مقدمــة
يتمتع الإنسان منذ ولادته بالشخصية القانونية التي تؤهله لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات لأداء دوره في المجتمع. إلا أن عجز الإنسان عن تحقيق حاجياته بمفرده أدى به إلى التكتل مع الآخرين لأنه كائن اجتماعي بطبعه وذلك قصد تحقيق أهدافه، وتبعا لذلك تعددت التجمعات والتكتلات البشرية واستهدفت تحقيق المشاريع التي عجز الإنسان عن إنجازها منعزلا عن محيطه. ولتحقيق هذا المبتغى، أصبح من الضروري التفكير في الاعتراف بتلك التجمعات البشرية كأشخاص وكيانات قانونية تتميز عن الأفراد المكونين لها. وهكذا أضاف التطور القانوني إلى مجاله، الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية، وترتبت لها هي الأخرى حقوق متعددة ومختلفة، كما أنيطت بها التزامات مختلفة، تندرج في نطاق تطوير المعاملات القانونية والاجتماعية، سواء في إطار علاقات الخواص فيما بينهم أوفي إطار القانون العام. ويميز عادة بين نوعين من الأشخاص المعنوية الأشخاص المعنوية الخاصة ثم الأشخاص المعنوية العامة، معيار التمييز قائم على أساس النظام القانوني الذي تخضع له كل من الفئتين. وتبعا لاعتبارات المشرع فالشخص المعنوي أوالاعتباري هو:" مجموعة من الأشخاص أو الأموال منحها المشرع الشخصية القانونية التي تؤهلها لاكتساب الحقوق وتفرض عليها بعض الواجبات " ومعنى ذلك أن تخويل الشخصية المعنوية للشخص المعنوي يعني تخويله حق القيام ببعض التصرفات، تترتب عنها نتائج مشتركة بين الأشخاص المعنوية العامة والخاصة على حد سواء. حيث يعترف القانون لها بنفس الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي، ماعدا تلك المرتبطة بطبيعة الإنسان، وتتلخص أهم هذه الحقوق فيما يلي:
- الذمة المالية المستقلة
- الأهلية القانونية المستقلة
- حق التقاضي
- الموطن المستقل
- وجود نائب يعبر عنه
والقاعدة العامة أن التمتع بالحقوق يستتبع التزامات، أي يرتب المسؤولية لأنه حيث توجد السلطة توجد هذه الأخيرة. وانطلاقا من هذه الفكرة، فجميع الأشخاص المعنوية تتحمل مسؤوليتها عن أعمالها وهذه المسؤولية قد تكون مسؤولية إدارية بالنسبة للأضرار الناتجة عن الاعمال التي يتخذها الشخص المعنوي العام، وقد تكون مسؤولية مدنية بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة، أومسؤولية جنائية عن الأعمال المنسوبة إليها كما هو الأمر بالنسبة للجمعيات أو النقابات التي قد تواجه عقوبة حلها نتيجة قيامها بأعمال غير شرعية . وما يهمنا هو مسؤولية الأشخاص المعنوية الخاصة لنتساءل عن مسؤوليتها الإدارية عن قراراتها الإدارية الموسومة بشطط في استعمال السلطة. فالقرار الإداري كمبدأ عام لا يصدر إلا من جهة إدارية، والأشخاص المعنوية الخاصة لها امتيازات السلطة العامة. غير أنها تخضع في نظمها لقواعد القانون الخاص، تبرز معه قيمة الموضوع النظرية التي تزاوج بين قواعد القانون العام ومقتضيات القانون الخاص، أي امتيازات السلطة العامة وضمانات الأفراد. على أن الاهمية العملية تتجسد في ضرورة توافر شروط القرار الإداري للقول بانعقاد الاختصاص للمحاكم الإدارية للنظر في المنازعات المعروضة في هذا الباب. تتسع معه الهوة في ظل امتداد تدخل الدولة التي خصصت بعد المرافق العمومية التي توازي الخواص في وضعياتها وخاصة عند تحويل شخص مرفقي (مؤسسة عامة) من القطاع العام إلى القطاع الخاص وخاصة المنشآت العامة المنظمة بالقانون رقم 89-39 الذي يؤذن بموجبه للحكومة في ذلك .
وعليه تتحدد إشكالية البحث في مدى اعتبار القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص المتعاقدة مع أشخاص القانون العام قرارات إدارية ؟ ومن هي الجهة المختصة بالنظر بالطعون الموجهة ضدها؟وما مدى قابلية قرارات أشخاص القانون الخاص للطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري المغربي بصفة عامة؟
وهو ما سنتناوله بالدراسة والتحليل وفق التصميم التالي:
التصمـيـم
مقدمــة
المبحث الأول: تحديد طبيعة أشخاص القانون الخاص
المطلب الأول: الطبيعة القانونية لأشخاص القانون الخاص
الفقرة الأولى: الفرضيات التنظيمية أو القانونية
الفقرة الثانية: الفرضيات العقدية أو التعاقدية
المطلب الثاني: أشخاص القانون الخاص
الفقرة الأولى: الهيآت المهنية والهيآت الخاصة
الفقرة الثانية: الشركات العمومية والجمعيات
المبحث الثاني: الطعن بالإلغاء في قرارات أشخاص القانون الخاص
المطلب الأول: إجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى
الفقرة الأولى : القرارات الصادرة عن هيئات مهنية
الفقرة الثانية: القرارات الصادرة عن الجمعيات
المطلب الثاني: مقاربة المحاكم الإدارية من القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص
الفقرة الأولى: اجتهاد المحاكم الإدارية من القرارات الصادرة عن الشركات العمومية ذات الإقتصاد المختلط
الفقرة الثانية: إجتهاد المحاكم الإدارية من القرارات الصادرة عن الجمعيات
خاتمــــة
المبحث الأول:تحديد طبيعة أشخاص القانون الخاص
لقد أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الآونة الأخيرة إحدى المفاهيم المتداولة بشكل كبير على مستوى الإسهامات القانونية وأدبيات المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والخطب الرسمية والندوات العلمية ولقد شكل تطور هيئات خاصة للقيام بتنفيذ مهام المرفق العام تأثيرا على مفهوم السلطة الإدارية باعتبار صدور قرارات إدارية عن هيئات غير إدارية في إطار قيامها بنشاط مرفق عام مناطه خدمة المصلحة العامة.
لذلك نجد لزاما تحديد الطبيعة القانونية لأشخاص القانون الخاص كمطلب أول وفي ظل ظهور مؤسسات مختلطة يصعب عضويا تصنيفها ضمن أشخاص القانون العام أو الخاص، وهذا ما أطلق عليه اصطلاحا في بداية الأمر بالأشخاص العمومية غير المسماة سنحاول تحديد أشخاص القانون الخاص في ظل تضارب وعدم تطابق المعيار المادي والمعيار الموضوعي في تحديد مفهوم المرفق العام كمطلب ثاني.
المطلب الأول: الطبيعة القانونية لأشخاص القانون الخاص
الفقرة الأولى: الفرضيات التنظيمية أو القانونية
قد يعهد المشرع إلى إنشاء بعض الهيئات لإدارة المرافق الاقتصادية ويمنحها امتيازات السلطة العامة دون أن تعتبر مع ذلك مؤسسات عامة. وقد يعهد المشرع أيضا بتنفيذ المرفق العام إلى هيئات خاصة. وتزداد المشكلة صعوبة مع تزايد الهيئات الخاصة التي لا تدير مرافق عامة، وإنما تمارس مع ذلك نشاطا يمثل فائدة عالية تبرر إضفاء صفة النفع العام عليها
Etablissement d’utilité publique
فيثور البحث عن معيار يميزها عن المؤسسات التي تخضع لأحكام القانون العام.
والمبدأ في التميز بين الهيئات الخاصة والمؤسسات العامة، يتلخص في أن القاضي يبحث عن نية السلطات العامة عند إنشاء الهيئة محل الاعتبار، هل أرادت إنشاء مؤسسة عامة أو مجرد هيئة خاصة لمباشرة نشاط ذي نفع عام. فإذا ظهرت هذه النية بوضوح من خلال عبارات قرارات إنشاء الهيئة فلا توجد مشكلة. ولكن المشكلة تثار حينما لا تظهر هذه النية فيعتمد القاضي في البحث عنها على مجموعة من المعايير والمؤشرات يبحث كل حالة على حدة، ويأتي في مقدمته ميعاران:
1- معيار مصدر الإنشاء: فإذا أنشئت الهيئة من قبل السلطات العامة تعلق الأمر بمؤسسة عامة، أما إذا أنشت بمبادرة خاصة تعتبر هيئة خاصة.
2- معيار مدى تمتع الهيئة بامتيازات السلطة العامة (مثلا سلطتها في تحديد الأسعار وفي فرض الالتزامات على الغير ومدى توافر نشاطها على صفة الاحتكار...) فإذا تمتعت الهيئة بمثل هذه الامتيازات تعتبر مؤسسة عامة. ولكن هل يكفي توافر هاذين المعارين للقول بتوافر شروط القرار الإداري وانعقاد الاختصاص للقضاء الإداري؟
؛لمعرفة مجال تدخل القاضي الإداري يتوجب علينا تحديد القرارات التي يمكن أن تطالها رقابة المشروعية أو بصيغة أخرى القرارات التي يمكن الطعن فيها بالإلغاء
وإذا كان لا أحد يجادل في قابلية قرار إداري للإلغاء فإن المشكل المطروح يتعلق بالعلاقات التعاقدية. فدعوى الإلغاء لا يمكن توجيهها ضد العقد نفسه لأنها تفترض وجود قرار إداري بالدرجة الأولى، بينما العقد الإداري ليس قرارا منفردا بل عملا قانونيا ينشأ عن توافر إرادتين. وبتحليل العقد الإداري يمكن التمييز بين أعمال ذات طابع تعاقدي وأخرى ذات طابع انفرادي، وهاته الأخيرة هي التي يمكن الطعن فيها بالإلغاء لأنها قرارات منفصلة عن العقد. ويرجع الفضل للقضاء الفرنسي في إرساء دعائم هذه النظرية، فبعدما كان يرفض فكرة الطعن بالإلغاء ضد عقد إداري باعتباره وحدة قانونية غير قابل للتجزئة، وأصبح حاليا يقبل بإمكانية الطعن الموجه ضد قرارات إدارية منفصلة عن العقد. مما مكن من تجاوز إمكانية طلب إبطال العقد كله مع ما يتطلبه من شروط وتعقيدات، حيث أن هذه الدعوى لا يمكن توجيهها إلا من قبل أحد أطراف العقد ولا يختص بالنظر فيها سوى قاضي العقد وليس قاضي الإلغاء، كما أنها توجه ضد العملية التعاقدية كلها.
لقد ثار جدل كبير حول الطبيعة القانونية لشركات القطاع العام إبان وجودها. فهناك من يرى أنها تعتبر من أشخاص القانون العام وقراراتها تعتبر قرارات إدارية تبعا للصفة القانونية للمؤسسات العامة التي تتبعها هذه الشركات. وهناك من يؤكد أنها من أشخاص القانون الخاص فلا تعتبر قراراتها إدارية ولا يختص بنظر المنازعات المتعلقة بها سوى القضاء العادي. ويتعلق الأمر بالعديد من الفرضيات فسر فيها الاجتهاد والأنظمة بأنها تعهد بتنفيذ مهام مرفق عام إلى هيئات بدون أن تكون ضمن أشخاص القانون العام كالجمعيات والنقابات والشركات. فشكلها القانوني وإطارها التنظيمي يخضع لأحكام القانون الخاص وبالتالي فبحصر الشروط المتعلقة بالقرار موضوع الطعن بالإلغاء والذي يستهدف إلغاء القرار الإداري غير المشروع نجدها تتجسد في الآتي"
- أن يكون القرار صادرا عن سلطة إدارية
- أن يكون نافذا ومؤثرا في المركز القانوني للطاعن.
وعليه فإنه يخرج من نطاق دعوى الإلغاء ما يلي .:
وفي هذا الصدد فقد اعتبر قرار المجلس الأعلى أن قرارات الرابطة الإسرائيلية التي هي جمعية خاصة لا تعتبر إدارية. وبالتالي لا يمكن أن تعرض تلك القرارات على المجلس الأعلى في نطاق دعوى الإلغاء. كما قضت المحكمة الإدارية بأكادير بأن النزاع بين أشخاص القانون الخاص يخرج عن دائرة الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية. ويندرج ضمن الهيئات الخاصة بعض المؤسسات أو الجمعيات التي تقوم ببعض الأنشطة ذات النفع العام كجمعية الهلال الأحمر والأندية الرياضية. غير أن القضاء الإداري استثناءا وسع من مجال اختصاصاته بتطبيقه للمعيار المادي إلى جانب المعيار العضوي في تحديد القرار الإداري وقبل الطعن في قرارات الجمعية الملكية للريكبي حتى وإن كانت من أشخاص القانون الخاص مادامت مكلفة بتسيير مرفق رياضي وتستعمل وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة .
ولكي يكون القرار قد أثر في المركز القانوني للطاعن ينبغي أن يكون قد ألحق ضررا بمصالح الطاعن المادية أو المعنوية. وعليه فالقرارات التي لا تولد آثارا لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء .
لقد حرص الفقه والقضاء على إيجاد معيار يمكن الاستناد إليه في التمييز بين المرفق العام وغيره من الهيئات الخاصة، وهذا المعيار ينحصر في معرفة قصد السلطات العامة بصدد نشاط معين. ويتبين هذا القصد بالدرجة الأول من خلال نصوص القوانين، فإن ورد فيها ما يحدد صفة المرفق فلا يبقى أي إشكال، فإن لم يوجد نص يكشف عن قصد السلطة العامة أو كان النص غير واضح، فيحال عند ذلك إلى القرائن لمعرفة قصد السلطات العامة، وهل أرادت أن تقيم مرفقا عاما أم أنها أرادت فقط إضفاء صفة النفع العام على المشروع الخاص. ومن هذه القرائن:
- ممارسة المرفق العام لوسائل القانون العام وامتيازاته الممنوحة له من قبل السلطات العامة، كنزع الملكية للنفع العام أو حتى التنفيذ المباشر.
- أيضا إذا كانت النصوص المنظمة للمرفق تتضمن قواعد خاصة تختلف عن قواعد القانون الخاص.
- أو إذا كانت الأشخاص العامة قد احتفظت بالرقابة على سير المرفق العام والمصادقة على قراراته مثلا. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه القرائن ليست قيمة مطلقة في الدلالة، وإنما هي قرائن كاشفة عن قصد السلطات العامة، يستعين فيها القاضي الإداري في حكمه خاصة وقد أصبحت الرساميل وطرق التدخل للقطاعين العام والخاص تعاونية وتضامنية وتكاملية، بحيث يمكن أن يتناوب في تحقيق نفس الأهداف، من خلال الاتفاق على هدف مشترك والسماح لكل شريك أن يخدم مصالح الآخر مع الاحتفاظ بخصوصيته مما يجعل كل واحد منهما محتاج للآخر. فالإجماع اليوم محقق حول اعتبار أن الدولة العصرية عليها أن تتجنب العلاقات الرقابية مع شركائها الخواص والاستثمار في كل القطاعات وتدبير التفاصيل، وتقتصر عملها على الوظائف الأساسية السيادية والضبطية، مما سيضمن تحررها من عدد من الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها الخواص، لضمان أفضل للمصلحة العامة وتوجيه عملها نحو القطاعات الاجتماعية الأساسية. ولعل عجز الأساليب التقليدية للشراكة كالامتياز والتدبير المفوض وشركات الاقتصاد المختلط عن تحقيق التنمية المستدامة كان وراء البحث عن أساليب حديثة لعقود الشراكة بمفهومها المنبثق عن القانون الفرنسي بموجب الأمر الجمهوري الصادر في 17 يوينو 204 المعدل بمقتضى القانون الصادر في 28 يوليوز 2008 المادة الأولى من القانون المشار إليه أعلاه تعرف عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص على النحو التالي: "عقد إداري يعهد بمقتضاه أحد أشخاص القانون العام إلى أحد أشخاص القانون الخاص القيام بمهمة شاملة تتعلق بتمويل الاستثمار المتعلق بالأشغال والتجهيزات الضرورية للمرفق العام وإدارتها واستغلالها وصيانتها طوال مدة العقد المحددة وفق طبيعة الاستثمار أو طريقة التمويل في مقابل مبالغ مالية تلتزم الإدارة المتعاقدة بدفعها إلى شركة المشروع بشكل مجزء طوال مدة الفترة التعاقدية". والجدول التالي يوضح بشكل منهجي العناصر المكونة لعقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص .
أنواع التركيبات التعاقدية الشراكة بين العام والخاص
الطبيعة القانونية للعقد استثناءا للقانون العادي للطلبيات العمومية
الموضوع المهام الموكولة على عاتق نائل الصفقة تهدف إلى تسيير المرفق العام إما عن طريق التمويل والتصميم والإنجاز والاستغلال وصيانة التجهيزات العمومية وإما عن طريق التمويل وتدبير المرفق العام.
المدة عقد الأمد الطويل
التمويل تمويل عمومي مع تمويل سابق خاص
المقابل المالي المتعاقد في إطار الشراكة بين العام والخاص يتقاضى مقابلا دون ارتباطه بنتائج الاستغلال
الإشراف على المشروع خاص في حالة التصميم، البناء والاستغلال
المسطرة مسطرة الإشهار والحوار بين الأشخاص العامة والمترشحين الذين لهم ضمانات مهنية ومالية تتناسب مع أهداف وطبيعة الشراكة بين العام والخاص
تعديل العقد عقود الشراكة بين العام والخاص تتضمن بنودا تتعلق بإجراءات التعديل خصوصا الشروط والتتبع
المخاطر تقاسم المخاطر بين الطرفين بطريقة موضوعية وواضحة.
الفقرة الثانية: الفرضيات العقدية أو التعاقدية
ترمي دعوى الإلغاء إلى تحقيق المصلحة العامة، فإلغاء القرار الإداري لا يعني إلا شيئا أساسيا هو محو نتائج عدم المشروعية، الشيء الذي يدفع بالإدارة إلى الاتعاظ وعدم مخالفة القانون. لذلك قيل بأن حكم الإلغاء له حجية مطلقة في مواجهة الكافة، مادام الإلغاء لا يتقرر لفائدة الطاعن فقط، وإنما هو بالأساس لفائدة المشروعية التي هي لفائدة الجميع داخل نفس المجتمع، ومن تم فالقرار إذا ما ألغي مرة واحدة، لا يقبل طلب إلغائه مرة ثانية ولو تعاقب الطاعنون أو كما قال الفقيه "هوريو" بأن: "دعوى الإلغاء هي وسيلة موضوعية للبطلان منظمة لتحقيق حسن سير العدالة" وإذا كان المبدأ العام هو أن يتمتع أشخاص القانون العام بامتيازات السلطة العامة والمرفق العام فإن هذا الأصل قد ينقل إلى أشخاص القانون الخاص. حيث يمكن للإدارة أن تكلف أحد الشركات الخاصة بتسيير مرفق عمومي بمقتضى عقد عن طريق أساليب الإدارة في التعاقد خاصة الأساليب الخاصة وتكون وظيفة الأشخاص الخاصة متعلقة بالتسيير الكلي للمرفق (طريقة الامتياز أو طريقة التسيير المفوض) أو الجزئي الذي ينحصر في الاستغلال المباشر (الإنابة).
ويتدخل الشخص الخاص إما لحسابه أو نيابة عن الإدارة صاحبة المشروع وفي جميع الأحوال يخضع لمراقبة هذه السلطة أو من ينوب عنها.
ورغم اختلاف وتعدد الأساليب الخاصة في تدبير المرافق العامة. فإنها لا تخرج عن مبادئ المرفق العام، لاسيما ما يخص تواجد الدولة وإشرافها على مختلف الأنشطة المدارة بتلك الأساليب والتي تستهدف تحقيق المنفعة العامة، مع أن غاية الخواص من وراء تلك الأنشطة تكمن في تحقيق الربح وفيما يلي خطاطة تحدد طرفي عقد الامتياز، الإدارة مانحة الامتياز (الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية) صاحب الامتياز أو الملتزم (فرد أو شركة خاصة وشركة اقتصاد مختلط، مؤسسة عامة) على النحو الآتي:
وعلى العموم فإن الملتزم سواء كان فردا أو شركة خاصة أو شخصا معنويا عاما يلتزم بإدارة مرفق عمومي يحدده عقد الامتياز يكون في الغالب مرفقا ذو صبغة تجارية أو صناعية كمرفق السكك الحديدية والموانئ وتوزيع الماء والكهرباء والنقل... على أنه يمكن تصور إدارة مرافق من نوع آخر بموجب عقود الامتياز، إذ بات واضحا أن أداء مقابل عن الخدمة المرفقية من لدن المرتفق لا يفرض بالضرورة الطابع التجاري أو الصناعي للمرفق، وذلك في إطار التطور الذي عرفه أسلوب امتياز المرافق الإدارية بفرنسا.
وما ينبغي الإشارة إليه أن الإدارة تتمتع بسلطة واسعة أثناء اختيار المتعاقد، أما تنفيذ العقد فقد تتوفر الإدارة على صلاحيات وامتيازات كبيرة تستطيع بموجبها إدخال التعديلات الملائمة بدون أن يكون للمتعاقد الحق في الاحتجاج. ونظرا للطابع الإداري للعقد يكون المتعاقد ملزما بالاستمرار في تنفيذه (ما عدا في حالة القوة القاهرة) وتعتبر النزاعات الناشئة داخله في اختصاص القضاء الإداري الذي يتدخل لإلغاء كل الشروط التي من شأنها إضعاف مركز المتعاقد أو لأجل منحه تعويضات عن الأضرار الناتجة عن تدخل الإدارة. ويدخل ضمن هذه الفرضيات عقد امتياز المرافق العامة، خصوصا وأن المغرب عرف مجموعة من التجارب التي تسير نحو إشراك الخواص في إشباع الخدمات العامة للمواطنين، ويعتبر عقد التدبير المفوض كأهم إطار تعاقدي تفوض بموجبه الدولة مرفقا عموميا لشخص من الأغيار سواء كان من القطاع العام أو الخاص قصد تقديم الخدمات المرتبطة به مقابل تحليل أجرة وربح من ذلك. وينبغي الإشارة إلى أن القضاء المغربي اعتبر بأن عقد الامتياز ذا طبيعة مركبة أي يشمل نصوص تنظيمية وتعاقدية. وهناك مجموعة من القرارات صادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تؤكد على الطابع التنظيمي والتعاقدي لعقد الامتياز، ففي هذا الصدد نشير إلى قرار وزير الأشغال العمومية الذي يلزم شركة ماروكسيس على تغيير مصدر الطاقة من مدينة سبتة إلى مصدر آخر قصد تفادي المشاكل الجمركية من قبل النصوص التنظيمية، وأن الإدارة تملك حق تعديل الشروط التنظيمية لمرفق عام دون حاجة لموافقة صاحب الامتياز لأنها تستمد السلطة من طبيعة المرافق ووجوب الحرص على استمراريته.
هكذا يتعين التمييز بين القرارات المتعلقة بتنظيم مرفق القضاء مثلا والقرارات الخاصة بتسيير المحاكم، فالأولى (مثلا إحداث محكمة أو تعيين القضاة أو إحداث مناصب للعمل...) يجوز الطعن فيها بالإلغاء أما الثانية المرتبطة بممارسة الوظيفة القضائية فلا يجب الطعن فيها. وتدرج مع الأحكام القضائية بالمغرب بعض القرارات الصادرة عن بعض الهيئات المهنية حيث تعتبر القرارات التي تتخذها هذه الأخيرة فيما يتعلق بتسجيل أعضائها أو القرارات التأديبية في حقهم قرارات قضائية تخضع للمراقبة القاضية عن طريق الاستئناف وليس عن طريق دعوى الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة. هكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط بأنها غير مختصة بالبث في طلب الإلغاء ضد المقررات التأديبية الصادرة عن المجلس الوطني للأطباء . وفي قرار للمحكمة الإدارية بمراكش عدد 84 بتاريخ 29/1 1996 اعتبر أن: "لما كانت شركات القطاع العام شركات تجارية من أشخاص القانون الخاص، وحيث أن شركة التبغ المدعى عليها كانت تستغل احتكار التبغ بمقتضى اتفاقية الامتياز المبرمة بينها وبين الدولة بتاريخ 1967، فإن علاقتها مع المتعاقدين معها تبقى خاضعة لقواعد القانون الخاص .
ولعل التطور الحاصل في مفهوم المرفق العام حتم على القضاء الإداري اعتبار الجهة المصدرة للقرار للقول بانعقاد الاختصاص للمحاكم الإدارية متى كانت هذه القرارات صادرة عن سلطة إدارية، أمكن الطعن فيه بالإلغاء في مراحله الأولى. فإنه تراجع هذا المعيار ليأخذ بالمعيار الموضوعي في بعض أحكامه وقراراته ليقبل الطعن بالإلغاء في قضايا أشخاص القانون الخاص. مما يفرض ضرورة تحديد أشخاص القانون الخاص لتمييزها عن أشخاص القانون العام موضوع المطلب الموالي.
المطلب الثاني: أشخاص القانون الخاص
إن تنوع مجالات تدخل الدولة وتوسيع وظيفتها بغية تحقيق قدر كبير من المصلحة العامة، كان مصحوبا بتنوع وسائل هذا النشاط المتمثل في المرافق العمومية، الأمر الذي استدعى البحث عن نظام قانوني موحد لتنظيمها وضبط سيرها. وتتمثل صعوبة تسيير المرافق العمومية في تعدد المعنيين بنشاطها فلا ينحصر التدخل في الجهة الإدارية التي أنشأتها، بل يتعداه ليشمل أشخاص القانون الخاص في كثير من الأحيان.
ولما كانت هذه الأخيرة بمثابة كل هيئة مرتبطة بمرفق عمومي تتولى ممارسة نشاطه كالهيئات المهنية والجمعيات الرياضية أو مكلفة بتسييره كالشركات العمومية (وطنية أو ذات اقتصاد مختلط وشركات الامتياز والتدبير المفوض) فإنه ينبغي محاولة حصر هذه الهيآت الخاصة من أجل ملامسة حالاتها لتحديد الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عنها من خلال استعراض قرارات وأحكام القاضي الإداري وكيفية التعامل معها كمحاولة منا لاستجلاء الغموض الذي يكتنف أشخاص القانون الخاص، على أن نغوض في قراراتها القابلة للطعن بالإلغاء من خلال مقاربة الاجتهاد القضائي الإداري المبحث الثاني.
الفقرة الأولى: الهيآت المهنية والهيآت الخاصة
الهيآت المهنية أشخاص معنوية خاصة تهدف إلى تحقيق أهداف ذات طابع مهني، تتمثل في الدفاع عن المصالح المهنية والمشتركة للأعضاء المنتمين إليها. ولتحقيق هذه الأهداف فإن المشرع اعترف لها بأهمية واسعة حتى تتمكن من الدفاع عن هذه المصالح. وموضوع نشاطها رقابة وتوجيه النشاط المهني يخولها القانون بعض حقوق السلطة وامتيازاتها ويعهد بإدارتها لأفراد ينتمون إلى المهنة ذاتها تحت إجراءات قانونية معينة. وتنقسم هذه الهيآت في أصلها إلى صنفين:
- النقابات المهنية : نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة الخبراء والمحاسبين، نقابة المحاماة.
- الغرف المهنية: كالغرفة التجارية والصناعية والغرف الصناعية التقليدية والغرف الفلاحية.
اختلفت الآراء حول الطبيعة القانونية للهيآت المهنية. هل هي من أشخاص الخاص أو العام؟ لم يحدد التشريع بصريح العبارة الطبيعية القانونية العامة أو الخاصة لهذه الهيآت. حيث اكتفى المشرع المغربي بالنسبة لجميع الهيئات على النص بتمتعها بالشخصية المعنوية أو المدنية أو الاعتبارية بشكل مجرد. وبالتالي تعتبر من قبل أشخاص القانون الخاص. أما بالنسبة للغرف المهنية فإنها تعتبر وبنص القانون مؤسسات عامة ويطبق عليها النظام القانوني الخاص بهذه المؤسسات. ونظريا تبدو الهيآت المهنية كإفراز لحقيقتين متقابليتن: حقيقة تدخلية قائمة على التوجيه، من هنا يرى الدكتور محمد يحيا في الهيئات المهنية "أداة للسلطات العمومية بمعنى اهتداء للإدارة المركزية" وحقيقة مهنية ونقابية، وكون هذه الهيئات تجمعات خاصة تحكمها غايات المنفعة المتنامية مع كل عزم لمهام ذات منفعة أو خدمة عامة.
ولعل تمتع أشخاص القانون الخاص بامتياز القانون العام خاصة أثناء تسيير المرافق العمومية يخولها الاستفادة من اتخاذ بعض لقرارات الفردية والاستفادة من الاحتلال المؤقت. وهذا يقودنا حتما إلى تقنية التدبير المفوض الذي يخول بموجبه لشخص من أشخاص القانون الخاص التعسف في استعمال الحق بموجب تقنية التفويض متغاضية عن كون هذا الأخير نسبي وليس مطلق. وبالتالي يوسم بعدم المشروعية ويرتب التعويض عن الضرر ويسوغ الطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء الإداري. فقد نصت قاعدة لحكم إدارية الرباط .
- "عقود الامتياز تفويض اختصاصات الشرطة الإدارية
- الوقوف المؤدى عنه على الطريق العام، منح امتياز تدبير المرفق من طرف مجلس بلدية إلى شركة خاصة – محتوى عقد الامتياز، مقتضيات تنظيمية من شأنها تفويض صلاحيات الشرطة الإدارية – عدم مشروعيتها ... نعم
- الضرر الناجم عن ممارسة نشاط غير مشروع ... التعويض عنه .. نعم"
- حيث عللت المحكمة إلغاءها قولا بالاتي:
" وحيث إنه بعد فحص شرعية البنود التنظيمية المتعلقة بتنظيم تدبير مرفق الوقوف المؤدى عنه على الطريق العام وثبوت استنادها إلى تفويض لممارسة صلاحيات
الشرطة الإدارية الجماعية – مادام لا يوجد ما يمنع المحكمة قانونا من مراقبة مدى شرعية الشروط التنظيمية لعقد الامتياز لا بهدف إلغائها، في نازلة الحال بل بهدف ترتيب تعويض عن الضرر بالجهة المدعية إذا كانت هاته المراقبة ضرورية لتحديد المسؤولية والتعويض – يتبين بأن نشاط الشركة وممارستها لصلاحيات الشرطة الإدارية غير مستند على أساس قانوني سليم، ويتعين بالتالي ترتيب مسؤوليتها عن الأضرار اللاحقة بالمرتفقين في هذا الإطار.
وحيث أن إقدام الجهة صاحبة الامتياز أعلاه على ممارسة صلاحيات الشرطة الإدارية، الغير القابلة للتفويض بطبيعتها، بناءا على الشروط التنظيمية لعقد امتياز مرفق عمومي، خلصت المحكمة إلى عدم شرعيتها. تسبب بصفة مباشرة في حدوث ضرر للمدعي تمثل في أداءه لمبلغ مالي غير مستحق الأداء لفرضه استنادا إلى مساطر وممارسات تثبت عدم شرعيتها، مما يتعين معه تعويضه على الضرر اللاحق به في هذا الإطار.
وحيث أن التعويض هو الوسيلة القانونية لجبر الضرر"
ولعل الاستئناس بهذا الحكم المتعلق بالتعويض، يجعلنا نقف على ضرورة حتمية في مجال القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء الصادر عن أشخاص القانون.
فقرارات الهيآت المهنية الخاصة بتسجيل أعضائها في سجلات الهيئة أو القرارات الخاصة بتنظيم الهيئة ككل قرارات إدارية قابلة أساسا للطعن بالإلغاء للشطط في استعمال السلطة شريطة أن تؤثر في المراكز القانونية للأشخاص مع مراعاة مبدأ الحقوق المكتسبة واحترام آجال الطعن.
هذا ما يتعلق بالهيئات المهنية. أما بخصوص الهيئات الخاصة وهي المؤسسات الخاصة التي تدير مرفقا عاما أو ما يصطلح عليه بجماعات الأموال
Fondation
التي تهدف إلى تحقيق أغراض إنسانية اجتماعية ثقافية بواسطة رصد أموال دون تحقيق ربح مادي، وتأخذ هذه المؤسسات طابعا دينيا أو غير ديني، فبخصوص المؤسسات غير الدينية، قد تكون مجموعة من الأموال رصدت لأغراض معينة غير ربحية بعد تمتعها بالشخصية المعنوية والاعتراف لها بصفة المنفعة العامة. كما قد تكون على شكل مقاولات خاصة ذات أهداف خيرية إنسانية كالمؤسسات الخيرية فإن صدور بعض الأحكام، كالقرار المتعلق بالصندوق التعاضدي للمساعدة والحماية caisse primaire aide et protection
الصادر عن مجلس الدولة في 13 ماي 1938 جاء ليضع حدا للمفهوم العضوي للمرافق العمومية الذي كرسه الفقه الكلاسيكي، كما كرس هذا الحكم إلى جانب تسيير المرافق العمومية من طرف أشخاص القانون العام إمكانية وجود مرافق تدار من طرف أشخاص القانون الخاص، وقد أسهم هذا القرار فيما يطلق عليه بأزمة المرفق العام، إذ مكن من ظهور رسالة جديدة من المرافق العمومية المسيرة من طرف أشخاص القانون الخاص وتعتبر ذات طابع إداري وتخضع للقضاء الإداري، كما أدخل فكرة المؤسسة الخاصة التي تدير مرفقا عاما .
يستنتج معه في الأخير أن الهيئات المهنية والهيئات الخاصة بتعدد أشكالها أصبحت تنبري ضمن قاعدة الخضوع لاختصاص القاضي الإداري. ولكن رغم ذلك فإننا نرى بأن بعض القوانين تحتاج إلى ملاءمتها مع بعضها، ومنها ما تحتاج إلى ملاءمتها مع طبيعة القضاء الإداري فمثلا ينص الفصل 41 من ظهير 07/08/1996 المغير والمتمم للظهير الشريف الصادر بتاريخ 21/03/1984 المتعلق بهيئة الأطباء على أن المقررات التأديبية الصادرة عن المجلس الوطني للأطباء يطعن فيها أمام المجلس الأعلى، والملاحظ أن القانون الصادر سنة 1996 جاء لاحقا على القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية الصادر في 10/09/1993 والذي ينص في مادته الثامنة على ما يلي: " تختص المحاكم الإدارية مع مراعاة أحكام المادتين9 و 11 من هذا القانون بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة ..".
وبما أن هذه المادة جاءت عامة، فبمعنى هذا أن الجهة القضائية التي يطعن أمامها في القرارات الإدارية عن طريق دعوى الإلغاء، هي المحاكم الإدارية باستثناء المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول وقرارات السلطة الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية والتي يطعن فيها بسبب تجاوز السلطة أمام المجلس الاعلى استثناءا من القاعدة طبقا للمادة 9 من نفس القانون. وبالتالي نتسائل لماذا ام تتم ملاءمة مقتضيات الفصل 41 من ظهير 07/08/1996 مع القانون رقم 41-90؟ فهل أراد المشرع بأن تبقى قرارات المجلس الوطني للأطباء في المجال التأديبي خاضعة للطعن أمام المجلس الأعلى لغاية من الغايات؟ أم أن عدم تغيير هذا المقتضى هو مجرد إغفال من جانبه؟ إن القضاء وجد نفسه في صعوبة للإجابة عن هذا السؤال لأن في ذلك تطاولا على إرادة المشرع، مقيدا فيها بنصوص آمرة لها علاقة بالنظام العام لا يمكنه تجاوزها.
وقد صدر حكم من المحكمة الإدارية بالرباط قضت فيه بعدم اختصاصها نوعيا للبت في دعوى الإلغاء المقدمة ضد قرار المجلس الوطني للأطباء معتبرة بأن الاختصاص يعود للمجلس الأعلى طبقا للفصل 41 المشار إليه أعلاه .
الفقرة الثانية: الشركات العمومية والجمعيات
أ- الشركات
بالرجوع إلى ق.ل.ع نجده يعرف الشركة في فصله 982 بأنها: " عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي ينشأ عنها..." وتنقسم الشركات بدورها إلى نوعين : شركات مدنية وأخرى تجارية، فالأولى يكون نشاطها خارجا عن الأعمال التجارية المحددة في القانون التجاري كالشركات العقارية التي تقوم بشراء الأراضي وبيعها بعد تقسيمها أو إصلاحها، أو الشركات التي يكونها منتجون زراعيون لبيع المحصول الزراعي، وتخضع الشركات المدنية للقانون المدني، أما التجارية فهي التي تقوم بالاعمال التي حددها القانون التجاري، مثل الشراء بقصد إعادة البيع لتحقيق مكسب مادي وتشمل الشركات أنواعا متعددة أهمها: شركات الأشخاص، شركات الأموال، شركات التوصية..
وقد تباينت المحاكم الإدارية بقبول الاختصاص النوعي أو الرفض ضد القرارات الصادرة عن شركات عمومية ذات اقتصاد مختلط، فقد صرحت المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم 351 بتاريخ 13 ماي 1999 أنها مختصة نوعيا بالبت في دعوى الإلغاء المقدمة ضد قرارات صادرة عن شركة اتصالات المغرب، حيث دفع كاتب المطلوبة في الطعن (اتصالات المغرب) بعدم اختصاص المحكمة النوعي للبث في الطلب على اعتبار أن هذه الأخيرة تعتبر شركة وبالتالي فلا تسري عليها قواعد القانون الإداري، وحيث أجاب الطاعن بواسطة نائبه فإن المقرر المطعون فيه هو قرار إداري مادامت المطلوبة في الطعن تعتبر من المرافق العمومية التابعة للدولة، ملتمسا التصريح بالاختصاص النوعي للمحكمة الإدارية، وحيث انه ولئن كانت المطلوبة في الطعن عبارة عن شركة مساهمة خاضعة لقواعد القانون الخاص، إلا أنها تتولى تدبير أحد المرافق العمومية الحيوية في البلاد ذات الطابع التجاري والاقتصادي (وهو مرفق الاتصالات السلكية واللاسلكية) مما يفضي عليها صبغة السلطة الإدارية. وبالتالي تكون القرارات الصادرة عنها قرارات إدارية قابلة للطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء، وحيث وأنه بالاستناد إلى هذه المعطيات فإن المحكمة الإدارية تكون مختصة نوعيا بالبت في دعوى الإلغاء المقدمة ضد القرار موضوع الطعن المشار إليه أعلاه. عملا بمقتضيات المادة 8 من قانون 41.90 المنشئ للمحاكم الإدارية."
لكن يلاحظ أن المحكمة الإدارية بالرباط لم تستقر على موقفها من نزاعات شركة اتصالات المغرب في علاقتها مع زبنائها خاصة في مجال الاستغلال المخدع الهاتفي، فقد صرحت المحكمة في حكمها رقم 715 بتاريخ 29/06/2000 بما يلي:" حيث دفعت شركة اتصالات المغرب بكونها شركة مساهمة ذات استقلال مالي، وبالتالي لا تخضع لأحكام القانون المحدث للمحاكم الإدارية ملتمسة لهذه العلة الحكم بعدم الاختصاص للمحكمة الإدارية للبت في الطلب، وحيث أنه بعد تفحص المحكمة للدفع المشار تبين لها أن شركة اتصالات المغرب هي شركة مساهمة بصريح المادة 39 من القانون رقم 24/96 وأتت لئن كان لها حق الامتياز في ميدان الاتصالات فإن علاقتها سواء مع زبنائها أو مع الغير تبقى خاضعة لأحكام القانون الخاص، وحيث أنه أمام هذه المعطيات تكون المحكمة الإدارية غير مختصة للبث في طلب الطعن في قرار رفض استغلال المخدع الهاتفي"
كما أنها صرحت في حكمها رقم 645 بتاريخ 29/07/1999 بأن القرارات الصادرة عن مدير شركة اتصالات المغرب بخصوص علاقات الشغل الرابطة بينها وبين مستخدميها تحكمها قواعد القانون الخاص وذلك في إطار نزاعات الشغل التي تختص بالنظر فيها المحاكم الابتدائية ولا تشمل المادة 8 من قانون 41.90 الوضعية الفردية للعاملين في الشركات، وحيث أنه بمقتضى الظهير الشريف رقم 162/97/01 الصادر في 2 ربيع الثاني 1418 (07/08/1997) بتنفيذ القانون رقم 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات فإن اتصالات المغرب تعتبر شركة مساهمة طبقا للمادة 39 من القانون المذكور.
وحيث أنه مادام الأمر كذلك فإن القرارات الصادرة عن مدير هذه الشركة بخصوص علاقة الشغل الرابطة بينها وبين مستخدميها تحكمه قواعد القانون الخاص وذلك في إطار نزاعات الشغل التي تختص بالنظر فيها المحاكم الابتدائية. وحيث أنه أمام هذه المعطيات يتعين التصريح بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبث في طلب إلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن مدير الشركة المشار إليه أعلاه" .
ولعل مواقف المحاكم الإدارية يتأرجح تارة بين قبول تنصيبه مختصا للنظر في دعاوى الإلغاء الصادرة عن أشخاص القانون وتارة أخرى يرفض بتاتا النظر في الدعوى والبت بعدم الاختصاص. و هو نفس الشيء الذي يحكم حتى المؤسسات العمومية التي تعد من أشخاص القانون العام فمثلا أثارت المادة 8 قانون إحداث المحاكم الإدارية التي نصت:" تختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر.. في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة الجماعات المحلية والمؤسسات العامة..."
فعبارة –العاملين – يقصد بها أولئك الذين يعملون في هذا النوع من المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، و كذا المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يقتصر على العاملين فب هذه المؤسسات الأخيرة ؟
إن موقف المشرع المغربي جاء غامضا فهو لم يميز بين المؤسسات العمومية، و هذا ما أدى إلى اختلاف الفقه و القضاء حول مقصود المشرع من ذلك . و عموما فإن المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري لا تطرح إشكالا بشأن العاملين فيها ، حيث إن هؤلاء يخضعون لنظام أساسي خاص ، مما يجعل العلاقة التي تربطهم بالإدارة لا تخضع لقانون الشغل إلا فيما لم يرد النص عليه في الأنظمة الأساسية المطبقة عليهم . و من تم فالإشكال يثار بشأن الأجراء العاملين في المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ، فهؤلاء تربطهم بالإدارة علاقة شغل عادية تخضع لقانون الشغل، باستثناء المديرين والمحاسبين العموميين بهذه المؤسسات. فهؤلاء يعينون بمقتضى ظهير أو مرسوم أو قرار وزيري، ويوصفون على أنهم موظفون عموميون وبالتالي يعينون بمقتضى ظهير أو مرسوم أو قرار وزيري ، و يوصفون على أنهم موظفون عموميون و بالتالي فهم يخضعون لنظام الوظيفة العمومية مما لا يطرح إشكالا بخصوص المحكمة المختصة بالنظر في نزاعاتهم . هكذا فالقضاء المغربي غير مستقر على رأي واحد بشأن مسألة المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للعاملين في المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري أو الصناعي . فأحيانا يأخذ بالمعيار العضوي ، أي كلما كانت الإدارة طرفا في النزاع فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الإدارية ، و من الأحكام التي أخذت بهذا المعيار حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي قضى : " و حيث أن المدير يعين بظهير و يتولى إدارة و تسيير مرفق عام اقتصادي تابع للدولة مما يجعله سلطة إدارية، و تكون قراراته خاضعة للطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء بقطع النظر عن خضوع المقرر الصادر عنه لأحكام القانون العام أو القانون الخاص " فإذا كان هذا موقف المحاكم الإدارية في بداية إحداثها ، حيث كانت توسع من اختصاصاتها فإنها سرعان ما تراجعت عن هذا المعيار، لتعتمد معايير أخرى تتأرجح بين المعيار العضوي و معيار الدعوى الموازية تطبيقا للمادة 23 م ق .م إ.م. إ، ومن الأحكام و القرارات التي اعتمدت المعيار الموضوعي نذكر قرار المجلس الأعلى بتاريخ 28/4/2004 ، حيث جاء فيه " لكن حيث أن المكتب الشريف للفوسفاط و إن كان من أشخاص القانون العام ، فإن علاقتها بمستخدميها لا تتم في إطار القانون الإداري ، بل تتم بموجب عقود خاصة يحكمها قانون الشغل ، و تختص المحاكم العادية بالنظرفي المنازعات الناشئة عنها ..."
في نفس التوجه قضى المجلس الأعلى في قرار آخر صادر بتاريخ 28/1/2004 بأنه : و حيث أن المستأنفة تقر في مقرها الإستئنافي بأن المستأنف عليه من الأعوان العرضيين كما تؤكده في الصفحة 4 من مقال الاستئناف، و إن مراقبة احترام مهلة الإخطار من عدمها بالنسبة للموظفين غير الرسميين و ترتيب الآثار عليها من تعويض وغير ذلك تبقى من اختصاص المحاكم العادية ، بذلك فإن الحكم المستأنف كان سليما" .
و قد أخذ القضاء الإداري أيضا بمعيار الدعوى الموازية ، استنادا على الفصل 23 من ق .م.إ. فكلما كان بإمكان المدعي أن يطالب حقوقه أمام المحاكم العادية ، فلا يحق له إقامته دعواه أمام المحاكم الإدارية للمطالبة بإلغاء قرارات إدارية . و من القرارات التي أخذت بهذا المعيار نذكر قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 10/1/2002 و مما جاء فيه : " و حيث يتضح من وثائق الملف و مستندات و خصوصا ورقة أداء أجور و مستحقات المعني بالأمر أن الأمر يتعلق بالفعل بعلاقة تعاقدية في إطار القانون الخاص... و أنه إذا كان هذا الأخير يعتبر فعلا مستخدما لدى المكتب المذكور و تخضع النزاعات المتعلقة بتسوية وضعيته الإدارية لاختصاص القضاء الإداري حسب مقتضيات المادة 8 من قانون 90-41 باعتبار المكتب مؤسسة عمومية فإن النزاع لا ينصب حول الوضعية الإدارية للمستأنف عليه ... وحيث يستنتج من ذلك أن مقر الإحالة على المعاش و إن صدر عن سلطة إدارية إلا أن هناك دعوى موازية أمام المحاكم الابتدائية و هي التي سلكها فعلا المستأنف عليه لطلب التعويضات المدعى باستحقاقها عن طرده عن العمل تعسفيا ، مما يكون معه الحكم المستأنف الذي آثر اختصاص المحكمة الابتدائية واجب التأييد" .
فإذا كان مطبخ صياغة النصوص التشريعية غير قادر و عاجز عن تبني معيار واضح كفيصل في النزاعات. فكيف يمكن أن يتبنى صياغة واضحة و لا تحتمل التأويل في المواد الفضفاضة كما هو الشأن للمادة 8 قانون 90-41؟
إن القرارات الصادرة عن الشركات إلى عهد غير بعيد كانت نضوي تحت لواء القضاء الشامل ، حيث جاء في حكم للمحكمة الإدارية رقم ( 645 بتاريخ 29/07/1999 ملف رقم 130/99ع) بأن الشركات العامة العقارية ما زالت متمتعة بالشخصية المعنوية الخاصة في العلاقة التي تربطها بمستخدميها، تدخل أيضا في إطار نزاعات الشغل التي يرجع الاختصاص بالنظر فيها إلى المحاكم العادية، ويزكي حكما إداريا بالرباط بتاريخ 02/07/1998 هذا الطرح بناءا على الدعوى التي تقدمت بها الطاعة ، تعرض من خلاله أنها التحقت كموظفة بالشركة العامة العقارية سنة 1985 و في سنة 1994 حصلت على رخصة إدارية من أجل التوقف عن العمل بدون أجر لمدة سنتين ما بين 22/11/1996 و 22/11/1997 و بعد إنهاء هذه المدة أشعرت شفويا من طرف مدير الشركة العامة العقارية بعدم الالتحاق بالعمل إلى أن توصلت من الشركة المذكورة برسالة تخبرها بمقتضاها بفصلها عن العمل، والتمست من الشركة المذكورة برسالة تخبرها بمقتضاها بفصلها عن العمل، والتمست من المحكمة الحكم بإلغاء قرار الفصل والحكم تبعا لذلك بإرجاعها إلى عملها . و بناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من طرف الشركة العامة العقارية بواسطة نائبها المؤشر عليها بتاريخ 30/04/1998 تعرض من خلالها أنها تعتبر من أشخاص القانون الخاص، وأن العلاقة التي تربطها بالطاعنة هي علاقة شغل في نطاق القانون الخاص أيضا ، و أن القرار الذي تشير إليه الطاعن في مقالها يتسم بنفس الطابع هو الآخر ، و أنه لذلك فإن النزاع يتعين رفعه أمام المحاكم الابتدائية بالرباط ملتمسا التصريح بعدم الاختصاص النوعي لهذه المحكمة للبث في الطلب " و حيث أنه من خلال إطلاع المحكمة الإدارية على أوراق الملف ولاسيما القرار المطعون فيه ، و أن الاجتهاد القضائي الإداري بأن المطلوبة في الطعن فيه ، و أن الاجتهاد القضائي الإداري بأن المطلوبة في الطعن الشركة العامة العقارية هي شركة مجهولة الاسم ، وهي بذلك تدخل صمن أشخاص القانون الخاص الشيء الذي يجعل العلاقة التي تربطها بمستخدميها و من ضمنهم الطاعنة هي علاقة شغل، و أن النزاع القائم حول هذه العلاقة تختص بالنظر فيه المحكمة الإبتدائية ، مما يتعين معه التصريح بعدم اختصاص المحكمة الإدارية نوعيا للبت في الطلب." .
غير أن موقف المحاكم الإدارية هذا سينصهر أمام موجة الخوصصة التي تعرفها البلاد . ففي قضية أخرى" تقدمت الشركة الوطنية للطرق السيارة للأمر المستأنف الرامي إلى إفراغ المدعي شركة سومبي للوقود من المنشأة المتواجدة بباحة الاستراحة مولاي بوسلهام على الطريق السيار الرابط بين الرباط و طنجة و التي انتهى بمفعول الاتفاقية المبرمة بشان بنائها واستغلالها . و بعد دفع المدعى عليها بعدم الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية صدر الأمر بعدم الاختصاص النوعي مما استأنفته المدعية بتاريخ 10/08/2006 حيث جددت المستأنفة تمسكها باختصاص المحاكم الإدارية مشيرة إلى أن البروتوكول المبرم بين المستأنف عليها قد نص بصريح العبارة على إسناد الاختصاص للمحكمة الإدارية بالرباط . أضف إلى هذا أن الأمر يهم احتلال ملك عمومي تقوم فيه المستأنفة بدور المفوض عن الدولة في إطار عقد الامتياز المخول لها من اجل تسيير و الاستغلال مرفق عمومي.
مما تبين إن محطة الوقود موضوع الاتفاقية هي جزء لا يتجزأ من الطريق السيار لكونها هي أيضا تساهم في اتساع الخدمة العمومية المرتبطة بذلك الطريق ، فضلا أن العقد موضوع النزاع يكتسي طابعا إداريا . وهو ما يجعل الاختصاص ، منعقد للقضاء الإداري و بذلك يكون الأمر المستأنف قد جانب الصواب فيما انتهى إليه وواجب الإلغاء " .
فامتياز السلطة العامة الذي أصبح مخولا لأشخاص القانون الخاص في تسيير مرفق عمومي يجعلنا نتساءل هل يعد ذلك امتدادا بموجب تقنية التفويض لإدارة مرفق ما وخول لها حتىحق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ؟
قد يبدو و لأول وهلة أن منح هؤلاء الأشخاص حق نزع الملكية شيئا غريبا لما يشكله من تهديد لحق الملكية الخاصة ، و لما يمكن أن يعترض تطبيقه من خروقات و تعسفات . غير أن حاجة السلطة العامة إلى مساهمة الخواص (معنويين أو طبيعيين ) في إنجاز أشغال تتصف بطابع المصلحة العامة ، دفعت بها و بصفة استثنائية لأن تتدخل لمنح هؤلاء الأشخاص و في حدود ضيقة و بمقتضى نصوص تشريعية خاصة إمكانية اللجوء إلى امتياز نزع الملكية . فتحقيق المصلحة العامة يمكن أن يتم عن طريق الخواص و ذلك بواسطة المشروعات الخاصة ذات النفع العام. و تم تخويل حق نزع الملكية منذ 1914 لأصحاب امتياز الأشغال العامة (امتياز المرفق عموما ) و لشركات الاقتصاد المختلط والمقاولات الخاصة ذات المنفعة العامة. فأحيانا تلجأ الدولة إلى إنشاء أشخاص معنويين خاضعين للقانون الخاص قصد القيام بأشغال عامة نذكر على سبيل المثال شركة التجهيز والتنمية الجهوية بالمغرب ، كما تنطبق هذه الحالة على الشركة الوطنية لتهيئة خليج أكادير . و قد يقع أن يخول نزع الملكية في دفتر التحملات ، من ذلك ما نص عليه الفص 22 من دفتر التحملات المؤرخ في 18 مارس 1914 الذي نص على حق الشركة الفرنسية الإسبانية للسكك الحديدية في التمتع على قدر المساواة مع الحكومة الشريفة . بحق نزع الملكية . و مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الفقرة الثانية من الفصل 40 من القانون رقم 81/7 أجازت تفويت العقارات المنزوعة ملكيتها إلى الخواص من طرف الدولة أن يقوم مقامها مع إلزامهم بتخصيصها للغرض المنصوص عليه في مقرر إعلان المنفعة العامة.
لكن هذا التوسع في مجال الأشخاص المخول لهم حق نزع الملكية لا يجب أن يفقد إجراء التفويض المسبق أهميته الذي اشترطه المشرع، إذ يبقى وسيلة المراقبة الوحيدة للسلطة العامة ( سلطة الوصاية على النشاط الذي سينجز ) على الأشخاص المخول لهم هذا الحق أو الامتياز. فما مدى إلزامية تضمين أو ذكر التفويض في مقرر إعلان المنفعة العامة ؟
لقد صرحت محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 23 أكتوبر 1951 بأنه إذا لم يتضمن مقرر إعلان المنفعة العامة تفوضا حرفيا لشركة السكك الحديدية للمغرب فإنه لم يكن لازما نظرا لكون الأشغال المعلن أنها من المنفعة العامة لا يمكن تنفيذها من طرق تلك الشركة صاحبة الامتياز الوحيدة التي تتمتع بهذه الصفة طبقا لدفتر التحملات . و يبدو و أن المحكمة الإدارية بمراكش يشير أستاذنا أحمد أجعون ذهبت خلاف ذلك عندما سعت إلى مراقبة وجود التفويض من عدمه عندما قضت بما يلي : " و حيث أنه بالرجوع إلى المرسوم المعلن لنزع الملكية بالجريدة الرسمية التي توجد ضمن وثائق الملف يتضح أن الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق فوض لها قانونا حق مباشرة هذه المسطرة ".
وعليه فإن ما وصل إليه الاجتهاد القضائي على مستوى الطعن في قرارات أشخاص القانون الخاص سواء ما يتعلق بشرط تسيير مرفق عام و شرط استعمال امتيازات السلطة العامة إلى جانب شرط التفويض بمقتضى نص قانوني صريح لممارسة نزع الملكية أو ما شابه أعمال أشخاص القانون العام، كتقنيات تقود لاكتشاف القاضي الإداري بسهولة أساليب القانون العام ليحوز أحقية النظر في المنازعات المتعلقة بإلغاء قرار إداري موسوم بالشطط في استعمال السلطة العامة قد يصطدم بمسطرة التبليغ و إشكالاتها القانونية والعملية. فكيف ذلك؟
من بين هذه الإشكالات المطروحة ما نص عليه المشرع في الفصل 516 ق .م.م الذي ورد فيه ما ملخصه أن الإستدعاءات و التبليغات المتعلقة بالأشخاص الاعتباريين توجه إلى " ممثليهم القانونيين بصفتهن هذه" فإذا اعتبرنا الوزارة مثلا شخصا اعتباريا ، فمن هو ممثلها القانوني ؟ و إذا كان الجواب بداهة هو الوزير ، فإنه لا يتصور عمليا وجوب التبليغ لهذا الأخير شخصيا حتى يمكن اعتباره صحيحا ، و لكن إذا سلم الاستدعاء أو الطي القضائي لمصلحة أو مديرية بالوزارة ، فهل يعتد بهذا التبليغ لترتيب الأثر القانوني عليه مع أنه لم يتم للممثل القانوني بصفته هاته كما ورد في النص المذكور ؟
إن العمل القضائي غير مستقر لحد الآن على اتجاه معين بخصوص هذه النقطة ، فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط في وقت سابق بأن" مكتب الضبط التابع للإدارات أو المؤسسات العمومية يقتصر دوره على استقبال و إرسال الرسائل و الطرود و تسجيل صادراتها ووارداتها في سجلات خاصة ، و بالتالي لا يمكن ترتيب أي أثر قانوني على رفض تسلم الطي القانوني مادامت ليست له الصفة في الحلول محل من أوكل إليه المشرع أمر توجيه الاستدعاءات والتبليغات إليه وهو الممثل القانوني طبقا للفصل 516 ق.م.م، مما يجعل تبليغ الحكم للمؤسسة المدعية الذي أشار العون في شهادة التسليم إلى رفض مكتب ضبطها تسلم الطي غير صحيح ومآله البطلان..." وعلى الرغم من أن هذا التوجه يساير التطبيق الحرفي لمقتضيات الفصل المذكور، إذ أنه ليس من شأنه أن يحل الإشكالية التي تبقى مع ذلك مطروحة لأنه من الصعوبة بمكان عدم الاعتداد بالتبليغ بالنسبة للشخص الاعتباري إلا إذا تم للممثل القانوني. وهناك اتجاه حديث سارت عليه محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط يعارض تماما الاتجاه الأول اعتبرت فيه ما يلي:" تبليغ الإدارة المستأنفة عن طريق مكتب الضبط التابع لها يعتبر تبليغا صحيحا مادامت شهادة التسليم (التبليغ) تتضمن تأشيرة المكتب ومذيلة بتوقيع الموظف المسؤول عن هذه المصلحة الموكول إليها استقبال المراسلات على اختلاف أنواعها بما فيها الطيات القضائية الواردة على الإدارة ما لم يرد استثناء على ذلك في التنظيم الهيكلي للإدارة المعنية. وهو ما لا دليل عليه في الملف، مما يجعل استئنافها غير مقبول لتقديمه خارج الأجل القانوني..." .
وفي تقييم لهذه الفقرة – الشركات كشخص من أشخاص القانون الخاص – فإن الجمود الذي كان يطبعها إلى عهد قريب ويحصنها من الخضوع لسلطة القضاء الإداري إلغاء لقراراتها بدأ ينصهر في ظل عقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وحتى دون القول بإسناد إدارة وتسيير مرفق للخواص، لأنه متى كانت مؤسسات عمومية تجارية أوصناعية فإن مكنة انعقاد الاختصاص للقضاء الإداري واردة مائة بالمائة في العلاقات النظامية التي تربط الإدارة بموظفيها المديرين والمحاسبين مثلا كما أسلفنا. وفي الشركات العقارية فإن اختصاص القاضي الإداري غير وارد كونها شخص من أشخاص القانون الخاص، وعلاقة مستخدميه يحكمها قانون الشغل مما يتعين القول معه بضرورة توافر امتياز أو تدبير مفوض أو شركة اقتصاد مختلط تتقاطع فيها العلاقة بين قواعد القانون الخاص والعام معا، حتى تؤول المنازعات لقضاء الإلغاء في القرارات المتعلقة بالشطط في استعمال السلطة. على اننا نود أن نبرز وما أولاه دستور 29 يوليوز 1201 للقضاء الإداري والذي نص في فصله 114 " تكون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية، الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسب الشطط في استعمال السلطة، أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة"
يتضح معه أن سلطة القضاء الإداري تتجاوز سلطة القضاء العادي كضمانة أكثر ملاءمة لحماية الحقوق والحريات.
ب- الجمعيات
وهي أشخاص معنوية لا تهدف إلى تحقيق الربح مثل الشركات بل تسعى إلى تحقيق جميع الأهداف غير تلك التي يقصد من ورائها توزيع الأرباح وهو نفس المعنى الذي أشار إليه الفصل الأول من ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بالحريات العامة كما تم تعديله وتغييره بأن " الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم..." وتبعا للظهير المنظم للجمعيات المشار إليه أعلاه يمكن تقسيم الجمعيات إلى خمسة أنواع :
+ الجمعيات العادية: وهي التي لا يعترف لها بصبغة المصلحة العامة مثل الجمعيات الرياضية والثقافية والعلمية والتعاونية.
+ الجمعيات ذات المصلحة العامة: يعترف لها بصفة المصلحة العامة بمقتضى مرسوم، حيث تخول لها هذه الصفة التمتع بامتيازات لا تتمتع بها الجمعيات العادية، كالقيام ببعض الأعمال القانونية، وتملك الأموال وتلقي هبات في إطار الشروط التي يحددها الفصول 9 إلى 13 من ظهير15 نونبر 1958 المنظم لها بحسب ما تم تعديله وتغييره.
+ الجمعيات ذات الصبغة السياسية: هي التي تتابع بأي وجه كان نشاطا سياسيا وتهدف إلى ممارسة الأنشطة السياسية كالأحزاب السياسية مثلا.
+ الجمعيات الاتحادية: هي عبارة عن اتحاد بين مجموعة من الجمعيات لها نفس الاهتمامات، مثلا الجمعيات الخيرية والاتحاد الوطني للمهندسين.
+ الجمعيات الأجنبية: هي الهيئات التي لها مميزات جمعية، وتتمتع ببعض الصفات التي تنفرد بها عن الجمعيات الأخرى. كأن يكون لها مقر في الخارج، وان يكون
لها مسيرون أجانب أو يديرها بالفعل أجانب ومقرها في المغرب، وتخضع هذه الجمعيات لشروط معينة يحددها ظهير 15 نونبر 1958 في االفصول 18 إلى 22.
إن مرتكز القاضي الإداري في قرارات أشخاص القانون العام أو الخاص تنبري انطلاقا من المادة قانون 90-41 الذي نص على عبارة كل قرار إداري بمعنى إن كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة – الشطط في استعمال السلطة- أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ويخول للمتضرر سلك دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري.
وما يعزز طرحنا ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية في قرار عدد 340 بتاريخ 31/03/1991 الذي يؤكد فيه:" ومن جهة أخرى حيث أن الجامعة الملكية لكرة القدم هي جمعية خاصة وقع تأسيسها في إطار الظهير الشريف بتاريخ 15/11/1958 فإن القرارات التي تصدرها في المادة التأديبية تكون قابلة للطعن عن طريق دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة نظرا لكونها تدخل في نطاق المقررات المتخذة في إطار ممارسة امتياز من امتيازات السلطة العامة."
وقد صدر حكم في نفس الاتجاه عن المحكمة الإدارية بوجدة قضى ما يلي: "الجامعة الملكية للريكبي وإن كانت تعتبر من أشخاص القانون الخاص إلا أنها مكلفة بتسيير مرفق رياضي وتستعمل وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة، مما يجعل القرارات الصادرة عنها متسمة بالطابع الإداري تبقى قابلة للطعن بالإلغاء طبقا للمادة 20 من قانون المحاكم الإدارية" وتتلخص وقائع الحكم بطلب قدمته المدعية نادي مولودية وجدة للريكبي، يرمي إلى إلغاء قرار صادر عن الجامعة الملكية للريكبي، القاضي بإقصاء المدعية من منافسات نصف نهاية البطولة الوطنية، وقد استند القاضي الإداري لتأسيسه حكمه على مجموعات من الحيثيات نذكر منها ما يلي:
" حيث لئن كانت الجامعة الملكية للريكبي من أشخاص القانون الخاص يسري على تأسيسها وتسييره أحكام الظهير الشريف رقم 1-58-376 الصادر في 15/11/1958، فإنه باعتبارها مكلفة بتسيير مرفق رياضي من خلال تنظيم وتأطير الأندية المنضوية تحت لوائها في إطار القانون المنظم لها مستعملة في ذلك وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة طبقا للمعيار المادي ذلك أن الاقتصار على المعيار العضوي وحده لتحديد القرار الإداري انطلاقا من الجهة الإدارية المصدرة له سيؤدي بالقضاء الإداري إلى النظر في نزاعات تدخل في إطار القانون الخاص من جهة، ومن جهة أخرى يمنع القضاء الإداري من النظر في النزاعات المرتبطة بالمرافق العامة وبامتيازات السلطة العامة التي تمنح لأشخاص القانون الخاص وهذا ما جعل المشرع المغربي يتفهم هذا الوضع بإعطاء القضاء الإداري إمكانية الأخذ بالمعيار المادي إلى جانب المعيار العضوي في تحديد القرار الإداري، حيث يعتبر مكملا إذ نصت المادة 20 من القانون المذكور على عبارة، "كل قرار إداري" ولم يقتصر كما هو الأمر سابقا في ظهير 1957 والفصول 353 ق.م.م على القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية. ومن هذا المنظور تبقى المقررات الصادرة من طرف الجامعة المذكورة تكتسي طابعا إداريا مادام أنها تدخل في امتيازات السلطة العامة بهدف تحقيق المصلحة العامة وتكون المحكمة الإدارية مختصة للنظر في الطعون الموجهة ضدها طبقا للمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية".
وإذا أخذنا بعض الجمعيات، خصوصا جمعية الأعمال الاجتماعية، فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس في حكمها رقم 558 الصادر بتاريخ بتاريخ 10/02/1999 أن جمعية "جمعية الأعمال الاجتماعية بوزارة الفلاحية والإصلاح الزراعي لا تتوفر فيها مقومات القرارات الإدارية وتبقى منازعاتها داخلة في اختصاص القضاء العادي، مما يبقى النزاع بجميع أجزائه غير مندرج في لائحة المواضيع المنعقد الاختصاص بشأنها إلى جهة القضاء الإداري. ويتعين لذلك القضاء بعدم الاختصاص النوعي للبث في الطلب".
نافلة القول بأن القضاء الإداري أصبح يتبوأ مكانة منذ إحداث المحاكم المتخصصة بقانون رقم 41.90، يعكس أن رقابة الإلغاء أصبحت لازمة قانونية في أغلب النزاعات لأن مصلحة استمرار المرفق مقدمة على مصلحة الأفراد في نطاق المشروعية. ولعل من حسنات ذلك هو تحول القانون من الجمود إلى الديناميكية، ومن القراءة الحرفية للنص إلى قراءة النص في علاقته بالواقع. والنتيجة بطبيعة الحال شمولية الرقابة القضائية الإدارية إذا ما نظرنا إليها من زاوية الأشخاص المصدرة للقرار الإداري وطبيعة النظام القانوني الذي يحكم إنشاء المرافق أو المؤسسات، وأيضا من زاوية شراكة القطاع العام والخاص في ظل عقود الخطة، وصراحة النصوص القانونية في تفويض بعض الصلاحيات التي عهدت بها الأشخاص المعنوية العامة إلى الأشخاص المعنوية الخاصة. على أن ذلك في نهاية المطاف يبقى رهينا بفيصل قانوني صاحب النزاعات الإدارية المرتبطة بإصدار القرار الإداري الذي يستوجب توافر عناصره وشروطه لانعقاد الاختصاص للمحاكم الإدارية في رقابة المشروعية ورقابة الإلغاء بشكل خاص ألا هو – ضابط المعايير – مما يستوجب تدخل المشرع بنصوص آمرة تسد ثغرة التعسف في استعمال الحق، وللتقويض من دائرة التوسع في الاجتهاد القضائي الإداري. فالمنازعات الجدية والمستعجلة دائما موجودة وستظل يصعب معها مقاربة الاجتهاد القضائي الإداري المقارن، وينكمش ويتمدد معها دور المحاكم الإدارية بالمملكة وهو ما سنحاول استجلاء مضمونه في المبحث الموالي الطعن بالإلغاء في قرارات أشخاص القانون الخاص.
المبحث الثاني: الطعن بالإلغاء في قرارات أشخاص القانون الخاص
يقتضي منا الأمر لمعرفة تطبيقات الطعن بالإلغاء في قرارات أشخاص القانون الخاص، التعرف لما استقر عليه القضاء قبل إحداث المحاكم الإدارية (مطلب أول )، ثم كيف أصبح الأمر بعد إحداث المحاكم الإدارية(مطلب ثاني)
المطلب الأول: اجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى
سنقصر محاولتنا هاته في رصد اجتهاد عمل الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بالنسبة للأعمال الصادرة عن الهيئات المهنية في إطار (الفقرة الأولى) ثم سنتناول في إطار الفقرة الثانية لاجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بخصوص القرارات الصادرة عن الجمعيات.
الفقرة الأولى: اجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال القرارات الصادرة عن هيئات مهنية
من المسلم به أن المجلس الأعلى لا يراقب تطبيق القانون فحسب بل يقوم إلى جانب ذلك بدور أساسي، و هو توحيد العمل القضائي بين مختلف المحاكم بالمملكة ، و بالتالي فإنه من المنطقي أن يوحد عمله و اجتهاده فيما بين غرفه.
إلا أن ما يلاحظ وجود اختلاف و تضارب الآراء ، باختلاف الغرف أو بين الغرفة الواحدة ، و هذا الاختلاف يتجسد لنا ، أثناء القيام بمحاولة التمييز بين القرار الإداري و الحكم القضائي، لأنه هو الفيصل الذي يحدد النتيجة و يحسم الإختلاف القائم حول الإشكالية المتناولة.
فهناك قرارات اعتمد فيها للتمييز بين القرارين المعيار الشكلي ، حيث أنه إذا صدر القرار من جهة تندرج ضمن الإدارة فهو عمل أو قرار إداري، و إذا صدر من جهة تابعة للسلطة القضائية فهو عمل أو حكم قضائي ، و هذا ما سانده جانب من الفقه، إلا أن هذا المعيار يعتريه القصور حسب رأي الفقه المعارض، و الذي ذهب لإعتماد المعيار الموضوعي ، الذي يرتكز على فكرة السلطة التقريرية في القرار الإداري ، أما الحكم القضائي فهو يصدر من سلطة ذات اختصاص مقيد( ) كذلك نجد ان هناك قرارات للغرفة الإدارية اعتمدت على المعيارين الشكلي و الموضوعي( )، إن قصدنا و تعمدنا إجراء هذا التمييز لنخلص و نصل إلى أن الأحكام القضائية تخرج عن نطاق دعوى الإلغاء( )، فكيف هو الأمر بخصوص القرارات الصادرة عن الهيئات المهنية؟
إدا تفحصنا اجتهاد الغرفة الإدارية، فإنه على الرغم من عدم وضوح الرؤية حول طبيعة هاته الهيئات المهنية لوجود أحكام مختلفة في هذا المجال، فإنه من المؤكد من هذه الإجتهادات أنه قد تم التسليم بالصبغة الإدارية التي تصدرها هذه الهيئات المهنية (و سنقتصر هنا في دراسة بعض القرارات التي تخص هيئات المحامين و بعض الهيئات الأخرى).
فبخصوص هيئة المحامين، نرى بعض التناقض في أحكتم الغرفة الإدارية،ففي إحدى القرارات و التي جاء فيها حيث يطلب السيدان محمد مضران و رشيد الطيبي، ايقاف تنفيذ القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بوجدة...، الذي قضى بتأييد مقرر مجلس هيأة المحامين بوجدة في مبدأه بمؤاخذة طالبي الإيقاف بما نسب إليهما من مخالفات مهنية و بتخصيص مدة الإيقاف إلى سنة واحدة. وحين قدر المجلس الأعلى من ظروف النزاع و ملابسته و كون القضية لها طابع إداري، وإن طلب إيقاف التنفيذ له ما يبرره لهذه الأسباب قضي بإيقاف تنفيذ القرار : يرى جانب من الفقه ان هذا القرار يثير تساؤلات عديدة و يصعب مسايرته و القول بأن القضية لها طابع إداري، و إن طلب ايقاف التنفيذ له ما يبرره، لأن الطلب منصب على حكم صادر عن محكمة الإستئناف و ليس على قرار إدراي، كذلك يمكن أن نشير إلى إحدى الأحكام الشهيرة ، حيث طرحت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في نازلة أخرى متعلقة بالسيد بنحدوا ضد هيئة المحامين بوجدة بتاريخ 26/02/1986، على أن هذه الأخيرة لا تعتبر سلطة إدارية و بالتالي لا يحق للطاعنين ان يمارسوا دعوى الإلغاء ضد مقراراتها امام الغرفة الأدارية ( )، كذلك أثار هذا القرار تساؤلات عدة فبعض الفقه إن هذا الموقف ناتج عن التمسك بالمعيار العضوي، و من تم فتبعية هيأة للمحاكم تجعلها منصفة في إطار السلسلة القضائية ، غير إن التمسك بالمعيار العضوي كمعيار وحيد أمر غير منطقي، فمجموعة من اختصاصات هيئة المحامين تعتبر قرارات إدارية بالنظر إلى موضوعها و طبيعتها ، إذن فالفقه و الإجتهاد القضائي يترددان بين المعيار العضوي و المعيار الموضوعي لتحديد العمل الإداري القابل للطعن بالالغاء أمام المحاكم الادارية ، فهناك من ساير بعض الإجتهادات القضائية، و اعتبر هيئة المحامين انطلاقا من قانونها التأسيسي أنها لا تعتبر من قبل اشخاص القانون العام، و غير معترف لها بالسلطة الإدارية، و بالتالي فمقرراتها ليست إدارية، و بذلك لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء ، و استبعاد قراراتها من مجال الالغاء طبقا للمعيار العضوي يقودها إلى استعمال المعيار المادي لتكييف القرارات الصادرة عنها، و المعيار المادي على ما جرى عليه الفقه و القضاء هو المرفق العام مع استعمال وسائل القانون العام أو تنفيذ المرفق العام بواسطة هيئة خاصة. و خلاصة القول فإنه لا يمكن اعتبار هينة المحامين سلطة إدارية طبقا للمعيار العضوي و ليست هيئة خاصة تدار بأسلوب القانون العام طبقا للمعيار المادي، و بالتالي فأعمالها لا تقبل الطعن بالإلغاء بسبب تجاوز في استعمال السلطة امام القضاء الاداري
هذا فيما يخص هيئة المحامين فماذا عن الهيئات المهنية الأخرى؟
إن الاعتماد على المعيار الشكلي في تمييز السلطة القضائية عن الإدارية كما أشرنا إليه في مقدمة هذا المبحث ، يصعب دائما تطبيقه، فالعناصر التي اعتمد عليها (المسطرة المتبعة – تكوين المجلس – طبيعة التصرفات – طبيعة المنازعة و التعليل – النص المؤسس للهيئة)، يمكن أن نجدها في الجهاز الإداري كما أن هذه العناصر يصعب تطبيقها في العناصر المختلطة ذات الصفتين( ) القضائية و الإدارية كما هو الشأن بالنسبة للهيئات المهنية التي تستعمل السلطة الإدارية و القضائية.
ففي قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى( )، و الخاص بهيأة الخبراء المحاسبين ترى أن الانتخابات المهنية للهيئات المنظمة كهيأة الخبراء المحاسبين تخرج عن اختصاص المحاكم الإدارية،وأن الجهة التي خولها المشرع البث في طلبات التقييد في اللوائح الإنتخابية لهذه الهيأة وإن كانت سلطة إدارية، قراراتها إدارية إلا أن هناك دعوى موازية أمام القضاء الشامل، و كذا اعتمادا على الفصل 26 من ق 90-41
لقد تعرض هذا القرار إلى العديد من الإنتقدات، لكون القرارات غير المشروعة المتعلقة بانخراط اعضاء جدد تقبل الطعن بالالغاء امام المحكمة المختصة لصدورها عن سلطة إدارية أو لصدورها عن هيئة سمح القانون صراحة الطعن بالالغاء ضدها، و بالنظر إلى مسطرة الطعن المقررة بشأن القرارات الصادرة عن الهيئات المهنية ، فقد أكد القضاء الإداري، بشأن قرارات هيئة الخبراء المحاسبين،
إن هذه القرارات نظرا لطبيعة الميدان الذي تتخذ فيه، و أيا كان الشكل الذي تكتسيه لها طبيعة القرارات الصادرة عن المحاكم، فهي قرارات إدارية تخضع لدعوى الالغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة و تتفق هذه القاعدة مع أحكام القاضي الإداري، التي تخص هيئات مهنية أخرى كهيئة الصيادلة و الأطباء( )...
ففي حكم لإدارية وجدة : حيث اعتبرت أنه لا يمكن اعتبار القرارات الصادرة عن المجالس أو اللجان التي يترأسها قضاة بحكم قوانينها التنظيمية قرارات قضائية ، و إنما تبقى قرارات إدارية بطبيعتها قابلة للطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة
هذا باختصار بعض القرارات التي تبنتها الغرفة الادارية في مقاربتها الطعن في قرارات الهيئات المهنية ، و التي وجدناها متناقضة، فتارة تضفي صبغة الأعمال الإدارية و تارة أخرى تستبعد أخرى من مجال الطعن بالالغاء .
الفقرة الثانية: اجتهاد الغرفة الادارية من خلال القرارات الصادرة عن الجمعيات
كما رأينا في الفقرة الأولى، إن العمل القضائي استقر على الأخذ بالمعيار العضوي لتحديد القرارات الإدارية القابلة للطعن بالإلغاء حيث كان ينظر إلى الجهة مصدرة القرار، أي متى كانت سلطة إدارية كان القرار إداريا قابلا للطعن فيه بالالغاء ، إلا أنه تراجع عن هذا المعيار وأصبح يأخذ بالمعيار الموضوعي، و بالتالي الاعتراف لبعض الهيئات الخاصة المكلفة بتسيير مرفق عام بسلطة إصدار قرارات إدارية ، نظرا لتوسع مفهوم المنفعة العامة، الشيء الذي سمح بانضمام أشخاص القانون الخاص للنشاط الإداري، و بالتالي أصبحنا نجد في بعض قرارات و أحكام الغرفة الإدارية أنها قبلت الطعن بالإلغاء ضد قرارات تأديبية صادرة عن جمعيات خاصة( ) و الملاحظ إن الجمعيات يمكن تقسيمها إلى قسمين، جمعيات عادية و أخرى ذات نفع عام، وهذه الأخرى هي التي أضفى عليها المشرع صفة المصلحة العامة ومتعها بامتيازات استثنائية، كتسيير و تدبير مرافق عمومية.
و كما أشرنا أعلاه، فالقضاء لم يعد يأخذ بالمعيار العضوي فحسب بل انفتح على المعيار المادي، و بالتالي فالمجلس الأعلى قبل الطعن في قرارات الجامعة الملكية لكرة القدم
و في حكم أخر للغرفة الادارية، أكدت فيه و من جهة أخرى حيث إن الجامعة الملكية لكرة القدم هي جمعية خاصة، وقع تأسيسها في إطار الظهير الشريف بتاريخ 15/11/1985 فإن القرارات التي تصدرها في المادة التأديبية تكون قابلة للطعن عن طريق دعوى الالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، نظرا لكونها تدخل في نطاق المقررات المتخذة في إطار ممارسة امتياز من امتيازات السلطة العامة، مما يكون معه الدفع بعدم القبول غير مرتكز على أساس .
كما أنه في قرار أخر، فقد تم قبول الطعن بالالغاء موجه ضد قرار تأديبي صدر في حق أحد حكام كرة القدم من طرف الجامعة المذكورة و التي تعتبر جمعية خاصة تمارس بمقتضى القانون مهامها، ذات طابع المرفق العام ، و تتمتع بامتياز السلطة العامة للقيام بدورها.
إن ما يمكن استنتاجه من هذه القرارات هو أن الغرفة الإدارية أصبحت تعطي للقرار الإداري بعدا جديدا يتمثل في ارتباطه بنشاط ذا منفعة عامة، و بتسيير مرفق عام من طرف أشخاص غير إداريين (أشخاص القانون الخاص)، و بتوفر الشرطين المذكورين يعترف للجهة مصدرة القرار بصفة السلطة الإدارية( ).
مما سبق في هذه الفقرة نلاحظ أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قد سلمت بالصبغة الإدارية لأعمال الهيئات المعنية كالطب و الخبرة المحاسبة، مع استثناء بعضها كما رأينا، كهيأة المحامين، كذلك تم إضفاء الصبغة الإدارية على أعمال الجمعيات رغم عدم الحسم في هذا الموقف بشكل نهائي من طرف القضاء، رغم اتجاهه إلى خلق معايير جديدة كامتيازات السلطة العامة و وسائل القانون العام، و توخي المصلحة العامة. فهل في مرحلة إحداث المحاكم الإدارية( ) حصل تطور و توضحت معالم الإجتهاد القضائي الإداري المغربي بخصوص قرارات أشخاص القانون الخاص.؟
المطلب الثاني: مقاربة المحاكم الإدارية من القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص
سنبدأ تحليلنا من حيث انتهينا في المطلب الأول، حيث تم الوصول إلى إن القضاء الإداري لم يعد يعتمد على المعيار العضوي لتحديد القرار الإداري القابل للطعن، بل تم التوجه إلى المعيار المادي لتكييف تلك القرارات، وبل يجب أن تتوفر هذه القرارات و الصادرة عن أشخاص القانون الخاص شرطي( )، أولهما ان يهدف القرار بتسيير مرافق عام دون يستعمل أساليب السلطة العامة في تنفيذ مهام المرفق العام، هذه القرارات التي شكلت استثناءا من المبدأ العام و الذي هو صدور القرار الإداري، والذي توسع من خلاله مجال الطعن بالإلغاء
و لمعرفة اجتهادات المحاكم الادارية فسوف نخص بالتحليل بعض الاجتهادات التي تخص القرارات الصادرة عن الشركات العمومية ذات الاقتصاد المختلط (فقرة أولى)، ثم في (فقرة ثانية)، اجتهاد المحاكم الادارية من القرارات الصادرة عن الجمعيات الخاصة.
الفقرة الأولى: اجتهاد المحاكم الادارية من القرارات الصادرة عن شركات العمومية ذات الاقتصاد المختلط
لقد كان الغرض الأساس من إنشاء المحاكم الادارية، هو تقريب القضاء الإداري من المواطنين، خصوصا وإن اختصاصات تلك المحاكم تنصب في آن واحد على قضاء الإلغاء و قضاء التعويض في حالات حددتها المواد 8 و9 من ق 90.41 فما هي إذن المبادئ و الأسس التي طبقتها هذه المحاكم أثناء نظرها في المنازعات التي تخص الشركات العمومية ذات الإقتصاد المختلط ؟
بخصوص هذه المسألة نستطيع التأكيد على أنه و رغم إحداث المحاكم الإدارية، فإشكالية عدم الاختصاص و اختلاف أراء المحاكم سواء العادية و الإدارية ، بل حتى بين المحاكم الادارية فيما بينها ، فمثلا قضت المحاكم بعدم الاختصاص في الطعون الموجهة ضد قرارات اتصالات المغرب ، باعتبار أن هذه الأخيرة تدخل ضمن اختصاص القضاء العادي، وعادت بعض الاجتهادات الإدارية الأخرى، حيث أجازت النظر في الطعون المذكورة مستندة على مقتضيات المادة 8 من قانون 90.41
ففي إحدى قرارات إدارية الرباط( ) ، أجازت بأنها مختصة نوعيا بالبث في دعوى الإلغاء المقدمة ضد القرارات الصادرة عن شركة اتصالات المغرب، لكن نفس المحكمة لم تستقر على موقف واحد، فقد عادت في حكم لها رقم 715 بتاريخ 29/06/2000 بما يلي : حيث دفعت اتصالات المغرب بكونها شركة مساهمة ذات استقلال مالي ، و بالتالي لا تخضع لاحاكم القانون المحدث للمحاكم الإدارية ملتمسة لهذه الصلة الحكم بعدم اختصاص المحكمة الإدارية للبث في الطلب، و حيث أنه بعد تفحص المحكمة للدفع المثار تبين لها أن شركة اتصالات المغرب هي شركة مساهمة بصريح المادة 39 من القانون 96/24 و إن كان لها حق الامتياز في ميدان الاتصالات، فإن علاقتها سواء مع زبنائها أو مع الغير تبقى خاضعة لأحكام القانون الخاص، و استنادا لكل ما سبق تكون المحكمة الإدارية غير مختصا نوعا للبث في طلب الطعن في قرار رفض استغلال المخدع الهاتفي.
و في قرار أخر صرحت إدارية الرباط، بأن القرارات الصادرة عن مدير شركة اتصالات المغرب بخصوص علاقات الشغل الرابطة بينها و بين مستخدميها تحكمه قواعد القانون الخاص ، و ذلك في إطار نزاعات الشغل التي تختص بالنظر بينها المحاكم الابتدائية و لا تشمل المادة 8 من قانون 90-41 الوضعية الفردية للعاملين في الشركات
من خلال بعض هذه القرارات نستخلص عدم استقرار اجتهادات المحاكم الإدارية على موقف موحد فيما يخص الطعون المقدمة ضد شركة اتصالات المغرب، و بالتالي فإشكالية الاختصاص القضائي مازالت تثار بحدة، و رغم تعويض شركة الاقتصاد المختلط بشركة التنمية المحلية، و ذلك في إطار الإصلاحات التي أقر بها تعديل الميثاق الجماعي لسنة 2008 ، فالقانون المنظم لشركات التنمية المحلية لم يساهم في توضيح إشكالية الاختصاص
أما فيما يخص بعض الشركات العمومية الأخرى، فيلاحظ أن الادارة تشرك أحيانا بعض أشخاص القانون الخاص، وتستعين بأساليب القانون الخاص في بعض الأحيان للقيام ببعض المهام ، و كمثال نورد بالذكر الشركات العامة العقارية ، و بتفحصنا لبعض الاحكام نجد إشكالية الاختصاص أو تنازع الاختصاص، بين المحاكم العادية و الإدارية، ففي احد الاحكام الادارية الرباط( ) حيث جاء فيه : بان الشركات العامة العقارية مازالت متمتعة بالشخصية المعنوية الخاصة في العلاقة التي تربطها بمستخدميها تدخل هي أيضا في إطار نزاعات الشغل التي يرجع الاختصاص بالنظر فيها للمحاكم العادية"، و في حكم أخر لنفس المحكمة بتاريخ 2/7/1998 حيث جاء فيه" من خلال إطلاع المحكمة الادارية على أوراق الملف و لا سيما القرار المطعون فيه ، و أن الاجتهاد القضائي الإداري بأن المطلوبة في الطعن " الشركة العقارية " هي شركة مجهولة الاسم و هي بذلك تدخل ضمن اشخاص القانون الخاص، الشيء الذي يجعل العلاقة التي تربطها بمستخدميها و من ضمنهم الطاعنة هي علاقة الشغل و ان النزاع القائم حول هذه العلاقة تختص بالنظر فيه المحكمة الابتدائية، مما يتعين التصريح بعدم اختصاص المحكمة الادارية نوعيا للبث في الطلب".
من خلال ما سبق يتضح أن هناك إشكال في الاختصاص النوعي ، لكن ما لا يفهم تضارب الاجتهاد القضائي حيث يقبل دعوى الإلغاء و تارة أخرى يرفضها في قضايا مماثلة. وبالتالي فالقضاء لم يستطع أن يوضح لنا مفهوم السلطة الادارية الذي ضمنها المشرع في تعريفه للقضاء الاداري في عدة قوانين، من هنا لا يمكننا سوى التوجه لرأي الفقه و الذي انتهى بالقول بأن أشخاص القانون الخاص عندما يمارسون الوظيفة الادارية، فإنهم يتحولون إلى سلطات إدارية ، ليس بحكم التمثيل الشرعي، و إنما بحكم ما يمكن تسميته ب " التمثيل الواقعي" و ثم يمارسون مهام المرفق العمومي ، و هذا ما يدفع إلى القول بأن هذا التوجه على أساسه تبقى المنازعات إدارية، أضف إلى ذلك أن تنوع و تعدد المعايير أصبحت مقبولة في إطار تحقيق المصلحة العامة.
الفقرة الثانية: اجتهاد المحاكم الإدارية من خلال القرارت الصادرة عن الجمعيات الخاصة
لوحظ في المبحث الأول أن القاضي المغربي أصبح يتجه شيئا فشيئا نحو الأخذ بالمعيار الموضوعي، و هنا نجد أن المحاكم الإدارية قد اتجهت في هذا الإطار، بل تجاوزت إشكالية الإختصاص ، حيث واكبت بعض الاجتهادات القضائية التطور الذي عرفته المرافق العامة في طرق تسييرها و تدبيرها في ظل تدخل أشخاص القانون الخاص ، فقد اعتبرت المحكمة الادارية بالرباط في حكمها رقم 968 بتاريخ 15/06/2006 ، و بين الجامعة الملكية المغربية للتيكواندوا في شخص رئيسها ، بأن الطلب المقدم من طرف الطاعن هو مرفوض بسبب عدم الادلاء بالوثائق المعززة للطلب رغم الانذار كل مآل الطلب، عدم القبول على حالته، لكن حيث إن الحسم في مسألة الاختصاص النوعي يقتضي تفحص المحكمة بما عسى أن يدلي به الأطراف من وثائق تعزز مواقف كل منهم حول الطبيعة القانونية الذي تقدم به الطرف المدعي خال من الوثائق التي من شأنها أن تقرر الطلب المدعي رغم الإنذار الموجه للمدعية قصد الادلاء بها، ما تعزز منه على المحكمة البحث عن الدفع بعدم الاختصاص النوعي حول الطلب.
فالمتتبع للإجتهاد القضائي الاداري المغربي في الآونة الأخيرة ، يتضح له ان القاضي الاداري، اقر من خلال بعض الاحكام بعدم الاختصاص النوعي للبث في الطلبات المقدمة إليه الناشئة عن الجامعات الرياضية
إلا أن هناك بعض الأحكام تناقض ما قيل أعلاه منها حكم لإدارية الرباط بتاريخ 24/09/2008،( )"حيث استجابت المحكمة للطلب و أقرت تحديد التعويض ، و ذلك بأداء الجامعة الملكية المغربي لكرة القدم في شخص رئيسها تعويضا..."
إذا تم تسجيل التناقض في احكام المحاكم الادارية فيما يخص الجمعيات الرياضية، فإنه نفس الشيء يقال على باقي الجمعيات الأخرى الخاصة، فقد اكدت المحكمة الادارية بفاس رقم 558، الصادر بتاريخ 10/02/1999، ان جمعية الأعمال الاجتماعية بوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي لا تتوفر فيها مقومات القرارات الادارية، و تبقى منازعاتها داخلة في اختصاص القضاء العادي ، مما ينفي النزاع بجميع أجزائه غير مندرج في لائحة المواضيع المنعقد الاختصاص بشأنها إلى جهة القضاء الاداري و يتعين لذلك القضاء بعدم الاختصاص النوعي للبث في الطلب .
و في حكم أخر( ) ، حيث جاء في تعليله، أنه يمكن القول إن تمتع الجمعيات بالشخصيات المعنوي الخاصة ، يجعلها تبقى مجرد كيانات عادية، و إن توفرها على بعض الامتيازات لا يمكن أن يرقى بها إلى مصاف السلطات الادارية، فعندما منحها المشرع هذه الشخصية المعنوية الخاصة، فقد أراد أن يحررها من الروتين و البطء و التقييدات الموجودة في القانون الإداري.
و دون الإطالة في بعض القرارات الأخرى ، نستطيع التأكيد على أن هناك وجود تضارب بين أحكام المحاكم الإدارية، و بالتالي عدم استقرارها على رأي والحسم في إشكال الاختصاص رغم انفتاحها و الأخذ بالمعيار الموضوعي.
و كخلاصة لهاذ المبحث ، نجد اجتهاد القضاء الإداري المغربي، سواء منه ما يخص الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أو المحاكم الإدارية، والتي تخص الطعن في قرارات أشخاص القانون الخاص ، نجده في بعض القرارات يتشبت بالمعيار العضوي ، أي الجهة مصدرة القرار، في تحديد مفهوم القرار الإداري بغض النظر عن خضوع هذا القرار لأحكام القانون العام آو القانون الخاص ، ومن جهة أخرى، نجده ينفتح على المعيار المادي، أي معيار المرفق العام و معيار السلطة العامة، رغم تردده و نسبية تبنيه هذا المعيار ، و هذا يفسر التناقض الصارخ في مواقف القضاء الإداري لتحديد الاختصاص النوعي ، و بالتالي ندعوا بدورنا كطلبة باحثين نهج ما سار عليه الاجتهاد القضائي الفرنسي، حيث تأكد له محدودية المعيار العضوي و بالتالي اتجه إلى تبني المعيار الثاني بكل جرآة و توحيد العمل به .
خاتمة:
يجب أن نأكد الإشكال المثار ، مرده هو عدم تعريف المشرع القرار الإداري القابل للطعن من اجل الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة بل اكتفى في الفصل الأول من ظهير 27/047/1957 ، المحدث للمجلس الأعلى، و في الفصل 353 من ق.م.م و كذا المادة 8 من ق. 41.90، بفتح الطعن ضد قرارات السلطات الإدارية ليس إلا. وبالتالي فأمام فشل استقرار القضاء على موقف موحد في تعريف القرار الإداري القابل للطعن ، يجب التدخل لتوضيح هذه الإشكالية و هذا الفراغ القانوني ، و ذلك بالانفتاح مثلا على أراء الفقه كما تمت الاشارة إلى رغم كونه كذلك تتضارب أرائه، و ذلك حتى يتمكن المواطن من استخلاص حقه جراء أي ضرر قد يلحقه بكل وضوح و بسهولة.
لائحة المراجع
الكتب:
-احمد البخاري، أمينة جبران : اجتهادات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية و المنشورات الجامعية المغاربية ، الطبعة الأولى، 1996.
- أحمد سنيهجي، "الوجيز في التنظيم الإداري" مطبعة فاس بريس الطبعة الأولى أبريل 2004
- محمد الأعرج، "قرارات أشخاص القانون الخاص القابلة للطعن بالإلغاء" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 52 السنة 2007 .
- إسماعيل الصفاحي، " القانون الإداري-التنظيم الاداري" الطبعة الأولى 2008 .
- إبراهيم كومغار "المرافق العامة الكبرى على نهج التحديث" مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الأولى 2009 .
- أحمد أجعون، التنظيم الإداري المغربي بين المركزية واللامركزية مطبعة سجلماسة مكناس 2010.
- أحمد أجعون "محاضرات في القضاء الإداري" مطبعة سجلماسة الزيتون مكناس طبعة 2009-2010 .
الأطروحات:
أحمد اجعون " اختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة " أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال الرباط1999
- محمد ربيع بن سعيد، "أشخاص القانون الخاص وإصدار القرار الإداري" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة 2010-2011.
المقالات:
- - محمد الأعرج، طرق تدبير المرافق العامة بالمغرب منشورات م.م.إ.م.ت سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية، العدد 52/2004 .
-عبد القادر بوبكري ، " تنازع الاختصاص النوعي في قضايا نزاعات الشغل " مجلة القصر العدد 14 ماي 2006
- مينة بلمليح، "دور القاضي الإداري في مراقبة المشروعية في المجال العقدي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية Remald العدد 83 نونبر دجنبر 2008 .
-مصطفى التراب، " أي تطور مستقبلي للقضاء الإداري بالمغرب" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD العدد 81-82 يوليوز أكتوبر 2008
- الشريف الغيوبي "تفويض تدبير المرافق العمومية نحو شراكة متينة مع الخواص"المجلة المغربية للادارة والتنميةremald، العدد87-88يوليوز- اكتوبر2009.
- محمد محجوبي، " خصوصيات دعوى الإلغاء وإشكالية الجمع بينها وبين دعوى التعويض" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD العدد 87-88 يوليوز أكتوبر 2009.
عصام بنجلون، "التدبير المفوض للمرفق العام بين إكراهات التحديث وواجب الدولة في حمايته "المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD العدد 86 ماي – يونيو 2009 .
- أحمد بوعشيق، عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص: آلية فعالية لتمويل التنمية بالمغرب " المجلة المغربية" للإدارة المحلية والتنمية، REMALD، العدد 90-91 يناير أبريل 2010