رفقته نسخة مصففة للتحميل
ملخص :
تناولت هذه الورقة البحثية موضوع من المواضيع الأكثر جدلا و أهمية في الآونة الأخيرة، لذلك حاولنا في البداية بيان مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على المفاهيم التقليدية لحقوق المؤلف، و تبين لنا ـ أن هذه الأخيرة في أزمة حقيقة، و أصبحت موضوع شكوك و أراء فقهية متضاربة بداية حول إمكانية منح الخوارزميات صفة المؤلف ثم حول مدى إمكانية منح برمجيات الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية، بعد ذلك كان لا بد من الإشارة للتأثير السلبي لبرمجيات الذكاء الاصطناعي على المصنفات الإبداعية المحمية، حيث أضحت برمجيات للذكاء الاصطناعي تفرز مقالات و مقاطع موسيقية، وأشكال إبداعية أخرى مستوحاة من مصنفات محمية سابقا، و هو الأمر الذي يشكل اعتداء على حقوق المؤلفين المادية و المعنوية.
الكلمات المفاتيح : الذكاء الاصطناعي التوليد، حقوق المؤلف، المصنفات الإبداعية.
Summary:
This research paper dealt with one of the most controversial topics in recent times, so we tried at the beginning to show the extent of the impact of artificial intelligence on traditional concepts of copyright, and we found that the latter is in a real crisis, and has become the subject of doubts and conflicting jurisprudential opinions, first about the possibility of granting algorithms the status of author, and then about the extent to which artificial intelligence software can be granted legal personality, after that it was necessary to refer to the negative impact of artificial intelligence software on works Protected creativity, where artificial intelligence software has become producing articles, music clips, and other creative forms inspired by previously protected works, which constitutes an infringement on the material and moral rights of authors.
Keywords : Artificial intelligence generation, copyright, creative works
تناولت هذه الورقة البحثية موضوع من المواضيع الأكثر جدلا و أهمية في الآونة الأخيرة، لذلك حاولنا في البداية بيان مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على المفاهيم التقليدية لحقوق المؤلف، و تبين لنا ـ أن هذه الأخيرة في أزمة حقيقة، و أصبحت موضوع شكوك و أراء فقهية متضاربة بداية حول إمكانية منح الخوارزميات صفة المؤلف ثم حول مدى إمكانية منح برمجيات الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية، بعد ذلك كان لا بد من الإشارة للتأثير السلبي لبرمجيات الذكاء الاصطناعي على المصنفات الإبداعية المحمية، حيث أضحت برمجيات للذكاء الاصطناعي تفرز مقالات و مقاطع موسيقية، وأشكال إبداعية أخرى مستوحاة من مصنفات محمية سابقا، و هو الأمر الذي يشكل اعتداء على حقوق المؤلفين المادية و المعنوية.
الكلمات المفاتيح : الذكاء الاصطناعي التوليد، حقوق المؤلف، المصنفات الإبداعية.
Summary:
This research paper dealt with one of the most controversial topics in recent times, so we tried at the beginning to show the extent of the impact of artificial intelligence on traditional concepts of copyright, and we found that the latter is in a real crisis, and has become the subject of doubts and conflicting jurisprudential opinions, first about the possibility of granting algorithms the status of author, and then about the extent to which artificial intelligence software can be granted legal personality, after that it was necessary to refer to the negative impact of artificial intelligence software on works Protected creativity, where artificial intelligence software has become producing articles, music clips, and other creative forms inspired by previously protected works, which constitutes an infringement on the material and moral rights of authors.
Keywords : Artificial intelligence generation, copyright, creative works
المقدمة:
من المعلوم أن التطورات المتسارعة في أنظمة و برمجيات الذكاء الاصطناعي أحدثت ثورة هائلة في مجال الإبداع الفني و الأدبي ، بشكل أصبحت معه هذه البرمجيات تفرز مصنفات إبداعية، بطريقة شبه مستقلة و أحيانا بعيدة عن التدخل البشري، و السبب وراء هذا القول، هو وصول العالم إلى ما يعرف "بالذكاء الاصطناعي التوليدي"، كمفهوم يعبر عن أحدث نسخ الذكاء الاصطناعي و أكثرها تطورا.
و يعرف الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه "نوع من أنواع التكنولوجيا الحديثة الذي يستخدم تقنيات تعلم الآلة و الشبكات العصبية العميقة لمحاكاة قدرة البشر في إنشاء بيانات أو محتوى جديد أو محتوى أصيل و مبتكر مثل النصوص و الصور و الفيديوهات"[1]، بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إفراز مخرجات من نفس جنس و نوع المدخلات مثل نص إلى نص أو من نوع مختلف مثل من نص إلى صورة أو العكس .
و حسب الدكتور و الباحث في مجال القانون الإلكتروني فؤاد بنصغير، الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتيح بناء على مجرد طلب باللغة الطبيعية، إمكانية خلق نصوص أو صور أو ملفات صوتية أو فيديوهات قادرة على تمرير مستندات مولدة من الصفر على أنها أصلية.
و في هذا المقام لا بد من التمييز بين مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، و المصنفات الرقمية، هذه الأخيرة التي عرفها البعض بأنها " الشكل الرقمي لمصنفات موجودة و معدة سلفا دون تغيير أو تعديل في النسخة الأصلية للمصنف سابق الوجود، كأن يتم نقل النص المكتوب (مصنف أدبي) أو الصوت (مصنف سمعي) أو الصورة (مصنف بصري ) أو الصوت و الصورة (مصنف سمعي بصري ) من الوسط التقليدي الذي كان عليه إلى وسط تقني رقمي كالأقراص المدمجة CDR أو الأسطوانات المدمجة الرقمية DVD ، أو هي الشكل الرقمي منذ البدء لاي نوع من المصنفات بحيث يكون التثبت المادي الأول للمصنف و عمل نسخة منه تم على وسط تقني متطور من طرف أشخاص ذاتيين"[2] ، و من خلال التعريف السابق يظهر أن المصنفات الرقمية هي إبداعات و ابتكارات بشرية، بينما إبداعات برمجيات الذكاء الاصطناعي تنتج بشكل مستقل عن التدخل البشري.
و بالتالي فهذا النمط الجديد للذكاء الاصطناعي، من جهة أولى جعل العديد من المفاهيم التقليدية للملكية الفكرية و حقوق المؤلف بوجه خاص في أزمة حقيقة، و موضوع تساؤلات جوهرية تدور بالإساس حول إمكانية إعطاء صفة المؤلف لبرامج الذكاء الاصطناعي ، و بالتالي حماية مفرزات الذكاء الاصطناعي الإبداعية، و من جهة ثانية فأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبحت تشكل خطرا كبيرا على حقوق المؤلفين المادية و المعنوية، بسبب تغذيتها ببيانات مأخوذة من مصنفات أدبية و فنية محمية بموجب قانون حقوق المؤلفين و الحقوق المجاورة، زيادة على صعوبة اكتشاف الاعتداءات و تتبع الحقوق نتيجة لما يعرف بالتزييف العميق و قدرة برمجيات الذكاء الاصطناعي على إخفاء مصادرها.
و الملاحظ أيضا، أن التشريعات العربية الحالية لا تتضمن نصوصًا خاصة بالاختراعات أو المصنفات الناشئة عن برامج الذكاء الاصطناعي، ولم تفرد لها أي حماية خاصة ، في الوقت الذي سعت فيه دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول كالمملكة المتحدة، الهند، إيرلندا، هونغ كونغ، إلى وضع تصورها من الجانب القانوني حول هذا المعطى .
و من أجل البحث و معالجة الموضوع سوف نطرح الإشكالية الرئيسية التالية:
هل تشريعات و قوانين حقوق المؤلف التي تتصف بالتقليدية، قادرة على استيعاب و موجهة التحديات التي تفرضها مخرجات أنظمة الذكاء الاصطناعي، أم لا بد من إعادة النظر فيها بشكل يتلاءم مع المتغيرات التي جاءت بها هذه الأنظمة ؟
و من أجل الإجابة عن الإشكالية أعلاه سوف نعتمد التقسيم التالي:
الفقرة الأولى: الذكاء الاصطناعي التوليدي و أزمة مفهومي المؤلف و المصنف
الفقرة الثانية: مخاطر الذكاء الاصطناعي على حقوق المؤلف
الفقرة الأولى: الذكاء الاصطناعي التوليدي و أزمة مفهومي المؤلف و المصنف
في هذه الفقرة سوف نحاول الكشف عن المفهوم التقليدي للمصنف و المؤلف، مع مناقشة مدى استيعاب هذين المفهومين لما يفرزه الذكاء الاصطناعي من إبداع فنية و أدبية .
أولا: المفهوم التقليدي للمصنف و المؤلف
معلوم أن التشريع المغربي في مجال حقوق المؤلف كغيره من التشريعات على المستوى الدولي، يرى المؤلف و المصنف من زاوية تقليدية لا تعترف بما يتولد عن الذكاء الاصطناعي، فبداية من مفهوم المؤلف ، حيث نجد المادة الأولى من القانون رقم 02.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة المؤلف[3]، تعرفه على أنه " الشخص الذاتي الذي أبدع المؤلف"، وبالتالي يفهم من خلال المادة الأولى أعلاه أن المؤلف حصرا هو الإنسان/ الشخص الطبيعي، و بناء عليه لا يمكن تصور إنتاج مصنفات إبداعية من قبل شخص اعتباري أو آلة أو برنامج كيفما كان نوعه، باستثناء حالات المصنفات الجماعية [4].
أما عن مفهوم المصنف، فالمادة الثالثة من نفس التشريع نصت على انه "يسري هذا القانون على المصنفات الأدبية و الفنية المسماة فيما بعد بالمصنفات، التي هي إبداعات فكرية أصيلة في مجالات الأدب و الفن... ".
و عليه فالمادة الثالثة من قانون حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة ، تشترط لحماية المصنف أن يكون أصيلا في مجال الأدب و الفن، و شرط الأصالة حسب المدرسة اللاتينية، يعني أن يعكس المصنف شخصية المؤلف، أو بمعنى آخر أن يكون المصنف امتدادا لهذه الشخصية، بشكل يجعل ذلك المصنف لا يمكن أن يكون إلا لذلك المؤلف، و النظرة الشخصية لمفهوم الأصالة تأخذ بها أغلب التشريعات، كالمشرع المغربي و الفرنسي و المصري .
و بالتالي فالمفاهيم السابقة للمؤلف و المصنف تجعل من الصعب تقبل فكرة اعتبار الذكاء الاصطناعي مؤلفا من جهة، و الإبداعات التي تفرزها برمجيات الذكاء الاصطناعي مصنفا قابلا للحماية من جهة أخرى، لأن الذكاء الاصطناعي ليس شخص ذاتي و إبداعاته تفتقر لشرط الأصالة بمفهومه الشخصي، لكن هل يمكن في ظل المعطيات السابقة رفع كل هذه التصورات التقليدية و اعتماد معايير جديدة، تساعد برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على الاستفادة من مقتضيات حقوق المؤلف .
ثانيا: نحو مفهوم جديد للمصنف و المؤلف
احدث الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية في مجال حقوق التأليف، إذ تجاوزت برمجياته دورها التقليدي كأداة مساعدة للإنسان لتصبح قادرة على إنتاج أعمال إبداعية فنية و أدبية، بشكل بعيد عن التدخل البشري.
و مما لا شك فيه أن العقبة الرئيسة أمام دمج الإبداعات الناتجة عن المعالجة الخوارزمية في قواعد حق المؤلف، تتمثل في مفهوم الأصالة L’originalité ، لذلك فاسهل طريقة لاستيعاب هذه الإبداعات هي القضاء على تلك العقبة، من خلال توسيع مفهوم العمل العقلي، و بالتالي إعادة النظر في التعريف الحالي للأصالة بغرض تسهيل الوصول إلى الحماية التي يكفلها حق المؤلف.
كما أن اعتبار برامج الذكاء الاصطناعي مؤلفا يتوقف على مدى إمكانية اكتسابه الشخصية القانونية من عدمه .
- المعيار الموضوعي لشرط الأصالة
لكن ليست هذه العقبة الوحيدة التي تقف وراء التصور السابق، بل هناك عقبة أكبر و أهم، و هي الشخصية القانونية الأزمة للاستفادة من حقوق التأليف، فهل يمكن منح الذكاء الاصطناعي التوليدي الشخصية القانونية ؟
- الاعتراف بالشخصية القانونية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي
- الاتجاه المؤيد لفكرة منح من الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية
و من هذا المنطلق تأتي ضرورة التمييز فيما بين المعالجات الخوارزمية، فالبرمجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي العادية التي تسند على العقل بالبشري في بدايتها و نهايتها، لا يمكن أن تمنح لها الشخصية القانونية بأي شكل من الأشكال، بل فقط برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي ترتكز على تقنيات التعلم العميق، وفقا لكيفية تجعلها تفرز إبداعات أدبية و فنية بشكل مستقل عن التدخل البشري[7].
و في هذا المقام يرى الفقيه Lionel Maure أن الاتجاه الذي يرفض منح برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الشخصية القانونية، يحمل أفكار مغلوط حول هذه الأخيرة، حيث يعتقدون أن الشخصية القانونية هي سمة بشرية لا يمكن إسنادها لغير الأشخاص الذاتيين، و هذه حسب نفس الفقيه فكرة غير صحيحة، فالجنين على سبيل المثال لا يحصل على الشخصية القانونية الا بعد بلوغه مراحل متطورة من النمو تختلف حسب تشريعات الدول رغم كونه بشر، كما انه في مراحل تاريخية كان فيها بعض البشر في عداد الأشياء، و ليس لهم شخصية قانونية كما هو الحال بالنسبة فترات العبودية و الرق[8].
أيضا يرى الفقيه آلان بون سوسان، أنه من الضروري منح برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي شخصية قانونية إلكترونية électronique ، تراعي خصوصياتها، و هذا ما أكدت عليه euRobotics في اقتراحها بشأن ورقة خضراء أو كتاب أحضر يمكن ان يكون بداية للتفكير في منح هذه البرمجيات شخصية قانونية فريدة، و سن قواعد قانونية تراعي طبيعتها التقنية و تحدد الأشخاص الاعتبارية و شروط الاستفادة.
- الاتجاه الرافض لفكرة منح الشخصية القانونية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي
فحسب هذا الاتجاه، لا يمكن القول باستقلالية برمجيات الذكاء الاصطناعي بشكل يجعلها تعمل بصورة بعيدة عن التدخل البشري، فالبرمجيات تبقى دائما تحت سيطرة الإنسان وتحكمه مهما تطورت.
و يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الذكاء الاصطناعي لا زل يعتمد على برمجة معلوماتية تتضمن قاعدة بيانات مخزنة في ذاكرته يتم توظيفها بموجب شبكة معقدة من العمليات الخوارزمية المتعاقبة، تتيح له القدرة على الوصول إلى العديد من الخيارات المتاحة و اختيار الأنسب منها لتنفيذ المطلوب منه، وهذا يعطي لبرمجيات الذكاء الاصطناعي الاستقلالية في اختيار المناسب من دون امتلاك القدرة على خلق او توليد خيارات تتجاوز المخزون المعرفي الموجود سابقا لديها عن طريق تقنية العلم الآلي، و عليه فإن الذكاء الاصطناعي لم يصل بعد لمستوى الذكاء البشري[9].
أيضا لا بد من الإشارة إلى قرار البرلمان الأوروبي بشأن قواعد القانون المدني المتعلقة بالروبوتات الصادر سنة 2018، الذي أوصى بإسناد الشخصية الإلكترونية للروبوتات في المستقبل البعيد والأجيال الجديدة القادمة من البرمجيات، التي تستطيع الاستقلال التام عن الإنسان، وتملك قدرة التعلم الذاتي و اتخاذ القرار بشكل انفرادي و مستقل عن أي تدخل بشري.
كما أن انعدام الغاية والجدوى من منح الشخصية القانونية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي من بين المبررات هذا الاتجاه، لان نزع صفة الأشياء على البرمجيات وتحملها الواجبات واكتسابها لحقوق المادية والمعنوية، و المسؤولية المدنية و الجنائية، هي أمور تتعارض مع التشريع و يصعب تقبلها حتى واقعيا، و من شأنها خلق نتائج قانونية غير مرغوب فيها، كمنحه الحق في الدفاع عن مصالحه أمام القضاء.
الفقرة الثانية: مخاطر الذكاء الاصطناعي على حقوق المؤلف
مما لا شك فيه أن للذكاء الاصطناعي مميزات عديدة مساعدة للبشرية، فهو أقل تكلفة و أكثر إبداعا و إنتاجية مقارنة مع العمليات و الطرق التقليدية للإبداع، كما انه فرصة لتقوية أنظمة الحماية التكنولوجية للمصنفات الإبداعية ذات الطبيعة الرقمية، فمثلا يوتيوب تطور حاليا أدوات ذكاء اصطناعي يساعدها في كشف الأصوات والفيديوهات المزيفة عبر إرسال تحذير و خيار مسح الفيديو بسبب حقوق المؤلف.
لكن بالمقابل كشف الواقع عن استخدامات للذكاء الاصطناعي تهدد مستقبل حقوق الملكية الفكرية، فكيف ذلك ؟ و هل من حالات واقعية لهذه الاعتداءات ؟
أولا: اعتداء برمجيات الذكاء الاصطناعي على مصنفات محمية
معلوم أن برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، تتغدى من البيانات المزودة بها عن طريق التعلم الآلي، الذي يعرف بأنه تقليد عمل الخلايا العصبية البشرية من خلال إنشاء شبكة عصبية اصطناعية تمكن الآلة من تحليل كم هائل من البيانات الغير متشابهة مثل اللغات والأصوات و الصور فتمر عبر الشبكة العصبية و تعمل على إنتاج بيانات جديدة و مختلفة و متشابهة لما ينتجه العقل البشري[10].
من الممكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تنتج مصنفات إبداعية من خلال هذه التقنية ، و بالتالي تطرح عدة قضايا جديدة و تساؤلات جوهرية من بينها ، هل ينبغي اعتبار التغذية بالبيانات المشتقة من مصنفات محمية لحق المؤلف دون إذن صاحبها لأغراض التعلم الألي تعديا على حقوق المؤلف؟ و إن لم يكن الأمر كذلك ، هل ينبغي وضع استثناء صريح في قانون حقوق المؤلف ؟
نشير هنا أنه في 14 يوليو 2023 اعتمد البرلمان الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي و هو التشريع الأول عالميا لوضع أولى قواعد و خطوات استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عام، حيث يركز القانون على تنظيم و تطوير و اطلاق و استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الاتحاد الأوروبي، و يضع منهجية متكاملة للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات و من ضمنها مجال الملكية الفكرية، حيث نص القانون على ضرورة توافق الذكاء الاصطناعي التوليدي مثلChatGPT مع متطلبات الشفافية و السلامة من خلال :
- الكشف عن المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي؛
- تصميم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية بشكل يراعي عدم توليد المحتوى غير القانوني؛
- نشر ملخصات للبيانات المحمية بحقوق الطبع و النشر.
ثانيا: حالات واقعية
هناك مجموعة من الحالات الواقعية التي شعر فيها بعض المؤلفين بانتهاك حقوقهم المادية و المعنوية من قبل برمجيات الذكاء الاصطناعي، و منها ما يلي :
- رفعة صحية نيويورك تايمز دعوى قضائية ضد شركتي Open Al و Microsoft في ديسمبر من سنة 2023 أمام محكمة مانهاتن متهمة إياهما باستخدام مقالاتها دون ترخيص للمساعدة في تدريب تقنيات الذكاء الاصطناعي، كـ CHATGPT COPILOT ،و استشهدت الصحيفة أمام القضاء بعدة حالات أعطت فيها روبوتات الدردشة الخاصة بالشركتين للمستخدمين نصوص شبه مطابقة لمقالاتها، و نتيجة لذلك تكبدت الصحيفة التي يبلغ عمرها 172 سنة أضرارا مادية قدرت حسب رأيها في مليارات الدولارات ، من خلال تقليل حاجة القراء الملحوظة لزيارة موقعها على الإنترنت، و بالتالي احتمالية خفض إيرادات الإعلانات و الاشتراكات، في حين قلت الشركة أن التدريب على الذكاء الاصطناعي يندرج ضمن الاستخدام العادل للمواد المنشورة على الإنترنت و المحمية بحقوق المؤلف.
- الفنانة الكوميدية سارة سيلفرمان قررت مقاضاة ميتا و open IA لكون الشركتان استخدما كتاباتها لتدريب الذكاء الاصطناعي .
- اكبر دار نشر تجارية في العالم Penguin random house أصدرت تحذير في صفحات حقوق الطبع و النشر الخاصة بكتبها لمنع استخدام تلك الكتب لتدريب الذكاء الاصطناعي" و تضمن البيان ما يلي : لا يجوز استخدام أي جزء من هذا الكتاب أو أعادة إنتاجه باي طريقة لغرض تدريب تقنيات أو أنظمة الذكاء الاصطناعي".
- الكاتب المشهور جورج رماتن صاحب رواية أغنية الجليد و النار التي حولت إلى عمل سنمائي صراع العروش، حيث ظهرت مؤخرا على الإنترنت محاولات لتقليد أسلوب كتابته عن طريق الذكاء الاصطناعي .
خاتمة:
موضوع الذكاء الاصطناعي و حقوق التأليف، من المواضيع التي لازالت قيد البحث و التنظير ، و تحتاج لنقاش جاد و دراسات للأثر الذي قد ينشأ عن أي تدخل تشريعي في الموضوع، و باعتبار المغرب مقبل على العديد من التظاهرات العالمية أبرزها ككأس العالم سنة 2030، الذي لا يعتبر مسابقة رياضية فحسب بل فرصة لإظهار التراث الثقافي و الإبداعي للمملكة المغربية و أيضا مختلف الإبداعات الأخرى، بشكل يحترم حقوق الملكية الفكرية ، و بالتالي فالمغرب معني بشكل كبير و أكثر من أي وقت مضى بهذا الموضوع، و هنا نشير أن مدينة الدار البيضاء قد استقبلت المؤتمر العربي للملكية الفكرية، الذي كان تحت عنوان الملكية الفكرية و تحديات الذكاء الاصطناعي، حيث كشف المؤتمر على عديد الإشكالات في الموضوع و طرح المتدخلون مجموعة من المقترحات التي من شأنها أن تشكل الحجر الأساس من أجل صياغة تشريع يقدم إجابات على مختلف التساؤلات حول الموضوع في المستقبل .
و في الأخير لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات و الاقتراحات التي نرى فائدة في طرحها :
- لازالت بعض النقط غير محسوم بشـأنها و تتطلب العديد من الدراسات ، لا سيم تقييم و تحديد شرط الأصالة في الإبداعات الفنية و الأدبية التي تفرزها برمجيات الذكاء الاصطناعي.
- المسؤولية التقصيرية عن الأضرار الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تقوم من خلال نظرية النائب الإنساني وأساسها مبني على الخطأ المفترض و تضامن المسؤولية ما بين المالك و المبرمج و أحيانا المستخدم، و هذا في اعتقادنا الرأي المنطقي الصائب في إسناد المسؤولية.
- رغم أن التشريعي المغربي في مجال حقوق المؤلف والملكية الفكرية عموما، يتسم بالحداثة ويتماشى مع التطورات التقنية، فإن برامج الذكاء الاصطناعي تتطلب تشريعات خاصة ترسم حدودها القانونية وتراعي خصوصياته.
- معظم التقارير الحكومية و البرلمانية في أروبا و العالم العربي تتجاهل آثار التكنولوجيا على الملكية الفكرية.
المراجع باللغة العربية
- أسامة أحمد بدر، تداول المصنفات عبر الإنترنت (مشكلات و حلول) ، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، سنة 2006 .
- رضا محمود العبد، الحماية القانونية للإبداعات الخوارزمية بين حق المؤلف والرؤى المستقبلية، أعمال مؤتمر التحديات والآفاق القانونية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، مصر، سنة 2024.
- محمد العبودي، عادل الفيضا، حماية المصنفات الرقيمة في ظل التشريع المغربي، بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية، السنة الجامعية 2019/2020.
- سلسلة الذكاء الاصطناعي التوليدي، صادرة عن الهيئة السعودية للبيانات و الذكاء الاصطناعي، بتاريخ نوفمبر 2023.
- جهاد محمود عبد المبدي، الشخصية القانونية للربوبوتات الذكية بين المنح و المنع " دراسة تحليلية، مجلة البحوث الفقهية و القانونية ، جامعة الأزهر، كلية الشريعة و القانون بدمنهور، العدد الخامس ، سنة 2023 .
المراجع باللغة الفرنسية :
- Les chevalier , La c éation artistique générée par par traitement algorithmique , une œuvre comme les autres ? , mémoire , master doit des Technologies numériques et société de l’information, université paris- Nanterre UFR de Droit et science politique , sous la direction de François pellegrini 2018.
- Marie doules ,Questions juridiques au sujet de l’intzligrnce artificielle ,Enjeux nimériques, n1 Annales des mines ,Mard 2018.
[1] سلسلة الذكاء الاصطناعي التوليدي ، صادرة عن الهيئة السعودية للبيانات و الذكاء الاصطناعي، بتاريخ نوفمبر 2023، ص 6.
[2] أسامة أحمد بدر، تداول المصنفات عبر الإنترنت ( مشكلات و حلول ) ، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، سنة 2006، ص 76، أشار اليه في الهامش ، محمد العبودي، عادل الفيضا، حماية المصنفات الرقيمة في ظل التشريع المغربي، بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص ، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية المحمدية ، السنة الجامعية 2019/2020، ص4.
[3] ظهير شريف رقم 1.00.20 صادر في 9 ذي القعدة 1420 الموافق لـ 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الجريدة الرسمية عدد 4796 بتاريخ 14 صفر الموافق لـ 18 ماي 2000، ص 1112.
[4] حسب المادة الأولى من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في فقرتها الثالثة، المصنف الجماعي هو " كل مصنف أبدع من قبل مجموعة من المؤلفين بإيعاز من شخص ذاتي أو معنوي يتولى نشره على مسؤوليته وباسمه، وتكون المشاركة الشخصية لمختلف المؤلفين المسهمين في إبداع المصنف ذائبة في مجموع المصنف من غير ان يتأتى تمييز الإسهامات وتحديد أصحابها".
[5] رضا محمود، الحماية القانونية للإبداعات الخوارزمية بين حق المؤلف والرؤى المستقبلية، أعمال مؤتمر التحديات والأفاق القانونية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، مصر، سنة 2024، 197 و198 و199.
[6] Les chevalier, La c éation artistique générée par par traitement algorithmique , une œuvre comme les autres ? , mémoire , master doit des Technologies numériques et société de l’information, université paris- Nanterre UFR de Droit et science politique , sous la direction de François pellegrini 2018, p54 .
[7] رضا محمود العبد، الحماية القانونية للإبداعات الخوارزمية بين حق المؤلف والرؤى المستقبلية، مرجع سابق، ص 208.
[8] جهاد محمود عبد المبدي، الشخصية القانونية للربوبوتات الذكية بين المنح و المنع " دراسة تحليلية " ، مجلة البحوث الفقهية و القانونية ،ن جامعة الأزهر ، كلية الشريعة و القانون بدمنهور، العدد الخامس ، سنة 2023 ، ص 890 .
[9] جهاد محمود عبد المبدي، الشخصية القانونية للربوبوتات الذكية بين المنح و المنع " دراسة تحليلية "، مجلة البحوث الفقهية و القانونية، مرجع سابق ، ص 889..
[10] ذهب البعض إلى اعتبار أن مثل هذه الإبداعات اذا لم يتم الإعلان عن مصدرها للعموم، و اعتبارها من إنجاز الالة بمثابة عش، أنظر في هذا الصدد:
Marie doules ,Questions juridiques au sujet de l’intzligrnce artificielle ,Enjeux nimériques, n1 Annales des mines ,Mard 2018 ,p 84.
Marie doules ,Questions juridiques au sujet de l’intzligrnce artificielle ,Enjeux nimériques, n1 Annales des mines ,Mard 2018 ,p 84.