MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في أبعاد وتحديات الاستراتيجية الوطنية في مجال الهجرة

     

الغالي الغيلاني



قراءة في أبعاد وتحديات الاستراتيجية الوطنية في مجال الهجرة

شكل موقع المغرب الجغرافي الاستراتيجي، باعتباره جسرا بين إفريقيا وأوروبا وملتقى للثقافات والحضارات، نقطة جذب لدى المهاجرين الأفارقة لا سيما من منطقة الساحل وجنوب الصحراء، الذين يسعون إلى تحسين وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية والهروب من ويلات الحروب والعنف والاضطهاد والأزمات المتعددة، من خلال ترقب أقرب فرصة للهجرة إلى ما اصطلح عليه “الفردوس الأوروبي”.”

كما لم يعد المغرب أرض الهجرة والعبور إلى القارة الأوروبية فقط، بل أضحى منذ أوائل القرن الحادي والعشرين بلد استقبال ودولة مضيفة للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، ولكن أيضًا بشكل متزايد من آسيا وأوروبا.

ولمواجهة التغيرات المختلفة والعميقة في ديناميكيات الهجرة وأبعادها المتعددة، اختار المغرب بشكل سيادي رسم معالم استراتيجية وطنية جديدة للهجرة على أساس قيم التضامن الإنساني والترحيب واحترام حقوق المهاجرين وحرياتهم. إلى جانب ذلك، اتخذ المغرب مجموعة من الإجراءات المتعلقة بتحسين وضعية المهاجرين من أجل حماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية وضمان إدماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.

وفي هذا السياق تم تطوير الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء باستخدام نهج تشاركي بالاستناد على تشخيص حالة الهجرة والاستلهام من التجارب الدولية في هذا المجال. إذ يمكن اختزال أبعاد هذه الاستراتيجية في ما يلي:

– تسهيل اندماج المهاجرين الشرعيين.

– تحديث الإطار التنظيمي.

– وضع إطار مؤسسي مناسب وإدارة تدفقات الهجرة مع احترام حقوق الإنسان.

كما تندرج السياسة التي وضعها المغرب في إطار تكريس برامج الحكامة العالمية للهجرة، مع مراعاة جهود المجتمع الدولي والأخذ بعين الاعتبار مخرجات الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية بغرض إنشاء نظام موحد ومسؤول لإدارة الهجرة على المستوى الدولي.

1- أبرز التحديات المطروحة أمام تنزيل أبعاد الاستراتيجية المغربية في مجال الهجرة واللجوء:

– إن تسوية وضعية المهاجرين على المستوى التي أعلن عنها المغرب منذ سنة 2014، قاصرة لوحدها لرفع التحديات في مجال الهجرة بالمغرب لا سيما إذا لم تقترن هذه الإجراءات بتدابير اقتصادية واجتماعية تدمج المهاجرين في النسيجين الاقتصادي والاجتماعي المغربي.

– إن التحدي الأساسي الذي يواجه المغرب هو رسم معادلة صعبة توازن بين تنزيل ابعاد الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء في إطار تعزيز الانسجام والتكامل بين الالتزام الوطني والإقليمي والدولي من جهة، وتحسين الهجرة النظامية وتنظيمها كرأسمال بشري لامادي بدلا من محاربتها من جهة أخرى.

– تشكل السياسات المتأثرة بأيديولوجية اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين والأجانب، فضلا عن تفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية والتداعيات الوخيمة لجائحة كورونا والصراعات الجيوسياسية والعسكرية تحديات متعددة الأبعاد تطرح على المغرب كبلد مؤثر ومتأثر بظاهرة الهجرة العابرة للحدود.

– وفي هذا الصدد، يلاحظ أن بعض الدول الأوروبية تبنت من أولى أولوياتها، محاربة الهجرة غير النظامية من خلال سن قواعد قانونية زجرية تعاقبهم على ممارسة الحق في الهجرة فضلا عن ترحيل مهاجرين في وضعية غير قانونية حتى ولو كان ذلك على حساب احترام الاتفاقيات والقوانين الأوروبية والدولية وحقوق الإنسان.

– تحاول بعض الدول الأوروبية فرض مهمة “الدركي” على المغرب من أجل مراقبة حدودها الخارجية للتصدي للمهاجرين غير النظاميين. بيد أن المقاربة الأمنية المبنية على التشدد في المراقبة وإغلاق الحدود وتجريم الهجرة لم تنجح في مجال الحد من ظاهرة الهجرة السرية وثني المهاجرين عن ركوب مخاطر السفر وتجاوز نقاط العبور والتفتيش، على اعتبار أن هذه المقاربة قاصرة على التصدي ومعالجة الأسباب السوسيو اجتماعية والدوافع الرئيسية للهجرة غير النظامية.

وبحسب بعض الدراسات المتخصصة في رصد مسارات الهجرة الإفريقية غير النظامية، يعد الطريق المغربي، بمعابره الشاطئية شمالًا على البحر الأبيض المتوسط، وغربًا على المحيط الأطلسي نحو جزر الكناري، فضلا عن المسارات المارة عبر الجزائر وتونس ومصر وليبيا في اتجاه إيطاليا ومالطا واليونان، أبرز الطرق التي تعرف حركية ملحوظة في مسارات الهجرة غير النظامية من القارة الإفريقية نحو أوروبا.

2- بعض التوصيات والاقتراحات في إطار تعزيز مؤشرات الحكامة في مجال الهجرة واللجوء:

– ضرورة إعادة التفكير في رسم معالم سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد للهجرة تقوم على الاندماج والإدماج تضمن التوازن بين المصالح المشروعة للدول وأمنها من ناحية، واحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين الأساسية من ناحية أخرى، بما يضمن صون كرامة المهاجرين اللذين يجدون أنفسهم أمام اعتياد التسول وتهريب الممنوعات والوقوع ضحية جرائم وشبكات الاتجار بالبشر.

– يحب إعادة النظر في القانون 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة وبالهجرة وذلك لاختلاف السياق الوطني الذي صدر في إطاره عن السياق الحالي والمتغيرات الراهنة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية لا سيما وأن هذا القانون لم يعد يستوعب أبعاد وتحديات الاستراتيجية الوطنية في مجال الهجرة واللجوء.

– يلاحظ غياب إطار قانوني ومؤسساتي خاص بتنظيم اللجوء، على الرغم من أن المغرب وقع على اتفاقية جنيف الخاصة باللجوء وانخرط في منظومة دولية جديدة مبنية على احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والتي اعترف دستوريا بسموها عن التشريع الوطني.

– من الضروري ملاءمة التشريع الوطني مع روح دستور المملكة لسنة 2011 والاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها المغرب في مجال الهجرة واللجوء وحقوق الإنسان، ومع أيضا الحركية السريعة والمتغيرات في مسارات تدفق الهجرة وأساليبها، ناهيك عن تفعيل هذه المنظومة القانونية على أرض الواقع حتى لا تظل مجرد حبر على ورق.

– سترخي جائحة كورونا بآثارها الوخيمة على تدفق وزخم الهجرة من خلال تأثيرها العكسي والسلبي على تشجيع الهجرة غير النظامية والهشاشة في صفوف المهاجرين، في ضوء تراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي والأمني في بعده الشامل (الأمن الغذائي والطاقي والمائي) في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

– أن مسؤولية تدبير مسالة الهجرة لا يجب أن تنحصر في الفاعل الرسمي -الدولة- بل هي مسؤولية مشتركة بين الفاعلين العموميين والجمعويين والاقتصاديين، نحو ضمان الحماية الاجتماعية للمهاجرين وإدماجهم في النسيج الاقتصادي الوطني وتحسين عملية ولوجهم إلى الخدمات العمومية.

– ضرورة خلق إطار مؤسساتي وتخصصات أكاديمية وجامعية للبلدان الرائدة في مجال الهجرة، وشبكة لمراكز أبحاث والتفكير حول أنماط ومسارات تعنى بدراسة خريطة ظاهرة الهجرة وتشجيع انخراط المجتمع المدني في مجال تدبير الهجرة.

ومسك الختام، لقد تحول موضوع الهجرة إلى مادة دسمة للصراع الجيوسياسي وأداة جيواستراتيجية لممارسة الضغط وابتزاز دول الجنوب من طرف دول الشمال، بغرض تحويلها إلى دركي في مجال محاربة الهجرة غير النظامية دون الأخذ بعين الاعتبار إكراهات هذه الظاهرة، لا سيما ضعف التنسيق الدولي في مواجهة شبكات الاتجار بالبشر والأسباب السوسيواقتصادية الكامنة وراء تدفق الهجرة غير النظامية، والتي يقع مسؤولية تنظيمها على كافة الدول بصفة مشتركة ما بين دول المنشأ ودول العبور ودول الاستقبال.

 



الاثنين 22 غشت 2022
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter