بمرور سنتين على وقفة المحامين التاريخية امام البرلمان يمكن القول أن اي إصلاح ينبغي أن ينطلق من اكراهات الواقع وعلاقته بالمستقبل الممكن، لذلك فان التفكير في اصلاح العدالة وغيرها من المهن القانونية ومنها مهنة المحاماة ينبغي ان ينطلق من استحضار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على قيام المحامي بدوره ووظيفته الاجتماعية المتمثلة في حماية الحقوق والحريات باعتباره المساعد والضامن لولوج المواطن للعدالة.
لذلك فان الالتحاق أو الإلحاق بالمهنة ينبغي ان يدفعنا إلى استحضار علاقة مهنة المحاماة بكليات الحقوق باعتبار المهنة في المغرب تعتبر إحدى الحلول التي تستعملها الدولة والسلطة لاحتواء حاملي الشواهد العليا المعطلة. وعلى هذا الأساس فان حوالي 25% من خرجي الدراسات القانونية غالبا ما يتم إدماجهم بمهنة المحاماة على مدار العشرية الأخيرة اخير امتحان الاهلية اعطى 2419 مشروع محام جديد لتكن بذلك المهنة إحدى المخارج للسلطة للتقليص من أزمة بطالة حاملي الشواهد العليا.
وفق هدا المعطى فان أي إصلاح مفكر فيه ينبغي ان يأخذ بعين الاعتبار هذه المعضلة والدولة ملزمة بتقديم المساعدة للمحاماة ما دامت هذه الأخيرة حالت بينها وبين الإفلاس الاجتماعي.
ان الدولة تساعد المقاولات ورجال الأعمال والمضاربين العقاريين وكبار الملاكين العقاريين وكبار الفلاحين من خلال اعتماد سياسة الإعفاءات الضريبية أو التقليص منها ومن خلال سياسة منح أراضي الدولة باتمنة رمزية أو تمكين المؤسسات العقارية من سلوك مسطرة نزع الملكية وتجزيء الأراضي وهي سياسات وان كانت في الظاهر تحتج بتشجيع الاستثمار فإنها في الباطن تحمي مصالح نخبة الدولة والمتحكمين في جهازها التشريعي.
ان أي إصلاح لا ينبغي أن يهدف إلى المس بالتوازن بين الجهاز القضائي القائم على حماية الدولة وجهاز الدفاع القائم على حماية الحقوق والحريات وهذا هو المدخل الفلسفي لأي إصلاح.
ان تقوية مهنة المحاماة ينطلق بالدرجة الأولى من وضع الأرضية لضمان كرامة حاملي الجبة السوداء والتي تقيهم سلوكيات تمس العدالة في الصميم. وهذا لن يتم الا بإعادة النظر في علاقة الدولة بالمحاماة من جهة وتنظيم جهاز العدالة بشكل يحد من سلوكيات تنافي النصوص القانونية لكل مكونات جهاز العدالة.
أكيد ان كل الأدبيات الحقوقية وفي كل بقاع العالم تنص على ضرورة منح حصانة الدفاع للمحامي تقيه وتضمن له ممارسة مهنة الدفاع عن الحقوق في استقلال عن أجهزة الدولة وبدون تدخل منها والأكيد ان الإصلاح المنشود ينبغي ان ينصب في هذا الاتجاه من خلال إحداث جهاز وطني أسوة بالتشريعات المقارنة يكون له دور تمثيلي بحيث يمثل بصفة رسمية مهنة المحاماة امام السلطات العمومية وعلى المستوى الوطني والدولي مع احترام استقلال الهيئات ويكون له كذلك دور آخر كسلطة تأديبية بحيث تستأنف أمامه القرارات التأديبية الصادرة عن المجالس التأديبية للهيئات حماية لاستقلال المهنة.
ان التطور الذي عرفه التعليم ببلادنا والمشاكل المرتبطة به تقتضي ولضمان تكوين معمق ومتخصص للباحثين عن ولوج مهنة الدفاع ان يتم إحداث مؤسسة وطنية متخصصة يتم ولوجها بعد اجتياز امتحان تكون مؤطرة من طرف هيئات المحامين وإدارة العدل والتعليم العالي لضمان تكوين متخصص للطلبة الراغبين في ولوج مهنة المحاماة وضمان المساواة بين أبناء المواطنين لان الممارسة الحالية في مجال التكوين ماهي الا تكريس لسياسة الدولة على مدار 22 سنة
ان ضمان كرامة المحامي وضمان الحق في الولوج المستنير للمتقاضي لجهاز العدالة يتطلب تعديل القانون وضمان المحامي في كل المساطر والقضايا المعروضة على المحاكم بهدف الحد من الفساد القائم في غياب الوضوح وتعرض المتقاضين للنصب من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالعدالة والحد كذلك من بعض التصرفات التي تتنافى مع توزيع الاختصاص بين مكونات العدالة بحيث لا يجوز في العدالة ان يكون الشخص خصما وحكما أو يقوم بالتبليغ والخبرة والدفاع وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة التي تقوم على توزيع المهام بين مكوناتها لضمان عدالة حقيقية بعيدة عن أي مؤثرات.
ان ذلك سوف يؤدي لا محالة الى خلق المساواة بين المحامين أنفسهم وسوف يحد من مجموعة من السلوكيات التي تخدم من يستعمل المال بطرق غير مشروعة لضمان السرعة في ولوج العدالة والاستفادة من إجراءاتها على حساب البعض الذي لا زال يحاول ان يعيد للدولة والمجتمع بعض المبادئ السامية كالمساواة والحد من استعمال وسائل المنافسة الغير المشروعة والتي أدت إلى فوارق اجتماعية واقتصادية بين مرتدي البدلة السوداء.
ان الدور الاجتماعي لمهنة المحاماة ومساهمتها الكبيرة في استقرار الدولة يتطلب إعادة النظر في الالتزامات المالية المفروضة عليها من طرف السلطة العامة لان المبالغة في ذلك وفرض ضرائب على مهنة تقوم بوظيفة حقوقية واجتماعية يعتبر تدخل غير مباشر لكي لا تقوم بدورها الحقيقي المتمثل في العمل على تكريس القانون كأداة وهدف للدولة الحديثة.
ونظرا للتحولات التي عرفتها المهنة في السنوات الأخيرة من خلال إدماج الأطر العليا المنحدرة من الطبقات الشعبية الحاصلة على الشواهد الجامعية العليا في المجال القانوني بمهنة المحاماة فان تراجع الطابع النخبوي البورجوازي الذي كان سائدا في المهنة يقتضي من الدولة تحمل مسؤوليتها لضمان الحق في ولوج القضاء للمواطنين الذين لا يتوفرون على الإمكانيات المادية من خلال تفعيل مسطرة المساعدة القضائية وتحمل الدولة لتكاليفها أسوة بالقطاع العقاري حيث تؤدي الدولة للمضاربين لضمان السكن الاجتماعي.
ان العولمة الجارفة دفعت مختلف الدول إلى العمل على حماية ثقافتها من مؤثرات غير مقبولة لهذه العولمة لدلك فان المحاماة بالمغرب تعتبر من المهن التي تتعرض يوميا لمنافسة غير مشروعة من طرف الأجانب من خلال التحايل على القانون وتأسيس شركات لوكلاء الاعمال واستعمال تقنيات التحكيم واليات الوسائل البديلة لحل المنازعات لممارسة مهنة المحاماة بالمغرب مستغلين الطابع الهجين للمجتمع المغربي وتماهي بعض المغاربة معهم وخدمتهم بوعي أو غير وعيي وهدا بتطلب الحد من مزاولة المهنة بطرق غير مشروعة من طرف الأجانب والمغاربة على حد سواء