مقدمة
أمام تزايد متطلبات حياة السكان وتعدد حاجاتهم وتزايد وتيرة النمو السكاني والتوسع المجالي، أصبحت مسؤولية الجماعات الترابية تزداد بشكل أكبر وأصبحت مهامها تتعاظم وكاهلها يثقل أكثر فأكثر، خاصة وأنها المسؤولة الأولى عن كل ما يرتبط بالشأن العام المحلي الذي شهد بدوره تنوعا وتطورا كبيرا .
ويمكن الاستشهاد على ذلك بمجالات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل والصلب والإنارة العمومية والسير والجولان و تشوير الطرق العمومية والنقل العمومي الحضري وصيانة الطرق والمرفق العمومي للمجازر وتسيير الأسواق والمرافق الاجتماعية والرياضية
فطبيعيا أمام تنوع هذه المرافق أن يمنح المشرع بالموازاة مع للجماعات الترابية حرية اختيار الطريقة الملائمة لتدبير مرافقها وفق إمكانياتها ووضعيتها المالية وكذا موقعها الجغرافي والمحددات المرتبطة بالعنصر البشري ومجالسها التداولية.
لقد انتشر التدبير العمومي بالخصوص خلال المراحل الأولى لاستقلال المغرب، حيث عملت الدولة على تجاوز الاقتصاد الهش الموروث عن الاستعمار، وذلك بتأسيس مؤسسات عمومية وطنية وتأميم أخرى كانت تابعة للدول المستعمرة، هذا في الوقت الذي شهد فيه القطاع الخاص ضعفا بينا أمام ضخامة المشاريع المراد إنجازها
ولم تخرج المرافق العمومية المحلية عن هذا المنحنى، إذا كانت الجماعات الترابية هي المشرفة على تدبير التنمية المحلية خصوصا بعد استرجاع الدولة أسلوب الامتياز الذي كان يتدخل به المستعمر لاستغلال الأنشطة المحلية. فمباشرة بعد الاستقلال، تم تأميم تلك المرافق وأصبحت بيد الجماعات الترابية حيث كانت تتدخل في تسييرها بصفة مباشرة بما تتوفر عليه من وسائل مادية وبشرية واعتمادا على المساعدات الوطنية
لقد عرف المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، وبالضبط مع مطلع التسعينات من القرن الماضي جملة من الإصلاحات الدستورية والسياسية همت مجالات مختلفة بغية استكمال بناء دولة الحق وترسيخ أسس الديمقراطية الحية. ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في 23 يوليوز 1999 تكثفت وتيرة ورش الإصلاحات وتوجت بالإعلان عن إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة المغربية
وقد مثلت سنة 2011، دون أدنى شك، منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الأحداث التي كان العالم العربي وما يزال مسرحا لها، توج الإصلاح بالمغرب بالخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 ليعلن عن المبادرة الملكية الداعية إلى إجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة أقل ما يقال عنها أنها غير مسبوقة.
وقصد أجرأة هذه المبادرة ذات الدلالة القوية، قرر الملك إحداث آليتين سياسيتين، مهمتها التشاور والمتابعة، وتبادل الرأي بشأن الإصلاح المقترح، تضمان بصفة خاصة متخصصين في المجالات الدستورية والسياسية، ورؤساء الهيئات السياسية والنقابية ( خطاب 10 مارس 2011 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور).
وبعد عدة أسابيع من الحوار والمناقشة، خلصت اللجنة إلى صياغة مشروع الدستور أبرز جلالة الملك أهم مضامينه في 17 يونيو 2011 وعرض على الاستفتاء الشعبي يوم فاتح يوليوز من نفس السنة. على الرغم من بعض الدعوات الرامية إلى مقاطعة الاستفتاء، فإن الشعب المغربي عبر عن إرادته بكثافة ورضي بالوثيقة الدستورية الجديدة بأغلبية ساحقة (7)، وهو ما خلف أيضا صدى طيبا في الأوساط الدولية عبر التنويه بدخول المغرب مرحلة جديدة من تاريخه السياسي والدستوري، ولا أدل على ذلك من منح الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للمغرب وضع الشريك من أجل الديمقراطية (21 يونيو 2011).
لقد عرف المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، وبالضبط مع مطلع التسعينات من القرن الماضي جملة من الإصلاحات الدستورية والسياسية همت مجالات مختلفة بغية استكمال بناء دولة الحق وترسيخ أسس الديمقراطية الحية. ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في 23 يوليوز 1999 تكثفت وتيرة ورش الإصلاحات وتوجت بالإعلان عن إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة المغربية
وقد مثلت سنة 2011، دون أدنى شك، منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الأحداث التي كان العالم العربي وما يزال مسرحا لها، توج الإصلاح بالمغرب بالخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 ليعلن عن المبادرة الملكية الداعية إلى إجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة أقل ما يقال عنها أنها غير مسبوقة.
وقصد أجرأة هذه المبادرة ذات الدلالة القوية، قرر الملك إحداث آليتين سياسيتين، مهمتها التشاور والمتابعة، وتبادل الرأي بشأن الإصلاح المقترح، تضمان بصفة خاصة متخصصين في المجالات الدستورية والسياسية، ورؤساء الهيئات السياسية والنقابية ( خطاب 10 مارس 2011 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور
وبعد عدة أسابيع من الحوار والمناقشة، خلصت اللجنة إلى صياغة مشروع الدستور أبرز جلالة الملك أهم مضامينه في 17 يونيو 2011 وعرض على الاستفتاء الشعبي يوم فاتح يوليوز من نفس السنة. على الرغم من بعض الدعوات الرامية إلى مقاطعة الاستفتاء، فإن الشعب المغربي عبر عن إرادته بكثافة ورضي بالوثيقة الدستورية الجديدة بأغلبية ساحقة، وهو ما خلف أيضا صدى طيبا في الأوساط الدولية عبر التنويه بدخول المغرب مرحلة جديدة من تاريخه السياسي والدستوري، ولا أدل على ذلك من منح الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للمغرب وضع الشريك من أجل الديمقراطية (21 يونيو 2011).
إن استعراض كل هذه المعطيات يفرض علينا إعطاء تعريف للمصطلحات المستعملة في هذا الموضوع :
I. مفهوم المرفق العام : إن مصطلح « المرفق العمومي » ليس وليد العصر الحاضر، فالقضاء والفقه التقليدي استعمله في عدة مناسبات. ومفهومه الأول كما طبق لا يمكن معرفته إلا إذا قورن بمختلف المفاهيم العامة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ففي تلك المرحلة كان أساس تطبيق القانون الإداري يستند إلى فكرة السلطة العمومية، لأن السلطة السياسية تمسك كل الامتيازات الضرورية لتمارس الإدارة مهامها، ومن ثم كان من الطبيعي أن تخضع لنظام قانوني متميز يساعدها على أداء وظيفتها، والذي ينبغي أن يتضمن شروطا وأوضاعا غير مألوفة في القانون الخاص.
إلا أن هذه الوضعية انتقدت من لدن الفقه والقضاء. وأصبح أساس تطبيق القانون الإداري لايمكن في السلطة العمومية وإنما في المصلحة العامة لأن الدولة لم تعد تجسد مظهر القوة فقط بل أصبحت رمز التماسك والتضامن الاجتماعي، وأنها منبع الخدمات الاجتماعية التي يحتاج إليها المواطنون كما أنه يوجد جزء كبير من النشاط الإداري غريبا عن فكرة السلطة العمومية ويمكنه أن يخضع للقانون الخاص. بمعنى أنه يوجد مفهوم جديد بمقتضاه أصبح المرفق العمومي يشمل كل أنواع الأنشطة الإدارية ولم يعد مقتصرا على الفكرة الضيقة المتمثلة في السلطة العمومية.
وبذلك تعرض مفهوم المرفق العمومي- منذ ظهوره- لتطورات عميقة، جعلت الالتباس والغموض من السمات المميزة لهذا المفهوم
II. أما الدستور، فهو عبارة عن وثيقة أو عدة وثائق قانونية تصدر عن هيئة مختصة وفقا لإجراءات معينة وتتضمن القواعد المتصلة بنظام الحكم في بلد معين أو زمن معين.
إن وثيقة الدستور تطورت في الوقت الراهن بحيث أصبحت تشتمل على قواعد ومبادئ لا تتصل بنظام الحكم فقط بل تتعلق بالتنظيم الإداري والقضائي أو بأهداف اقتصادية واجتماعية تصبو الدولة إلى تحقيقها
إن دراسة تدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مقتضيات الدستور المغربي تكتسي أهمية بالغة لأنها بالإضافة إلى كونها مرتبطة ولصيقة بالمواضيع التي يعني بها القانون الإداري والعلوم الإدارية، فهي توضح التطور المعاصر الذي لحق وظائف الدولة، أيا كان النظام الاقتصادي الذي تعتنقه، فهي في غالب الأحيان تقوم بنشاطها الإداري عن طريق المرافق العمومية عندما تقدر أن تأدية الحاجة العامة بواسطة النشاط الإداري متعذرة بمعنى أن الأجهزة الإدارية أصبحت تمارس العديد من الأنشطة التي كانت إلى وقت قريب محتكرة من لدن الأفراد.
وتبعا لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيفية تعاطي الدستور المغربي الجديد مع تدبير المرافق العمومية المحلية وأي آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
ماهي مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية ؛
أية آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية.
مما سبق، فقد تقرر تناول موضوع تدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد على ضوء المبحثين الآتيتين :
المبحث الأول : مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية ؛
المبحث الثاني : آفاق تدبير المرافق العمومية المحلية
المبحث الأول
مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية
لقد خصص الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 بابا كاملا للحكامة الجيدة، حيث تمت دسترة المبادئ الأساسية التالية :
تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات ؛
إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم والديمقراطية ؛
إلزام أعوان المرافق العمومية بممارسة وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة وتأمين تتبع ملاحظات واقتراحات وتظلمات المرتفقين ؛
إلزام المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية مع خضوعها للمراقبة والتقييم طبقا للقوانين الجاري بها العمل ؛
إلزام كل شخص منتخب أو معين يمارس مسؤولية عمومية، بتقديم تصريح كتابي بالممتلكات والأصول التي حيازته بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائه
استنادا لهذه المعطيات، فسوف نتناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تكريس المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية ( المطلب الأول)، وربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : تكريس المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية
يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية التي تحكم تدبير المرافق العمومية المحلية. إن هذا المبدأ يستند على أن المرتفقين المستفيدين من المرفق العام يجب أن يعاملوا بنفس الطريقة ماداموا يتوفرون على الشروط القانونية لولوج المرفق
فالمرفق العام أحدث لإشباع حاجة جماعية لا يستطيع النشاط الفردي إشباعها على الوجه الأكمل، فهو يهدف لتحقيق صالح المجموع بدون استثناء، ودون أي تمييز بسبب الأصل أو اللغة أو الدين أو الانتماء السياسي أو الجنس.
كما أن التمييز بين المستفدين من خدمات المرفق العام يجافي العدالة، وإذا كان ضرر ذلك محدودا في الهيئات الخاصة التي تسودها المنافسة الحرة فإنه يكون واسعا أمام المرافق العمومية التي تعمل- غالبا- في ظروف احتكارية لا يجد المتضرر من التمييز ملجأ آخر، لذلك فقد قرر القضاء الإداري اعتبار مبدأ المساواة من القواعد الأساسية التي تحكم سائر المرافق العامة.
ولا يقتصر مبدأ المساواة بين المنتفعين بل يمتد كذلك إلى المرشحين للانتفاع متى توفرت لديهم شروط الانتفاع، كما لا يقتصر على المرافق الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، أيا كانت الطريقة التي يدار بواسطتها المرفق العام
إن التكريس الدستوري لمبدأ المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية جاء لتعزيز بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، ومرتكزة على الحكامة الجيدة.
هذه الحكامة الجيدة تنبني على صلاحيات الهيئة المنتخبة في اتخاذ القرارات الجيدة والملائمة لأجل التدبير المحلي السليم
هذه المساواة من شأنها ترسيخ فرص متساوية للاستفادة من الخدمات التي توفرها جماعاتنا الترابية في إطار اختصاصاتها.
إضافة إلى دسترة مبدأ المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية، فقد تم التنصيص دستوريا على مبدأ آخر يشكل حجر الزاوية في تعزيز دعائم دولة الحق والقانون ألا وهو ربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة تكريسا لدولة القانون المرتكزة على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة والتضامن
المطلب الثاني : ربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة
إن اعتماد الدستور الجديد محطة متميزة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا. بخصوص المساءلة وإعطاء الحساب كركيزة أساسية للحكامة الجيدة، تجدر الإشارة إلى تكريس قاعدة تلازم ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية بالمحاسبة ).
لهذه الأسباب، فقد تم دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة :
المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال ؛
الوسيط كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة
العمومية ؛
مجلس المنافسة كهيأة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار ؛
الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة التي تتولى مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة
كما تم تعزيز هذا المبدأ وفق مقتضيات قانونية أخرى :
يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؛
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور ؛
يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة ؛
تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم ؛
يجب على كل شخص، منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها، وعند انتهائها
بعد التطرق للمستجدات التي جاء بها الدستور المغربي في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية الهادفة إلى تعزيز دولة الحق والقانون قوامها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أية آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية ؟
المبحث الثاني
آفاق تدبير المرافق العمومية المحلية
مما لاشك فيه أن الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 قد حقق طفرة نوعية في مجال تكريس دولة الحق والقانون قوامها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة.
إن هذه المقتضيات تبقى ناقصة إذا لم يتم تفعليها بمقتضيات قانونية من شأنها الارتقاء بتدبير المرافق العمومية المحلية كأداة لتدعيم الديمقراطية المحلية القائمة على تقريب خدمات المرافق العمومية المحلية من المواطنين.
تبعا لذلك فإن المشرع المغربي مطالب بإصدار ميثاق للمرافق العمومية من أجل تعزيز المكاسب الدستورية للمملكة في مجال الحكامة الجيدة وكذا القوانين التنظيمية المقبلة المتعلقة باختصاصات الجماعات الترابية.
مما سبق، فقد تقرر تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : ضرورة إصدار ميثاق للمرافق العمومية (المطلب الأول )، والتعجيل بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : ضرورة إصدار ميثاق للمرافق العمومية
إن إصدار ميثاق للمرافق العمومية من شأنه أن يعزز المكاسب الدستورية التي جاء بها الباب الثاني عشر في ميدان الحكامة الجيدة كأساس لترسيخ مجتمع متضامن ينعم فيه كل المواطنات والمواطنين بالمساواة والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم.
هذا الميثاق سيكون له آثر هام في الرقي بتدبير الشأن المحلي حيث سيركز على تحديد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الجماعات الترابية المغربية.
ولتكون الحكامة الترابية (المحلية) جيدة ينبغي أن تقوم على حسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات، وصقل القدرات، والفعالية وجودة الخدمات، والاعتماد على الرؤية الإستراتيجية في البرامج التنموية ودعم التواصل داخل المجالس المحلية وخارجها في إطار المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وتتلخص أهم المبادئ الواجب تضمينها في الميثاق الجديد للمرافق العمومية فيما يلي :
المشاركة : أي حق الرجل والمرأة في الترشيح والتصويت وإبداء الرأي ديمقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات ؛
الشفافية : تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للإطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهذر ومحاصرة الفساد ؛
حسن الاستجابة : يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء ؛
التوافق : يعني القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول إلى إجماع واسع حول المصلحة العامة ؛
الفعالية : أي توفر القدرة على تنفيذ المشاريع التنموية ؛
الرؤية الإستراتيجية : تستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم على أساس إدارة عقلانية وراشدة للموارد أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية
إن مبادئ الحكامة الجيدة تفرض إقامة تواصل دائم بين المسؤولين والموظفين والأعوان المحليين من جهة، وبين الرؤساء والمواطنين من جهة أخرى.
وإذا كان توسيع العلاقة بين وإذا كان توسيع العلاقة بين المسؤولين والموظفين سوف يزيد من دون شك في مردوديتهم و إنتاجاتهم وذلك من خلال الإطلاع على مشاكلهم وإكراهاتهم ومن ثمة محاولة حلها، فإن التواصل الخارجي سوف يرسخ لثقافة جديدة سمتها الأساسية الثقة وتكريس الديمقراطية المحلية. وفي هذا الإطار يتوفر الرؤساء على عدة طرق للتواصل مع المواطنين إما بشكل غير مباشر، عبر الإذاعة والتلفزة والجرائد والمجلات والدوريات، أو بطريقة مباشرة أي بالاتصال المباشر بالسكان المحليين، إما داخل الجماعة أو خارجها، وذلك بتنظيم لقاءات دورية منتظمة لتدارس مشاكل السكان وإكراهاتهم والصعوبات التي يجدونها لولوج مرافق الجماعة، وكذا التعرف على طموحاتهم وتطلعاتهم ومحاولة برمجتها وإخراجها إلى حيز الوجود
إذا كان إصدار ميثاق لتدبير المرافق العمومية سيساهم في وضع إطار متقدم لتعزيز حكامة المرافق العمومية، فكذلك القوانين التنظيمية المقبلة المتعلقة بالجماعات الترابية ستعزز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية
المطلب الثاني : ضرورة إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية
طبقا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :
شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138 ؛
شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات ؛
الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140 ؛
النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى ؛
مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى المنصوص عليها في الفصل 141؛
موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليهما في الفصل 142 ؛
شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144 ؛
المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه ؛
قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة ».
إن إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من شأنه أن يعزز الديمقراطية المحلية ببلادنا كنمط لتسيير الشؤون المحلية للساكنة وأيضا لترسيخ الحكامة الترابية الجيدة كأداة جديدة لتوزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية.
في انتظار صدور هذه القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على ضوء الدستور المغربي لسنة 2011، فإن المشرع قد أصدر قانونا تنظيميا متعلقا بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية من أجل تجسيد التحول التاريخي الذي عرفته بلادنا في مجال تعزيز اللامركزية الترابية كخيار لا محيد عنه لضمان حسن تطبيق الديمقراطية المحلية.
خاتمة عامة
وفي الختام، فالدستور المغربي لسنة 2011 قد حقق طفرة نوعية في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية حيث ارتقى بهذا التدبير من خلال تكريس بابه الثاني عشر للحكامة الجيدة كطفرة نوعية لتعزيز خيار المملكة المغربية في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، مبني على الحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
أمام تزايد متطلبات حياة السكان وتعدد حاجاتهم وتزايد وتيرة النمو السكاني والتوسع المجالي، أصبحت مسؤولية الجماعات الترابية تزداد بشكل أكبر وأصبحت مهامها تتعاظم وكاهلها يثقل أكثر فأكثر، خاصة وأنها المسؤولة الأولى عن كل ما يرتبط بالشأن العام المحلي الذي شهد بدوره تنوعا وتطورا كبيرا .
ويمكن الاستشهاد على ذلك بمجالات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل والصلب والإنارة العمومية والسير والجولان و تشوير الطرق العمومية والنقل العمومي الحضري وصيانة الطرق والمرفق العمومي للمجازر وتسيير الأسواق والمرافق الاجتماعية والرياضية
فطبيعيا أمام تنوع هذه المرافق أن يمنح المشرع بالموازاة مع للجماعات الترابية حرية اختيار الطريقة الملائمة لتدبير مرافقها وفق إمكانياتها ووضعيتها المالية وكذا موقعها الجغرافي والمحددات المرتبطة بالعنصر البشري ومجالسها التداولية.
لقد انتشر التدبير العمومي بالخصوص خلال المراحل الأولى لاستقلال المغرب، حيث عملت الدولة على تجاوز الاقتصاد الهش الموروث عن الاستعمار، وذلك بتأسيس مؤسسات عمومية وطنية وتأميم أخرى كانت تابعة للدول المستعمرة، هذا في الوقت الذي شهد فيه القطاع الخاص ضعفا بينا أمام ضخامة المشاريع المراد إنجازها
ولم تخرج المرافق العمومية المحلية عن هذا المنحنى، إذا كانت الجماعات الترابية هي المشرفة على تدبير التنمية المحلية خصوصا بعد استرجاع الدولة أسلوب الامتياز الذي كان يتدخل به المستعمر لاستغلال الأنشطة المحلية. فمباشرة بعد الاستقلال، تم تأميم تلك المرافق وأصبحت بيد الجماعات الترابية حيث كانت تتدخل في تسييرها بصفة مباشرة بما تتوفر عليه من وسائل مادية وبشرية واعتمادا على المساعدات الوطنية
لقد عرف المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، وبالضبط مع مطلع التسعينات من القرن الماضي جملة من الإصلاحات الدستورية والسياسية همت مجالات مختلفة بغية استكمال بناء دولة الحق وترسيخ أسس الديمقراطية الحية. ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في 23 يوليوز 1999 تكثفت وتيرة ورش الإصلاحات وتوجت بالإعلان عن إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة المغربية
وقد مثلت سنة 2011، دون أدنى شك، منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الأحداث التي كان العالم العربي وما يزال مسرحا لها، توج الإصلاح بالمغرب بالخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 ليعلن عن المبادرة الملكية الداعية إلى إجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة أقل ما يقال عنها أنها غير مسبوقة.
وقصد أجرأة هذه المبادرة ذات الدلالة القوية، قرر الملك إحداث آليتين سياسيتين، مهمتها التشاور والمتابعة، وتبادل الرأي بشأن الإصلاح المقترح، تضمان بصفة خاصة متخصصين في المجالات الدستورية والسياسية، ورؤساء الهيئات السياسية والنقابية ( خطاب 10 مارس 2011 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور).
وبعد عدة أسابيع من الحوار والمناقشة، خلصت اللجنة إلى صياغة مشروع الدستور أبرز جلالة الملك أهم مضامينه في 17 يونيو 2011 وعرض على الاستفتاء الشعبي يوم فاتح يوليوز من نفس السنة. على الرغم من بعض الدعوات الرامية إلى مقاطعة الاستفتاء، فإن الشعب المغربي عبر عن إرادته بكثافة ورضي بالوثيقة الدستورية الجديدة بأغلبية ساحقة (7)، وهو ما خلف أيضا صدى طيبا في الأوساط الدولية عبر التنويه بدخول المغرب مرحلة جديدة من تاريخه السياسي والدستوري، ولا أدل على ذلك من منح الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للمغرب وضع الشريك من أجل الديمقراطية (21 يونيو 2011).
لقد عرف المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، وبالضبط مع مطلع التسعينات من القرن الماضي جملة من الإصلاحات الدستورية والسياسية همت مجالات مختلفة بغية استكمال بناء دولة الحق وترسيخ أسس الديمقراطية الحية. ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في 23 يوليوز 1999 تكثفت وتيرة ورش الإصلاحات وتوجت بالإعلان عن إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة المغربية
وقد مثلت سنة 2011، دون أدنى شك، منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الأحداث التي كان العالم العربي وما يزال مسرحا لها، توج الإصلاح بالمغرب بالخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 ليعلن عن المبادرة الملكية الداعية إلى إجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة أقل ما يقال عنها أنها غير مسبوقة.
وقصد أجرأة هذه المبادرة ذات الدلالة القوية، قرر الملك إحداث آليتين سياسيتين، مهمتها التشاور والمتابعة، وتبادل الرأي بشأن الإصلاح المقترح، تضمان بصفة خاصة متخصصين في المجالات الدستورية والسياسية، ورؤساء الهيئات السياسية والنقابية ( خطاب 10 مارس 2011 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور
وبعد عدة أسابيع من الحوار والمناقشة، خلصت اللجنة إلى صياغة مشروع الدستور أبرز جلالة الملك أهم مضامينه في 17 يونيو 2011 وعرض على الاستفتاء الشعبي يوم فاتح يوليوز من نفس السنة. على الرغم من بعض الدعوات الرامية إلى مقاطعة الاستفتاء، فإن الشعب المغربي عبر عن إرادته بكثافة ورضي بالوثيقة الدستورية الجديدة بأغلبية ساحقة، وهو ما خلف أيضا صدى طيبا في الأوساط الدولية عبر التنويه بدخول المغرب مرحلة جديدة من تاريخه السياسي والدستوري، ولا أدل على ذلك من منح الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للمغرب وضع الشريك من أجل الديمقراطية (21 يونيو 2011).
إن استعراض كل هذه المعطيات يفرض علينا إعطاء تعريف للمصطلحات المستعملة في هذا الموضوع :
I. مفهوم المرفق العام : إن مصطلح « المرفق العمومي » ليس وليد العصر الحاضر، فالقضاء والفقه التقليدي استعمله في عدة مناسبات. ومفهومه الأول كما طبق لا يمكن معرفته إلا إذا قورن بمختلف المفاهيم العامة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ففي تلك المرحلة كان أساس تطبيق القانون الإداري يستند إلى فكرة السلطة العمومية، لأن السلطة السياسية تمسك كل الامتيازات الضرورية لتمارس الإدارة مهامها، ومن ثم كان من الطبيعي أن تخضع لنظام قانوني متميز يساعدها على أداء وظيفتها، والذي ينبغي أن يتضمن شروطا وأوضاعا غير مألوفة في القانون الخاص.
إلا أن هذه الوضعية انتقدت من لدن الفقه والقضاء. وأصبح أساس تطبيق القانون الإداري لايمكن في السلطة العمومية وإنما في المصلحة العامة لأن الدولة لم تعد تجسد مظهر القوة فقط بل أصبحت رمز التماسك والتضامن الاجتماعي، وأنها منبع الخدمات الاجتماعية التي يحتاج إليها المواطنون كما أنه يوجد جزء كبير من النشاط الإداري غريبا عن فكرة السلطة العمومية ويمكنه أن يخضع للقانون الخاص. بمعنى أنه يوجد مفهوم جديد بمقتضاه أصبح المرفق العمومي يشمل كل أنواع الأنشطة الإدارية ولم يعد مقتصرا على الفكرة الضيقة المتمثلة في السلطة العمومية.
وبذلك تعرض مفهوم المرفق العمومي- منذ ظهوره- لتطورات عميقة، جعلت الالتباس والغموض من السمات المميزة لهذا المفهوم
II. أما الدستور، فهو عبارة عن وثيقة أو عدة وثائق قانونية تصدر عن هيئة مختصة وفقا لإجراءات معينة وتتضمن القواعد المتصلة بنظام الحكم في بلد معين أو زمن معين.
إن وثيقة الدستور تطورت في الوقت الراهن بحيث أصبحت تشتمل على قواعد ومبادئ لا تتصل بنظام الحكم فقط بل تتعلق بالتنظيم الإداري والقضائي أو بأهداف اقتصادية واجتماعية تصبو الدولة إلى تحقيقها
إن دراسة تدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مقتضيات الدستور المغربي تكتسي أهمية بالغة لأنها بالإضافة إلى كونها مرتبطة ولصيقة بالمواضيع التي يعني بها القانون الإداري والعلوم الإدارية، فهي توضح التطور المعاصر الذي لحق وظائف الدولة، أيا كان النظام الاقتصادي الذي تعتنقه، فهي في غالب الأحيان تقوم بنشاطها الإداري عن طريق المرافق العمومية عندما تقدر أن تأدية الحاجة العامة بواسطة النشاط الإداري متعذرة بمعنى أن الأجهزة الإدارية أصبحت تمارس العديد من الأنشطة التي كانت إلى وقت قريب محتكرة من لدن الأفراد.
وتبعا لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيفية تعاطي الدستور المغربي الجديد مع تدبير المرافق العمومية المحلية وأي آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
ماهي مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية ؛
أية آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية.
مما سبق، فقد تقرر تناول موضوع تدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد على ضوء المبحثين الآتيتين :
المبحث الأول : مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية ؛
المبحث الثاني : آفاق تدبير المرافق العمومية المحلية
المبحث الأول
مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية
لقد خصص الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 بابا كاملا للحكامة الجيدة، حيث تمت دسترة المبادئ الأساسية التالية :
تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات ؛
إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم والديمقراطية ؛
إلزام أعوان المرافق العمومية بممارسة وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة وتأمين تتبع ملاحظات واقتراحات وتظلمات المرتفقين ؛
إلزام المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية مع خضوعها للمراقبة والتقييم طبقا للقوانين الجاري بها العمل ؛
إلزام كل شخص منتخب أو معين يمارس مسؤولية عمومية، بتقديم تصريح كتابي بالممتلكات والأصول التي حيازته بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائه
استنادا لهذه المعطيات، فسوف نتناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تكريس المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية ( المطلب الأول)، وربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : تكريس المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية
يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية التي تحكم تدبير المرافق العمومية المحلية. إن هذا المبدأ يستند على أن المرتفقين المستفيدين من المرفق العام يجب أن يعاملوا بنفس الطريقة ماداموا يتوفرون على الشروط القانونية لولوج المرفق
فالمرفق العام أحدث لإشباع حاجة جماعية لا يستطيع النشاط الفردي إشباعها على الوجه الأكمل، فهو يهدف لتحقيق صالح المجموع بدون استثناء، ودون أي تمييز بسبب الأصل أو اللغة أو الدين أو الانتماء السياسي أو الجنس.
كما أن التمييز بين المستفدين من خدمات المرفق العام يجافي العدالة، وإذا كان ضرر ذلك محدودا في الهيئات الخاصة التي تسودها المنافسة الحرة فإنه يكون واسعا أمام المرافق العمومية التي تعمل- غالبا- في ظروف احتكارية لا يجد المتضرر من التمييز ملجأ آخر، لذلك فقد قرر القضاء الإداري اعتبار مبدأ المساواة من القواعد الأساسية التي تحكم سائر المرافق العامة.
ولا يقتصر مبدأ المساواة بين المنتفعين بل يمتد كذلك إلى المرشحين للانتفاع متى توفرت لديهم شروط الانتفاع، كما لا يقتصر على المرافق الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، أيا كانت الطريقة التي يدار بواسطتها المرفق العام
إن التكريس الدستوري لمبدأ المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية جاء لتعزيز بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، ومرتكزة على الحكامة الجيدة.
هذه الحكامة الجيدة تنبني على صلاحيات الهيئة المنتخبة في اتخاذ القرارات الجيدة والملائمة لأجل التدبير المحلي السليم
هذه المساواة من شأنها ترسيخ فرص متساوية للاستفادة من الخدمات التي توفرها جماعاتنا الترابية في إطار اختصاصاتها.
إضافة إلى دسترة مبدأ المساواة في تدبير المرافق العمومية المحلية، فقد تم التنصيص دستوريا على مبدأ آخر يشكل حجر الزاوية في تعزيز دعائم دولة الحق والقانون ألا وهو ربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة تكريسا لدولة القانون المرتكزة على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة والتضامن
المطلب الثاني : ربط تدبير المرافق العمومية المحلية بالمحاسبة
إن اعتماد الدستور الجديد محطة متميزة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا. بخصوص المساءلة وإعطاء الحساب كركيزة أساسية للحكامة الجيدة، تجدر الإشارة إلى تكريس قاعدة تلازم ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية بالمحاسبة ).
لهذه الأسباب، فقد تم دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة :
المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال ؛
الوسيط كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة
العمومية ؛
مجلس المنافسة كهيأة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار ؛
الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة التي تتولى مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة
كما تم تعزيز هذا المبدأ وفق مقتضيات قانونية أخرى :
يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؛
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور ؛
يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة ؛
تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم ؛
يجب على كل شخص، منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها، وعند انتهائها
بعد التطرق للمستجدات التي جاء بها الدستور المغربي في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية الهادفة إلى تعزيز دولة الحق والقانون قوامها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أية آفاق يمكننا استشرافها لتدبير المرافق العمومية المحلية ؟
المبحث الثاني
آفاق تدبير المرافق العمومية المحلية
مما لاشك فيه أن الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 قد حقق طفرة نوعية في مجال تكريس دولة الحق والقانون قوامها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة.
إن هذه المقتضيات تبقى ناقصة إذا لم يتم تفعليها بمقتضيات قانونية من شأنها الارتقاء بتدبير المرافق العمومية المحلية كأداة لتدعيم الديمقراطية المحلية القائمة على تقريب خدمات المرافق العمومية المحلية من المواطنين.
تبعا لذلك فإن المشرع المغربي مطالب بإصدار ميثاق للمرافق العمومية من أجل تعزيز المكاسب الدستورية للمملكة في مجال الحكامة الجيدة وكذا القوانين التنظيمية المقبلة المتعلقة باختصاصات الجماعات الترابية.
مما سبق، فقد تقرر تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : ضرورة إصدار ميثاق للمرافق العمومية (المطلب الأول )، والتعجيل بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : ضرورة إصدار ميثاق للمرافق العمومية
إن إصدار ميثاق للمرافق العمومية من شأنه أن يعزز المكاسب الدستورية التي جاء بها الباب الثاني عشر في ميدان الحكامة الجيدة كأساس لترسيخ مجتمع متضامن ينعم فيه كل المواطنات والمواطنين بالمساواة والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم.
هذا الميثاق سيكون له آثر هام في الرقي بتدبير الشأن المحلي حيث سيركز على تحديد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الجماعات الترابية المغربية.
ولتكون الحكامة الترابية (المحلية) جيدة ينبغي أن تقوم على حسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات، وصقل القدرات، والفعالية وجودة الخدمات، والاعتماد على الرؤية الإستراتيجية في البرامج التنموية ودعم التواصل داخل المجالس المحلية وخارجها في إطار المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وتتلخص أهم المبادئ الواجب تضمينها في الميثاق الجديد للمرافق العمومية فيما يلي :
المشاركة : أي حق الرجل والمرأة في الترشيح والتصويت وإبداء الرأي ديمقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات ؛
الشفافية : تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للإطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهذر ومحاصرة الفساد ؛
حسن الاستجابة : يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء ؛
التوافق : يعني القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول إلى إجماع واسع حول المصلحة العامة ؛
الفعالية : أي توفر القدرة على تنفيذ المشاريع التنموية ؛
الرؤية الإستراتيجية : تستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم على أساس إدارة عقلانية وراشدة للموارد أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية
إن مبادئ الحكامة الجيدة تفرض إقامة تواصل دائم بين المسؤولين والموظفين والأعوان المحليين من جهة، وبين الرؤساء والمواطنين من جهة أخرى.
وإذا كان توسيع العلاقة بين وإذا كان توسيع العلاقة بين المسؤولين والموظفين سوف يزيد من دون شك في مردوديتهم و إنتاجاتهم وذلك من خلال الإطلاع على مشاكلهم وإكراهاتهم ومن ثمة محاولة حلها، فإن التواصل الخارجي سوف يرسخ لثقافة جديدة سمتها الأساسية الثقة وتكريس الديمقراطية المحلية. وفي هذا الإطار يتوفر الرؤساء على عدة طرق للتواصل مع المواطنين إما بشكل غير مباشر، عبر الإذاعة والتلفزة والجرائد والمجلات والدوريات، أو بطريقة مباشرة أي بالاتصال المباشر بالسكان المحليين، إما داخل الجماعة أو خارجها، وذلك بتنظيم لقاءات دورية منتظمة لتدارس مشاكل السكان وإكراهاتهم والصعوبات التي يجدونها لولوج مرافق الجماعة، وكذا التعرف على طموحاتهم وتطلعاتهم ومحاولة برمجتها وإخراجها إلى حيز الوجود
إذا كان إصدار ميثاق لتدبير المرافق العمومية سيساهم في وضع إطار متقدم لتعزيز حكامة المرافق العمومية، فكذلك القوانين التنظيمية المقبلة المتعلقة بالجماعات الترابية ستعزز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية
المطلب الثاني : ضرورة إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية
طبقا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :
شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138 ؛
شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات ؛
الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140 ؛
النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى ؛
مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى المنصوص عليها في الفصل 141؛
موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليهما في الفصل 142 ؛
شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144 ؛
المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه ؛
قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة ».
إن إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من شأنه أن يعزز الديمقراطية المحلية ببلادنا كنمط لتسيير الشؤون المحلية للساكنة وأيضا لترسيخ الحكامة الترابية الجيدة كأداة جديدة لتوزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية.
في انتظار صدور هذه القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على ضوء الدستور المغربي لسنة 2011، فإن المشرع قد أصدر قانونا تنظيميا متعلقا بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية من أجل تجسيد التحول التاريخي الذي عرفته بلادنا في مجال تعزيز اللامركزية الترابية كخيار لا محيد عنه لضمان حسن تطبيق الديمقراطية المحلية.
خاتمة عامة
وفي الختام، فالدستور المغربي لسنة 2011 قد حقق طفرة نوعية في مجال تدبير المرافق العمومية المحلية حيث ارتقى بهذا التدبير من خلال تكريس بابه الثاني عشر للحكامة الجيدة كطفرة نوعية لتعزيز خيار المملكة المغربية في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، مبني على الحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.