إن الممارسة المالية الترابية في مجال الرقابتين الإدارية والسياسية تثير من جوانبها العملية والقانونية جملة صعوبات ومشاكل، فالرقابة الإدارية تكون من السلطة التنفيذية على نفسها وهي بذلك ما تكون ضعيفة وغير حازمة كما أن الرقابة السياسية تعرف هي الأخرى عدة نواقص وحدود الأمر الذي دعا في التشريع المقارن إلى تشجيع "إنشاء هيئة مستقلة يراد منها الانصراف إلى هذه الرقابة العامة ويتحاشى فيها موضع الوعد المشهود في غيرها".[1]
وفي هذا الإطار فإن استحضار هذه الصعوبات والمشاكل يدفعنا إلى تناول وجه ثالث من أوجه الرقابة يتعلق الأمر بالرقابة القضائية هذه الأخيرة تحتل المرتبة الأولى من حيث فعاليتها المباشرة في الحفاظ على مبدأ الشرعية عن طريق احترام القانون من قبل الإدارة.[2]
إذا كانت مهمة القضاء العادي تنحصر في تطبيق حرفية النص القانوني والموقف عند نية وقصد المشرع دون التوسع في ذلك، فإن القضاء المالي قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة في إطار بحثه الدائم عن نقطة التوازن بين الحفاظ على الأموال العمومية وبين صيانة الخاضعين لاختصاصاته وذلك في إطار مرونة تامة لا تؤدي على التضحية بالمال العام ولا إلى شل روح المبادرة لدى الآمرين بالصرف.
ويقصد بالقضاء المالي مجموعة من المؤسسات التي تتولى الرقابة العليا في البلاد على المالية العمومية والتي بالنظر إلى طريقة تشكيلها وطريقة سير عملها تكتسي طابعا قضائيا وهو بهذا المعنى فإن القضاء المالي هو الذي يتولى المراقبة على تنفيذ قوانين المالية من خلال التحقق من عمليات الموارد والنفقات العمومية وفي المغرب تتحدد مؤسسات القضاء المالي في المجلس الأعلى للحسابات وفي المجالس الجهوية للحسابات.
هناك عدة فرضيات وعوامل تستلزم تجويد أساليب ومنهاج الرقابة العليا على تدبير الجماعات الترابية وماليتها يمكن بإيجاز شديد ذكر منها العناصر التالية:
- الاتجاهات الدولية الجديدة القاضية بدعم الحكم الجيدLa bonne gouvernance:
- الأزمة التنظيمية والإستراتيجية التي تعرفها الدولة في مجال تفعيل الرقابة المالية وتجويد آليات تدخلها بصفتها وظيفة إستراتيجية في مجال تقويم تدبير الشأن العام وتحسين أدائه وتطوير مردوديته والسيطرة على العيوب والاختلالات التي تكتنفه.[3]
القسم الأول: الرقابة القضائية على مالية الجماعات الترابية
إن البحث في ممارسة الرقابة القضائية على مالية الجماعات الترابية في التجربة المغربية يفرض علينا التعرض لهيئات المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات التي أناط بها المشرع المغربي مهمة ممارسة الرقابة العليا على المالية العمومية أما اعتماد مركزية هذه الرقابة فقد كان نتيجة قصر تجربة المجلس الأعلى للحسابات في القيام بمهمة الرقابة على الجماعات المحلية.
فتبنى مبدأ اللامركزية الرقابة المالية يعتبر أهم المبادئ في التنظيم الرقابي للتشريعات المقارنة سواء في التشريع الأنجلوسكسوني ونموذجه في الولايات المتحدة[4] أو اللاتيني كالتشريع الفرنسي الذي اعتمد الغرف الجهوية للحسابات في إطار قانون 2 مارس 1982 هذا النوع من المراقبة يعد مطابقا لمنطق اللامركزية.[5]
في هذا القسم سيتم تطرق إلى المجلس الأعلى للحسابات، كما سيتم كذلك تسليط الضوء على المجالس الجهوية للحسابات ودورها في الرقابة على مالية الجماعات الترابية.
- رقابة المجلس الأعلى للحسابات
لقد أدخل المجلس الأعلى للحسابات المغربي بالمقارنة مع نظيره الفرنسي تجديدا في مجال المسؤولية المالية فهو لا يساءل المحاسبين العموميين فقط ولكن أيضا الآمرين بالصرف وبذلك يكون المجلس الأعلى للحسابات قد اقتصد سنوات عديدة في تطوره لأنه أدمج المسؤوليتين معا أمام جهاز واحد دون أن ينتظر العيوب التطبيقية التي تكشف عنها التفرقة بينهما.
أما اختصاصاته فمنها ذات طابع قضائي وأخرى تكتسي صبغة إدارية.
الرقابة القضائية للمجلس الأعلى للحسابات للنظر في الحسابات
يدقق المجلس الأعلى في حسابات مرافق الدولة وكذا حسابات المؤسسات والمقاولات الخاضعة لرقابتها (المادة 25 من مدونة المحاكم المالية) بينما يدقق المجلس الجهوي في حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات والهيئات (المادة 126 من المدونة) والنظر في الحسابات يعني مراقبة العمليات التي تتضمنها تلك الحسابات والمراقبة التي ينجزها القاضي هي مراقبة مشروعية حيث يقوم بالتحقق من أن حساب التصرف يسجل جميع العمليات التي قام المحاسب بتنفيذها وأن تلك العمليات أنجزت احتراما للتشريعات المالية.
وكون المراقبة التي تتطلبها عملية التدقيق تنصب على الحسابات فإن المشرع قد ألزم المحاسبين بتقديم حسابات تصرفهم والأوراق المثبتة للعمليات التي يتضمنها الحساب إذ يتحتم على المحاسبين تقديم حسابات تصرفهم.
طبيعة اختصاص النظر في الحسابات
أجمع الفقهاء الفرنسيون والمغاربة المختصون في المجال المالي على اعتبار اختصاص النظر في الحسابات هو اختصاص مادي أولا ثم كونه يعد من النظام العام ثانيا.[7]
اختصاص مادي
تشير إحدى الأحكام المشهورة أن رقابة المجلس الأعلى للحسابات تقف عند حدود البث أو النظر في الحسابات دون المحاسبين العموميين إلا أن اعتبار الرقابة كذلك قد أثار جدلا ونقاشا فقهيا خاصة في فرنسا.
وفي هذا السياق ذهب الفقيه (جاك مانيي) إلى تبني الحكمة الأنفة الذكر لكن بمفهوم خاص إذ يؤكد على أن محكمة الحسابات الفرنسية تقاضي فعلا الحسابات إلا أنها تراقب وتقاضي كذلك المحاسبين لكن في نطاق ضيق ومحدود وهذا الأمر – عدم رقابة المحاسبين – لا يعد إحجاما عن قاضي الحسابات عن ممارسة هذه الرقابة.[8]
ولقد تأثر المشرع المغربي من الناحية القانونية بنظيره الفرنسي سواء في ظل القانون رقم 79/12 أو في إطار القانون رقم 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية وهكذا تم إسناد مهمة النظر أو البث في الحسابات في كلا البلدين إلى الجهازين المكلفين بالرقابة العليا على الأموال العمومية وفقا للقوانين المنظمة لهما والتي نصت على أن الهيئة العليا تراقب حسابات المحاسبين العموميين".
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم خلو النصين القانونيين من اعتماد الجزء الثاني من المحكمة السالفة الذكر فإن هناك مقتضيات قانونية أخرى تمنح الجهازين سلطة ومهمة مقاضاة المحاسبين.[9]
اختصاص من النظام العام
تعتبر الأجهزة القضائية الهيئآت الوحيدة التي يدخل في اختصاصها مراقبة جميع حسابات المحاسبين العموميين وبذلك فهم ملزمين بصفتهم أعوان عموميين بتقديم حساباتهم إلى الهيئة المكلفة بالرقابة العليا على الأموال العمومية.[10]
ومن هذا المنطلق يعتبر اختصاص هذه الأجهزة في ميدان الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين اختصاصا من النظام العام.[11]
لقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن مارس اختصاص الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين وفقا لما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 25 من القانون رقم 79/12 ولقد أصبحت المادة نفسها ( المادة 25) تؤطر نفس الاختصاص في إطار قانون 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
فالمشرع تناول مسألة تقديم المحاسبين لحساباتهم بصيغة إلزامية سواء في مدونة المحاكم المالية أو القوانين الأخرى حيث يلزم القانون 99.62 المحاسبين العموميين لمرافق الدولة أو للجماعات الترابية وهيئاتها بتقديم حسابات هذه الأجهزة سنويا إلى المجلس الأعلى أو إلى المجالس الجهوية للحسابات حسب الحالات أما الأجهزة العمومية الأخرى سواء الوطنية منها أو المحلية فإن القانون يلزم محاسبيها بتقديم سنويا إلى المحاكم المالية بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها.
والواقع أن الصيغة الإلزامية التي تناول بها المشرع مسالة تقديم حسابات التصرف لا تقتصر على القانون 99.62 وإنما سبق للمشرع في نصوص قانونية سابقة وأن أكد على تلك الصيغة حيث نص الفصل 27 من ظهير 14 شتنبر 1979 على إلزامية أن يقدم كل محاسب عمومي بيانا عن تسييره كذلك ألزم الفصل 114 من مرسوم الجماعات الترابية وهيئاتها بتاريخ 30 شتنبر 1976 محاسبي هذه الهيئات بوضع حساب للتسيير يبرز بشكل مفصل الوضعية المالية للجماعة في نهاية السنة كما يبرز حساب التصرف جميع العمليات التي أنجزها المحاسب من تاريخ استلامه لمهامه إلى تاريخ انقطاعه عنها سواء فيما يتعلق بعمليات الموارد أو بعمليات النفقات.
الأشخاص والأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات
الأشخاص الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات
يمارس المجلس الأعلى للحسابات مراقبته على المحاسبين العموميين الذين يباشرون باسم مرافق الدولة والمؤسسات العمومية وكذلك على المقاولات التي تملك الدولة أو المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بصفة مشتركة بين الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في حالة توفر هذه الأجهزة على محاسب عمومي.[12]
وتتجاوز رقابة المجلس الأعلى للحسابات المحاسبين العموميين لتشمل كذلك نوعا آخر من الأشخاص ويتعلق الأمر بالمحاسبين الفعليين أو المحاسبين بحكم الواقع فمن خلال المواد 41-43-44 من القانون يتضح أن صفة المحاسب امتدت لتشمل المحاسب بحكم الواقع.[13]
الهيئات والأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات
حددت الفقرة الخامسة من الفصل 25 من القانون رقم 79-12 طبيعة ونوعية الهيئات التي تخضع لرقابة المجلس في مجال الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين في ثلاث هيئات وهي:
- الدولة
- الجماعات الترابية
- المؤسسات العمومية
- مرافق الدولة
- المؤسسات العمومية
- المقاولات التي تملك الدولة أو المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بصفة مشتركة بين المؤسسات العمومية والجماعات الترابية.
يعتبر اختصاص الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية الوجه الثاني لرقابة "المشروعية" أو " المطابقة" [14] وذلك لكونهما تنصب أساسا على تصرفات الآمر بالصرف.
وهذا الشكل من الرقابة هو الذي يبرز خصوصية وأصالة تجربة المجلس الأعلى للحسابات المغربي بحيث يمارس اختصاصا قضائيا مزدوجا يتجلى في تولية لممارسة الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين والآمرين بالصرف في آن واحد.[15] فيما أن مراقبة الآمرين بالصرف تتولاه في التجربة الفرنسية محكمة التأديب المالية.[16]
ومن أجل توضيح اختصاص الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بأنه يتعين تحديد الأشخاص والأجهزة الخاضعين لهذه الرقابة (1) وكذلك تحديد طبيعة ونوعية المخالفات الخاضعة لمراقبة المجلس (2).
الأشخاص والأجهزة الخاضعة لمراقبة القضاء المالي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
يمارس القضاء العالي رقابة على الأشخاص ورقابة على الأجهزة.
الأشخاص الخاضعين لرقابة المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
يمارس المجلس الأعلى للحسابات رقابة قضائية في ميدان لتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على كل موظف أو مسؤول أو عون بأحد الأجهزة التي تجري عليها رقابة المجلس كل في حدود الاختصاصات الموكولة إليه وفقا لمقتضيات المادة 51 من قانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
ووفقا للمادة 66 إلى 99 ( باستثناء الفقرة الثالثة من المادة 66) أضاف القانون السالف الذكر أشخاصا أخرى يمكن مقاضاتها أمام المجلس في إطار التأديب المتعلق بالميزانية ويتعلق الأمر بكل مراقب للالتزام بالنفقات وكل مراقب مالي بالمؤسسات العمومية.[17]
كما يمكن للمجلس أن يراقب المحاسب العمومي وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.[18]
الهيئات والأجهزة لرقابة المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية:
تطرقت المادة 51 من نفس القانون إلى طبيعة الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لتشمل كل من مرافق الدولة والمؤسسات العمومية والشركات أو المقولات التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية على انفراد أو بصفة مشتركة بصفة مباشرة أو غير مباشرة أغلبية الأسهم في الرأسمال.[19]
طبيعة المخالفات المراقبة من قبل المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
يمارس المجلس الأعلى للحسابات الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفرع الخامس ( المواد 66 إلى 69 من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية) على كل أمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم إذا ارتكبوا إحدى المخالفات والتي ثم تحديدها وضبطها بشكل دقيق تسهيلا على القاضي حتى لا يتيه في البحث والتصنيف طبقا لأحكام المادة 54.[20]
رقابة مجالس الجهوية للحسابات
تاريخيا ظلت المراقبة على المالية الترابية اختصاصا خالصا لسلطات الوصاية فقبل نظام 1976 كان رؤساء المجالس الجماعية ينفذون القرارات المالية تحت التوجيه والمراقبة المباشرة لممثلي السلطة المركزية ( القائد أو الباشا) وفي ظل نظام سنة 1976 نسبيا ثم التخفيض من شدة وصرامة تلك المراقبة المالية حيث أصبح الآمرون بالصرف الجماعيون يتمتعون باستقلال مالي مهم وبالتالي أصبح بإمكانهم وتحت مسؤوليتهم تنفيذ القرارات المالية المهمة بما فيها الميزانية الجماعية لكن بالمقابل ظلوا خاضعين لمراقبة مالية تمارس في شكل وصاية إدارية ومالية وقد احتفظ ظهير 2002 لم تعد المراقبة على العمليات المالية حكرا على سلطات الوصاية وإنما أصبحت تتقاسمها مع المجالس الجهوية للحسابات.
هناك عدة فرضيات وعوامل تستلزم تجويد أساليب ومناهج الرقابة العليا على تدبير الجماعات الترابية وماليتها يمكن ذكر منها على الخصوص عدم قدرة المجلس الأعلى للحسابات الحالي على السيطرة على مراقبة التدبير المالي والإداري للجماعات الترابية جغرافيا وبشريا ووظيفيا بحكم مركزة الرقابة وتنوع وتعدد الاختصاصات وضعف اللوجيستيك المادي وكذلك قلة الموارد البشرية وتعقد المساطر والإجراءات.
ناهيك عن الفراغ القانوني والتشريعي ( غياب مرجعيات قانونية ودراسات فقهية في الموضوع).
فما هي إذن الطبيعة القانونية للمجالس الجهوية للحسابات ؟
ما هي الاختصاصات والمهام المنوطة بهذه المجالس في مجال التدبير الجيد للشأن الترابي؟
هذه بعض الأسئلة الجوهرية التي سنحاول التطرق إليها في هذا المطلب.
الإطار القانوني للمجالس الجهوية للحسابات
لقد أحدث الدستور المجالس الجهوية للحسابات لتتولى مراقبة حسابات الجماعات الترابية وكيفية قيامها بتدبير شؤونها ولتفعيل هذه المقتضيات أحال الدستور الجديد على القانون ليحدد اختصاصات المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات وقواعد تنظيمها وطريقة سيرها وهو ما كان موضوع الكتاب الثاني من قانون 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 124-02-1 بتاريخ ربيع الآخر 1423 هـ الموافق لـ 13 يونيو 2002 والذي تم تحيينه بمستجدات من أجل الرفع بمهة رقابة المال العام "الباب العاشر من الدستور 2011".
تتولى المجالس الجهوية للحسابات بالمغرب طبقا للفصل 149 من الدستور مراقبة حسابات الجماعات الترابية وهيئتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.
ويبدوا أن المشرع المغربي قد تأثر كثيرا في إحداث المجالس الجهوية للحسابات بالنموذج الفرنسي والمتمثل في إنشاء غرف جهوية سنة 1982 في 24 جهة وإحياء لتقليد قديم عرفه التنظيم الرقابي والمالي الفرنسي.[21]
اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات
تتولى المجالس الجهوية للحسابات في حدود ودائرة اختصاصاتها مراقبة حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها وتسييرها وفقا لمقتضيات الفصل 149 من الدستور وجاء القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية في الكتاب الثاني منه ليبين هذه الاختصاصات[22] حيث تقوم المجالس الجهوية للحسابات بممارسة الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين ومراقبة القرارات المتعلقة بميزانيات الجماعات الترابية ورقابة التسيير كما أسندت إليها مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية وممارسة الرقابة على استخدام الأموال العمومية على الصعيد المحلي.[23]
النظر في حسابات المحاسبين
يعد اختصاص النظر في الحسابات المسند إلى المجالس الجهوية للحسابات من الاختصاصات القضائية شانها في ذلك شأن المجلس الأعلى للحسابات.
إلا أن الأولى تمارس هذا الاختصاص في نطاق جغرافي محدود وفقا لمقتضيات الفصل 149 من الدستور الجديد2011، يعني " تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤ ونها".
وهكذا يمارس المجلس الجهوي للحسابات في حدود دائرة اختصاصاته رقابة على المحاسبين العموميين بالجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والتي تتوفر على محاسب عمومي وفقا لمقتضيات المادة 126 من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
ومن هذا المنطلق يلزم على المحاسبين العموميين بالجماعات الترابية وهيئاتها بتقديم حسابات هذه الأجهزة سنويا إلى المجلس الجهوي وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل كما يلزم على محاسبي الأجهزة الأخرى التي تجري عليها رقابة المجلس الجهوي بأن يقدموا بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها وذلك طبقا للكيفيات والآجال المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل وفقا لأحكام المادة 126 من القانون.[24]
وتشمل الرقابة القضائية كذلك النظر في حسابات المحاسبين بحكم الواقع وكل شخص تبث في حقه التسيير بحكم الواقع كما حدده الاجتهاد القضائي المالي[25] والمقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد 131 إلى 133 من القانون.
وهكذا تضطلع المجالس الجهوية للحسابات فيما يتعلق بالنظر في حسابات المحاسبين العموميين بنفس الصلاحيات القضائية التي يتمتع بها المجلس الأعلى للحسابات إلا أن اختصاصها في هذا المجال لا يتسع إلى كافة المحاسبين – على غرار المجلس – وعندما يشمل فقط المحاسبين الخاضعين لاختصاصها الترابي.
الرقابة الخاصة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
يتولى المجلس الجهوي للحسابات مهمة ممارسة الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالنسبة لكل في حدود الاختصاصات المخولة له وحسب الشروط المنصوص عليها في المواد 54و55و56 من هذا القانون موظف أو عون أو مسؤول يعمل في الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات والهيئات وفي كل الشركات والمقاولات التي تملك الجماعات الترابية أو الهيئات على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية السهم في الرأسمال أو سلطة مرجعية في اتخاذ القرار غير أن الوالي والعامل لا يخضعان لقضاء المجلس الجهوي إلا في الحالات التي يعملان فيها باعتبارهما آمرين للصرف لجماعة محلية أو هيئة وفي الحالات الأخرى تطبق عليهما مقتضيات الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
أما في حالة إدلاء مرتكبي المخالفات المشار إليها في المواد 54 و55 و56 من القانون المتعلق بالمحاكم المالية بأمر كتابي صادر عن رئيسهم التسلسلي أو عن شخص آخر مؤهل لإصدار هذا الأمر قبل ارتكاب المخالفة انتقلت المسؤولية أمام المجلس الجهوي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى من أصدر هذا الأمر الكتابي طبقا لما تنص عليه المادة 137 من القانون.
وتختلف مسطرة تحريك مسؤولية الآمرين بالصرف والمحاسب العمومي أمام المجلس الجهوي للحسابات باختلاف طبيعة ونوع المسؤولية التي يخضع لها كل واحد منهم فإذا كانت المسطرة المتبعة في ميدان التأديب تتوقف على تدخل جهات أجنبية أو تعتمد على إجراءات المراقبة عند مساءلة الآمرين بالصرف في ميدان التسيير فإن المسطرة المعتمدة في مجال طرح مسؤولية المحاسبين العموميين تحكمها قواعد خاصة ويضطلع القضاء المالي فيها بدور بارز.
الرقابة الخاصة والإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية
يعتبر هذا النوع من الرقابة في التجربة الفرنسية كبديل للوصاية الإدارية التي كانت تمارسها السلطات المركزية على الجماعات والمؤسسات العمومية المحلية.[26] وبإحداث الغرف الجهوية للحسابات أو الأمر بإلغاء أي دور لممثل الدولة في إطار رقابة الأحوال الترابية ومع ذلك ظل هذا الأخير المخاطب الأول والأساسي بالنسبة للجماعات الترابي.[27]
ويعتبر اختصاص مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية اختصاصا إداري كما حدده الفقه والاجتهاد القضائي المالي.[28]
ومن جهته اسند القانون رقم 99-62 إلى المجالس الجهوية اختصاص مراقبة القرارات المتعلقة بميزانية الجماعات الترابية وهيئاتها لينضاف للمراقبة القبلية الممارسة من طرف العامل بكل من العمالة أو الإقليم.
أما إذا أردنا إيجاد مرادف لمراقبة ميزانية الجماعات الترابية فيمكن مقارنته من حيث الجوهر وليس المساطر بدور المجلس الدستوري عند مراقبته لدستورية قانون المالية.
رقابة التسيير
تشمل مسؤولية الآمرين بالصرف في ميدان التسيير مراقبة مشروعية وصدق العمليات المنجزة وكذا جوانب الفعالية والمردودية للمصالح التي يتولون إدارة شؤونها وتبعا لذلك فإن المجلس الجهوي للحسابات بمناسبة مساءلة الآمرين بالصرف في ميدان التسيير يتبع مسطرة خاصة تجمع بين أساليب المراقبة وأساليب التقييم.
ويمكن إجمال هذه الأساليب في حق الاطلاع وحق الزيارة والاستشارة القانونية.
يعد اختصاص مراقبة التسيير اختصاصا إداريا محضا لأنه يستهدف مراقبة شاملة ومندمجة لجميع أوجه ومظاهر التدبير الترابي.[29] ويهدف المجلس الجهوي للحسابات إلى تقويم مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة وكذلك تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة.
وتشمل مراقبة المجلس الجهوي للحسابات أيضا مشروعية وصدق العمليات المنجزة وكذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة كما يتأكد المجلس الجهوي ن أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة.
هذا وقد نصت المادة 147 من قانون مدونة المحاكم أنه بإمكان المجلس الجهوي أن يقوم بعمليات تقييم مشاريع الأجهزة الخاضعة لمراقبته بهدف التأكد من مدى تحقيق الأهداف المحددة لكل مشروع بالمقارنة مع الوسائل المستعملة.[30]
وتعد مراقبة التسيير كتكملة ضرورية للمراقبة القضائية حول حسابات المحاسبين المحليين غير أنها مستقلة عنها قانونيا.[31]
تقييم عام لرقابة المجالس الجهوية للحسابات
لكي تؤدي المجالس الجهوية للحسابات وظائفها على أكمل وجه يجب أن تأخذ العبرة من التجارب الأجنبية خاصة التجربة الفرنسية أي الأخذ بإيجابياتها وتفادي سلبياتها ومراعاة خصوصيات التجربة المغربية من واقع إداري مالي اقتصادي ومحاسبتي.. وفق رؤية شمولية.[32]
وحتى تعرف المجالس الجهوية للحسابات نجاحا لا بأس من مراعاة بعض الشروط :
- ينبغي تمتيع المجالس الجهوية للحسابات باستقلال وظيفي وعضوي ومالي يصون حيادها واستقلالها التام.
- الحسم في مسألة مقتضيات الأحكام الانتقالية التي ستنظم المجالس الجهوية للحسابات.
- مراعاة مبدأ الاستحقاق والجدارة في التوظيف من اجل التوظيف من أجل التأليف الأولي للسلك القضائي بالمجالس الجهوية وتكوينه المستمر وتدبير موارده البشرية والاستعانة بالأطر العليا لشغل المهام القضائية بالمجالس الجهوية.
- تبني الجدية الكاملة لتحقيق الفعالية والإنتاجية والمردودية في إنجاز المهام الموكولة إليها والمحافظة على سلوكيات وأخلاقيات القضاء المالي كما هو متعارف عليه دوليا.
- الإلمام أو الإحاطة بملابسات العمل الإداري الترابي والتوجه إلى تقديم الدراسات والتقارير التي تستهدف تحسين أدائها كما لا يجب أن يكون هدفها هو تصيد الأخطاء بل العمل على تقديم الاقتراحات والملاحظات والمشورة اللازمة وتحسين نظم الرقابة الداخلية والتنبؤ بالأخطار المحدقة قبل حدوثها.
- إنشاء معهد وطني للقضاء المالي يسهر على تطوير برنامج خاص بالتكوين المستمر يضمن تحسين المهارات واكتساب معارف جديدة والإمام بالمناهج والأدوات والأساليب الفنية المحدثة في ميدان تقويم البرامج والسياسات والخطط المحلية وينبغي أن يمتد هذا التكوين إلى كل موظفي وأطر المجالس الجهوية.
- على المجالس الجهوية أن تعمل على إعداد وتطوير أسس التدقيق بالنظر إلى الوضعية التي توجد عليها مهمة الخبرة المحاسبية والتي لم ينطلق تنظيمها إلا حديثا منذ أواسط الستينات ولازالت تعرف عدة صعوبات في مجال التنظيم والممارسة مما يؤكد وضعية التدقيق التي تتسم بالضعف بحيث يتطلب الأمر الكثير من الدعم والاهتمام للأجل الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها على المستويين المحلي والعمومي.
- ويشكل التدقيق بالنسبة للجماعات الترابية[33]، أحد المؤشرات الهامة من أجل قياس وتقييم الفعالية الحقيقية لها وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية من الناحية النوعية والكيفية بما أن من بين أهدافه الكشف وإظهار العيوب والوقوف على الأخطاء إذ يساهم بشكل فعال في تدبير الشأن الترابي.[34]
وعلى المجالس الجهوية للحسابات أخيرا أن تعمل وتسهر على إرساء قواعد الفقه والاجتهاد القضائي المالي الترابي وتحدو في هذا الشأن حذو التجربة الفرنسية.
القسم الثاني:الرقابة القضائية في القانون المقارن
تعد تجربة الغرف الجهوية للحسابات في النظام الفرنسي من أهم التجارب لمرجعيتها التاريخية المرتبطة بالفصل 15 من تصريح حقوق الإنسان والمواطن الذي يرتكز على مبدأ أساسي " المجتمع له حق أن يطالب بالحسابات لكل عون عمومي بالإدارة" (المطلب الأول).
كما سنتطرق إلى تجربة المراقبة الجهوية بالجمهورية التونسية لحداثة إنشائها (المطلب الثاني).
- المحاكم الجهوية للحسابات في النظام الفرنسي
ولقد أسندت لهذه الغرف بمقتضى قانون 2 مارس 1982 ثلاث مهام أساسية: البث في حسابات المحاسبين العموميين مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية ومراقبة تسيير الأموال العمومية المحلية للجماعات الترابية.
تطور الإطار القانوني للغرف الجهوية للحسابات
لقد واكبت إنشاء هذه الغرف سنة 1982 عدة ضمانات في إطار المساطر وذلك بطريقة تدريجية وعبر مراحل متتالية:
- قانون 88-13 بتاريخ 5 يناير 1988 المتعلق بتحسين اللامركزية مكن من استبدال مفهوم "حسن استعمال" الاعتمادات بمفهوم " الاستعمال القانوني" للاعتمادات كما أسس مسطرة خاصة بفحص التسيير .
- قانون رقم 90-55 بتاريخ 15 يناير 1990 المتعلق بتمويل الأحزاب والحملات الانتخابية والذي وضع مبدأ إبلاغ المجالس التداولية الملاحظات النهائية المقدمة من طرف الغرف الجهوية في إطار فحص تسيير الجماعات المحلية هذه الإلزامية الجديدة المتعلقة بضرورة الإبلاغ مكنت من ظهور وسيلة جديدة لموازنة سياسة – وسيطية.
- قانون رقم 93-122 بتاريخ 29 يناير 1993 المتعلق بالوقاية من الرشوة وشفافية الحياة الاقتصادية والمساطر العمومية الذي دعم بعض قواعد المساطر بوضع إلزامية إرفاق نص رسائل الملاحظات النهائية لاستدعاءات جلسات المجالس التداولية لعرضها على هذه المجالس.
أما قانون 2001-248 بتاريخ 21 دجنبر 2001 المتعلق بالغرف الجهوية للحسابات ومجلس الحسابات فقد كان الهدف منه هو تصحيح بعض الخلل الحاصل في مساطر المراقبة القضائية، مراقبة الميزانية ومراقبة التسيير[37].
اختصاصات ومهام الغرف الجهوية الفرنسية
تصادق الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية المحلية سنويا على ميزانيتها التي تحدد وترفض المداخيل والمصاريف.
ويمكن للغرف الجهوية للحسابات أن تكون مطالبة في بعض الحالات بإبداء رأيها حول ظروف المصادقة أو إعداد الميزانية.
وتمارس هذه الغرف فيما يتعلق بتنفيذ الميزانية من طرف الآمر بالصرف والمحاسب مهمتين أساسيتين تنطق بالأحكام إذا تعلق الأمر بالبث في الحسابات وهو ما يسمى المراقبة القضائية كما أنها تبدي ملاحظات تتعلق بتسيير الآمر بالصرف أي مراقبة التسيير.[38]
مراقبة القرارات المتعلق بالميزانية
من أهم المكتسبات التي حققتها الجماعات الترابية الفرنسية بعد تطبيق قانون 1982 هي عدم إخضاع القارات المتعلق بالميزانية للمراقبة القبلية للسلطة الإقليمية غير انه يمكن للوالي وفي بعض الحالات المحددة قانونا إحالة هذه القرارات على الغرف الجهوية للحسابات وتعد سلطة هذه الغرف في هذا المجال سلطة من نوع إداري وليس قضائي.[39]
ومن ابرز قرارات مجلس الدولة الفرنسي المتعلق بقرارات الميزانية يمكن ذكر قرار OGEC de Couréon بتاريخ 23 مارس 1984 في مجال المصاريف الإجبارية بحيث اعتبرها المجلس السالف الذكر قرارات ذات طبيعة إدارية خاضعة في أول الأمر للقضاء العادي ولا تعتبر كبث في الحسابات يمكن استئنافها أمام مجلس الحسابات طبقا لقوانين 1982 أو قرار قضائي يمكن نقضه أمام مجلس الدولة الفرنسي.[40]
إن مغزى مراقبة الميزانية هو توفير ضمانات للجماعة الترابية كيف ما كانت صعوباتها المؤسساتية السياسية أو المالية لتحقيق توازن حقيقي للميزانية[41]
وابتداءا من سنة 1992 وبطلب من الوالي يمكن للغرف الجهوية للحسابات فحص بعض القرارات المتعلق بالصفقات العمومية واتفاقيات تفويض المرافق العمومية المبرمة من طرف الجماعات.
مراقبة كل من الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين
إن مدونة المحاكم تبرز بوضوح في فصلها 1-211 مبدأ المراقبة القضائية "تبث الغرفة الجهوية للحسابات داخل نفوذها الترابي في كل حسابات المحاسبين العموميين للجماعات المحلية".[42] وتعد هذه المراقبة هي المهمة الأصلية للغرف الجهوية للحسابات والتي تبرز نظامها القضائي.
غير انه وبعد صدور قانون المسمى SAPIN بتاريخ 29 يناير 1993 المتعلق بمحكمة التأديب للميزانية والمالية ( CDBF) أسند المشرع لهذه الأخيرة كذلك مهمة مراقبة كل الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين.
ويتعلق الأمر بمراقبة شرعية قرارات المحاسب العمومي في مجال المداخيل والمصاريف وتعد هذه المسطرة إجبارية بحيث تعمل هذه الغرف على تسوية وتصفية الحسابات بواسطة أحكام سواء تم ضبط مخالفات أو لم يتم ضبطها.
إن هدف المراقبة هو التأكد ليس فحسب من أن حسابات المحاسب مضبوطة بل إنه قام كذلك بجميع عمليات المراقبة اللازمة وأنه لم يلحق ضرر بالجماعة بسبب الإهمال كما أن التحقق يكون حول الوثائق وبعين المكان.
تصدر الغرف الجهوية للحسابات أحكاما عير مسطرة حضورية فالحكم النهائي إما أن يبرئ ذمة المحاسب أو يجعله مدينا ويفرض عليه بالتالي أداء المبلغ لفائدة الجماعة.[43]
فحسب المثل المعروف الذي يقول أن المحاكم المالية "تحكم الحسابات وليس المحاسبين" فإن القاضي لا يمكن أن يستند إلى على عناصر مادية للحسابات واستثناء كل تقييم للتصرف الشخصي للمحاسب وهذا بالطبع لا يستثني ضرورة التأكد من أن المحاسب قام بمختلف عمليات المراقبة موضوع مهامه ( قرار مجلس الدولة 27 أكتوبر 2000 Mme. Desvigne).[44]
وتعد الأحكام النهائية قابلة للاستئناف أمام مجلس الحسابات كما أن قرارات هذه الأخيرة يمكن أن تكون موضوع النقض أمام مجلس الدولة.
مراقبة التسيير
لم يتم ابتكار مراقبة تسيير مالية الجماعات المحلية مع اللامركزية لكن فقط تقل المراقبة الممارسة سابقا من طرف مجلس الحسابات.
وقد استعملت المادة 87 من قانون 2 مارس 1982 نفس مفردات قانون 22 يونيو 1967 بحيث أشارت في فقرتها الثانية والتي أصبحت جزئيا 3-211 L من مدونة المحاكم المالية أن المحاكم الجهوية للحسابات يجب أن تتأكد من " حسن استعمال الاعتمادات الأموال والسندات".
لقد أصبح بذلك البحث عن الفعالية إلزاميا فالإكراهات المالية والاستقلالية الجديدة الممنوحة للجماعات جاءت ليس فحسب لتقر فكرة مراقبة تسيير الجماعات المحلية بل كذلك لتفرضها.[45]
إن مراقبة التسيير أصبحت بالنسبة لعدد من الجماعات الترابية من المشاغل الأساسية والتي جعلتهم يهملون القضايا القانونية التي تواجههم.[46]
وفي هذا الصدد أشار M.Long " لقد اعتقدنا مند مدة أن القانون قد تم تجاوزه وان كل المشاكل يمكن حلها بالعلوم وفن التسيير"[47] .
وهذا ويمكن للغرف الجهوية للحسابات أن تقدم بعديا ملاحظات حول تسيير الآمر بالصرف الذي يجب أن يشمل فقط قانونية العمليات الاقتصادية في الوسائل المسخرة وتقييم النتائج المحققة بالمقارنة مع الهداف المحددة من طرف المجالس التداولية.
غير أن قانون 21 دجنبر 2001 (المادة 36) أكدت أن ملائمة هذه الأهداف لا يمكن أن تكون موضوع ملاحظات.[48]
وكما أشارG. Gazenave انه لا يستبعد أن ننتقل من مراقبة جودة التسيير إلى تقييم السياسات العمومية المحلية بشرط عدم الخلط بين التقييم الخارجي والتقييم الداخلي وعدم ادعاء متابعة التقييم الخارجي إلى غاية الاختيارات الأولية المحددة من حيث الملاءمة من طرف المجالس التداولية.[49]
غير أنه يمكن الغرفة الجهوية للحسابات أن تلعب مستقبلا دور المستشار لتحقق بذلك ربط مقيد بين المراقبة القانونية ومراقبة التسيير الممارسة من طرف المسيرين المحليين وهذه الغرف.
إن الاتجاه نحو الوقاية لا يخلو من طرح مشاكل خاصة إذا كان يتجه نحو تصديق الحسابات من طرف نفس المحاكم التي في إطار مهامها المتعلقة بالمراقبة القضائية تتولى الحكم على قانونية هذه الحسابات.
والجدير بالذكر فإن إمكانية تصديق حسابات الجماعات الترابية من طرف الغرف الجهوية للحسابات والتي تمت إثارتها من طرف وزير الميزانية الفرنسي خلال مناظرة سنة 2003 لدليل على تحول في العمق لمنطق أحكام المراقبة الخارجية لمالية الجماعات المحلية هذا التحول يجب أن يهم كل من قضاة الغرف الجهوية للحسابات المحاسبين العموميين المنتخبين والمسيرين المحليين.[50]
ويمكن القول أن "المجال المحلي يتغير مثلما تتغير الثقافة المالية العمومية وقضاة الغرف الجهوية للحسابات مطالبون من الآن بتحمل هذا التحول".[51]
الهوامش
[1] - عبد الله النقشيندي : " الرقابة المالية العامة ومشروع مجلس الإشراف والتنظيم" مرجع سابق ص : 13-14.
[2] - عبد القادر باينة : " القضاء الإداري السس العامة والتطور التاريخي" دار توبقال للنشر الدار البيضاء الطبعة الأولى 1988 ص : 49.
[3] - محمد حركات : " إستراتيجية وتنظيم الجماعات المحلية بالمغرب" مجموعة البحث حول الاقتصاد الحضري الجهوي والبيئة جامعة محمد الخامس مطبعة المعارف الجديدة 2002 ص : 3.
[4] - RAYNAUD (J) : " les chambres régionales des comptes" édition PUF 1984 p: 4.
[5] - BOUVIER (M) : op.cit p: 189.
[6] - أنظر المادة 2-3 من القانون 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[7] - MAGNET (J) : " que juge de compte" in RFFPn°28-1989.p:115
[8] - MAGNET (J) : " que juge le juge des comptes" ibid p : 226.
[9] - HARAKAT (M) : " que droit du contrôle supérieure des finances publiques au Maroc" T1 ED Babel 1992 p:238.
[10] - MAGNET(J) : " le ministre public auprès de la cour des comptes" in RFDPSP1973 p : 329.
[11] - OUJEMEA (S) : " le contrôle des finances publiques au Maroc" thèse de Doctorat d'Etat en droit université de paris 1 1988 p : 125.
[12] - المادة 25 من قانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[13] - أحميدوش مدني : مرجع سابق ص : 254-255.
[14]- محمد ولد منياط : " الرقابة العليا على الأموال العمومية في دول المغرب العربي دراسة نقدية مقارنة" بحث لنيل دبلوم السلك العالي المدرسة الوطنية للإدارة الرباط 1994 ص : 91.
[15] - أحميدوش مدني : مرجع سابق ص : 268.
[16] - MOINOT (P) : " la cour des comptes" éd 1984 p : 89 et suite.
[17] - المادة 55 من قانون رقم 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[18] - أنظر المادة 56 من قانون رقم 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية
[19] - أنظر المادة 51 من قانون رقم 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[20] - حميدوش مدني : مرجع سابق ص : 272.
[21] - محمد حركات : " إستراتيجية وتنظيم الجماعات المحلية بالمغرب" مرجع سابق ص : 5.
[22] - المادة 118 من قانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[23] - حميدوش مدني : مرجع سابق ص : 292.
[24] - حميدوش مدني : نفس المرجع ص : 293.
[25] - FABRE (F.J): " les grand de la jurisprudence financières" Dalloz paris 1996.
[26]- RAYNAUD (J) : " les chambres régionales des comptes " op.cit p : 22 et 23.
[27] - Olivier (PH) : " le point de vus de l'ancienne autorité de tutelle" in acte de colloque. Cour des comptes unive 8 et 9 Nov.1984 consacré aux chambres régionales des comtes sous direction de philip loic economica 1985 p : 187.
[28] - FABRE (FJ) : les G.A.J.Fop.cit.p:26.
[29] - محمد حركات : " التدبير الاستراتيجي" مرجع سابق ص : 133.
[30] - حميدوش مدني : مرجع سابق ص : 301.
[31] - MOUZET (P) : op.cit p: 224.
[32] - SBIHI (M) : " La gestion des finances locales", Ed, Badel, 1992, p: 84.
[33] - KHOUDRY (D) et BREGA (Y) : "le guide d'audit communal" édition maghrébine Casablanca 1 édition 1998 p: 138.
[34] - POISON (M) : " audit et collectivité locales ( QSJ)" PUF1989 p: 4.
[35] - RAYNAUD (P) : " les chambres régionales de comptes" REMA N° 7 2005 p: 66.
[36]-RAYNAUD (P) : " les chambres régionales des comtes", op.cit,p: 65-66.
[37]- " La cour des comptes in WWW. Comptes .fr/ ere/présentation".
[38] - " la cour des comptes in www.comte.fr".
[39] - Ibidem.
[40] - MOZET (P) : " les finances locales" op.cit p:209.
[41] - Ibidem p: 179.
[42] - Voir : le code des juridictions financières françaises articla L211-1.
[43] - MOUZET (P) : op.cit p:244.
[44]- - MOUZET (P) :ibid p:224.
[45] - BOUVIER (M ):ibid p :168.
[46]- - BOUVIER (M ):ibid p: 176 .
[47] - Voir : M.Long in les nouvelles relations état-collec.locales.LGDJ2001.
[48] - BOUVIER (M ):op.cit p: 193
[49]- Voir : GAZENAVE (G) : " le contrôle financier et juridictionnel" in "les novelles relations état collectivités locales colloque de rennes" DOC Française 1991.
[50]- BOUVIER (M )op.cit p :1 94.
[51]- BOUVIER (M )op.cit p :190