نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة يوم الجمعة 10 أبريل 2015 ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال ، مائدة مستديرة حول موضوع " التفتيش القضائي ومستلزمات السلطة القضائية"، وقد بدأت هذه المائدة بقراءة الفاتحة ترحما على ضحايا حادثة طانان تم تلاها كلمة لرئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب الاستاذ عبد الرزاق الجباري أكد فيها على السياقات التي أتى فيه تنظيم المائدة المستديرة مستحضرا النقاشات المتربطة بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية المحالة على البرلمان.
ثم تناول الكلمة الدكتور عبد اللطيف الشنتوف رئيس نادي قضاة المغرب الذي أكد على أهمية الموضوع باعتباره من المواضيع المعاشة داخل المحاكم والتي من شأنها أن ثؤثر على اشتغال القضاء بل والثاثير عليه احيانا والمس باستقلاليته لذلك يجب ايلاء العناية اللازمة لهذه المؤسسة المهمة في الميدان القضائي لافتا الانتاه إلى ما لعبته من أدوار سلبية في كثير من الأحيان عبر تاريخ القضاء المغربي بل والخلط بين ما هو داخل ضمن عملية التفتيش من مساطرإدارية وقضائية لا تتصل بمنطوق الحكم،وكذا مسائل التخليق، وما بين هو داخل في اطار القرار القضائي الذي لا يمكله غير ضمير القاضي وطرق الطعن المنصوص عليها قانونا ، داعيا إلى إقرار مبادئ موضوعية قانونا لاختيار المفتش العام والمفتشين تراعي مبادئ الحكامة والتباري المنصوص عليها دستوريا ،ثم بعد ذلك وجوب تلقي المفتش لتكوين في مجال اشتغاله وخاصة التكوين على مبادئ الحكامة و ثقافة حقوق الانسان والتشبع باستقلال السلطة القضائية بالأساس ، وإقرار آليات لضمان عدم جعل جهاز التفتيش بيد السيد الرئيس المنتدب وإنما جعل التفتيش في خدمة العملية القضائية برمتها وتطوير دوره لكي ينتقل التفتيش مما هو تقني وإداري محض إلى دور تأطيري مشع عن طريق إصدار تقارير سنوية متاحة للعموم وعقد أنشطة متعلقة بمجال التفتيش لخلق وعي عام لدى القاضيات والقضاة بأهمية التفتيش ودوره الخلاق. وبهذه الطريقة سنضمن نجاعة مؤسسة التفتيش بشكل علمي وناجع.
وختم الدكتور الشنتوف كلمته بطرح سؤال ما هو التفتيش الذي نريد ؟
مقترحا إعمال ثلاثة مرجعيات للإجابة على هذا السؤال وهي المرجعية الدولية الحقوقية والمرجعية الدستورية والخطب الملكية في الموضوع مذكرا بخطاب 20غشت 2009 الذي دعا فيه جلالة الملك إلى تفعيل التفتيش القضائي البناء .
وفي تقديمه لجلسة المائدة المستديرة تطرق رئيسها الدكتور محمد الهيني عضو جمعية عدالة ونادي قضاة المغرب مجموعة من الأسلة التي علاقة بالموضوع كانت بمثابة خارطة طريق حول موضوع الندوة تمحورت حول صلات نظام التفتيش بنظام المحاسبة والمراقبة كآلية دستورية وقانونية داخلية للتقييم ،وعلاقة التفتيش بقواعد الحكامة الجيدة المنصوص عليها دستوريا وتساءل عن الحاجة إلى استقلالية التفتيش وبحث طبيعته ،وطبيعة المساعدة التي يقدمها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للفصل 116 من الدستورمؤكدا استحالة عزل التأديب كنتيجة الذي يقع من اختصاص المجلس عن التفتيش كمقدمات البحث والمراقبة والمساءلة والتقييم ،لان استقلال القضاء كمبدأ يجب أن تكون من مندرجاته ومتفرعاته
استقلال التفتيش القضائي عن وزارة العدل التي صارت بقوة الدستور أجنبية عن السلطة القضائية مبديا استغرابه
عن أفكار الهيمنة والتحكم التي تتمسك برأي امتلاك السلطة التنفيذية لجهاز التفتيش ،بالنظر للآثار الخطرة للتفتيش وأثره على استقلال القضاء كمؤسسة واستقلال القاضي كفرد بحكم أدوار التفتيش في المراحل السابقة ولاسيما الانتقالية الحالية المتسمة بانعدام الضمانات ،لكن ذلك لم يمنع من بحث علاقة التفتيش بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والتأكيد على وجوب توفير ضمانات استقلاليته عن عن المجلس وعن نظام المقرر وجهة المتابعة وجهة الحكم ،مما سترتب عنه
التفكير في حسن اختيار المفتشين وضمانات التعيين والاستحقاق والكفاءة،وعلاقة التفتيش العام بالتفتيش التسلسلي
وختم مداخلته بالدعوة للتفكير في إعداد ميثاق أخلاقي لنظام التفتيش ودليل للقاضي في مرحلة التفتيش ،والحرص على شفافية مؤسسة التفتيش من خلال نشر تقاريرها في الجريدة الرسمية للرقابة عليها من طرف المجتمع المدني مؤكدا على الرفع من أهمية دور الجمعيات المهنية في تفعيل التفتيش وتخليق مرفق القضاء ودعم جودته وحماية حقوق مستهلكي خدماته،لأن التفتيش من مهامه تجويد الخدمة القضائية بما يكفل حماية المتقاضين وصون مبادئ حسن سير العدالة
وفي بداية مداخلات الندوة أكد الأستاذ عبد الله أبو إياد العلوي ، أستاذ جامعي متخصص بجامعة عبد الملك السعدي على ضرورة تغيير تسمية مؤسسة التفتيش أولا بإعتبار أن إيحات هذه التسمية التي لم تعد مقبولة أيضا في المجال التربوي الذي يشتغل فيه ، حاثا على ضرورة وضع اليات لاشتغال المفتيشة العامة حتى تقوم بدورها التي لاعلاقة له طبعا بالمجال القضائي وانما بطريقة تقديم الخدمة القضائية.
في حين أكدت مداخلة الأستاذة سهام بنمسعود القاضية بالمحكمة الابتدائية بمكناس على ضرورة وجود مؤسسة قوية للتفتيش القضائي ولا يمكن الحديث عن تقليص دورها او الغائها مؤكدة كذلك على البحث عن الطرق التي من شأنها أن تؤطر عمل المفتشية العامة وفي المقابل أكدت الأستاذة لبنى فريالي قاضية بالمحكمة التجارية بمكناس على أهمية تحديد مجال عمل المفتشية والاشتغال بآليات تراعي إكراهات العمل القضائي المغربي.
وفي مداخلته أكد الاستاذ حاتم بكار محام ونائب رئيس المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية على ضروة مقاربة هذا الموضوع مقاربة شاملة وليست مقاربة مهنية محضة تهم القضاة فقط مذكرا بربط هذا الموضوع بالأهداف الكبرى لاستقلال السلطة القضائية وأن مؤسسة التفتيش شانها شأن مؤسسة النيابة العامة هي من مداخل التحكم في القضاء الذي يعد مطمعا لجهات من السلطات الاخرى،مقترحا مقاربة انفتاحية للقضاء على المجتمع المدني بما يكفل حماية حقوق المتقاضين .
وأخير اكد الدكتور نبيل بوحميدي مدير موقع العلوم القانونية وعضو جمعية عدالة وباحث جامعي على ضرورة ربط هذا الموضوع بالمؤيدات الدستورية وروح الدستور في تفسيره للوصول إلى نتيجة استقلال مؤسسة التفتيش وكذا النيابة العامة عن السلطة التنفيذية كمعطى دستورية ومجتمعي غير قابل للمساومة والنقاش لأنه اختيار دستوري نابع من إرادة الأمة والملك مقترحا بحث آليات اشتغال مؤسسة التفتيش بما يتوافق مع المعايير الدولية للتفتيش القضائي ومبادئ استقلال السلطة القضائية .
وتلا ذلك نقاشات بين الحاضرين حول المواضيع التي أثارها المتدخلون تركزت كلها حول تجارب القضاة مع جهاز التفيشية حاليا الذي يعرف انتكاسة حقيقية لا مثيل لها لعدم ملائمة معاييره مع مبادئ الدستور واستقلال القضاء ،والذي كان ولا يزال يتسم بانعدام أبسط الضمانات الحقوقية الوطنية والدولية المتعارف عليها بشان البحث والاستماع إلى القاضي حيث لا يمكن القاضي من المؤزرة والحصول على نسخة من محاضر الاستماع مع ان هذه الاخيرة تشكل دليل ادانة أمام المجلس الأعلى للقضاء داعين إلى رسم الحدود في المستقبل لعمل المفتشية العامة وجعلها تقوم بعملها بحياد وموضوعية وبكفاءة دون ترهيب، ولا تأثير عليها من أي كان، حتى لا تكون منفذا لهضم حقوق القاضي ولا للتأثير على استقلال القضاء.
ويمكن الاشارة إلى أهم توصيات المائدة المستديرة فيما ثلاثة محاور أساسية كبرى :
- استقلال المفتشية العامة للشؤون القضائية عن وزارة العدل بشكل تام ومطلق .
- تعيين المفتش العام بظهير ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للسلطة القضائية
- إقرار آليات لضمان عمل المفتشية العامة بشكل مجرد دون تحكم من أعضاء المجلس أو رئيسه المنتدب .
- إقرار آليات لضمان الفصل بين عمل المفتشية والهيئة التأديبية وهي حصرا المجلس الأعلى للسلطة القضائية .
- إقرار مبادئ الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة فيما يخص تعيين المفتش العام والمفتشين مع الزامهم بالخضوع للتكوين وخصوصا التكوين على التشبع بثقافة حقوق الانسان واستقلال السلطة القضائية والتخصص المهني.
- اقرار آليات لضمان قيام المفتشية العامة بدور توعوي تأطيري غير مباشر عن طريق تقارير دورية على حالة المحاكم ولقاءات وأنشطة في مجال التفتيش القضائي إضافة إلى دورها الأصلي مع بيان حدود التفتيش ووسائله.
- تكريس مبادئ الشفافية والجودة والالتزام بالقانون من طرف المفتشية
- تكريس معايير موضوعية لاختيار هيئة التفتيش من ناحية التكوين والأخلاق والحيدة
- تحديد مسطرة التباري على عضوية هيئة التفتيش المركزي والتسلسلي
- ضبط علاقة التفتيش التسلسلي بالتفتيش المركزي مع تخويل التفتيش التسلسلي لهيئة جماعية مشكلة من خيرة قضاة محاكم الاستئناف تختارهم الجمعية العمومية للمحكمة
- اقتصار التفتيش على ما هو أخلاقي ومهني وإداري من مساطر وإجراءات دون الجانب القضائي المتصل بالحكم القضائي الذي يخضع لمراقبة محكمة النقض.
- تكريس دور التفتيش القضائي في دعم التكوين المستمر للقضاة ونشر الممارسات القضائية الفضلى .
وأخير أوصى المشاركون باستمرار الترافع القضائي عن مبدأ استقلالية السلطة القضائية للتنزيل الديمقراطي للدستور بعيدا عن وصاية
وزارة العدل مع التأكيد على مطلب نادي قضاة المغرب بوضع مدونة أخلاقية للتفتيش القضائي يتم العمل على احترامها طبقا للمفهوم الجديد للتفتيش القضائي الهادف لجعل التفتيش التسلسلي والمركزي على حد سواء،أداة ناجعة وفعالة ليس لتعقب الأخطاء وإقامة الدليل، بل أداة للسهر على توحيد مناهج العمل من خلال الاقتراح والتأطير، مع التقيد التام بمبدأ استقلال القضاء لينهض بدوره المتمثل في تقديم مقترحات وحلول واضحة تقييما ومراقبة، للرفع من مستوى أداء سير المحاكم وحماية حقوق المتقاضين باعتباره جوهر وهدف العملية القضائية
المقرر العام للندوة
ذ محمد الهيني