ملاحظة: سينشر هذا المقال المحكم علميا بهوامشه في العدد الذي سيصدر برسم الفصل الرابع من سنة 2022 من السلسلة الورقية "مؤلفات إحياء علوم القانون" التي تصدر عن المنصة العلمة ماروك دروا
مقدمة:
تعتبر حماية البيئة من أعقد القضايا التي تستحوذ على اهتمام المتخصصين في شتى المجالات ومختلف المجتمعات مهما تباينت نظمها القانونية والاجتماعية، فالمخاطر التي تحيط بها وما يشوبها من تهديدات أضحت نوعا من التحدي الذي يتعين على الانسان أن يواجهه من خلال التقدم السريع للعلم والتكنولوجيا والقدرة على تحويل بيئته بطريقه لا حصر لها وعلى نطاق لم يسبق له مثيل.
وحيث أن فلسفة التجريم والعقاب في الفكر العقابي المعاصر تتوجه إلى حماية القيم المادية والأدبية اللازمة لصيانة كيان المجتمع ودعم أسسه للحفاظ على مقومات تطوره وتقدمه، وزحف التشريع العقابي على الكثير من الأحكام المتعلقة بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية بل وتعداها إلى الموضوعات ذات الصلة بالشؤون العلمية كالمخدرات والكمبيوتر وتلوث البيئة[1].
ولقد أشار القران الكريم إلى أهمية الماء بالنسبة لحياة الكائنات الحية في العديد من الآيات القرآنية منها ﴿وَجَعَلْنَا منَ الْمَاء كُلَّ شَيء حَي أَفَلَا يؤمنون[2] فعلى الرغم من الأهمية الخاصة لهذا المكون الحيوي الذي يعد عصب الحياة، إلا أنه تعرض إلى الكثير من التعديات سواء من الأشخاص الطبيعية أو من الأشخاص المعنوية والتي تنال من عناصره بسبب أفعال التلوث الناجمة عن الأنشطة المختلفة والمتزايدة لكن على الرغم من أن البيئة المائية حظيت بالحماية القانونية في التشريعات المقارنة إلا أن النصوص القانونية التي تشكل التشريع البيئي، ظلت غير ملائمة في مضمونها وتفتقد للفعالية الكافية لمسايرة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية الحديثة التي أدت إلى ظهور تحديات إيكولوجية جديدة، الأمر الذي دفع بالمشرع إلى ضرورة اللجوء إلى قانون ردعي يستجيب لمتطلبات الحماية وسعيا لضمان التنمية المستدامة لأن الحماية القانونية لا تكتمل إلا بالتجريم والعقاب اللذين يعتبران الأداة الفعالة لصيانة أي مصلحة من المصالح القانونية الجديرة بالحماية ونظرا لما تمثله البيئة المائية من قيمة اجتماعية أساسية كالحياة والملكية فبات من الضروري أن يتدخل القانون الجنائي لحمايتها بتجريم صور الاعتداء عليها، وتطرح مسألة حماية البيئة المائية جزائيا على مستوى الكمية وعلى مستوى الجودة وفي موضوع دراستنا سوف نقتصر على الحماية الجنائية للمياه من حيث الجودة بسبب مشكلة التلوث الذي أصبح يشكل خطرا كبيرا على الموارد المائية.
من هنا تظهر أهمية حماية البيئة المائية جنائيا بدفع الخطر عنها والحفاظ على سلامتها من كل ما يهددها وينقص من مزاياها أو ما يؤثر تأثيرا سلبيا على مكوناتها، فما مدى نجاعة و فعالية
القوانين الجنائية الدولية والوطنية المقررة لحماية البيئة المائية؟
لمعالجة الإشكالية التي يطرحها الموضوع ارتأيت تقسيم الموضوع كالتالي:
المبحث الأول: الحماية الجنائية للبيئة المائية على ضوء التشريعات الدولية والوطنية.
المبحث الثاني: السياسة الجنائية في مواجهة جرائم البيئة المائية.
المبحث الأول: الحماية الجنائية للبيئة المائية على ضوء التشريعات الدولية والوطنية.
سعت مختلف الدول لتوفير حماية جنائية فعالة للبيئة المائية وذلك من خلال وضع مواثيق واتفاقيات دولية تحث الموقعين عليها بضرورة الحفاض على الماء ،(المطلب الأول)، وكذلك سن تشريعات وطنية خاصة بهذا المورد الأساسي للحياة(المطلب الثاني).
المطلب الأول الحماية الجنائية للبيئة المائية على ضوء التشريعات الدولية.
نظرا لاعتبار البيئة المائية وبالأخص البحرية من أهم عناصر البيئة، حيث تشكل الغالبية العظمى من مساحة الأرض، فقد عنيت القواعد الدولية بضرورة النص على اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية لمنع التلوث وخفضه والسيطرة عليه، وتتعدد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية التي تتناول موضوع حماية البيئة المائية من التلوث، وجميعها تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة[3].
إن مشـكلة التلـوث البيئـي كونهـا أصـبحت تشـكل أحـد أهـم القضـايا التـي تواجـه المجتمـع الـدولي ككــل، ولأن هــذه المشـكلة قـد استعصـت إلــى الحــد الــذي صــار معــه مــن غيــر الممكــن التصــدي لهــا بشــكل انفــرادي، ممــا فــرض علــى المجموعة الدولية التوجه نحو توحيد جهودها والتنسيق فيما بينهـا بقصـد البحـث عـن أفضـل السبل لمواجهة هذه المشكلة والتي تنطوي على مخاطر كثيرة تهدد البشرية.[4]
وكانت البداية الحقيقية لاهتمام العالم بالبيئة في مؤتمر الأمم المتحدة الدولي لعام 1972 المنعقد في مدينة ستوكهولم بالسويد، ومن أهم المبادئ الواردة بهذا الاعلان نجد على أنه يتعين الحفاظ لصالح الجيل حاضر والاجيال المقبلة على الموارد الطبيعية للأرض وبما في ذلك الهواء والمياه والتربة وكذلك يجب على الدول ان تتخذ جميع الخطوات الممكنة لمنع تلوث البحار[5]
ولقد جاء في ديباجة البروتوكول المكمل للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الموقعة في 1973 أن الاتفاقية تعترف بحق الإنسان في حماية حياته، وهذا لن يتأتى بدون وجود بيئة طبيعية ملائمة ونظيفة يستطيع الفرد العيش فيها متمتعا بالصحة والعافية، بذلك نص البروتوكول في المادتين الأولى والثانية على أن للإنسان الحق في العيش في بيئة سليمة تحافظ على صحته ويحق له اللجوء إلى المحاكم المختصة في حال المساس ببيئته. وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ، خصصت هذه الاتفاقية الجزء الثاني عشر منها لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من التلوث، وألزمت الدول على اتخاذ التدابير والإجراءات التي تتفق مع ظروفها وسيادتها الوطنية بأن تصدر تشريعات تمنع أو تقلل من إطلاق المواد السامة أو الضارة من مصادر في البر أو البحر أو عن طريق الإغراق أو من السفن والمنشآت والأجهزة المستخدمة في استكشاف استغلال الموارد الطبيعية في مياه البحر. نظرا لزيادة معدلات التلوث في البحر الابيض المتوسط، دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي في مدينة برشلونة الإسبانية بتاريخ 02 فبراير 1976 بغرض تحقيق التعاون الدولي ووضع سياسة شاملة لتحسين البيئة البحرية وحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث.
غير أن الواقع يشير إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 هي من أكمل الاتفاقيات الدولية المبرمة على الصعيد العالمي لحماية البيئة البحرية ومكافحة التلوث وتبين المبادئ التوجيهية التي تسترشد بها أي دولة عند سنها للتشريعات الوطنية ذات الصلة بهذا الموضوع. نجد كذلك اتفاقيه لندن لعام 1954 والمتعلقة بمنع تلوث البحر بالبترول بحيث عقد في لندن مؤتمر دولي لعلاج مشكله التلوث البيئة البحرية بالبترول في الفترة الممتدة ما بين 26 ابريل حتى 12 ماي 1954 وقد اصفر عن ابرام اتفاقيه دوليه وكذلك اتفاقيه بروكسيل لعام 1969 بشان التدخل في اعالي البحار في حاله التلوث بالبترول، كذلك اتفاقيه لندن لعام 1972 بشأن منع التلوث البحري بإغراق النفايات والمواد الأخرى. وكذلك اتفاقية أوسلو لعام 1972 المتعلقة بمنع التلوث البحري بالإغراق من السفن والطائرات وكذلك معاهدة موسكو لعام 1963 المتعلقة بحضر إجراء تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء[6].
تطرقنا فيما سبق للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تطرقت لحماية البيئة بوجه عام والبيئة المائية على الخصوص، وفي المطلب الموالي سنتطرق لتكريس التشريع المغربي لحماية البيئة المائية.
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للبيئة المائية في التشريع الوطني
لقد أدركت دول العالم أن الأخطار البيئية التي تهدد العالم ليست خاصة بدولة دون الأخرى، إنما يجب أن تتعاون الدول مع بعضها من أجل التصدي لهاته المخاطر البيئية، ولذلك بدأت المبادرات الوطنية بسن تشريعات وقوانين داخلية في كل دولة من أجل حماية البيئة المائية على الصعيد الداخلي،[7] والماء كعنصر من عناصر البيئة ومورد طبيعي أساسي للحياة حيث يغطي نسبه 71% من مساحة الكرة الأرضية.
المغرب مند مشاركته في قمة الأرض بريودي جانيرو سنة 1992 أولى اهتماما بالغا بحماية البيئة المائية غير أن أول نص قانوني يخص الماء في المغرب يعود تاريخه إلى سنة 1914م، ويتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914م) حول الأملاك العامة والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919مو1925 والذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية ومن ثم لا يمكن للموارد المائية أن تكون موضوع تملك خاص باستثناء المياه التي اكتسبت عليها حقوق قانونية. وقد صدرت بعد ذلك نصوص أخرى لمواجهة الحاجيات الجديدة التي ظهرت. إن النصوص الأساسية المتعلقة بالماء تعود في مجموعها إذن إلى العقود الأولى من هذا القرن ولقد أعدت تبعا للحاجيات والظروف إلى درجة أن التشريع المغربي الحالي المتعلق بالماء يحتوي على مجموعة من النصوص المبعثرة التي تم تحيينها في مراحل وتواريخ مختلفة.
لهذه الأسباب جميعها أصبحت مراجعة تشريع المياه وتوحيده في قانون واحد ضرورية. وفي إطار هذه المراجعة، لا يقتصر قانون الماء على إعادة صياغة التشريع الجاري به العمل فقط، بل اهتمت أساسا بتتميمه بإضافة أحكام تتعلق بميادين لم يتعرض لها من قبل،
بعد استقلال المغرب، أضحت النصوص القانونية المتوارثة أقل فاعلية ولا تستجيب لإشكالات التدبير المائي التي تفاقمت مع تزايد الطلب على الماء. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بجميع مكوناتها فرضت قانونا حديثا يتكيف مع مستجدات ومتطلبات العصر، ولذلك لجأ المشرع المغربي إلى إصدار قانون جديد للمياه في محاولة لبلورة مقاربة فعالة لتدبير الموارد المائية[8] .
ويتعلق الأمر بقانون رقم 10.95 يسعى هذا القانون إلى إقرار سياسة وطنية مائية مبنية على نظرة مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تطور الموارد المائية من جهة، والحاجيات الوطنية من جهة ثانية، متضمنا تدابير قانونية ترمي الى ترشيد استعمال الماء، وتعميم الاستفادة منه، وتضامن الجهات، وتدارك الفوارق بين المدن والبوادي في إطار برامج تهدف الى تحقيق الامن المائي على مستوى مجموع تراب المملكة، وبما أن هذا القانون الذي يحمل ال 95-10 شكل مؤخرا أرضية للمشرع المغربي لإجراء جملة من التعديلات بعد وقوف الجهات المختصة على عدد من الثغرات والنواقص بعد حوالي عقدين ونصف من تطبيقه ، مؤخرا تم إصدار قانون جديد للماء يحمل الرقم 15-36 بموجب الظهير الشريف رقم1.16.113الصادر في6ذي القعدة1437ه(10أغسطس2016) والذي تم نشره بالجريدة الرسمية عدد6494 (25أغسطس2016) ويتألف هذا القانون من اثنا عشر بابا واربعة وعشرون فرعا ومائة وثلاثة وستون مادة.
المبحث الثاني: السياسة الجنائية في مواجهة جرائم البيئة المائية.
تقوم السياسة الجنائية على مقومين أساسيين، ويتعلق الأمر بسياسة التجريم لجرائم البيئة المائية(المطلب الأول) وكذلك السياسة العقابية أي العقوبات المقررة لهذا النوع من الجرائم (المطلب الثاني).
المطلب الأول: السياسة التحريمية لجرائم البيئة المائية.
تستند السياسة الجنائية في حمايتها لعناصر البيئة المائية إلى كثير من النصوص التي تحمي تلك العناصر بطريق غير مباشر من خلال تعاملات وسلوكيات الانسان وأنشطته فيها، وتكامل محاور المواجهة حول توفير أقصى قدر ممكن من الحماية للإنسان في سلامته الجسدية.
فهل أن مجرد تدخل القانون بنصوص تجرم أفعال التي تضر البيئة المائية كافي لتحقيق الحماية لها خاصة وأن الموضوع يتعلق بنوع جديد من الجرائم لم تكن معروفة إلى وقت قريب في القانون الجنائي، فلا يمكن إخضاعها للقواعد العامة للجريمة سواء من حيث بنيانها القانوني وأسس المسؤولية الجزائية فهي جريمة ذات طبيعة خاصة سواء من حيث المصلحة المحمية فهي تصيب قطاعا واسعا من البشر وأعداد هائلة من الكائنات الحية لا يمكن حصرها أو تحديدها فالضحية مبدئيا غير محدد كما هو الشأن في الجرائم التقليدية أو من حيث أن النتيجة الإجرامية المترتبة عليها والتي تتميز بالطابع الانتشاري والمتراخي في الزمن، فأضرارها لا تقتصر على جيل الحاضر بل تمتد إلى أجيال المستقبل، ولا تقف عند مكان ارتكابها، بل تشمل أماكن متعددة ودول عدة في بعض الأحيان في حالة التلوث.
بالرجوع إلى القانون المتعلق بالماء نجد بأن المشرع المغربي نص على مجموعة من الأفعال التي تشكل مخالفات تضر بالبيئة المائية ، وذلك في نصوص قانونية متفرقة، ولعل أهمها يتمثل في الهدم الجزئي أو الكلي، بأي وسيلة كانت[9]، المنشآت المائية التي تشمل على الخصوص الآبار والثقوب الارتوازية والآبار والمساقين ذات الاستعمال العمومي وكذا، عند الاقتضاء، مدارات حمايتها المباشرة التي تمت حيازة أراضيها بصفة قانونية، و كذلك قنوات السقي أو التصريف المخصصة للاستعمال العمومي وكذا الأراضي الواقعة في ضفافها الحرة التي تمت حيازتها بصفة قانونية، و الحواجز والسدود وكذا حقيناتها والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة الاستعمال عمومي[10].
حدد المشرع المغربي الجهات المكلفة بمعاينة المخالفات المتعلقة بالبيئة المائية فإلى جانب ضباط الشرطة القضائية المشار إليهم في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، يعهد أيضا بمعاينة هذا الصنف من المخالفات وتحرير المحاضر في شأنها، إلى أعوان شرطة المياه المعينين لهذا الغرض من طرف الإدارة ووكالة الأحواض المائية والمؤسسات العمومية الأخرى المعنية، والمحلفين طبقا للتشريع المتعلق بأداء القسم من طرف الأعوان المكلفين بتحرير المحاضر. تحدد شروط وكيفيات تعيين هؤلاء الأعوان ومزاولتهم لمهامهم بنص تنظيمي[11]. وفي هذا السياق عاقب المشرع المغربي كل من يجعل بأية وسيلة كانت الأعوان المشار إليهم سابقا في استحالة القيام بمهامهم لا سيما عبر منعهم من الولوج إلى مكان المخالفة و/أو رفض مدهم بالمعلومات المرتبطة بالمخالفة.
وكذلك من بين المخالفات التي عاقب عليها المشرع المغربي في إطار الحفاظ على الماء كمورد أساسي، نجد بأنه واجه كل شخص قام بأحد الأفعال الاتي ذكرها بعقوبات زجرية قاسية، ويتعلق الأمر بإقامة أي إيداع أو إزالة أي غرس أو أي مزروعات بالملك العمومي المائي، جلب صبيب من المياه السطحية يتعدى العتبة المحددة بنص تنظيمي، جلب مياه العيون الطبيعية لتلبية حاجيات ذاتية إذا كان الصبيب المراد جلبه يقل عن العتبة المحددة بنص تنظيمي[12].
وكذلك نجد بأن المشرع المغربي في المادة 60 ألزم كل شخص يزاول نشاط حفر الأثقاب عند تاريخ نشر النص التنظيمي المشار إليه في الفقرة الثالثة من المادة 114 أن يتقدم إلى الإدارة بطلب للترخيص داخل أجل تحدده هذه الإدارة. ومن الأفعال الإجرامية الضارة بالبيئة المائية، القيام عمدا بجلب مياه قنوات أو أنابيب نقل أو توزيع الماء دون إذن مسبق من المخول له تسيير هذه القنوات والأنابيب من طرف الإدارة[13].
كل هذا فيما يتعلق ببعص الأفعال التي أضفى عليها المشرع الصبة الإجرامية لكونها تضر بمكون أساسي في الحياة، وفيما يلى سوف نتطرق لبعض الجزاءات التي نص عليها المشرع المغربي.
المطلب الثاني: السياسة العقابية لجرائم البيئة المائية.
تتنوع الجزاءات والتدابير المنصوص عليها في القانون الجنائي للبيئة لأجل مواجهة المخالفات المتعلقة بالبيئة المائية، فالتوجه الحديث للمشرع هو تشديد العقوبات عموماً في مجال المخالفات البيئية، إلا أنه تختلف كيفيات مواجهة الخطورة الإجرامية للجانح البيئي على ضوء أحكام القانون الجنائي والقانون الجنائي للبيئة خصوصاً، إذ نجد المشرع المغربي يفضل تارة العقوبة لأجل ردع الجانح، وتارة أخرى يعمد إلى التدابير الوقائية ذات الهدف الوقائي[14].
تحتل العقوبات السالبة للحرية مكانة متميزة في النظام العقابي المغربي على غرار العديد من التشريعات المقارنة فهي تهيمن على العقوبة الجنائية، وكما يكرسه المشرع الجنائي يحتضنها ويطبقها القضاء في معظم القضايا الجنائية التي تصدر بشأنها أحكام بالإدانة، دونما اعتبار لما ينجم عنها من انعكاسات وتداعيات سلبية[15].
بالرجوع إلى القانون المتعلق بالماء نجد بأن المشرع الجنائي المغربي تارة يحكم بعقوبة حبسية وحدها وتارة يضيف إليها غرامات مالية ، حيث عاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 6000 إلى 25000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ماعدا إذا أتثبت الوسائل المستعملة تكييفا جنائيا أخطر، كل من هدم جزئيا أو كليا، بأي وسيلة كانت[16]المنشآت المائية التي تشمل على الخصوص الآبار والثقوب الارتوازية والآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي وكذا، عند الاقتضاء، مدارات حمايتها المباشرة التي تمت حيازة أراضيها بصفة قانونية، وكذلك قنوات السقي أو التصريف المخصصة الاستعمال عمومي وكذا الأراضي الواقعة في ضفافها الحرة التي تمت حيازتها بصفة قانونية و الحواجز والسدود وكذا حقيناتها والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة الاستعمال عمومي.
وفي مادة أخرى عاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة من 1000 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من خالف مقتضيات الفقرة 7 من المادة 28، ويتعلق الاحتلال المؤقت لقطع أرضية أو مبان تابعة للملك العمومي المائي، كما أنه لا يجب أن يعاد استعمال المياه المستعملة المصفاة لغرض الشرب أو لتحضير أو تعبئة أو لحفظ منتوجات أو مواد غذائية. كما يجب عدم الترخيص بإعادة استعمال المياه المستعملة المصفاة ألجل غسل أو تبريد الأوعية أو غيرها من الأشياء المعدة لاحتواء منتجات أو مواد غذائية أو لاستعمال في تحضيرها أو تكييفها أو حفظها.[17] تخضع كل إعادة استعمال للمياه المستعملة لترخيص من وكالة الحوض المائي بعد استطلاع رأي الإدارة باستثناء التدوير الداخلي للمياه المستعملة من طرف المستفيد من الترخيص أو صاحب الامتياز لجلب الماء مع مراعاة الفقرة الأولى من المادة 64 ، إعادة استعمال المياه المستعملة الصادرة عن تجهيزات التطهير المستقل المعتمدة المشار إليها في المادة 108. ويجب أن يصرح بهذا الاستعمال لدى وكالة الحوض المائي. تحدد كيفيات منح الترخيص بإعادة استعمال المياه المستعملة بنص تنظيمي.[18] ويمكن في حالة العود أن تضاعف العقوبة المحكوم بها على المخالف[19].
وفي مواد أخرى من نفس القانون نجد بان المشرع المغربي عاقب بالغرامة فقط، حيت يعاقب بغرامة من 250 إلى 1000 درهم كل من يجعل بأية وسيلة كانت الأعوان المكلفين بمعاينة المخالفات المتعلقة بالبيئة المائية في استحالة القيام بمهامهم لاسيما عبر منعهم من الولوج إلى مكان المخالفة و/أو رفض مدهم بالمعلومات المرتبطة بالمخالفة. يمكن أن تضاعف هذه الغرامة في حالة العود أو إذا استعمل العنف في منع أو مقاومة الأعوان[20].
ظلت العقوبة لمدة طويلة من التاريخ تمثل الجزاء الوحيد الذي يملكه المجتمع في مواجهة الجاني و الجريمة، غير أن العقوبة لم تحقق الهدف المنتظر منها المتمثل في القضاء على الظاهرة الإجرامية، مما استوجب البحث عن صور أخرى من الجزاء تكون لها فاعلية في تحقيق أغراض الجزاء الجنائي المتنوعة فظهرت التدابير الاحترازية كصورة جديدة من صور الجزاء الجنائي[21]. وفي هذا السياق نص المشرع المغربي في المادة 142 من القانون المتعلق بالماء على أنه تأمر وكالة الحوض المائي بإغلاق النقط المائية التي تصبح غير قانونية أو قد تكون منجزة بدون ترخيص إذا لم يتم الامتثال لأوامر وكالة الحوض المائي بعد إعذار يمكن تخفيض أجله في حالة الاستعجال إلى أربع وعشرين ساعة، للوكالة أن تتخذ تلقائيا وعلى نفقة المخالف الإجراءات الضرورية، دون المساس بالعقوبات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل. إذا وقع داخل المدارات السقوية المعدة والمجهزة من طرف الدولة ضبط جلب غير مرخص أو يفوق الصبيب المرخص به أو السقي غير المرخص به أو خارج الأوقات المحددة أو سرقة الماء، ودون المساس بالعقوبات المطبقة عن المخالفة المرتكبة، فإن المخالف يؤدي إتاوة إضافية قدرها ضعف الإتاوة العادية المستحقة من الأمتار المكعبة المجلوبة بصفة قانونية. ويتم احتساب الأمتار المكعبة التي يتعين أداء الإتاوة عنها بطريقة جزافية بافتراض أن الصبيب المجلوب بصفة غير قانونية قد وقع بصفة مستمرة خلال العشرة أيام السابقة لضبط المخالفة. ومما تجدر الإشارة إليه أن المشرع المغربي شدد من العقوبات في حالة العود، حيث أن المخالف يتعرض لعقوبة من نفس الدرجة، إلا أن الإتاوة المطبقة تنتقل من الضعف إلى ثالث مرات من الإتاوة العادية. في حالة العود من جديد، فإن المخالف يمكن حرمانه من الماء إلى حين نهاية موسم السقي الجاري. وفي هذه الحالة، يبقى خاضعا لأداء الحد الأدنى للإتاوة المحددة في النصوص الجاري بها العمل.
خاتمة
إن إقرار الحماية الجنائية للبيئة المائية أصبح من المواضيع التي تفرض وضعا خاصا ضمن المنظومة التشريعية للدولة بالنظر إلى ما بلغته من مكانة متميزة في هذه المنظومة، وبالنظر كذلك إلى حجم الاعتداءات والتدهور المتنامي اللاحق بها، وما يعنيه ذلك من تهديد خطير على أهم مصالح المجتمع بل ومصالح المجموعة الدولية برمتها، ثم إن قرار هذه الحماية ضرورة تستدعيها كذلك أكثر من أي وقت مضى حاجة الدولة في معالجتها لإشكالات التنمية، وفي وضع البرامج والخطط العامة التي تأخذ بعين الاعتبار استحضار البعد البيئي لتحقيق التنمية المستدامة التي برزت كمفهوم جديد في التعامل مع التراث البيئي تسعى جميع الدول بمختلف مستوياتها التنموية والاقتصادية إلى بلوغها بعد أن كرسه مؤتمر الأمم المتحدة كمبدأ عالمي.
الهوامش:
يراجع العدد الذي سيصدر ورقيا من مؤلفات إحياء علوم القانون.