مقدمة :
تقتضي المصلحة العامة أن تتوفر الدولة على مجموعة من الأملاك سواء كانت عقارية أو
منقولة ، والتي تساهم في تسهيل أداء الدولة في مختلف الميادين على الوجه المطلوب.
ويعتبر الملك عاما إذا توفر فيه شرطان:
1/ أن يكون مملوكا للدولة أو لأحد أشخاص القانون العام،
2/ أن يكون مخصصا للمنفعة العامة،
وتخضع الأملاك العامة لنظام قانوني خاص ،فلا يجوز تملكها بالتقادم ،ولا تخضع لقاعدة الحيازة في المنقول، ولا تكون محلا للمعاملات التي تخضع لها الأموال الخاصة كالبيع والشراء والكراء، كما لاتخضع لأي أنواع الرهن والتأمين ولا لعملية الحجز والبيع الجبري في المزاد.
ومما نخلص إليه أن الأملاك العمومية ليست محلا للتصرف.
إن صفة المال مقتصرة على الحقوق ذات القيمة الاقتصادية التي يمكن أن تترتب على الأشياء، في حين أن الأشياء هي المجال الذي تقع عليه هذه الحقوق .
فالأرض والمباني والسدود والشواطئ...هي أشياء. أما حق الملكية وحق الإنتفاع وحق الرهن، وغيرها من هذه الحقوق المترتبة عن هذه الأشياء فهي أموال.
وتندرج هذه الحقوق المذكورة ضمن ما يعرف في القانون الخاص بالحقوق العينية.
والحق العيني هو السلطة القانونية التي تتبت في مواجهة شيء معين، والتي تخول صاحبها ممارسة كافة الحقوق على هذا الشيء مباشرة ودون وساطة شخص آخر
والحقوق العينية نوعان، أصلية وتبعية ،فالأولى هي الحقوق القائمة بذاتها دون حاجة إلى غيرها، ونظرا لأهميتها، فقد عددها المشرع المغربي في الفصل8 من ظهير 2 يونيو 1915 الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة ،ومنها حق الملكية والسطحية والاستعمال وحق السكنى وحق الانتفاع والكراء الطويل الأمد والوقف أو الأحباس .
أما الحقوق العينية التبعية، فهي الحقوق القائمة بغيرها والتي لا يتصور وجودها بدون حق أصلي ترتكز عليه، وتكون تابعة له كالرهن والامتياز.
يكتسي موضوع تأسيس حقوق عينية على الملك العام أهمية كبيرة من حيث معرفة الإطار القانوني الذي ينضم كيفية ممارسة تلك الحقوق المشار إليها أعلاه.
ويعتبر حق الملكية من أهم الحقوق العينية على الإطلاق على اعتبار أنه حق دائم، وثانيا يحظى حق الملكية بقدسية أغلب التشريعات، فالدستور المغربي ينص في فصله 15 على أن حق الملكية والمبادرة الفردية مضمونان. ولا تنتزع إلا للمنفعة العامة و وفقا للقانون.
فحق الملكية أو حق التملك إذ لا يزال مصونا ومضمونا ومقدسا باعتباره معقلا للحريات جميعها.
فكيف تم الاعتراف بحق الملكية في الملك العمومي؟
إذا كان الأمر يتعلق بحق الملكية لم ينازع أحد قط على وجودها رغم ماله من مميزات خاصة تتبلور في الغرض العمومي المخصصة له الأملاك التي يشملها، وهو حق يمكن أن يكتسبه جميع الأشخاص العموميين، فإنه تتفرع عن السؤال الذي طرحناه في البداية أسئلة أخرى من قبيل:
ماهي مميزات حق الملكية؟ كيف تم تحديد الملكية الإدارية؟
وهل تشكل الحقوق العينية الأخرى قيودا على حق الملكية ؟ ونخص بالذكر حقوق الارتقاق التي لها ارتباط بالملك العام.
وعليه نقسم موضوعنا إلى مبحثين على النحو التالي :
المبحث الأول :مدى تعارض تأسيس حقوق عينية مع حماية الملك العام
المبحث الثاني : تفعيل الحقوق العينية للوظيفة الاقتصادية للملك العام
المبحث الأول :
مدى تعارض تأسيس حقوق عينية مع حماية الملك العام
تعتبر الملكية من أوسع الحقوق العينية الأخرى، فهي تعطي لصاحبها سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف
فهل يجور للدولة حق الملكية على أموالها العامة بهذه الطريقة أم ينبغي مراعاة بعض المميزات التي يمتاز بها الملك العام ؟
ولمعالجة هذه الإشكالية نتوقف عند الحماية المدنية للملك العام من أي تملك أو اعتداء عليه ،وبالتالي مدى جواز تأسيس حقوق عينية على الملك العام ،أو بالأحرى الإجابة عن التساؤل التالي هل الاعتراف بحق الملكية في الملك العام يتعارض مع حمايته ؟
وتأسيسا على ما سبق نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، وذلك على النحو التالي
المطلب الأول:حصانة الملك العام من تأسيس حقوق عينية عليه
المطلب الثاني:الاعتراف بتأسيس حقوق عينية على الملك العام
المطلب الأول:
حصانة الملك العام من تأسيس حقوق عينية عليه
ترتبط مميزات الملكية الإدارية بالأساس بالغرض العمومي المخصصة له الأملاك العمومية .
والفصل الرابع من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة للدولة يلخص هذه المميزات في :
- لا يقبل التفويت بالأملاك العامة
- لا تسقط حقوق الملكية بمضي الزمان
- والنتيجة أن الملك العمومي لايمكن نزع ملكيته ،أو حجزه ،كما أنه يعتبر في مأمن من كل تقادم يترتب عليه التملك أو سقوط الحق .
يتعلق الأمر إذن بالحماية المدنية للملك العام ،فأين هي تجلياتها ؟
بداية نشير إلى أن هذه الحماية مقررة فقها وقضاء، وبذلك تكون مطبقة من ناحية العملية.
والهدف الرئيسي من وراء هذه الحماية هو إخراج الملك العام من نطاق المعاملات المعروفة في القانون الخاص، بحيث لا يجوز التصرف في الأملاك العامة ولا الحجز عليها ولا اكتساب ملكيتها بالتقادم، نظرا لأنها مخصصة للمنفعة العامة .
وتجذر الإشارة إلى أن ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة ،وكذلك ظهير 19 أكتوبر 1921 المنظم للأملاك العامة للبلديات لم ينص سوى على قاعدتين من قواعد الحماية المدنية وهما :
- قاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام
- قاعدة عدم اكتساب ملكيتها بالتقادم
أما ظهير 28 يونيو 1954 المنظم للأملاك العامة القروية نص على قاعدة عدم جواز الحجز على الأملاك العامة ،وهذا لا يعني أن الأملاك العامة للدولة والبلديات لاتطبق فيها هذه القاعدة ، وإنما كانت مطبقة بواسطة الاجتهاد القضائي قبل تقنينها .
إن قاعدة عدم التفويت تضمن استمرارية الملك العام في أداء الوظائف المخصص لها،وتعني أن الملك عندما يدرج في دائرة الدومين العام يصبح غير قابل للبيع ولا يتصرف تحت أي شكل من الأشكال المعروفة في القانون المدني كالبيع والرهن والإيجار
والوصية ... كما أن الملك العام لا يخضع لإجراءات نزع الملكية إذ نصت المادة 4 من القانون الصادر في 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت "يمنع على الإدارة اللجوء إلى مسطرة نزع ملكية العقارات العامة "
المطلب الثاني :
الاعتراف بتأسيس حقوق عينية على الملك العام
لقد اقر الفقه وجود حق الملكية للدولة والأشخاص العامة الأخرى بحيث لم يعد حق الملكية مطلقا، وإنما مقيدا بقيود تتجلى في فكرة تخصيص المال للنفع العام.
أما التشريع ،سيما المغربي منه ،لم ينص بصريح العبارة في ظهير 1914 على هذا الحق،لكن النصوص القانونية الأخرى المنظمة لأملاك البلديات ابتداء من سنة 1921 اخدت تقر بالملكية الإدارية ،بحيث جاء في القرار الوزاري المؤرخ في 31 دجنبر 1921 أن كناش إحصاء الأملاك العامة ينبغي أن يتضمن بعض المعلومات لاسيما الإشارة إلى "رسم الملكية "
أما المحاكم المغربية ،فثمة حكم صادر عن استئنافية الرباط بتاريخ 21 مارس 1934 يؤكد فيه أن حق الملكية في الأملاك العامة ثابت بصورة كاملة ما لم يثبت عكس ذلك .
المبحث الثاني :
تفعيل الحقوق العينية للوظيفة الاقتصادية للملك العام
إن قاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام تعرف تلطيفات وتليينات تهم بعض التصرفات التي لا تتنافى مع الصفة العامة لهذه الأملاك ،بمعنى أنها تتعارض مع فكرة التخصيص للنفع العام .
من ناحية أخرى تثار مسالة تأسيس حقوق عينية ومدى تعارضها مع حماية الملك العام في حالة إسناد تسيير المرافق العامة للخواص ، وبالأخص في حالة التدبير المفوض
وعليه نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي :
- المطلب الأول:حالات الترخيص بالانتفاع بالملك العام
- المطلب الثاني:حالة منح وإبرام عقد الامتياز والتدبير المفوض.
المطلب الأول:
حالات الترخيص بالانتفاع بالملك العام
إن مثل هذه التراخيص مؤقتة ،يجوز للإدارة سحبها في أي وقت وفقا للمنفعة العامة مثلا منح الترخيص لبعض الأشخاص بشغل أرصفة الطريق العام .
وما يطبع نظام رخصة هذا انه يجعل المستفيد منه في وضعية مؤقتة نظرا لكون الرخصة قابلة للإلغاء على الدوام ،كما أن السلطة الإدارية ليس لها الحق في اختيار طريقة أخرى لتسيير الاحتلال لان محكمة الاستئناف بالرباط قررت أن الاتفاقية المتعلقة بكراء ملك من الأملاك العامة هي الطريقة الوحيدة الممكن إتباعها في احتلال الأملاك العامة وفقا لما ورد في ظهير 30 نونبر 1918 .
وهناك مثال أخر عن الرخصة المتفق عليها لاستعمال الأملاك العامة.
ومن هذه الرخصة ما نص عليه ظهير فاتح غشت 1925 المتعلق بنظام المياه وكذلك ما نص عليه القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء حيث جاء في المادة 36 منه انه تمنح الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي والتي تحدد نصوص تنظيمية شكليات المصادقة عليها .
ويتضح من خلال هذه المادة أن هناك كيفيتين للاستعمال الانفرادي ترتكز أولهما على الرخصة الممنوحة من جانب واحد وترتكز الثانية على عقد الامتياز وهذا ما سنراه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني :
حالة منح وإبرام عقد الامتياز والتدبير المفوض
يقصد بالامتياز الاتفاقية التي بموجبها تسند الإدارة إلى شركة خاصة تدبير مرفق عام واستغلاله طبقا لشروط محددة في كناش التحملات مقابل التقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق .
وقد نصت المادة 41 من قانون رقم 95-10 المتعلق بالماء على أن تخضع لنظام الامتياز:
- تهيئة العيون المعدنية والحارة وكذا استغلال مياه هذه العيون
- إقامة منشات فوق الملك العام المائي لمدة تفوق خمس سنوات،الهدف منها الحماية من الفيضانات أو تجميع أو تحميل المياه وكذا استعمال هذه المياه .
- تهيئة البحيرات والبرك والمستنقعات
- عملية جلب الماء من الطبقة المائية
- جلب الماء من مجاري المياه والقنوات بهدف إنتاج الطاقة
وحسب نفس المادة، فان الامتياز يشكل '' حقا عيني "لمدة محدودة ولا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي ''
أما بخصوص التدبير المفوض فان استعمل المفوض إليه للأملاك المخصصة للاستعمال المباشر لابد له من سند قانوني، فقد يجد استعمال الملك العام مصدره في عقد التدبير المفوض نفسه ،حيث يستعمل المفوض إليه أملاكا عامة مخصصة للجمهور كالطرق مثلا .
في غياب السند القانوني يكون المفوض إليه مجبرا على إبرام عقد لاحتلال الملك العام مؤقت.
إن المفوض إليه لا يتوفر إلا على سلطات محدودة على مستوى التصرف في الأملاك العامة ،فالمفوض إليه لا يكتسب أي حق تملك على هذه الأملاك ،فقد نصت المادة 41 من القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء أن الامتياز '' لا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي ''
إن اكتساب مثل هذا الحق يتنافى مع أهم قاعدة قررتها التشريعات لحماية الملك العام وهي قاعدة عدم قابلية الملك العام للتفويت.لكن وفي إطار البحث عن منظومة جديدة تضمن المعادلة بين ضرورة إدخال الملك العام في الدورة التنموية كمجال ممارسة حرية المبادرة الاقتصادية وضرورة حمايته والمحافظة عليه للجماعة السياسية ،فان توجه التشريعات الحديثة ينصب نحو إدخال نوع من المرونة والاستقرار على قواعد التصرف في الملك العام سواء من حيث مجال ومدة الاستغلال أو من حيث الاعتراف بإمكانية إنشاء حقوق عينية إدارية لصالح الخواص على البنايات والمنشات والتجهيزات على أن لا يطال ذلك الرقابة التي تبقى ملكا للجماعات العامة ،ومن هذه الحقوق مثلا إمكانية الرهن مقابل قروض مرتبطة بالعقد .
وبالمقابل يلتزم المفوض إليه بحماية الملك العام واحترام القوانين المقررة لحمايته على مستوى وجوده ووظيفته واستعماله استعمالا يتماشى مع تخصيصه للمصلحة العامة.لكن يلاحظ أن المبادئ العامة التي تحكم الاستعمال العام للملك العام مثل المجانية والحرية والمساواة غالبا ما تتراجع لتترك مكانه لاعتبارات التدبير الاقتصادي للملك.
ويحتفظ المفوض بحقوق الرقابة فيما يتعلق بحماية الملك وحماية المنتفعين منه.وفي هذا الإطار تصنف الأملاك العامة ضمن أملاك الرجوع كما حددتها المادة 16 من قانون رقم 05-54 و لا يمكن أن تكون موضوع أي تفويت أو بيع أو كراء أو ضمان كيفما كان من قبل المفوض إليه طيلة مدة التدبير المفوض.
ويقابل ذلك بعض التسهيلات الممنوحة للمفوض إليه ،بحيث حسب المادة 23 من القانون رقم 05-54 '' يحضى المفوض إليه بالأفضلية والأسبقية مقارنة مع باقي شاغلي الملك العام .
وذهب الاجتهاد القضائي الفرنسي ابعد من ذلك عندما أكد مجلس الدولة في حكم سنة 1932 بان المفوض إليه يستأثر باستعمال الأملاك المخصصة للمرفق العام محل التفويض .
ومادمنا في الحديث عن فرنسا ،فقد نص القانون رقم 631-94 المؤرخ في 25 يوليوز 1994 المتعلق بتأسيس حقوق عينية في الملك العام ،في المادة 34 منه على تأسيس حقوق عينية في حالة الترخيص للاحتلال المؤقت للملك العام على بعض المنشات .
وهذا ما ذهب إليه أيضا المشرع التونسي في الفصل 61 من مجلة موانئ البحرية التجارية على انه :ينشأ لصاحب اللزمة (الامتياز ) حق عيني على البنايات والمنشات والتجهيزات الثابتة التي ينجزها للممارسة النشاط المنصوص عليه بعد اللزمة .
خاتمة :
يمكن القول أن تأسيس حقوق عينية على الملك العام لا يتعارض مع حماية الملك العام،
إذ غالبا ما يتم استحضار فكرة تخصيص الأملاك العامة للنفع العام .
إن ضرورة إدخال الملك العام في الدورة التنموية والاقتصادية هي التي جعلت من المشرع يمنح إمكانية تأسيس حقوق عينية على شاغلي الملك العام ،شريطة استعمال هذا الملك استعمالا يتماشى والمصلحة العامة ،كما أن ممارسة نوع من الرقابة على شاغلي الملك العام تبقى ضمانة لتحقيق حماية الملك العام من جهة وللمستفدين منه من جهة ثانية.
تقتضي المصلحة العامة أن تتوفر الدولة على مجموعة من الأملاك سواء كانت عقارية أو
منقولة ، والتي تساهم في تسهيل أداء الدولة في مختلف الميادين على الوجه المطلوب.
ويعتبر الملك عاما إذا توفر فيه شرطان:
1/ أن يكون مملوكا للدولة أو لأحد أشخاص القانون العام،
2/ أن يكون مخصصا للمنفعة العامة،
وتخضع الأملاك العامة لنظام قانوني خاص ،فلا يجوز تملكها بالتقادم ،ولا تخضع لقاعدة الحيازة في المنقول، ولا تكون محلا للمعاملات التي تخضع لها الأموال الخاصة كالبيع والشراء والكراء، كما لاتخضع لأي أنواع الرهن والتأمين ولا لعملية الحجز والبيع الجبري في المزاد.
ومما نخلص إليه أن الأملاك العمومية ليست محلا للتصرف.
إن صفة المال مقتصرة على الحقوق ذات القيمة الاقتصادية التي يمكن أن تترتب على الأشياء، في حين أن الأشياء هي المجال الذي تقع عليه هذه الحقوق .
فالأرض والمباني والسدود والشواطئ...هي أشياء. أما حق الملكية وحق الإنتفاع وحق الرهن، وغيرها من هذه الحقوق المترتبة عن هذه الأشياء فهي أموال.
وتندرج هذه الحقوق المذكورة ضمن ما يعرف في القانون الخاص بالحقوق العينية.
والحق العيني هو السلطة القانونية التي تتبت في مواجهة شيء معين، والتي تخول صاحبها ممارسة كافة الحقوق على هذا الشيء مباشرة ودون وساطة شخص آخر
والحقوق العينية نوعان، أصلية وتبعية ،فالأولى هي الحقوق القائمة بذاتها دون حاجة إلى غيرها، ونظرا لأهميتها، فقد عددها المشرع المغربي في الفصل8 من ظهير 2 يونيو 1915 الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة ،ومنها حق الملكية والسطحية والاستعمال وحق السكنى وحق الانتفاع والكراء الطويل الأمد والوقف أو الأحباس .
أما الحقوق العينية التبعية، فهي الحقوق القائمة بغيرها والتي لا يتصور وجودها بدون حق أصلي ترتكز عليه، وتكون تابعة له كالرهن والامتياز.
يكتسي موضوع تأسيس حقوق عينية على الملك العام أهمية كبيرة من حيث معرفة الإطار القانوني الذي ينضم كيفية ممارسة تلك الحقوق المشار إليها أعلاه.
ويعتبر حق الملكية من أهم الحقوق العينية على الإطلاق على اعتبار أنه حق دائم، وثانيا يحظى حق الملكية بقدسية أغلب التشريعات، فالدستور المغربي ينص في فصله 15 على أن حق الملكية والمبادرة الفردية مضمونان. ولا تنتزع إلا للمنفعة العامة و وفقا للقانون.
فحق الملكية أو حق التملك إذ لا يزال مصونا ومضمونا ومقدسا باعتباره معقلا للحريات جميعها.
فكيف تم الاعتراف بحق الملكية في الملك العمومي؟
إذا كان الأمر يتعلق بحق الملكية لم ينازع أحد قط على وجودها رغم ماله من مميزات خاصة تتبلور في الغرض العمومي المخصصة له الأملاك التي يشملها، وهو حق يمكن أن يكتسبه جميع الأشخاص العموميين، فإنه تتفرع عن السؤال الذي طرحناه في البداية أسئلة أخرى من قبيل:
ماهي مميزات حق الملكية؟ كيف تم تحديد الملكية الإدارية؟
وهل تشكل الحقوق العينية الأخرى قيودا على حق الملكية ؟ ونخص بالذكر حقوق الارتقاق التي لها ارتباط بالملك العام.
وعليه نقسم موضوعنا إلى مبحثين على النحو التالي :
المبحث الأول :مدى تعارض تأسيس حقوق عينية مع حماية الملك العام
المبحث الثاني : تفعيل الحقوق العينية للوظيفة الاقتصادية للملك العام
المبحث الأول :
مدى تعارض تأسيس حقوق عينية مع حماية الملك العام
تعتبر الملكية من أوسع الحقوق العينية الأخرى، فهي تعطي لصاحبها سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف
فهل يجور للدولة حق الملكية على أموالها العامة بهذه الطريقة أم ينبغي مراعاة بعض المميزات التي يمتاز بها الملك العام ؟
ولمعالجة هذه الإشكالية نتوقف عند الحماية المدنية للملك العام من أي تملك أو اعتداء عليه ،وبالتالي مدى جواز تأسيس حقوق عينية على الملك العام ،أو بالأحرى الإجابة عن التساؤل التالي هل الاعتراف بحق الملكية في الملك العام يتعارض مع حمايته ؟
وتأسيسا على ما سبق نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، وذلك على النحو التالي
المطلب الأول:حصانة الملك العام من تأسيس حقوق عينية عليه
المطلب الثاني:الاعتراف بتأسيس حقوق عينية على الملك العام
المطلب الأول:
حصانة الملك العام من تأسيس حقوق عينية عليه
ترتبط مميزات الملكية الإدارية بالأساس بالغرض العمومي المخصصة له الأملاك العمومية .
والفصل الرابع من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة للدولة يلخص هذه المميزات في :
- لا يقبل التفويت بالأملاك العامة
- لا تسقط حقوق الملكية بمضي الزمان
- والنتيجة أن الملك العمومي لايمكن نزع ملكيته ،أو حجزه ،كما أنه يعتبر في مأمن من كل تقادم يترتب عليه التملك أو سقوط الحق .
يتعلق الأمر إذن بالحماية المدنية للملك العام ،فأين هي تجلياتها ؟
بداية نشير إلى أن هذه الحماية مقررة فقها وقضاء، وبذلك تكون مطبقة من ناحية العملية.
والهدف الرئيسي من وراء هذه الحماية هو إخراج الملك العام من نطاق المعاملات المعروفة في القانون الخاص، بحيث لا يجوز التصرف في الأملاك العامة ولا الحجز عليها ولا اكتساب ملكيتها بالتقادم، نظرا لأنها مخصصة للمنفعة العامة .
وتجذر الإشارة إلى أن ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة ،وكذلك ظهير 19 أكتوبر 1921 المنظم للأملاك العامة للبلديات لم ينص سوى على قاعدتين من قواعد الحماية المدنية وهما :
- قاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام
- قاعدة عدم اكتساب ملكيتها بالتقادم
أما ظهير 28 يونيو 1954 المنظم للأملاك العامة القروية نص على قاعدة عدم جواز الحجز على الأملاك العامة ،وهذا لا يعني أن الأملاك العامة للدولة والبلديات لاتطبق فيها هذه القاعدة ، وإنما كانت مطبقة بواسطة الاجتهاد القضائي قبل تقنينها .
إن قاعدة عدم التفويت تضمن استمرارية الملك العام في أداء الوظائف المخصص لها،وتعني أن الملك عندما يدرج في دائرة الدومين العام يصبح غير قابل للبيع ولا يتصرف تحت أي شكل من الأشكال المعروفة في القانون المدني كالبيع والرهن والإيجار
والوصية ... كما أن الملك العام لا يخضع لإجراءات نزع الملكية إذ نصت المادة 4 من القانون الصادر في 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت "يمنع على الإدارة اللجوء إلى مسطرة نزع ملكية العقارات العامة "
المطلب الثاني :
الاعتراف بتأسيس حقوق عينية على الملك العام
لقد اقر الفقه وجود حق الملكية للدولة والأشخاص العامة الأخرى بحيث لم يعد حق الملكية مطلقا، وإنما مقيدا بقيود تتجلى في فكرة تخصيص المال للنفع العام.
أما التشريع ،سيما المغربي منه ،لم ينص بصريح العبارة في ظهير 1914 على هذا الحق،لكن النصوص القانونية الأخرى المنظمة لأملاك البلديات ابتداء من سنة 1921 اخدت تقر بالملكية الإدارية ،بحيث جاء في القرار الوزاري المؤرخ في 31 دجنبر 1921 أن كناش إحصاء الأملاك العامة ينبغي أن يتضمن بعض المعلومات لاسيما الإشارة إلى "رسم الملكية "
أما المحاكم المغربية ،فثمة حكم صادر عن استئنافية الرباط بتاريخ 21 مارس 1934 يؤكد فيه أن حق الملكية في الأملاك العامة ثابت بصورة كاملة ما لم يثبت عكس ذلك .
المبحث الثاني :
تفعيل الحقوق العينية للوظيفة الاقتصادية للملك العام
إن قاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام تعرف تلطيفات وتليينات تهم بعض التصرفات التي لا تتنافى مع الصفة العامة لهذه الأملاك ،بمعنى أنها تتعارض مع فكرة التخصيص للنفع العام .
من ناحية أخرى تثار مسالة تأسيس حقوق عينية ومدى تعارضها مع حماية الملك العام في حالة إسناد تسيير المرافق العامة للخواص ، وبالأخص في حالة التدبير المفوض
وعليه نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي :
- المطلب الأول:حالات الترخيص بالانتفاع بالملك العام
- المطلب الثاني:حالة منح وإبرام عقد الامتياز والتدبير المفوض.
المطلب الأول:
حالات الترخيص بالانتفاع بالملك العام
إن مثل هذه التراخيص مؤقتة ،يجوز للإدارة سحبها في أي وقت وفقا للمنفعة العامة مثلا منح الترخيص لبعض الأشخاص بشغل أرصفة الطريق العام .
وما يطبع نظام رخصة هذا انه يجعل المستفيد منه في وضعية مؤقتة نظرا لكون الرخصة قابلة للإلغاء على الدوام ،كما أن السلطة الإدارية ليس لها الحق في اختيار طريقة أخرى لتسيير الاحتلال لان محكمة الاستئناف بالرباط قررت أن الاتفاقية المتعلقة بكراء ملك من الأملاك العامة هي الطريقة الوحيدة الممكن إتباعها في احتلال الأملاك العامة وفقا لما ورد في ظهير 30 نونبر 1918 .
وهناك مثال أخر عن الرخصة المتفق عليها لاستعمال الأملاك العامة.
ومن هذه الرخصة ما نص عليه ظهير فاتح غشت 1925 المتعلق بنظام المياه وكذلك ما نص عليه القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء حيث جاء في المادة 36 منه انه تمنح الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي والتي تحدد نصوص تنظيمية شكليات المصادقة عليها .
ويتضح من خلال هذه المادة أن هناك كيفيتين للاستعمال الانفرادي ترتكز أولهما على الرخصة الممنوحة من جانب واحد وترتكز الثانية على عقد الامتياز وهذا ما سنراه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني :
حالة منح وإبرام عقد الامتياز والتدبير المفوض
يقصد بالامتياز الاتفاقية التي بموجبها تسند الإدارة إلى شركة خاصة تدبير مرفق عام واستغلاله طبقا لشروط محددة في كناش التحملات مقابل التقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق .
وقد نصت المادة 41 من قانون رقم 95-10 المتعلق بالماء على أن تخضع لنظام الامتياز:
- تهيئة العيون المعدنية والحارة وكذا استغلال مياه هذه العيون
- إقامة منشات فوق الملك العام المائي لمدة تفوق خمس سنوات،الهدف منها الحماية من الفيضانات أو تجميع أو تحميل المياه وكذا استعمال هذه المياه .
- تهيئة البحيرات والبرك والمستنقعات
- عملية جلب الماء من الطبقة المائية
- جلب الماء من مجاري المياه والقنوات بهدف إنتاج الطاقة
وحسب نفس المادة، فان الامتياز يشكل '' حقا عيني "لمدة محدودة ولا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي ''
أما بخصوص التدبير المفوض فان استعمل المفوض إليه للأملاك المخصصة للاستعمال المباشر لابد له من سند قانوني، فقد يجد استعمال الملك العام مصدره في عقد التدبير المفوض نفسه ،حيث يستعمل المفوض إليه أملاكا عامة مخصصة للجمهور كالطرق مثلا .
في غياب السند القانوني يكون المفوض إليه مجبرا على إبرام عقد لاحتلال الملك العام مؤقت.
إن المفوض إليه لا يتوفر إلا على سلطات محدودة على مستوى التصرف في الأملاك العامة ،فالمفوض إليه لا يكتسب أي حق تملك على هذه الأملاك ،فقد نصت المادة 41 من القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء أن الامتياز '' لا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي ''
إن اكتساب مثل هذا الحق يتنافى مع أهم قاعدة قررتها التشريعات لحماية الملك العام وهي قاعدة عدم قابلية الملك العام للتفويت.لكن وفي إطار البحث عن منظومة جديدة تضمن المعادلة بين ضرورة إدخال الملك العام في الدورة التنموية كمجال ممارسة حرية المبادرة الاقتصادية وضرورة حمايته والمحافظة عليه للجماعة السياسية ،فان توجه التشريعات الحديثة ينصب نحو إدخال نوع من المرونة والاستقرار على قواعد التصرف في الملك العام سواء من حيث مجال ومدة الاستغلال أو من حيث الاعتراف بإمكانية إنشاء حقوق عينية إدارية لصالح الخواص على البنايات والمنشات والتجهيزات على أن لا يطال ذلك الرقابة التي تبقى ملكا للجماعات العامة ،ومن هذه الحقوق مثلا إمكانية الرهن مقابل قروض مرتبطة بالعقد .
وبالمقابل يلتزم المفوض إليه بحماية الملك العام واحترام القوانين المقررة لحمايته على مستوى وجوده ووظيفته واستعماله استعمالا يتماشى مع تخصيصه للمصلحة العامة.لكن يلاحظ أن المبادئ العامة التي تحكم الاستعمال العام للملك العام مثل المجانية والحرية والمساواة غالبا ما تتراجع لتترك مكانه لاعتبارات التدبير الاقتصادي للملك.
ويحتفظ المفوض بحقوق الرقابة فيما يتعلق بحماية الملك وحماية المنتفعين منه.وفي هذا الإطار تصنف الأملاك العامة ضمن أملاك الرجوع كما حددتها المادة 16 من قانون رقم 05-54 و لا يمكن أن تكون موضوع أي تفويت أو بيع أو كراء أو ضمان كيفما كان من قبل المفوض إليه طيلة مدة التدبير المفوض.
ويقابل ذلك بعض التسهيلات الممنوحة للمفوض إليه ،بحيث حسب المادة 23 من القانون رقم 05-54 '' يحضى المفوض إليه بالأفضلية والأسبقية مقارنة مع باقي شاغلي الملك العام .
وذهب الاجتهاد القضائي الفرنسي ابعد من ذلك عندما أكد مجلس الدولة في حكم سنة 1932 بان المفوض إليه يستأثر باستعمال الأملاك المخصصة للمرفق العام محل التفويض .
ومادمنا في الحديث عن فرنسا ،فقد نص القانون رقم 631-94 المؤرخ في 25 يوليوز 1994 المتعلق بتأسيس حقوق عينية في الملك العام ،في المادة 34 منه على تأسيس حقوق عينية في حالة الترخيص للاحتلال المؤقت للملك العام على بعض المنشات .
وهذا ما ذهب إليه أيضا المشرع التونسي في الفصل 61 من مجلة موانئ البحرية التجارية على انه :ينشأ لصاحب اللزمة (الامتياز ) حق عيني على البنايات والمنشات والتجهيزات الثابتة التي ينجزها للممارسة النشاط المنصوص عليه بعد اللزمة .
خاتمة :
يمكن القول أن تأسيس حقوق عينية على الملك العام لا يتعارض مع حماية الملك العام،
إذ غالبا ما يتم استحضار فكرة تخصيص الأملاك العامة للنفع العام .
إن ضرورة إدخال الملك العام في الدورة التنموية والاقتصادية هي التي جعلت من المشرع يمنح إمكانية تأسيس حقوق عينية على شاغلي الملك العام ،شريطة استعمال هذا الملك استعمالا يتماشى والمصلحة العامة ،كما أن ممارسة نوع من الرقابة على شاغلي الملك العام تبقى ضمانة لتحقيق حماية الملك العام من جهة وللمستفدين منه من جهة ثانية.