مقدمة :
يعد النظام الملكي من أقدم انظمة الحكم المعروفة في التاريخ، اذ كان منتشرا في معظم المجتمعات القديمة، حيث يكون الملك على رأس الدولة و يتميز بأن الحكم غالباً ما يكون لفترة طويلة وعادة حتى وفاة الحاكم وينتقل بالوراثة. ويعرف نظام الحكم الملكي اشكال مختلفة: 1 - نظام الحكم الملكي المطلق أو المقيد أو الدستوري. و2- نظام الحكم الملكي الوراثي، و 3 - نظام الحكم الملكي الانتخابي.
ويمتاز نظام الحكم الملكي بتـأمينه الاستقرار السياسي وضمان اللحمة الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد وقوتها، كما يجنب صراع الأحزاب للوصول إلى الحكم، وهو أصلح نظام لتحقيق المساوة والعدل بين جميع الطبقات في الدولة. وتنقسم الملكية من حيث نظام الحكم إلى قسمين، ملكية تحكم وتسود، وملكية تسود ولا تحكم. وأمكن إعطاء المثال بخصوص الأولى بالنظام الملكي في بلدنا المغرب فالملك بها يحكم ويمارس جل الصلاحيات.
أما النموذج الثاني من الملكية، فنأخذ كمثال الملكية باسبانيا وبريطانيا والدانمارك وبلجيكا وهولندا، إذ أن الملك يسود ولا يحكم، والسلطات التي يتوفر عليها رمزية ولا تؤثر على سير شؤون الدولة.إلا أن الدراسة ستقتصر على نموذج الملكية بالمغرب وتحليل أهم خصائصها مقارنة مع النظام الملكي في ابريطانيا .
أهمية الدراسة : تأتي الدراسة في سياق التحولات التي شهدها المغرب نحو إقرار دستور جديد يحمل في طياته تغييرات مهمة على مستوى توزيع السلط والتأكيد على دور الملكية الدستورية الديمقراطية والبرلمانية والاجتماعية[1] في الحياة السياسية بالمغرب، ومكانتها التاريخية والدينية، بحيث يجمع النظام الملكي بالمغرب بين سمات النظام النيابي الرئاسي والبرلماني كما هو منصوص عليه في الدستور[2]. أما بخصوص الملكية في النظام البريطاني، فهي من أعرق الانظمة البرلمانية التي نشأت وتطورت عبر مراحل تاريخية، وكانت السباقة إلى إقرار نموذج النظام البرلماني في العالم، كما استطاعت ان تكرس لها نموذجا ديمقراطيا أخذت عنه العديد من التجارب الدستورية في العالم. مما يؤدي إلى طرح تحديات كبرى أمام الملكيات الوراثية لمواكبة موجة التحولات الديمقراطية في ظل اعتمادها على المشروعية الدينية والتاريخية والروحية .
الإشكالية المركزية : مميزات وخصائص الملكية في كل من النظامين السياسين المغربي والبريطاني
الاسئلة الفرعية: 1- ما هي الاسس التقليدية لكل من الملكية في النظام المغربي والنظام البريطاني
2 - ماهو التابث و المتحول فيما يخص اختصاصات الملك في الدستور المغربي الحالي
3- إلى أي حد تتسم الملكية في النظام السياسي البريطاني بملكية مقيدة تسود ولا تحكم ؟
وسنحاول الإجابة على التساؤلات موضوع الدراسة وفق محورين :
المحور الأول : مكانة ومشرعية الحكم الملكي في المشهد السياسي المغربي والبريطاني
المحور الثاني : صلاحيات الملك في كل من النظامين المغربي والبريطاني
المحور الأول : مكانة ومشرعية الحكم الملكي في المشهد السياسي المغربي والبريطاني
تستمد الملكية في المغرب مشروعيتها من رزنامة من المشروعيات القانونية والدينية والتاريخية والصوفية والثقافية، لتنصهر في بوتقة واحدة فتضفي على نسقها السياسي مزيدا من الصلابة والتفرد والخصوصية[3]. فهي تتمتع أولا بمشروعية تاريخية فلم يعرف المغاربة غيرها منذ 12 قرنًا، لأن الملكية سابقة على الدستور نفسه، فهي كانت موجودة قبله بصلاحياتها الواسعة. ومشروعية دستورية هي مصدر كل الدساتير التي مرت على المغرب، ورمزية دينية، ذلك أن الدستور المغربي 2011 ينص على أن “الملك هو أمير المؤمنين الذي يسعى إلى حفظ الدين”، ومن ثم فهو يمتلك السلطة الدينية وما لها من دلالات رمزية ارتباطا بالتراث الإسلامي “خليفة الله في الأرض”، فنجده يعمل بمقتضى هذه الرمزية في بعض الطقوس، مثل البيعة وإلإنابة على “الرعية” في أضحية العيد.
و قد خصص الدستور (2011) في الفصل 41 صلاحيات {الملك أمير المؤمنين} حيث يتوجب عليه أن يسهر على حماية الشريعة وعلى ضمان حرية إقامة الشعائر الدينية [4]. وفي الفصل 42 فقد أفرد ل {الملك رئيس الدولة}، أو {الملك الدستوري}. فالصفة الأولى تجعله منه «حامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية}، و{رئيس المجلس العلمي الأعلى}، وبصفة عامة احتكار كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، كما يفهم أيضا من منطوق هذا الفصل تخصيصه بالفتوى اعتمادا على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والمعتمدة من الدولة رسميا، وهو ما يغلق الباب أمام فوضى الإفتاء.
ظلت الملكية في المغرب، على مدى التاريخ حامية للديانة الإسلامية وكذا الديانات الأخرى مهما قل عدد معتنقيها، وعليه مثل الإسلام أداة لتحقيق الوحدة بين جميع المغاربة. فالسلطان، بوصفه إماما لجميع المسلمين، كان يمثل ويجسد روح الديانة الإسلامية بصفته عاملا موحدا، يخترق الانقسامات القبلية والطرقية والجغرافية والاثنية والاجتماعية.[5]
أما الفصل 42 فيخول الملك أن يكون {الممثل الأسمى للدولة،[6] ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساته}، فضلا عن {السهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة}. لذلك خصه الدستور بوضعية خاصة ومنحه سلطات واسعة يمارسها بمفرده أوبمشاركة سلطة أخرى دون ربط ذلك بالسلطة والمسؤولية حيث يقر الفصل 46 " شخص الملك لا تنتهك حرمته وللملك واجب التوقير والاحترام." ويبقى الملك في هذه الحالة مسؤولا أمام الله سبحانه وتعالى فقط، وبهذه الطريقة، تم إفراغ عقد البيعة من محتواه السياسي، ليتجسد أساسا في شكل طقوس ومراسيم يتم خلالها، مرة كل سنة لتقديم الولاء جماعة[7].
أما بالنسبة للملكية في النظام السياسي البريطاني فهي أيضا تتمتع بمكانة ورمزية تاريخية شأنها شأن الملكية بالمغرب، بحيث مازالت تمارس عاملا مهما في استمرارية الأمة البريطانية وثباتها، بالرغم من التقليص المستمر لدور الملكية في الحياة السياسية. فالملك أو الملكة لازالا يتمتعا ببعض الامتيازات التاريخية، إذ لا زالت الملكية في النظام السياسي البريطاني همزة وصل بين الأمة والحكومة، وهي تجسد الحس النابض لولاء الشعب البريطاني و وطنيته، وتجسد عظمة الأمة ورمز وحدتها، ومصدر اعتزاز أبنائها، وهي منبع الشرف و النبل فيها .
ومن جهة أخرى تتميز الملكية في النظام السياسي ابريطاني بمشروعية دينية أوسلطة دينية مطلقة بحيث تختص بالرئاسة الزمنية لكنيسة الأنجليكانية (البروتستانتية ) الدين الرسمي لإنجلترا، إضافة إلى الدور الروحي والمعنوي الذي يتمتع به التاج البريطاني. حيث يعتبر الملك تجسيد حي لمشاعر الولاء الوطنية لدى الشعب الانجليزي، لذا فالمركز الاجتماعي للأسرة المالكة مرموق، و يبدي الشعب الانجليزي اهتماما كبيرا بالاحتفالات الخاصة بأفراد العائلة المالكة. كما ينتقل الحكم في كلا النظامين عن طريق الوراثة ،إلى الولد الأكبر سنا من ذرية الملك في النظام السياسي المغربي[8]، و ينتقل التاج من الملك الى الذي يليه من الرجال أو النساء بنسبة درجة قرابتهم من الملك في النظام البريطاني[9].
إن للمشروعية التاريخية فضل كبير في تكون الملكية في النظام السياسي البريطاني، وجعله يتصدر قائمة الأنظمة البرلمانية في العالم الحديث والمعاصر. فالإنجليز بقدر ما يميلون إلى التجديد والاجتهاد في بناء مؤسساتهم وتأصيل قواعدها ، بالقدر نفسه يحرصون على المحافظة على الثوابت وعدم التفريط في المكتسبات. الأمر الذي يفسر تلازم ثنائية الاستمرارية والتجديد في تطور النظام السياسي البريطاني ومؤسساته الدستورية[10].
نفس المميزات بالنسبة للنظام السياسي بالمغرب ، فالملكية تعد المحور الرئيسي في التاريخ السياسي المغربي الحديث، إذ رمزية المؤسسة الملكية في المجتمع المغربي جلية، فهي تتحرك وتناور وتتنازل أحيانا دون أن تراوح مكانها على رأس النظام، إنها تجدد آلياتها باستمرار وتتكيف مع الظروف من أجل البقاء، وتستحوذ على مختلف الموارد والنخب، فتخرج في كل مرة تجتاز فيها امتحانا عسيرا – كان آخرها الربيع العربي – بقوة أكثر وبشرعية أكثر.
المحور الثاني : صلاحيات الملك في كل من النظامين المغربي والبريطاني
يمارس الملك في النظام المغربي إختصاصات حديثة وعصرية بصفته يسود ويحكم بخلاف الملكية في النظام البريطاني فهي تسود ولا تحكم ، ولكن تمارس اختصاصات نظريا وشكليا .أما صلاحيات الملك بصفته أعلى سلطة في الدولة و هي المدسترة و المحددة بشكل واضح في الوثيقة الدستورية و يمكن إدراجها إجمالا على الشكل التالي مع مراعاة ذكرها بحسب ظهورها في فصول دستور 2011:
من خلال هذا الجرد لإختصاصات الملك في ظل الدستور المراجع لسنة 2011، يتضح جليا المكانة المتميزة للمؤسسة الملكية حيث يتولى الملك اختصاصات واسعة فتتنوع لتشمل مختلف المجالات التشريعية و التنفيذية و القضائية باعتباره أسمى سلطة في البلاد.
بخلاف الملك في النظام السياسي البريطاني فهو يسود ولا يحكم وله صلاحيات رمزية تنبع من مبدأ " لا مسؤولية حيث لا توجد سلطة "، فمعظم اختصاصاته يمارسها استثناءا بمبادرة من الحكومة وباقتراح منها. كما له صلاحية التصديق على القوانين التي يقرها البرلمان،[12] من أجل نشر القوانين وإصدارها ووضعها موضع التنفيذ. ومع أن الملك يستطيع نظريا أن يعترض على القوانين ويحول بالتالي دون تنفيذها فإنه لم يقم بأي بادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
ويتمتع الملك البريطاني بصلاحية اختيار الوزير الأول، إذ كانت صلاحية يتمتع بممارستها بحرية تامة، إلا أن الظروف والأعراف الدستورية حدت فيما بعد من حريته في هذا المجال بحيث أصبح ملزما بتعيين رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم، بهذا المنصب، وهو نفس الأمر بالنسبة للنظام الملكي بالمغرب،( الفصل 47 من الدستور المغربي الجديد 2011).
-وللملك في النظام السياسي البريطاني، صلاحيأت أخرى :
- تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات[13] وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري. و صلاحية تمديد مدة ولاية مجلس العموم وحل هذا المجلس قبل انتهاء ولايته وذلك بناء على اقتراح من الحكومة.
- وصلاحية إعلان الحرب، والسلام، وإبرام المعاهدات الدولية والاعتراف بالدول الحكومات الأجنبية وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين [14]للخارج لاستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.وهذه الاختصاصات شبيهة بالتي يتمتع بها الملك في النظام المغربي (الفصل 55من الدستور 2011 ).
- صلاحية منح الألقاب والأوسمة.
- صلاحية إصدار عفو خاص عن المحكومين.تقابلها المادة 58 من الدستور المغربي 2011.
- صلاحية تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.تقابلها المادة 53 من الدستور المغربي 2011.
والجدير بالذكر بالنسبة لجميع هذه الصلاحيات التقليدية، أن الملك لا يستطيع مباشرتها وممارستها إلا بناء على اقتراح الحكومة ومشاركة الوزير الأول وبعض الوزراء المعنيين، بالتوقيع على المراسيم الملكية المتعلقة بها. وهذا يعني أن سلطات الملك في كافة هذه المجالات ما هي إلا سلطات رمزية فقط . بخلاف الملكية في المغرب لها سلطات دينية وقضائية وتشريعية وتنفيذية في الحالات العادية وتتركز أكثر في الحالات غير العادية . غير أن الملك في ابريطانيا يتمتع مقابل تخليه عن كافة السلطات الفعلية، بحصانة مطلقة سواء على الصعيد السياسي أم الجنائي، لان الملك شخص مقدس لا يمكن انتهاك حرمته.[15] وهذه الحصانة المطلقة هي في الواقع استمرار لقاعدة عرفية قديمة تقول باستحالة الملك بأي عمل خاطئ. وهذه الحصانة تجد حاليا ما يبررها ولاسيما على الصعيد السياسي، في واقع تخلي الملك لوزرائه عن كافة السلطات الفعلية وذلك مقابل تحملهم للمسؤولية كاملة.
خاتمة :
إن أنظمة الحكم الملكية في كل من المغرب وابريطانيا اعتمدتا مشروعية تاريخية ورمزية روحية دينية مما ساهم ولا زال سيساهم في تعزيز الاستقرار السياسي ومسلسل التطور الديمقراطي، والاصلاح السياسي .كما أن نظام الملكية كان عامل وحدة من خلال الدور التحكيمي والوساطة بين جل الفرقاء السياسيين سواء كانت ملكية تسود وتحكم (المغرب )أم ملكية رمزية تسود ولا تحكم (ابريطانيا ) ما يخلق مناخا ملائما للتطور الديمقراطي واستمرار ية نموذج الحكم الملكي .
إن تطور المسلسل الديمقراطي وسياسة الاصلاحات الدستورية التي خاضها المغرب لم تفضي بالضرورة إلى تراجع المشروعية الدينية لمصلحة قواعد اللعبة الديمقراطية ومبادئ القانون، فقد نجحت الملكية التنفيذية بالمغرب من تحصين نفسها ضدالقوى المنافسة وتعزيز مكانتها التاريخية والرمزية.بعكس الملكية في ابريطانيا فهي حافظت على وجودها ومكانتها التاريخية الرمزية والروحية طيلة مراحل تاريخية مهمة، لكن ملكية مقيدة وذات سلطات رمزية تدعم الاستقرار وروح الوحدة والمواطنة أكثر منها سلطة تنفيذية تتأقلم مع المتغيرات الاجتماعية والديمقراطية .
الهوامش
يعد النظام الملكي من أقدم انظمة الحكم المعروفة في التاريخ، اذ كان منتشرا في معظم المجتمعات القديمة، حيث يكون الملك على رأس الدولة و يتميز بأن الحكم غالباً ما يكون لفترة طويلة وعادة حتى وفاة الحاكم وينتقل بالوراثة. ويعرف نظام الحكم الملكي اشكال مختلفة: 1 - نظام الحكم الملكي المطلق أو المقيد أو الدستوري. و2- نظام الحكم الملكي الوراثي، و 3 - نظام الحكم الملكي الانتخابي.
ويمتاز نظام الحكم الملكي بتـأمينه الاستقرار السياسي وضمان اللحمة الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد وقوتها، كما يجنب صراع الأحزاب للوصول إلى الحكم، وهو أصلح نظام لتحقيق المساوة والعدل بين جميع الطبقات في الدولة. وتنقسم الملكية من حيث نظام الحكم إلى قسمين، ملكية تحكم وتسود، وملكية تسود ولا تحكم. وأمكن إعطاء المثال بخصوص الأولى بالنظام الملكي في بلدنا المغرب فالملك بها يحكم ويمارس جل الصلاحيات.
أما النموذج الثاني من الملكية، فنأخذ كمثال الملكية باسبانيا وبريطانيا والدانمارك وبلجيكا وهولندا، إذ أن الملك يسود ولا يحكم، والسلطات التي يتوفر عليها رمزية ولا تؤثر على سير شؤون الدولة.إلا أن الدراسة ستقتصر على نموذج الملكية بالمغرب وتحليل أهم خصائصها مقارنة مع النظام الملكي في ابريطانيا .
أهمية الدراسة : تأتي الدراسة في سياق التحولات التي شهدها المغرب نحو إقرار دستور جديد يحمل في طياته تغييرات مهمة على مستوى توزيع السلط والتأكيد على دور الملكية الدستورية الديمقراطية والبرلمانية والاجتماعية[1] في الحياة السياسية بالمغرب، ومكانتها التاريخية والدينية، بحيث يجمع النظام الملكي بالمغرب بين سمات النظام النيابي الرئاسي والبرلماني كما هو منصوص عليه في الدستور[2]. أما بخصوص الملكية في النظام البريطاني، فهي من أعرق الانظمة البرلمانية التي نشأت وتطورت عبر مراحل تاريخية، وكانت السباقة إلى إقرار نموذج النظام البرلماني في العالم، كما استطاعت ان تكرس لها نموذجا ديمقراطيا أخذت عنه العديد من التجارب الدستورية في العالم. مما يؤدي إلى طرح تحديات كبرى أمام الملكيات الوراثية لمواكبة موجة التحولات الديمقراطية في ظل اعتمادها على المشروعية الدينية والتاريخية والروحية .
الإشكالية المركزية : مميزات وخصائص الملكية في كل من النظامين السياسين المغربي والبريطاني
الاسئلة الفرعية: 1- ما هي الاسس التقليدية لكل من الملكية في النظام المغربي والنظام البريطاني
2 - ماهو التابث و المتحول فيما يخص اختصاصات الملك في الدستور المغربي الحالي
3- إلى أي حد تتسم الملكية في النظام السياسي البريطاني بملكية مقيدة تسود ولا تحكم ؟
وسنحاول الإجابة على التساؤلات موضوع الدراسة وفق محورين :
المحور الأول : مكانة ومشرعية الحكم الملكي في المشهد السياسي المغربي والبريطاني
المحور الثاني : صلاحيات الملك في كل من النظامين المغربي والبريطاني
المحور الأول : مكانة ومشرعية الحكم الملكي في المشهد السياسي المغربي والبريطاني
تستمد الملكية في المغرب مشروعيتها من رزنامة من المشروعيات القانونية والدينية والتاريخية والصوفية والثقافية، لتنصهر في بوتقة واحدة فتضفي على نسقها السياسي مزيدا من الصلابة والتفرد والخصوصية[3]. فهي تتمتع أولا بمشروعية تاريخية فلم يعرف المغاربة غيرها منذ 12 قرنًا، لأن الملكية سابقة على الدستور نفسه، فهي كانت موجودة قبله بصلاحياتها الواسعة. ومشروعية دستورية هي مصدر كل الدساتير التي مرت على المغرب، ورمزية دينية، ذلك أن الدستور المغربي 2011 ينص على أن “الملك هو أمير المؤمنين الذي يسعى إلى حفظ الدين”، ومن ثم فهو يمتلك السلطة الدينية وما لها من دلالات رمزية ارتباطا بالتراث الإسلامي “خليفة الله في الأرض”، فنجده يعمل بمقتضى هذه الرمزية في بعض الطقوس، مثل البيعة وإلإنابة على “الرعية” في أضحية العيد.
و قد خصص الدستور (2011) في الفصل 41 صلاحيات {الملك أمير المؤمنين} حيث يتوجب عليه أن يسهر على حماية الشريعة وعلى ضمان حرية إقامة الشعائر الدينية [4]. وفي الفصل 42 فقد أفرد ل {الملك رئيس الدولة}، أو {الملك الدستوري}. فالصفة الأولى تجعله منه «حامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية}، و{رئيس المجلس العلمي الأعلى}، وبصفة عامة احتكار كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، كما يفهم أيضا من منطوق هذا الفصل تخصيصه بالفتوى اعتمادا على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والمعتمدة من الدولة رسميا، وهو ما يغلق الباب أمام فوضى الإفتاء.
ظلت الملكية في المغرب، على مدى التاريخ حامية للديانة الإسلامية وكذا الديانات الأخرى مهما قل عدد معتنقيها، وعليه مثل الإسلام أداة لتحقيق الوحدة بين جميع المغاربة. فالسلطان، بوصفه إماما لجميع المسلمين، كان يمثل ويجسد روح الديانة الإسلامية بصفته عاملا موحدا، يخترق الانقسامات القبلية والطرقية والجغرافية والاثنية والاجتماعية.[5]
أما الفصل 42 فيخول الملك أن يكون {الممثل الأسمى للدولة،[6] ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساته}، فضلا عن {السهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة}. لذلك خصه الدستور بوضعية خاصة ومنحه سلطات واسعة يمارسها بمفرده أوبمشاركة سلطة أخرى دون ربط ذلك بالسلطة والمسؤولية حيث يقر الفصل 46 " شخص الملك لا تنتهك حرمته وللملك واجب التوقير والاحترام." ويبقى الملك في هذه الحالة مسؤولا أمام الله سبحانه وتعالى فقط، وبهذه الطريقة، تم إفراغ عقد البيعة من محتواه السياسي، ليتجسد أساسا في شكل طقوس ومراسيم يتم خلالها، مرة كل سنة لتقديم الولاء جماعة[7].
أما بالنسبة للملكية في النظام السياسي البريطاني فهي أيضا تتمتع بمكانة ورمزية تاريخية شأنها شأن الملكية بالمغرب، بحيث مازالت تمارس عاملا مهما في استمرارية الأمة البريطانية وثباتها، بالرغم من التقليص المستمر لدور الملكية في الحياة السياسية. فالملك أو الملكة لازالا يتمتعا ببعض الامتيازات التاريخية، إذ لا زالت الملكية في النظام السياسي البريطاني همزة وصل بين الأمة والحكومة، وهي تجسد الحس النابض لولاء الشعب البريطاني و وطنيته، وتجسد عظمة الأمة ورمز وحدتها، ومصدر اعتزاز أبنائها، وهي منبع الشرف و النبل فيها .
ومن جهة أخرى تتميز الملكية في النظام السياسي ابريطاني بمشروعية دينية أوسلطة دينية مطلقة بحيث تختص بالرئاسة الزمنية لكنيسة الأنجليكانية (البروتستانتية ) الدين الرسمي لإنجلترا، إضافة إلى الدور الروحي والمعنوي الذي يتمتع به التاج البريطاني. حيث يعتبر الملك تجسيد حي لمشاعر الولاء الوطنية لدى الشعب الانجليزي، لذا فالمركز الاجتماعي للأسرة المالكة مرموق، و يبدي الشعب الانجليزي اهتماما كبيرا بالاحتفالات الخاصة بأفراد العائلة المالكة. كما ينتقل الحكم في كلا النظامين عن طريق الوراثة ،إلى الولد الأكبر سنا من ذرية الملك في النظام السياسي المغربي[8]، و ينتقل التاج من الملك الى الذي يليه من الرجال أو النساء بنسبة درجة قرابتهم من الملك في النظام البريطاني[9].
إن للمشروعية التاريخية فضل كبير في تكون الملكية في النظام السياسي البريطاني، وجعله يتصدر قائمة الأنظمة البرلمانية في العالم الحديث والمعاصر. فالإنجليز بقدر ما يميلون إلى التجديد والاجتهاد في بناء مؤسساتهم وتأصيل قواعدها ، بالقدر نفسه يحرصون على المحافظة على الثوابت وعدم التفريط في المكتسبات. الأمر الذي يفسر تلازم ثنائية الاستمرارية والتجديد في تطور النظام السياسي البريطاني ومؤسساته الدستورية[10].
نفس المميزات بالنسبة للنظام السياسي بالمغرب ، فالملكية تعد المحور الرئيسي في التاريخ السياسي المغربي الحديث، إذ رمزية المؤسسة الملكية في المجتمع المغربي جلية، فهي تتحرك وتناور وتتنازل أحيانا دون أن تراوح مكانها على رأس النظام، إنها تجدد آلياتها باستمرار وتتكيف مع الظروف من أجل البقاء، وتستحوذ على مختلف الموارد والنخب، فتخرج في كل مرة تجتاز فيها امتحانا عسيرا – كان آخرها الربيع العربي – بقوة أكثر وبشرعية أكثر.
المحور الثاني : صلاحيات الملك في كل من النظامين المغربي والبريطاني
يمارس الملك في النظام المغربي إختصاصات حديثة وعصرية بصفته يسود ويحكم بخلاف الملكية في النظام البريطاني فهي تسود ولا تحكم ، ولكن تمارس اختصاصات نظريا وشكليا .أما صلاحيات الملك بصفته أعلى سلطة في الدولة و هي المدسترة و المحددة بشكل واضح في الوثيقة الدستورية و يمكن إدراجها إجمالا على الشكل التالي مع مراعاة ذكرها بحسب ظهورها في فصول دستور 2011:
- تعيين الملك في حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا ( الفصل 43).
- تعيين عشر شخصيات في مجلس الوصاية (الفصل 44).
- تعيين رئيس الحكومة[11] ، كما يعين باقي أعضاءها باقتراح من رئيس الحكومة وله أن يعفيهم من مهامهم بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة (الفصل 47).
- رئاسة المجلس الوزاري (الفصل 48).
- إصدار الأمر بتنفيذ القوانين (الفصل 50)
- 6-حق حل البرلمان أو أحد مجلسيه (الفصل 51).
- مخاطبة الأمة و البرلمان(الفصل 52).
- رئاسة القوات المسلحة الملكية (الفصل 53).
- حق التعيين في الوظائف المدنية و العسكرية (الفصل 53).
- رئاسة المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54).
- اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية و المنظمات الدولية ولديه يعتمد السفراء و ممثلو المنظمات الدولية (الفصل 55 فقرة 1).
- توقيع المعاهدات الدولية و المصادقة عليها (الفصل 55-2)
- رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)
- ممارسة حق العفو (الفصل 58).
- الإعلان عن حالة الإستثناء (الفصل 59).
من خلال هذا الجرد لإختصاصات الملك في ظل الدستور المراجع لسنة 2011، يتضح جليا المكانة المتميزة للمؤسسة الملكية حيث يتولى الملك اختصاصات واسعة فتتنوع لتشمل مختلف المجالات التشريعية و التنفيذية و القضائية باعتباره أسمى سلطة في البلاد.
بخلاف الملك في النظام السياسي البريطاني فهو يسود ولا يحكم وله صلاحيات رمزية تنبع من مبدأ " لا مسؤولية حيث لا توجد سلطة "، فمعظم اختصاصاته يمارسها استثناءا بمبادرة من الحكومة وباقتراح منها. كما له صلاحية التصديق على القوانين التي يقرها البرلمان،[12] من أجل نشر القوانين وإصدارها ووضعها موضع التنفيذ. ومع أن الملك يستطيع نظريا أن يعترض على القوانين ويحول بالتالي دون تنفيذها فإنه لم يقم بأي بادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
ويتمتع الملك البريطاني بصلاحية اختيار الوزير الأول، إذ كانت صلاحية يتمتع بممارستها بحرية تامة، إلا أن الظروف والأعراف الدستورية حدت فيما بعد من حريته في هذا المجال بحيث أصبح ملزما بتعيين رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم، بهذا المنصب، وهو نفس الأمر بالنسبة للنظام الملكي بالمغرب،( الفصل 47 من الدستور المغربي الجديد 2011).
-وللملك في النظام السياسي البريطاني، صلاحيأت أخرى :
- تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات[13] وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري. و صلاحية تمديد مدة ولاية مجلس العموم وحل هذا المجلس قبل انتهاء ولايته وذلك بناء على اقتراح من الحكومة.
- وصلاحية إعلان الحرب، والسلام، وإبرام المعاهدات الدولية والاعتراف بالدول الحكومات الأجنبية وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين [14]للخارج لاستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.وهذه الاختصاصات شبيهة بالتي يتمتع بها الملك في النظام المغربي (الفصل 55من الدستور 2011 ).
- صلاحية منح الألقاب والأوسمة.
- صلاحية إصدار عفو خاص عن المحكومين.تقابلها المادة 58 من الدستور المغربي 2011.
- صلاحية تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.تقابلها المادة 53 من الدستور المغربي 2011.
والجدير بالذكر بالنسبة لجميع هذه الصلاحيات التقليدية، أن الملك لا يستطيع مباشرتها وممارستها إلا بناء على اقتراح الحكومة ومشاركة الوزير الأول وبعض الوزراء المعنيين، بالتوقيع على المراسيم الملكية المتعلقة بها. وهذا يعني أن سلطات الملك في كافة هذه المجالات ما هي إلا سلطات رمزية فقط . بخلاف الملكية في المغرب لها سلطات دينية وقضائية وتشريعية وتنفيذية في الحالات العادية وتتركز أكثر في الحالات غير العادية . غير أن الملك في ابريطانيا يتمتع مقابل تخليه عن كافة السلطات الفعلية، بحصانة مطلقة سواء على الصعيد السياسي أم الجنائي، لان الملك شخص مقدس لا يمكن انتهاك حرمته.[15] وهذه الحصانة المطلقة هي في الواقع استمرار لقاعدة عرفية قديمة تقول باستحالة الملك بأي عمل خاطئ. وهذه الحصانة تجد حاليا ما يبررها ولاسيما على الصعيد السياسي، في واقع تخلي الملك لوزرائه عن كافة السلطات الفعلية وذلك مقابل تحملهم للمسؤولية كاملة.
خاتمة :
إن أنظمة الحكم الملكية في كل من المغرب وابريطانيا اعتمدتا مشروعية تاريخية ورمزية روحية دينية مما ساهم ولا زال سيساهم في تعزيز الاستقرار السياسي ومسلسل التطور الديمقراطي، والاصلاح السياسي .كما أن نظام الملكية كان عامل وحدة من خلال الدور التحكيمي والوساطة بين جل الفرقاء السياسيين سواء كانت ملكية تسود وتحكم (المغرب )أم ملكية رمزية تسود ولا تحكم (ابريطانيا ) ما يخلق مناخا ملائما للتطور الديمقراطي واستمرار ية نموذج الحكم الملكي .
إن تطور المسلسل الديمقراطي وسياسة الاصلاحات الدستورية التي خاضها المغرب لم تفضي بالضرورة إلى تراجع المشروعية الدينية لمصلحة قواعد اللعبة الديمقراطية ومبادئ القانون، فقد نجحت الملكية التنفيذية بالمغرب من تحصين نفسها ضدالقوى المنافسة وتعزيز مكانتها التاريخية والرمزية.بعكس الملكية في ابريطانيا فهي حافظت على وجودها ومكانتها التاريخية الرمزية والروحية طيلة مراحل تاريخية مهمة، لكن ملكية مقيدة وذات سلطات رمزية تدعم الاستقرار وروح الوحدة والمواطنة أكثر منها سلطة تنفيذية تتأقلم مع المتغيرات الاجتماعية والديمقراطية .
الهوامش
[1][1] الفصل الأول من دستور 2011،،الجريدة الرسمية العدد رقم 5964 الصادر في 30-07-2011
[2] الحاج قاسم محمد:القانون الستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الخامسة 2013 دار النشر المغربية، ص 193
[3] المختار مطيع : النظام السياسي المغربي ، دار الأمان الطبعة 1997 ص
[4] الحاج قاسم محمد:القانون الستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الخامسة 2013 دار النشر المغربية، ص192
[5] Mohamed Berdouzi, Destinées démocratiques: analyses et prospéctive du Maroc politique (Rabat: Renouveau, 2000), p. 28.مأخوذ من مقال المقدس والديمقراطية :المشروعية الدينية للملكية في أفق التحول الديمقراطي منشور بموقع المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات . http://www.dohainstitute.org/portal
[6] من مستجدات دستور 2011 اعادة النظر في الوضعية السابقة التي كانت تجعل من الملك، وليس البرلمان، هو «الممثل الأسمى للأمة». إذ علاوة على أن الفصل 42 من الدستور الجديد قد جعل من {الملك ممثلا أسمى للدولة}، وليس للأمة، فقد تعزز هذا المنحى من خلال تأكيد الفصل الثاني من نفس الدستور على أن {السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها}
[7] محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب ،الدار البيضاء: نشر الفنك،1999 ص72
[8] الفصل 46 من الدستور المغربي 2011
[9] حماد صابر: الأنظمة الدستورية الجزءالثاني ص113
[10] امحمد المالكي ,القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية , ج 2 الطبعة الاولى لسنة 1997، ص 32
[11] بالمقارنة مع الفصل 24 من دستور 1996 يتأكد على أن صلاحية الملك في تعيين رئيس الحكومة لم تعد مطلقة كما كان عليه الحال في التجارب الدستورية السابقة بل أصبحت مقيدة بمنح هذا المنصب من الحزب الذي تصدرنتائج الإنتخابات.
[12] الحاج قاسم : مرجع سابق ص138
[13] الحاج قاسم :نفس المرجع
[14] الحاج قاسم محمد : مرجع سابق ، ص138
[15] وكذا نفس الشئ بالنسبة للملك في المغرب (الفصل 46 من دستور 2011)