نسخة للتحميل
مقدمة
يعتبر قاضي التحقيق في التشريع المغربي ضابطا ساميا للشرطة القضائية إلى جانب كل من الوكيل العام و وكيل الملك ونوابهما، وتعني هذه الصفة تسيير أعمال جهاز الشرطة القضائية والقيام بكافة المهام التي تقتضيها مرحلة البحث التمهيدي التي يتم فيها التحري عن الجرائم و البحث عن مرتكبيها من أجل تقديمهم إلى المحاكمة ، فالحديث عن الصفة الضبطية هو حديث عن مرحلة البحث التمهيدي التي تختلف عن مرحلتي التحقيق الإعدادي و المحاكمة .
وإذا كان اتصاف الوكيل العام ووكيل الملك و نوابهما بالصفة الضبطية مقبولا بحكم رئاستهما لجهاز الشرطة القضائية وإشرافهما على أعماله، فان الأمر يبدو مستغربا بالنسبة لقاضي التحقيق لتنافي هذه الصفة مع فلسفة التحقيق ومع المركز القانوني للقائم بهذه الوظيفة ، استنادا إلى أن المفترض فيه أن يكون حكما لا خصما لأي طرف في الدعوى العمومية ، لذلك يطرح تساؤل كبير حول السر في إقحام هذا الأخير في مرحلة البحث التمهيدي وحول النتائج المرجوة من ذلك ؟
إن تعميق البحث و إمعان النظر في النصوص المؤطرة للبحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي في قانون المسطرة الجنائية المغربي الحالي ، لا يفيد في إيجاد أجوبة مقنعة لهذا التوجه التشريعي ، بل إنه قد يزيد من حيرة الباحث عندما يقف على جملة من التناقضات التي تعتري بعض مواده بسبب هذه الصفة .
لكن الرجوع إلى الوراء و البحث في السياق التاريخي والتشريعي لنشأة هذه الصفة ( مطلب أول ) يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن الأمر في المغرب – كما في دول أخرى[1] -لا يعدو أن يكون سوى اقتباسا تشريعيا غير موفق، بحكم أنه لم يراعي سياقات وظروف نشأتها في التشريع الذي أنتجها ولا التحولات التي طرأت عليها مع مرور الوقت ، وبالتالي فإنه ثمة مبررات ودواع موضوعية أضحت تفرض نفسها على المشرع المغربي في اتجاه التخلي عن هذه الصفة في الوقت الحالي( مطلب ثان) تصحيحا للوضع وتداركا لأخطاء الماضي .
المطلب الأول: السياق التاريخي لظهور الصفة الضبطية لقاضي التحقيق
ترتبط الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بظهور هذه المؤسسة بفرنسا، خاصة بعد الثورة الفرنسية و تحديدا بصدور مدونة التحقيق الجنائي سنة 1808. وبما أن المشرع الفرنسي شكل مرجعا لقانون المسطرة الجنائية المغربي منذ بداياته ، فان فهم السياق الذي اتصف فيه قاضي التحقيق بالمغرب بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية يحتم معرفة الوضع الذي كان عليه الأمر في التشريع الفرنسي و كيف تطور( فقرة أولى) ثم بعد ذلك دراسة هذا التطور بالنسبة للمشرع المغربي (فقرة ثانية )
الفقرة الأولى: الوضع في التشريع الفرنسي
سنركز في دراستنا بالنسبة للمشرع الفرنسي على عهد ما بعد الثورة الفرنسية ، لأن قانون الإجراءات الجنائية وأيضا مؤسسة قاضي التحقيق- بالشكل الذي تعرف به تقريبا في الوقت الحالي- ظهرتا في هذا العهد، وفي هذا الصدد لا بد من التمييز بين مرحلتين أساسيتين كان لهما أثر بالغ على موضوع دراستنا :
المرحلة الأولى: مدونة التحقيق الجنائي
تمتد هذه المرحلة من بداية العهد الإمبراطوري لنابوليون بونابارت الذي أعقب الثورة الفرنسية لسنة 1789 بعد سنوات قليلة من قيامها إلى نهاية الجمهورية الرابعة سنة 1958. و قد تميز مطلع هذه المرحلة بصدور مدونة التحقيق الجنائي سنة 1808 التي حاولت التوفيق بين النظام الاتهامي المستلهم من مبادئ الثورة و إعلان حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي و بين النظام التنقيبي الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية ، فجعلت المسطرة تنقيبية خلال مرحلة البحث والتحقيق واتهامية في طور المحاكمة ، و لقد استمر العمل بهذه المدونة طيلة هذه المرحلة مع إدخال مجموعة من التعديلات عليها في فترات متلاحقة .
إن هذه المرحلة تؤسس لظهور مؤسسة قاضي التحقيق في فرنسا كطرف جديد في الدعوى الجنائية عوض مؤسسة الملازم الجنائي( lieutenant criminel) المعمول بها في النظام التنقيبي السابق على الثورة ، ومؤسسة رئيس هيئة المحلفين directeur de jury) ( الذي أقامته هذه الأخيرة بديلا له[2]. و لقد أقحمت مدونة التحقيق الجنائي قاضي التحقيق في قلب المرحلة الإعدادية للمحاكمة الجنائية التي كان الوكيل الإمبراطوري – رئيس النيابة العامة وقتئذ- الفاعل الرئيسي و المحوري فيها، حيث كان الكل يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه بمن فيهم قاضي التحقيق[3].
في هذه المرحلة كان قاضي التحقيق يجمع بين صفتي محقق و قاض، إلا أن صفته الثانية كانت شبه محدودة ، بالرغم من سعي المدونة إلى الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق ، حيث كان تابعا للوكيل الإمبراطوري و خاضعا لمراقبته وإشرافه وحتى تنقيطه .
ولقيامه بمهامه كمحقق في ظل الوضعية المذكورة ، منحت لقاضي التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية ، فكانت هذه الصفة تخوله القيام بالأعمال التي يتطلبها الكشف عن الجرائم المرتكبة، إلا أنه لم يكن يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه الأعمال[4] ، كما لم يكن بوسعه القيام بها إلا بتوجيه من الوكيل الإمبراطوري باعتباره رئيسا لجهاز النيابة العامة[5]، ماعدا في حالة التلبس التي كان بإمكانه أن يمارس مهامه في ظلها دون تلقي أمر أو توجيه من هذا الأخير بشرط إخباره.
إن اتصاف قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية بفرنسا خلال هذا العهد يفسر بتبعيته لجهاز النيابة العامة واعتباره مجرد موظف رهن إشارة هذا الجهاز فيما يتعلق بأعمال البحث و التحريات ، لا سيما وأن المرحلة تميزت بالتداخل بين مرحلتي البحث و التحقيق . ونتيجة لهذه الوضعية شكل قاضي التحقيق مكونا من مكونات جهاز الشرطة القضائية الذي كان يرأسه الوكيل الإمبراطوري - وكيل الجمهورية بعد العهد النابوليوني - كما أنه لم يكن يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه المهام مع أنه كان يعين لممارستها من بين قضاة الحكم.
هذه الوضعية أفرزت ردود أفعال ونقاشات فقهية قوية بفرنسا ، تأسست على فكرة عدم الانسجام مع الأهداف والغايات التي انشئت من أجلها مؤسسة قاضي التحقيق ، ألا وهي الحد من هيمنة الوكيل الإمبراطوري الذي وصفه بعضهم بكونه طاغية يرعب المجتمع[6] و السعي إلى تحقيق فصل حقيقي بين الوظائف القضائية خاصة بين وظيفتي المتابعة و التحقيق ، لذلك تعرضت المدونة لمجموعة من التعديلات التي لم تكن في مجملها مجدية في هذه المسألة ، وظل قاضي التحقيق خاضعا لسلطة النيابة العامة و ممارسا لبعض مهامها إلى أن ألغيت مدونة التحقيق الجنائي في بداية عهد الجمهورية الخامسة .
المرحلة الثانية: قانون المسطرة الجنائية
تؤرخ هذه المرحلة لعهد سياسي جديد تميز بإصلاحات مهمة في مختلف المجالات بفرنسا ، يتعلق الأمر بعهد الجمهورية الخامسة . وفيما يتعلق بموضوعنا فإن الحدث البارز الذي ميز بداية هذا العهد هو دخول قانون المسطرة الجنائية الذي حل محل مدونة التحقيق الجنائية حيز التنفيذ سنة 1959[7]. وقد شكل تعزيز وتدعيم مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة و التحقيق و تقوية مركز مؤسسة التحقيق كجهاز مستقل عن النيابة العامة جانبا من الإصلاحات المهمة التي أتى بها هذا القانون ، تجسد ذلك من خلال ما يلي :
أولا: لم يعد قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية، حيث تخلى القانون الجديد عن الصفة الضبطية التي كانت مخولة له في العهد السابق، و توخى المشرع الفرنسي من هذا الإجراء تخليص قاضي التحقيق من رقابة وإشراف الوكيل العام و إنهاء علاقته - جزئيا - بمرحلة البحث التمهيدي .
ثانيا: تم وضع قاضي التحقيق تحت سلطة غرفة الاتهام ومراقبة رئيس المحكمة الذي حولت إليه صلاحية تعيينه وإعفائه من مهامه بدل الوكيل العام للجمهورية[8]، وبذلك لم يعد منتميا لجهاز الشرطة القضائية .
إن هذه الإجراءات الجديدة المتخذة في ظل قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 ساهمت إلى حد كبير في تكريس مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة والتحقيق والارتقاء بمؤسسة التحقيق إلى جهاز يحظى بمكانة متميزة في التنظيم القضائي الفرنسي وبمهام واضحة في إطار التحقيق كمرحلة وسطى بين المتابعة و الحكم تفترض الحياد والاستقلال عن كافة أطراف الخصومة الجنائية.
إلا أن حضور قاضي التحقيق في مرحلة البحث التمهيدي لم ينته بشكل تام بالرغم مما تحقق، حيث أبقى المشرع الفرنسي - في مرحلة أولى من التعديلات التي طالت قانون المسطرة الجنائية - على إمكانية حضور قاضي التحقيق إلى مسرح الجريمة وقيامه بالأبحاث التي هي من صميم اختصاص النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية ، بمعنى أن الأمر يتعلق بحالة التلبس فقط ، إذ جاء في المادة 72 أن حضور قاضي التحقيق إلى مكان ارتكاب الجريمة يرفع يد ضباط الشرطة القضائية وحتى قاضي النيابة العامة لفائدة قاضي التحقيق الذي يقوم بتسيير أعمال البحث التمهيدي التلبسي، وبعد إنهائه لمهامه يرسل وثائق البحث الذي قام به إلى وكيل الجمهورية ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر[9].
ويبدو أن إبقاء المشرع الفرنسي في هذه المرحلة على هذه الصورة من الحضور لقاضي التحقيق في مرحلة البحث التمهيدي كان من رواسب ومخلفات المراحل السابقة التي لم يستطع القانون الجديد القطع معها بشكل نهائي، لذلك لم يستسغ الفقه الفرنسي هذا الوضع وانتقده بشدة ، الأمر الذي دفع المشرع إلى التدخل مرة أخرى سنة 1999 لتدارك هذه الثغرة وتصحيح الوضع بإلغائه للفقرة الأولى من المادة 72[10]، وإبقائه فقط على إمكانية الاستفادة من تواجد قاضي التحقيق في آن واحد مع وكيل الجمهورية بمكان ارتكاب الجريمة لأجل تسريع وتيرة المرور إلى مرحلة التحقيق وليس للقيام بأعمال البحث التمهيدي كما كان في السابق[11].
بهذه التعديلات المذكورة - التخلي عن الصفة الضبطية لقاضي التحقيق و حذف الفقرة الأولى من المادة 72 زيادة على تخويل مهمة تعيينه و إعفائه من مهامه لرئيس المحكمة - انتهى التداخل بين مرحلتي المتابعة و التحقيق في فرنسا، و تحرر قاضي التحقيق من سلطة النيابة العامة، فأصبح طرفا محايدا في الدعوى الجنائية يختص فقط بالتحقيق الإعدادي في القضايا التي تعرض عليه ، و شكلت هذه الإصلاحات تتويجا لمسلسل الفصل – على الأقل وظيفيا - بين سلطتي المتابعة والتحقيق الذي بدأه المشرع الفرنسي منذ زمن طويل، هذا المسلسل الذي مازال متعثرا في التشريع المغربي بالرغم من اعتماده على نظيره الفرنسي في تعديلاته لقانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الثانية: الوضع في التشريع المغربي
لفهم الوضع والسياق التشريعي لاتصاف قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية بالمغرب، لا بد من مراجعة نشأة وتطور قانون المسطرة الجنائية في هذا البلد، وهنا لا بد من الوقوف عند محطتين أساسيتين كانتا فارقتين في تاريخ هذا القانون:
المحطة الأولى: ظهير 10 فبراير 1959
يعد القانون الصادر بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ بـ 10 فبراير 1959[12] أول قانون إجرائي جنائي للمغرب كبلد مستقل، صدر بعد سنتين ونيف من الاستقلال، وشكل لبنة من لبنات التوحيد و المغربة في المجال الجنائي. إلا أنه مع ذلك بقى متأثرا بشكل كبير بل و مقتبسا في عمومه من القانون الفرنسي القديم ، حيث يذهب الدكتور محمد عياط إلى أن واضعي مشروع هذا القانون " تأثروا إلى حد كبير بالمقترحات المدرجة في التشريع التمهيدي الفرنسي الموضوع سنة 1934 والمعروف باسم قانون ماطر وكذلك الإصلاحات التي أقرتها لجنة سبون وأقرها القانون الفرنسي المؤرخ في 31/12/ 1957" [13].
وبالرغم من أن القانون الفرنسي لسنة 1959 شكل مرجعا أساسيا لظهير 1959 المغربي بشهادة واعتراف واضعيه[14]، فإن استفادة هذا الأخير من المزايا والايجابيات التي انطوى عليها نظيره الفرنسي لم تكن كبيرة ومعتبرة - على الأقل فيما يتعلق بموضوع هذه الدراسة - حيث جمعت مقتضياته بين ما كان معمولا به في القانون الفرنسي القديم وبين بعض التعديلات التي أقرها القانون الجديد.
فقد أخذ ظهير 10 فبراير 1959 بالصفة الضبطية لقاضي التحقيق[15]، التي هجرها قانون 1959 الفرنسي، لكن في الوقت ذاته جعل مراقبة هذا الأخير من اختصاص غرفة المشورة وكذلك إمكانية الاختيار بين قضاة التحقيق في حالة تعددهم داخل نفس المحكمة مخولة لأقدمهم بدل النيابة العامة.
إن اختيار ظهير 10 فبراير 1959 التمسك بالضفة الضبطية لقاضي التحقيق جسده أيضا من خلال الفصل 77 منه الذي نص على أن حضوره إلى مسرح الجريمة يرفع يد كل من وكيل الدولة -وكيل الملك حاليا- وضباط الشرطة القضائية ليقوم بجميع أعمالها أو ليأمر أيا منهم بمتابعة العمليات المرتبطة بالبحث والتحري[16]. وقد سبق أن بينا أن الصلاحيات المخولة لقاصي التحقيق بمقتضى هذه المادة هي من مخلفات القانون الفرنسي القديم الذي حرص المشرع الفرنسي الحديث على التخلص منها ولم يتحقق له ذلك بشكل نهائي إلا سنة 1999.
يظهر إذن أن الاقتباس التشريعي الذي قام به المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي في هذه الفترة لم يكن موفقا لأنه لم يواكب التطور الذي عرفته الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بفرنسا، و الغريب في الأمر أنه تزامن مع حلول قانون المسطرة الجنائية الفرنسي محل مدونة التحقيق الجنائية !!!
المحطة الثانية: القانون رقم 01-22
القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية[17]، هو القانون المعمول به منذ سنة 2003 إلى وقتنا الحاضر، وقد صدر بعد أن ترسخت القناعة لدى كافة المهتمين و الفاعلين في مجال العدالة الجنائية بضرورة تغيير ظهير10 فبراير1959 لمواكبة التحديات التي فرضتها الجريمة والتحولات التي شهدها المغرب على مستويات مختلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وكذا التقدم الذي حققه في مسلسل الإصلاحات المؤسساتية ، فضلا عن الانخراط في المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، هذا بالرغم من التعديلات التي طالت هذا القانون خاصة بمقتضى ظهير الإجراءات الانتقالية الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974[18].
وعلاقة بموضوع بحثنا يظهر جليا أن قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01 النافذ إلى وقتنا الحاضر لم يعرف تغيرا يذكر، حيث حافظ على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وأبقى على مقتضيات المادة 77[19] من ظهير 1959 كما هي مع تعديلات طفيفة على مستوى الصياغة.
ونستطيع القول بأن القانون رقم 01-22 شكل تراجعا عما كان عليه بالوضع في ظل ظهير 10 فبراير1959 بخصوص علاقة قاضي التحقيق بجهاز النيابة العامة ، وذلك من خلال المادة 90 التي تنص على أنه : "إذا تعدد قضاة التحقيق في محكمة واحدة، فإن للنيابة العامة أن تعين من يحقق في كل قضية على حدة ". فهذه الصلاحية التي كانت ممنوحة لأقدم قاض من قضاة التحقيق في ظل ظهير10 فبراير 1959 تحولت إلى النيابة العامة ، ولا شك أن في ذلك تدخلا من طرف النيابة العامة في أعمال التحقيق من شأنه أن تؤثر على فعالية ونجاعة هذه الأعمال ، ثم إن هذا الوضع يذكرنا بالوضع الذي عاشته مؤسسة التحقيق بفرنسا خلال العهد النابوليوني المتسم بهيمنة النيابة العامة- الوكيل الإمبراطوري – على قاضي التحقيق وتحكمها فيه.
واللافت للنظر أيضا أن القانون رقم 01-22 صدر بعد الفترة التي تخلص فيها فالمشرع الفرنسي من بقايا التجليات السلبية للصفة الضبطية لقاضي التحقيق، بحذفه للفقرة الأولى من المادة 72 من قانون المسطرة الجنائية لديه التي كانت تتيح لقاضي التحقيق الفرنسي القيام بأعمال البحث التمهيدي باعتباره ضابطا ساميا للشرطة القضائية، وذلك بمقتضى التعديل الصادر سنة 1999 كما سبق بيانه في الفقرة الأولى.
فبالرغم من صدوره بعد سنة 1999 بعشر سنوات تقريبا – وهي مدة كافية لاكتشاف ثغرات أي قانون – فإن القانون رقم 01-22 أصر على الإبقاء على المادة 77 من ظهير 10 فبراير 1959 كما هي من حيث محتواها، وأيضا على منح قاضي التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية.
والملاحظ أن هذا التوجه أصبح مبدأ ثابتا لا محيد عنه بالنسبة للمشرع المغربي، لأن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الصادرة سنة 2014، والتي سعت وزارة العدل والحريات لأن تكون بديلا مقبولا للقانون رقم 01. 22، أبقت بدورها على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وحافظت أيضا على التصور العام لمقتضيات المادة 77 من ظهير10 فبراير 1959 – المادة 75 من القانون 01. 22 – لا بل إنها زادت في توضيحه عندما استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث[20]، لترفع أي لبس وتؤكد على أن قاضي التحقيق يمارس مهامه في نطاق هذه المادة كضابط للشرطة القضائية وليس بصفة قاضيا للتحقيق.
إن هذا الإصرار من طرف المشرع المغربي يجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام حول الجدوى منه ويدفعنا إلى مناقشة مدى وجاهته ؟
المطلب الثاني: مبررات الاستغناء عن الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بالمغرب
أثبتنا من خلال المطلب الأول أن تخويل الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بالمغرب يرجع بالأساس إلى الاقتباس – غير الموفق و غير المواكب - من طرف المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي. و هذا الوضع أفرز إشكالات و تناقضات على مستوى نصوص قانون المسطرة الجنائية )فقرة أولى (، فضلا عن أنه يؤثر على مبدأ الفصل بين الوظائف القضائية )فقرة ثانية (، لذلك فإن التخلي عن هذه الصفة من شأنه أن يرفع التناقضات المذكورة و يكرس المبدأ المشار إليه .
الفقرة الأولى: تجاوز اختلالات وتناقضات النص الحالي
إن الطريقة التي تمت بها عملية اقتباس الصفة الضبطية الممنوحة لقاضي التحقيق من المشرع الفرنسي دون مراعاة لظروف نشأتها ولا مواكبة لسياقات تحولاتها على مستوى هذا التشريع ، أفرزت اختلالات كبيرة على مستوى قانون المسطرة الجنائية المغربي، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول بأن الأمر يرقى إلى مستوى تناقضات يستعصي على أي باحث منصف وموضعي إيجاد تبريرات منطقية لها.
فالمتأمل في المواد المؤطرة لأعمال ضباط الشرطة القضائية ومهامهم على مستوى قانون المسطرة الجنائية يقف حائرا– على الأقل من الناحية النظرية- بخوص معرفة من أوكل له المشرع رئاسة هذا الجهاز والإشراف عليه؟
لاشك أن المادة 17[21]من هذا القانون تضع الجهاز بكامله تحت سلطة الوكيل العام ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي ينتمي لدائرة نفوذها، إلا أن المادة 19[22] جعلت كلا من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك في مرتبة واحدة باعتبارهما معا ضابطين ساميين للشرطة القضائية . وعلى الرغم من أن المشرع لم يحدد اختصاصات الضباط الساميين بشكل دقيق[23]، فإن الاقتصار على المدلول الظاهر للكلمة يفيد أن الشخصين يمارسان أدوارا رئاسية على الفئات الأخرى التي تعتبر مرؤوسة، مما قد يوحي بأن جهاز الشرطة القضائية بالمغرب هو جهاز برأسين، وفي ذلك تناقص كبير مع ما تشير إليه المادة 17 وحتى مع الممارسة الواقعية التي تمنح الرئاسة للوكيل العام للملك ، فكيف يمكننا إذن أن نفهم أن قاضي التحقيق مرؤوس في نطاق المادة 17 ورئيس في إطار المادة 19 ؟
إنه لا يوجد تفسير مقنع لهذا الوضع إذا تم الاقتصار فقط على نصوص قانون المسطرة الجنائية، لكن البحث في تاريخ مدونة التحقيق الجنائي الفرنسية قد يفيدنا في تلمس بعض حقائق هذا الوضع المختل بالمغرب، ففي سنة 1949 تقدم الأستاذ Donnedieu DEVABRES بمشروع قانون لتعديل مدونة التحقيق الجنائية يروم توزيعا جديدا لمهام التحقيق الجنائي بين وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق، بحيث يتولى الأول مهام البحث عن الأدلة بمساعدة الشرطة القضائية، ويتكفل الثاني بالمهام القضائية المرتبطة بهذا التحقيق، مع الارتقاء به إلى مرتبة مساوية لمرتبة وكيل الجمهورية، إلا أن هذا المشروع لم يلق ترحيبا يذكر في فرنسا فتراجع عنه صاحبه[24] .
وبمقارنة هذا التأصيل بما قاله الدكتور محمد عياط ، بأن واضعي مشروع ظهير 1959 المتعلق بالمسطرة الجنائية المغربي، تأثروا إلى حد كبير بمقترحات ومشاريع تعديل مدونة التحقيق الجنائية الفرنسية المقدمة في الفترة الممتدة بين سنتي 1934 و 1957 يجعلنا نرجح إمكانية اقتباس المشرع المغربي هذه الوضعية من المشاريع المذكورة. وإذا صح هذا الترجيح فلن يسعنا إلا التأسف على وضع إعداد مشاريع القوانين بالمغرب لأن المشروع لم يقبل في فرنسا ولأن فرنسا تخلت على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بشكل رسمي سنة 1959.
من جانب آخر، فإن الفقرة الثانية من المادة 16[25] تدفعنا إلى التساؤل عن الجهة التي أوكل لها المشرع حقيقة تسيير أعمال البحث في حالة التلبس، لأن مقتضيات هذه الفقرة تتناقض مع ما تشير إليه المادة 75 عند حضور قاضي التحقيق إلى مسرح الجريمة، حيث يتخلى له بقوة القانون كل من وكيل الملك والوكيل العام للملك، وأيضا ضابط الشرطة القضائية الذي حضر إلى عين المكان . إذا كان مفهوما و مقبولا أن يتخلى وكيل الملك للوكيل العام باعتبار التسلسل الرئاسي الذي يربط بينهما، فإنه من غير المستساغ أن يتخلى الطرفان معا لقاضي التحقيق، فكأن المادة 75 تجعله رئيسا لهما، وهو الأمر الذي يتناقض صراحة مع مقتضيات المواد 16، 17 و 19، من ق.م.ج.
إن هذا الوضع الذي تحيل عليه المواد 16 ، 17 ، 19 و 75 من ق م ج قسم الفقه المغربي إلى ثلاث فئات: فئة انتقدته بشدة[26]، وفئة قليلة استحسنته[27]، وفئة لم تعلق عليه[28]. غير أن الفئة المنتقدة تبدو أكثر عددا من الفئات الأخرى، مما يدل على أن الوضع غير سليم و غير مقنع نظريا.
لكن السؤال الذي لم يجد له الفقه المنتقد جوابا مقنعا هو: ما هي الأسباب التي دفعت هذا الأخير إلى تبني هذا التوجه؟
إذا كان ما جاء في العرض التمهيدي لظهير 10 فبراير 1959، كما أورده بعض الفقه[29]، من تبرير لهذا التوجه بالظروف الاستثنائية و المؤقتة التي عاشها المغرب عقب الاستقلال خاصة على مستوى قلة الأطر القضائية، إذا كان ذلك من الممكن التسليم به بالنسبة لتلك الفترة من تاريخ المغرب، فإنه ليس له ما يسنده بالنسبة للقانون رقم 22.01 وحتى بالنسبة للمسودة التي حافظت عليه.
ويبقى التفسير المنطقي في نظرنا لهذا الوضع المختل هو الاقتباس غير الموفق والتقليد غير المواكب للمشرع الفرنسي، وقد سبق أن بينا كيف كان الوضع في فرنسا وكيف تحول. ثم إنه على مستوى الممارسة لم يعد لدور قاضي التحقيق، كضابط سامي للشرطة القضائية ، قيمة معتبرة مع التطور الذي حققه المغرب على مستوى الموارد البشرية في مجال القضاء التي تضطلع بأعمال البحث التمهيدي، فهذا النقص الذي برر به واضعو ظهير 1959 الإبقاء على هذه الصفة في العرض التمهيدي لم يعد قائما[30].
ثم إن القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها قاضي التحقيق بمباشرته وإشرافه على أعمال البحث التمهيدي التلبسي في حالة وصوله إلى مسرح الجريمة مع عضو النيابة العامة المختص نوعيا ومكانيا- وكيل الملك أو الوكيل العام للملك- تبدو بدورها غير واضحة وغير مقتنعة طالما أن ما يقوم به قاضي التحقيق يمكن أن يقوم به عضو النيابة المختص بالنظر إلى الصلاحيات القانونية والإمكانات البشرية الموضوعة رهن إشارته، وطالما أن قاضي التحقيق ملزم ببعث ملف البحث- وليس التحقيق[31]- كاملا إلى عضو النيابة العامة المختص ليقرر بشأنه ما يقتضيه الأمر[32].
كذلك من الصعب تصور حضور هذا الأخير إلى مسرح الجريمة لأن عكس ذلك يدفعنا إلى طرح تساؤل لا جواب عنه في قانون المسطرة الجنائية يرتبط بإخبار هذا الأخير بالجريمة المتلبس بها، فبما أن القانون لم يلزم عضو النيابة العامة ولا ضابط الشرطة القضائية بإخبار قاضي التحقيق بهذا الأمر، فإن الفرضية الوحيدة المتبقية هي الحضور التلقائي لهذا الأخير، وهو افتراض يتقلص مداه ويستبعد تحققه إلا في وقائع نادرة خاضعة لمحض الصدفة، وهو افتراض قليل الأهمية.
الفقرة الثانية: تكريس مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة والتحقيق
الحديث عن هذا المبدأ هو في عمقه حديث عن وجود مؤسسة التحقيق أصلا ، فقد انشئت هذه الأخيرة في فرنسا- مهد التحقيق الإعدادي- للفصل بين وظيفتي المتابعة و التحقيق و للحد من السلطات المرعبة التي كانت يتمتع بها جهاز النيابة العامة في مواجهة الأفراد[33] .
ويعد هذا المبدأ - بالنسبة للتشريعات التي تأخذ بنظام التحقيق الإعدادي - أساسيا لحماية الحقوق والحريات الفردية وضمانة جوهرية من ضمانات المحاكمة العادلة التي يهدف نظام العدالة الجناية في تجلياته الحديثة إلى صيانتها تحقيقا للإنصاف بين أطراف الخصومة الجنائية ،لا سيما الطرف الضعيف فيها الذي هو المتهم . ومضمونه أن تمارس المتابعة سلطة قضائية مختصة – هي النيابة العامة- وأن يخول التحقيق لجهاز قضائي مستقل عن سلطة المتابعة ، لأن الأصل في التحقيق استنادا إلى الخلفيات التاريخية والنظرية التي كانت وراء إنشاءه ووفقا للوضع النهائي الذي استقر عليه في التشريعات الحديثة التي تأخذه به ، أن يكون قاضي التحقيق حكما غير منحاز لأي طرف من أطراف الدعوى العمومية وليس خضما للمتهم[34].
إن تمتيع قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية في التشريع المغربي، زيادة على الاختلالات التشريعية التي يثيرها ، هو أمر يمس بمبدأ الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق و يتنافى مع الغاية من إقرار التحقيق كمرحلة وسطى ذات خصوصيات محددة مختلفة عن مرحلتي المتابعة والمحاكمة ، ثم إن هذه الصفة تخول لقاضي التحقيق أن يقوم تلقائيا بجميع أعمال الشرطة القضائية في حالة التلبس، والحال أنها أعمال تنتمي إلى مرحلة البحث التمهيدي الذي تشرف عليه النيابة العامة .
فهذه الصفة تقحمه في مرحلة إجرائية لا علاقة له بها، إقحاما يخل بمبدأي الحياد والاستقلال الذين يؤطران مؤسسة التحقيق بصفة عامة . ولقد علمنا من خلال التأصيل لهذه المسألة في التشريع الفرنسي كيف أن هذا الأخير فطن لعيوب هذا الوضع المزدوج لقاضي التحقيق كقاض مستقل وكمحقق خاضع في نفس الآن لإشراف النيابة العامة، فعمل على تصحيحه من خلال مسلسل طويل من التعديلات كان آخرها سنة 1999[35].
من زاوية أخرى، إن الارتقاء بالقضاء المغربي إلى مستوى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية المؤسس بمقتضى الدستور الجديد للمملكة المغربية والمجسد بإخراج النظامين الأساسيين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، يحتم القطع مع واقع الارتباك والتناقض الذي يطبع النص الحالي لقانون المسطرة الجنائية، بالاتجاه نحو فصل حقيقي للوظائف القضائية: المتابعة و التحقيق و المحاكمة . ومما لا شك فيه أن إلغاء الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وعدم حشر هذا الخير في أعمال البحث التمهيدي التلبسي، وما يستتبع ذلك من حذف للفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة 75 والإبقاء فقط على الفقرة الأخيرة منها لضرورات الفعالية والسرعة في الانتقال إلى مرحلة التحقيق الإعدادي اعتمادا على تقدير الوكيل العام أو وكيل الملك، من شأن هذا الإلغاء المذكور أن يشكل مدخلا لا مفر منه، ومطلبا مشروعا وموضعيا لإرساء دعائم هذا الفصل.
خاتمة
حاولنا، و نحن بصدد البحث في الكتابات التي تطرقت لمؤسسة التحقيق و في أسباب النزول الخاصة بقانون المسطرة الجنائية المغربي عبر أبرز محطاته ، أن نجد أجوبة مقنعة لدواعي إصرار المشرع المغربي على تمتيع قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية فلم نفلح في المهمة ، فتأكد لنا من خلال التأصيل التشريعي المنجز في هذا البحث أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى اقتباسا تشريعيا غير موفق و غير مواكب لا يحقق أية فائدة تذكر في الوقت الحالي ، هذا فضلا عن الاختلالات و التناقضات القانونية التي يثيرها .
و إذا كان التشريع الفرنسي الذي أوجد هذه الصفة قد تخلى عنها منذ زمن بعيد إيمانا منه بمساسها بأهم خاصية ينبغي أن يتسم بها قاضي التحقيق وهي الحياد و الاستقلال عن أطراف الخصومة الجنائية ، فإن سؤالا مهما يفرض نفسه علينا في نهاية هذا البحث هو : هل المشرع المغربي أفضل حالا و أبعد نظرا من نظيره الفرنسي حتى يتمسك بها و يصر على ذلك ؟
إن النقاش الدائر في فرنسا بخصوص مستقبل مؤسسة التحقيق الإعدادي هو نقاش طبيعي بالنظر إلى كون هذا البلد مهد هذه المؤسسة ، و بالنظر أيضا إلى التطور الذي حققته هذه الأخيرة و الذي جعل منها مؤسسة مثيرة للجدل تارة بسبب الخوف الذي تشكله لدى البعض من سلطاتها وتارة بسبب طول الإجراءات الذي قد تتسبب فيه . ولكي يكون نفس النقاش سليما في بلدنا وجب في البداية تخليص هذه المؤسسة من الشوائب التي تؤثر على وظيفتها الحقيقية ، و من ذلك فك ارتباطها بمرحلة البحث التمهيدي بإلغاء الصفة الضبطية التي يتمتع بها قاضي التحقيق و تبعا لذلك الارتقاء بها إلى مستوى مؤسسة قضائية مستقلة تشريعا و ممارسة عن مؤسستي المتابعة و الحكم .
يعتبر قاضي التحقيق في التشريع المغربي ضابطا ساميا للشرطة القضائية إلى جانب كل من الوكيل العام و وكيل الملك ونوابهما، وتعني هذه الصفة تسيير أعمال جهاز الشرطة القضائية والقيام بكافة المهام التي تقتضيها مرحلة البحث التمهيدي التي يتم فيها التحري عن الجرائم و البحث عن مرتكبيها من أجل تقديمهم إلى المحاكمة ، فالحديث عن الصفة الضبطية هو حديث عن مرحلة البحث التمهيدي التي تختلف عن مرحلتي التحقيق الإعدادي و المحاكمة .
وإذا كان اتصاف الوكيل العام ووكيل الملك و نوابهما بالصفة الضبطية مقبولا بحكم رئاستهما لجهاز الشرطة القضائية وإشرافهما على أعماله، فان الأمر يبدو مستغربا بالنسبة لقاضي التحقيق لتنافي هذه الصفة مع فلسفة التحقيق ومع المركز القانوني للقائم بهذه الوظيفة ، استنادا إلى أن المفترض فيه أن يكون حكما لا خصما لأي طرف في الدعوى العمومية ، لذلك يطرح تساؤل كبير حول السر في إقحام هذا الأخير في مرحلة البحث التمهيدي وحول النتائج المرجوة من ذلك ؟
إن تعميق البحث و إمعان النظر في النصوص المؤطرة للبحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي في قانون المسطرة الجنائية المغربي الحالي ، لا يفيد في إيجاد أجوبة مقنعة لهذا التوجه التشريعي ، بل إنه قد يزيد من حيرة الباحث عندما يقف على جملة من التناقضات التي تعتري بعض مواده بسبب هذه الصفة .
لكن الرجوع إلى الوراء و البحث في السياق التاريخي والتشريعي لنشأة هذه الصفة ( مطلب أول ) يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن الأمر في المغرب – كما في دول أخرى[1] -لا يعدو أن يكون سوى اقتباسا تشريعيا غير موفق، بحكم أنه لم يراعي سياقات وظروف نشأتها في التشريع الذي أنتجها ولا التحولات التي طرأت عليها مع مرور الوقت ، وبالتالي فإنه ثمة مبررات ودواع موضوعية أضحت تفرض نفسها على المشرع المغربي في اتجاه التخلي عن هذه الصفة في الوقت الحالي( مطلب ثان) تصحيحا للوضع وتداركا لأخطاء الماضي .
المطلب الأول: السياق التاريخي لظهور الصفة الضبطية لقاضي التحقيق
ترتبط الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بظهور هذه المؤسسة بفرنسا، خاصة بعد الثورة الفرنسية و تحديدا بصدور مدونة التحقيق الجنائي سنة 1808. وبما أن المشرع الفرنسي شكل مرجعا لقانون المسطرة الجنائية المغربي منذ بداياته ، فان فهم السياق الذي اتصف فيه قاضي التحقيق بالمغرب بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية يحتم معرفة الوضع الذي كان عليه الأمر في التشريع الفرنسي و كيف تطور( فقرة أولى) ثم بعد ذلك دراسة هذا التطور بالنسبة للمشرع المغربي (فقرة ثانية )
الفقرة الأولى: الوضع في التشريع الفرنسي
سنركز في دراستنا بالنسبة للمشرع الفرنسي على عهد ما بعد الثورة الفرنسية ، لأن قانون الإجراءات الجنائية وأيضا مؤسسة قاضي التحقيق- بالشكل الذي تعرف به تقريبا في الوقت الحالي- ظهرتا في هذا العهد، وفي هذا الصدد لا بد من التمييز بين مرحلتين أساسيتين كان لهما أثر بالغ على موضوع دراستنا :
المرحلة الأولى: مدونة التحقيق الجنائي
تمتد هذه المرحلة من بداية العهد الإمبراطوري لنابوليون بونابارت الذي أعقب الثورة الفرنسية لسنة 1789 بعد سنوات قليلة من قيامها إلى نهاية الجمهورية الرابعة سنة 1958. و قد تميز مطلع هذه المرحلة بصدور مدونة التحقيق الجنائي سنة 1808 التي حاولت التوفيق بين النظام الاتهامي المستلهم من مبادئ الثورة و إعلان حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي و بين النظام التنقيبي الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية ، فجعلت المسطرة تنقيبية خلال مرحلة البحث والتحقيق واتهامية في طور المحاكمة ، و لقد استمر العمل بهذه المدونة طيلة هذه المرحلة مع إدخال مجموعة من التعديلات عليها في فترات متلاحقة .
إن هذه المرحلة تؤسس لظهور مؤسسة قاضي التحقيق في فرنسا كطرف جديد في الدعوى الجنائية عوض مؤسسة الملازم الجنائي( lieutenant criminel) المعمول بها في النظام التنقيبي السابق على الثورة ، ومؤسسة رئيس هيئة المحلفين directeur de jury) ( الذي أقامته هذه الأخيرة بديلا له[2]. و لقد أقحمت مدونة التحقيق الجنائي قاضي التحقيق في قلب المرحلة الإعدادية للمحاكمة الجنائية التي كان الوكيل الإمبراطوري – رئيس النيابة العامة وقتئذ- الفاعل الرئيسي و المحوري فيها، حيث كان الكل يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه بمن فيهم قاضي التحقيق[3].
في هذه المرحلة كان قاضي التحقيق يجمع بين صفتي محقق و قاض، إلا أن صفته الثانية كانت شبه محدودة ، بالرغم من سعي المدونة إلى الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق ، حيث كان تابعا للوكيل الإمبراطوري و خاضعا لمراقبته وإشرافه وحتى تنقيطه .
ولقيامه بمهامه كمحقق في ظل الوضعية المذكورة ، منحت لقاضي التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية ، فكانت هذه الصفة تخوله القيام بالأعمال التي يتطلبها الكشف عن الجرائم المرتكبة، إلا أنه لم يكن يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه الأعمال[4] ، كما لم يكن بوسعه القيام بها إلا بتوجيه من الوكيل الإمبراطوري باعتباره رئيسا لجهاز النيابة العامة[5]، ماعدا في حالة التلبس التي كان بإمكانه أن يمارس مهامه في ظلها دون تلقي أمر أو توجيه من هذا الأخير بشرط إخباره.
إن اتصاف قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية بفرنسا خلال هذا العهد يفسر بتبعيته لجهاز النيابة العامة واعتباره مجرد موظف رهن إشارة هذا الجهاز فيما يتعلق بأعمال البحث و التحريات ، لا سيما وأن المرحلة تميزت بالتداخل بين مرحلتي البحث و التحقيق . ونتيجة لهذه الوضعية شكل قاضي التحقيق مكونا من مكونات جهاز الشرطة القضائية الذي كان يرأسه الوكيل الإمبراطوري - وكيل الجمهورية بعد العهد النابوليوني - كما أنه لم يكن يتمتع بصفة قاض مستقل بالنسبة لهذه المهام مع أنه كان يعين لممارستها من بين قضاة الحكم.
هذه الوضعية أفرزت ردود أفعال ونقاشات فقهية قوية بفرنسا ، تأسست على فكرة عدم الانسجام مع الأهداف والغايات التي انشئت من أجلها مؤسسة قاضي التحقيق ، ألا وهي الحد من هيمنة الوكيل الإمبراطوري الذي وصفه بعضهم بكونه طاغية يرعب المجتمع[6] و السعي إلى تحقيق فصل حقيقي بين الوظائف القضائية خاصة بين وظيفتي المتابعة و التحقيق ، لذلك تعرضت المدونة لمجموعة من التعديلات التي لم تكن في مجملها مجدية في هذه المسألة ، وظل قاضي التحقيق خاضعا لسلطة النيابة العامة و ممارسا لبعض مهامها إلى أن ألغيت مدونة التحقيق الجنائي في بداية عهد الجمهورية الخامسة .
المرحلة الثانية: قانون المسطرة الجنائية
تؤرخ هذه المرحلة لعهد سياسي جديد تميز بإصلاحات مهمة في مختلف المجالات بفرنسا ، يتعلق الأمر بعهد الجمهورية الخامسة . وفيما يتعلق بموضوعنا فإن الحدث البارز الذي ميز بداية هذا العهد هو دخول قانون المسطرة الجنائية الذي حل محل مدونة التحقيق الجنائية حيز التنفيذ سنة 1959[7]. وقد شكل تعزيز وتدعيم مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة و التحقيق و تقوية مركز مؤسسة التحقيق كجهاز مستقل عن النيابة العامة جانبا من الإصلاحات المهمة التي أتى بها هذا القانون ، تجسد ذلك من خلال ما يلي :
أولا: لم يعد قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية، حيث تخلى القانون الجديد عن الصفة الضبطية التي كانت مخولة له في العهد السابق، و توخى المشرع الفرنسي من هذا الإجراء تخليص قاضي التحقيق من رقابة وإشراف الوكيل العام و إنهاء علاقته - جزئيا - بمرحلة البحث التمهيدي .
ثانيا: تم وضع قاضي التحقيق تحت سلطة غرفة الاتهام ومراقبة رئيس المحكمة الذي حولت إليه صلاحية تعيينه وإعفائه من مهامه بدل الوكيل العام للجمهورية[8]، وبذلك لم يعد منتميا لجهاز الشرطة القضائية .
إن هذه الإجراءات الجديدة المتخذة في ظل قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 ساهمت إلى حد كبير في تكريس مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة والتحقيق والارتقاء بمؤسسة التحقيق إلى جهاز يحظى بمكانة متميزة في التنظيم القضائي الفرنسي وبمهام واضحة في إطار التحقيق كمرحلة وسطى بين المتابعة و الحكم تفترض الحياد والاستقلال عن كافة أطراف الخصومة الجنائية.
إلا أن حضور قاضي التحقيق في مرحلة البحث التمهيدي لم ينته بشكل تام بالرغم مما تحقق، حيث أبقى المشرع الفرنسي - في مرحلة أولى من التعديلات التي طالت قانون المسطرة الجنائية - على إمكانية حضور قاضي التحقيق إلى مسرح الجريمة وقيامه بالأبحاث التي هي من صميم اختصاص النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية ، بمعنى أن الأمر يتعلق بحالة التلبس فقط ، إذ جاء في المادة 72 أن حضور قاضي التحقيق إلى مكان ارتكاب الجريمة يرفع يد ضباط الشرطة القضائية وحتى قاضي النيابة العامة لفائدة قاضي التحقيق الذي يقوم بتسيير أعمال البحث التمهيدي التلبسي، وبعد إنهائه لمهامه يرسل وثائق البحث الذي قام به إلى وكيل الجمهورية ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر[9].
ويبدو أن إبقاء المشرع الفرنسي في هذه المرحلة على هذه الصورة من الحضور لقاضي التحقيق في مرحلة البحث التمهيدي كان من رواسب ومخلفات المراحل السابقة التي لم يستطع القانون الجديد القطع معها بشكل نهائي، لذلك لم يستسغ الفقه الفرنسي هذا الوضع وانتقده بشدة ، الأمر الذي دفع المشرع إلى التدخل مرة أخرى سنة 1999 لتدارك هذه الثغرة وتصحيح الوضع بإلغائه للفقرة الأولى من المادة 72[10]، وإبقائه فقط على إمكانية الاستفادة من تواجد قاضي التحقيق في آن واحد مع وكيل الجمهورية بمكان ارتكاب الجريمة لأجل تسريع وتيرة المرور إلى مرحلة التحقيق وليس للقيام بأعمال البحث التمهيدي كما كان في السابق[11].
بهذه التعديلات المذكورة - التخلي عن الصفة الضبطية لقاضي التحقيق و حذف الفقرة الأولى من المادة 72 زيادة على تخويل مهمة تعيينه و إعفائه من مهامه لرئيس المحكمة - انتهى التداخل بين مرحلتي المتابعة و التحقيق في فرنسا، و تحرر قاضي التحقيق من سلطة النيابة العامة، فأصبح طرفا محايدا في الدعوى الجنائية يختص فقط بالتحقيق الإعدادي في القضايا التي تعرض عليه ، و شكلت هذه الإصلاحات تتويجا لمسلسل الفصل – على الأقل وظيفيا - بين سلطتي المتابعة والتحقيق الذي بدأه المشرع الفرنسي منذ زمن طويل، هذا المسلسل الذي مازال متعثرا في التشريع المغربي بالرغم من اعتماده على نظيره الفرنسي في تعديلاته لقانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الثانية: الوضع في التشريع المغربي
لفهم الوضع والسياق التشريعي لاتصاف قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية بالمغرب، لا بد من مراجعة نشأة وتطور قانون المسطرة الجنائية في هذا البلد، وهنا لا بد من الوقوف عند محطتين أساسيتين كانتا فارقتين في تاريخ هذا القانون:
المحطة الأولى: ظهير 10 فبراير 1959
يعد القانون الصادر بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ بـ 10 فبراير 1959[12] أول قانون إجرائي جنائي للمغرب كبلد مستقل، صدر بعد سنتين ونيف من الاستقلال، وشكل لبنة من لبنات التوحيد و المغربة في المجال الجنائي. إلا أنه مع ذلك بقى متأثرا بشكل كبير بل و مقتبسا في عمومه من القانون الفرنسي القديم ، حيث يذهب الدكتور محمد عياط إلى أن واضعي مشروع هذا القانون " تأثروا إلى حد كبير بالمقترحات المدرجة في التشريع التمهيدي الفرنسي الموضوع سنة 1934 والمعروف باسم قانون ماطر وكذلك الإصلاحات التي أقرتها لجنة سبون وأقرها القانون الفرنسي المؤرخ في 31/12/ 1957" [13].
وبالرغم من أن القانون الفرنسي لسنة 1959 شكل مرجعا أساسيا لظهير 1959 المغربي بشهادة واعتراف واضعيه[14]، فإن استفادة هذا الأخير من المزايا والايجابيات التي انطوى عليها نظيره الفرنسي لم تكن كبيرة ومعتبرة - على الأقل فيما يتعلق بموضوع هذه الدراسة - حيث جمعت مقتضياته بين ما كان معمولا به في القانون الفرنسي القديم وبين بعض التعديلات التي أقرها القانون الجديد.
فقد أخذ ظهير 10 فبراير 1959 بالصفة الضبطية لقاضي التحقيق[15]، التي هجرها قانون 1959 الفرنسي، لكن في الوقت ذاته جعل مراقبة هذا الأخير من اختصاص غرفة المشورة وكذلك إمكانية الاختيار بين قضاة التحقيق في حالة تعددهم داخل نفس المحكمة مخولة لأقدمهم بدل النيابة العامة.
إن اختيار ظهير 10 فبراير 1959 التمسك بالضفة الضبطية لقاضي التحقيق جسده أيضا من خلال الفصل 77 منه الذي نص على أن حضوره إلى مسرح الجريمة يرفع يد كل من وكيل الدولة -وكيل الملك حاليا- وضباط الشرطة القضائية ليقوم بجميع أعمالها أو ليأمر أيا منهم بمتابعة العمليات المرتبطة بالبحث والتحري[16]. وقد سبق أن بينا أن الصلاحيات المخولة لقاصي التحقيق بمقتضى هذه المادة هي من مخلفات القانون الفرنسي القديم الذي حرص المشرع الفرنسي الحديث على التخلص منها ولم يتحقق له ذلك بشكل نهائي إلا سنة 1999.
يظهر إذن أن الاقتباس التشريعي الذي قام به المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي في هذه الفترة لم يكن موفقا لأنه لم يواكب التطور الذي عرفته الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بفرنسا، و الغريب في الأمر أنه تزامن مع حلول قانون المسطرة الجنائية الفرنسي محل مدونة التحقيق الجنائية !!!
المحطة الثانية: القانون رقم 01-22
القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية[17]، هو القانون المعمول به منذ سنة 2003 إلى وقتنا الحاضر، وقد صدر بعد أن ترسخت القناعة لدى كافة المهتمين و الفاعلين في مجال العدالة الجنائية بضرورة تغيير ظهير10 فبراير1959 لمواكبة التحديات التي فرضتها الجريمة والتحولات التي شهدها المغرب على مستويات مختلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وكذا التقدم الذي حققه في مسلسل الإصلاحات المؤسساتية ، فضلا عن الانخراط في المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، هذا بالرغم من التعديلات التي طالت هذا القانون خاصة بمقتضى ظهير الإجراءات الانتقالية الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974[18].
وعلاقة بموضوع بحثنا يظهر جليا أن قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01 النافذ إلى وقتنا الحاضر لم يعرف تغيرا يذكر، حيث حافظ على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وأبقى على مقتضيات المادة 77[19] من ظهير 1959 كما هي مع تعديلات طفيفة على مستوى الصياغة.
ونستطيع القول بأن القانون رقم 01-22 شكل تراجعا عما كان عليه بالوضع في ظل ظهير 10 فبراير1959 بخصوص علاقة قاضي التحقيق بجهاز النيابة العامة ، وذلك من خلال المادة 90 التي تنص على أنه : "إذا تعدد قضاة التحقيق في محكمة واحدة، فإن للنيابة العامة أن تعين من يحقق في كل قضية على حدة ". فهذه الصلاحية التي كانت ممنوحة لأقدم قاض من قضاة التحقيق في ظل ظهير10 فبراير 1959 تحولت إلى النيابة العامة ، ولا شك أن في ذلك تدخلا من طرف النيابة العامة في أعمال التحقيق من شأنه أن تؤثر على فعالية ونجاعة هذه الأعمال ، ثم إن هذا الوضع يذكرنا بالوضع الذي عاشته مؤسسة التحقيق بفرنسا خلال العهد النابوليوني المتسم بهيمنة النيابة العامة- الوكيل الإمبراطوري – على قاضي التحقيق وتحكمها فيه.
واللافت للنظر أيضا أن القانون رقم 01-22 صدر بعد الفترة التي تخلص فيها فالمشرع الفرنسي من بقايا التجليات السلبية للصفة الضبطية لقاضي التحقيق، بحذفه للفقرة الأولى من المادة 72 من قانون المسطرة الجنائية لديه التي كانت تتيح لقاضي التحقيق الفرنسي القيام بأعمال البحث التمهيدي باعتباره ضابطا ساميا للشرطة القضائية، وذلك بمقتضى التعديل الصادر سنة 1999 كما سبق بيانه في الفقرة الأولى.
فبالرغم من صدوره بعد سنة 1999 بعشر سنوات تقريبا – وهي مدة كافية لاكتشاف ثغرات أي قانون – فإن القانون رقم 01-22 أصر على الإبقاء على المادة 77 من ظهير 10 فبراير 1959 كما هي من حيث محتواها، وأيضا على منح قاضي التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية.
والملاحظ أن هذا التوجه أصبح مبدأ ثابتا لا محيد عنه بالنسبة للمشرع المغربي، لأن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الصادرة سنة 2014، والتي سعت وزارة العدل والحريات لأن تكون بديلا مقبولا للقانون رقم 01. 22، أبقت بدورها على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وحافظت أيضا على التصور العام لمقتضيات المادة 77 من ظهير10 فبراير 1959 – المادة 75 من القانون 01. 22 – لا بل إنها زادت في توضيحه عندما استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث[20]، لترفع أي لبس وتؤكد على أن قاضي التحقيق يمارس مهامه في نطاق هذه المادة كضابط للشرطة القضائية وليس بصفة قاضيا للتحقيق.
إن هذا الإصرار من طرف المشرع المغربي يجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام حول الجدوى منه ويدفعنا إلى مناقشة مدى وجاهته ؟
المطلب الثاني: مبررات الاستغناء عن الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بالمغرب
أثبتنا من خلال المطلب الأول أن تخويل الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بالمغرب يرجع بالأساس إلى الاقتباس – غير الموفق و غير المواكب - من طرف المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي. و هذا الوضع أفرز إشكالات و تناقضات على مستوى نصوص قانون المسطرة الجنائية )فقرة أولى (، فضلا عن أنه يؤثر على مبدأ الفصل بين الوظائف القضائية )فقرة ثانية (، لذلك فإن التخلي عن هذه الصفة من شأنه أن يرفع التناقضات المذكورة و يكرس المبدأ المشار إليه .
الفقرة الأولى: تجاوز اختلالات وتناقضات النص الحالي
إن الطريقة التي تمت بها عملية اقتباس الصفة الضبطية الممنوحة لقاضي التحقيق من المشرع الفرنسي دون مراعاة لظروف نشأتها ولا مواكبة لسياقات تحولاتها على مستوى هذا التشريع ، أفرزت اختلالات كبيرة على مستوى قانون المسطرة الجنائية المغربي، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول بأن الأمر يرقى إلى مستوى تناقضات يستعصي على أي باحث منصف وموضعي إيجاد تبريرات منطقية لها.
فالمتأمل في المواد المؤطرة لأعمال ضباط الشرطة القضائية ومهامهم على مستوى قانون المسطرة الجنائية يقف حائرا– على الأقل من الناحية النظرية- بخوص معرفة من أوكل له المشرع رئاسة هذا الجهاز والإشراف عليه؟
لاشك أن المادة 17[21]من هذا القانون تضع الجهاز بكامله تحت سلطة الوكيل العام ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي ينتمي لدائرة نفوذها، إلا أن المادة 19[22] جعلت كلا من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك في مرتبة واحدة باعتبارهما معا ضابطين ساميين للشرطة القضائية . وعلى الرغم من أن المشرع لم يحدد اختصاصات الضباط الساميين بشكل دقيق[23]، فإن الاقتصار على المدلول الظاهر للكلمة يفيد أن الشخصين يمارسان أدوارا رئاسية على الفئات الأخرى التي تعتبر مرؤوسة، مما قد يوحي بأن جهاز الشرطة القضائية بالمغرب هو جهاز برأسين، وفي ذلك تناقص كبير مع ما تشير إليه المادة 17 وحتى مع الممارسة الواقعية التي تمنح الرئاسة للوكيل العام للملك ، فكيف يمكننا إذن أن نفهم أن قاضي التحقيق مرؤوس في نطاق المادة 17 ورئيس في إطار المادة 19 ؟
إنه لا يوجد تفسير مقنع لهذا الوضع إذا تم الاقتصار فقط على نصوص قانون المسطرة الجنائية، لكن البحث في تاريخ مدونة التحقيق الجنائي الفرنسية قد يفيدنا في تلمس بعض حقائق هذا الوضع المختل بالمغرب، ففي سنة 1949 تقدم الأستاذ Donnedieu DEVABRES بمشروع قانون لتعديل مدونة التحقيق الجنائية يروم توزيعا جديدا لمهام التحقيق الجنائي بين وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق، بحيث يتولى الأول مهام البحث عن الأدلة بمساعدة الشرطة القضائية، ويتكفل الثاني بالمهام القضائية المرتبطة بهذا التحقيق، مع الارتقاء به إلى مرتبة مساوية لمرتبة وكيل الجمهورية، إلا أن هذا المشروع لم يلق ترحيبا يذكر في فرنسا فتراجع عنه صاحبه[24] .
وبمقارنة هذا التأصيل بما قاله الدكتور محمد عياط ، بأن واضعي مشروع ظهير 1959 المتعلق بالمسطرة الجنائية المغربي، تأثروا إلى حد كبير بمقترحات ومشاريع تعديل مدونة التحقيق الجنائية الفرنسية المقدمة في الفترة الممتدة بين سنتي 1934 و 1957 يجعلنا نرجح إمكانية اقتباس المشرع المغربي هذه الوضعية من المشاريع المذكورة. وإذا صح هذا الترجيح فلن يسعنا إلا التأسف على وضع إعداد مشاريع القوانين بالمغرب لأن المشروع لم يقبل في فرنسا ولأن فرنسا تخلت على الصفة الضبطية لقاضي التحقيق بشكل رسمي سنة 1959.
من جانب آخر، فإن الفقرة الثانية من المادة 16[25] تدفعنا إلى التساؤل عن الجهة التي أوكل لها المشرع حقيقة تسيير أعمال البحث في حالة التلبس، لأن مقتضيات هذه الفقرة تتناقض مع ما تشير إليه المادة 75 عند حضور قاضي التحقيق إلى مسرح الجريمة، حيث يتخلى له بقوة القانون كل من وكيل الملك والوكيل العام للملك، وأيضا ضابط الشرطة القضائية الذي حضر إلى عين المكان . إذا كان مفهوما و مقبولا أن يتخلى وكيل الملك للوكيل العام باعتبار التسلسل الرئاسي الذي يربط بينهما، فإنه من غير المستساغ أن يتخلى الطرفان معا لقاضي التحقيق، فكأن المادة 75 تجعله رئيسا لهما، وهو الأمر الذي يتناقض صراحة مع مقتضيات المواد 16، 17 و 19، من ق.م.ج.
إن هذا الوضع الذي تحيل عليه المواد 16 ، 17 ، 19 و 75 من ق م ج قسم الفقه المغربي إلى ثلاث فئات: فئة انتقدته بشدة[26]، وفئة قليلة استحسنته[27]، وفئة لم تعلق عليه[28]. غير أن الفئة المنتقدة تبدو أكثر عددا من الفئات الأخرى، مما يدل على أن الوضع غير سليم و غير مقنع نظريا.
لكن السؤال الذي لم يجد له الفقه المنتقد جوابا مقنعا هو: ما هي الأسباب التي دفعت هذا الأخير إلى تبني هذا التوجه؟
إذا كان ما جاء في العرض التمهيدي لظهير 10 فبراير 1959، كما أورده بعض الفقه[29]، من تبرير لهذا التوجه بالظروف الاستثنائية و المؤقتة التي عاشها المغرب عقب الاستقلال خاصة على مستوى قلة الأطر القضائية، إذا كان ذلك من الممكن التسليم به بالنسبة لتلك الفترة من تاريخ المغرب، فإنه ليس له ما يسنده بالنسبة للقانون رقم 22.01 وحتى بالنسبة للمسودة التي حافظت عليه.
ويبقى التفسير المنطقي في نظرنا لهذا الوضع المختل هو الاقتباس غير الموفق والتقليد غير المواكب للمشرع الفرنسي، وقد سبق أن بينا كيف كان الوضع في فرنسا وكيف تحول. ثم إنه على مستوى الممارسة لم يعد لدور قاضي التحقيق، كضابط سامي للشرطة القضائية ، قيمة معتبرة مع التطور الذي حققه المغرب على مستوى الموارد البشرية في مجال القضاء التي تضطلع بأعمال البحث التمهيدي، فهذا النقص الذي برر به واضعو ظهير 1959 الإبقاء على هذه الصفة في العرض التمهيدي لم يعد قائما[30].
ثم إن القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها قاضي التحقيق بمباشرته وإشرافه على أعمال البحث التمهيدي التلبسي في حالة وصوله إلى مسرح الجريمة مع عضو النيابة العامة المختص نوعيا ومكانيا- وكيل الملك أو الوكيل العام للملك- تبدو بدورها غير واضحة وغير مقتنعة طالما أن ما يقوم به قاضي التحقيق يمكن أن يقوم به عضو النيابة المختص بالنظر إلى الصلاحيات القانونية والإمكانات البشرية الموضوعة رهن إشارته، وطالما أن قاضي التحقيق ملزم ببعث ملف البحث- وليس التحقيق[31]- كاملا إلى عضو النيابة العامة المختص ليقرر بشأنه ما يقتضيه الأمر[32].
كذلك من الصعب تصور حضور هذا الأخير إلى مسرح الجريمة لأن عكس ذلك يدفعنا إلى طرح تساؤل لا جواب عنه في قانون المسطرة الجنائية يرتبط بإخبار هذا الأخير بالجريمة المتلبس بها، فبما أن القانون لم يلزم عضو النيابة العامة ولا ضابط الشرطة القضائية بإخبار قاضي التحقيق بهذا الأمر، فإن الفرضية الوحيدة المتبقية هي الحضور التلقائي لهذا الأخير، وهو افتراض يتقلص مداه ويستبعد تحققه إلا في وقائع نادرة خاضعة لمحض الصدفة، وهو افتراض قليل الأهمية.
الفقرة الثانية: تكريس مبدأ الفصل بين سلطتي المتابعة والتحقيق
الحديث عن هذا المبدأ هو في عمقه حديث عن وجود مؤسسة التحقيق أصلا ، فقد انشئت هذه الأخيرة في فرنسا- مهد التحقيق الإعدادي- للفصل بين وظيفتي المتابعة و التحقيق و للحد من السلطات المرعبة التي كانت يتمتع بها جهاز النيابة العامة في مواجهة الأفراد[33] .
ويعد هذا المبدأ - بالنسبة للتشريعات التي تأخذ بنظام التحقيق الإعدادي - أساسيا لحماية الحقوق والحريات الفردية وضمانة جوهرية من ضمانات المحاكمة العادلة التي يهدف نظام العدالة الجناية في تجلياته الحديثة إلى صيانتها تحقيقا للإنصاف بين أطراف الخصومة الجنائية ،لا سيما الطرف الضعيف فيها الذي هو المتهم . ومضمونه أن تمارس المتابعة سلطة قضائية مختصة – هي النيابة العامة- وأن يخول التحقيق لجهاز قضائي مستقل عن سلطة المتابعة ، لأن الأصل في التحقيق استنادا إلى الخلفيات التاريخية والنظرية التي كانت وراء إنشاءه ووفقا للوضع النهائي الذي استقر عليه في التشريعات الحديثة التي تأخذه به ، أن يكون قاضي التحقيق حكما غير منحاز لأي طرف من أطراف الدعوى العمومية وليس خضما للمتهم[34].
إن تمتيع قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية في التشريع المغربي، زيادة على الاختلالات التشريعية التي يثيرها ، هو أمر يمس بمبدأ الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق و يتنافى مع الغاية من إقرار التحقيق كمرحلة وسطى ذات خصوصيات محددة مختلفة عن مرحلتي المتابعة والمحاكمة ، ثم إن هذه الصفة تخول لقاضي التحقيق أن يقوم تلقائيا بجميع أعمال الشرطة القضائية في حالة التلبس، والحال أنها أعمال تنتمي إلى مرحلة البحث التمهيدي الذي تشرف عليه النيابة العامة .
فهذه الصفة تقحمه في مرحلة إجرائية لا علاقة له بها، إقحاما يخل بمبدأي الحياد والاستقلال الذين يؤطران مؤسسة التحقيق بصفة عامة . ولقد علمنا من خلال التأصيل لهذه المسألة في التشريع الفرنسي كيف أن هذا الأخير فطن لعيوب هذا الوضع المزدوج لقاضي التحقيق كقاض مستقل وكمحقق خاضع في نفس الآن لإشراف النيابة العامة، فعمل على تصحيحه من خلال مسلسل طويل من التعديلات كان آخرها سنة 1999[35].
من زاوية أخرى، إن الارتقاء بالقضاء المغربي إلى مستوى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية المؤسس بمقتضى الدستور الجديد للمملكة المغربية والمجسد بإخراج النظامين الأساسيين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، يحتم القطع مع واقع الارتباك والتناقض الذي يطبع النص الحالي لقانون المسطرة الجنائية، بالاتجاه نحو فصل حقيقي للوظائف القضائية: المتابعة و التحقيق و المحاكمة . ومما لا شك فيه أن إلغاء الصفة الضبطية لقاضي التحقيق وعدم حشر هذا الخير في أعمال البحث التمهيدي التلبسي، وما يستتبع ذلك من حذف للفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة 75 والإبقاء فقط على الفقرة الأخيرة منها لضرورات الفعالية والسرعة في الانتقال إلى مرحلة التحقيق الإعدادي اعتمادا على تقدير الوكيل العام أو وكيل الملك، من شأن هذا الإلغاء المذكور أن يشكل مدخلا لا مفر منه، ومطلبا مشروعا وموضعيا لإرساء دعائم هذا الفصل.
خاتمة
حاولنا، و نحن بصدد البحث في الكتابات التي تطرقت لمؤسسة التحقيق و في أسباب النزول الخاصة بقانون المسطرة الجنائية المغربي عبر أبرز محطاته ، أن نجد أجوبة مقنعة لدواعي إصرار المشرع المغربي على تمتيع قاضي التحقيق بصفة ضابط سامي للشرطة القضائية فلم نفلح في المهمة ، فتأكد لنا من خلال التأصيل التشريعي المنجز في هذا البحث أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى اقتباسا تشريعيا غير موفق و غير مواكب لا يحقق أية فائدة تذكر في الوقت الحالي ، هذا فضلا عن الاختلالات و التناقضات القانونية التي يثيرها .
و إذا كان التشريع الفرنسي الذي أوجد هذه الصفة قد تخلى عنها منذ زمن بعيد إيمانا منه بمساسها بأهم خاصية ينبغي أن يتسم بها قاضي التحقيق وهي الحياد و الاستقلال عن أطراف الخصومة الجنائية ، فإن سؤالا مهما يفرض نفسه علينا في نهاية هذا البحث هو : هل المشرع المغربي أفضل حالا و أبعد نظرا من نظيره الفرنسي حتى يتمسك بها و يصر على ذلك ؟
إن النقاش الدائر في فرنسا بخصوص مستقبل مؤسسة التحقيق الإعدادي هو نقاش طبيعي بالنظر إلى كون هذا البلد مهد هذه المؤسسة ، و بالنظر أيضا إلى التطور الذي حققته هذه الأخيرة و الذي جعل منها مؤسسة مثيرة للجدل تارة بسبب الخوف الذي تشكله لدى البعض من سلطاتها وتارة بسبب طول الإجراءات الذي قد تتسبب فيه . ولكي يكون نفس النقاش سليما في بلدنا وجب في البداية تخليص هذه المؤسسة من الشوائب التي تؤثر على وظيفتها الحقيقية ، و من ذلك فك ارتباطها بمرحلة البحث التمهيدي بإلغاء الصفة الضبطية التي يتمتع بها قاضي التحقيق و تبعا لذلك الارتقاء بها إلى مستوى مؤسسة قضائية مستقلة تشريعا و ممارسة عن مؤسستي المتابعة و الحكم .
الهوامش
[1] - الجزائر مثلا
[2] -Pierre CHAMBON, le juge d’instruction : théorie et pratique de la procédure ,3ème édition, DALLOZ, 1985, p 3.
[3]- « Le juge d instruction ne pourrait donc se refuser à exécuter les ordres qui lui seraient transmis par le procureur général, ni se dispenser de lui donner avis des crimes et délits dont - il ferait personnellement la recherche et la poursuite , dans le cas de flagrant délit, sans manquer au devoir que la loi lui impose ».
Joseph – François- Claude CARROT, de l’instruction criminelle, Tome premier, Nève, librairie de la cour de cassation, 1812, p 168.
Joseph – François- Claude CARROT, de l’instruction criminelle, Tome premier, Nève, librairie de la cour de cassation, 1812, p 168.
[4]- «Non détenteur du statut de magistrat, le juge d’instruction est institué en tant qu’officier supérieur de police judiciaire, sous la surveillance, quant a ses fonctions de police judiciaire , du procureur impérial ».
Tristan MANIGLIER, réformer le juge d’instruction : Historique et perspective, mémoire de séminaire : Métiers du droit et pratique du droit dans les entreprises et les institutions, sous la direction de André VIANES, université LYON 2, institut d’études politiques de LYON, p 15.
Tristan MANIGLIER, réformer le juge d’instruction : Historique et perspective, mémoire de séminaire : Métiers du droit et pratique du droit dans les entreprises et les institutions, sous la direction de André VIANES, université LYON 2, institut d’études politiques de LYON, p 15.
[5] -l’article 57 du code d instruction pénale disposait : « les juges d’instruction seront quand aux fonction de police judiciaire, sous la surveillance du procureur général ».
Voir dans ce sens : jean PRADEL, procédure pénale, 6ème édition, éditions CUJAS, Paris, 1992, p 32.
Voir dans ce sens : jean PRADEL, procédure pénale, 6ème édition, éditions CUJAS, Paris, 1992, p 32.
[6] - « Le pouceur impérial serait un petit tyran qui fait trembler le cité…tous les citoyens tremblaient s’il voyaient dans les même hommes le pouvoir de les accuser et celui qui peut justifier leur accusation »
Locré, t XXV, p123 et s .cité par : Jean PRADEL, op cit, p 22.
Locré, t XXV, p123 et s .cité par : Jean PRADEL, op cit, p 22.
[7] - هذا القانون تضمن كمرحلة أولى الباب التمهيدي و الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الجديد الذي أجل تطبيقه إلى 1 يناير 1959 بعد المصادقة على دستور الجمهورية الفرنسية سنة 1958 وإتمام الأشغال المرتبطة بإعداد الأجزاء المتبقية منه.
للمزيد من التفاصيل يراجع :
Pierre BOUZAT et Jean PINATEL, procédure pénale : Régime des mineurs. Domaine des lois pénales dans le temps et dans l’espace, tome 2 ,2ème édition, librairie DALLOZ, 1970, p 904.
للمزيد من التفاصيل يراجع :
Pierre BOUZAT et Jean PINATEL, procédure pénale : Régime des mineurs. Domaine des lois pénales dans le temps et dans l’espace, tome 2 ,2ème édition, librairie DALLOZ, 1970, p 904.
[8] - jean PRADEL , procédure pénale, op cit , p 25.
[9] - إما المتابعة أو الحفظ أو القيام بأعمال أخرى مثل الاستعانة بخبراء.
[10] - عدلت هذه المادة بمقتضى القانون رقم 515-99 الصادر بتاريخ 23 يونيو 1999
[11] - أصبحت المادة 72 من ق.م.ج. الفرنسي الحالي تنص على ما يلي:
« Lorsque le procureur de la république et le juge d’instruction sont simultanément sur les lieux, le procureur de la république peut requérir l’ouverture d’une information régulière dont est saisie le juge d’instruction présent, par dérogation, le cas échéant, aux disposition de l’article 83 ».
بمقتضى هذه المادة أصبح بإمكان وكيل الجمهورية الذي يحضر معه قاضي التحقيق في نفس الآن إلى مسرح الجريمة ، أن يلتمس من هذا الأخير فتح تحقيق في القضية، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 83 التي تقضي بأنه في حالة تواجد عدة قضاة للتحقيق في نفس المحكمة، فإن رئيس هذه المحكمة- أو القاضي الذي يعوضه في حالة الضرورة – هو من يتولى توزيع القضايا عليهم.
المادة 83 تنص بالحرف على ما يلي :
« Lorsqu’ ‘il existe dans un tribunal plusieurs juges d’instruction, le président du tribunal ou en cas d’empêchement, le magistrat qui le remplace désigne, pour chaque information, le juge qui sera chargé.
Il peut établir, à cette fin, un tableau de roulement. Les désignations prévues au présent article sont des mesures d’administration judiciaires non susceptibles de recours ».
« Lorsque le procureur de la république et le juge d’instruction sont simultanément sur les lieux, le procureur de la république peut requérir l’ouverture d’une information régulière dont est saisie le juge d’instruction présent, par dérogation, le cas échéant, aux disposition de l’article 83 ».
بمقتضى هذه المادة أصبح بإمكان وكيل الجمهورية الذي يحضر معه قاضي التحقيق في نفس الآن إلى مسرح الجريمة ، أن يلتمس من هذا الأخير فتح تحقيق في القضية، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 83 التي تقضي بأنه في حالة تواجد عدة قضاة للتحقيق في نفس المحكمة، فإن رئيس هذه المحكمة- أو القاضي الذي يعوضه في حالة الضرورة – هو من يتولى توزيع القضايا عليهم.
المادة 83 تنص بالحرف على ما يلي :
« Lorsqu’ ‘il existe dans un tribunal plusieurs juges d’instruction, le président du tribunal ou en cas d’empêchement, le magistrat qui le remplace désigne, pour chaque information, le juge qui sera chargé.
Il peut établir, à cette fin, un tableau de roulement. Les désignations prévues au présent article sont des mesures d’administration judiciaires non susceptibles de recours ».
[12] - ظهير شريف رقم 1.58.261 ، صادر بتاريخ 1 شعبان 1378 الموافق ل 10 فبراير 1959 ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2418 ، الصادرة بتاريخ 05 مارس 1959 ، ص 705 و ما يليها .
[13] - محمد عياط، دراسة في المسطرة الجنائية، الجزء ألأول، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1991، ص 44.
[14] - كما ذكر ذلك الدكتور محمد عياط : م س، ص 44.
[15] - نصت المادة 19 من ظهير 1959 على ما يلي: " تشمل الشرطة القضائية ، زيادة على وكيل الدولة ونوابه وعلى قاضي التحقيق الذين هم ضباط سامون للشرطة القضائية ، على من يأتي ذكرهم:
أولا: ضباط الشرطة القضائية
ثانيا: أعوان الشرطة القضائية
ثالثا: الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
أولا: ضباط الشرطة القضائية
ثانيا: أعوان الشرطة القضائية
ثالثا: الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
[16] - نصت المادة 77 من هذا الظهير على أنه:" إذا حضر قاضي التحقيق في عين المكان فإن وكيل الدولة وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن النازلة بموجب القانون ويقوم إذ ذاك بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب.
وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات.
وبمجرد انتهاء تلك العمليات يرسل قاضي التحقيق إلى وكيل جميع وثائق التحقيق ليقرر فيها ما يقتضيه اللازم.
وإذا حل بالمكان وكيل الدولة وقاضي التحقيق في آن واحد فيجوز لوكيل الدولة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات الفصل 91 الآتي بعده ".
وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات.
وبمجرد انتهاء تلك العمليات يرسل قاضي التحقيق إلى وكيل جميع وثائق التحقيق ليقرر فيها ما يقتضيه اللازم.
وإذا حل بالمكان وكيل الدولة وقاضي التحقيق في آن واحد فيجوز لوكيل الدولة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات الفصل 91 الآتي بعده ".
[17] - ظهير شريف رقم 1.02.255 ، صادر بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 3 اكتوبر 2002 ، بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية ، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5078 ، بتاريخ 30 يناير 2003 ، ص 315.
[18] - انظر في هذا الصدد ديباجة القانون 22.01
[19] - هذه المقتضيات منصوص عليها حاليا في المادة 75 من القانون رقم 22.01
[20] - الفقرة الثالثة من المادة 75 من القانون 22.01 النافذ حاليا تستعمل كلمة التحقيق و تنص على ما يلي : " يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر "
و المسودة استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث و جاءت على الشكل التالي: "يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات وثائق البحث ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر ".
و المسودة استبدلت كلمة التحقيق بكلمة البحث و جاءت على الشكل التالي: "يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات وثائق البحث ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر ".
[21] -- تنص المادة 17 على ما يلي : "توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام و مراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المشار اليها في الفرع الخامس من هذا الباب ".
[22] - تنص المادة 19 على ما يلي : " تضم الشرطة القضائية بالإضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك و نوابهما و قاضي التحقيق ، بوصفهم ضباط سامون للشرطة القضائية :
أولا : ضباط الشرطة القضائية .
ثانيا : ضباط الشرطة القضائية المكلفون بالأحداث .
ثالثا: أعوان الشرطة القضائية .
رابعا : الموظفون و الأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
أولا : ضباط الشرطة القضائية .
ثانيا : ضباط الشرطة القضائية المكلفون بالأحداث .
ثالثا: أعوان الشرطة القضائية .
رابعا : الموظفون و الأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية ".
[23] - عبد السلام بنحدو ، الوجيز في شرح المسطرة الجنائية (مع آخر التعديلات 2003) ، مطبعة اسبارطيل ، طبنجة ، 2014 ، ص77.
[24] - Voir : Jean PRADEL, procédure pénale ,op cit , p 24.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن هذا المشروع شكل تراجعا كبيرا عن مبدأ الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق التي أنتجها مدونة التحقيق الجنائية لسنة 1808 و كان هذا من بين أسباب رفضه.
للمزيد من التفاصيل بخصوص هذا المشروع يراجع:
Pierre BOUZAT et Jean PINATEL, traité de droit pénal et de criminologie, t 2, op cit, p 903.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن هذا المشروع شكل تراجعا كبيرا عن مبدأ الفصل بين وظيفتي المتابعة والتحقيق التي أنتجها مدونة التحقيق الجنائية لسنة 1808 و كان هذا من بين أسباب رفضه.
للمزيد من التفاصيل بخصوص هذا المشروع يراجع:
Pierre BOUZAT et Jean PINATEL, traité de droit pénal et de criminologie, t 2, op cit, p 903.
[25] - تنص المادة 16 على ما يلي :
" يمارس مهام الشرطة القضائية القضاة و الضباط و الموظفون و الأعوان المبينون في هذا القسم.
يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه " .
" يمارس مهام الشرطة القضائية القضاة و الضباط و الموظفون و الأعوان المبينون في هذا القسم.
يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه " .
[26] - من بين الذين انتقدوا هذا الوضع نجد:
- د. محمد أحداف الذي علق عليه بقوله: " إذا كان مقبولا اعتبار وكيل الملك ونوابه والوكيل العام للملك ونوابه ضابطا ساميا لكونهم ينتمون لجهاز النيابة العامة، فإنه من الصعب جدا تصور قبول اعتبار قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية، وهذا يعني أن قاضي التحقيق يتعين اعتباره مرؤوسا للوكيل العام للملك". محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة، مطبعة وراقة سجلماسة، مكناس، 2005، ص: 323- 327.
-د.محمد ادريسي علمي مشيشي الذي أشار إلى ما يلي:
« Remarquons tout d abord que la réunion des qualités de policier et de juge par le ministère public, le magistrat instructeur et le juge de Sadade est contradictoire. Le juge dit le droit et tranche un litige alors que le policier s’assure de l’existence de l infraction ». Mohammed DRISSI ALAMI MACHIECHI, procédure pénale, Rabat, 1981, p 109.
- د. عبد السلام بنحدو: "...إلا أن المشرع حينما أعطى لقاضي التحقيق وهو من القضاء الجالس صفة ضابط سامي للشرطة القضائية جعل هذا الأخير تحت رقابة الكيل العام للملك، لأن الفصل 17 ق.م.ج يقضي بأن تجري مراقبة رئيس النيابة العامة على جميع ضباط الشرطة القضائية، فهل يكون قاضي التحقيق خاضعا لمراقبة الوكيل العام للملك كضابط من ضباط الشرطة القضائية؟ بالرغم من أن الوكيل العام للملك يعتبر ضابطا ساميا مثله مثل قاضي التحقيق". عبد السلام بنحدو، الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية، م س، صص، 76-77.
- د.الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، الجزء الأول، الطبعة الأولى، منشورات المجلة المربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، ص: 110.
- د. محمد أحداف الذي علق عليه بقوله: " إذا كان مقبولا اعتبار وكيل الملك ونوابه والوكيل العام للملك ونوابه ضابطا ساميا لكونهم ينتمون لجهاز النيابة العامة، فإنه من الصعب جدا تصور قبول اعتبار قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية، وهذا يعني أن قاضي التحقيق يتعين اعتباره مرؤوسا للوكيل العام للملك". محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة، مطبعة وراقة سجلماسة، مكناس، 2005، ص: 323- 327.
-د.محمد ادريسي علمي مشيشي الذي أشار إلى ما يلي:
« Remarquons tout d abord que la réunion des qualités de policier et de juge par le ministère public, le magistrat instructeur et le juge de Sadade est contradictoire. Le juge dit le droit et tranche un litige alors que le policier s’assure de l’existence de l infraction ». Mohammed DRISSI ALAMI MACHIECHI, procédure pénale, Rabat, 1981, p 109.
- د. عبد السلام بنحدو: "...إلا أن المشرع حينما أعطى لقاضي التحقيق وهو من القضاء الجالس صفة ضابط سامي للشرطة القضائية جعل هذا الأخير تحت رقابة الكيل العام للملك، لأن الفصل 17 ق.م.ج يقضي بأن تجري مراقبة رئيس النيابة العامة على جميع ضباط الشرطة القضائية، فهل يكون قاضي التحقيق خاضعا لمراقبة الوكيل العام للملك كضابط من ضباط الشرطة القضائية؟ بالرغم من أن الوكيل العام للملك يعتبر ضابطا ساميا مثله مثل قاضي التحقيق". عبد السلام بنحدو، الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية، م س، صص، 76-77.
- د.الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، الجزء الأول، الطبعة الأولى، منشورات المجلة المربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، ص: 110.
[27] - استحسن الدكتور محمد عياط منح الصفة الضبطية لقاضي التحقيق، معلقا على ذلك بقوله : " ويلاحظ هنا أن قاضي التحقيق هو قاضي جالس خلافا لبقية ضباط الشرطة القضائية على غرار قضاة النيابة العامة، وقد أحسن المشرع إذ منحه رتبة ضابط سامي للشرطة القضائية على غرار قاضي النيابة العامة الشيء الذي يمكنه أن يتمتع تجاههم بشيء من الاستقلال". محمد عياط، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، الجزء الثاني، م س، ص،: 18.
ويلاحظ أن الدكتور محمد عياط برر استحسانه هذا بالاستقلال عن النيابة العامة، ولا نريد أن نقول الدكتور محمد عياط ما لم يقله، لكننا نرى أن استعماله لعبارة بشيء من الاستقلال اعتراف ضمني بعدم استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة ، كما أن فيه إشارة إلى تأثر المشرع المغربي بالتوجيه القديم للمشرع الفرنسي بخصوص هذه المسألة.
ويلاحظ أن الدكتور محمد عياط برر استحسانه هذا بالاستقلال عن النيابة العامة، ولا نريد أن نقول الدكتور محمد عياط ما لم يقله، لكننا نرى أن استعماله لعبارة بشيء من الاستقلال اعتراف ضمني بعدم استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة ، كما أن فيه إشارة إلى تأثر المشرع المغربي بالتوجيه القديم للمشرع الفرنسي بخصوص هذه المسألة.
[28] -. كان الدكتور أحمد الخمليشي من الذين لم يعلقوا على هذه المسألة ، مكتفيا بعرض المقتضيات القانونية المرتبطة بها ، و بهذا لم نتمكن من معرفة رأيه بخصوصها .لكن الظاهر أنه بعدم تعليقه لم ير في ذلك إشكالا ، لأنه لو كان يعارضها لتطرق اليها بتفصيل .
انظر بشأن هذا : أحمد الخمليشي : - شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة ، ص 264.
- شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، ص 11.
انظر بشأن هذا : أحمد الخمليشي : - شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة ، ص 264.
- شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، ص 11.
[29] - أورد الدكتور محمد أحداف ما يلي في كتابه: "وقد جاء في العرض التمهيدي لمسطرة 10 فبراير 1959 خلال تعرضها لذكر الاعتبارات المبررة لهذا الاختيار : وهي على أية حال ظروف استثنائية، لسعة تراب المملكة وقلة الأطر". محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، م س، ص 326.
[30] - هذا إذا سلمنا بوجاهة و مقبولية هذا التبرير.
[31] - النص الحالي يستعمل عبارة ملف التحقيق والأصح هو ملف البحث كما جاءت بذلك مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
[32] - الفقرة 3 من المادة 75 من ق.م.ج.
[33]- Voir : Olivier TRILLES , essai sur le devenir de l’instruction préparatoire , thèse de doctorat , université des sciences sociales de Toulouse 1 , faculté de droit ,juin 2005 , p 16 .
[34]-« En séparant les fonctions on protège mieux les libertés individuelles car des magistrats différents vont pouvoir se contrôler, les excès de l’un étant compensés par la prudence de l’autre le risque de partialité constituait une crainte évidente du législateur ». Jean PRADEL, procédure pénale, op cit, p 21.
Voir aussi : Pierre CHAMBON, le juge d’instruction : théorie et pratique de la procédure, op cit , p 65 et s .
Voir aussi : Pierre CHAMBON, le juge d’instruction : théorie et pratique de la procédure, op cit , p 65 et s .
[35] - أنظر ما سبق توضيحه في الفقرة الأولى من المطلب الأول.