تساهم شبكة الانترنيت في تغيير التنظيم الاجتماعي الدولي عن طريق تقريب العلاقات بين الأفراد والجماعات على جميع المستويات.
فعلى المستوى التجاري تمكن رجال الأعمال من تنمية إنتاجهم والبحث عن أسواق جديدة، وعلى مستوى البحث العلمي والثقافي، تمكن من الاطلاع على بنوك المعطيات ومعرفة آخر الإصدارات عبر العالم والتعريف بالهوية الثقافية، أما على المستوى الاجتماعي فهناك إمكانية لإنشاء مناصب شغل على مستوى الشركات
لتسويق خدمات الانترنيت أو عبر تعميم التعريف بالعروض والطلبات في ميدان الشغل .
وانطلاقا من هذا المعطى الأخير يتبين تطور دور شبكة الانترنيت نحو الوساطة الالكترونية في تسهيل التقاء العرض بالطلب في سوق الشغل، بذلك شهدت بداية التسعينات دخول الوسيط الالكتروني لسوق الشغل كعامل جديد في ميدان الوساطة في التشغيل الأمر الذي كان له الأثر البالغ على الوساطات التقليدية وخاصة في الاقتصاديات المتقدمة، وذلك بإضفاء الصبغة "اللامادية" على الوساطة في التشغيل.
وتعد خدمة التشغيل الالكتروني من أهم الخدمات التي يجب أن تتوافر في منظومة سوق الشغل، وتهدف هذه الخدمة إلى تقليص الهوة بين طالبي الشغل والمشغلين من خلال استخدام القنوات الالكترونية، مساهمة منها على حل ما سمي في الأدب الاقتصادي بالبطالة الاحتكاكية التي يكمن سببها الرئيسي في غياب المعلومات عن طالبي الشغل وفرصه.
وما يتعلق بتبادل المعلومات وكذلك بمختلف المعاملات التي تتم عن طريق الانترنيت ليس بمجال غير منظم، فرغم الصعوبات الكامنة في تقنينها والنابعة أساسا من تحولها وتطورها السريعين، نجد معظم التشريعات تحاول جاهدة مواكبة ذلك عبر وضع العديد من النصوص القانونية التي تتلاءم وخصوصيات هذه المعاملات .
في نفس الوقت نجد أن العديد من التشريعات تفتقر لتنظيم قانوني ينظم الوساطة الالكترونية في التشغيل، ولعل المشرع المغربي من بين هذه التشريعات، إلا فيما تضمنته المادة 491 من مدونة الشغل وبشكل عام في القانون رقم 03. 53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.
وحتى نحيط بما يتعلق بالوساطة الالكترونية في التشغيل نتطرق لماهية الوسيط الالكتروني في التشغيل من خلال تحديد طبيعة عمله القانونية وكيفية أدائه لخدمة الوساطة من جهة، على أن نتطرق للالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط بكل من طالبي الشغل والمشغلين من جهة أخرى.
المطلب الأول: ماهية الوسيط الالكتروني في التشغيل.
لمعرفة ماهية الوسيط الإلكتروني لابد من التطرق لتعريفه وكذلك تحديد الطبيعة القانونية للعمليات التي تتم من خلاله، من جهة، والتعرف على كيفية إجراء عملية الوساطة بين العرض والطلب في التشغيل، من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: تعريف الوسيط الالكتروني وطبيعة عمله .
أولا: تعريف الوسيط الالكتروني
يعتمد التشغيل الالكتروني على مجموعة من الأدوات ذات الطبيعة الالكترونية والتي تعمل بسرية تامة باستخدام برنامج تشغيل مُرَقم يقوم على مقابلة كل من جانب الطلب والعرض في سوق الشغل باستخدام قوائم وصف الأعمال والمهن.
وبالرجوع إلى قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية نجده في الفقرة الخامسة من المادة الثانية نص على ما يلي " يراد بمصطلح "الوسيط" فيما يتعلق برسالة بيانات معينة : الشخص الذي يقوم نيابة عن شخص آخر بإرسال أو استلام أو تخزين رسالة بيانات أو بتقديم خدمات أخرى فيما يتعلق برسالة البيانات هذه ".
وهذا التعريف يمكن أن ينطبق على الوسيط الالكتروني في التشغيل فهو يقوم بنفس المهام كما سنرى فيما بعد.
وان كان قانون الأونسترال يعرف الوسيط بكونه شخص – طبيعي أو معنوي – فإن المشرع الأردني يعرفه في قانون المعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 بكونه "برنامج الحاسوب أو أي وسيلة الكترونية أخرى تستعمل من اجل تنفيذ إجراء أو الاستجابة بقصد إنشاء أو إرسال أو تسلم رسالة دون تدخل شخصي ".
إلا أن ما يهمنا في هذا المقام هو عملية الوساطة، التي يقوم بها الوسيط كان على شكل شخص أم برنامج، فهذا الأخير في آخر الأمر يشرف عليه أشخاص.
أما ما يتعلق بالمشرع المغربي وكما سبق القول فلم يعمل على تنظيم الوسيط الالكتروني في التشغيل إلا بما أشار إليه في المادة 491 من مدونة الشغل بشكل عام حيث ألزم المشرع المسؤول عن كل جريدة أو مجلة أو نشرة كيفما كان نوعها، والذي يدرج ضمن إعلاناتها عرضا أو طلبا يتعلق بالشغل أن يقدم لأعوان تفتيش الشغل وللموظفين المكلفين بالمصلحة المحدثة من لذن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بناءا على طلبهم، جميع البيانات اللازمة حول أسماء وعناوين أصحاب عروض وطلبات التشغيل التي تضمنها الإعلان.
ومن كل هذا يمكن تعريف الوسيط الالكتروني في التشغيل بكونه الموقع (البوابة) الالكتروني الذي يعتمد مجموعة من التقنيات التي تمكن من نشر ومعالجة المعلومات بهدف تسهيل التقاء العرض والطلب في سوق الشغل.
ثانيا:طبيعة عمل الوسيط الالكتروني.
تتعدد الأدوار التي يقوم بها الوسيط الالكتروني في التشغيل، كما تتعدد معها كذلك العلاقات التي تربط بينه وبين المتعاملين معه، ويترتب على هذه العلاقات العديد من الالتزامات.
وما يمكن أن يقال على طبيعة هذه الالتزامات، فان الغالب فيها أنها التزامات ببدل عناية، حتى وان ربط بين الوسيط الالكتروني والمشغل عقد اشتراك، فهو في الأخير لبدل جهد وليس لتحقيق نتيجة تتمثل في تحقيق متطلباته من الأجراء.
ومن جهة أخرى يثار مشكل بشأن طبيعة الإعلانات التي تنشر على الموقع الوسيط فهل تعد إيجابا أم مجرد دعوة للتفاوض ؟
في هذا الأمر نجد التوجيهات الأوربية الخاصة بحماية المستهلكين في العقود المبرمة عن بعد عرفت الإيجاب الالكتروني كالتالي " الإيجاب كل اتصال عن بعد، يتضمن العناصر اللازمة بحيث يستطيع المرسل إليه أن يقبل التعاقد مباشرة، ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان".
من هذا التعريف يتبين أن الإعلانات التي تنشر على مواقع التشغيل مجرد دعوة للتفاوض يمكن من خلالها بدأ المفاوضات للتعاقد، حيث أن هذه المرحلة- بدأ المفاوضات- تكون بين المشغل وطالب الشغل مباشرة ويكون الوسيط قد أدى مهمته بالتقائهما للتفاوض، ولعل ما يؤكد ذلك هو اقتصار طلبات الشغل المنشورة على الوسيط الالكتروني على بعض البيانات التي تعرف بأصحابها والتي لا ترقى إلى أن تشكل إيجابا لأصحابها.
من خلال ما تقدم يتبين أن عمل الوسيط الالكتروني في التشغيل يشبه إلى حد كبير عمل وكالة التشغيل الخصوصية، إلا بالنسبة للوسائل المعتمدة من قبلهما، وبالتالي فإنه يمكن وصف الوسيط الالكتروني في التشغيل بكونه وكالة تشغيل خصوصية عن بعد أو افتراضية .
الفقرة الثانية: كيفية عمل الوسيط الالكتروني في التشغيل.
يسمح التشغيل الالكتروني بالتفاعل المباشر واستمرار عملية البحث والتشغيل على مدار الساعة وطوال الأسبوع لكل الراغبين فيه.
فبمجرد دخول طالب الشغل موقع الكتروني للتشغيل إلا ويجد أمامه العديد من الأسئلة تجيب له عن كفاءاته وعن المجال الوظيفي الذي يبحث عنه والمناطق التي يرغب بالشغل بها، ومجموعة من الأمور الأخرى من قبيل الأجر المقترح وكذلك معلومات عن المشغلين.
وفي بعض المواقع يمكن لطالب التشغيل فيها أن يختار تلقي إخطار بالوظائف التي تناسبه عبر البريد الالكتروني الشخصي، أو يختار نشر سيرته الذاتية في بنك السير الذاتية الخاص بالموقع، بحيث يمكن للمشغلين الباحثين عن شخص مناسب أن يتصلوا به مباشرة.
أما بالنسبة للمشغلين فإنهم يتمكنون من عرض عروض الشغل في مكان مخصص لذلك ويتم الاطلاع عليها بطريقتين :
- الاطلاع عليها بزيارة الموقع، أي أن طالب الشغل يبحث بنفسه عما يناسبه من عروض الشغل .
- أو أن الموزع ( serveur ( يرسل إرساليات قصيرة ( SMS) باعتماد المواصفات المناسبة لطالب الشغل والتي حددها بنفسه ( مستوى الكفاءة، الأجر، قطاع النشاط، المنطقة...).
وكثيرا ما يساعد التصميم الذي يعتمده الموقع الوسيط على فهم العملية (الوساطة ) كيف تتم، حيث يحتوي على مجموعة من الأقسام، منها الخاص بطلبات الشغل ومنها الخاصة بعروض الشغل، وأخرى خاصة بالتكوين حول كيفية كتابة السيرة الذاتية وإجراء المقابلات مع المشغلين.
وفي كندا، يستطيع المشغلون باستخدام قائمة مراجعة أن يرسموا ملامح المناصب التي يريدون شغرها وأن يتعرفوا على المهارات والتعليم والخبرة التي يبحثون عليها. ويضع الباحثون من جانبهم مواصفات بالاعتماد على قائمة مراجعة للمهارات تبين ماهية مهاراتهم وتعليمهم وخبرتهم، حيث توفر بورصة العمل الالكترونية هذه المعلومات للتوفيق بين الطرفين مباشرة.
المطلب الثاني: الالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط الالكتروني بطرفي علاقة الشغل.
يؤدي تفاعل المعاملات بين كل من الوسيط الإلكتروني للتشغيل من جهة، وطالب وعارض الشغل من جهة أخرى، إلى إنتاج مجموعة من الالتزامات، يتكون أساسها من القانون المنظم لتبادل المعطيات الإلكترونية وكذلك القانون الداخلي المنظم لعمل الوسيط الإلكتروني للتشغيل -الاتفاقية المنظمة لعملية التشغيل- وعلى اعتبار أنه في مرحلة الوساطة لا توجد علاقة بين كل من طالب وعارض الشغل، بذلك سنقتصر على التطرق للالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط بكل من طالب الشغل وعارضه.
الفقرة الأولى: الالتزامات المتبادلة بين الوسيط الإلكتروني وعارض الشغل.
تتنوع المواقع الإلكترونية التي تعمل في هذا المجال، فمنها ما تكون فيه الوساطة في التشغيل أمرا ثانويا، ومنها ما تتخصص في ذلك وترصد له طاقم من الخبراء والمتخصصين في الميدان، وهذا النوع كثيرا ما ينظم علاقته خاصة مع المشغلين بمقتضى عقد اشتراك، وطبيعة عقد الاشتراك تشبه عقد التوريد للمعلومات الذي يربط بين المورد (الوسيط الإلكتروني) وصاحب المعلومات (المشغل) بكونه ناشرا لمعلوماته، وينتج عن هذا العقد مجموعة من الالتزامات على عاتق كلا الطرفين.
أولا: التزامات الوسيط الإلكتروني تجاه عارض الشغل.
تتجلى التزامات الوسيط الإلكتروني تجاه عارض الشغل في تمكينه من إجراء العديد من العمليات :
- تمكين عارض الشغل من امتلاك لوحة تحكم بعد التسجيل والتي تحتوي على صندوق بريدي صادر ووارد لمراسلة طالبي الشغل، المسجلين في الموقع، وكذلك لإضافة سجلات مناصب جديدة والإعلان عنها.
- إمكانية إغلاق المنصب أو حذفه من خلال لوحة التحكم، ليتم إزالته من الموقع بمجرد حذفه من لوحة التحكم.
- الحق في إيقاف حساب الشغل الخاص به، وينتج عن ذلك إيقاف جميع الوظائف المعلن عنها من قبله لحين عودته أو إعادة اشتراكه.
- كما يلتزم الوسيط الالكتروني كذلك بالرد على استفسارات عارضي الشغل وذلك من خلال الهاتف أو البريد الالكتروني، وتزويدهم بكافة الإرشادات لتمكينهم من الاستفادة القصوى من خدمات الموقع.
إلا أننا نجد العديد من المواقع الالكترونية التي تعمل في الوساطة في التشغيل تضع مقتضى يكون بموجبه أنها لا تؤكد صحة البيانات المسجلة وعلى عارض الشغل أو طالبه أن يأخذ كافة الاحتياطات عند التعامل معها.
ثانيا: التزامات عارض الشغل تجاه الوسيط الالكتروني.
لعل أهم التزام يقع على المشغل تجاه الوسيط الالكتروني بعد التعامل معه بحسن نية، أداءه لرسم اشتراك ثابت بغض النظر عن عدد عمليات التشغيل التي يتم إجراءها، أو أداءه لمقابل عمليات التشغيل بعد تمامها.
هذا بغض النظر عن ضرورة إمداد المشغل للوسيط الالكتروني بالمعلومات الكافية لتتم عملية البحث بوضوح.
الفقرة الثانية : الالتزامات المتبادلة بين الوسيط وطالب الشغل.
يُمكن الوسيط الالكتروني طالب الشغل من عرض بياناته على الموقع بمجرد تسجيله لديه بالمجان، إلا أنه رغم ذلك يلتزم تجاهه بالعديد من الالتزامات.
أولا: التزامات الوسيط الالكتروني تجاه طالب الشغل.
يلتزم الوسيط الالكتروني من منطلق عدم التمييز بين طالبي الشغل، بتقديم فرص عادلة ومتساوية لكافة طالبي الشغل.
كما يلتزم الوسيط بعرض السيرة الذاتية لكل طالب شغل في صفحات البحث وصفحات طلب الأجراء، إلا أنه وحتى يتم ذلك ينبغي أن تستوفي السيرة الذاتية كافة الشروط والمواصفات حسب سياسة كل موقع وسيط في التشغيل.
وتتم معالجة السيرة الذاتية بالموقع وفقا لتقنيات إدارية وآلية حديثة، وإذا ما توافقت مع عروض للشغل يتم إبلاغ طالبي الشغل عن ذلك بإرسال رسائل التبليغ بحساب البريد الالكتروني الخارجي.
كما يخول الوسيط الالكتروني لطالبي الشغل إرسال رسائل الكترونية من خلال الموقع إلى عارضي الشغل في حالة قبول المشغلين استقبال رسائل خارجية من رواد الموقع.
ثانيا: التزامات طالبي الشغل تجاه الوسيط الالكتروني .
يفرض مبدأ حسن النية في المعاملات بشكل عام العديد من الالتزامات، من أهمها الالتزام بالتعاون ، والالتزام بالنصح ...
وتتمثل هذه الالتزامات في ما يخص علاقة طالب الشغل بالوسيط الالكتروني، بالتزام الأول في التعاون مع الثاني من خلال مده بالبيانات الضرورية وتحديد أغراضه وأهدافه لبدء عملية البحث عن منصب شغل يناسبه.
كما يلتزم طالب الشغل بعدم تضمين سيرته الذاتية ما يخالف النظام العام والآداب، وأن يلتزم باحترام مجموع القواعد المعمول بها في الموقع والتي سبق أن وافق عليها بتسجيله لذا الموقع الوسيط، ويترتب على عدم احترامه لما وافق عليه، حذف سيرته الذاتية من الموقع الالكتروني الوسيط بالإضافة إلى إمكانية مساءلته إذا ما صدر عنه فعل ترتب عنه ضرر للموقع أو للغير .
خاتمة:
من خلال كل ما تم بسطه يتبين أن التنظيم القانوني للوسيط الالكتروني في التشغيل لازال يتسم بالنذرة والضعف مقارنة بالأدوار والخدمات المتزايدة التي صار يقدمها لطرفي العلاقة الشغلية.
ومخافة أن يصير هذا المجال المتزايد الاهتمام بدون تنظيم يحفظ حقوق مستعمليه ويبين التزاماتهم فإنه بات من اللازم على المشرع التدخل لوضع قانون خاص بذلك أو إضافة مواد في مدونة الشغل تنظم ضوابطه بالتفصيل .
تاريخ التوصل: 27سبتمبر2011
تاريخ النشر:27سبتمبر2011
فعلى المستوى التجاري تمكن رجال الأعمال من تنمية إنتاجهم والبحث عن أسواق جديدة، وعلى مستوى البحث العلمي والثقافي، تمكن من الاطلاع على بنوك المعطيات ومعرفة آخر الإصدارات عبر العالم والتعريف بالهوية الثقافية، أما على المستوى الاجتماعي فهناك إمكانية لإنشاء مناصب شغل على مستوى الشركات
لتسويق خدمات الانترنيت أو عبر تعميم التعريف بالعروض والطلبات في ميدان الشغل .
وانطلاقا من هذا المعطى الأخير يتبين تطور دور شبكة الانترنيت نحو الوساطة الالكترونية في تسهيل التقاء العرض بالطلب في سوق الشغل، بذلك شهدت بداية التسعينات دخول الوسيط الالكتروني لسوق الشغل كعامل جديد في ميدان الوساطة في التشغيل الأمر الذي كان له الأثر البالغ على الوساطات التقليدية وخاصة في الاقتصاديات المتقدمة، وذلك بإضفاء الصبغة "اللامادية" على الوساطة في التشغيل.
وتعد خدمة التشغيل الالكتروني من أهم الخدمات التي يجب أن تتوافر في منظومة سوق الشغل، وتهدف هذه الخدمة إلى تقليص الهوة بين طالبي الشغل والمشغلين من خلال استخدام القنوات الالكترونية، مساهمة منها على حل ما سمي في الأدب الاقتصادي بالبطالة الاحتكاكية التي يكمن سببها الرئيسي في غياب المعلومات عن طالبي الشغل وفرصه.
وما يتعلق بتبادل المعلومات وكذلك بمختلف المعاملات التي تتم عن طريق الانترنيت ليس بمجال غير منظم، فرغم الصعوبات الكامنة في تقنينها والنابعة أساسا من تحولها وتطورها السريعين، نجد معظم التشريعات تحاول جاهدة مواكبة ذلك عبر وضع العديد من النصوص القانونية التي تتلاءم وخصوصيات هذه المعاملات .
في نفس الوقت نجد أن العديد من التشريعات تفتقر لتنظيم قانوني ينظم الوساطة الالكترونية في التشغيل، ولعل المشرع المغربي من بين هذه التشريعات، إلا فيما تضمنته المادة 491 من مدونة الشغل وبشكل عام في القانون رقم 03. 53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.
وحتى نحيط بما يتعلق بالوساطة الالكترونية في التشغيل نتطرق لماهية الوسيط الالكتروني في التشغيل من خلال تحديد طبيعة عمله القانونية وكيفية أدائه لخدمة الوساطة من جهة، على أن نتطرق للالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط بكل من طالبي الشغل والمشغلين من جهة أخرى.
المطلب الأول: ماهية الوسيط الالكتروني في التشغيل.
لمعرفة ماهية الوسيط الإلكتروني لابد من التطرق لتعريفه وكذلك تحديد الطبيعة القانونية للعمليات التي تتم من خلاله، من جهة، والتعرف على كيفية إجراء عملية الوساطة بين العرض والطلب في التشغيل، من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: تعريف الوسيط الالكتروني وطبيعة عمله .
أولا: تعريف الوسيط الالكتروني
يعتمد التشغيل الالكتروني على مجموعة من الأدوات ذات الطبيعة الالكترونية والتي تعمل بسرية تامة باستخدام برنامج تشغيل مُرَقم يقوم على مقابلة كل من جانب الطلب والعرض في سوق الشغل باستخدام قوائم وصف الأعمال والمهن.
وبالرجوع إلى قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية نجده في الفقرة الخامسة من المادة الثانية نص على ما يلي " يراد بمصطلح "الوسيط" فيما يتعلق برسالة بيانات معينة : الشخص الذي يقوم نيابة عن شخص آخر بإرسال أو استلام أو تخزين رسالة بيانات أو بتقديم خدمات أخرى فيما يتعلق برسالة البيانات هذه ".
وهذا التعريف يمكن أن ينطبق على الوسيط الالكتروني في التشغيل فهو يقوم بنفس المهام كما سنرى فيما بعد.
وان كان قانون الأونسترال يعرف الوسيط بكونه شخص – طبيعي أو معنوي – فإن المشرع الأردني يعرفه في قانون المعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 بكونه "برنامج الحاسوب أو أي وسيلة الكترونية أخرى تستعمل من اجل تنفيذ إجراء أو الاستجابة بقصد إنشاء أو إرسال أو تسلم رسالة دون تدخل شخصي ".
إلا أن ما يهمنا في هذا المقام هو عملية الوساطة، التي يقوم بها الوسيط كان على شكل شخص أم برنامج، فهذا الأخير في آخر الأمر يشرف عليه أشخاص.
أما ما يتعلق بالمشرع المغربي وكما سبق القول فلم يعمل على تنظيم الوسيط الالكتروني في التشغيل إلا بما أشار إليه في المادة 491 من مدونة الشغل بشكل عام حيث ألزم المشرع المسؤول عن كل جريدة أو مجلة أو نشرة كيفما كان نوعها، والذي يدرج ضمن إعلاناتها عرضا أو طلبا يتعلق بالشغل أن يقدم لأعوان تفتيش الشغل وللموظفين المكلفين بالمصلحة المحدثة من لذن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بناءا على طلبهم، جميع البيانات اللازمة حول أسماء وعناوين أصحاب عروض وطلبات التشغيل التي تضمنها الإعلان.
ومن كل هذا يمكن تعريف الوسيط الالكتروني في التشغيل بكونه الموقع (البوابة) الالكتروني الذي يعتمد مجموعة من التقنيات التي تمكن من نشر ومعالجة المعلومات بهدف تسهيل التقاء العرض والطلب في سوق الشغل.
ثانيا:طبيعة عمل الوسيط الالكتروني.
تتعدد الأدوار التي يقوم بها الوسيط الالكتروني في التشغيل، كما تتعدد معها كذلك العلاقات التي تربط بينه وبين المتعاملين معه، ويترتب على هذه العلاقات العديد من الالتزامات.
وما يمكن أن يقال على طبيعة هذه الالتزامات، فان الغالب فيها أنها التزامات ببدل عناية، حتى وان ربط بين الوسيط الالكتروني والمشغل عقد اشتراك، فهو في الأخير لبدل جهد وليس لتحقيق نتيجة تتمثل في تحقيق متطلباته من الأجراء.
ومن جهة أخرى يثار مشكل بشأن طبيعة الإعلانات التي تنشر على الموقع الوسيط فهل تعد إيجابا أم مجرد دعوة للتفاوض ؟
في هذا الأمر نجد التوجيهات الأوربية الخاصة بحماية المستهلكين في العقود المبرمة عن بعد عرفت الإيجاب الالكتروني كالتالي " الإيجاب كل اتصال عن بعد، يتضمن العناصر اللازمة بحيث يستطيع المرسل إليه أن يقبل التعاقد مباشرة، ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان".
من هذا التعريف يتبين أن الإعلانات التي تنشر على مواقع التشغيل مجرد دعوة للتفاوض يمكن من خلالها بدأ المفاوضات للتعاقد، حيث أن هذه المرحلة- بدأ المفاوضات- تكون بين المشغل وطالب الشغل مباشرة ويكون الوسيط قد أدى مهمته بالتقائهما للتفاوض، ولعل ما يؤكد ذلك هو اقتصار طلبات الشغل المنشورة على الوسيط الالكتروني على بعض البيانات التي تعرف بأصحابها والتي لا ترقى إلى أن تشكل إيجابا لأصحابها.
من خلال ما تقدم يتبين أن عمل الوسيط الالكتروني في التشغيل يشبه إلى حد كبير عمل وكالة التشغيل الخصوصية، إلا بالنسبة للوسائل المعتمدة من قبلهما، وبالتالي فإنه يمكن وصف الوسيط الالكتروني في التشغيل بكونه وكالة تشغيل خصوصية عن بعد أو افتراضية .
الفقرة الثانية: كيفية عمل الوسيط الالكتروني في التشغيل.
يسمح التشغيل الالكتروني بالتفاعل المباشر واستمرار عملية البحث والتشغيل على مدار الساعة وطوال الأسبوع لكل الراغبين فيه.
فبمجرد دخول طالب الشغل موقع الكتروني للتشغيل إلا ويجد أمامه العديد من الأسئلة تجيب له عن كفاءاته وعن المجال الوظيفي الذي يبحث عنه والمناطق التي يرغب بالشغل بها، ومجموعة من الأمور الأخرى من قبيل الأجر المقترح وكذلك معلومات عن المشغلين.
وفي بعض المواقع يمكن لطالب التشغيل فيها أن يختار تلقي إخطار بالوظائف التي تناسبه عبر البريد الالكتروني الشخصي، أو يختار نشر سيرته الذاتية في بنك السير الذاتية الخاص بالموقع، بحيث يمكن للمشغلين الباحثين عن شخص مناسب أن يتصلوا به مباشرة.
أما بالنسبة للمشغلين فإنهم يتمكنون من عرض عروض الشغل في مكان مخصص لذلك ويتم الاطلاع عليها بطريقتين :
- الاطلاع عليها بزيارة الموقع، أي أن طالب الشغل يبحث بنفسه عما يناسبه من عروض الشغل .
- أو أن الموزع ( serveur ( يرسل إرساليات قصيرة ( SMS) باعتماد المواصفات المناسبة لطالب الشغل والتي حددها بنفسه ( مستوى الكفاءة، الأجر، قطاع النشاط، المنطقة...).
وكثيرا ما يساعد التصميم الذي يعتمده الموقع الوسيط على فهم العملية (الوساطة ) كيف تتم، حيث يحتوي على مجموعة من الأقسام، منها الخاص بطلبات الشغل ومنها الخاصة بعروض الشغل، وأخرى خاصة بالتكوين حول كيفية كتابة السيرة الذاتية وإجراء المقابلات مع المشغلين.
وفي كندا، يستطيع المشغلون باستخدام قائمة مراجعة أن يرسموا ملامح المناصب التي يريدون شغرها وأن يتعرفوا على المهارات والتعليم والخبرة التي يبحثون عليها. ويضع الباحثون من جانبهم مواصفات بالاعتماد على قائمة مراجعة للمهارات تبين ماهية مهاراتهم وتعليمهم وخبرتهم، حيث توفر بورصة العمل الالكترونية هذه المعلومات للتوفيق بين الطرفين مباشرة.
المطلب الثاني: الالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط الالكتروني بطرفي علاقة الشغل.
يؤدي تفاعل المعاملات بين كل من الوسيط الإلكتروني للتشغيل من جهة، وطالب وعارض الشغل من جهة أخرى، إلى إنتاج مجموعة من الالتزامات، يتكون أساسها من القانون المنظم لتبادل المعطيات الإلكترونية وكذلك القانون الداخلي المنظم لعمل الوسيط الإلكتروني للتشغيل -الاتفاقية المنظمة لعملية التشغيل- وعلى اعتبار أنه في مرحلة الوساطة لا توجد علاقة بين كل من طالب وعارض الشغل، بذلك سنقتصر على التطرق للالتزامات الناتجة عن علاقة الوسيط بكل من طالب الشغل وعارضه.
الفقرة الأولى: الالتزامات المتبادلة بين الوسيط الإلكتروني وعارض الشغل.
تتنوع المواقع الإلكترونية التي تعمل في هذا المجال، فمنها ما تكون فيه الوساطة في التشغيل أمرا ثانويا، ومنها ما تتخصص في ذلك وترصد له طاقم من الخبراء والمتخصصين في الميدان، وهذا النوع كثيرا ما ينظم علاقته خاصة مع المشغلين بمقتضى عقد اشتراك، وطبيعة عقد الاشتراك تشبه عقد التوريد للمعلومات الذي يربط بين المورد (الوسيط الإلكتروني) وصاحب المعلومات (المشغل) بكونه ناشرا لمعلوماته، وينتج عن هذا العقد مجموعة من الالتزامات على عاتق كلا الطرفين.
أولا: التزامات الوسيط الإلكتروني تجاه عارض الشغل.
تتجلى التزامات الوسيط الإلكتروني تجاه عارض الشغل في تمكينه من إجراء العديد من العمليات :
- تمكين عارض الشغل من امتلاك لوحة تحكم بعد التسجيل والتي تحتوي على صندوق بريدي صادر ووارد لمراسلة طالبي الشغل، المسجلين في الموقع، وكذلك لإضافة سجلات مناصب جديدة والإعلان عنها.
- إمكانية إغلاق المنصب أو حذفه من خلال لوحة التحكم، ليتم إزالته من الموقع بمجرد حذفه من لوحة التحكم.
- الحق في إيقاف حساب الشغل الخاص به، وينتج عن ذلك إيقاف جميع الوظائف المعلن عنها من قبله لحين عودته أو إعادة اشتراكه.
- كما يلتزم الوسيط الالكتروني كذلك بالرد على استفسارات عارضي الشغل وذلك من خلال الهاتف أو البريد الالكتروني، وتزويدهم بكافة الإرشادات لتمكينهم من الاستفادة القصوى من خدمات الموقع.
إلا أننا نجد العديد من المواقع الالكترونية التي تعمل في الوساطة في التشغيل تضع مقتضى يكون بموجبه أنها لا تؤكد صحة البيانات المسجلة وعلى عارض الشغل أو طالبه أن يأخذ كافة الاحتياطات عند التعامل معها.
ثانيا: التزامات عارض الشغل تجاه الوسيط الالكتروني.
لعل أهم التزام يقع على المشغل تجاه الوسيط الالكتروني بعد التعامل معه بحسن نية، أداءه لرسم اشتراك ثابت بغض النظر عن عدد عمليات التشغيل التي يتم إجراءها، أو أداءه لمقابل عمليات التشغيل بعد تمامها.
هذا بغض النظر عن ضرورة إمداد المشغل للوسيط الالكتروني بالمعلومات الكافية لتتم عملية البحث بوضوح.
الفقرة الثانية : الالتزامات المتبادلة بين الوسيط وطالب الشغل.
يُمكن الوسيط الالكتروني طالب الشغل من عرض بياناته على الموقع بمجرد تسجيله لديه بالمجان، إلا أنه رغم ذلك يلتزم تجاهه بالعديد من الالتزامات.
أولا: التزامات الوسيط الالكتروني تجاه طالب الشغل.
يلتزم الوسيط الالكتروني من منطلق عدم التمييز بين طالبي الشغل، بتقديم فرص عادلة ومتساوية لكافة طالبي الشغل.
كما يلتزم الوسيط بعرض السيرة الذاتية لكل طالب شغل في صفحات البحث وصفحات طلب الأجراء، إلا أنه وحتى يتم ذلك ينبغي أن تستوفي السيرة الذاتية كافة الشروط والمواصفات حسب سياسة كل موقع وسيط في التشغيل.
وتتم معالجة السيرة الذاتية بالموقع وفقا لتقنيات إدارية وآلية حديثة، وإذا ما توافقت مع عروض للشغل يتم إبلاغ طالبي الشغل عن ذلك بإرسال رسائل التبليغ بحساب البريد الالكتروني الخارجي.
كما يخول الوسيط الالكتروني لطالبي الشغل إرسال رسائل الكترونية من خلال الموقع إلى عارضي الشغل في حالة قبول المشغلين استقبال رسائل خارجية من رواد الموقع.
ثانيا: التزامات طالبي الشغل تجاه الوسيط الالكتروني .
يفرض مبدأ حسن النية في المعاملات بشكل عام العديد من الالتزامات، من أهمها الالتزام بالتعاون ، والالتزام بالنصح ...
وتتمثل هذه الالتزامات في ما يخص علاقة طالب الشغل بالوسيط الالكتروني، بالتزام الأول في التعاون مع الثاني من خلال مده بالبيانات الضرورية وتحديد أغراضه وأهدافه لبدء عملية البحث عن منصب شغل يناسبه.
كما يلتزم طالب الشغل بعدم تضمين سيرته الذاتية ما يخالف النظام العام والآداب، وأن يلتزم باحترام مجموع القواعد المعمول بها في الموقع والتي سبق أن وافق عليها بتسجيله لذا الموقع الوسيط، ويترتب على عدم احترامه لما وافق عليه، حذف سيرته الذاتية من الموقع الالكتروني الوسيط بالإضافة إلى إمكانية مساءلته إذا ما صدر عنه فعل ترتب عنه ضرر للموقع أو للغير .
خاتمة:
من خلال كل ما تم بسطه يتبين أن التنظيم القانوني للوسيط الالكتروني في التشغيل لازال يتسم بالنذرة والضعف مقارنة بالأدوار والخدمات المتزايدة التي صار يقدمها لطرفي العلاقة الشغلية.
ومخافة أن يصير هذا المجال المتزايد الاهتمام بدون تنظيم يحفظ حقوق مستعمليه ويبين التزاماتهم فإنه بات من اللازم على المشرع التدخل لوضع قانون خاص بذلك أو إضافة مواد في مدونة الشغل تنظم ضوابطه بالتفصيل .
تاريخ التوصل: 27سبتمبر2011
تاريخ النشر:27سبتمبر2011