يعتبر العقد من أهم الوسائل التي ابتكرها الفكر القانوني لتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الأفراد بعضهم ببعض، وبين الأفراد وبعض المؤسسات الخاصة والعامة#. ونظرا لأهميته وللدور الإلزامي الذي أنيط به كان لزاما على التشريعات قديمها وحديثها أن تحيطه بمجموعة من المبادئ والقيود القانونية، إلا أن قانون الالتزامات والعقود المغربي لم يعرف العقد، تاركا مهمة تعريفه للفقه، الذي نادي جانب منه على ضرورة التفرقة بين العقد
le contrat
والاتفاق
la convention
حيث اعتبروا الاتفاق أعم وأشمل من العقد استنادا إلى نص المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي، بحيث لا يعدو أن يكون العقد نوع خاص من الاتفاق
le contrat est une espèce particulière de convention.
ولعل التعريف السائد عند معظم الفقهاء هو "أن العقد توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه".
وحيث أننا سنتناول بالدراسة العقد الدولي الإلكتروني كوسيلة لإتمام عمليات التجارة الإلكترونية، نشير إلى أن هذا الأخير ليس استثناءا من أحكام وقواعد النظرية العامة للعقد، غاية الأمر أنه يتميز بكونه عقد يتم باستخدام وسائط إلكترونية من أجهزة وبرامج معلوماتية، الأمر الذي دفعنا إلى محاولة تحديد ماهيته وطبيعته القانونية(المطلب الأول)، ولما كان هذا العقد يتميز بعدة خصائص كان لابد من الوقوف عندها موازاة مع محاولة استنباطها من عقود مشابهة ومحيطة به في البيئة الإلكترونية (المطلب الثاني
المطلب الأول: ماهية عقد التجارة الإلكترونية وطبيعته القانونية
إن العقد الإلكتروني مثله مثل أي عقد آخر يتم بالطرق التقليدية، فالفارق الوحيد يتمثل في طريقة التعاقد وإتمام العقد، فالعقد القديم كان يتم بالطريقة التقليدية على الورق، بينما العقد الإلكتروني يتم على شبكة الإنترنت، والتي يتم فيها استيفاء كافة أركان العقد بطريقة إلكترونية، وهذا ما قدم لهذا العقد خصوصيته (الفقرة الأولى)، وجعل طبيعته القانونية متأرجحة بين عقود التراضي وعقود الإذعان (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: خصوصية العقد الإلكتروني
ينبغي أن نركز في تعريف العقد الإلكتروني على خصوصيته الناتجة بصفة أساسية عن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها، كما لا ينبغي على أي حال أن نغفل صفة هامة من صفاته وهو أنه ينتمي إلى طائفة العقود التي تبرم عن بعد.
أولا- العقد الإلكتروني في ضوء الطريقة التي ينعقد بها
إن أول ما يطالعنا بشأن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها العقد الإلكتروني، أنه يتعين على المشترك من أجل إبرام العقد عبر شبكة الإنترنت، أن يكون متصل بهذه الشبكة، التي تتميز بوجهين أساسيين للخصوصية، بحيث أنها شبكة دولية تعمل بفضل البنية التحتية للاتصالات عن بعد وبالتالي فالانترنت هي شبكة دولية للاتصالات
عن بعد
Réseau international de télécommunication
وجدير بالذكر أنه يمكن للعميل الذي يتصل بموقع التاجر، دراسة العرض المقدم من هذا الأخير، وطلب المعلومات التي يرغب في الإطلاع عليها، بل ويمكنه التجربة في بعض الأحيان، حيث تعرض بعض المواقع على سبيل المثال ملابس للبيع، وتسمح بتجربتها على مانيكانات افتراضية
(mannequins virtuels)
، وباختصار فلن يتخذ المستهلك موقفا سلبيا اتجاه العرض، فالتعاقد الإلكتروني يسمح بالتفاعل# بين التاجر والعميل.
وبناء على خصوصية الطريقة أو الوسيلة التي يتم من خلالها انعقاد العقد عبر الإنترنت، يمكن أن نعرف العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية بأنه: "اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل".
وعلى ذلك لا يختلف عقد التجارة الإلكترونية أو العقد الإلكتروني عن أي عقد آخر فيجوز أن يرد على كل الأشياء والخدمات، طالما أنها ليست خارجة عن التعامل، باعتبار أن هناك بعض العقود الإلكترونية التي يمكن أن يكون موضوعها سلع غير مشروعة، والتي قد تتمثل على سبيل المثال في عمليات بيع المخدرات وبيع الأفلام الإباحية وبيع السلاح...
فمن الناحية القانونية، ولما كانت القاعدة العامة هي عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون، ولما كانت المخدرات محرمة شرعا وقانونا، وأن القانون قد وضع أشد العقوبات على مرتكبيها سواء كان صانع أو زارع أو بائع أو متعاطي لها.
وعليه، فالعقد الإلكتروني متى كان موضوعه بيع سلعة أو تقديم خدمة مخالفة للقانون ومعاقب عليها بأشد العقوبات لما لها من آثار سيئة على المجتمع، فإن هذا العقد يعتبر معدوما ليس له أثارا قانونية ويحسب كأنه لم يكن#.
أما عن أطراف هذا العقد فهم أنفسهم في أي تجارة أخرى: بائعون أو مقدمو خدمات ومشترون أو مستهلكون، كما قد تتم هذه العقود بين المشروعات
(inter-entreprises)
الخاصة أو العامة كما قد تكون عقودا بين الأفراد.
وهكذا يتجلى لنا أن العقد الإلكتروني ما هو إلا عقد كبقية العقود الأخرى، فإذا كان العقد العادي يبرم تقليديا بالكتابة أو باللفظ، شفاهة أو بالإشارة، فإن العقد الإلكتروني يبرم تقنيا بالكتابة الإلكترونية والوسائط أو الدعائم الإلكترونية#. فهو ذلك العقد الذي يتم بوسيلة إلكترونية، وبالتالي فما هو إلا اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على الخط، ويتم ذلك بصور عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع، أشهرها العقود الإلكترونية على الويب، والتعاقد بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني، حيث تلتقي إرادة المزود أو المنتج أو البائع مع إرادة الزبون، ويبرم الاتفاق على الخط.
ومن أجل تسهيل الطريقة أو الوسيلة الإلكترونية التي ينعقد بها العقد الإلكتروني وبمعنى آخر تسهيل هذا النوع من التعاقد، فقد تمت صياغة عقد إلكتروني نموذجي في فرنسا بين التجار والمستهلكين# تم اعتماده من طرف غرفة التجارة والصناعة في باريس بتاريخ 30 أبريل 1998، من طرف اللجنة القانونية للجمعية الفرنسية للتجارة والمبادلات الإلكترونية في 4 ماي 1998، بحيث تمت صياغة ووضع نصوصه وفقا لأحكام القانون الفرنسي بطبيعة الحال، وإن كان ذلك لا يحول دون إمكانية تطبيق القواعد الواردة به أمام إحدى المحاكم الأجنبية، إذا رأى القاضي أن هذه القواعد الاتفاقية تحقق للمستهلك حماية أكثر من تلك التي يحققها له قانونه الوطني.
أما بخصوص الطريقة التي صيغ بها هذا العقد، فقد تمت صياغة أحكامه في شقين يكمل كل منهما الآخر، أحدهما يتضمن الشروط النموذجية
(clauses types)
التي تتضمن القواعد التي يخضع لها هذا العقد، والآخر يتمثل في شروح أو تعليقات
(commentaires)
تمثل دليلا عمليا لتطبيق هذه الشروط النموذجية#.
ثانيا- العقد الإلكتروني نوع خاص من العقود المبرمة عن بعد
يفترض في التعاقد عن بعد#، تدخل وسيلة لإيصال إرادة أحد المتعاقدين بغية إتحادها بإرادة الآخر، سواء كانت هذه الوسيلة بشرا كالرسول، أو آلة ميكانيكية كالهاتف أو الفاكس أو التلكس أو الإنترنت#، وبما أن العقد الإلكتروني يبرم عبر الإنترنت إذن فهو عقد يتم عن بعد، وبالتالي ينتمي لطائفة العقود المبرمة عن بعد، ومن ثم وجب أن يحترم القواعد الخاصة بها#.
خصوصا تلك المتعلقة بحماية المستهلك إذا انعقد العقد بين مهني#وبين طرف ثان لا يتعاقد في نطاق نشاطه المهني. إذ يجب على المهني الالتزام بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة التي تساهم في معرفة المستهلك بخصائص السلع أو الخدمات، وكيفية استعمالها والاستفادة منها، ويعد إخفاء المهني لخصائص السلعة أو الخدمة أو مجرد عدم التطابق بين المعلومات المقدمة وخصائص السلعة من قبيل الغش الذي يستوجب معاقبته.
وهذا الالتزام من جانب المهني يقابله التزام آخر من جانب المستهلك، يتمثل بالاستعلام بمعنى ألا يتخذ موقفا سلبيا، بل عليه أن يبادر القيام بمعرفة الشيء الذي يقدم في التعاقد عليه، وعلى كل المعلومات المتصلة بالعقد متى كان ذلك ممكنا، خصوصا أن المبادئ السائدة اليوم تقرر أن هناك موجب إعلام من لا يستطيع الاستعلام، خاصة بالنسبة للتقدم التقني في بعض الأشياء وكذلك للظروف التي يجري فيها إبرام العقد عن بعد.
لذا، فالعرض المقدم في إطار العقد الإلكتروني يجب أن يكون محددا وواضحا ومفهوما سواء على مستوى تحديد شخصية البائع خصوصا عندما يكون محل اعتبار شخصي وأساسا للتعاقد، أو على مستوى بيان السلعة أو الخدمة بيانا كافيا نافيا للجهالة#.
وتأكيدا لحماية المستهلك في إطار العقود المبرمة عن بعد، قرر القضاء الفرنسي إلزام البائع بتبصير المشتري وإلزامه أيضا تعويض الأضرار التي قد تلحقه، فضلا عن فسخ العقد إذا طلب المشتري ذلك ومن هذه الأحكام#:
ما قررته محكمة النقض الفرنسية من أنه:" كان يجب على البائع المهني، حث انتباه المشتري حول حقيقة المبيع، حيث أنه قد أغفل تنبيهه لذلك، فإنه يعتبر قد أخل بالتزامه بالإعلام اتجاه المشتري، ومن تم قررت المحكمة مسؤوليته وقضت بفسخ العقد بناء على طلب المشتري".
وما قررته محكمة الاستئناف أيضا، من "إدانة بائع أجهزة الحاسب الآلي، لإخلاله بالالتزام بالإعلام والنصيحة تجاه عميله المشتري العادي، وعدم مساعدته في اختيار الجهاز المناسب له، خاصة وأن هذا المشتري ليس خبرة في هذا المجال".
وقد استقر الفقه والقضاء على أن الكتمان في إطار العقود المبرمة عن بعد، يعد أحد وسائل التدليس سواء بشكله السلبي (الكتمان) أو الإيجابي (الخداع).
وفي الواقع فإن وضع قواعد خاصة بحماية المستهلك في العقود التي تبرم عن بعد، تنبع من طبيعة هذه العقود التي تؤدي بالبداهة إلى اختلاف أحكامها عن تلك العقود التي تبرم بين حاضرين#.
ويضاف إلى ما سبق عنصر آخر في غاية الأهمية في نظرنا يبرر إفراد العقود عن بعد بأحكام خاصة، وهو أن المستهلك لن يكون بوسعه الحكم الدقيق على المنتوج الذي يتعاقد عليه، وذلك مهما بلغ وصف البائع له من دقة وأمانة، وهو ما يبرر بصفة خاصة التركيز على إعطاء المستهلك رخصة الرجوع#
(Droit de Rétractation)
في العقد خلال مدة معينة تحسب عادة من تاريخ تسلمه للمنتوج الذي تعاقد عليه، وهو الحل الذي تبناه المشرع الفرنسي# وكذلك التوجيه الأوروبي الصادر في عام 1997 والخاص بالعقود المبرمة عن بعد#.
الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية لعقد التجارة الإلكترونية
إن العقود الإلكترونية التي تبرم بين الأطراف قد تتعلق بالبيع أو الشراء أو الإيجار، فمتى كان موضوعها سلعة استهلاكية يحتكرها شخص أو جهة ما، وقام هذا الشخص أو هذه الجهة بوضع عقد على الطرف الآخر إما أن يقبله أو يرفضه دون حق مناقشته أو تعديله، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان، أما إذا كان موضوعها سلعة عادية لا يحتكرها شخص أو جهة ما، وكان هناك تفاوض على بنود العقد وشروطه كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد رضائي.
أولا- عقد التجارة الإلكترونية عقد إذعان
أن محل العقد الإلكتروني أو موضوعه، قد يتخذ صورا عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع. وفي حالة ما انصب هذا المحل على توزيع سلعة أو توريد خدمة، فالعقد هنا كان عقد إذعان، بحيث تم بين محتكر توزيع تلك الخدمة وبين مستهلك لها#، وغالبا ما يكون محتكر توزيع تلك السلعة أو توريد تلك الخدمة هي جهة حكومية. فما المقصود بعقد الإذعان؟
فعقد الإذعان
contrat d’adhésion،
هو الذي ينعقد دون مناقشة ولا مساومة بين الطرفين، ففي هذا النوع من العقود يكون موقف أحد المتعاقدين موقف المطاوع لا يملك إلا أن يقبل شروطا يمليها الطرف الآخر أو يرفضها جملة، دون مفاوضة أو نقاش، وقد عرف هذا النوع من العقود عندما شاعت الاحتكارات القانونية لبعض المرافق العامة، كالماء والكهرباء والغاز ووسائل النقل العامة، فالراغب بالاشتراك في الغاز أو الكهرباء أو الماء أو الراغب في استعمال القطار، لا يستطيع أن يناقش ويساوم في شروط الاشتراك أو الاستعمال، بل ليس له إذا ما أراد التعاقد سوى الإذعان لإرادة الشركة المحتكرة، والقبول طائعا بالإيجاب الذي تعرضه عليه والذي يكون معدا مسبقا.
وقد انقسم الفقهاء#في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين: فبعضهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية، ويذهب فريق آخر إلى أنها لا تختلف عن سائر العقود.
أما الفريق الأول، وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتبعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجييه وهوريو، فقد أنكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ.
ويرى الفريق الثاني، وهم غالبية فقهاء القانون المدني أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود، ومهما قيل أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الأخر، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي، ويكون ذلك بإحدى الوسيلتين أو بهما معا: الأولى وسيلة اقتصادية، فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر، والثانية وسيلة تشريعية حيث يتدخل المشرع لا القاضي لينظم عقود الإذعان#.
وبناء على التعريف أعلاه، وفي ضوء العلاقة التعاقدية التي تجمع بين مهني متحكم ومستهلك مطاوع، فقد رأى الفقهاء في القانون الإنجليزي# أن العقد الإلكتروني يحوي العلاقة نفسها بين طرفين غير متكافئين اقتصاديا، طرف قوي (تاجر مهني) وطرف ضعيف (مستهلك عادي) مما يصبغ عليه صفة عقد إذعاني، فالمتعاقد عبر شاشة الإنترنت، لا يمكن إلا أن يضغط على عدد من الخانات المفتوحة أمامه، في موقع البائع التي تضم المواصفات التي يرغب فيها ضمن السلع والخدمات وعلى الثمن المحدد سلفا الذي لا يملك المناقشة أو المفاوضة بشأنه مع المهني وكل ما يحتاج له إما قبول العقد برمته أو برفضه برمته.
إذن مما سبق، نستنتج أنه متى تعلق محل أو موضوع العقد الإلكتروني بسلعة أو خدمة تعتبر من الضروريات الأولية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومتى احتوى هذا العقد علاقة بين موجب مهني يحتكر احتكارا فعليا أو قانونيا شيئا يعد ضروريا لمستهلك ليس بمقدوره مناقشة أي جانب أو بند من بنود العقد، وما عليه سوى الرضوخ والتسليم بالشروط الواردة في الإيجاب، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان.
ثانيا- عقد التجارة الإلكترونية عقد تراضي
عقد التراضي#أو عقد المساومة أو العقد العادي
(Contrat de gréagré)،
هو العقد الذي يتم التراضي فيه على أساس المساواة الفعلية والقانونية بين أطرافه، وتجري المناقشة والمساومة في بنوده وشروطه من قبل المتعاقدين اللذين يسهمان معا في المناقشة والمفاوضة والمساومة على وجه التعادل والمساواة وبمطلق الحرية.
وتوضع بنود هذا العقد والتزامات طرفيه وحقوقهم طبقا لما استقرت عليه المفاوضات التي تمت بينهما، دون أن يكون لأي منهما حق فرض شروطه على الطرف الآخر#. لذلك يمكن القول بأن العقد الإلكتروني هو من حيث الأصل عقد تراضي حيث يكون فيه للأطراف حرية التعاقد، وإن كانت هناك شروط معدة سلفا فهم لا يجبرون على الموافقة عليها بل لهم حرية رفضها، إذ يجوز لهم شراء سلعة مماثلة من منتج أو مورد آخر، إذا لم تعجبهم الشروط المعروضة.
وعليه، فإن تفسير الشروط التي يضعها العارض إنما هي تحليل للإيجاب أو للدعوة إلى التعاقد، فهي تهدف إلى تسهيل عملية البيع والشراء التي تتم عن طريق أجهزة الكمبيوتر. وللتدليل على أن العقود الإلكترونية عقود تراضي، يمكننا أن نعتمد أيضا على عملية التعاقد المباشر بين الطرفين حيث يتفاوضان على شروط العقد مباشرة، دون أن ننسى الاعتماد كذلك على عملية التعاقد بواسطة البريد الإلكتروني، حيث لا يتم وضع شروط على الموقع، وإنما يتم إرسال إيجاب إلى أحد الأطراف فينظر فيه إما بالقبول أو بالرفض أو بالتعديل ما يراه مناسبا، فيصبح إيجابا جديدا، فهو اختيار بين فرضيات مختلفة ويشكل نوعا من التفاوض يؤدي إلى التعاقد.
فبناء على هذه الاعتبارات يمكننا القول أن العقد الإلكتروني هو عقد تراضي، سواء تم بطريقة التعاقد المباشر، أو عن طريق البريد الإلكتروني أو بواسطة المواقع التجارية على الإنترنت والتي تعرف بالعقود النموذجية#.
إذن على ضوء ما قدمناه حول الطبيعة القانونية التي يمكن أن تكسو العقد الإلكتروني والأحوال التي يمكن اعتباره فيها عقد إذعان أو عقد تراضي، فما علينا بدورنا إلا أن نجزم على أن عقد التجارة الإلكترونية هو عقد خاص، ذو طبيعة قانونية خاصة تميزه عن غيره من العقود، سواء تلك التي تبرم بحضور الأطراف أو بغيابهم، لأنه حتى تلك العقود الأخرى التي تبرم عن بعد بواسطة الهاتف مثلا أو الفاكس تختلف بدورها عنه.
المطلب الثاني: تمييز عقد التجارة الإلكترونية وخصائصه
لقد ظهر بوضوح أن الوسيلة أو الطريقة التي ينعقد بها العقد الإلكتروني، تمثل أهم وجه لخصوصيته، كما اتضح انه ينتمي لطائفة العقود التي تبرم عن بعد، ومن ثم وجب علينا أن نميز هذا العقد عن غيره من العقود المشابهة والمحيطة به (الفقرة الأولى)، واستجلاء بعض خصائصه التي تدعم له خصوصيته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تمييز العقد الالكتروني عن بعض العقود المشابهة والمحيطة به
يتميز العقد الإلكتروني عن غيره من العقود المشابهة بذات الطريقة التي ينعقد بها، وكذلك عن غيره من العقود المحيطة به في البيئة الإلكترونية.
أولا- العقد الإلكتروني والعقود المشابهة
رغم أننا حاولنا تعريف العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية محددين ما به من خصوصية، إلا أنه وطالما لم يخضع بعد لتنظيم خاص به يميزه عن غيره من العقود المشابهة والمتمثلة خصوصا في عقد البيع التقليدي وعقد البيع في الموطن، فقد يحدث أن يختلط بها#.
العقد الإلكتروني وعقد البيع التقليدي
Contrat de Vente Traditionnel
يعتبر عقد البيع من أكثر العقود المسماة شيوعا في العالم، لأنه أكثر عقد يتم بين الأشخاص في الحياة اليومية، فلا تمر لحظات إلا ويتم خلالها عمليات بيع أو شراء، حتى أن الشخص الواحد قد يبرم عدة عقود بيع في اليوم الواحد، فالشخص إن لم يكن بائعا فهو مشتري وبالنتيجة فإن ما يتم الاتفاق عليه هو عقد بيع#.
فالإقبال على إبرام عقود البيع تطلبته الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فهو أساس المعاملات اليومية بين الأفراد بغية بناء حياتهم اقتصاديا سعيا وراء تحقيق الكسب والربح غالبا، وأساسا لبناء ذات الإنسان عن طريق شراء حاجياته الضرورية والنافعة، وهذا ما دفع المشرع إلى الاهتمام به سواء في الماضي عن طريق اهتمام فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، أو في الحاضر عن طريق اهتمام الأنظمة التشريعية.
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي نظم عقد البيع، وأفرد له القسم الأول من الكتاب الثاني المتعلق بمختلف العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها، وقد عرفه بمقتضى المادة 478 بأنه "عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر، ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له". كما عرفته المادة 1582 من التقنين المدني الفرنسي بأنه:"عقد بمقتضاه يلتزم شخص بتسليم شيء إلى شخص أخر يدفع له ثمن"#.
ويستخلص من هذين التعريفين أن عقد البيع عقد ملزم للجانبين، إذ هو يلزم البائع من جهة أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر، ويلزم المشتري من جهة أخري أن يدفع للبائع مقابلا لذلك ثمنا نقديا. ففي هذا العقد يكون كل من المتعاقدين حاضرا في مواجهة الآخر عند تبادل التعبير عن الإرادتين، أما عن الوقت الذي ينعقد فيه فإنه يتم في وقت تفاوض الإرادتين على الثمن والشيء المبيع، مع ملاحظة أن العقد ينعقد بتلاقي الإرادتين حتى ولو لم يكن الشيء قد سلم بعد.
وعلى ضوء هذه المعطيات يتضح لنا أن العقد الإلكتروني ليس عقد بيع تقليدي، بحيث يتسم هذا الأخير بصفة رئيسية تتمثل في المواجهة بين المتعاقدين، اللذان يكونان حاضرين عند تبادل التعبير عن الإرادتين، في حين يتسم العقد الإلكتروني ببعد الطرفين وانفصالهما عن بعضهما البعض، بحيث يتم التغلب على الحدود الزمنية والجغرافية، وذلك نتيجة تقدم التكنولوجيا التي وفرت هذه التقنية للتعاقد، بحيث يتم تواصل البائع والمشتري في سوق إلكتروني، تقدم فيه المنتجات والخدمات في صيغة افتراضية ويتم دفع ثمنها بنقود إلكترونية.
2- العقد الإلكتروني وعقد البيع في الموطن
Contrat de Vente à Domicile
عقد البيع في الموطن أو ما يسمي بالسعي لإبرام العقود
(Démarchage)
هو طريقة من طرق البيع تتمثل في دعوة من جانب المهني لمقابلة المستهلك، من أجل أن يقترح عليه بيع أو إيجار شيء أو تقديم خدمة#ويمكن أن يتم بطريقتين
- الطريقة الأولى: ينتقل فيها التاجر إلى موطن المستهلك في مسكنه أو في مكان عمله.
- الطريقة الثانية: ينتقل فيها المستهلك لمقابلة التاجر في مكان ليس مخصصا لتجارة الأموال أو الخدمات المعروضة#، ويتمتع فيه المستهلك أيضا بالحق في الرجوع في العقد مع خلاف في بعض التفاصيل المتعلقة بالبيع عن بعد.
ولهذا قد يحدث الخلط بين العقد الإلكتروني وبين السعي لإبرام العقود، إذا تم هذا الأخير بواسطة التليفون، ولما كان من الغالب أن يكون الإيجاب في العقد الإلكتروني عاما، فيمكن إذن أن نميزه عن السعي لإبرام العقود بواسطة التليفون، والذي يتطلب اتصالا خاصا بحيث يكون الإيجاب موجها لشخص معين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تختلف المبادرة إلى التعاقد بين هذين العقدين، ففي حالة السعي لإبرام العقود في الموطن بواسطة التليفون تأتي المبادرة من البائع الذي يقوم بعمل إيجابي يتمثل في الاتصال بالمشتري المحتمل، في حين أن الاتصال يأتي غالبا من قبل العميل في حالة العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية#.
ويمكن القول بصفة عامة، أنه على الرغم من انتماء العقد المبرم عبر الأنترنت للعقود عن بعد، فإن له بعض السمات الخاصة التي سيترتب عليها بالبداهة بعض النتائج القانونية، بحيث يقتضي تعريف العقد الذي يبرم عن بعد ألا يكون هناك حضورا مادي متعاصر للمتعاقدين، وعلى العكس بالنسبة للإنترنت فإن صفة التفاعلية في هذه الشبكة تسمح بحضور افتراضي متعاصر، كما تسمح بتسليم بعض الأشياء وأداء بعض الخدمات فورا على الشبكة، وتتيح أيضا من ناحية أخرى إمكانية الوفاء على الخط أو الشبكة الذي يمكن أن يكون فوريا أيضا.
وهكذا يمكن أن نلاحظ وفقا للنصوص التشريعية، أن فكرة البعد تتضمن دائما تصورا زمنيا إذ يكون هناك تصرفا مرجأ، وبصفة خاصة الفارق الزمني بين الإيجاب والقبول، فهناك دائما فكرة الحدين الزمنيين والتي يمكن التخلي عنها في حالة التجارة الإلكترونية، وأن تحل محلها فكرة المعاصرة وهي سمة خاصة بشبكة الإنترنت يجب أن تؤخذ في الاعتبار من الناحية القانونية#.
وكخلاصة لما سبق، نصل إلى أنه إذا كان عقد التجارة الإلكترونية يستلهم الأحكام الخاصة بالعقد المبرم عن بعد، فإنه يجب أن يخضع أيضا لبعض الأحكام المغايرة التي تأخذ في الاعتبار الخصوصية السابقة، ولكن بالمقابل لا ينبغي أن تؤدي هذه الخصوصية إلى التشكيك في اعتباره من العقود التي تبرم عن بعد.
فمهما قلنا عن معاصرة الإيجاب للقبول من الناحية الزمنية، فإن البعد المكاني بين الموجب والقابل يظل واقعا مؤثرا لا يجوز إنكاره، وخاصة فيما يتعلق بمسألة التحقق من أهلية المتعاقد وصفته في التعاقد، وكذلك فيما يتعلق بعدم رؤية المستهلك للسلعة بعينه، وهو ما يستدعي تطبيق أحكام التعاقد عن بعد على التعاقد عبر الإنترنت.
ثانيا- العقد الإلكتروني والعقود المحيطة به في البيئة الإلكترونية
ترتبط بالعقد الإلكتروني طائفة من العقود، لازمة لوجوده في الغالب تتمثل أساسا في عقد الدخول الى الشبكة وعقد الإيجار المعلوماتي وعقد إنشاء المتجر الافتراضي، فهذه العقود وإن كانت تبرم بسبب التجارة الإلكترونية ومن أجل تحقيقها، إلا أن التجارة الإلكترونية لا تكون محلا لها.
1- عقد الدخول إلى الشبكة
le contrat d’accès au réseau
يقصد بعقد الدخول إلى الشبكة العقد الذي يحقق الدخول إلى شبكة الإنترنت من الناحية الفنية، وبمقتضاه يتيح مقدم خدمة الدخول إلى الإنترنت للعميل الوسائل التي تمكنه من الدخول إلى الشبكة، وأهمها برنامج الاتصال(connexion) الذي يحقق له الاتصال بين جهاز الكمبيوتر والشبكة، كما قد يقدم له أيضا وهو فرض نادر الأدوات لذلك مثل جهاز المودم، وفي هذا الإطار قد يقوم المورد ببعض الخطوات الفنية الضرورية لتسجيل العميل الجديد مقابل استيفاء الرسوم المسماة برسوم الإدارة، كما يعرض عليه في الغالب خدمة المساعدة الفنية المسماة بالخط الساخن(hot line)، والتي تستهدف حل المشكلات الفنية التي قد يواجهها المستخدم الجديد للإنترنت عن طريق التليفون#.
أما بالنسبة للعميل، فنشير إلى أنه يلتزم في عقد الدخول إلى الأنترنت بالتزام رئيسي، يتمثل في سداد مبلغ معين يسمى بالاشتراك، وذلك في مقابل الدخول لمدة محددة أو غير محددة لجميع الخدمات التي تقدم على شبكة الإنترنت أو بعضها.
وجدير بالذكر أن المجلس الوطني للاستهلاك في فرنسا
(CNC)
، قد أشار في تقرير حديث له إلى بعض أوجه القصور في هذه العقود، وبصفة خاصة في عبارات إعلام المستهلك حيث أوصى بأنه يتعين على المورد بصفة عامة أن يعلم العميل بمدى كفاءة الخطوط المستعملة، وبعدد المشتركين لديه كمؤشر على كفاءة عنصر الاتصال بالعملاء لديه، كما يجب أن يعلمه بالبرامج المقدمة ومدى حداثتها، وأن يقدم للعميل البرامج اللازمة للتوافق بين خدمات الشبكة وبين الأجهزة التي يستخدمها، كما عليه أن يقدم له، ودون أية نفقات إضافية عدادا للوقت في الحالة التي تتم فيها محاسبته بالمدة#.
2- عقد الإيجار المعلوماتي#
عقد الإيجار المعلوماتي هو عقد من عقود تقديم الخدمات، بمقتضاه يضع مقدم الخدمة تحت تصرف المشترك بعض إمكانات أجهزته أو أدواته المعلوماتية ويتمثل ذلك غالبا في إتاحة انتفاعه بمساحة على القرص الصلب بأحد أجهزة الكمبيوتر الخاصة به على نحو معين.
ومثال ذلك، "أن يتيح مقدم الخدمة المعلوماتية للمشترك إمكانية أن يكون له عنوان بريد إلكتروني لديه، فيخصص له حيزا على القرص الصلب لجهاز الكمبيوتر المملوك له والمتصل بشبكة الإنترنت من أجل صندوق خطاباته الإلكتروني"، ويدخل في هذا النوع من تقديم الخدمات أيضا توفير المورد موقع (web) لأحد العملاء من خلال جهاز الكمبيوتر المملوك له، بحيث يتمكن من التعامل بشأن هذا الموقع من خلال هذا الجهاز.
ويرى البعض تكييف هذا العقد بأنه عقد إيجار أشياء مما تنظمه المادة 1713 وما بعدها من التقنين المدني الفرنسي، وذلك طالما أن مقدم الخدمة يسمح لعميله بالانتفاع بأجهزته مع احتفاظه بملكيتها، ويتنازل له عن حيازته لبعض الإمكانات التي تتيحها هذه الأجهزة، وطالما أن ما يقدمه من خدمات فنية يعد ذو صفة تبعية بالنسبة للانتفاع بهذه الأجهزة#.
ويترتب على الأخذ بهذا التكييف نتيجة هامة بشأن مسؤولية مقدم هذه الخدمة، عما قد يسببه استعمال العميل لأجهزته على نحو يضر بالغير، والراجح أنها تتحدد بالقدر الذي يتخلى فيه عن حيازته لإمكانات أجهزته، فإذا وصل ذلك إلى الحد الذي يمكن معه اعتبار أنها قد خرجت من تحت حراسته، فإنه لا يكون مسؤولا عن الاستعمال الذي يقوم به المشترك، وذلك بالقدر الذي يثبت فيه أن مقدم الخدمة لم يشارك ولم يعلم بما قام به المشترك، ولا يخرج ذلك عن القواعد العامة المقررة بشأن مسؤولية حارس# الأشياء.
3- عقد إنشاء المتجر الافتراضي
La réalisation de la boutique virtuelle
يطلق البعض على هذا العقد الذي يحقق إنشاء المتجر الافتراضي عقد المشاركة
le contrat de participation،
وذلك لأنه العقد الذي بمقتضاه يصبح المتجر أو (البوتيك) الافتراضي مشاركا في المركز التجاري الافتراضي، الذي يجمع العديد من التجار تحت عنوان واحد، وهو بذلك يماثل المركز التجاري التقليدي الذي يجمع العديد من التجار في مكان واحد، وينظم هذا العقد بطبيعة الحال التزامين رئيسيين يتمثلان في:
أ- التزام المركز التجاري بفتح المتجر الخاص بالمشارك على شبكة الإنترنت وما يتضمنه ذلك من الترخيص له باستخدام برنامج متخصص يسمح له بمباشرة التجارة عبر شبكة الإنترنت.
ب- التزام المشارك بالمقابل المالي لذلك.
كما يتضمن هذا العقد بعض الأحكام التي تستهدف تنظيم مسؤولية طرفيه بشأن بعض المسائل، مثل ضرورة احترام التشريعات السارية التي تتعلق بهذه الأنشطة، واحترام المتجر الافتراضي للشروط العامة للمركز التجاري الافتراضي مع مراعاة وجود بعض الشروط الخاصة بالمتجر.
ويرى البعض تكييف هذا العقد بأنه عقد تقديم خدمات يدخل في نطاق عقد المقاولة
(Entreprise ou louage d’ouvrage)
الذي تعرفه المادة 1710 من التقنين المدني الفرنسي بأنه:" عقد بمقتضاه يلتزم أحد الأطراف بالقيام بعمل لحساب الآخر بمقابل يتفقان عليه"#. وهو الرأي الذي لا يتعارض مع ما هو مقرر بشأن عقد المقاولة بصفة عامة.
الفقرة الثانية: خصائص عقد التجارة الإلكترونية
يتم تكييف الإنترنت في قانون الاتصالات بأنه وسيلة من وسائل الاتصال المسموعة والمرئية في وقت واحد، وهذا ما يكفل لطرفي العقد الإلكتروني التفاوض ونقاش بنوده بحرية، كما في التعاقد التي يتم في مجلس العقد الحقيقي بين حاضرين، حيث يمكن للفرد أن يصل إلى ما يرغب إليه من خلال ضغطه على لوحة المفاتيح في حاسبه الآلي، دون حاجة إلى الانتقال إلى البلد الذي يوجد به محل التعاقد#.
من هنا اتسم عقد التجارة الإلكترونية بمجموعة من الخصائص تمثلت أساسا في غياب الشكلية في هذا النوع من العقود، وغياب العلاقة المباشرة بين أطراف التعاقد.
أولا- غياب الشكلية في العقد الإلكتروني
العقد الشكلي
(Contrat Solennel ou formel)
هو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي المتعاقدين مراسيم شكلية يجب أن يتبعها المتعاقدان، غالبا ما تكون على شكل ورقة رسمية يدون فيها العقد، تكمن غايتها في تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد كما في الهبة والرهن#، في حين غاب هذا الشرط عن العقد الإلكتروني وجعله عقدا رضائيا الأمر الذي كرس السرعة في إنجازه.
1- رضائية العقد الإلكتروني
إذا كان الأصل في إبرام جميع العقود بكافة أنواعها الرضائية# منها والشكلية يتم بالكتابة في مفهومها التقليدي، فإن الأمر يختلف بالنسبة للعقود الإلكترونية حيث تستثنى بعض العقود من انعقادها إلكترونيا، ويرجع ذلك إلى مسألة الشكلية المتطلبة لانعقاد هذه العقود المستثناة، حيث تعتبر شكلية لإبرام العقد وانعقاده صحيحا، وليس شكلية للإثبات فقط.
والشكلية التي يتطلبها القانون، قد لا تقتصر على شكل الكتابة وإنما تتطلب الرسمية أيضا مثل عقود الهبة والرهن الرسمي، أي يتم إنجازها في ورقة رسمية وتقييدها في السجلات العقارية#. ففي الحالات التي يتطلب فيها القانون شكلا معينا لإبرام العقد، قد يصعب استيفاء هذا الشكل في حالة إبرام العقد إلكترونيا حيث لا يمكن استيفاء هذه الشكلية بنفس طريقة إبرام العقد التقليدي، بالرغم من إمكانية حفظ المستندات والسجلات الإلكترونية بطريقة تسمح ببيان مضمون العقد الإلكتروني وما يحتويه من معلومات، بحيث تحفظ المعلومات المتعلقة بمنشئ الرسالة الإلكترونية لتحقيق واستيفاء الشكلية المطلوبة قانونا في الإثبات.
وهذا ما ذهب إليه القانون المغربي رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، بحيث نص الفص (1-2) من المادة الثانية من الباب الأول المتعلق بصحة المحررات القانونية المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية، على أن المبدأ هو إمكانية كتابة العقود بطريقة إلكترونية بصفة عامة محيلا في كتابته على الشروط الواردة في الفصول (1-417) و(2-417) من نفس القانون، وهي تهم إثبات العقود بكتاباتها إلكترونيا.
والمشرع بإحالته على هذه الفصول جعل كتابة العقد الإلكتروني كشكل الإثبات وليس للانعقاد، لأنه لو أراد هذه الأخيرة لنص عليها أو أحال بخصوصها على بعض الفصول المنظمة لبعض العقود التي تتطلب شكلا معينا في كتابتها. كما أن الفصل (1-2) السالف الذكر قد سمح بكتابة العقود إلكترونيا، ولكنه استثنى البعض منها وتأتي في مقدمة هذه العقود الإلكترونية التي لا يمكن استيفاؤها للشكلية، تلك المرتبطة بالأحوال الشخصية من عقود زواج ووصايا، كما تهم أيضا العقود العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية والعينية ذات الطبيعة المدنية أو التجارية ومنها الرهون والكفالات.
إذن على ضوء ما سبق، نستشف بأن العقد الإلكتروني عقد رضائي وليس شكلي، حيث يمكن كتابة كل العقود إلكترونيا، باستثناء تلك المنصوص عليها في الفصل (1-2) من قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والمتعلق بالعقود الشكلية والرسمية.
السرعة في إنجاز الأعمال
تعد السرعة في إنجاز الأعمال# إحدى الميزات الأساسية التي عملت على انتشار التعاقد إلكترونيا، بل وإنجاز كافة المعاملات التجارية وغير التجارية الأخرى، فلو ذكرنا مثلا أن طرفي العقد من جنسيتين مختلفتين، فيمكن لكل منهما التفاوض وهو في مكتبه دون أن يتحمل عناء ومشقة الانتقال إلى دولة الطرف الآخر، وذلك في إطار زمن وجيز جدا قد لا يتجاوز بضع ثوان أو دقائق في بعض الأحوال#، وهو ما يعد تقدما كبيرا بل ثورة في مجال إنجاز المعاملات التي كان يتطلب إنجازها في الماضي وقتا وعناء كبيرين.
لكن الأمان في إرسال الرسائل عن طريق الكمبيوتر مازال مشكلة قائمة، لم يتم التغلب عليها كلية أمام ما هو مرجو من سرعة في إنجاز المعاملات والتصرفات، لأن البعض من الأشخاص تخصصوا في دخول الحواسيب الإلكترونية وإرسال الرسائل المغلوطة، وتوافرت لديهم المعرفة التقنية التي ساعدتهم على الدخول إلى حسابات البنوك والحكومات أو سحب أموال من حسابات للقيام بعمليات نقل مصرفي أو غيرها من حساب إلى آخر أو تحويل أرصدة من داخل البلاد إلى خارجها.
وربما كان ذلك فدية المقابلة للميزة التي تتحقق من خلال السرعة الفائقة في إنجاز هذه المعاملات، وهذه الفدية المقابلة هي ما تسعى إليه التكنولوجيا الحديثة أيضا للحد منها بالشكل المقبول قانونا استجابة لشروط السلامة من خلال تأمينها وتأمين سرية التبادل الإلكتروني عبر وسائل التشفير مثلا#.
ثانيا- غياب العلاقة المباشرة في العقد الإلكتروني
قبل ظهور التجارة الإلكترونية وإمكانية التعاقد من خلال شبكة الاتصالات- فيما أصبح بعرف بالتعاقد الإلكتروني- كان لا يعتقد أو يفترض أن يتم التعاقد فيما بين الطرفين إلا من خلال علاقة مباشرة بينهما، تتم من خلال مجلس العقد، أما الآن وبعد ظهور تقنية التعاقد الإلكتروني، فقد أصبح من المعتاد أن تغيب تلك العلاقة الحميمية بين الأطراف المتعاقدة، ليحل محلها وسيط إلكتروني.
غياب العلاقة الحميمية بين الأطراف المتعاقدة
في إطار التجارة التقليدية، كانت تدور المفاوضات بين طرفي العقد في مجلس العقد ليتم الاتفاق على تفاصيل العقد المتوقع إبرامه بينهما (عقد بيع، إيجار، هبة)، وقد يأخذ إبرام العقد جلسة واحدة أو عدة جلسات لحين الانتهاء من الاتفاق على كل التفاصيل اللازمة.
أما في عقود التجارة الإلكترونية، فلا يكون هناك مجلس العقد بالمعنى التقليدي أو مفاوضات جارية للاتفاق على شروط التعاقد، لأن البائع يكون في مكان والمشتري قد يبعد عنه بآلاف الأميال، كما قد يختلف التوقيت الزمني أيضا بين مكاني المشتري والبائع رغم وجودهما على اتصال عن طريق أجهزة الكمبيوتر. وهذا ما أسماه بعض الفقه بفكرة التدويل
internationalisation
المقترنة بالتكنولوجيا المتقدمة، ذلك أن العلاقات المتقدمة الناشئة عن هذه التجارة ليست حبيسة مكان أو بلد معين، لكنها تناسب حول حدود الدول وليست مرتبطة بمكان معين.
أما فيما يخص مواد العقد وشروطه، فيمكنها أن تظهر على الشاشة أو قد يظهر من الواجب في بعض الأحيان الرجوع إليها في صفحة أخرى، داخل الموقع عبر ما يسمى بالربط النصي الممنهل
(Lien hypertexte)،
وهذه الحالة طبعا تختلف عن تلك الخاصة بالعقد التقليدي بين غائبين، الذي يفترض تبادلا للمعلومات بين الطرفين، من خلال استعمال البريد
العادي في هذا المجال أو الهاتف أو الفاكس.
بل قد يغيب العنصر البشري تماما وتتراسل الأجهزة فيما بينها وفقا للبرامج المعدة لها التي تقوم – في بعض الشركات- بجرد المخزون من سلعة معينة، وتضع أوامر جديدة للشراء للموردين، إذا نقص المخزون عن حد معين، الذين تقوم أجهزة الكمبيوتر لديهم باستلام أوامر الشراء وتنفيذها وإرسال فواتير البيع دون تدخل العنصر البشري
2- وجود وسيط إلكتروني
كان وجود مجلس العقد هو من الأمور المسلم بوجودها من قبل انتشار الوسائط الإلكترونية، التي هي عبارة عن أجهزة آلية لدى كل من الطرفين، تقوم بنقل التعبير عن الإرادة في ذات اللحظة رغم تباعد المكان والموطن الذي يقيمان فيه#. فنتيجة لانتشار تلك الوسائط على المستوى العالمي، وتنوعها بات من الطبيعي أن يتم انعقاد العقد دون وجود ما كان يسمى بمجلس العقد الذي كان يضم كلا طرفي التعاقد.
وفي هذا الصدد ظهرت عدة نظريات#حاولت تفسير الوضع الجديد لمجلس العقد، من حيث وجوده أو عدمه في حالة ما إذا تم التعاقد بطريقة الكترونية.
فالنظرية الأولى: قررت أن مجلس العقد لا زال موجودا ولكن في صورة مختلفة، فشبكة الاتصالات الإلكترونية الحديثة التي يتواجد عليها كل من طرفي العقد، تعد أيضا بمثابة مجلس العقد، وهي التي يتم من خلالها التفاوض على شروط وبنود العقد، وما يتحمل به كل طرف من التزامات وما له من حقوق تجاه الطرف المتعاقد الآخر.
أما النظرية الثانية: قررت أن التعاقد الإلكتروني الحديث الذي يتم عبر شبكة الانترنت لا يوجد فيه ما يسمى بمجلس العقد، على اعتبار أن التعاقد بالطريقة القديمة له أركان لا بد من استيفائها، وذلك على العكس من التعاقد الإلكتروني الذي ليس له ضمن شروطه توافر بعض تلك الأركان ومن ضمنها انعقاد مجلس العقد#.
ونحن نرى أن مجلس العقد هو ركن أساسي في انعقاد العقد، أيا كانت الطريقة أو التكنولوجيا المستخدمة في التفاوض على انعقاده، وأن مجلس العقد يظل موجودا عند انعقاد العقد بالطريقة الإلكترونية الحديثة، كل ما في الأمر أن تواجده يكون بشكل مختلف يتوافق والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه حاليا والذي يتطور بصفة مستمرة، فالوسائط الإلكترونية هي أساس العقود الإلكترونية، باعتبارها تقصر المسافات لدرجات لا يمكن أن تكون موضوعا للمقارنة بينها وبين الوسائل التقليدية، وهذا راجع ببساطة لاختلاف المعايير المرتبطة بالمسافة ونسبيتها بين كل من الوسائط الإلكترونية والوسائل التقليدية.
le contrat
والاتفاق
la convention
حيث اعتبروا الاتفاق أعم وأشمل من العقد استنادا إلى نص المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي، بحيث لا يعدو أن يكون العقد نوع خاص من الاتفاق
le contrat est une espèce particulière de convention.
ولعل التعريف السائد عند معظم الفقهاء هو "أن العقد توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه".
وحيث أننا سنتناول بالدراسة العقد الدولي الإلكتروني كوسيلة لإتمام عمليات التجارة الإلكترونية، نشير إلى أن هذا الأخير ليس استثناءا من أحكام وقواعد النظرية العامة للعقد، غاية الأمر أنه يتميز بكونه عقد يتم باستخدام وسائط إلكترونية من أجهزة وبرامج معلوماتية، الأمر الذي دفعنا إلى محاولة تحديد ماهيته وطبيعته القانونية(المطلب الأول)، ولما كان هذا العقد يتميز بعدة خصائص كان لابد من الوقوف عندها موازاة مع محاولة استنباطها من عقود مشابهة ومحيطة به في البيئة الإلكترونية (المطلب الثاني
المطلب الأول: ماهية عقد التجارة الإلكترونية وطبيعته القانونية
إن العقد الإلكتروني مثله مثل أي عقد آخر يتم بالطرق التقليدية، فالفارق الوحيد يتمثل في طريقة التعاقد وإتمام العقد، فالعقد القديم كان يتم بالطريقة التقليدية على الورق، بينما العقد الإلكتروني يتم على شبكة الإنترنت، والتي يتم فيها استيفاء كافة أركان العقد بطريقة إلكترونية، وهذا ما قدم لهذا العقد خصوصيته (الفقرة الأولى)، وجعل طبيعته القانونية متأرجحة بين عقود التراضي وعقود الإذعان (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: خصوصية العقد الإلكتروني
ينبغي أن نركز في تعريف العقد الإلكتروني على خصوصيته الناتجة بصفة أساسية عن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها، كما لا ينبغي على أي حال أن نغفل صفة هامة من صفاته وهو أنه ينتمي إلى طائفة العقود التي تبرم عن بعد.
أولا- العقد الإلكتروني في ضوء الطريقة التي ينعقد بها
إن أول ما يطالعنا بشأن الطريقة أو الوسيلة التي ينعقد بها العقد الإلكتروني، أنه يتعين على المشترك من أجل إبرام العقد عبر شبكة الإنترنت، أن يكون متصل بهذه الشبكة، التي تتميز بوجهين أساسيين للخصوصية، بحيث أنها شبكة دولية تعمل بفضل البنية التحتية للاتصالات عن بعد وبالتالي فالانترنت هي شبكة دولية للاتصالات
عن بعد
Réseau international de télécommunication
وجدير بالذكر أنه يمكن للعميل الذي يتصل بموقع التاجر، دراسة العرض المقدم من هذا الأخير، وطلب المعلومات التي يرغب في الإطلاع عليها، بل ويمكنه التجربة في بعض الأحيان، حيث تعرض بعض المواقع على سبيل المثال ملابس للبيع، وتسمح بتجربتها على مانيكانات افتراضية
(mannequins virtuels)
، وباختصار فلن يتخذ المستهلك موقفا سلبيا اتجاه العرض، فالتعاقد الإلكتروني يسمح بالتفاعل# بين التاجر والعميل.
وبناء على خصوصية الطريقة أو الوسيلة التي يتم من خلالها انعقاد العقد عبر الإنترنت، يمكن أن نعرف العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية بأنه: "اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل".
وعلى ذلك لا يختلف عقد التجارة الإلكترونية أو العقد الإلكتروني عن أي عقد آخر فيجوز أن يرد على كل الأشياء والخدمات، طالما أنها ليست خارجة عن التعامل، باعتبار أن هناك بعض العقود الإلكترونية التي يمكن أن يكون موضوعها سلع غير مشروعة، والتي قد تتمثل على سبيل المثال في عمليات بيع المخدرات وبيع الأفلام الإباحية وبيع السلاح...
فمن الناحية القانونية، ولما كانت القاعدة العامة هي عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون، ولما كانت المخدرات محرمة شرعا وقانونا، وأن القانون قد وضع أشد العقوبات على مرتكبيها سواء كان صانع أو زارع أو بائع أو متعاطي لها.
وعليه، فالعقد الإلكتروني متى كان موضوعه بيع سلعة أو تقديم خدمة مخالفة للقانون ومعاقب عليها بأشد العقوبات لما لها من آثار سيئة على المجتمع، فإن هذا العقد يعتبر معدوما ليس له أثارا قانونية ويحسب كأنه لم يكن#.
أما عن أطراف هذا العقد فهم أنفسهم في أي تجارة أخرى: بائعون أو مقدمو خدمات ومشترون أو مستهلكون، كما قد تتم هذه العقود بين المشروعات
(inter-entreprises)
الخاصة أو العامة كما قد تكون عقودا بين الأفراد.
وهكذا يتجلى لنا أن العقد الإلكتروني ما هو إلا عقد كبقية العقود الأخرى، فإذا كان العقد العادي يبرم تقليديا بالكتابة أو باللفظ، شفاهة أو بالإشارة، فإن العقد الإلكتروني يبرم تقنيا بالكتابة الإلكترونية والوسائط أو الدعائم الإلكترونية#. فهو ذلك العقد الذي يتم بوسيلة إلكترونية، وبالتالي فما هو إلا اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على الخط، ويتم ذلك بصور عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع، أشهرها العقود الإلكترونية على الويب، والتعاقد بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني، حيث تلتقي إرادة المزود أو المنتج أو البائع مع إرادة الزبون، ويبرم الاتفاق على الخط.
ومن أجل تسهيل الطريقة أو الوسيلة الإلكترونية التي ينعقد بها العقد الإلكتروني وبمعنى آخر تسهيل هذا النوع من التعاقد، فقد تمت صياغة عقد إلكتروني نموذجي في فرنسا بين التجار والمستهلكين# تم اعتماده من طرف غرفة التجارة والصناعة في باريس بتاريخ 30 أبريل 1998، من طرف اللجنة القانونية للجمعية الفرنسية للتجارة والمبادلات الإلكترونية في 4 ماي 1998، بحيث تمت صياغة ووضع نصوصه وفقا لأحكام القانون الفرنسي بطبيعة الحال، وإن كان ذلك لا يحول دون إمكانية تطبيق القواعد الواردة به أمام إحدى المحاكم الأجنبية، إذا رأى القاضي أن هذه القواعد الاتفاقية تحقق للمستهلك حماية أكثر من تلك التي يحققها له قانونه الوطني.
أما بخصوص الطريقة التي صيغ بها هذا العقد، فقد تمت صياغة أحكامه في شقين يكمل كل منهما الآخر، أحدهما يتضمن الشروط النموذجية
(clauses types)
التي تتضمن القواعد التي يخضع لها هذا العقد، والآخر يتمثل في شروح أو تعليقات
(commentaires)
تمثل دليلا عمليا لتطبيق هذه الشروط النموذجية#.
ثانيا- العقد الإلكتروني نوع خاص من العقود المبرمة عن بعد
يفترض في التعاقد عن بعد#، تدخل وسيلة لإيصال إرادة أحد المتعاقدين بغية إتحادها بإرادة الآخر، سواء كانت هذه الوسيلة بشرا كالرسول، أو آلة ميكانيكية كالهاتف أو الفاكس أو التلكس أو الإنترنت#، وبما أن العقد الإلكتروني يبرم عبر الإنترنت إذن فهو عقد يتم عن بعد، وبالتالي ينتمي لطائفة العقود المبرمة عن بعد، ومن ثم وجب أن يحترم القواعد الخاصة بها#.
خصوصا تلك المتعلقة بحماية المستهلك إذا انعقد العقد بين مهني#وبين طرف ثان لا يتعاقد في نطاق نشاطه المهني. إذ يجب على المهني الالتزام بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة التي تساهم في معرفة المستهلك بخصائص السلع أو الخدمات، وكيفية استعمالها والاستفادة منها، ويعد إخفاء المهني لخصائص السلعة أو الخدمة أو مجرد عدم التطابق بين المعلومات المقدمة وخصائص السلعة من قبيل الغش الذي يستوجب معاقبته.
وهذا الالتزام من جانب المهني يقابله التزام آخر من جانب المستهلك، يتمثل بالاستعلام بمعنى ألا يتخذ موقفا سلبيا، بل عليه أن يبادر القيام بمعرفة الشيء الذي يقدم في التعاقد عليه، وعلى كل المعلومات المتصلة بالعقد متى كان ذلك ممكنا، خصوصا أن المبادئ السائدة اليوم تقرر أن هناك موجب إعلام من لا يستطيع الاستعلام، خاصة بالنسبة للتقدم التقني في بعض الأشياء وكذلك للظروف التي يجري فيها إبرام العقد عن بعد.
لذا، فالعرض المقدم في إطار العقد الإلكتروني يجب أن يكون محددا وواضحا ومفهوما سواء على مستوى تحديد شخصية البائع خصوصا عندما يكون محل اعتبار شخصي وأساسا للتعاقد، أو على مستوى بيان السلعة أو الخدمة بيانا كافيا نافيا للجهالة#.
وتأكيدا لحماية المستهلك في إطار العقود المبرمة عن بعد، قرر القضاء الفرنسي إلزام البائع بتبصير المشتري وإلزامه أيضا تعويض الأضرار التي قد تلحقه، فضلا عن فسخ العقد إذا طلب المشتري ذلك ومن هذه الأحكام#:
ما قررته محكمة النقض الفرنسية من أنه:" كان يجب على البائع المهني، حث انتباه المشتري حول حقيقة المبيع، حيث أنه قد أغفل تنبيهه لذلك، فإنه يعتبر قد أخل بالتزامه بالإعلام اتجاه المشتري، ومن تم قررت المحكمة مسؤوليته وقضت بفسخ العقد بناء على طلب المشتري".
وما قررته محكمة الاستئناف أيضا، من "إدانة بائع أجهزة الحاسب الآلي، لإخلاله بالالتزام بالإعلام والنصيحة تجاه عميله المشتري العادي، وعدم مساعدته في اختيار الجهاز المناسب له، خاصة وأن هذا المشتري ليس خبرة في هذا المجال".
وقد استقر الفقه والقضاء على أن الكتمان في إطار العقود المبرمة عن بعد، يعد أحد وسائل التدليس سواء بشكله السلبي (الكتمان) أو الإيجابي (الخداع).
وفي الواقع فإن وضع قواعد خاصة بحماية المستهلك في العقود التي تبرم عن بعد، تنبع من طبيعة هذه العقود التي تؤدي بالبداهة إلى اختلاف أحكامها عن تلك العقود التي تبرم بين حاضرين#.
ويضاف إلى ما سبق عنصر آخر في غاية الأهمية في نظرنا يبرر إفراد العقود عن بعد بأحكام خاصة، وهو أن المستهلك لن يكون بوسعه الحكم الدقيق على المنتوج الذي يتعاقد عليه، وذلك مهما بلغ وصف البائع له من دقة وأمانة، وهو ما يبرر بصفة خاصة التركيز على إعطاء المستهلك رخصة الرجوع#
(Droit de Rétractation)
في العقد خلال مدة معينة تحسب عادة من تاريخ تسلمه للمنتوج الذي تعاقد عليه، وهو الحل الذي تبناه المشرع الفرنسي# وكذلك التوجيه الأوروبي الصادر في عام 1997 والخاص بالعقود المبرمة عن بعد#.
الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية لعقد التجارة الإلكترونية
إن العقود الإلكترونية التي تبرم بين الأطراف قد تتعلق بالبيع أو الشراء أو الإيجار، فمتى كان موضوعها سلعة استهلاكية يحتكرها شخص أو جهة ما، وقام هذا الشخص أو هذه الجهة بوضع عقد على الطرف الآخر إما أن يقبله أو يرفضه دون حق مناقشته أو تعديله، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان، أما إذا كان موضوعها سلعة عادية لا يحتكرها شخص أو جهة ما، وكان هناك تفاوض على بنود العقد وشروطه كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد رضائي.
أولا- عقد التجارة الإلكترونية عقد إذعان
أن محل العقد الإلكتروني أو موضوعه، قد يتخذ صورا عديدة بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع. وفي حالة ما انصب هذا المحل على توزيع سلعة أو توريد خدمة، فالعقد هنا كان عقد إذعان، بحيث تم بين محتكر توزيع تلك الخدمة وبين مستهلك لها#، وغالبا ما يكون محتكر توزيع تلك السلعة أو توريد تلك الخدمة هي جهة حكومية. فما المقصود بعقد الإذعان؟
فعقد الإذعان
contrat d’adhésion،
هو الذي ينعقد دون مناقشة ولا مساومة بين الطرفين، ففي هذا النوع من العقود يكون موقف أحد المتعاقدين موقف المطاوع لا يملك إلا أن يقبل شروطا يمليها الطرف الآخر أو يرفضها جملة، دون مفاوضة أو نقاش، وقد عرف هذا النوع من العقود عندما شاعت الاحتكارات القانونية لبعض المرافق العامة، كالماء والكهرباء والغاز ووسائل النقل العامة، فالراغب بالاشتراك في الغاز أو الكهرباء أو الماء أو الراغب في استعمال القطار، لا يستطيع أن يناقش ويساوم في شروط الاشتراك أو الاستعمال، بل ليس له إذا ما أراد التعاقد سوى الإذعان لإرادة الشركة المحتكرة، والقبول طائعا بالإيجاب الذي تعرضه عليه والذي يكون معدا مسبقا.
وقد انقسم الفقهاء#في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين: فبعضهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية، ويذهب فريق آخر إلى أنها لا تختلف عن سائر العقود.
أما الفريق الأول، وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتبعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجييه وهوريو، فقد أنكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ.
ويرى الفريق الثاني، وهم غالبية فقهاء القانون المدني أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود، ومهما قيل أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الأخر، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي، ويكون ذلك بإحدى الوسيلتين أو بهما معا: الأولى وسيلة اقتصادية، فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر، والثانية وسيلة تشريعية حيث يتدخل المشرع لا القاضي لينظم عقود الإذعان#.
وبناء على التعريف أعلاه، وفي ضوء العلاقة التعاقدية التي تجمع بين مهني متحكم ومستهلك مطاوع، فقد رأى الفقهاء في القانون الإنجليزي# أن العقد الإلكتروني يحوي العلاقة نفسها بين طرفين غير متكافئين اقتصاديا، طرف قوي (تاجر مهني) وطرف ضعيف (مستهلك عادي) مما يصبغ عليه صفة عقد إذعاني، فالمتعاقد عبر شاشة الإنترنت، لا يمكن إلا أن يضغط على عدد من الخانات المفتوحة أمامه، في موقع البائع التي تضم المواصفات التي يرغب فيها ضمن السلع والخدمات وعلى الثمن المحدد سلفا الذي لا يملك المناقشة أو المفاوضة بشأنه مع المهني وكل ما يحتاج له إما قبول العقد برمته أو برفضه برمته.
إذن مما سبق، نستنتج أنه متى تعلق محل أو موضوع العقد الإلكتروني بسلعة أو خدمة تعتبر من الضروريات الأولية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومتى احتوى هذا العقد علاقة بين موجب مهني يحتكر احتكارا فعليا أو قانونيا شيئا يعد ضروريا لمستهلك ليس بمقدوره مناقشة أي جانب أو بند من بنود العقد، وما عليه سوى الرضوخ والتسليم بالشروط الواردة في الإيجاب، كان العقد الإلكتروني في هذه الحالة عقد إذعان.
ثانيا- عقد التجارة الإلكترونية عقد تراضي
عقد التراضي#أو عقد المساومة أو العقد العادي
(Contrat de gréagré)،
هو العقد الذي يتم التراضي فيه على أساس المساواة الفعلية والقانونية بين أطرافه، وتجري المناقشة والمساومة في بنوده وشروطه من قبل المتعاقدين اللذين يسهمان معا في المناقشة والمفاوضة والمساومة على وجه التعادل والمساواة وبمطلق الحرية.
وتوضع بنود هذا العقد والتزامات طرفيه وحقوقهم طبقا لما استقرت عليه المفاوضات التي تمت بينهما، دون أن يكون لأي منهما حق فرض شروطه على الطرف الآخر#. لذلك يمكن القول بأن العقد الإلكتروني هو من حيث الأصل عقد تراضي حيث يكون فيه للأطراف حرية التعاقد، وإن كانت هناك شروط معدة سلفا فهم لا يجبرون على الموافقة عليها بل لهم حرية رفضها، إذ يجوز لهم شراء سلعة مماثلة من منتج أو مورد آخر، إذا لم تعجبهم الشروط المعروضة.
وعليه، فإن تفسير الشروط التي يضعها العارض إنما هي تحليل للإيجاب أو للدعوة إلى التعاقد، فهي تهدف إلى تسهيل عملية البيع والشراء التي تتم عن طريق أجهزة الكمبيوتر. وللتدليل على أن العقود الإلكترونية عقود تراضي، يمكننا أن نعتمد أيضا على عملية التعاقد المباشر بين الطرفين حيث يتفاوضان على شروط العقد مباشرة، دون أن ننسى الاعتماد كذلك على عملية التعاقد بواسطة البريد الإلكتروني، حيث لا يتم وضع شروط على الموقع، وإنما يتم إرسال إيجاب إلى أحد الأطراف فينظر فيه إما بالقبول أو بالرفض أو بالتعديل ما يراه مناسبا، فيصبح إيجابا جديدا، فهو اختيار بين فرضيات مختلفة ويشكل نوعا من التفاوض يؤدي إلى التعاقد.
فبناء على هذه الاعتبارات يمكننا القول أن العقد الإلكتروني هو عقد تراضي، سواء تم بطريقة التعاقد المباشر، أو عن طريق البريد الإلكتروني أو بواسطة المواقع التجارية على الإنترنت والتي تعرف بالعقود النموذجية#.
إذن على ضوء ما قدمناه حول الطبيعة القانونية التي يمكن أن تكسو العقد الإلكتروني والأحوال التي يمكن اعتباره فيها عقد إذعان أو عقد تراضي، فما علينا بدورنا إلا أن نجزم على أن عقد التجارة الإلكترونية هو عقد خاص، ذو طبيعة قانونية خاصة تميزه عن غيره من العقود، سواء تلك التي تبرم بحضور الأطراف أو بغيابهم، لأنه حتى تلك العقود الأخرى التي تبرم عن بعد بواسطة الهاتف مثلا أو الفاكس تختلف بدورها عنه.
المطلب الثاني: تمييز عقد التجارة الإلكترونية وخصائصه
لقد ظهر بوضوح أن الوسيلة أو الطريقة التي ينعقد بها العقد الإلكتروني، تمثل أهم وجه لخصوصيته، كما اتضح انه ينتمي لطائفة العقود التي تبرم عن بعد، ومن ثم وجب علينا أن نميز هذا العقد عن غيره من العقود المشابهة والمحيطة به (الفقرة الأولى)، واستجلاء بعض خصائصه التي تدعم له خصوصيته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تمييز العقد الالكتروني عن بعض العقود المشابهة والمحيطة به
يتميز العقد الإلكتروني عن غيره من العقود المشابهة بذات الطريقة التي ينعقد بها، وكذلك عن غيره من العقود المحيطة به في البيئة الإلكترونية.
أولا- العقد الإلكتروني والعقود المشابهة
رغم أننا حاولنا تعريف العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية محددين ما به من خصوصية، إلا أنه وطالما لم يخضع بعد لتنظيم خاص به يميزه عن غيره من العقود المشابهة والمتمثلة خصوصا في عقد البيع التقليدي وعقد البيع في الموطن، فقد يحدث أن يختلط بها#.
العقد الإلكتروني وعقد البيع التقليدي
Contrat de Vente Traditionnel
يعتبر عقد البيع من أكثر العقود المسماة شيوعا في العالم، لأنه أكثر عقد يتم بين الأشخاص في الحياة اليومية، فلا تمر لحظات إلا ويتم خلالها عمليات بيع أو شراء، حتى أن الشخص الواحد قد يبرم عدة عقود بيع في اليوم الواحد، فالشخص إن لم يكن بائعا فهو مشتري وبالنتيجة فإن ما يتم الاتفاق عليه هو عقد بيع#.
فالإقبال على إبرام عقود البيع تطلبته الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فهو أساس المعاملات اليومية بين الأفراد بغية بناء حياتهم اقتصاديا سعيا وراء تحقيق الكسب والربح غالبا، وأساسا لبناء ذات الإنسان عن طريق شراء حاجياته الضرورية والنافعة، وهذا ما دفع المشرع إلى الاهتمام به سواء في الماضي عن طريق اهتمام فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، أو في الحاضر عن طريق اهتمام الأنظمة التشريعية.
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي نظم عقد البيع، وأفرد له القسم الأول من الكتاب الثاني المتعلق بمختلف العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها، وقد عرفه بمقتضى المادة 478 بأنه "عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر، ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له". كما عرفته المادة 1582 من التقنين المدني الفرنسي بأنه:"عقد بمقتضاه يلتزم شخص بتسليم شيء إلى شخص أخر يدفع له ثمن"#.
ويستخلص من هذين التعريفين أن عقد البيع عقد ملزم للجانبين، إذ هو يلزم البائع من جهة أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر، ويلزم المشتري من جهة أخري أن يدفع للبائع مقابلا لذلك ثمنا نقديا. ففي هذا العقد يكون كل من المتعاقدين حاضرا في مواجهة الآخر عند تبادل التعبير عن الإرادتين، أما عن الوقت الذي ينعقد فيه فإنه يتم في وقت تفاوض الإرادتين على الثمن والشيء المبيع، مع ملاحظة أن العقد ينعقد بتلاقي الإرادتين حتى ولو لم يكن الشيء قد سلم بعد.
وعلى ضوء هذه المعطيات يتضح لنا أن العقد الإلكتروني ليس عقد بيع تقليدي، بحيث يتسم هذا الأخير بصفة رئيسية تتمثل في المواجهة بين المتعاقدين، اللذان يكونان حاضرين عند تبادل التعبير عن الإرادتين، في حين يتسم العقد الإلكتروني ببعد الطرفين وانفصالهما عن بعضهما البعض، بحيث يتم التغلب على الحدود الزمنية والجغرافية، وذلك نتيجة تقدم التكنولوجيا التي وفرت هذه التقنية للتعاقد، بحيث يتم تواصل البائع والمشتري في سوق إلكتروني، تقدم فيه المنتجات والخدمات في صيغة افتراضية ويتم دفع ثمنها بنقود إلكترونية.
2- العقد الإلكتروني وعقد البيع في الموطن
Contrat de Vente à Domicile
عقد البيع في الموطن أو ما يسمي بالسعي لإبرام العقود
(Démarchage)
هو طريقة من طرق البيع تتمثل في دعوة من جانب المهني لمقابلة المستهلك، من أجل أن يقترح عليه بيع أو إيجار شيء أو تقديم خدمة#ويمكن أن يتم بطريقتين
- الطريقة الأولى: ينتقل فيها التاجر إلى موطن المستهلك في مسكنه أو في مكان عمله.
- الطريقة الثانية: ينتقل فيها المستهلك لمقابلة التاجر في مكان ليس مخصصا لتجارة الأموال أو الخدمات المعروضة#، ويتمتع فيه المستهلك أيضا بالحق في الرجوع في العقد مع خلاف في بعض التفاصيل المتعلقة بالبيع عن بعد.
ولهذا قد يحدث الخلط بين العقد الإلكتروني وبين السعي لإبرام العقود، إذا تم هذا الأخير بواسطة التليفون، ولما كان من الغالب أن يكون الإيجاب في العقد الإلكتروني عاما، فيمكن إذن أن نميزه عن السعي لإبرام العقود بواسطة التليفون، والذي يتطلب اتصالا خاصا بحيث يكون الإيجاب موجها لشخص معين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تختلف المبادرة إلى التعاقد بين هذين العقدين، ففي حالة السعي لإبرام العقود في الموطن بواسطة التليفون تأتي المبادرة من البائع الذي يقوم بعمل إيجابي يتمثل في الاتصال بالمشتري المحتمل، في حين أن الاتصال يأتي غالبا من قبل العميل في حالة العقد الإلكتروني أو عقد التجارة الإلكترونية#.
ويمكن القول بصفة عامة، أنه على الرغم من انتماء العقد المبرم عبر الأنترنت للعقود عن بعد، فإن له بعض السمات الخاصة التي سيترتب عليها بالبداهة بعض النتائج القانونية، بحيث يقتضي تعريف العقد الذي يبرم عن بعد ألا يكون هناك حضورا مادي متعاصر للمتعاقدين، وعلى العكس بالنسبة للإنترنت فإن صفة التفاعلية في هذه الشبكة تسمح بحضور افتراضي متعاصر، كما تسمح بتسليم بعض الأشياء وأداء بعض الخدمات فورا على الشبكة، وتتيح أيضا من ناحية أخرى إمكانية الوفاء على الخط أو الشبكة الذي يمكن أن يكون فوريا أيضا.
وهكذا يمكن أن نلاحظ وفقا للنصوص التشريعية، أن فكرة البعد تتضمن دائما تصورا زمنيا إذ يكون هناك تصرفا مرجأ، وبصفة خاصة الفارق الزمني بين الإيجاب والقبول، فهناك دائما فكرة الحدين الزمنيين والتي يمكن التخلي عنها في حالة التجارة الإلكترونية، وأن تحل محلها فكرة المعاصرة وهي سمة خاصة بشبكة الإنترنت يجب أن تؤخذ في الاعتبار من الناحية القانونية#.
وكخلاصة لما سبق، نصل إلى أنه إذا كان عقد التجارة الإلكترونية يستلهم الأحكام الخاصة بالعقد المبرم عن بعد، فإنه يجب أن يخضع أيضا لبعض الأحكام المغايرة التي تأخذ في الاعتبار الخصوصية السابقة، ولكن بالمقابل لا ينبغي أن تؤدي هذه الخصوصية إلى التشكيك في اعتباره من العقود التي تبرم عن بعد.
فمهما قلنا عن معاصرة الإيجاب للقبول من الناحية الزمنية، فإن البعد المكاني بين الموجب والقابل يظل واقعا مؤثرا لا يجوز إنكاره، وخاصة فيما يتعلق بمسألة التحقق من أهلية المتعاقد وصفته في التعاقد، وكذلك فيما يتعلق بعدم رؤية المستهلك للسلعة بعينه، وهو ما يستدعي تطبيق أحكام التعاقد عن بعد على التعاقد عبر الإنترنت.
ثانيا- العقد الإلكتروني والعقود المحيطة به في البيئة الإلكترونية
ترتبط بالعقد الإلكتروني طائفة من العقود، لازمة لوجوده في الغالب تتمثل أساسا في عقد الدخول الى الشبكة وعقد الإيجار المعلوماتي وعقد إنشاء المتجر الافتراضي، فهذه العقود وإن كانت تبرم بسبب التجارة الإلكترونية ومن أجل تحقيقها، إلا أن التجارة الإلكترونية لا تكون محلا لها.
1- عقد الدخول إلى الشبكة
le contrat d’accès au réseau
يقصد بعقد الدخول إلى الشبكة العقد الذي يحقق الدخول إلى شبكة الإنترنت من الناحية الفنية، وبمقتضاه يتيح مقدم خدمة الدخول إلى الإنترنت للعميل الوسائل التي تمكنه من الدخول إلى الشبكة، وأهمها برنامج الاتصال(connexion) الذي يحقق له الاتصال بين جهاز الكمبيوتر والشبكة، كما قد يقدم له أيضا وهو فرض نادر الأدوات لذلك مثل جهاز المودم، وفي هذا الإطار قد يقوم المورد ببعض الخطوات الفنية الضرورية لتسجيل العميل الجديد مقابل استيفاء الرسوم المسماة برسوم الإدارة، كما يعرض عليه في الغالب خدمة المساعدة الفنية المسماة بالخط الساخن(hot line)، والتي تستهدف حل المشكلات الفنية التي قد يواجهها المستخدم الجديد للإنترنت عن طريق التليفون#.
أما بالنسبة للعميل، فنشير إلى أنه يلتزم في عقد الدخول إلى الأنترنت بالتزام رئيسي، يتمثل في سداد مبلغ معين يسمى بالاشتراك، وذلك في مقابل الدخول لمدة محددة أو غير محددة لجميع الخدمات التي تقدم على شبكة الإنترنت أو بعضها.
وجدير بالذكر أن المجلس الوطني للاستهلاك في فرنسا
(CNC)
، قد أشار في تقرير حديث له إلى بعض أوجه القصور في هذه العقود، وبصفة خاصة في عبارات إعلام المستهلك حيث أوصى بأنه يتعين على المورد بصفة عامة أن يعلم العميل بمدى كفاءة الخطوط المستعملة، وبعدد المشتركين لديه كمؤشر على كفاءة عنصر الاتصال بالعملاء لديه، كما يجب أن يعلمه بالبرامج المقدمة ومدى حداثتها، وأن يقدم للعميل البرامج اللازمة للتوافق بين خدمات الشبكة وبين الأجهزة التي يستخدمها، كما عليه أن يقدم له، ودون أية نفقات إضافية عدادا للوقت في الحالة التي تتم فيها محاسبته بالمدة#.
2- عقد الإيجار المعلوماتي#
عقد الإيجار المعلوماتي هو عقد من عقود تقديم الخدمات، بمقتضاه يضع مقدم الخدمة تحت تصرف المشترك بعض إمكانات أجهزته أو أدواته المعلوماتية ويتمثل ذلك غالبا في إتاحة انتفاعه بمساحة على القرص الصلب بأحد أجهزة الكمبيوتر الخاصة به على نحو معين.
ومثال ذلك، "أن يتيح مقدم الخدمة المعلوماتية للمشترك إمكانية أن يكون له عنوان بريد إلكتروني لديه، فيخصص له حيزا على القرص الصلب لجهاز الكمبيوتر المملوك له والمتصل بشبكة الإنترنت من أجل صندوق خطاباته الإلكتروني"، ويدخل في هذا النوع من تقديم الخدمات أيضا توفير المورد موقع (web) لأحد العملاء من خلال جهاز الكمبيوتر المملوك له، بحيث يتمكن من التعامل بشأن هذا الموقع من خلال هذا الجهاز.
ويرى البعض تكييف هذا العقد بأنه عقد إيجار أشياء مما تنظمه المادة 1713 وما بعدها من التقنين المدني الفرنسي، وذلك طالما أن مقدم الخدمة يسمح لعميله بالانتفاع بأجهزته مع احتفاظه بملكيتها، ويتنازل له عن حيازته لبعض الإمكانات التي تتيحها هذه الأجهزة، وطالما أن ما يقدمه من خدمات فنية يعد ذو صفة تبعية بالنسبة للانتفاع بهذه الأجهزة#.
ويترتب على الأخذ بهذا التكييف نتيجة هامة بشأن مسؤولية مقدم هذه الخدمة، عما قد يسببه استعمال العميل لأجهزته على نحو يضر بالغير، والراجح أنها تتحدد بالقدر الذي يتخلى فيه عن حيازته لإمكانات أجهزته، فإذا وصل ذلك إلى الحد الذي يمكن معه اعتبار أنها قد خرجت من تحت حراسته، فإنه لا يكون مسؤولا عن الاستعمال الذي يقوم به المشترك، وذلك بالقدر الذي يثبت فيه أن مقدم الخدمة لم يشارك ولم يعلم بما قام به المشترك، ولا يخرج ذلك عن القواعد العامة المقررة بشأن مسؤولية حارس# الأشياء.
3- عقد إنشاء المتجر الافتراضي
La réalisation de la boutique virtuelle
يطلق البعض على هذا العقد الذي يحقق إنشاء المتجر الافتراضي عقد المشاركة
le contrat de participation،
وذلك لأنه العقد الذي بمقتضاه يصبح المتجر أو (البوتيك) الافتراضي مشاركا في المركز التجاري الافتراضي، الذي يجمع العديد من التجار تحت عنوان واحد، وهو بذلك يماثل المركز التجاري التقليدي الذي يجمع العديد من التجار في مكان واحد، وينظم هذا العقد بطبيعة الحال التزامين رئيسيين يتمثلان في:
أ- التزام المركز التجاري بفتح المتجر الخاص بالمشارك على شبكة الإنترنت وما يتضمنه ذلك من الترخيص له باستخدام برنامج متخصص يسمح له بمباشرة التجارة عبر شبكة الإنترنت.
ب- التزام المشارك بالمقابل المالي لذلك.
كما يتضمن هذا العقد بعض الأحكام التي تستهدف تنظيم مسؤولية طرفيه بشأن بعض المسائل، مثل ضرورة احترام التشريعات السارية التي تتعلق بهذه الأنشطة، واحترام المتجر الافتراضي للشروط العامة للمركز التجاري الافتراضي مع مراعاة وجود بعض الشروط الخاصة بالمتجر.
ويرى البعض تكييف هذا العقد بأنه عقد تقديم خدمات يدخل في نطاق عقد المقاولة
(Entreprise ou louage d’ouvrage)
الذي تعرفه المادة 1710 من التقنين المدني الفرنسي بأنه:" عقد بمقتضاه يلتزم أحد الأطراف بالقيام بعمل لحساب الآخر بمقابل يتفقان عليه"#. وهو الرأي الذي لا يتعارض مع ما هو مقرر بشأن عقد المقاولة بصفة عامة.
الفقرة الثانية: خصائص عقد التجارة الإلكترونية
يتم تكييف الإنترنت في قانون الاتصالات بأنه وسيلة من وسائل الاتصال المسموعة والمرئية في وقت واحد، وهذا ما يكفل لطرفي العقد الإلكتروني التفاوض ونقاش بنوده بحرية، كما في التعاقد التي يتم في مجلس العقد الحقيقي بين حاضرين، حيث يمكن للفرد أن يصل إلى ما يرغب إليه من خلال ضغطه على لوحة المفاتيح في حاسبه الآلي، دون حاجة إلى الانتقال إلى البلد الذي يوجد به محل التعاقد#.
من هنا اتسم عقد التجارة الإلكترونية بمجموعة من الخصائص تمثلت أساسا في غياب الشكلية في هذا النوع من العقود، وغياب العلاقة المباشرة بين أطراف التعاقد.
أولا- غياب الشكلية في العقد الإلكتروني
العقد الشكلي
(Contrat Solennel ou formel)
هو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي المتعاقدين مراسيم شكلية يجب أن يتبعها المتعاقدان، غالبا ما تكون على شكل ورقة رسمية يدون فيها العقد، تكمن غايتها في تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد كما في الهبة والرهن#، في حين غاب هذا الشرط عن العقد الإلكتروني وجعله عقدا رضائيا الأمر الذي كرس السرعة في إنجازه.
1- رضائية العقد الإلكتروني
إذا كان الأصل في إبرام جميع العقود بكافة أنواعها الرضائية# منها والشكلية يتم بالكتابة في مفهومها التقليدي، فإن الأمر يختلف بالنسبة للعقود الإلكترونية حيث تستثنى بعض العقود من انعقادها إلكترونيا، ويرجع ذلك إلى مسألة الشكلية المتطلبة لانعقاد هذه العقود المستثناة، حيث تعتبر شكلية لإبرام العقد وانعقاده صحيحا، وليس شكلية للإثبات فقط.
والشكلية التي يتطلبها القانون، قد لا تقتصر على شكل الكتابة وإنما تتطلب الرسمية أيضا مثل عقود الهبة والرهن الرسمي، أي يتم إنجازها في ورقة رسمية وتقييدها في السجلات العقارية#. ففي الحالات التي يتطلب فيها القانون شكلا معينا لإبرام العقد، قد يصعب استيفاء هذا الشكل في حالة إبرام العقد إلكترونيا حيث لا يمكن استيفاء هذه الشكلية بنفس طريقة إبرام العقد التقليدي، بالرغم من إمكانية حفظ المستندات والسجلات الإلكترونية بطريقة تسمح ببيان مضمون العقد الإلكتروني وما يحتويه من معلومات، بحيث تحفظ المعلومات المتعلقة بمنشئ الرسالة الإلكترونية لتحقيق واستيفاء الشكلية المطلوبة قانونا في الإثبات.
وهذا ما ذهب إليه القانون المغربي رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، بحيث نص الفص (1-2) من المادة الثانية من الباب الأول المتعلق بصحة المحررات القانونية المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية، على أن المبدأ هو إمكانية كتابة العقود بطريقة إلكترونية بصفة عامة محيلا في كتابته على الشروط الواردة في الفصول (1-417) و(2-417) من نفس القانون، وهي تهم إثبات العقود بكتاباتها إلكترونيا.
والمشرع بإحالته على هذه الفصول جعل كتابة العقد الإلكتروني كشكل الإثبات وليس للانعقاد، لأنه لو أراد هذه الأخيرة لنص عليها أو أحال بخصوصها على بعض الفصول المنظمة لبعض العقود التي تتطلب شكلا معينا في كتابتها. كما أن الفصل (1-2) السالف الذكر قد سمح بكتابة العقود إلكترونيا، ولكنه استثنى البعض منها وتأتي في مقدمة هذه العقود الإلكترونية التي لا يمكن استيفاؤها للشكلية، تلك المرتبطة بالأحوال الشخصية من عقود زواج ووصايا، كما تهم أيضا العقود العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية والعينية ذات الطبيعة المدنية أو التجارية ومنها الرهون والكفالات.
إذن على ضوء ما سبق، نستشف بأن العقد الإلكتروني عقد رضائي وليس شكلي، حيث يمكن كتابة كل العقود إلكترونيا، باستثناء تلك المنصوص عليها في الفصل (1-2) من قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والمتعلق بالعقود الشكلية والرسمية.
السرعة في إنجاز الأعمال
تعد السرعة في إنجاز الأعمال# إحدى الميزات الأساسية التي عملت على انتشار التعاقد إلكترونيا، بل وإنجاز كافة المعاملات التجارية وغير التجارية الأخرى، فلو ذكرنا مثلا أن طرفي العقد من جنسيتين مختلفتين، فيمكن لكل منهما التفاوض وهو في مكتبه دون أن يتحمل عناء ومشقة الانتقال إلى دولة الطرف الآخر، وذلك في إطار زمن وجيز جدا قد لا يتجاوز بضع ثوان أو دقائق في بعض الأحوال#، وهو ما يعد تقدما كبيرا بل ثورة في مجال إنجاز المعاملات التي كان يتطلب إنجازها في الماضي وقتا وعناء كبيرين.
لكن الأمان في إرسال الرسائل عن طريق الكمبيوتر مازال مشكلة قائمة، لم يتم التغلب عليها كلية أمام ما هو مرجو من سرعة في إنجاز المعاملات والتصرفات، لأن البعض من الأشخاص تخصصوا في دخول الحواسيب الإلكترونية وإرسال الرسائل المغلوطة، وتوافرت لديهم المعرفة التقنية التي ساعدتهم على الدخول إلى حسابات البنوك والحكومات أو سحب أموال من حسابات للقيام بعمليات نقل مصرفي أو غيرها من حساب إلى آخر أو تحويل أرصدة من داخل البلاد إلى خارجها.
وربما كان ذلك فدية المقابلة للميزة التي تتحقق من خلال السرعة الفائقة في إنجاز هذه المعاملات، وهذه الفدية المقابلة هي ما تسعى إليه التكنولوجيا الحديثة أيضا للحد منها بالشكل المقبول قانونا استجابة لشروط السلامة من خلال تأمينها وتأمين سرية التبادل الإلكتروني عبر وسائل التشفير مثلا#.
ثانيا- غياب العلاقة المباشرة في العقد الإلكتروني
قبل ظهور التجارة الإلكترونية وإمكانية التعاقد من خلال شبكة الاتصالات- فيما أصبح بعرف بالتعاقد الإلكتروني- كان لا يعتقد أو يفترض أن يتم التعاقد فيما بين الطرفين إلا من خلال علاقة مباشرة بينهما، تتم من خلال مجلس العقد، أما الآن وبعد ظهور تقنية التعاقد الإلكتروني، فقد أصبح من المعتاد أن تغيب تلك العلاقة الحميمية بين الأطراف المتعاقدة، ليحل محلها وسيط إلكتروني.
غياب العلاقة الحميمية بين الأطراف المتعاقدة
في إطار التجارة التقليدية، كانت تدور المفاوضات بين طرفي العقد في مجلس العقد ليتم الاتفاق على تفاصيل العقد المتوقع إبرامه بينهما (عقد بيع، إيجار، هبة)، وقد يأخذ إبرام العقد جلسة واحدة أو عدة جلسات لحين الانتهاء من الاتفاق على كل التفاصيل اللازمة.
أما في عقود التجارة الإلكترونية، فلا يكون هناك مجلس العقد بالمعنى التقليدي أو مفاوضات جارية للاتفاق على شروط التعاقد، لأن البائع يكون في مكان والمشتري قد يبعد عنه بآلاف الأميال، كما قد يختلف التوقيت الزمني أيضا بين مكاني المشتري والبائع رغم وجودهما على اتصال عن طريق أجهزة الكمبيوتر. وهذا ما أسماه بعض الفقه بفكرة التدويل
internationalisation
المقترنة بالتكنولوجيا المتقدمة، ذلك أن العلاقات المتقدمة الناشئة عن هذه التجارة ليست حبيسة مكان أو بلد معين، لكنها تناسب حول حدود الدول وليست مرتبطة بمكان معين.
أما فيما يخص مواد العقد وشروطه، فيمكنها أن تظهر على الشاشة أو قد يظهر من الواجب في بعض الأحيان الرجوع إليها في صفحة أخرى، داخل الموقع عبر ما يسمى بالربط النصي الممنهل
(Lien hypertexte)،
وهذه الحالة طبعا تختلف عن تلك الخاصة بالعقد التقليدي بين غائبين، الذي يفترض تبادلا للمعلومات بين الطرفين، من خلال استعمال البريد
العادي في هذا المجال أو الهاتف أو الفاكس.
بل قد يغيب العنصر البشري تماما وتتراسل الأجهزة فيما بينها وفقا للبرامج المعدة لها التي تقوم – في بعض الشركات- بجرد المخزون من سلعة معينة، وتضع أوامر جديدة للشراء للموردين، إذا نقص المخزون عن حد معين، الذين تقوم أجهزة الكمبيوتر لديهم باستلام أوامر الشراء وتنفيذها وإرسال فواتير البيع دون تدخل العنصر البشري
2- وجود وسيط إلكتروني
كان وجود مجلس العقد هو من الأمور المسلم بوجودها من قبل انتشار الوسائط الإلكترونية، التي هي عبارة عن أجهزة آلية لدى كل من الطرفين، تقوم بنقل التعبير عن الإرادة في ذات اللحظة رغم تباعد المكان والموطن الذي يقيمان فيه#. فنتيجة لانتشار تلك الوسائط على المستوى العالمي، وتنوعها بات من الطبيعي أن يتم انعقاد العقد دون وجود ما كان يسمى بمجلس العقد الذي كان يضم كلا طرفي التعاقد.
وفي هذا الصدد ظهرت عدة نظريات#حاولت تفسير الوضع الجديد لمجلس العقد، من حيث وجوده أو عدمه في حالة ما إذا تم التعاقد بطريقة الكترونية.
فالنظرية الأولى: قررت أن مجلس العقد لا زال موجودا ولكن في صورة مختلفة، فشبكة الاتصالات الإلكترونية الحديثة التي يتواجد عليها كل من طرفي العقد، تعد أيضا بمثابة مجلس العقد، وهي التي يتم من خلالها التفاوض على شروط وبنود العقد، وما يتحمل به كل طرف من التزامات وما له من حقوق تجاه الطرف المتعاقد الآخر.
أما النظرية الثانية: قررت أن التعاقد الإلكتروني الحديث الذي يتم عبر شبكة الانترنت لا يوجد فيه ما يسمى بمجلس العقد، على اعتبار أن التعاقد بالطريقة القديمة له أركان لا بد من استيفائها، وذلك على العكس من التعاقد الإلكتروني الذي ليس له ضمن شروطه توافر بعض تلك الأركان ومن ضمنها انعقاد مجلس العقد#.
ونحن نرى أن مجلس العقد هو ركن أساسي في انعقاد العقد، أيا كانت الطريقة أو التكنولوجيا المستخدمة في التفاوض على انعقاده، وأن مجلس العقد يظل موجودا عند انعقاد العقد بالطريقة الإلكترونية الحديثة، كل ما في الأمر أن تواجده يكون بشكل مختلف يتوافق والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه حاليا والذي يتطور بصفة مستمرة، فالوسائط الإلكترونية هي أساس العقود الإلكترونية، باعتبارها تقصر المسافات لدرجات لا يمكن أن تكون موضوعا للمقارنة بينها وبين الوسائل التقليدية، وهذا راجع ببساطة لاختلاف المعايير المرتبطة بالمسافة ونسبيتها بين كل من الوسائط الإلكترونية والوسائل التقليدية.