مقدمة
يقوم المكلفون بالتبليغ[[1]] بدور مهم في تسريع إجراءات التقاضي أمام المحاكم مما يساهم في تقليص زمن الخصومة القضائية و صدور حكم قضائي قابل للتنفيذ داخل أجل معقول.[[2]] غير أن الفهم الدقيق لكنه الموطن القانوني الذي نص عليه المشرع في قانون المسطرة المدنية و الذي أراده أن يكون سببا لترتيب الاثار القانونية، يضع المكلف بالتبليغ على المحك من أجل أن يكون فاعلا في عملية التبليغ عبر إعمال حنكته القانونية في فهم موطن التبليغ، عن طريق الربط بين النصوص المنظمة له وذلك خدمة للعدالة السريعة و المرنة التي أصبح يفتقدها المتقاضي، و عدم اقتصار دوره بأن يكون آلية للتبليغ فقط يعمل على إيصال الاستدعاءات و الأحكام إلى المعنيين بها دون استيعاب للنصوص القانونية التي تعنيه .
يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة تتمثل في أن تغيير العنوان من طرف المبلغ إليه سواء بحسن نية أم بسوء نية قد يعطل عملية التبليغ، كما أن تعدد عناوين المبلغ إليه قد يعيق عملية التبليغ و بالنتيجة يبطئ سرعة صدور الأحكام القضائية و تنفيذها، مما يكون معه فهم الموطن القانوني مدخلا لتدبير عملية التبليغ بشكل فعال .
ويثير هذا الموضوع تساؤلات من قبيل :
- ما أثر تغيير عنوان المبلغ إليه على الموطن المبين في شهادة التسليم ؟
- ما مدى تأثير تعدد مواطن المبلغ إليه على عملية التبليغ ؟
- هل التبليغ قصد التنفيذ يقتضي تواجد المنفذ عليه في العنوان المبين في شهادة التسليم؟
المطلب الأول : فهم الموطن القانوني آلية لتسريع الخصومة القضائية .
المطلب الثاني : فهم الموطن القانوني مدخلا لتسريع تنفيذ الأحكام القضائية .
المطلب الأول :فهم موطن القانوني آلية لتسريع الخصومة القضائية .
سيتم بحث التمييز بين العنوان و الموطن ( الفقرة الأولى ) ثم مدى تأثير حركية العنوان على تعطيل عملية التبليغ في موطن المبلغ إليه ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: التمييز بين العنوان و الموطن.
لقد نص الفصل 518 من ق.م.م أنه " تراعى في المقتضيات التي تنظم الاختصاص المحلي و الموطن المنصوص عليهما في هذا القانون المقتضيات الآتية التي تحدد الشروط القانونية للموطن ومحل الإقامة حسب مدلول التشريع المدني المغربي " . من خلال النص أعلاه يتبين أن للموطن شروط قانونية تحددها الفصول التي جاءت بعد الفصل 518 من ق.م.م.
وبالرجوع إلى الفصول التي تلي الفصل 518 من ق.م.م وخاصة الفصل 519 من ق.م.م نجده ينص أنه " يكون موطن كل شخص ذاتي هو محل سكناه العادي و مركز أعماله و مصالحه... دون أن يتعرض للبطلان أي إجراء سلم لهذا العنوان أو ذاك ".
في كثير من الأحيان قد يتطابق عنوان المبلغ إليه مع موطنه الذي حدده المشرع، غير أنه في حالات أخرى قد يختلفان ويظهر ذلك جليا عندما نربط بين الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 519 من نفس القانون. حيث نص الفصل 38 من ق.م.م أنه " يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي و العائلي و عنوان سكنى الطرف ... " أما الفصل 519 من ق.م.م. فقد نص أنه " يكون موطن كل شخص ذاتي هو محل سكناه العادي و مركز أعماله و مصالحه... دون أن يتعرض للبطلان أي إجراء سلم لهذا العنوان أو ذاك ".
من خلال المقارنة بين الفصلين أعلاه نستنتج أن هناك اختلاف بين العنوان الوارد في شهادة التسليم و بين الموطن القانوني وهو كالآتي:
- إن العنوان الذي يحدد في شهادة التسليم هو فقط "موطن افتراضي" يفترض طالب التبليغ تواجد المبلغ إليه فيه، فيضع هذا العنوان في صلب مقاله الافتتاحي وبناء عليه تقوم كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية بإيراده في شهادة التسليم، و قد لا يكون دائما موطنا فعليا للمبلغ إليه، حيث يمكن لهذا الأخير أن ينتقل منه متى شاء، ولذلك يشير الفصل 519 من ق.م.م أنه يمكن تبليغ الشخص في محل سكناه العادي و كذلك في مركز أعماله و مصالحه دون أن يتعرض للبطلان أي إجراء سلم لهذا العنوان أو ذاك .
- إن العنوان المحدد في شهادة التسليم يعود أمر تحديده لإرادة طالب التبليغ، أما الموطن فأمر تحديده موكول لإرادة المشرع.
- العنوان الوارد في شهادة التسليم يخضع للحركية لأسباب مختلفة فيمكن تغييره من طرف المبلغ إليه عبر الانتقال منه، أو بسبب تعدد عناوينه، أما الموطن الذي حدده المشرع فهو يتميز بالتجريد و الثبات و محدد حسب كل صنف من أصناف الموطن.
- العنوان الوارد في شهادة التسليم ليس دائما موطنا للمبلغ إليه مادام أنه يخضع للحركية بانتقاله منه بإرادته وحده، أو بسبب تعدد عناوينه. وإذا سلمنا بأنه هو نفسه موطن المبلغ إليه فهذا يعني أنه يجب أن تضمن كتابة الضبط في شهادة التسليم العنوان الذي يسكن فيه المبلغ إليه و عنوان مركز أعماله و مصالحه إن وجد حتى تنسجم مع الفصل 519 من ق.م.م - وهذا مالا نجده في شهادة التسليم - .
الفقرة الثانية: مدى تأثير حركية العنوان على تعطيل عملية التبليغ.
يقصد بحركية العنوان أن يكون للمعني بالتبليغ عدة عناوين أو أن يكون له عنوان في مكان ما و ينتقل منه إلى عنوان آخر.
إن الملاحظ على مستوى العملي أن المكلف بالتبليغ حينما ينتقل إلى العنوان الوارد في شهادة التسليم ليقوم بعملية التبليغ و يجد أن المبلغ إليه مثلا لديه عنوان في شهادة التسليم كالتالي : "شارع النور عمارة المجد الشقة رقم 6 الناظور" في حين أفاده الشخص الكائن بهذا العنوان أنه ليس المعني بالتبليغ وأن المعني بالتبليغ قد انتقل إلى الشقة رقم 7 من نفس العمارة، يقوم المكلف بالتبليغ بإرجاع الاستدعاء أو طي التبليغ إلى كتابة الضبط و يطلب من طالب التبليغ أن يدلي لكتابة الضبط بالعنوان الجديد للمبلغ إليه من أجل أن ينتقل من جديد لتبليغه.
إن هذا التوجه يحتاج إلى إعادة النظر لما فيه من إهدار صارخ لزمن التبليغ من جهة، ولأنه لا يستقيم مع النصوص القانونية المنظمة للموطن من جهة أخرى فهو يطيل أمد الخصومة القضائية بل وفيه إهدار لمصاريف إضافية سيؤديها طالب التبليغ من جديد من أجل بيان العنوان الجديد.
إن المشرع لم ينص بأن التبليغ يجب أن يتم في العنوان الوارد في شهادة التسليم " الموطن الافتراضي " بل نص في الفصل 519 من ق.م.مبأن موطن كل شخص ذاتي هو محل سكناه العادي و مركز أعماله و مصالحه " الموطن الفعلي " أي في موطنه القانوني ولم يرتب البطلان عن الإجراء الذي سلم لهذا العنوان أو ذاك.
إذا وبالرجوع إلى المثال السابق يكون الإجراء السليم هو أن ينتقل المكلف بالتبليغ مباشرة إلى الشقة رقم 7 التي انتقل إليها المعني بالتبليغ وعندما يتأكد من صفة المبلغ إليه و أنه يسكن في هذا العنوان بشكل عادي بناء على تصريحه أو تصريح من يقوم مقامه في التوصل ، يقوم بتبليغه هناك دون إرجاع طي التبليغ إلى كتابة الضبط وإلزام الطالب بتقديم طلب جديد و أداء مصاريف إضافية. فقط يكون على المكلف بالتبليغ أن يشير في شهادة التسليم إلى العنوان الجديد الذي تم فيه التبليغ باعتباره موطنا للمبلغ إليه مادام أنه صرح هو أو من يقوم مقامه بأنه يسكن فيه بشكل عادي طبقا لما جاء الفصل 519 من ق.م.م.
و الأكثر من ذلك أنه إذا دل الجيران أن المبلغ إليه له محل تجاري خارج العمارة الواردة في المثال السابق، فللمكلف بالتبليغ أن ينتقل إليه مباشرة و يبلغ الشخص المتواجد به بعدما يتأكد من صفته أو من صفة من يقوم مقامه في التوصل ويتأكد من أنه يتخذ هذا العنوان مركزا لأعماله و مصالحه بناء على تصريحاته أو تصريح من يقوم مقامه بهذا الموطن، ثم يعمل على تبليغه في هذا العنوان و يشير إلى ذلك في شهادة التسليم مادام أنه موطنا له استنادا لما جاء الفصل 519 من ق.م.م و أنه لا يترتب البطلان عن تبليغه فيه.
من خلال الربط بين الفصلين 38 من ق.م.م و 519 من نفس القانون يتضح جليا أن تغيير العنوان أو تعدد عناوين المبلغ إليه لا تأثير له على تحديد الموطن الذي سيتم فيه التبليغ باعتباره يتميز بالثبات وله مفهوم محدد عكس العنوان الوارد في شهادة التسليم الذي يتميز بالحركية تبعا لإرادة المعني بالتبليغ .
المطلب الثاني : فهم الموطن القانوني مدخل لتسريع تنفيذ الأحكام القضائية .
سنحاول إلقاء نظرة موجزة حول الإشكال الذي يطرحه الفصل 440 من ق.م.م ( الفقرة الأولى ) ثم لدور فهم الموطن في التنفيذ المرن للأحكام القضائية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: نظرة موجزة حول الإشكال الذي يطرحه الفصل 440 من ق.م.م
إن الزمن الذي يقضيه المتقاضي طيلة سريان الخصومة وصدور الحكم لا يكون كفيلا لاقتضاء حقه، بل هو يحتاج إلى الدخول في مرحلة أخرى لا تقل صعوبة عن السابقة وهي مرحلة التنفيذ، مما يكون معه فهم موطن التبليغ و التنفيذ من طرف المنفذ وسيلةناجعة في التقليص من هذه الصعوبات.
لقد لنص الفصل 433 من ق.م.م أنه " يبلغ كل حكم قابل للتنفيذ بطلب من المستفيد من الحكم أو من ينوب عنه ضمن الشروط المقررة في الفصل 440 الآتي بعده ". و بالرجوع إلى الفصل 440 من ق.م.م نجده ينص أنه " يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه، الحكم المكلف بتنفيذه و يعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو التعريف بنواياه و ذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ ".
يتضح من خلال الفصل 440 من ق.م.م بأن الأحكام لا تنفذ إلا بعد تبليغها إلى المحكوم عليه شخصيا و أن تكون لها قوة تنفيذية – بأن تكون إما مشمولة بالنفاذ المعجل أو حائزة لقوة الأمر المقضي به - لكن يبقى التساؤل المطروح هو هل يخضع التبليغ لأجل التنفيذ لحكم خاص وهو ضرورة تبليغ المحكوم عليه شخصيا، أم أنه يخضع للحكم العام الوارد في الفصل 38 من ق.م.م أي بمجرد تبليغه في موطنه؟
لقد أثار الفصل 440 من ق.م.م جدلا واسعا على مستوى محاكم المملكة وخاصة بخصوص النقطة المتعلقة بمدى إمكانية تعبير الغير المبلغ إليه الحكم المراد تنفيذه عن نيته في التنفيذ من عدمها، باعتباره يتواجد بموطن المحكوم عليه و ترتيب الأثر القانوني على ذلك في مواجهة المحكوم عليه الذي لم يعبر بعد عن نواياه.
إن التنزيل الحرفي للفصل 440 من ق.م.م يقتضي تبليغ المحكوم عليه شخصيا بالحكم المراد تنفيذه رغم صعوبة ذلك من الناحية العملية لعدم تواجده غالبا بموطنه بسبب العمل أو لتواجده خارج أرض الوطن، وهذا فيه تعطيل لتنفيذ الأحكام القضائية .
ويظهر جليا الخلل الذي يعتري الفصل 440 من ق.م.م من خلال إلغائه في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.
الفقرة الثانية:دور فهم الموطن في التنفيذ المرن للأحكام القضائية
يمكن القول و في ظل وجود الفصل 440 من ق.م.م أنه على الرغم من ضرورة التبليغ الشخصي للحكم المراد تنفيذه للمحكوم عليه إلا أن التنفيذ على أمواله لا يخضع لهذا الحكم حتى ولو كانت هذه الأموال تتواجد بحيازة الغير و حتى لو أنها لم تتواجد بموطنه وذلك يستفاد من عدة نصوص نذكر منها :
- أن المشرع نظم الحجز لدى الغير في الفصل 488 من ق.م.م وما يليه من الفصول مما يعني أن أموال المعني بالتبليغ و التنفيذ لا يقتضي أن تتواجد معه في موطنه بل قد تتواجد لدى المحجوز لديه و هو البنك عادة .
- الفصل 449 من ق.م.م ينص بأنه " لا يجوز للغير الذي يكون حائزا للشيء الذي يجري عليه التنفيذ، استنادا لما يدعيه من رهن حيازي أو امتياز على هذا الشيء، أن يتعرض على الحجز و إنما له أن يتمسك بحقه عند توزيع الثمن " وهذا يعني أنه لا ضرورة في تواجد أموال المنفذ عليه في موطنه بل يمكن الحجز عليها رغم تواجدها في حيازة الغير وحتى ولو لم يتم تحديد الموطن الذي سيجرى فيه التنفيذ في طلب التنفيذ .
- الفقرة 4 من الفصل 470 من ق.م.م تنص أنه " يطلب عون التنفيذ قبل إجراء الحجز أن تسلم إليه رسوم الملكية ممن هي في حوزته ليطلع عليها المتزايدون و يمكن على كل حال أن يشمل الحجز كل الأموال ولو لم تكن مذكورة في الرسوم و يظهر أنها ملك للمدين..."
خاتمة
إن المكلف بالتبليغ و التنفيذ مدعو بأن يكون فاعلا حيويا يساهم في القراءة السلسة و السليمةللنصوص القانونية و دون خلق لأعراف هجينة تسهم في تعطيل الزمن القضائي، لما يشكله ذلك من تعثر القضايا و الملفات في رفوف المحاكم مما يزيد في منسوب أزمة الثقة في منظومة العدالة برمتها من طرف المتقاضي .
[[1]] إن الجهات المكلفة بالتبيغ هي متعددة : المفوضون القضائيون ، كتابة الضبط، البريد المضمون، الطريقة الإدارية، الطريقة الدبلوماسية.
لقد نص الفصل 120 من دستور المملكة أنه " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول " .[2]