أثار دستور 2011 الذي جرى التصويت عليه بأغلبية فاقت 98% الكثير من القراءات، وذلك بحسب مواقع الفاعلين ومواقفهم السياسية، فهناك من اعتبره تقدما ملحوظا من حيث البناء المؤسساتي للبلاد[1]، وهناك من اعتبره دستورا ديمقراطيا يمكن أن يضع حدا فاصلا بين مرحلة الاستبداد ومرحلة الدخول إلى الديمقراطية، بينما يرى فيه البعض الآخر تكريسا لنفس الثوابت الدستورية السابقة[2].
غير أن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الدستوري حاول إجراء تغييرات وإصلاحات في المنظومة الدستورية في ظل استمرارية الثوابت السابقة، والانتقال من برلمان الرمز إلى برلمان السلطة (المطلب الأول)، كما أدخل آليات جديدة تفعل مراقبة البرلمان لعمل الحكومة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : إصلاحات أعادت الاعتبار للبرلمان في ظل الاستمرارية
من بين أبرز القراءات التي تناولت دستور 2011 كونه دستورا يجسد في مبناه ومعناه فلسفة دستورية تروم إلى التغيير في ظل الاستمرارية (الفرع الأول )، وتعترف بالبرلمان كمؤسسة تمارس السلطة (الفرع الثاني ).
الفرع الأول : إصلاحات في ظل الاستمرارية
إن واقع النخبة السياسية، ودرجة الوعي الديمقراطي، والثقافة السياسية الناظمة للمؤسسات كلها متغيرات تجعل التغيير ضمن الاستمرارية الخيار الأمثل و الأنسب لمسار التطور السياسي بالمغرب[3]، فمن خلال قراءة فصول دستور 2011 يتضح جليا أن الكتلة النصية التي تتأسس عليها بنية ووظيفة ومجال تحرك المؤسسة البرلمانية تعكس بشكل جلي هذا التوجه، وهو ما يعني أن هذا الدستور لم يؤسس لفكرة القطيعة الكلية مع بعض قواعد وآليات النظام البرلماني الكلاسيكي التي كانت ترهن تطور الممارسة البرلمانية بالمغرب، حيث يلاحظ المتتبع استمرار إرث العقلنة البرلمانية في إنتاج نفسه والكشف عن هويته عبر أكثر من مقتضى وإجراء دستوري[4].
فالدستور الجديد عمل على توسيع مجال القانون من تسع مجالات بموجب الفصل 46 من دستور 1962 إلى ثلاثين مجالا بموجب الفصل 71 من دستور 2011، مما اعتبر مؤشرا على إعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية فيما يتعلق بدورها في مجال إعداد السياسات العمومية ومراقبتها وتقييمها، غير أن القراءة الدقيقة للنصوص توحي أن مجمل هذه الاختصاصات تم نقلها من دستور 1996 بشكل من التدقيق والتفصيل المضلل، مع إضافة مجالات جديدة تتعلق أساسا بالعفو العام ومعايير التقطيع الانتخابي والاتفاقيات الدولية، وهو ما يزكي فرضية الاستمرارية، حيث بقي الدستور الجديد وفيا لفكرة تحديد مجال القانون على سبيل الحصر، ولروح فلسفة العقلنة البرلمانية، من خلال الاحتفاظ بغالبية القواعد والآليات الدستورية المرتبطة باستقرار العمل المؤسساتي .
هذه القواعد المحتفظ بها كان ينظر إليها في مجملها على أنها السبب الرئيسي في تبخيس دور البرلمان التشريعي و الرقابي، فأرقام الحصيلة الدورية أو السنوية لهذه المؤسسة بمجلسيها تشير إلى تفوق القوانين ذات المصدر الحكومي على مقترحات القوانين ذات المصدر البرلماني، حيث لا تتجاوز نسبة هذه الأخيرة في أحسن الأحوال 10% من مجموع الإنتاج التشريعي الصادر بموجب الفصل 46 من دستور 1996 والذي يقابله الفصل 71 من دستور 2011، وعلى ضوء هذا المعطى تبقى المبادرة التشريعية رهينة سلطة الحكومة ومدى تجاوبها، حيث يبقى تجاوبها من عدمه خاضعا لحسابات سياسية بين الأغلبية البرلمانية والحكومة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، وذلك حسب مصدر هذه المقترحات و الجهة التي تقدمت بها، وكأن السلطة التشريعية تحولت إلى مشرع استثنائي مقابل المشرع الأصلي التي أصبحت تمثله المؤسسة التنفيذية[5] .
ورغم محاولة بعض القراءات تفسير هذا الأفول بأسباب خارجة عن النص الدستوري، فإن المشرع الدستوري مع ذلك كان عليه أن يتدخل بشجاعة للحد من بعض القيود التي تفرضها العقلنة البرلمانية على فعالية البرلمان .
هذا رغم ما قدمه دستور 2011 للمنظومة البرلمانية، من خلال اعتماده بعض القواعد والآليات الجديدة لتطوير عمل البرلمان والرفع من فعاليته، خاصة بعد الاعتراف له بممارسة السلطة .
الفرع الثاني: عودة السلطة إلى البرلمان في انتظار الفعالية
من أهم المآخذ التي أُخذت على المؤسسة البرلمانية كونها كانت فضاء للتسجيل وليست مجالا لممارسة السلطة، ولتجاوز هذا التوصيف الذي كانت له انعكاسات سيئة على صورة ومصداقية البرلمان، اتجه المشرع الدستوري إلى الاعتراف لأول مرة بالبرلمان كمؤسسة تمارس السلطة، حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 70 من دستور 2011 " يمارس البرلمان السلطة التشريعية "، هذا المقتضى يعتبر إضافة نوعية وضرورية لتعزيز روافد الشرعية التمثيلية للمؤسسة البرلمانية التي كانت تفتقد إليها، فالاعتراف للبرلمان بالسلطة التشريعية سيكون له تأثير إيجابي على صورته وعلى مختلف وظائفه المنوطة به، هذا دون إغفال المتطلبات الضرورية لتدبير هذه السلطة، والمرتبطة أساسا بنخبة برلمانية مؤهلة، وإمكانيات مادية و بشرية كافية، وفضاء سياسي محفز .
لقد أصبحت المؤسسة البرلمانية حسب المستجدات الدستورية تملك الكثير من الآليات للاضطلاع بكامل وظائفها خصوصا في الجانب التشريعي والجانب الرقابي، وذلك بدءا بآلية التصويت التي لا تتم إلا بعد المناقشة والتداول في القضايا و الأمور المعروضة أمام اللجان البرلمانية التي تعتبر الميدان الحقيقي لممارسة السلطة التشريعية، حيث تكون الفرصة مواتية لمختلف الفرق البرلمانية للتعبير عن مواقفها بخصوص مضمونها، ومن خلال هذه المناقشة يمكن للبرلمانيين القيام بتقييم السياسات العمومية كآلية أخرى لممارسة السلطة التشريعية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، بجانب الإمكانية المتاحة للبرلمانيين بموجب الفقرة الثانية من الفصل 101 من الدستور الجديد[6] والتي ستمكن البرلمانيين إذا ما توفرت لهم الإمكانيات الضرورية من تثمير إمكانياتهم في مجال النقاش و التداول داخل البرلمان، هذا بالإضافة إلى آلية مراقبة عمل الحكومة التي جرى تقويتها وتنظيمها وتخفيف بعض القيود المفروضة عليها .
إن تفعيل مجموع هذه الآليات رفقة المنظومة الإجرائية المتقدمة التي أصبحت تتأسس عليها يمكن أن تساعد خاصة بعد الاعتراف الفعلي بحقوق المعارضة وتمكينها من الوسائل اللازمة للنهوض بمهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية، في انبثاق ثقافة برلمانية جديدة، وفي بناء فضاء عمومي مستقل، فضاء له رهاناته الخاصة به، وقراراته التي تعبر عن إرادة الأمة التي يمثلها، وذلك بعيدا عن تأثيرات ثقافة الهيمنة والتوغل التي تأسس لها العقلنة البرلمانية والممارسة الحكومية.
وبالرغم من القيمة الرمزية لمفهوم السلطة التشريعية، فإن تجسيد مضامين هذا المفهوم على أرض الواقع، حتى في ظل وجود نصوص دستورية صريحة، فإنها ستبقى قاصرة ما لم تصاحبه إرادة فاعلة لتحرير النصوص من شراك تطبيقات النص الضمني، وتأويلات الفاعل السياسي غير المنضبطة لروح الوثيقة الدستورية[7].
المطلب الثاني : دستور 2011 : آليات جديدة لتفعيل الرقابة البرلمانية
من بين أهم الأهداف التي توخاها المشرع الدستوري المغربي عند وضعه دستور 2011 هو إعادة النظر في أدوار و صلاحيات البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي، وذلك من أجل تحقيق الحكامة الديمقراطية، وتطبيق الديمقراطية التشاركية، و ضمان فعالية القوانين والسياسات العمومية التي تتولى وضعها البرلمانات في الدول السائرة في طريق البناء الديمقراطي، لذا عمد المشرع الدستوري بالمغرب إلى تخويل البرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، و ذلك بخلق آليات جديدة تزيد من فعالية الرقابة البرلمانية (الفرع الأول)، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة (الفرع الثاني).
الفرع الأول : جديد آليات الرقابة البرلمانية
بالرجوع لمقتضيات دستور 2011 نجده يتضمن النص على مجموعة من المقتضيات الجديدة المتعلقة بعمل مختلف المؤسسات الدستورية، والتي لم تكن واردة في الدساتير المغربية السابقة.
ففي مجال الرقابة البرلمانية، أصبح الدستور المغربي الجديد ينص على آليات جديدة هدفها الأساسي النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية.
الفقرة الأولى: التنصيب البرلماني للحكومة
بالرجوع لمقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011 يتبين بأن ممارسة الحكومة لمهامها لا يمكن أن تتم إلا بعد تقديم البرنامج الحكومي أمام مجلسي البرلمان مجتمعين والحصول على ثقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، و هذا الشرط الدستوري يجعل من تعيين الملك لرئيس الحكومة وأعضاء الحكومة مجرد إجراء أولي يحتاج إلى ضرورة إتمامه بإجراء تنصيب البرلمان للحكومة [8].
فالتنصيب كما جاء في الفصل 47 من دستور 2011 " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها "، وهذا ما قام به الملك فعلا حينما كلف عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة، وتم يوم الثلاثاء 3 يناير 2012 تعيين رئيس و أعضاء الحكومة بشكل رسمي بالقصر الملكي بالرباط، وهذه الإجراءات هي فقط مجرد تعيين .
أما التنصيب فلا يكون من قبل الملك، وإنما هو من اختصاص مجلس النواب، الذي له الحق في التصويت على برنامج الحكومة التي يتولى رئيسها تقديمه أمام البرلمان بمجلسيه مجتمعين في جلسة واحدة[9].
وبناء على نتيجة التصويت يمكن للحكومة أن تباشر عملها طبقا للدستور في حال التصويت للبرنامج الحكومي بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، أما في حالة العكس، أي عدم حصول البرنامج الحكومي على ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فرئيس الحكومة يجب عليه أن يتقدم للملك باستقالة الحكومة استقالة جماعية، وفي هذه الحالة يمكن تكليف نفس رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة و صياغة برنامج حكومي جديد، كما يمكن اللجوء لخيارات أخرى[10].
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن التأويل الديمقراطي لدستور 2011 يفترض أن لا تبدأ الحكومة الجديدة في ممارسة مهامها الدستورية إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب .
الفقرة الثانية: تقييم السياسات العمومية
يعد تقييم السياسات العمومية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011 والتي تنص بأن " يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية " و في نفس السياق تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أنه "تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها " هذا مع العلم بأن الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن " يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين "، كما أقر الفصل 102 من الدستور على أنه " يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم "[11].
وتجدر الإشارة إلى أن التقييم البرلماني للسياسات العمومية شكل مطلبا من أهم المطالب التي وردت في مذكرات الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمنظمات المدنية، التي تم رفعها للجنة المكلفة من قبل الملك بإعداد مشروع الدستور الجديد، وهو ما تم فعلا، وفي ذلك تجاوب مع ما هو معمول به على المستوى الدولي في إطار الأنظمة البرلمانية، حيث لا تنتهي مهمة البرلمان بمجرد منح الثقة للحكومة وتنصيبها، وإنما يستمر عمله من خلال الرقابة على مدى التزامها بما سبق أن تقدم به رئيسها أمامه في أول جلسة عمومية يعقدها البرلمان مباشرة بعد تعيين رئيس وأعضاء الحكومة .
الفقرة الثالثة: الطعن في دستورية القوانين العادية
تنص الفقرة الثالثة من الفصل 132 على أنه " يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور " .
فمن خلال هذه المقتضيات يتضح جليا بأن المشرع الدستوري يسر وسهل نوعا ما مهمة الطعن في دستورية القوانين العادية، حيث تم تخفيض النصاب القانوني المتعلق بالطعون المقدمة من قبل أعضاء مجلسي البرلمان، فبعدما كان هذا النصاب محددا في دستور 1996 في ربع أعضاء مجلس النواب وربع أعضاء مجلس المستشارين، تم تخفيضه في ظل الدستور الحالي وحدد في خمس أعضاء مجلس النواب بدل الربع، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين بدل الربع أيضا.
والغاية من هذا التخفيض في النصاب هو تيسير مهمة الأقلية والمعارضة في البرلمان، وتمكينها من ممارسة المهام المخولة لها بمقتضى الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية الجاري بها العمل، وذلك خصوصا بعدما كشفت الممارسة على صعوبة – إن لم تكن استحالة – توفر النصاب القانوني للطعن في دستورية مجموعة من القوانين العادية في إطار الدساتير السابقة[12] .
الفقرة الرابعة: مناقشة مشروع القانون المالي وقانون التصفية
طبقا للفصل 75 من دستور 2011 " يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان".
يحظى مناقشة القانون المالي باهتمام كبير من قبل كل الفاعلين من ملك وحكومة وبرلمان ومواطنين ومستثمرين.. وذلك لارتباطه بمختلف السياسات العمومية ومختلف القطاعات الحكومية، وبالحياة اليومية للمواطنين، وبنسبة الاستثمار ومعدل النمو.
غير أنه وعلى الرغم من أهميته، فإن دور البرلمان بخصوصه يعتبر متواضعا ومحدودا، حيث " يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وعندما يوافق على تلك النفقات يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور "[13]، و " إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية، أو لم يصدر الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة "[14] .
من خلال هذه المقتضيات الدستورية يتضح جليا بأن اختصاصات البرلمان في المجال المالي جد محدودة، حيث يلزم التصويت مرة واحدة على نفقات التجهيز التي قد تهم عدة سنوات، ولا يمكنه إطلاقا تقديم أية مقترحات قوانين لتغيير ما تمت الموافقة عليه في هذا الصدد، كما أن تأخر البرلمان في المصادقة على القانون المالي يعطي للحكومة إمكانية التصرف بشكل مريح وكأنه تمت الموافقة عليه، هذا مع العلم بأن " للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود"[15] .
يتضح من خلال هذه النصوص الدستورية بأن صلاحيات البرلمان في الرقابة على القانون المالي جد ضيقة، حيث يمكن للحكومة أن ترفض المقترحات الصادرة من البرلمان شريطة تحديد أسباب الرفض، وهو ما لا يعجز الحكومة التي تكون غايتها هي ضمان المصادقة على القانون المالي كما تم عرضه على البرلمان دون زيادة أو نقصان، وهذا ما يجعل الدور البرلماني في مجال القانون المالي دورا شكليا فقط .
أما قانون التصفية فتتولى الحكومة عرضه على البرلمان بشكل سنوي كما ينص على ذلك الفصل 76 من دستور 2011، حيث يصرح بأن " تعرض الحكومة سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون، ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفاذها " ويمكن اعتبار هذا الأمر من أهم مستجدات الدستور الحالي في المجال المالي، حيث لم تكن الحكومات في الدساتير السابقة تقوم بعرض قانون التصفية على البرلمان في السنة الموالية التي تلي تنفيذ القانون المالي، وهذا ما أدى إلى تراكم العديد من قوانين التصفية، وغالبا ما يتم عرضها بعد سنوات متعددة من نفاذ القوانين المالية المتعلقة بها، الأمر الذي يفقدها راهنيتها ودورها، ولا يؤثر في عمل الحكومة، حيث أن العديد من قوانين التصفية السابقة عرضت في فترات لاحقة بعد انتهاء مهمة الحكومات التي تقدمت بقوانين المالية المعنية بها[16].
الفرع الثاني: الوضعية الدستورية للمعارضة البرلمانية
من بين أهم المقتضيات الجديدة في الدستور المغربي الحالي والتي تستهدف النهوض بالعمل البرلماني، والعمل على تطويره وعقلنته و مأسسته، تلك المتعلقة بالمعارضة البرلمانية، فلقد خصها الدستور بمكانة متميزة، وخول لها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وهذا ما يبدو جليا من خلال الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي:
" يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية ".
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة الحقوق التالية:
خاتمة:
احتلت المؤسسة البرلمانية مكانة متميزة في الجدال الذي احتدم لسنوات طويلة حول سؤال الإصلاح الدستوري والسياسي، جدال امتزجت داخله العديد من الرؤى التحليلية والنقدية التي توحدت لكشف أعطاب الممارسة البرلمانية ومظاهر التردي الذي شهدته على أعلى مستوى.
و في هذا السياق أصبح لدى المتتبعين قناعة أكيدة تعبر عن خيبة الأمل في قدرة المؤسسة البرلمانية عن النهوض بمهامها التمثيلية والتشريعية والرقابية، بعدما أصبحت رهينة سياجات اشتغلت كمتصدي لحركيتها وفعاليتها، وذلك طول المدة الفاصلة بين التجربة البرلمانية الأولى سنة 1963 والتجربة البرلمانية الأخيرة من عمر الدستور الخامس للمملكة.
وكتعبير عن هذا الواقع الذي أصبح أكثر بروزا مع احتجاجات 20 فبراير، بدأ الجميع يتلمس طريق الخروج من دائرة الجمود التي أصابت النظام السياسي المغربي إلى آفاق النموذج الديمقراطي التنموي المتميز، حيث راهن الجميع على دستور 2011 وما حمله من إعادة النظر في بنية ومحتوى ووظائف المؤسسة البرلمانية.
غير أن مرور أزيد من خمس سنوات على الدستور الجديد دون أن تظهر هناك أي مؤشرات على تفعيل المؤسسة البرلمانية، وإعطائها الامتيازات التي أسندها إليها الدستور، أعاد من جديد النقاش حول مدى قدرة البرلمان على ممارسة كامل صلاحياته في ظل الدستور الجديد، وحول إمكانية انتقاله على صعيد أدائه من الأنماط التقليدية للعمل التشريعي إلى مرحلة الإبداع والفعالية، والاستغلال العقلاني لما هو متاح ومباح، و ذلك يشترط ثقافة جديدة تعيد الاعتبار لمفهوم التمثيلية ومقاصده، فبرلمان المستقبل، الفعال والعقلاني، يستلزم نخبة برلمانية متخصصة وحاملة لهم التغيير، ولن يتأتى ذلك ويتحقق على صعيد التطبيق إلا حين تسود روح الكفاءة والمسؤولية في عملية انتقاء المترشحين القادرين على إدراك مغزى التمثيلية وأبعادها، والأكثر من ذلك مستعدين للمساءلة والمحاسبة عن أعمالهم داخل هيئاتهم السياسية، وفي علاقاتهم الأدبية بالجسم الانتخابي الذي فوض السيادة لهم.
غير أن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الدستوري حاول إجراء تغييرات وإصلاحات في المنظومة الدستورية في ظل استمرارية الثوابت السابقة، والانتقال من برلمان الرمز إلى برلمان السلطة (المطلب الأول)، كما أدخل آليات جديدة تفعل مراقبة البرلمان لعمل الحكومة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : إصلاحات أعادت الاعتبار للبرلمان في ظل الاستمرارية
من بين أبرز القراءات التي تناولت دستور 2011 كونه دستورا يجسد في مبناه ومعناه فلسفة دستورية تروم إلى التغيير في ظل الاستمرارية (الفرع الأول )، وتعترف بالبرلمان كمؤسسة تمارس السلطة (الفرع الثاني ).
الفرع الأول : إصلاحات في ظل الاستمرارية
إن واقع النخبة السياسية، ودرجة الوعي الديمقراطي، والثقافة السياسية الناظمة للمؤسسات كلها متغيرات تجعل التغيير ضمن الاستمرارية الخيار الأمثل و الأنسب لمسار التطور السياسي بالمغرب[3]، فمن خلال قراءة فصول دستور 2011 يتضح جليا أن الكتلة النصية التي تتأسس عليها بنية ووظيفة ومجال تحرك المؤسسة البرلمانية تعكس بشكل جلي هذا التوجه، وهو ما يعني أن هذا الدستور لم يؤسس لفكرة القطيعة الكلية مع بعض قواعد وآليات النظام البرلماني الكلاسيكي التي كانت ترهن تطور الممارسة البرلمانية بالمغرب، حيث يلاحظ المتتبع استمرار إرث العقلنة البرلمانية في إنتاج نفسه والكشف عن هويته عبر أكثر من مقتضى وإجراء دستوري[4].
فالدستور الجديد عمل على توسيع مجال القانون من تسع مجالات بموجب الفصل 46 من دستور 1962 إلى ثلاثين مجالا بموجب الفصل 71 من دستور 2011، مما اعتبر مؤشرا على إعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية فيما يتعلق بدورها في مجال إعداد السياسات العمومية ومراقبتها وتقييمها، غير أن القراءة الدقيقة للنصوص توحي أن مجمل هذه الاختصاصات تم نقلها من دستور 1996 بشكل من التدقيق والتفصيل المضلل، مع إضافة مجالات جديدة تتعلق أساسا بالعفو العام ومعايير التقطيع الانتخابي والاتفاقيات الدولية، وهو ما يزكي فرضية الاستمرارية، حيث بقي الدستور الجديد وفيا لفكرة تحديد مجال القانون على سبيل الحصر، ولروح فلسفة العقلنة البرلمانية، من خلال الاحتفاظ بغالبية القواعد والآليات الدستورية المرتبطة باستقرار العمل المؤسساتي .
هذه القواعد المحتفظ بها كان ينظر إليها في مجملها على أنها السبب الرئيسي في تبخيس دور البرلمان التشريعي و الرقابي، فأرقام الحصيلة الدورية أو السنوية لهذه المؤسسة بمجلسيها تشير إلى تفوق القوانين ذات المصدر الحكومي على مقترحات القوانين ذات المصدر البرلماني، حيث لا تتجاوز نسبة هذه الأخيرة في أحسن الأحوال 10% من مجموع الإنتاج التشريعي الصادر بموجب الفصل 46 من دستور 1996 والذي يقابله الفصل 71 من دستور 2011، وعلى ضوء هذا المعطى تبقى المبادرة التشريعية رهينة سلطة الحكومة ومدى تجاوبها، حيث يبقى تجاوبها من عدمه خاضعا لحسابات سياسية بين الأغلبية البرلمانية والحكومة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، وذلك حسب مصدر هذه المقترحات و الجهة التي تقدمت بها، وكأن السلطة التشريعية تحولت إلى مشرع استثنائي مقابل المشرع الأصلي التي أصبحت تمثله المؤسسة التنفيذية[5] .
ورغم محاولة بعض القراءات تفسير هذا الأفول بأسباب خارجة عن النص الدستوري، فإن المشرع الدستوري مع ذلك كان عليه أن يتدخل بشجاعة للحد من بعض القيود التي تفرضها العقلنة البرلمانية على فعالية البرلمان .
هذا رغم ما قدمه دستور 2011 للمنظومة البرلمانية، من خلال اعتماده بعض القواعد والآليات الجديدة لتطوير عمل البرلمان والرفع من فعاليته، خاصة بعد الاعتراف له بممارسة السلطة .
الفرع الثاني: عودة السلطة إلى البرلمان في انتظار الفعالية
من أهم المآخذ التي أُخذت على المؤسسة البرلمانية كونها كانت فضاء للتسجيل وليست مجالا لممارسة السلطة، ولتجاوز هذا التوصيف الذي كانت له انعكاسات سيئة على صورة ومصداقية البرلمان، اتجه المشرع الدستوري إلى الاعتراف لأول مرة بالبرلمان كمؤسسة تمارس السلطة، حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 70 من دستور 2011 " يمارس البرلمان السلطة التشريعية "، هذا المقتضى يعتبر إضافة نوعية وضرورية لتعزيز روافد الشرعية التمثيلية للمؤسسة البرلمانية التي كانت تفتقد إليها، فالاعتراف للبرلمان بالسلطة التشريعية سيكون له تأثير إيجابي على صورته وعلى مختلف وظائفه المنوطة به، هذا دون إغفال المتطلبات الضرورية لتدبير هذه السلطة، والمرتبطة أساسا بنخبة برلمانية مؤهلة، وإمكانيات مادية و بشرية كافية، وفضاء سياسي محفز .
لقد أصبحت المؤسسة البرلمانية حسب المستجدات الدستورية تملك الكثير من الآليات للاضطلاع بكامل وظائفها خصوصا في الجانب التشريعي والجانب الرقابي، وذلك بدءا بآلية التصويت التي لا تتم إلا بعد المناقشة والتداول في القضايا و الأمور المعروضة أمام اللجان البرلمانية التي تعتبر الميدان الحقيقي لممارسة السلطة التشريعية، حيث تكون الفرصة مواتية لمختلف الفرق البرلمانية للتعبير عن مواقفها بخصوص مضمونها، ومن خلال هذه المناقشة يمكن للبرلمانيين القيام بتقييم السياسات العمومية كآلية أخرى لممارسة السلطة التشريعية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، بجانب الإمكانية المتاحة للبرلمانيين بموجب الفقرة الثانية من الفصل 101 من الدستور الجديد[6] والتي ستمكن البرلمانيين إذا ما توفرت لهم الإمكانيات الضرورية من تثمير إمكانياتهم في مجال النقاش و التداول داخل البرلمان، هذا بالإضافة إلى آلية مراقبة عمل الحكومة التي جرى تقويتها وتنظيمها وتخفيف بعض القيود المفروضة عليها .
إن تفعيل مجموع هذه الآليات رفقة المنظومة الإجرائية المتقدمة التي أصبحت تتأسس عليها يمكن أن تساعد خاصة بعد الاعتراف الفعلي بحقوق المعارضة وتمكينها من الوسائل اللازمة للنهوض بمهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية، في انبثاق ثقافة برلمانية جديدة، وفي بناء فضاء عمومي مستقل، فضاء له رهاناته الخاصة به، وقراراته التي تعبر عن إرادة الأمة التي يمثلها، وذلك بعيدا عن تأثيرات ثقافة الهيمنة والتوغل التي تأسس لها العقلنة البرلمانية والممارسة الحكومية.
وبالرغم من القيمة الرمزية لمفهوم السلطة التشريعية، فإن تجسيد مضامين هذا المفهوم على أرض الواقع، حتى في ظل وجود نصوص دستورية صريحة، فإنها ستبقى قاصرة ما لم تصاحبه إرادة فاعلة لتحرير النصوص من شراك تطبيقات النص الضمني، وتأويلات الفاعل السياسي غير المنضبطة لروح الوثيقة الدستورية[7].
المطلب الثاني : دستور 2011 : آليات جديدة لتفعيل الرقابة البرلمانية
من بين أهم الأهداف التي توخاها المشرع الدستوري المغربي عند وضعه دستور 2011 هو إعادة النظر في أدوار و صلاحيات البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي، وذلك من أجل تحقيق الحكامة الديمقراطية، وتطبيق الديمقراطية التشاركية، و ضمان فعالية القوانين والسياسات العمومية التي تتولى وضعها البرلمانات في الدول السائرة في طريق البناء الديمقراطي، لذا عمد المشرع الدستوري بالمغرب إلى تخويل البرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، و ذلك بخلق آليات جديدة تزيد من فعالية الرقابة البرلمانية (الفرع الأول)، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة (الفرع الثاني).
الفرع الأول : جديد آليات الرقابة البرلمانية
بالرجوع لمقتضيات دستور 2011 نجده يتضمن النص على مجموعة من المقتضيات الجديدة المتعلقة بعمل مختلف المؤسسات الدستورية، والتي لم تكن واردة في الدساتير المغربية السابقة.
ففي مجال الرقابة البرلمانية، أصبح الدستور المغربي الجديد ينص على آليات جديدة هدفها الأساسي النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية.
الفقرة الأولى: التنصيب البرلماني للحكومة
بالرجوع لمقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011 يتبين بأن ممارسة الحكومة لمهامها لا يمكن أن تتم إلا بعد تقديم البرنامج الحكومي أمام مجلسي البرلمان مجتمعين والحصول على ثقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، و هذا الشرط الدستوري يجعل من تعيين الملك لرئيس الحكومة وأعضاء الحكومة مجرد إجراء أولي يحتاج إلى ضرورة إتمامه بإجراء تنصيب البرلمان للحكومة [8].
فالتنصيب كما جاء في الفصل 47 من دستور 2011 " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها "، وهذا ما قام به الملك فعلا حينما كلف عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة، وتم يوم الثلاثاء 3 يناير 2012 تعيين رئيس و أعضاء الحكومة بشكل رسمي بالقصر الملكي بالرباط، وهذه الإجراءات هي فقط مجرد تعيين .
أما التنصيب فلا يكون من قبل الملك، وإنما هو من اختصاص مجلس النواب، الذي له الحق في التصويت على برنامج الحكومة التي يتولى رئيسها تقديمه أمام البرلمان بمجلسيه مجتمعين في جلسة واحدة[9].
وبناء على نتيجة التصويت يمكن للحكومة أن تباشر عملها طبقا للدستور في حال التصويت للبرنامج الحكومي بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، أما في حالة العكس، أي عدم حصول البرنامج الحكومي على ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فرئيس الحكومة يجب عليه أن يتقدم للملك باستقالة الحكومة استقالة جماعية، وفي هذه الحالة يمكن تكليف نفس رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة و صياغة برنامج حكومي جديد، كما يمكن اللجوء لخيارات أخرى[10].
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن التأويل الديمقراطي لدستور 2011 يفترض أن لا تبدأ الحكومة الجديدة في ممارسة مهامها الدستورية إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب .
الفقرة الثانية: تقييم السياسات العمومية
يعد تقييم السياسات العمومية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011 والتي تنص بأن " يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية " و في نفس السياق تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أنه "تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها " هذا مع العلم بأن الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن " يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين "، كما أقر الفصل 102 من الدستور على أنه " يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم "[11].
وتجدر الإشارة إلى أن التقييم البرلماني للسياسات العمومية شكل مطلبا من أهم المطالب التي وردت في مذكرات الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمنظمات المدنية، التي تم رفعها للجنة المكلفة من قبل الملك بإعداد مشروع الدستور الجديد، وهو ما تم فعلا، وفي ذلك تجاوب مع ما هو معمول به على المستوى الدولي في إطار الأنظمة البرلمانية، حيث لا تنتهي مهمة البرلمان بمجرد منح الثقة للحكومة وتنصيبها، وإنما يستمر عمله من خلال الرقابة على مدى التزامها بما سبق أن تقدم به رئيسها أمامه في أول جلسة عمومية يعقدها البرلمان مباشرة بعد تعيين رئيس وأعضاء الحكومة .
الفقرة الثالثة: الطعن في دستورية القوانين العادية
تنص الفقرة الثالثة من الفصل 132 على أنه " يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور " .
فمن خلال هذه المقتضيات يتضح جليا بأن المشرع الدستوري يسر وسهل نوعا ما مهمة الطعن في دستورية القوانين العادية، حيث تم تخفيض النصاب القانوني المتعلق بالطعون المقدمة من قبل أعضاء مجلسي البرلمان، فبعدما كان هذا النصاب محددا في دستور 1996 في ربع أعضاء مجلس النواب وربع أعضاء مجلس المستشارين، تم تخفيضه في ظل الدستور الحالي وحدد في خمس أعضاء مجلس النواب بدل الربع، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين بدل الربع أيضا.
والغاية من هذا التخفيض في النصاب هو تيسير مهمة الأقلية والمعارضة في البرلمان، وتمكينها من ممارسة المهام المخولة لها بمقتضى الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية الجاري بها العمل، وذلك خصوصا بعدما كشفت الممارسة على صعوبة – إن لم تكن استحالة – توفر النصاب القانوني للطعن في دستورية مجموعة من القوانين العادية في إطار الدساتير السابقة[12] .
الفقرة الرابعة: مناقشة مشروع القانون المالي وقانون التصفية
طبقا للفصل 75 من دستور 2011 " يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان".
يحظى مناقشة القانون المالي باهتمام كبير من قبل كل الفاعلين من ملك وحكومة وبرلمان ومواطنين ومستثمرين.. وذلك لارتباطه بمختلف السياسات العمومية ومختلف القطاعات الحكومية، وبالحياة اليومية للمواطنين، وبنسبة الاستثمار ومعدل النمو.
غير أنه وعلى الرغم من أهميته، فإن دور البرلمان بخصوصه يعتبر متواضعا ومحدودا، حيث " يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وعندما يوافق على تلك النفقات يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور "[13]، و " إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية، أو لم يصدر الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة "[14] .
من خلال هذه المقتضيات الدستورية يتضح جليا بأن اختصاصات البرلمان في المجال المالي جد محدودة، حيث يلزم التصويت مرة واحدة على نفقات التجهيز التي قد تهم عدة سنوات، ولا يمكنه إطلاقا تقديم أية مقترحات قوانين لتغيير ما تمت الموافقة عليه في هذا الصدد، كما أن تأخر البرلمان في المصادقة على القانون المالي يعطي للحكومة إمكانية التصرف بشكل مريح وكأنه تمت الموافقة عليه، هذا مع العلم بأن " للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود"[15] .
يتضح من خلال هذه النصوص الدستورية بأن صلاحيات البرلمان في الرقابة على القانون المالي جد ضيقة، حيث يمكن للحكومة أن ترفض المقترحات الصادرة من البرلمان شريطة تحديد أسباب الرفض، وهو ما لا يعجز الحكومة التي تكون غايتها هي ضمان المصادقة على القانون المالي كما تم عرضه على البرلمان دون زيادة أو نقصان، وهذا ما يجعل الدور البرلماني في مجال القانون المالي دورا شكليا فقط .
أما قانون التصفية فتتولى الحكومة عرضه على البرلمان بشكل سنوي كما ينص على ذلك الفصل 76 من دستور 2011، حيث يصرح بأن " تعرض الحكومة سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون، ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفاذها " ويمكن اعتبار هذا الأمر من أهم مستجدات الدستور الحالي في المجال المالي، حيث لم تكن الحكومات في الدساتير السابقة تقوم بعرض قانون التصفية على البرلمان في السنة الموالية التي تلي تنفيذ القانون المالي، وهذا ما أدى إلى تراكم العديد من قوانين التصفية، وغالبا ما يتم عرضها بعد سنوات متعددة من نفاذ القوانين المالية المتعلقة بها، الأمر الذي يفقدها راهنيتها ودورها، ولا يؤثر في عمل الحكومة، حيث أن العديد من قوانين التصفية السابقة عرضت في فترات لاحقة بعد انتهاء مهمة الحكومات التي تقدمت بقوانين المالية المعنية بها[16].
الفرع الثاني: الوضعية الدستورية للمعارضة البرلمانية
من بين أهم المقتضيات الجديدة في الدستور المغربي الحالي والتي تستهدف النهوض بالعمل البرلماني، والعمل على تطويره وعقلنته و مأسسته، تلك المتعلقة بالمعارضة البرلمانية، فلقد خصها الدستور بمكانة متميزة، وخول لها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وهذا ما يبدو جليا من خلال الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي:
" يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية ".
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة الحقوق التالية:
- حرية الرأي والتعبير والإجماع؛
- حيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها؛
- الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون؛
- المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان؛
- المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومسائلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق؛
- المساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية؛
- تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان؛
- رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب؛
- التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية؛
- المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية؛
- المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل السابع من هذا الدستور؛
- ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور؛
- يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة؛
- تحدد كيفيات ممارسة المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان.
خاتمة:
احتلت المؤسسة البرلمانية مكانة متميزة في الجدال الذي احتدم لسنوات طويلة حول سؤال الإصلاح الدستوري والسياسي، جدال امتزجت داخله العديد من الرؤى التحليلية والنقدية التي توحدت لكشف أعطاب الممارسة البرلمانية ومظاهر التردي الذي شهدته على أعلى مستوى.
و في هذا السياق أصبح لدى المتتبعين قناعة أكيدة تعبر عن خيبة الأمل في قدرة المؤسسة البرلمانية عن النهوض بمهامها التمثيلية والتشريعية والرقابية، بعدما أصبحت رهينة سياجات اشتغلت كمتصدي لحركيتها وفعاليتها، وذلك طول المدة الفاصلة بين التجربة البرلمانية الأولى سنة 1963 والتجربة البرلمانية الأخيرة من عمر الدستور الخامس للمملكة.
وكتعبير عن هذا الواقع الذي أصبح أكثر بروزا مع احتجاجات 20 فبراير، بدأ الجميع يتلمس طريق الخروج من دائرة الجمود التي أصابت النظام السياسي المغربي إلى آفاق النموذج الديمقراطي التنموي المتميز، حيث راهن الجميع على دستور 2011 وما حمله من إعادة النظر في بنية ومحتوى ووظائف المؤسسة البرلمانية.
غير أن مرور أزيد من خمس سنوات على الدستور الجديد دون أن تظهر هناك أي مؤشرات على تفعيل المؤسسة البرلمانية، وإعطائها الامتيازات التي أسندها إليها الدستور، أعاد من جديد النقاش حول مدى قدرة البرلمان على ممارسة كامل صلاحياته في ظل الدستور الجديد، وحول إمكانية انتقاله على صعيد أدائه من الأنماط التقليدية للعمل التشريعي إلى مرحلة الإبداع والفعالية، والاستغلال العقلاني لما هو متاح ومباح، و ذلك يشترط ثقافة جديدة تعيد الاعتبار لمفهوم التمثيلية ومقاصده، فبرلمان المستقبل، الفعال والعقلاني، يستلزم نخبة برلمانية متخصصة وحاملة لهم التغيير، ولن يتأتى ذلك ويتحقق على صعيد التطبيق إلا حين تسود روح الكفاءة والمسؤولية في عملية انتقاء المترشحين القادرين على إدراك مغزى التمثيلية وأبعادها، والأكثر من ذلك مستعدين للمساءلة والمحاسبة عن أعمالهم داخل هيئاتهم السياسية، وفي علاقاتهم الأدبية بالجسم الانتخابي الذي فوض السيادة لهم.
[1] - حسن طارق، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 480 بتاريخ 25/06/2011، ص. 2.
[2] - لحسن حداد، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 480 بتاريخ 25/06/2013، ص.17.
[3] - أمحمد مالكي، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 480 بتاريخ 25/06/2011، ص.6.
[4] - عبد المنعم لزعر، المؤسسة البرلمانية بالمغرب: توصيفات التردي ورهانات الإصلاح الدستوري الجديد لسنة 2011، مجلة وجهة نظر، عدد 50، خريف 2011،ص.44.
[5] - عثمان الزياني،"المذكرات الحزبية ودستور 2011، دراسة في التقاطعات والتعارضات وبناء المواقف السياسية الحزبية"، مجلة وجهة نظر، عدد 50، خريف 2011، ص. 19 .
[6] - نصت الفقرة الثانية من الفصل 101 من دستور 2011" تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
[7] - عبد المنعم لزعر، المؤسسة البرلمانية بالمغرب: توصيفات التردي ورهانات الإصلاح الدستوري الجديد لسنة 2011، مرجع سابق، ص. 45 .
[8] - أحمد مفيد،"الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور الجديد"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 102، يناير-فبراير2012، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، ص 12 .
[9] - الفصل 88 من دستور 2011 .
[10] - أحمد مفيد،"الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور الجديد"، مرجع سابق، ص.13 .
[11] - نفس المرجع، ص . 17 .
[12] - راجع: رشيد المدو، العمل البرلماني في المغرب قضايا وإشكالات، طوب بريس، الرباط، 2006،ص74.
[13] - الفقرة الثانية من الفصل 75 من دستور 2011 .
[14] - الفقرة الثالثة من الفصل 75 من دستور 2011 .
[15] - الفقرة الثانية من الفصل 77 من دستور 2011 .
[16] - أحمد مفيد،"الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور الجديد"، مرجع سابق، ص.19 .