MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




القرارات القضائية المتناقضة بشأن الإختصاص النوعي للمحاكم

     

النقيب الطيب بن لـمقدم
محام نقيب سابق بهيئة بالرباط (الخميسات)



القرارات القضائية المتناقضة بشأن الإختصاص النوعي للمحاكم



مقـــدمـــة

لم يكن النزاع حول اثارة الإختصاص النوعي أو الدفع به أمام المحاكم موجود
من قبل وبالحدة التي هو عليها حاليا، وبعد احداث المحاكم الإدارية من جهة
والمحاكم التجارية من جهة اخرى ؛فالبرغم من النص على هذا المقتضى في
قانون المسطرة المدنية في الفصل 16 ، إلا أن تطبيقاته كانت نادرة ، وخاصة في
ما يخص الإختصاص المكاني أو المحلي ، بينما في الوقت الراهن وفي ظل
المحاكم المتخصصة أصبح يطرح اشكاليات متعددة أدت وما زالت تؤدي الى حد
الآن الى اختلاف وجهات النظر بين الجهات القضائية التي تنظر في الطعن
بإستئناف الحكم القاضي بالإختصاص النوعي أو عدمه أو في الدفع به . فالتباين
في وجهات النظر بين هاته الجهات القضائية في هذا الصدد تكون من جهة بين
محكمة النقض ومحكمة الإستئناف العادية من جهة ثانية ومحكمة الإستئناف
التجارية من جهة ثالثة .

وللوصول الى رأي قد يكون صائبا في هذه الإشكاليات المطروحة بشأن الطعن
بالإستناف في الحكم الصادر في الإختصاص النوعي بين تلك الجهات القضائية
المختلفة ، ينبغي معرفة مختلف القرارات القضائية الصادرة في هذا المجال عن
محكمة النقض وقبلها الصادرة عن المجلس الأعلى بما فيها من تباين واختلاف
وتناقض .

فبتاريخ 15/11/2001 قضى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) من أنه :”
بالرجوع الى مقتضيات المادة الثامنة من القانون 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم
الإدارية يتبين انها تمنح الإختصاص للمحاكم الإدارية بالبت في طلبات دعاوى
التعويض عن الضرر الذي تسببه أعمال ونشاطات اشخاص القانون العام .
وحيث ان المدعى عليه المكتب الوطني للكهرباء هو مؤسسة عمومية للدولة
فتعتبر من أشخاص القانون العام ،وان الحكم المستأنف يكون قد جانب الصواب
عندما قضى بانعقاد اختصاص المحكمة الإبتدائية بتيزنيت بالبت في موضوع
دعوى التعويض في مواجهة
المكتب المذكور “ (1 ).


وقد سار المجلس الأعلى على هذا النهج المتعلق باستئناف الأحكام الصادرة بعدم
الإختصاص النوعي أمام الغرفة الإدارية به في القرارات الصادرة عنه بتاريخ
17/10/2002 (2 ) ، وكذلك بتاريخ 13/2/2008 (3) ، والقرار الصادر في 23/1/2008
الذي جاء في تعليله ما يلي :” وبناء على الفصل 13 من نفس القانون، فإنه إذا أثير
دفع بعدم الاختصاص النوعي أمام جهة قضائية عادية أو إدارية، وجب عليها أن
تبت فيه بحكم مستقل ... وللأطراف أن يستأنفوا هذا الحكم أيا كانت الجهة
القضائية الصادرة عنها أمام المجلس الأعلى ...

وحيث إن محكمة الاستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه، حين بتت في
الاستئناف المقدم ضد الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية العادية
القاضي بعدم الاختصاص النوعي. والحال أن البت فيه من اختصاص المجلس
الأعلى بموجب الفصل 13 المشار إليه أعلاه، فإنها تكون قد خرقت الفصل 13 من
القانون رقم 41 – 90 المحدث للمحاكم الإدارية المذكور وعرضت قرارها للنقض
“ (4) .

ومؤكدا ذلك كله بمقتضى القرار الصادر حديثا عن محكمة النقض بتاريخ
17/2/2015 حيث أيد قرار محكمة الإستئناف الذي قضى بتأييد الحكم الإبتدائي
القاضي بعدم الإختصاص، وجاء في تعليل محكمة النقض ما يلي:” لكن ، ردا
على السبب أعلاه، فإنه طبقا للمادة 12 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم
الإدارية، فإن القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي تعتبر من قبيل النظام العام
وعلى الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا، وأنه للأطراف
طبقا للمادة 13 من نفس القانون: "أن يستأنفوا الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي
أيا كانت الجهة القضائية الصادر عنها أمام محكمة النقض ";، وأن الطعن في
النازلة ليس منصبا على الحكم الابتدائي، وإنما على القرار ألاستئنافي القاضي
بعدم اختصاص المحكمة مصدرته للبث في استئناف الحكم الابتدائي، ولذلك فإن
المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه حينما عللت قضاءها بأنه:";استنادا إلى
مقتضيات المادة 13 من القانون 90/41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، فإن
الاختصاص بالنظر في استئناف الأحكام المتعلقة بالاختصاص النوعي أيا كانت
الجهة القضائية المصدرة لها ينعقد لمحكمة النقض";، يكون قرارها مرتكزا على
أساس قانوني وما بالسبب غير جدير بالاعتبار (5) .

غير انه ورغم هذه القرارات المتواترة الصادرة عن محكمة النقض (المجلس
الأعلى سابقا)إلا ان محكمة النقض خالفتها وبصورة متناقضة معها في القرار

1

الصادر عنها بتاريخ 5/6/2014 من حيث المحكمة التي تبت في الطعن المتعلق
بالإختصاص النوعي كلما كان النزاع المطروح هو بين محكمة مدنية واخرى
تجارية أو العكس ، ففي هذه الحالات من نوع النزاع تبت محكمة الإستئناف
وليس المجلس الأعلى أو محكمة النقض . وهكذا فقد قررت محكمة النقض في
تعليلها ما يلي :” لكن حيث لئن أوكل القانون رقم 90/41 المحدث بموجبه المحاكم
الإدارية للغرفة الإدارية بمحكمة النقض البت كدرجة استئنافية في النزاعات
المتعلقة بالاختصاص النوعي وتحديد المحكمة المختصة عند الاقتضاء، فإن
المادة 13 من القانون المذكور تحصر نظر هذه الجهة في البت في تنازع
الاختصاص بين محكمة عادية ومحكمة إدارية، والحال أن النزاع الحالي يتعلق
بتنازع الاختصاص بين المحكمة التجارية والمحكمة المدنية، الأمر الذي يخرج
عن نطاق المادة 13 المذكورة ما دام الحكم الذي أصدرته المحكمة التجارية يبقى
قابلا للطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف التجارية مما يتعين معه
التصريح بعدم قبول الطلب (6) .

وتأكيدا لهذه القاعدة الصادرة عن محكمة النقض فانه إذا ما كان النزاع بشأن
الإختصاص النوعي بين محكمة تجارية واخرى مدنية وتم استئناف الحكم
القاضي بالإختصاص أو برفضه أمام محكمة الإستئناف التجارية ، فان القرار
الذي تصدره محكمة الإستئناف التجارية في شأن الدفع بعدم الإختصاص النوعي
لا يقبل أي طعن عادي أو غير عادي ، والطعن فيه بالنقض يكون غير مقبول
شكلا (7) .

وينبغي بعد دراسة هذا الجانب من القرارات بشأن الإختصاص النوعي ، ابداء
الملاحظتين
التاليتين :

الملاحظة الأولى: ينبغي كلما كان النزاع معروضا بين محكمة مدنية وأخرى
ادارية أو العكس ، ان تبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بشان اثارة
الإختصاص النوعي أو الدفع بشأنه أمام كل محكمة محكمة وذلك طبقا للمادة 13
من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية والتي تنص على ما يلي:” اذا
اثير دفع بعدم الإختصاص النوعي أمام جهة قضائية مدنية أو ادارية ، وجب
عليها ان تبت فيه بحكم مستقل ...وللأطراف ان يستأنفوا هذا الحكم ايا كانت
الجهة القضائية الصادر عنها أمام المجلس الأعلى ...” .


الملاحظة الثانية : وبنبغي أيضا كلما كان النزاع معروضا بين محكمة مدنية
واخرى تجارية أو العكس ، بشأن اثارة الإختصاص النوعي أو الدفع بشأنه ، ان
تبت محكمة الإستئناف أو محكمة اٌلإستئناف التجارية حسب الأحوال ، ويكون
القرار التجاري الصادر في هذا الشأن غير قابل لأي طعن عادي أو غير عادي
طبقا للمادة 8 من القانون رقم 95-53 المحدث للمحاكم التجارية ، والذي ينص على
ما يلي:”ان القرار الذي تصدره محكمة الإستئناف التجارية في شأن الإختصاص
النوعي لا يقبل أي طعن عادي أو غير عادي” .

وتأكيدا لهذه المقتضيات التي تمت الملاحظة بشأنها ، فان محكمة النقض
صرحت بكون محكمة الإستئناف التجارية هي المختصة للنظر في الطعن
المرفوع في النزاع بعدم الإختصاص النوعي المثار بين محكمة تجارية واخرى
مدنية ، وبالتالي لم تقبل طلب النقض المرفوع ضد القرار الصادر عن محكمة
الإستئناف التجارية (8) .

وكذلك يظهر ان محكمة النقض اتجهت الى اعتبار ، انه كلما كان العنصر
الإداري مستبعدا من النزاع ، يكون الإختصاص بشأن استئناف الحكم الصادر
بالإختصاص أو بعدم الإختصاص أو في الدفع بعدم الإختصاص ، تكون محكمة
الإستناف هي المختصة للنظر في الطعن . وهكذا فقد ورد في تعليل قرار محكمة
النقض ما يلي :” لكن، حيث لئن كانت المادة 13 من القانون رقم 90/41 المحدث
للمحاكم الإدارية قد نصت على أنه للأطراف أن يستأنفوا الحكم المتعلق
بالاختصاص النوعي أيا كانت الجهة القضائية الصادر عنها أمام محكمة النقض،
وأن القانون رقم 03-80 نص بموجب المادة 12 منه صراحة على الإبقاء على هذا
المقتضى، فإن مجال تطبيقه ينحصر في الحالة التي تتعلق بالاختصاص النوعي
للقضاء الإداري من عدمه بخلاف الدفع المثار في إطار الدعوى الحالية الرامي
إلى نفي الاختصاص عن القضاء المدني ( المحكمة الابتدائية بأبركان) لفائدة
القضاء التجاري، ويترتب عليه أن الطلب الحالي قدم لجهة قضائية غير مختصة
قانونا للفصل فيه إذ يبقى من اختصاص محكمة الاستئناف بوجدة خلافا للمذكرة
الإصلاحية التي تقدم بها المستأنفون بتاريخ 19 ديسمبر 2013” (9) .

ولعل هذا الراي الذي سارت عليه محكمة النقض في قرارها الحديث المذكور
قبل قليل هو الرأي الذي وصلت اليه منذ سنة 2005 وذلك حسب قرارها الصادر
بتاريخ 27/7/2005 تحت عدد 615 والذي جاء في تعليله ما يلي :” لكن حيث ان
الإستئناف الذي يرفع أمام المجلس الأعلى بأن الإختصاص النوعي تطبيقا



لمقتضيات المادة 13 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية ، هو ذلك
الذي يتعلق بالدفع بعدم الإختصاص النوعي بين المحكمة الإبتدائية والمحكمة
التجارية في مثل الحالة المعروضة ضمن مقتضيات المادة 13 من القانون رقم
90/41 المذكور مما يكون معه الإستئناف غير مقبول (10) .

خــــاتـــــمة :

وخلاصة القول هو ان الجهة المختصة للبت في الطعن باستئناف الحكم القاضي
في الإختصاص النوعي سواء كان مثارا بصفة تلقائية من طرف المحكمة أو كان
بواسطة الدفع بعدم الإختصاص النوعي : هو لمحكمة الإستئئناف العادية كلما
كان النزاع بين محكمة مدنية واخرى تجارية . كما يكون لمحكمة الإستئناف
التجارية كلما كان النزاع بين محكمة تجارية واخرى مدنية أو العكس . بينما
يكون لمحكمة النقض كلما تبين ان هناك عنصر اداري في النزاع بين محكمة
مدنية من جهة ومحكمة متخصصة من جهة اخرى والعكس صحيح .




الخميسات في 17/7/2020


الهوامش :


1 ) قرار عدد 651 بتاريخ 15/11/2001 مجلة رسالة المحاماة ع 25 ص 90 .
2 ) قرار عدد 102 بتاريخ 17/10/2002 مجلة رسالة المحاماة ع 25 ص 107
3 ) قرار عدد 595 بتاريخ 13/2/2008 مجلة رسالة المحاماة ع 29 ص 165 .
4 ) قرار عدد 328 بتاريخ 23/1/2008 مجلة قضاء المجلس الأعلى ع 69 ص 29 .
5 ) قرار عدد 118 بتاريخ 17/2/2015 مجلة القضاء المدني ع 14 س 7 ص: 151 .
6 ) قرار محكمة النقض عدد 771/1 بتاريخ 5/6/2014 محمد بفقير ،العمل القضائي للغرفة الإدارية لمحكمة النق خلال سنتي
2014 و 2015 ج 1 مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء 2016 ص 40 .
7 ) قرار محكمة النقض عدد 87 بتاريخ 12/2/2015 مجلة قضاء محكمة النقض ع 80 ص 24 .
8 ) انظر القرار عدد 771/1 المذكور أعلاه م.س. 40 .
9 ) قرار محكمة النقض عدد 622/1 بتاريخ 8/5/2014 محمد بفقير ،العمل القضائي للغرفة الإدارية لمحكمة النق خلال سنتي
2014 و 2015 ج 1 مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء 2016 ص 21 .
10) قرار عدد 615 مجلة المحامي ع 52 ص 240 .



الخميس 28 يوليوز 2022

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter