أكدت المادة السابعة (7) من المرسوم الخاص بتسوية وضعية البنايات غير القانونية على أنه لا يقبل طلب الحصول على رخصة التسوية لبناية غير قانونية إذا كانت موضوع محضر مخالفة حرر في شأنها وفقا لأحكام المادة 66 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير كما تم تغييره وتتميمه بالقانون 66-12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء. وفي ظل استحضار أحكام المواد التي جاء بها هذا الأخير والذي منح صلاحية المراقبة لمجموعة من الأجهزة بما في ذلك ضباط الشرطة القضائية والتي يمارسها عمليا رجال السلطة (القواد والباشوات). وأمام الصرامة التي تسلكها وزارة الداخلية مع هذه الفئة في مجال مراقبة البنايات غير القانونية، فأعتقد أنه قلما نجد بناية في وضعية غير قانونية لم يشملها الزجر والمراقبة، ولم تكن موضوع محضر.
هذا الشرط الذي أورده المشرع في المادة 7 المتمثل في عدم تحرير محضر مخالفة للبناية موضوع طلب الحصول على رخصة التسوية يعد قيدا على منح هذه الأخيرة، فلا يمكن الحصول على هذه الرخص في ظل وجود هذا الشرط الذي يغل يد المكلفين بدراسة طلبات رخص التسوية من الاستجابة والموافقة على الطلب. مما يمكن القول بأن
تنصيص المرسوم على هذا الشرط وربط قبول طلبات التسوية بعدم وجود محضر مخالفة، سيجعل مقتضياته معدومة وغير ذات أهمية.
وبما أن المبدأ العام يفترض أن كل بناية غير قانونية خضعت للمراقبة، واستثناء من هذا المبدأ هو الإفلات من هذه المراقبة ومن عدم تطبيق المقتضيات الزجرية والضبطية المعمول بها في مجال مخالفات البناء والتعمير، فإن المقتضى الذي رسمه المشرع في المادة السابعة (7) يحيلنا مباشرة إلى القول بأنه يؤسس لبيئة تشريعية تسودها ثقافة محاباة القانون لبعض المواطنين على حساب الآخرين. فإذا كانت بناية شيدت بغير ترخيص أو خالف صاحبها التصميم المرخص له ولم تكن موضوع محضر مخالفة، لسبب من الأسباب سواء تعلق الأمر بالتغاضي عنه من طرف من له الحق في تحرير المحاضر أو أنه لم ينتبه لها هذا الأخير، أو لأي سبب آخر، فإنه سيحظى بتسوية وضعية بنايته. أما من كانت بنايته في نفس الوضعية (غير قانونية) وحررت في شأنها محضر مخالفة، فإنه سيحرم من الحصول على هذه الرخصة.
بمعنى أن هذه المقتضيات جاءت لحماية وضعية بنايات بعض المواطنين على حساب الآخرين، بل وجاءت لمحاباة الذين لم تحرر في شأنهم محضر مخالفة، فبدل أن يخضع هؤلاء للمراقبة والزجر وتقديمهم للعدالة لكونهم ارتكبوا فعلا جرميا، أتى المشرع بهذه القواعد ليحميهم أكثر عن طريق الحصول على هذه الرخصة، وكأنها إشارة صريحة منه على أن أحكام هذا المرسوم لا تنطبق عليه قاعدة التجريد والعمومية، بل يتعلق الأمر ببنايات لأشخاص معينين بذاتهم.
وما يؤكد هذا القول مدة سريان المرسوم المحددة في سنتين فقط، والتي قد يفهمها الجميع بأنه بمجرد أن يحصل من جاء المرسوم لصالحه على رخص التسوية تنتهي "مدة صلاحيته" ويصير كأن لم يكن، وبالتالي فحياة هذا المرسوم ليس لها أي اعتبار للمصلحة العامة، بل لمصلحة صاحب البناية غير القانونية الذي استثني من تطبيق المساطر المعمول بها في ميدان ضبط وزجر المخالفات. وهو ما يؤكد على أن هذه المقتضيات هي أحكام تمييزية بالأساس، وتكرس الفوراق بين المواطنين، بل تغني ذمة من لم يعاقَب وتزيده امتيازا، وتفقر ذمة من أدين بالغرامة والهدم بعد سلوك المساطر القانونية والقضائية في حقه وتؤزم وضعيته من خلال حرمانه من تسوية وضعية بنايته.
فمن سويت وضعية بنايته فهو من المحظوظين في الاستفادة من تطبيق مقتضيات هذا المرسوم ومن استبعاد إعمال المقتضيات الزجرية في حقه، ومن لم تسوى وضعية بنايته فهو من المغضوب عليهم، بل ينال "عقوبتين" الأولى هي الإدانة من طرف المحكمة، والثانية حرمانه من القواعد الواردة بمرسوم التسوية.
فعلى غرار باقي المراسيم و"القوانين"، انضاف هذا المرسوم إلى المنظومة التعميرية التي تشهد
تضخما تشريعيا من غير أن يكون لها الوقع الإيجابي على مصالح المواطنينالذين في أمس الحاجة إلى مقتضيات تواكب مصالحهم الضرورية، وعلى المخاطبين بتطبيق هذه القوانين الذين يجدون أنفسهم وسط حزمة من التشريعات دون أن يكون لها الأثر الحقيقي على تحسين جودة الخدمات، ومن خلالها قضاء مصالح المواطنين والعمل على تشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال ببلادنا.