ينص الفصل 81 من التعديل الدستوري لسنة 1996 في فقرته الاخيرة على مايلي : "لا تقبل قرارات المجلس الدستوري أي طريق من طرق الطعن ، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الادارية والقضائية. "، وهو دليل على مدى تحصن القرارات التي يصدرها المجلس الدستوري كيفما كانت الجهة المعارضة له .
غير انه ورغم ذلك فيجوز لنا كباحثين في مجال القضاء الدستوري أن نتصدى لقرارته ليس من وجه المطالبة الالغاء، - فهي تكتسي الحصانة - ولكن من وجه إبراز العور و العوز الذي يتخلل بعد قرارته، وقد بادرنا في هذه الدراسة ان نتصدى للقرار 948 الذي تم اصداره بتاريخ 3 دجنبر 2014 .
يمكن تلخيص الوقائع التي بنى عليها المجلس الدستوري قراره في أن السيد عبد المجيد المهاشي العضو في مجلس المستشارين عن حزب الاتحاد الدستوري والمنتمي الى فريق التجمع الدستوري الموحد الذي كان يضم - قبل دخول التعديل الدستوري الاخير حيز التنفيذ - فضلا عنه مستشاري حزب التجمع الوطني للاحرار، قد قدم كتابا تحت عدد 111/11 الى رئيس الفريق المذكور والذي هو في نفس الوقت الكاتب الجهوي لحزب الاتحاد الدستوري بجهة الغرب – اجراردة- بني حسن، قدمه له بتاريخ 18 يوليو 2011، يُعلمه فيه باستقالته من حزب الاتحاد الدستوري، والتحاقه بحزب التجمع الوطني للاحرار.
وبناء على هذه الواقعة، فإن السيد رئيس مجلس المستشارين، بعد أن توصل بإشعار من طرف رئيس فريق الاتحاد الدستوري بتخلي السيد عبد المجيد المهاشي عن انتمائه السياسي الذي انتخب باسمه عضوا بالمجلس المذكور، وبتغييره لفريقه البرلماني الذي انتمى إليه، قام بعرض الأمر على مكتب مجلس المستشارين، الذي تداول بشأنه في اجتماعه المنعقد بتاريخ 27 أكتوبر 2014، وقرر توجيه استفسار للمعني بالأمر حول واقعة التخلي المذكورة، والذي أجاب عنه بتاريخ 7 نوفمبر 2014، مما حدا بمكتب المجلس في اجتماعه المنعقد بتاريخ 10 نوفمبر 2014 إلى اتخاذ قرار بإحالة ملف السيد عبد المجيد المهاشي على المجلس الدستوري.
وبناء على مجموعة من الحجج والمقتضيات التي قدمها المجلس الدستوري، قضى هذا الاخير، بعدم تجريد السيد عبد المجيد المهاشي من العضوية بمجلس المستشارين بناء على قاعدة عدم رجعية القوانين المنصوص عليها في الفقرة الاخيرة من الفصل 6 من التعديل الدستوري الاخير. او في الفصل 4 من تعديل 1996، إذ ان واقعة تغيير الحزب حدثت قبل دخول التعديل الدستوري حيز النفاذ، وهو
التعديل الذي يتضمن تجريد كل عضو برلماني من صفته اذا ما تخلى عن الفريق البرلماني الي ينتمي اليه او الحزب الذي ترشح باسمه.
وعليه فان هذه المقتضيات لا يمكنها ان تسري باثر رجعي، على واقعة حدثت قبل صدورها اصلا .
وفي اطار تحليلنا لما اتى به هذا القرار دعونا نقسم ما توصلنا اليه من نتائج الى اعلامين كمايلي :
الاعلام الاول : المجلس الدستوري غير مختص في البت باعترافه الضمني .
انه ولإدراك ما توصلنا اليه في ان المجلس الدستوري غير مختص بالبت في هذه الواقعة الدستورية، أمر يحتاج في الحقيقة الى التدرج في فهم ما أقره المجلس الدستوري بنفسه في الاتي حيث يقول :
"وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)، لا سيما الفصول 61 و132 (الفقرة الأولى) و176 و177 منه؛
وبناء على المادة 48 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994 )، كما وقع تغييره وتتميمه؛ "
وعليه فيبدوا ان المجلس الدستوري في هذا المقطع قد بنى مشروعية صلاحياته في البت على اساس ثلاثة اسس :
الاول هو الدستور،
والثاني وهو القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية
والثالث هو القانون التنظيمي للمجلس الدستوري،
وهو ماسنتطرق له بشكل موجز في الاتي :
الافصاح الاول : الدستور .
ان بناء قرار المجلس الدستوري رقم 948 اختصاصه في البت على بعض فصول الدستور، يستلزم في الحقيقة ضرورة معرفة حقيقة كل فصل على حدى وهو الامر الذي سناتي عليه في الحال :
** الفصل 61 من التعديل الدستوري الاخير، ويتحدث عن تجريد صفة العضو البرلماني عن كل من يتخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه، او عن الفريق او المجموعة البرلمانية التي ينتمي اليها، بعد احالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الامر .
** الفصل 132 (الفقرة الاولى) من نفس التعديل، والذي يتحدث عن ان المحكمة الدستورية تمارس اختصاصاتها بناء على الدستور و القوانين التنظيمية، .
** الفصل 176 من نفس التعديل، ويتضمن الحكم الانتقالي لمجلسي البرلمان .
** الفصل 177 من نفس التعديل، والذي يبين الحكم الانتقالي للقضاء الدستوري في المملكة.
الافصاح الثاني : القانون التنظيمي للمجلس الدستوري .
والملاحظ ان القرار اتى بعمومية الاخذ بمقتضيات هذا القانون التنظيمي. اذ انه لا يحدد الفصول التي يؤسس فيها المجلس عمله عليها، وهو ما يجعل من جهة الاخذ باي فصل من فصوله –طبعا اذا ارتبط بالنازلة- امرا جائزا ومشروعا، ومن جهة ثانية فان هذا الاقرار ينسجم ومقتضيات الفصل 177 من الدستور .
الافصاح الثالث : المادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية .
تكتسي المادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية اهمية بالغة جدا، إذ الفهم السليم لها لم يكن ليصل اليه اعضاء الجلس الدستوري رغم احالتهم عليها، بحيث انهم - كنقطة اولى لتبيان مكامن الخلل- لم يحددوا اي فقرات المادة 48 يقصد المجلس الدستوري، وهو ما يجعلنا نأخذ بفقراتها الاربعة كاساس ياخذ به المجلس الدستوري في سنده .
وعلى العموم فلتبيان النقص والخلل وجب اولا طرح المادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية كما نص عليها المشرع، قبل ان نتعرض لها بالشرح الذي سيظهر لنا ان المجلس الدستوري غير مختص في البت في هذه النازلة .
نص المادة 48 : "مع مراعاة المقتضيات المشار اليها بعده. وطبقا لأحكام الفصل 177 من الدستور، يستمر المجلس الدستوري القائم في تاريخ نشر هذا القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية، في ممارسة صلاحياته المنصوص عليها في القانون التنظيمي المحدث له، الى حين تنصيب المحكمة الدستورية طبقا لمقتضيات هذا القانون التنظيمي.
تدخل مقتضيات هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية فيما يخص مسطرة تعيين أوانتخاب اعضاء المحكمة الدستورية، وتدخل باقي المقتضيات الاخرى حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ تنصيب المحكمة .
مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثانية من هذه المادة، ينسخ هذا القانون التنظيمي ويعوض القانون التنظيمي ويعوض القانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري الصادر بتنفيذه الظهير اشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994).
غير انه يستمر العمل، بصفة انتقالية، باحكام المواد 8 المكررة و 8 المكررة مرتين و35 المكررة من الباب الخامس المكرر من القانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلقة بالتصريح بالممتلكات، إلى حين تعويضها طبقا لأحكام الفصل 158 من الدستور . "
وعلى هذا النص نقول ان الفقرة الاولى من المادة 48 ترمي الى بيان ان المجلس الدستوري يمارس الصلاحيات المخولة له بموجب القانون التنظيمي المحدث له والدستور (بما يفهم من الفصل 177 من الدستور) فقط ، وهو مايعني - إذا ماربطناه بالقرار الذي نحن بصدد تحليله - ان المجلس الدستوري ليس من حقه ان يستند في تعليله القانوني للقرار على التعديل الدستوري الاخير في فصوله 61 و 132 و 176، ولا على المادة 48 نفسها، لانه اي المواد والفصول تكون خارجة للنطاق الذي يحدده الفصل 177 من جهة وتؤكده المادة 48 الغيرمفعلة من جهة أخرى .
وعليه فيبقى اختصاص المجلس الدستوري في هذه الحالة اختصاصا معيبا من الناحية الشكلية حيث لم يؤسس اختصاصه على حجج منطقية ومتناسقة، فقد كان الاحرى ان يحيل الى فصول الدستور المراجع في 1996 والمتعلقة باختصاصات المجلس الدستوري، وهو الذي سيُنتقد ايضا اذا ما علمنا بان الفصل 179 من التعديل الاخير اوردت النصوص الدستورية ذات الطابع الانتقالي على وجه الحصر، وهو الامر الذي سيترتب عنه من جهة التسائل عن كيف يمكن ان نأخذ بمعيار القانون التنظيمي للمجلس الدستوري كاساس لاختصاص هذا الاخير في اطار الفصل 177 دون ان ناخذ بالفصول الدستورية التي تعطي له في الاصل المشروعية ؟
هذا وفضلا على ان المادة 48 تقضي بمبدإ غريب على ماهو معروف في القانون، إذ المبدأ ان القانون او كل مايقترب منه إذا ما نشر في الجريدة الرسمية بدأ سريان اثاره، وأكسب الحقوق و حمل الواجبات، وهو امر قد نَفَتْهُ هذه المادة عن القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، إذ ان نشره لايؤدي مباشرة الى سريان اثاره، الا فيما يخص مستثنيين هما التعيين والانتخاب المتعلقين بتنصيب او تشكيل المحكمة الدستورية. وهو الامر الذي يساير مدلول الفقرة الاولى من نفس المادة، اذ يتضح من خلالهما أنه لايجوز للمجلس الدستوري ان يمارس اختصاصات المحكمة الدستورية الواردة في القانون التنظيمي لهذه الاخيرة، وهو مايعني مباشرة ان عدم الجواز أيضا أمر يشمل مانظمته المراجعة الدستورية الاخيرة من اختصاصات تهم المحكمة الدستورية .
وإذا ماعدنا بهذا الشرح الذي نظنه وافيا لمختلف هذه الحجج القانونية التي اعتمدها المجلس الدستوري في قراره، وبغض النظر عن كل ماشرحناه من نقاط الضعف والعجب في قرار المجلس الدستوري هذا، فتبقى المفجأة في ان المجلس الدستوري يكون غير مختصا اذا ماركزنا انظرنا وشرحنا المفصل على الفصل 177 من الدستور من جهة والمادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية من جهة اخرى
.
فاذا كان المجلس الدستوري في قراره هذا، او في القرار الذي صادق فيه على دستورية القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، قد اصدر تأويلا للفصل 177 من الدستور - الذي ينص على مايلي: "يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته، الى ان يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور." - في ان المجلس الدستوري لايختص فيما تختص به المحكمة الدستورية، لان اختصاصه يكون محصورا فيما يقره القانون التنظيمي المؤسس له، فان ذلك يعني بشكل ضمني ان المجلس الدستوري لم يكن مختصا في مجموعة من القرارات التي اصدرها قبل هذا القرار، لانها كانت في الحقيقة تدخل ضمن اختصاص المحكمة الدستورية خصوصا، والتعديل الدستوري الاخير عموما. فيكون قد صرح بتدخله اللامشروع في اختصاصات المحكمة الدستورية.
ولعل هذه النقطة الاخيرة بالتحديد كان بالامكان للمجلس الدستوري ان يتجاوزها في المادة 48، وقبله ايضا اعضاء لجنة صياغة الدستور لو انهم إقتادوا بالتجربة الدستورية المغربية في عام 1992 عندما نصت في فصلها102 على مايلي : " الى ان يتم تنصيب المجلس الدستوري تمارس الغرفة الدستورية بالمجلس الاعلى جميع الصلاحيات التي يخولها الدستور اياه " . وبالتالي فلو اتت صياغة التعديل الاخير على هذه الشاكلة لكان المجلس الدستوري مختصا بما تختص به المحكمة الدستورية، فتكون قراراته السابقة لهذا القرار بذلك صحيحة وسليمة.
وقد يتسائل البعض فيقول - في اطار قولكم هذا - بان مجلس المستشارين، وهو المجلس الذي يرتبط به القرار 948 هو مجلس قد تم تنصيبه في ظل الدستور المراجع، وهو المجال الزمني والموضوعي الذي يشمله اختصاص المجلس الدستوري، وهو مايعني أن المجلس الدستوري في مقامه هذا يعتبر مختصا ولو لم يكن مختصا بالنسبة لتلك القرارات السابقة للقرار 948.
ان ردنا على مثل هل هذا السؤال هو في الحقيقة رد يشمل زاويتين، الاولى وترتبط بان المجلس الدستوري غير مختص بالبت في كل المسائل المتعلقة بمجلس المستشارين، لان هذا الاخير في الاصل هو مجلس معدوم كما سنوضح من خلال الاعلام الثاني.
اما بالنسة للزاوية الثانية، فالمجلس الدستوري غير مختص، بحجة واردة في نص القرار ذاته، حينما اكد على مايلي :
" وبناء على النظام الداخلي لمجلس المستشارين، كما اقره هذا المجلس بتاريخ فاتح يوليو 2014، وصرح المجلس الدستوري بموجب قراره 942/14 بتاريخ 23 من رمضان 1435 (21 يوليو 2014) بمطابقته للدستور ".
ان بيت القصيد في هذا التاكيد الذي تعرضنا له للتو، كامن في ان المجلس الدستوري في القرار 948 بنى حكمه على اساس النظام الداخلي لمجلس المستشارين، الذي من جهة يستمد دستوريته من التعديل الدستوري الاخير (2011)، والذي في نفس الوقت و من جهة ثانية يطبق على مجلس المستشارين القائم حاليا (اي الذي حدث له التنصيب بناء الدستور القديم)، وبالتالي يكون المجلس الدستوري امام مفترق للطرق بين الاختصاص وعدم الاختصاص، فيكون مختصا بناء على الفصل 177 من الدستور اذا تعلق الامر بمجلس المستشارين كمؤسسة لايطبق عليها النظام الداخلي المصرح بدستوريته بناء على دستور 2011، وبالتالي وبناء على ذلك لم يكن على المجلس ان يحتج بالنظام الداخلي الجديد لمجلس المستشارين في القرار 948 لانه نظام يَخضع لمحتويات التعديل الدستوري الجديد، وهو الامر الذي اكدت المادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، ومعها في ذلك نص الفصل 177 من الدستور ان نطاق اختصاص المجلس الدستوري لايصل اليه، فما بالك ان يتاسس عليه . وعكس الامر سيقع تماما اذا ما صار مجلس المستشارين القائم حاليا يخضع لاحكام النظام الداخلي لمجلس المستشارين الجديد، لان كل ما يتعلق بهذا الاخير في الحقيقة يخضع لولاية اختصاص المحكمة الدستورية، وهو مايحرم على المجلس الدستوري القيام به .
ويظهر من ناحية الممارسة العملية ان مجلس المستشارين القائم حاليا - حسب مايدعيه البعض- بناء على الحكم الانتقالي الوارد في الفصل 176، قد نهج الطريق الثانية باخضاع مجلس المستشارين للنظام الداخلي الجديد لمجلس المستشارين، فيثبت بذلك عدم اختصاص المجلس الدستوري من جهة، وعدم صحة الحجة التي قدمها المجلس الدستوري في القرار 948 من جهة ثانية.
الاعلام الثاني : مجلس المستشارين وبناء اختصاصه على الدستور الجديد .
ان القارئ العادي للقرار 948 –بغض النظر عما اشرنا اليه اعلاه- قد يوحي له لأول وهلة ان المجلس الدستوري قد اصاب في حكمه باقراره لمبدإ عدم الرجعية، المقرر في الفصل 6 من الدستور.
وبغض النظر عن ماقلناه في الاعلام الاول، وافترضنا عكسه، فان قرار المجلس الدستوري هذا يبقى معيبا ليس من وجهة نظر المنطوق الذي ادلى به المجلس الدستوري، بل من جهة ما اسس عليه القرار في حد ذاته .
وعليه فبعد ان أكدنا في سابق الكلام على ان مجلس المستشارين الذي يدور القرار 948 في فلكه، هو في الحقيقة مجلس معدوم، (وهو الامر الذي سبق وان عالجناه باقتضاب في الجزء الثالث من مقالة مخابر ومناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الاخير) وهو نفسه الاساس الذي سننطلق منه لتبيان ان المجلس الدستوري ابقى على صفة البرلماني للسيد "عبد المجيد المهاشي" الذي زالت عنه بقوة القانون .
ان الحجج البالغة لإعتبار مجلس المستشارين مجلسا معدوما، محجج كثيرة وكثيرة، ولعل أهمها كامن في ماسنبينه في الاتي :
£
الحجة الاولى : اعتماد الدستور لمعيار الوحدة في الفصل 176 .
لقد تعامل المشرع الدستوري المغربي في اطار المراجعة الدستورية الاخيرة مع غفرتي البرلمان بشكل وحدوي بخصوص أحكام الحالة الانتقالية، وبشكل انفرادي بالنسبة لحالات اخرى، كحالة الاستثناء والمسطرة التشريعية.
ولعل قصدنا بمعيار الوحدة، هو ان الدستور ربط بين مصير اربعة غرف برلمانية، بحيث أن كل غرفتين لايمكن الحديث فيها عن غرفة منفردة على الاخرى. فمجلس النواب ومجلس المستشارين المنصبين في ظل تعديل 1996 ، يعبران عن برلمان واحد، وبالتالي فلا يجوز فصل أحدهما عن الاخر، كأن يستمر مجلس المستشارين في العمل الى جانب مجلس النواب المنصب في ظل التعديل الدستوري لسنة 2011 ، أو العكس. وبالتالي فعدم الجواز هذا يرتب امرين اثنين :
الامر الاول : ان المكلفين بتنزيل الدستور قد خرقوا الدستور، في حد ذاته، وعليه فينبغي تصحيح مثل هذه الممارسات، وهو ماسيؤدي مباشرة الى ضرورة تصحيح ما مضى وما سيأتي كنتيجة للفهم السقيم لمقتضيات الفصل 176 من الدستور .
الامر الثاني : انه لا يجوز العمل بهذا النظام الهجين، ولو كانت المرحلة الانتقالية هي علة المحتجين بالاستمرار في نظام كهذا . لأن الصعوبة التي يطرحها هذا الاشكال كامنة في ان مجلس المستشارين المنصب في ظل مراجعة 1996 سيخضع لمقتضيات هذا الاخير، وهو العكس تماما بالنسبة لمجلس النواب الجديد الذي سيخضع من حيث قانونه التنظيمي او نظامه الداخلي لمقتضيات مراجعة 2011. فتكون بذلك المسطرة التشريعية التي يختلف فيها دور مجلس المستشارين في التعديلين الدستوريين، أول واكبر عائق لهذا النظام الهجين .
وقد يطرح البعض اشكالية ان مجلس المستشارين لا يخضع حسب ما اثبتته الممارسة الدستوية الا لنظام داخلي تمت معالجته في البرلمان والمجلس الدستوري على اساس أنه يجب ان يخضع في اطار دستورية القوانين ليس الى الدستور المعدل بل للتعديل الدستوري الجديد . وهو ماسيطرح امامانا مأزقا دستوريا فاظحا من حيث العديد من الزوايا، لا نريد التعمق فيها بهذا الباب .
ان مجلس المستشارين بهذا الوضع يجب ايضا ان يلتزم في كل مايتعلق به آنيا، لما يقرره الدستور الجديد، خاصة في مجال المسطرة التشريعية . وهو فعلا ما يسير على نحوه هذا المجلس في الوقت الراهن .!!
وعليه فاذا طبقنا هذا على للمسطرة التشريعية التي لها مكانة مهمة في الدستور، فمن باب أولى ان نطبقه على كل مايتعلق بتأليف مجلس المستشارين، وهو الامر الذي نجد عكسه بالنسبة للمسار الذي قرارات المجلس الدستوري الكثيرة، ومن هذه نسوق قضية المستشار السابق أحمد حاجي، فيما أتى به منطوق القرار 911 _ 12 الذي جرده من صفة المستشار البرلماني، بقوله مايلي : " .. فانه يستفاذ مما قرره الدستور في فصله 180، مع مراعاة أحكامه الانتقالية، من نسخ نص الدستور الصادر في 7 أكتوبر 1996، وهو النسخ الذي يفقدهذا الدستور أي وجود قانوي لا يجوز معه إحياء بعض احكامه والعمل بها او الاستناد اليه، ومما ينص عليه في فصله 176 من استمرار مجلس المستشارين، القائم في تاريخ دخول الدستور حيز التنفيذ، والمنتخب وفق احكام الدستور السابق في مارسة صلاحياته الى حين انتخاب المجلس الذي سيخلفه، ان استمرار اعضاء مجلس المستشارين بصرف النظر عن تاريخ انتخابهم في ممارسة مهامهم بهذه الصفة الى حين انتخاب المجلس الجديد يقتصر على الاعضاء الذين كان يتشكل منهم هذا الجلس بتاريخ 2 يوليو 2011، تاريخ دخول الدستور حيز التنفيذ، ولايمتد الى غيرهم
."
وعلى هذا الاساس، فان الامر بعدم تجديد العضوية في مجلس المستشارين، سواء بطريقة الحلول او بطريقة الانتخابات الجزئية حسب كل حالة، مسألة تطرح مشكلة اخرى على مستويين :
المستوى الاول : ان المجلس الدستوري ناقض مبدأه في ان يتأسس مجلس المستشارين القديم على احكام الدستور الجديد، اذ ان مجلس المستشارين في حاله هذا يبقى معلقا، لا الى المراجعة الدستورية الحالية ولا الى التعديل الدستوري السابق.
وتجدر الاشارة الى ان الاعتراف بهذا الوضع المعلق قد يضعنا أمام احتمال احدى ثلاثة اغلبيات إذا ما اردنا تفعيل مقتضيات الفصل 130 من الدستور المتعلق بتنصيب المحكمة الدستورية، اغلبية اعضاء مجلس المستشارين الواردة في تعديل 1996 وهي 270 مستشار، واغلبية مجلس المستشارين المنصوص عليه في الفصل 63 من الدستور وهي تتراوح بين 90 الى 120 عضو مستشار ، وأغلبية ثالثة تعبر عن عدد المستشارين المتبقين في مجلس المستشارين القائم حاليا .
المستوى الثاني : انه في حالة حدوث استقالة أو اقالة او وفاة .. جماعية، أو ان المجلس الدستوري أخذ بنزع الصفة البرلمانية عن كل ماتبقى من اعضاء مجلس المستشارين القائم حاليا بشكل تدريجي وبناء على حجج معينة،كل ذلك حدث ومجلس المستشارين المنصوص عليه في الفصل 63 من الدستور لم ينصب بعد، فمن سيتولى مهام مجلس المستشارين ياترى ؟
وماياتي في سياقنا هذا اننا سنطرح بعد هذا الشرح الموجز امام القارئ الكريم بنود الفصل 176 من الدستور، كي لا نُتهم في كلامنا اعلاه بالتغول والخروج عن مضمونه.
وعليه فينص الفصل 176 من الدستور المغربي على انه : " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور." .
الحجة الثانية : التقادم الدستوري لمجلس المستشارين في ظل الدستور القديم .
ننطلق في هذه الحجة مما انتهينا منه قبلا، فبعد ان اثبتنا ان مجلس المستشارين هو مجلس معلق بين تعديلين دستوريين من جهة التاليف، وقبله توصلنا الى ان نفس المجلس يخضع من حيث الممارسة لمقتضيات المراجعة الاخيرة، نستنتج ان المجلس الدستوري له اليد الطولى في حصول هذا التذبذب الخطير، لانه لو اقر منذ بداية الامر برفض النظام الهجين لإستطاع ان يتجاوز كل هذه التقاطعات في قراراته.
وتجدر الاشارة الى ان البعض قد يحتج بعدم وضوح الغاية من الفصل 176 ، لانه واعتمادا على قاعدة المقاصد ابلغ من الالفاظ، قد يكون المشرع الدستوري قد قصد حقا ما يحدث في الممارسة العملية، فنكون بهذا القول امام قول يلزم وجوبا الرد عليه بشكل نهائي وقاطع .
ان مايجعلنا في الحقيقة نقول بعدم دستورية مجلس المستشارين لا يرجع الى سبب تأويلي كما خلصنا إليه سابقا، بل الى سبب أكثر قوة لا يظهر الا لممحص ولدارس ولمُتمكن للقانون الدستوري عموما، فمجلس المستشارين القائم حاليا قد تم انتخاب اعضائه بناء على مقتضيات التعديل الدستوري لعام 1996 خاصة فيما يتعلق بالفصل 38 ، هذا الاخير الذي يتحدث عن مدة الولاية البرلمانية لاعضاء مجلس المستشارين، فيحددها في تسع سنوات، يقع فيها تجديد ثلث أعضاء المجلس كل ثلاثة سنوات.
وعليه فان أعضاء مجلس المستشارين المنتخبين مع حلول سنة 2003 قد انتهت ولايتهم البرلمانية مع حلول سنة 2012، وهي السنة الثانية بعد مراجعة الدستور، مما يعني ان مجلس المستشارين القائم حاليا قد تقادم وانتهت ولايته البرلمانية، حتى ولو أخذنا بحجة المرحلة الانتقالية، لان مجلس المستشارين لم يعد قائما حاليا .
وكنتيجة لكل هذه العيوب التي تتخلل وضعية مجلس المستشارين سواء في الحجة الاولى او الحجة الثانية، نستنتج ان المجلس الدستوري اقام حجته على وَهْم، غير موجود، وما أسسس وبني على باطل فهو باطل فيكون القرار غير موجه ولو نحو اقل حد من حدود الصواب والمنطق .
غير انه وقبل ان نختم حديثنا بصدد هذا الموضوع لزم اولا إظهار مكمن العور في قرار المجلس الدستوري من هذه الناحية .
وعلى العموم، فقد ذهب المجلس الدستوري في قراره الى ان السيد عبد المجيد المهاشي لا ينبغي ان يجرد من العضوية البرلمانية، بناء اولا على صحة وسلامة كل الاجراءات الشكلية المتعلقة بالقضية سواء من جهة السيد عبد المهاشي في حد ذاته، او من جهة رئيس مجلس المستشارين، والاطراف الاخرى المعنية. وثانيا من حيث ان مجلس المستشارين القائم حاليا هو مجلس انتخب على اساس تعديل 1996 وبالتالي فلا يجوز تطبيق احكام الدستور الحالي على ما مضى زمانه وانصرم .
وهنا، يمكن القول بناء على الحجج التي قدمنها بخصوص التقادم الدستوري لمجلس المستشارين، في ان ماقضاه المجلس الدستوري امر غير سليم ولا قويم لانه ابقى على صفة البرلماني على شخص لم يعد دستوريا يتمتع بها من جهة، وبالتالي فقد بت فيما لا يدخل في اختصاصه من جهة ثانية، لان المجلس الدستوري يبت فيما يخص مجلس المستشارين الحي دستوريا وليس في مجلس هو بالذات ميتٌ دستوريا، وعليه فتبقى الحجج والاسباب التي بنى عليها المجلس الدستوري قراره غير كافية أمام الحجج التي يضع الواقع الدستوري والسياسي امامه، فيكون بذلك قراره معيبا سواء من حيث الشكل او من حيث المضمون.
وختاما، فتجدر الاشارة الى ان هذا القرار لايشمل من مظاهر الغَمرة ماذكرناه فقط، بل ان نطاق التناقض الذي وقع فيه واسع وكثير جدا، وكي لا نطيل عليك يا سيادة القارئ، اليك من التناقضات ماهو فظيع، حيث يقول القرار مايلي : " وحيث انه، تاسيسا على ماسبق بيانه، فان احكام الفصل 61 من الدستور (الحالي) لا تنطبق على وضعية السيد عبد المجيد المهاشي، عملا بمبدإ عدم رجعية القانون، المنصوص عليه بالفقرة الرابعة من الفصل السادس من الدستور (الحالي) ...".
واما عن مكمن الفضح هنا، فيظهر من خلال ان المجلس الدستوري أقر بمبدأ عدم رجعية القوانين بخصوص تطبيق نصوص المراجعة الدستورية الاخيرة على مجلس المستشارين القائم في ظل التعديل الدستوري لسنة 1996، وهو في نفس الوقت لم يدرك انه من جهة ناقض المادة 48 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية من جهة ، وناقض ايضا من جهة ثانية مبدأ عدم الرجعية باستناده على مبدا وارد في الفصل السادس من الدستور الحالي، حيث انه كان الاجدر به والاحرى، ان يستند على مبدإ عدم الرجعية بناء على الفصل الرابع في بنده الاخير من التعديل الدستوري لسنة 1996 .
غير ان الحديث عن هذه النقيضة قد لا تكفي بعض القراء لتشفي غليلهم، ولذلك قررنا ان نزيدهم من هذا الفضل العظيم، ولنعد من جديد الى ما اقره المجلس الدستوري من حيث الشكل والاجراءات في نفس القرار، حيث يقول مايلي : " وحيث انه على مقتضى ذلك، تكون الاحالة الى المجلس الدستوري مستوفية للشروط والاجراءات المتطلبة بموجب الفصل 61 من الدستور (الحالي)، ومقتضيات المادتين 98 و 99 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين؛ "، وهو عكس ما اقره بلسانه الحكيم، في ما ذهب اليه في خلاصته من حيث دراسة لموضوع النازلة كما بيناه اعلاه، في ان الفصل 61 من الدستور لا يمكن تطبيقه على وضعية السيد عبد المجيد المهاشي . فما رايكم الان يا نقاد ؟
انتهى والحمد لله .