MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




د. خالد خالص يكتب: المحاماة في المغرب ما بعد دستور 2011

     

خالد خالص
دكتور في الحقوق
محام بهيئة المحامين بالرباط



د. خالد خالص يكتب: المحاماة في المغرب ما بعد دستور 2011
السيد النقيب،
السادة الرؤساء،
السادة النقباء،
زميلاتي زملائي،

أيها الحضور الكريم، كل باسمه وصفته ومركزه والاحترام والتقدير الواجب لشخصه؛

أود في البداية، أن أتقدم بشكري وامتناني، الى السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط، والى كافة السيدات والسادة أعضاء مجلس الهيئة، على هذه الدعوى الكريمة، وهذا التشريف للمشاركة والمساهمة معكم، في هذه التظاهرة العلمية الفكرية الثقافية المهنية، حول "المحاماة في المغرب بعد دستور 2011 - الثابت والمتحول".

وقبل الوقوف على مدى المستجدات والضمانات التي أصبح يوفرها الدستور المغربي للمحامي، ليتسنى له القيام بمهامه الصعبة، وتحمل مسؤولياته الجسيمة، التي قد تعصف به مدنيا وتأديبيا وحتى جنائيا، في جو من الشفافية والطمأنينة، فإنني أريد أن أتقدم بتهانئي الصادقة الى هيئة المحامين بالرباط، نقيبا ومجلسا وجمعية عمومية، على هذه المبادرة الطيبة التي جعلتنا نتواجد هذه السنة في المعرض الدولي للنشر والكتاب بعد غياب دام لثمانية وعشرين سنة، معرض الفكر والثقافة، الذي تشارك فيه 48 دولة ، و743 عارض و243 من الفعاليات الثقافية.

ولا بد من التأكيد، على أن تواجد المحامين بهذا الفضاء العلمي الثقافي، لم يأتي بالصدفة ولا عن طريق المجاملة بل جاء بالاستحقاق، لأن المحاماة فكر وفلسفة ووجدان وصوفية :
 
  • فكر لأنها تعتمد بشكل كبير السعي للفهم والتفسير من خلال التفكير النقدي والتحليلي الذي يختلف من نازلة الى أخرى.
  • فلسفة، لأنها تطرح الأسئلة الكبرى حول مفاهيم العدالة والانصاف، ومفاهيم الأخلاق والحقوق، وما هو كائن وما ينبغي أن يكون؛
  • وجدان وصوفية، لأنها تركز بشدة على القيم الروحية والأخلاقية، مثل الصدق والنزاهة والكرامة والشرف والضمير والنبل وما تقتضيه الأخلاق وكذا الأخلاقيات المهنية الدقيقة التي تعتبر مدونة للسلوك المهني العام للمحامين؛ الى جانب الرغبة في خدمة الآخرين،
والتأمل والتفكير والبحث عن الحقيقة ... مما يجعل المحاماة مهنة عميقة متعددة الأبعاد تتطلب العديد من المؤهلات والصفات والشعور بالمسؤولية والتفاني.. وسيعمل تواجد هيئات المحامين في هذا المعرض، على التفاعل مع الجمهور، وسيساهم في التوعية القانونية وفي عرض المؤلفات المختلفة والأدبيات المهنية وسيعكس من تم لا محالة الدور الفعال والايجابي الذي يلعبه المحامون وهيئاتهم في المجتمع وسيعزز صورتهم ويقوي مكانتهم.

فالمحاميات والمحامون، كانوا دائما يحظون بالتقدير والاحترام والثقة داخل مجتمعاتهم، حيث يعتبرهم المجتمع حماة للحقوق والحريات، ويعتبرهم المشرع جزء لا يتجزأ من أسرة العدالة، لا مجرّد أرقام تقدم خدمات قانونية، بل هم كنساء وكرجال قانون، يلعبون دورا أساسيا وبارزا في منظومة العدالة، ويؤثرون أيما تأثير في مجتمعاتهم.

ولم يأتي ذلك من فراغ، لأن المحاماة ولإن كانت مهنة حرة مستقلة، إلا أن من يمارسها عن قناعة واختيار، يشعر بأنها تحمل في طياتها رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي إرساخ دولة القانون، بالتوعية القانونية وبالنصح والإرشاد، وكفالة حق الدفاع، عن حياة وحريات وشرف وكرامة وأموال المواطنين.
إلا أن المحاماة لا يمكن أن تمارس بالطريقة الصحيحة، في بلد تختل فيه الضمانات الدستورية والقانونية، لأن على المجتمع أن يهيأ لها الأجواء الملائمة، لتقوم بالدور المنوط بها أمميا، ويجعل من المحامي ذلك الفاعل الأساسي، في العالم القانوني والقضائي والحقوقي والاجتماعي.

وقد يعتقد البعض عند قراءة دستور 2011 بأنه لم يولي أي أهمية للمحاماة وللمحامين، ولم يوفر لهم الأجواء والحماية والحصانة والضمانات الكافية التي تسمح لهم بممارسة مهنتهم للدفاع عن الحقوق والحريات للمشاركة والمساهمة في تحقيق العدالة.

إلا أنه بمراجعة تصدير الدستور المغربي، وبقراءة متأنية له، سيجد الباحث منذ السطر الأول، بأن المملكة المغربية اختارت بما لا رجعة فيه مواصلة بناء الدولة الديموقراطية التي يسودها الحق والقانون.

ونعتقد بأن تضمين هذا الاختيار في تصدير الدستور الذي يشكل جزء لا يتجزأ منه، هو أحسن ضمانة دستورية للمحامين، لممارسة مهامهم، باعتبار أن هذا التوجه ينتج عنه فصل السلط، وتنتج عنه الدولة القانونية، التي تضمن سيادة القانون واحترامه من قبل الجميع، وتطبيقه بشكل عادل على الجميع، بما في ذلك الحكام أنفسهم.

ونجد دائما في تصدير الدستور، بأن "المملكة المغربية العضو النشيط في المنظمات الدولية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادى وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا"، وتلتزم ب "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة".

ومن المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، أذكر على سبيل المثال لا الحصر "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري لها"، و"الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، و"معاهدة حقوق الطفل"، و"الاتفاقية الأفريقية لمنطقة التجارة الحرة القارية"، و"معاهدة برن الخاصة بحماية الأعمال الأدبية والفنية"، والتي بإمكان المحامين توظيف موادها في مساطرهم ودفوعاتهم.

ومن مستجدات دستور 2011، ما ورد في الباب الثاني بخصوص الحريات والحقوق الأساسية، ومنها حقوق الدفاع، التي تعتبر جزءا أساسي من الضمانات القانونية لضمان محاكمة عادلة، الى جانب حماية حقوق الأفراد.

كما جاء دستور 2011 بتغييرات مهمة تعزز استقلال القضاء، واقراره كسلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأنشأ المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي أصبح الرئيس الأول لمحكمة النقض هو رئيسه المنتدب، ليحل محل المجلس الأعلى للقضاء، الذي كان يرأسه وزير العدل بالنيابة عن الملك، كما كان يرأس النيابة العامة قبل استقلالها عنه سنة 2017، مع توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتعزيز استقلاله عن الجهاز التنفيذي وهو الذي صار المختص لوحده في تعيين القضاة، ونقلهم وترقيتهم، وانتدابهم وتأديبهم.

ولقد نص دستور 2011 أيضا على استقلال القضاة، ولم يلزمهم إلا بالتطبيق العادل للقانون، ومنع عليهم تلقي تعليمات أو أوامر من أية جهة كانت، وقرر لهم الحماية من التأثيرات الخارجية والضغوط التي قد تزعزع حيادهم، كما شجع على الشفافية في تدبير الشأن القضائي، وفرض المساءلة لضمان قضاء يعتمد المعايير الأخلاقية العالية، مما يعزز حكم القانون ويدعم تأمين المحاكمات العادلة التي تعتبر السبيل الوحيد للعدالة القضائية.
 



الاحد 30 يونيو 2024

تعليق جديد
Twitter