو إعطاء تراخيص حكومة لبدء نشاط استثماري أو الحصول علي خدمات عامة مثل الكهرباء والهاتف والمياه وغيرها , وتلك الرشاوى والعمولات في بحاجة للغسل.
3-تعقيدات النظم الإدارية :
إذ المعروف انه كلما زادت التعقيدات الإدارية الحكومية كثرت وطالت الإجراءات والقواعد المنظمة لاى عمل , كلما زادت الدوافع لدى الأشخاص للالتفاف حولها ومخالفتها ودفع مقابل لتذليلها.
4-الحواجز المانعة :
حيث تقوم معظم الدول بإصدار القوانين التي تمنع بعض التصرفات أو الأنشطة الاقتصادية,فيلجأ الأشخاص إلي البحث عن الثغرات للتحايل علي هذه القيود بمقابل.
5-ارتفاع معدل الضرائب والرسوم في الأنشطة الاقتصادية :
حيث يؤدي ذلك إلي المحاولة البعض للتهرب من هذا العبء, خاصة إذا ساد المجتمع شعورا بان حصيلة الضرائب لاتنفق في المنافع العامة ولا توجه إلي الاستخدامات السليمة وانه لا توجد عدالة في التوزيع الدخل القومي بشكل عام .
ومن أهم الحالات .... غسل الأموال هي كاللاتي:
إما أسباب زيادة ظاهرة غسل الأموال خلال السنوات الماضية يرجع بصورة أساسية كاللاتي([3]):
ظاهرة العولمة وما اقتضته من حرية التجارة والمعاملات والمعلمات وازلة الحواجز التجارية بين الدول .
التحولات الالكترونية التي يتم استخدامها بواسطة العملاء أنفسهم دون رقابة بشرية من السلطات.
كثرة وتطور المراكز المالية في مناطق (الاوف شور )حيث تقل الرقابة القانونية والمصرفية علي تلك المراكز فتوفر حماية مطلقة لسرية الحسابات وحماية للمجرمين من الكشف علي أموالهم .
تطور أنظمة التحويل الالكتروني واستخدام شبكات الحاسب الآلي الكبيرة التي ترتبط بكافة الأسواق المالية والنقدية بحيث يسهل نقل أية أموال كبيرة من خلال المراكز المالية في كافة إنحاء العالم.
زيادة حجم التجارة الدولية والمعاملات بين رجال الأعمال وما ترتب علي ذلك من زيادة الطلب من البنوك علي التوسع في استخدام الخدمات الالكترونية , وهو توسع في استخدام الخدمات الالكترونية, وهو توسع قد يصاحبه استخدام غير قانوني لمثل تلك الخدمات.
نمو العلاقات بين البنوك مما يزيد من استخدام الحسابات المصرفية المختصة التي تستخدم بواسطة العملاء الأجانب أو البنوك المراسلة.
تزايد الخدمات المالية المشابهة للقنوات الشرعية والتي تستخدم كتغطية للعمليات النقدية المشبوهة . ومن تلك الخدمات إدارة النقود والتجارة في العملات الأجنبية والترتيبات المتبادلة والتجارة في المشتقات .
ظهور إشكال جديدة من أساليب الدفع مثل النقود الرقمية.
ثانيا : الوسائل المستعملة في مكافحة غسل الأموال
كما أوردنا فإن مهمة تقديم البيانات اللازمة والكفيلة بإثبات وقوع جريمة غسل الأموال تعد من أكثر المهام مشقة وصعوبة بالنسبة للمحققين وممثلي الاتهام ، وتنشأ صعوبة المهمة من الأسلوب المعقد الذي يتبع في عملية الغسل وفي نوعية الأشخاص الذين يرتكبون هذا النوع من الجرائم بوصفهم ليسوا من المجرمين العاديين بل بوصفهم أشخاصاً متخصصين وعلى قدر كبير من الوعي وسعة الأفق والحيلة ، وبوصفهم أيضاً على قدر كبير من الإلمام بالقوانين واللوائح المتبعة لا تفوت عليهم شاردة أو واردة إلا ويكونون قد اتخذوا لها الحيطة اللازمة .
وبما أن البيانات التي تكون مقبولة لدى المحاكم يجب إثباتها فيما وراء الشك المعقول الذي يمكن تفسيره إن وجد لصالح المتهم ، فإن الصعوبة هنا تكمن في طبيعة الجريمة نفسها والتي لا يحدها مدى جغرافي أو إقليمي معين وإنما تكون عدة مصارف أو مؤسسات مالية في عدة بلدان مسرحاً لحلقاتها المتشابكة . وبالتالي لا تكون بيانات الشهود أو المخبرين ذات جدوى ما لم تكن مدعومة بالبيانات المستندية .
وحيث إن غاسلي الأموال يعمدون دائماً إلى إتباع نهج لا يخلف أية مستندات لدى المصارف من خلال إتباعهم للوسائل التقنية الحديثة والأسماء والبيانات المزيفة والوهمية، فإن نوعاً معيناً من البيانات الذي يعنى بتحليل المستندات والسجلات المزيفة (RACKETEEING RECOORD ANALYSIS) هو الذي سيحظى بتركيزنا هنا لأهميته في إثبات الجرم . ويمكن إثبات وجود هذه العلاقة الهامة ما بين المستندات المزيفة التي يتم ضبطها بحوزة المتهمين بموقع الجريمة وما بين عملية الغسل من خلال تحليل وفحص هذه المستندات بوساطة خبراء متخصصين في هذا المجال كما هي الحال في وحدة (RRAU) التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية . فالمجرمون عادة ما يحتفظون بسجلات من أجل تزويد رؤسائهم في عصابات الجريمة المنظمة بما يثبت أنهم قد قاموا وبطريقة سليمة بإيداع المبالغ النقدية كافة وبالتالي يقومون بتسجيل المبالغ المستلمة والمبالغ المودعة كافة. ولحسن الحظ فإن هذه المستندات والسجلات توفر بينة هامة للمحققين اللذين يجب عليهم إثبات أن تلك المبالغ قدتم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة. وبالإضافة إلى ذلك فإن المستندات التي تتم مصادرتها من عصابات الجريمة المنظمة العاملة في غسل الأموال تساعد كثيراً في تعقب خلفية وتاريخ النشاط غير المشروع الذي تعمل به سواء أكان شركة أم مؤسسة وهمية أم غيرهما ، كما أنها تميط اللثام عن معلومات قيمة فيما يتعلق بكمية الأموال المغسولة وعن كيفية قيام المشتبه فيهم بشحن ونقل وتمويه وإخفاء تلك الأموال . ومن خلال تقديم صورة مكتملة عن تصرفات المجرمين والأدوار التي يلعبونها ء وعملياتهم غير المشروعة يمكن للمحقق أن يوسع من نطاق تحرياته عن الأموال المغسولة . بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المعلومات يمكن أن تساعد ممثلي الادعاء في الحصول على عقوبات رادعة ومشددة على الأفراد الذين تتم إدانتهم بجريمة غسل الأموال . وحيث إن المحاكم غالباً ما تبني أحكامها ضد المتهمين استنادا إلى حجم المبالغ المغسولة والتي يتم تحديدها من خلال سجلاتهم الرسمية الخاصة والتي يحتفظون بها فإن من الأهمية بمكان أن يلم المحققون بالوسائل المختلفة التي يتبعها هؤلاء المجرمون من أجل ضمان إقامة دعوى ناجحة في مثل هذه الجرائم. وذكر أحمد العمري([4]) ومثالاً على ذلك إحدى جرائم غسل المال التي وقعت بنيويورك حيث كان الجناة يحتفظون بالأموال في إحدى مستودعات الأثاث المنزلي ، وبمداهمة المستودع عثرت السلطات على ملايين الدولارات السائلة ،بالإضافة إلى السجلات المالية الخاصة بنشاطهم التجاري . وبرغم إخضاع المستودع للمراقبة عدة أشهر كانت البيانات التي تم تجميعها عبارة عن بيانات ظرفية فقط لا تخرج عن الحركة النشطة حول المستودع إضافة إلى محاولات الجناة أحياناً استخدم الهاتف وتفادي عمليات المراقبة ، كما عثر المحققون أيضا على مخلفات كوكايين على قطعة من شريط لأنابيب المياه في إحدى أماكن القمامة الواقعة خارج المستودع ، وأخيراً تبين لهم بأنه ورغم أن المستودع لا ينقل إلا القليل من الأثاث إلا أنه بدت هناك حركة دائبة من النشاط داخل المبنى .
وعندما داهم المحققون المستودع اكتشفوا وجود مركز لتجميع وتخزين الأموال المتحصلة من بيع المخدرات بدلاً عن مكان تخزين الكوكايين الذي كانوا يتوقعون العثور عليه. ورغم أنهم لم يجدوا مخدرات لكي يصادروها إلا أنهم صادروا أموالا سائلة بلغت نحو (18 ) مليون دولار معبأة في صناديق من الكرتون ومخبأة بداخل إحدى الشاحنات. وبالإضافة إلى المبالغ النقدية صادر المحققون أيضاً العديد من المستندات المكتوبة بخط اليد قدموها لوحدة فحص المستندات المزيفة (RRAU) للفحص والتحليل . وقد كشف فحص وتحليل تلك المستندات المزيد من البيانات الدمغة التي يمكن استخدامها في المحاكمة حيث كشفت المستندات أن العصابة قد قامت بإجراء نحو ( 114) عملية تسلمت من خلالها ما يزيد على (144) مليون دولار في خلال مدة ثلاثة أشهر فقط .
وقد كان الأفراد الموجودون داخل المستودع يقومون بتسجيل كميات المبالغ النقدية المستلمة ، وتاريخ الاستلام ، ورقم الحساب المتصل بكل مبالغ يتم تحويلها ، والمبالغ المعلن عن تسليمها والعد التأكد لكل مبلغ . وقد كان من الضروري لكي يقوم ممثلو الادعاء بتقديم المتهمين للمحاكمة بموجب القوانين الاتحادية لمكافحة غسل الأموال ، أن يقدموا الدليل على أن المشتبه فيهم قد حصلوا على الأموال بطريقة غير مشروعة ، ولذلك تقدم خبراء الفحص التابعون للمباحث الفيدرالية بشهادتهم للمحكمة حول اثنين من المستندات المضبوطة . وقد أوضحت هذه المستندات بيع وشراء ( 35 ) وحدة بأسعار تتراوح بين (13،500) و(14000) دولار لكل وحدة خلال المدة بين 14/8 و4/10 من السنة نفسها .
وقد أكد خبير الفحص بأنه يبدو أن هناك علاقة بين الوحدات وبين الأسعار الخاصة بها وقد كانت الوحدات عبارة عن كيلوجرام من الكوكايين. وتجب الإشارة أيضا في هذه القضية بالذات إلى أنه وبالرغم من أن المحققين قد عثروا على المستندات الخاصة بالمخدرات في مكان وعلى المستندات الخاصة بالأموال النقدية في مكان آخر إلا أن الخبراء استطاعوا إيجاد العلاقة الظرفية التي تربط ما بين الاثنين . وفي عملية أخرى أطلق عليها اسم (بولار كاب) تم التحقيق فيها بالتعاون بين المباحث الفيدرالية وإدارة مكافحة المخدرات وإدارة الجمارك الأمريكية اتضح وبصورة جلية 0،كيف يمكن أن توفر السجلات التجارية والأوراق بينة هامة في قضايا غسل الأموال حيث تكشفت لخبراء الفحص مرئيات هامة عن كيفية إخفاء المجرمين للمصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة . فقد نجم عن هذه التحقيقات التي أمضت فيها عدة أشهر من التعقب ، ضبط آلاف المستندات التي تم العثور على الكثير منها في أوعية القمامة في عدة أماكن ذات علاقة بمشروع الغسل بما في ذلك أحد محال المجوهرات بمدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا . وقد أماط الفحص اللثام عن شبكة غسل الأموال حصلت على ملايين الدولارات نقداً من مصادر في نيويورك ، ولوس أنجلوس ، وهيوستن ، وكان جزء كبير من هذه الأموال النقدية قد تم تسلمه بمستودع المجوهرات بمدينة لوس أنجلوس . وقد لاحظ الخبراء أن المشتبه فيهم عند استلامهم الأموال كانوا يسجلون على بوالص الشحن العدد الإجمالي للطرود بالنسبة للشحنة المعينة إضافة إلى الأوراق وإجمالي عدد الدولارات التي تحتوي إرسالية من خمسة طرود تزن ( 250 ) رطلاً وتبلغ قيمتها(1.568.000) دولار. واتضح من قيد تم تسجيله بخط اليد في أحد السجلات تحت عنوان (عدد الدولارات المستلمة) وجود المبلغ نفسه. وفي نهاية المطاف اتضح من موجز لتقارير التعاملات النقدية المحفوظ بشبكة الحاسب لدى عدد من المصارف بمنطقة لوس أنجلوس التي يحتفظ لديها محل المجوهرات بحسابات مصرفية أن هناك مبلغ (1.568.000) دولار قد ة إيداعها بحساب لدى واحدة من المؤسسات المالية .
وقد درجت المنظمات العاملة في غسل الأموال أيضاً على تقديم مستندات مزيفة مثل سندات البيع المراد بها إخفاء المصدر الحقيقي للأموال القذرة . فعلى سبيل المثال قام المحققون في إحدى القضايا بضبط قصاصة من الورق تحمل تاريخ 10 / أغسطس/ 1988 م تضم اثنين من المبالغ النقدية المتحصلة تبلغ قيمتهما الإجمالية (1.034.000) دولار . وكان ذلك يطابق إيداعاً نقدياً بالمبلغ نفسه ،وفي التاريخ نفسه 10 / أغسطس/ 1988 م لدي حساب باسم المؤسسة في أحد مصارف لوس أنجلوس. ([5]) ومن خلال اثنين من المستندات التي عثر عليها المحققون في القمامة وضح كيف قام المشتبه فيهم بتجزئة هذا المبلغ الإجمالي سعيا وراء إخفاء مصادره الحقيقية حيث ورد بهذه السندات أن المبلغ عبارة عن حصيلة بيع ( 24 ) كيلوجراما من الذهب على مرتين إحداهما بمبلغ (693,000) دولار والثانية بمبلغ (341,000) 1 دولار .
وقد أورد المشتبه فيهم هذه المستندات لأن مبلغا كهذا يعد من غير العادي أن يكون حصيلة لأي نشاط مشروع . ومن خلال تتبع الأمر اتضح أن هذه المستندات مزيفة فقط .
الهوامش
[1]- احمد بن محمد العمري ،جريمة غسل الأموال :نظرة دولية لجوانبها الاجتماعية والنظامية والاقتصادية ،مكتبة العبيكان ،2000 ،الرياض،ص137.
[2]-عبد الفتاح سليمان – مرجع سابق-ص20.
[3]-عبد الفتاح سليمان – مرجع سابق-ص21-22.
[4]- احمد بن محمد العمري ،جريمة غسل الأموال :نظرة دولية لجوانبها الاجتماعية والنظامية والاقتصادية ،مكتبة العبيكان ،2000 ،الرياض،ص 140.
[5]- احمد بن محمد العمري ،جريمة غسل الأموال :نظرة دولية لجوانبها الاجتماعية والنظامية والاقتصادية ،مكتبة العبيكان ،2000 ،الرياض،ص143.