لا يخفى على أحد أن هاجس خلق نوع من التوازن بين مصلحتين أساسيتين، الأولى تتجلى في حماية الملكية العقارية والثانية في حماية الملكية التجارية، ظل أهم محدد وأحد أبرز المداخيل الأساسية لتحقيق الإستقرار والدفع بعجلة الإقتصاد نحو الإزدهار وفي المقابل ضمان الحقوق المختلفة وتعزيز الأمن القانوني التعاقدي.
ولذالك يعتبر مجال الكراء التجاري المجال الخصب لتلاقي هده المصالح التي تستدعي الضرورة الإحاطة بمختلف الإشكالات والتقاطعات التي يمكن أن تكون موضوعا لها .
وبناء عليه، فقد عملت التشريعات الحديثة على حماية المكتري من تعسف صاحب الملك وعلى حفظ حق هذا الأخير في إستفادته من المقابل الذي تعيشه من إبرام عقد الكراء بل وفي استرجاع ملكه وفق شروط وإجراءات تكفل التوازن المنشود بين طرفي العلاقة الكرائية، حتى قال السنهوري : القانون إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.[1]
وانطلاقا منه فقد سعي المشرع المغربي بدوره إلى توفير الحماية اللازمة لحق المكتري في الإنتفاع بالمحل وفي المقابل نجد أن المشرع ووعيا منه بأهمية عقد الكراء التجاري حاول ضمان نوع من التوازن من خلال تمكين المكري من إمكانية إسترداد ملكيته العقارية على يد المكتري.
ولما كان الأصل إستقرار المعاملات يقتضي إستمرارية الإستغلال المخول للمكتري على المحل موضوع الكراء إلا أن الإستثناء يقضي بخلاف هدا الأمر ، دالك أن المطري قد يكون في وقت له من الحاجة في دالك المحل، ما يجعله يسلك مساطر إفراغ المكتري، ومن بين هذه المساطر نجد الإفراغ من أجل الإستعمال الشخصي والذي هو بمثابة ضمانة للمكري لوضع حد للعلاقة الكرائية، بطبيعة الحال وفقا للإجراءات والشروط كما تقدم معنا في المبحث السابق، إلى جانب تحقق الأسباب والمبررات لدالك، تحقيقا لمبدأ سامي وهو حسن النية المفترض على الأصل.
وعليه، فإذا كان من بين الحقوق المخولة للمكري، إفراغ المكتري طبقا للحالات المنصوص عليها في القانون، فإنه ولا بد أن يقترن دالك بتعويض يلتزم المكري بأدائه نتيجة ما لحق أو ما قد يلحق المكتري من خسارة أو أضرار على إثر واقعة الإفراغ ، ويعد التعويض من أهم وأبرز الآثار المترتية عن إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري[2] في إطار القانون 49.16[3]
وبخصوص هده النقطة، فإننا نتساءل عن مدى فعالية التعويض في إطار إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري في تحقيق نوع من التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية اي المكري والمكتري، وبالتالي تحقيق الأمن التعاقدي؟
وسنتولى في هده الدراسة بحث التعويضات المقررة للمكتري نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري من خلال طريق التطرق إلى التعويض الجزئي في (الفقرة الأولى ) قبل أن نعرض لإستحقاق المكتري للتعويض الإحتياطي وفق شروط محددة في (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: إستحقاق المكتري للتعويض الجزئي نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري.
لما كان المطالبة بالإفراغ هو حق من الحقوق المخولة للمكري، فإنه لا يستوي الحديث عن ذلك مالم يكن مبررا ووجيها أو كان مبنيا على سبب معقول، وفي المقابل فإن المكري ملزم بتعويض المكتري نتيجة هذا الإفراغ وهو من أهم الآثار التي يمكن أن تترتب أو تنتهي بها مساطر الإفراغ المقررة للمكري في إطار القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي.[4]
إن التعويض في عمومه يرمي بالأساس إلى إصلاح الضرر الذي أصاب المكتري من جراء واقعة الإفراغ لدالك أولى المشرع المغربي عناية لعنصر التعويض عن إنهاء العلاقة الكرائية لتعلقه بمصالح جديرة بالحماية.
من الواضح أن جدلية وضع قواعد حمائية للملكية العقارية لفائدة المكري تفترض بالأساس وكأصل إنهاء العلاقة الكرائية، ويكون بدالك الباب مفتوحا لزعزعة أساس الملكية التجارية للمكتري.
لقد نص المشرع المغربي على مجموعة من الأحكام والضوابط القانونية التي تحمل في طياتها الطابع الحمائي لمختلف المصالح المكونة لعقد الكراء حفاظاً على الحقوق من أن يتم سلبها بشكل تعسفي ودون تعويض، ومن ٠ملة هذه التدابير والضوابط ما يتعلق بالتعويض الجزئي نتيجة الإفراغ من أجل الإستعمال الشخصي للمحل الملحق بالمحل التجاري.
وفي هذا السياق يجذر بنا أن نطرح التساؤل الجوهري التالي:
ماهي الضوابط القانونية التي تحكم حالة التعويض الجزئي نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري؟
وللإجابة عن هذا الإشكال ومحاولة تبسيطه، فإننا سنحاول عرض وتحليل الشروط المتطلبة لحصول التعويض الجزئي في (أولا) إلى جانب تحديد التعويض في هده الحالة في( تانيا).
أولا : الشروط المتطلبة لإستحقاق التعويض الجزئي.
لقد أشارت المادة 19من القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي إلى مقتضى غاية في الأهمية وهو إستحقاق المكتري لتعويضين أساسيين فالاول يتعلق بحالة إستحقاق المكتري لتعويض يمثل كراء تلاث سنوات من حسب آخر وجيبة كرائية ، واستحقاق المكتري لتعويض يوازي كراء ثمانية عشر شهراً ، ولأن هده الفقرة خصصناها من أجل الإحاطة بالتعويض الجزئي اي التعويض الموازي لكراء تلاث سنوات حسب أخر وجيبة كرائية ، وهو الذي يهمنا في هدا الصدد فإننا سنرجئ الحديث عن التعويض الإحتياطي أو الذي يمثل كراء ثمانية عشر شهراً إلى الفقرة الثانية.
إن الحديث عن التعويض الجزئي المستحق نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري كما جاء في نص المادة 19 من قانون الكراء التجاري والصناعي والحرفي يتطلب الحديث عن الشروط الأساسية لإستحقاق هدا التعويض.
فالمشرع المغربي في الفقرة الأولى من هذه المادة جاء واضحا ونص على أنه في حالة إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه أو يتوفر على سكن في ملكه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية، ومن خلال هذا المعطي يتضح بأن المشرع بعدما عرض لحق المالك في المطالبة بالإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل الذي يزاول فيه المكتري نشاطه التجاري أوالصناعي أوالحرفي للسكن وحدد الأشخاص الذين قد يكون الإفراغ لفائدتهم في نفس الفقرة كما تقدم معنا سلفا، وبعد دالك نص نص على التعويض المستحق للمكتري الذي يمثل كراء ثلات سنوات حسب بالإعتماد على أخر وجيبة كرائية للمحل، ولكي لا يتعسف المكري في إستعماله لحق الإفراغ الذي ينصب على المحل الملحق الشيء الذي من شأنه أن يلحق ضررا بالمكتري، لا سيما إذا كان تاجرا أو يرتبط دالك المحل بمصالحه التجارية، نجد أن المشرع إشترط إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه كشرط أول أو أن هذا الشخص يتوفر على سكن في ملكه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية.
إن اشتراط المشرع إثبات هده العناصر يؤكد افتراضه المسبق من أن يكون المكري الذي يطلب الإفراغ المتعلق بالمحل الملحق بالمحل التجاري شيء النية أو أن طلبه هدا الرامي إلى الإفراغ يتوخى منه فقط الإصرار بمصالح المكتري، غير أن الإشكال الذي يثار بخصوص هذه المسألة يتعلق بالإثبات، أي إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ له لا يتوفر على سكن أو أنه يتوفر عليه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية، فهل الإثبات يقع على عاتق المالك، أي صالحي الملكية العقارية أم أن الأمر يتعلق بالشخص المراد الإفراغ له بالمعنى الواسع كما جاء في الفقرة الأولى من المادة 19 وسبق أن تطرقنا لها في المبحث الأول، لانه قد يكون الشخص المراد الإفراغ له ليس هو المالك كما هو الحال بالنسبة للزوج أو أحد الأصول أو الفروع أو حتى المستفيذون من الوصية الواجبة إن وجدوا أو المكفول، مع العلم أن المادة 19 جاءت عامة ولم تحدد المطالب بالإثبات،( إحالة : إن إستعمال عبارة "...شريطة إثبات..." في المادة 19 تجعل هده الأخيرة لم تحدد الملزم بالإثبات )، وفي ضل هدا الوضع فإننا نعتقد بأن الملزم بإثبات هذه الشروط هو المكري اي صاحب الملكية العقارية للمحل الملحق المراد أفراغه للإستعمال الشخصي، ولو لم يكن هو من يطلب الإفراغ ليسكن فيه بنفسه، ويبقى الأمر في دالك في دالك خاضعا لحرية الإثبات كماهو مقرر في الميدان التجاري.
هدا بالإضافة إلى دالك فإن المشرع إشترط على الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أن يسكن المحل شخصيا داخل أجل أقصاه سنة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، مالم يكن هناك عذر مقبول[5].
لا شك بأن غاية المشرع من إشتراط هذا العنصر على غرار باقي الشروط هي ضمان أكبر قدر من الحماية القانونية للمكتري من جراء الإفراغ الكبدي الذي يتقدم به المكري والناتج عن التعسف في الطلبات الرامية إلى إفراغ المساكن الملحقة بالمحلات التجارية، وأيظا الوقوف على مكامن حسن نية لدى المكتري أو المطلوب الإفراغ له على وجه العموم.
ويثار إشكال حول أذا ما كان المكتري يؤدي سومة كرائية إجمالية أي أنها تشمل المحل التجاري و الذي يستعمله في تجارته إلى جانب محل السكن المرتبط أداة الملحق به، وخاصة عند تحديد التعويض، وهدا ما سنحاول الإجابة عليه في هدا الصدد علما أن الحالة التي يؤدي فيها المكتري سومة كرائية للمحل الملحق منفصلة لا يثير أي إشكال ما دامت أن المادة نصت صراحة على أن المكتري يستحق تعزيزا يوازي كراء ثلات سنوات حسب أخر وجيبة كرائية للمحل الملحق بعد توفر الشروط التي أشرنا أليها سلفا.
تانيا: كيفية تحديد التعويض.
إذا أثبت الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أنه لا يتوفر على سكن في ملكه أو أنه يتوفر عليه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية إضافة إلى كون الشخص أو الأشخاص المطلوب الإفراغ لفائدتهم منصوص عليهم في الفقرة الأولى من المادة 19 فإنه يستحق المكتري تعويضا جزئيا يمثل كراء ثلات سنوات حسب وجيبة الكراء التي كان يؤديها والمشمولة فقط بالمحل الملحق شريطة أن لا يكون من شأن هدا الطلب المبني على إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري أن ينتج عنه إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 20 من قانون الكراء التجاري[6]
فماذا إذن عن الحالة التي يؤدي فيها المكتري وجيبة كرائحة شاملة، بمعنى أنها تشمل المحل المعد للنشاط التجاري أو الصناعي أو الحرفي والمحل الملحق بالمحل التجاري ؟ وهي الحالة الشائعة على المستوى الواقع العملي.
إن الإجابة عن هذا الإشكال يتطلب منا وبلا شك الرجوع الى المقتضيات القانونية المنظمة لهده الحالة للوقوف على المعايير التي وضعها المشرع من أجل تحديد السومة الكرائية المتعلق بالمحل الملحق موضوع طلب الإفراغ والذي بناء عليه سيتم تعويض المكتري تعويضا جزئيا.
الرجوع إلى المادة 19 وتحديدا الفقرة الثانية منها، نصت على أنه " ... إذا كان المكتري يؤدي سومة كرائية إجمالية تشمل المحل المستعمل للتجارة ومحل السكنى الملحق به، يتم تحديد السومة الكرائية للمحل الملحق باتفاق الطرفين أو باللجوء إلى المحكمة " .
ويعتبر هدا المقتضى أحد الضمانات المخولة لأطراف العلاقة الكرائية من أجل تحديد السومة الكرائية للمحل الملحق بالمحل التجاري، حيث بناء عليه سيتم تقدير التعويض المستحق لفائدة المكتري لا سيما وأن أغلب النزاعات في هدا المجال تتعلق بمثل هده الوضعيات الشيء الذي جعل المشرع بعد بقواعد قانونية تنظم هذا الإشكال، وحسنا فعل عندما حدد وسيلتين أساسيتين لتحديد السومة الكرائية فالأولى تتعلق بالحالة التي يتق فيها المكري والمكتب بالتراضي عن السومة الكرائية للمحل واعتبرها وسيلة سابقة، ففي حالة عدم الإتفاق يكون الفيصل هو اللجوء إلى طرق أبواب القضاء، وإذا كانت الوسيلة الأولى لا تثير اي إشكالات ، فإن اللجوء إلى المحكمة يؤدي بنا إلى طرح الإشكال التالي :
هل اللجوء إلى المحكمة يكون منفصلا أي بدعوى أصلية رامية الى تحديد السومة الكرائية أم أن الأمر يمكن المطالبة به أثناء سريان دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ والذي يبث فيه قضاء الموضوع [7]من خلاله بإمكان المحكمة تقدير السومة الكرائية.
وفي هذا الإطار يرى بعض الفقه [8]انه يتعين على المحكمة أثناء نظرها في دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ أن تنتدب خبيرا لتحديد السومة الكرائية، وفي إعتقادنا نرى بأن هذا الرأي محترم ما دام أنه سيحقق لنا غايتين أساسيتين، الأولى قضائية تتمثل في الإقتصاد وتسريع الإجراءات وغاية اجتماعية تتجلى في عدم تكليف المكتري أو المكري بدعوى ثانية وما ينتج عنها من مصاريف.
وجدير بالذكر في هده الحالة أن الأصل هو تحديد السومة الكرائية بناء على اتفاق الطرفين والاستثناء هو اللجوء إلى المحكمة، على أن المكتري يمكنه المطالبة بالتعويض الذي يمثل ثلات سنوات من الكراء بناء على أخر سومة كرائية للمحل نتيجة الحكم بإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل التجاري، عن طريق مقابلة أو بدعوى مستقلة عن دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 27 من القانون 49.16 " يجوز للمكتري التقدم بطلب مقابل للتعويض أثناء سريان دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ" .
إذا لم يتقدم المكتري بطلب مقابل للتعويض أثناء سريان هده الدعوى، فإنه يجوز له أن يرفع دعوى التعويض داخل أجل 6 أشهر من تاريخ تبليغه بالحكم النهائي القاضي بالإفراغ.
والملاحظ أنه في حالة تقديم دعوى التعويض مستقلة من طرف المكتري فإنه يجب أن يكون داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تبليغه بالحكم القاضي بالإفراغ[9] تحت طائلة سقوط الحق في المطالبة بالتعويض أي أن هدا الأجل هو أجل سقوط.
الفقرة الثانية : إستحقاق التعويض الإحتياطي للمكتري.
سوف نحاول الوقوف في هده الفقرة عند الشروط الأساسية للمطالبة بالتعويض الإحتياطي في (أولا ) وكدالك ضوابط المطالبة بهدا التعويض في( ثانيا ).
أولا : الشروط الأساسية للمطالبة بالتعويض الإحتياطي.
يعد الإفراغ بسبب الحاجة إلى الإستعمال الشخصي واحد من الأسباب التي تؤدي إلى إنهاء العلاقة الكرائية بين المكري والمكتري، غير أنه في إطار دراستنا هذه والتي تقتصر على التعويض المقرر لفائدة المكتري طبقا للقانون 49.16، تبين لنا أن المشرع إقتصر فقط على تنظيم الإفراغ للإستعمال الشخصي المنصب على المحل السكني الملحق بالمحل الذي يزاول فيه المكتري نشاطه التجاري.
أن المكتري ولو كان حريصا على أداء كل ما ذمته من واجبات كرائية تجاه الطرف الأخر اي المكري فإن ذالك لا ينهض سببا يحول دون مطالبة المكتري بالإفراغ، لأنه في هده الحالة السبب الناتج عن المطالبة بالإفراغ ليست له أية علاقة بخطأ المكتري، وإنما دالك راجع الى الحاجة الملحة لمالك العقار المكترى او من يعيش تحت كنفه من أجل السكن وإن كان الأمر يقتصر فقط على المحل السكني الملحق بالمحل التجاري.
وتعتبر طلبات الإفراغ من أجل السكن من أهم الضمانات المخولة للمكري مراعاة لأوضاعه الإجتماعية لتحقيق الإفراغ، وذالك بالإستناد الى المبدأ الشائع الذي يقضي بأن المالك له الأولوية في استعمال عقاره من الغريب[10] وإذا كان الأمر كدالك فإن هدا المبدأ ليس على إطلاقه ولا يمكن إعتباره كدالك، مادام تحقيق الإستقرار بين الملكية العقارية والملكية التجارية يظل من أبرز الرهانات التي تسعى إليه كل الأنظمة القانونية ومنها النظام القانوني المغربي الذي حاول البحث عن سبل تحقيق التوازن بين الملكيتين العقارية والتجارية في إطار العلاقات الكرائية التي تدخل ضمن نطاق القانون 49.16.
وبالتالي فإن تحقيق هده الغاية و أخرى فلابد من إستحضار عنصر حسن النية[11].الذي هو الأصل ، من خلال تأكيد المشرع المغربي على هذه القاعدة عبر التنصيص عليها في القواعد العامة في الفصل 231من ق،ل،ع الذي جاء فيه " كل تعهد يجب تنفيده بحسن نية" .
إن إبراز هدا العنصر في إطار حديثنا عن التعويض نتيجة إفراغ السك
ن الملحق بالمحل التجاري من أجل السكن، يتطلب منا الرجوع إلى المادة 19 وتحديدا في فقرتها الأخيرة التي نصت على أنه " يتعين على الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أن يعتمر المحل شخصيا داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، مالم يكن هناك عذر مقبول، وإلا حق للمكتري المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر يوازي كراء ثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية ".
أن المتمعن في مقتضيات هده الفقرة سيجد بأن إقرار المشرع بإستحقاق المكتري تعويضا يمثل كراء ثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية أداها المكتري، كان الغاية منه توفير أكبر قدر من الضمانات للمكتري الذي أفرغ من السكن الملحق بالمحل التجاري من جهة ومن جهة أخرى إبراز حسن نية الشخص المفروغ لفائدته، الشيء الذي قد يحد من تعسف بعض المكترين في طلبات الإفراغ التي تقع على السكن الملحق بالمحل التجاري.
وتماشيا مع مع ما تم دكره، فإن المشرع إشترط لكي يطالب المكتري بالتعويض الذي يوازي كراء ثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية، مجموعة من العناصر والشروط، الشيء الذي يجعل هدا التعويض يكتسي طابعا إستثنائيا واحتياطيا.
ومن جملة هده الشروط أن لا يعتمر الشخص المفروغ لفائدته المحل شخصيا، وأن لا يحصل هدا الإعتمار داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري، وفضلا عن دالك فإنه إشترط المشرع أن يحصل إعتمار المحل الملحق لمدة تقل عن ثلات سنوات، بالإضافة إلى كون ذالك حصل بدون عذر مقبول.
ن عرض هده الشروط كان نتيجة فحوى قراءة الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون 49.16 بمفهوم المخالفة ، لكن يبقى التساؤل المطروح في هذا الصدد بخصوص توفر العذر المقبول من عدمه عن ماهية المعايير التي تعتمدها المحكمة وهي تنظر في دعوى التعويض ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل فإننا نرى بأن تحديد هده المعايير يرجع الى السلطة التقديرية لقضاء الموضوع بالإستناد على مختلف وسائل الإثبات المقررة من أجل التثبت من أحقية العذر المقبول من عدمه وبالتالي ترتيب التعويض لفائدة المكتري.
ولعله من المفيد أن نؤكد على أن التعويض الموازي لثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية أو ما نسميه بالتعويض الإحتياطي أو الإستثنائي المقرر لمصلحة المكتري له طابع إحتمالي لأن إستحقاقه معلق على تحقق الشروط التي سبق وأن أشرنا إليها سلفا في معرض هده الدراسة.
ثانيا: ضوابط المطالبة بالتعويض الإحتياطي
.
وبناء على ذلك، فإمكانية مطالبة المكتري بالتعويض الإحتباطي الذي يمتل كراء ثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية، وهو في حقيقة مطالبة بتعويض عن الضرر الحاصل بعد تنفيد الحكم بالإفراغ والمتمثل في سوء نية المكري المجسدة في عدم إعتماره شخصيا للمحل الذي وقع إفراغه داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، وما لم يكن هناك عذر مقبول.
الإشارة إلى أن المكتري ولأجل المطالبة بالتعويض الموازي لثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية فإن دالك يكون اساسا بناء على دعوى مستقلة في هذا الشأن ولأنه لا يمكن تحديده منذ حصول الإفراغ وبالتالي لا يمكن للمكتري المطالبة به أثناء نظر المحكمة في دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ خلافا للتعويض الجزئي الذي تطرقنا له في الفقرة الأولى والذي يمكن المطالبة به سواء أثناء سير دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ عن طريق دعوى مقابلة أو مستقلة عن دعوى المصادقة على الإنذار، وهدا المعطي يؤكد الطابع الإحتياطي لهدا التعويض، علما أنه يتحقق عندما تختل إحدى الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون 49.16
وفي الأخير، فإنه يمكن القول بأن المشرع من خلال القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي أو الحرفي حاول تحقيق نوع من التوازن في إطار العلاقات التعاقدية في مجال الكراء التجاري من خلال مراعاة الأوضاع الإجتماعية للمكري في أن خول له إمكانية المطالبة بإفراغ السكن الملحق بالمحل
التجاري من أجل السكن وحدد شروط ممارسته تفاديا لتعسف بعض المكترين في استعمال هدا الحق وفي المقابل خول للمكتري مجموعة من المقتضيات المتعلقة في التعويض نتيجة هدا الإفراغ وعزز هدا المقتضى بأن أصبح التعويض لم يعد خاضعا للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع.
إنتهى بتوفيق من الله
الهوامش
ولذالك يعتبر مجال الكراء التجاري المجال الخصب لتلاقي هده المصالح التي تستدعي الضرورة الإحاطة بمختلف الإشكالات والتقاطعات التي يمكن أن تكون موضوعا لها .
وبناء عليه، فقد عملت التشريعات الحديثة على حماية المكتري من تعسف صاحب الملك وعلى حفظ حق هذا الأخير في إستفادته من المقابل الذي تعيشه من إبرام عقد الكراء بل وفي استرجاع ملكه وفق شروط وإجراءات تكفل التوازن المنشود بين طرفي العلاقة الكرائية، حتى قال السنهوري : القانون إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.[1]
وانطلاقا منه فقد سعي المشرع المغربي بدوره إلى توفير الحماية اللازمة لحق المكتري في الإنتفاع بالمحل وفي المقابل نجد أن المشرع ووعيا منه بأهمية عقد الكراء التجاري حاول ضمان نوع من التوازن من خلال تمكين المكري من إمكانية إسترداد ملكيته العقارية على يد المكتري.
ولما كان الأصل إستقرار المعاملات يقتضي إستمرارية الإستغلال المخول للمكتري على المحل موضوع الكراء إلا أن الإستثناء يقضي بخلاف هدا الأمر ، دالك أن المطري قد يكون في وقت له من الحاجة في دالك المحل، ما يجعله يسلك مساطر إفراغ المكتري، ومن بين هذه المساطر نجد الإفراغ من أجل الإستعمال الشخصي والذي هو بمثابة ضمانة للمكري لوضع حد للعلاقة الكرائية، بطبيعة الحال وفقا للإجراءات والشروط كما تقدم معنا في المبحث السابق، إلى جانب تحقق الأسباب والمبررات لدالك، تحقيقا لمبدأ سامي وهو حسن النية المفترض على الأصل.
وعليه، فإذا كان من بين الحقوق المخولة للمكري، إفراغ المكتري طبقا للحالات المنصوص عليها في القانون، فإنه ولا بد أن يقترن دالك بتعويض يلتزم المكري بأدائه نتيجة ما لحق أو ما قد يلحق المكتري من خسارة أو أضرار على إثر واقعة الإفراغ ، ويعد التعويض من أهم وأبرز الآثار المترتية عن إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري[2] في إطار القانون 49.16[3]
وبخصوص هده النقطة، فإننا نتساءل عن مدى فعالية التعويض في إطار إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري في تحقيق نوع من التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية اي المكري والمكتري، وبالتالي تحقيق الأمن التعاقدي؟
وسنتولى في هده الدراسة بحث التعويضات المقررة للمكتري نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري من خلال طريق التطرق إلى التعويض الجزئي في (الفقرة الأولى ) قبل أن نعرض لإستحقاق المكتري للتعويض الإحتياطي وفق شروط محددة في (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: إستحقاق المكتري للتعويض الجزئي نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري.
لما كان المطالبة بالإفراغ هو حق من الحقوق المخولة للمكري، فإنه لا يستوي الحديث عن ذلك مالم يكن مبررا ووجيها أو كان مبنيا على سبب معقول، وفي المقابل فإن المكري ملزم بتعويض المكتري نتيجة هذا الإفراغ وهو من أهم الآثار التي يمكن أن تترتب أو تنتهي بها مساطر الإفراغ المقررة للمكري في إطار القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي.[4]
إن التعويض في عمومه يرمي بالأساس إلى إصلاح الضرر الذي أصاب المكتري من جراء واقعة الإفراغ لدالك أولى المشرع المغربي عناية لعنصر التعويض عن إنهاء العلاقة الكرائية لتعلقه بمصالح جديرة بالحماية.
من الواضح أن جدلية وضع قواعد حمائية للملكية العقارية لفائدة المكري تفترض بالأساس وكأصل إنهاء العلاقة الكرائية، ويكون بدالك الباب مفتوحا لزعزعة أساس الملكية التجارية للمكتري.
لقد نص المشرع المغربي على مجموعة من الأحكام والضوابط القانونية التي تحمل في طياتها الطابع الحمائي لمختلف المصالح المكونة لعقد الكراء حفاظاً على الحقوق من أن يتم سلبها بشكل تعسفي ودون تعويض، ومن ٠ملة هذه التدابير والضوابط ما يتعلق بالتعويض الجزئي نتيجة الإفراغ من أجل الإستعمال الشخصي للمحل الملحق بالمحل التجاري.
وفي هذا السياق يجذر بنا أن نطرح التساؤل الجوهري التالي:
ماهي الضوابط القانونية التي تحكم حالة التعويض الجزئي نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري؟
وللإجابة عن هذا الإشكال ومحاولة تبسيطه، فإننا سنحاول عرض وتحليل الشروط المتطلبة لحصول التعويض الجزئي في (أولا) إلى جانب تحديد التعويض في هده الحالة في( تانيا).
أولا : الشروط المتطلبة لإستحقاق التعويض الجزئي.
لقد أشارت المادة 19من القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي إلى مقتضى غاية في الأهمية وهو إستحقاق المكتري لتعويضين أساسيين فالاول يتعلق بحالة إستحقاق المكتري لتعويض يمثل كراء تلاث سنوات من حسب آخر وجيبة كرائية ، واستحقاق المكتري لتعويض يوازي كراء ثمانية عشر شهراً ، ولأن هده الفقرة خصصناها من أجل الإحاطة بالتعويض الجزئي اي التعويض الموازي لكراء تلاث سنوات حسب أخر وجيبة كرائية ، وهو الذي يهمنا في هدا الصدد فإننا سنرجئ الحديث عن التعويض الإحتياطي أو الذي يمثل كراء ثمانية عشر شهراً إلى الفقرة الثانية.
إن الحديث عن التعويض الجزئي المستحق نتيجة إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري كما جاء في نص المادة 19 من قانون الكراء التجاري والصناعي والحرفي يتطلب الحديث عن الشروط الأساسية لإستحقاق هدا التعويض.
فالمشرع المغربي في الفقرة الأولى من هذه المادة جاء واضحا ونص على أنه في حالة إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه أو يتوفر على سكن في ملكه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية، ومن خلال هذا المعطي يتضح بأن المشرع بعدما عرض لحق المالك في المطالبة بالإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل الذي يزاول فيه المكتري نشاطه التجاري أوالصناعي أوالحرفي للسكن وحدد الأشخاص الذين قد يكون الإفراغ لفائدتهم في نفس الفقرة كما تقدم معنا سلفا، وبعد دالك نص نص على التعويض المستحق للمكتري الذي يمثل كراء ثلات سنوات حسب بالإعتماد على أخر وجيبة كرائية للمحل، ولكي لا يتعسف المكري في إستعماله لحق الإفراغ الذي ينصب على المحل الملحق الشيء الذي من شأنه أن يلحق ضررا بالمكتري، لا سيما إذا كان تاجرا أو يرتبط دالك المحل بمصالحه التجارية، نجد أن المشرع إشترط إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه كشرط أول أو أن هذا الشخص يتوفر على سكن في ملكه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية.
إن اشتراط المشرع إثبات هده العناصر يؤكد افتراضه المسبق من أن يكون المكري الذي يطلب الإفراغ المتعلق بالمحل الملحق بالمحل التجاري شيء النية أو أن طلبه هدا الرامي إلى الإفراغ يتوخى منه فقط الإصرار بمصالح المكتري، غير أن الإشكال الذي يثار بخصوص هذه المسألة يتعلق بالإثبات، أي إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ له لا يتوفر على سكن أو أنه يتوفر عليه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية، فهل الإثبات يقع على عاتق المالك، أي صالحي الملكية العقارية أم أن الأمر يتعلق بالشخص المراد الإفراغ له بالمعنى الواسع كما جاء في الفقرة الأولى من المادة 19 وسبق أن تطرقنا لها في المبحث الأول، لانه قد يكون الشخص المراد الإفراغ له ليس هو المالك كما هو الحال بالنسبة للزوج أو أحد الأصول أو الفروع أو حتى المستفيذون من الوصية الواجبة إن وجدوا أو المكفول، مع العلم أن المادة 19 جاءت عامة ولم تحدد المطالب بالإثبات،( إحالة : إن إستعمال عبارة "...شريطة إثبات..." في المادة 19 تجعل هده الأخيرة لم تحدد الملزم بالإثبات )، وفي ضل هدا الوضع فإننا نعتقد بأن الملزم بإثبات هذه الشروط هو المكري اي صاحب الملكية العقارية للمحل الملحق المراد أفراغه للإستعمال الشخصي، ولو لم يكن هو من يطلب الإفراغ ليسكن فيه بنفسه، ويبقى الأمر في دالك في دالك خاضعا لحرية الإثبات كماهو مقرر في الميدان التجاري.
هدا بالإضافة إلى دالك فإن المشرع إشترط على الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أن يسكن المحل شخصيا داخل أجل أقصاه سنة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، مالم يكن هناك عذر مقبول[5].
لا شك بأن غاية المشرع من إشتراط هذا العنصر على غرار باقي الشروط هي ضمان أكبر قدر من الحماية القانونية للمكتري من جراء الإفراغ الكبدي الذي يتقدم به المكري والناتج عن التعسف في الطلبات الرامية إلى إفراغ المساكن الملحقة بالمحلات التجارية، وأيظا الوقوف على مكامن حسن نية لدى المكتري أو المطلوب الإفراغ له على وجه العموم.
ويثار إشكال حول أذا ما كان المكتري يؤدي سومة كرائية إجمالية أي أنها تشمل المحل التجاري و الذي يستعمله في تجارته إلى جانب محل السكن المرتبط أداة الملحق به، وخاصة عند تحديد التعويض، وهدا ما سنحاول الإجابة عليه في هدا الصدد علما أن الحالة التي يؤدي فيها المكتري سومة كرائية للمحل الملحق منفصلة لا يثير أي إشكال ما دامت أن المادة نصت صراحة على أن المكتري يستحق تعزيزا يوازي كراء ثلات سنوات حسب أخر وجيبة كرائية للمحل الملحق بعد توفر الشروط التي أشرنا أليها سلفا.
تانيا: كيفية تحديد التعويض.
إذا أثبت الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أنه لا يتوفر على سكن في ملكه أو أنه يتوفر عليه لكنه غير كاف لسد حاجياته العادية إضافة إلى كون الشخص أو الأشخاص المطلوب الإفراغ لفائدتهم منصوص عليهم في الفقرة الأولى من المادة 19 فإنه يستحق المكتري تعويضا جزئيا يمثل كراء ثلات سنوات حسب وجيبة الكراء التي كان يؤديها والمشمولة فقط بالمحل الملحق شريطة أن لا يكون من شأن هدا الطلب المبني على إفراغ السكن الملحق بالمحل التجاري أن ينتج عنه إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 20 من قانون الكراء التجاري[6]
فماذا إذن عن الحالة التي يؤدي فيها المكتري وجيبة كرائحة شاملة، بمعنى أنها تشمل المحل المعد للنشاط التجاري أو الصناعي أو الحرفي والمحل الملحق بالمحل التجاري ؟ وهي الحالة الشائعة على المستوى الواقع العملي.
إن الإجابة عن هذا الإشكال يتطلب منا وبلا شك الرجوع الى المقتضيات القانونية المنظمة لهده الحالة للوقوف على المعايير التي وضعها المشرع من أجل تحديد السومة الكرائية المتعلق بالمحل الملحق موضوع طلب الإفراغ والذي بناء عليه سيتم تعويض المكتري تعويضا جزئيا.
الرجوع إلى المادة 19 وتحديدا الفقرة الثانية منها، نصت على أنه " ... إذا كان المكتري يؤدي سومة كرائية إجمالية تشمل المحل المستعمل للتجارة ومحل السكنى الملحق به، يتم تحديد السومة الكرائية للمحل الملحق باتفاق الطرفين أو باللجوء إلى المحكمة " .
ويعتبر هدا المقتضى أحد الضمانات المخولة لأطراف العلاقة الكرائية من أجل تحديد السومة الكرائية للمحل الملحق بالمحل التجاري، حيث بناء عليه سيتم تقدير التعويض المستحق لفائدة المكتري لا سيما وأن أغلب النزاعات في هدا المجال تتعلق بمثل هده الوضعيات الشيء الذي جعل المشرع بعد بقواعد قانونية تنظم هذا الإشكال، وحسنا فعل عندما حدد وسيلتين أساسيتين لتحديد السومة الكرائية فالأولى تتعلق بالحالة التي يتق فيها المكري والمكتب بالتراضي عن السومة الكرائية للمحل واعتبرها وسيلة سابقة، ففي حالة عدم الإتفاق يكون الفيصل هو اللجوء إلى طرق أبواب القضاء، وإذا كانت الوسيلة الأولى لا تثير اي إشكالات ، فإن اللجوء إلى المحكمة يؤدي بنا إلى طرح الإشكال التالي :
هل اللجوء إلى المحكمة يكون منفصلا أي بدعوى أصلية رامية الى تحديد السومة الكرائية أم أن الأمر يمكن المطالبة به أثناء سريان دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ والذي يبث فيه قضاء الموضوع [7]من خلاله بإمكان المحكمة تقدير السومة الكرائية.
وفي هذا الإطار يرى بعض الفقه [8]انه يتعين على المحكمة أثناء نظرها في دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ أن تنتدب خبيرا لتحديد السومة الكرائية، وفي إعتقادنا نرى بأن هذا الرأي محترم ما دام أنه سيحقق لنا غايتين أساسيتين، الأولى قضائية تتمثل في الإقتصاد وتسريع الإجراءات وغاية اجتماعية تتجلى في عدم تكليف المكتري أو المكري بدعوى ثانية وما ينتج عنها من مصاريف.
وجدير بالذكر في هده الحالة أن الأصل هو تحديد السومة الكرائية بناء على اتفاق الطرفين والاستثناء هو اللجوء إلى المحكمة، على أن المكتري يمكنه المطالبة بالتعويض الذي يمثل ثلات سنوات من الكراء بناء على أخر سومة كرائية للمحل نتيجة الحكم بإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل التجاري، عن طريق مقابلة أو بدعوى مستقلة عن دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 27 من القانون 49.16 " يجوز للمكتري التقدم بطلب مقابل للتعويض أثناء سريان دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ" .
إذا لم يتقدم المكتري بطلب مقابل للتعويض أثناء سريان هده الدعوى، فإنه يجوز له أن يرفع دعوى التعويض داخل أجل 6 أشهر من تاريخ تبليغه بالحكم النهائي القاضي بالإفراغ.
والملاحظ أنه في حالة تقديم دعوى التعويض مستقلة من طرف المكتري فإنه يجب أن يكون داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تبليغه بالحكم القاضي بالإفراغ[9] تحت طائلة سقوط الحق في المطالبة بالتعويض أي أن هدا الأجل هو أجل سقوط.
الفقرة الثانية : إستحقاق التعويض الإحتياطي للمكتري.
سوف نحاول الوقوف في هده الفقرة عند الشروط الأساسية للمطالبة بالتعويض الإحتياطي في (أولا ) وكدالك ضوابط المطالبة بهدا التعويض في( ثانيا ).
أولا : الشروط الأساسية للمطالبة بالتعويض الإحتياطي.
يعد الإفراغ بسبب الحاجة إلى الإستعمال الشخصي واحد من الأسباب التي تؤدي إلى إنهاء العلاقة الكرائية بين المكري والمكتري، غير أنه في إطار دراستنا هذه والتي تقتصر على التعويض المقرر لفائدة المكتري طبقا للقانون 49.16، تبين لنا أن المشرع إقتصر فقط على تنظيم الإفراغ للإستعمال الشخصي المنصب على المحل السكني الملحق بالمحل الذي يزاول فيه المكتري نشاطه التجاري.
أن المكتري ولو كان حريصا على أداء كل ما ذمته من واجبات كرائية تجاه الطرف الأخر اي المكري فإن ذالك لا ينهض سببا يحول دون مطالبة المكتري بالإفراغ، لأنه في هده الحالة السبب الناتج عن المطالبة بالإفراغ ليست له أية علاقة بخطأ المكتري، وإنما دالك راجع الى الحاجة الملحة لمالك العقار المكترى او من يعيش تحت كنفه من أجل السكن وإن كان الأمر يقتصر فقط على المحل السكني الملحق بالمحل التجاري.
وتعتبر طلبات الإفراغ من أجل السكن من أهم الضمانات المخولة للمكري مراعاة لأوضاعه الإجتماعية لتحقيق الإفراغ، وذالك بالإستناد الى المبدأ الشائع الذي يقضي بأن المالك له الأولوية في استعمال عقاره من الغريب[10] وإذا كان الأمر كدالك فإن هدا المبدأ ليس على إطلاقه ولا يمكن إعتباره كدالك، مادام تحقيق الإستقرار بين الملكية العقارية والملكية التجارية يظل من أبرز الرهانات التي تسعى إليه كل الأنظمة القانونية ومنها النظام القانوني المغربي الذي حاول البحث عن سبل تحقيق التوازن بين الملكيتين العقارية والتجارية في إطار العلاقات الكرائية التي تدخل ضمن نطاق القانون 49.16.
وبالتالي فإن تحقيق هده الغاية و أخرى فلابد من إستحضار عنصر حسن النية[11].الذي هو الأصل ، من خلال تأكيد المشرع المغربي على هذه القاعدة عبر التنصيص عليها في القواعد العامة في الفصل 231من ق،ل،ع الذي جاء فيه " كل تعهد يجب تنفيده بحسن نية" .
إن إبراز هدا العنصر في إطار حديثنا عن التعويض نتيجة إفراغ السك
ن الملحق بالمحل التجاري من أجل السكن، يتطلب منا الرجوع إلى المادة 19 وتحديدا في فقرتها الأخيرة التي نصت على أنه " يتعين على الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته أن يعتمر المحل شخصيا داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، مالم يكن هناك عذر مقبول، وإلا حق للمكتري المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر يوازي كراء ثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية ".
أن المتمعن في مقتضيات هده الفقرة سيجد بأن إقرار المشرع بإستحقاق المكتري تعويضا يمثل كراء ثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية أداها المكتري، كان الغاية منه توفير أكبر قدر من الضمانات للمكتري الذي أفرغ من السكن الملحق بالمحل التجاري من جهة ومن جهة أخرى إبراز حسن نية الشخص المفروغ لفائدته، الشيء الذي قد يحد من تعسف بعض المكترين في طلبات الإفراغ التي تقع على السكن الملحق بالمحل التجاري.
وتماشيا مع مع ما تم دكره، فإن المشرع إشترط لكي يطالب المكتري بالتعويض الذي يوازي كراء ثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية، مجموعة من العناصر والشروط، الشيء الذي يجعل هدا التعويض يكتسي طابعا إستثنائيا واحتياطيا.
ومن جملة هده الشروط أن لا يعتمر الشخص المفروغ لفائدته المحل شخصيا، وأن لا يحصل هدا الإعتمار داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري، وفضلا عن دالك فإنه إشترط المشرع أن يحصل إعتمار المحل الملحق لمدة تقل عن ثلات سنوات، بالإضافة إلى كون ذالك حصل بدون عذر مقبول.
ن عرض هده الشروط كان نتيجة فحوى قراءة الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون 49.16 بمفهوم المخالفة ، لكن يبقى التساؤل المطروح في هذا الصدد بخصوص توفر العذر المقبول من عدمه عن ماهية المعايير التي تعتمدها المحكمة وهي تنظر في دعوى التعويض ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل فإننا نرى بأن تحديد هده المعايير يرجع الى السلطة التقديرية لقضاء الموضوع بالإستناد على مختلف وسائل الإثبات المقررة من أجل التثبت من أحقية العذر المقبول من عدمه وبالتالي ترتيب التعويض لفائدة المكتري.
ولعله من المفيد أن نؤكد على أن التعويض الموازي لثمانية عشر شهراً حسب أخر وجيبة كرائية أو ما نسميه بالتعويض الإحتياطي أو الإستثنائي المقرر لمصلحة المكتري له طابع إحتمالي لأن إستحقاقه معلق على تحقق الشروط التي سبق وأن أشرنا إليها سلفا في معرض هده الدراسة.
ثانيا: ضوابط المطالبة بالتعويض الإحتياطي
.
وبناء على ذلك، فإمكانية مطالبة المكتري بالتعويض الإحتباطي الذي يمتل كراء ثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية، وهو في حقيقة مطالبة بتعويض عن الضرر الحاصل بعد تنفيد الحكم بالإفراغ والمتمثل في سوء نية المكري المجسدة في عدم إعتماره شخصيا للمحل الذي وقع إفراغه داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري ولمدة لا تقل عن ثلات سنوات، وما لم يكن هناك عذر مقبول.
الإشارة إلى أن المكتري ولأجل المطالبة بالتعويض الموازي لثمانية عشر شهراً حسب قيمة أخر وجيبة كرائية فإن دالك يكون اساسا بناء على دعوى مستقلة في هذا الشأن ولأنه لا يمكن تحديده منذ حصول الإفراغ وبالتالي لا يمكن للمكتري المطالبة به أثناء نظر المحكمة في دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ خلافا للتعويض الجزئي الذي تطرقنا له في الفقرة الأولى والذي يمكن المطالبة به سواء أثناء سير دعوى المصادقة على الإنذار بالإفراغ عن طريق دعوى مقابلة أو مستقلة عن دعوى المصادقة على الإنذار، وهدا المعطي يؤكد الطابع الإحتياطي لهدا التعويض، علما أنه يتحقق عندما تختل إحدى الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون 49.16
وفي الأخير، فإنه يمكن القول بأن المشرع من خلال القانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي أو الحرفي حاول تحقيق نوع من التوازن في إطار العلاقات التعاقدية في مجال الكراء التجاري من خلال مراعاة الأوضاع الإجتماعية للمكري في أن خول له إمكانية المطالبة بإفراغ السكن الملحق بالمحل
التجاري من أجل السكن وحدد شروط ممارسته تفاديا لتعسف بعض المكترين في استعمال هدا الحق وفي المقابل خول للمكتري مجموعة من المقتضيات المتعلقة في التعويض نتيجة هدا الإفراغ وعزز هدا المقتضى بأن أصبح التعويض لم يعد خاضعا للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع.
إنتهى بتوفيق من الله
الهوامش
[1] عبد الله الكرجي ، الإثبات في المنازعات الكرائية ، مقال منشور بمجلة القانون المدني، العدد الأول 2014، ص : 93
[2] خول المشرع للمكتري إمكانية مطالبة المكري بإفراغ محل السكنى الملحق بالمحل التجاري مراعاة لأوضاعه الإجتماعية المتمثلة في حاجته للسكن بنفسه أو لزوجه أو فروعه و لأحد أصوله.
[3] ظهير شريف رقم 1.16.99 صادر في 13 من شوال 1437 (18 يوليو 2016) بتنفيذ القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي صادر في الجريدة الرسمية عدد 6490بتلريخ 7دي القعدة 1437 (11اغسطس2016)،ص 5857
[4] لقد حاول المشرع من خلال إصدار القانون 49.16 على تجاوز مختلف الإشكالات التي كان يثيرها ظهير 24ماي1955 وإيجاد نوع من التوازن بين كفتي العلاقة الكرائية.
[5] د، سكينة العمري، التعويض عن إنهاء عقد الكراء التجاري على ضوء القانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، منشور بمجلة المهن القانونية والقضائية ، منازعات الكراء التجاري بين القانون والإجتهاد القضائي ، الطبعة الأولى 2021، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، عدد 7و 8)
[6] نصت المادة 20من القانون 49.16على أنه : لا يجوز للمالك المطالبة بإفراغ الجزء المتعلق بالسكن الملحق بالمحل التجاري أو الصناعي أو الحرفي في الحالات الآتية :
- إذا كان من شأنه إسترجاع المحل أن يحدث مساسا خطيرا بإستغلال الأصل التجاري؛
- إذا تعلق الأمر بملحقات المؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى، والمصحات والمؤسسات المماثلة لها، ومؤسسات التعليم الخصوصي؛
- إذا كان المكتري يستعمل جزء من محل الكراء للسكن لا يمكن الفصل بينه وبين الجزء المستعمل كمحل تجاري أو صناعي أو حرفي، فإنه في هده الحالة لا يمكن إفراغه من الجزء المستعمل للسكن، دون إفراغه من الجزء المستعمل للتجارة، وظالم وفقا لمقتضيات هذا القانون. ) على أن هده الأخيرة لا تثير أية إشكال علما أن المكتري يؤدي سومة كرائية للمحل الملحق منفصلة وهو ما سيسهل تقدير وتحديد التعويض الذي يمثل كراء ثلات سنوات وهو ما أشرنا إليه.
[7] أسند القانون 49.16 الإختصاص لقضاء الموضوع للمصادقة على الإنذار بالإفراغ في حالة الرغبة في استرجاع المحل الملحق بالمحل التجاري للسكن.
[8] إ: مصطفى بونجة، مساطر الإفراغ والتعويض الخاصة بالمحلات التجارية وفقا للقانون 49.16، مطبعة الأمنية الرباط ، الطبعة الأولى 2020-2021،ص : 208.
[9] : أبو القاسم الطيبي، إفراغ المحلات التجارية، دراسة على ضوء القانون 49.16، مطابع الرباط نت ، طبعة 2018، ص : 97
[10] فاضل حبشي، الإمتداد القانوني لعقود الإيجار ، طبعة 1969، ص : 158
[11] يعد مبدأ حسن النية من المبادئ التي تعود جذورها إلى القانون الروماني، ففي البداية تأسس على قواعد أخلاقية لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة التقنين فصار قاعدة قانونية.