اندلعت هذه القضية جراء شكاية رفعها برلمانيون إلى وزير العدل والحريات ضد القاضي محمد الهيني، نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالقنيطرة.
هاته الشكاية التي وردت بتوقيعات 4 برلمانيين (عبد الله بوانو رئيس فريق العدالة والتنمية، وديع بنعبد الله رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، محمد الأعرج رئيس الفريق الحركي، و رشيد روكبان رئيس فريق التقدم الديمقراطي ) تقول بأن القاضي المعني أساء إلى مكونات الأغلبية البرلمانية وممثلي الأمة، من خلال مداخلاته ومشاركاته في عدد من الندوات واللقاءات، وذلك على خلفية الآراء التي أدلى بها بخصوص مشاريع القوانين التنظيمية المرتبطة بالسلطة القضائية الصادرة عن وزارة العدل والحريات، تفعيلا لمقتضيات دستور 2011.
وفي تقريره عن قضية الهيني، خلص السيد حسن مطارالوكيل العام باستئنافية الدارالبيضاء، أن القاضي الهيني ارتكب إخلالات بالواجبات المهنية، خاصة بواجب التحفظ، وذلك باتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية.
وردا عن ذلك، قال القاضي الهيني أن هذه إتهامات سياسية وحزبية ضيقة من طرف مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الذي ينتمي لنفس حزب أحد المشتكين – أي حزب العدالة والتنمية –الذي تم تنصيبه مشتكيا وخصما وحكما للإقتصاص منه، فقط لأنه عبر عن وجهة نظره حول إصلاح القضاء، مشيرا إلى أن تعليقاته ومقالاته كتبها بصفته فاعلا جمعويا وحقوقيا وليس بصفته القضائية ولم يكن يرتدي الجبة القضائية على عكس ماجاء في الشكاية. وأضاف الهيني أن القاضي إذا ما حرم من الحق في التعبير سيصبح قاض صامت وسلبي ولايمكن الإطمئنان لاعلى إستقلاله ولاعلى حياده، فحرية التعبير من مداخل الإستقلال الفردي للقاضي ومصدر لحمايتها،كما اعتبر الشكاية غير ذي صفة وتفتقر لأي أساس دستوري أو قانوني وصادرة عن غير ذي صفة لأن رئيس مجلس النواب هو الممثل القانوني للمجلس وليس فريق أو لون سياسي بعينه يعتبر نفسه وصيا على المؤسسة التشريعية والحكومة والقضاة.
وخلال الجلسة الأولى بالمجلس الأعلى للقضاء، بتاريخ 18 يناير 2016، قضت هيئة المحاكمة، بتأجيل النظر في قضية المتابعته التأديبية، إلى يوم الاثنين 25 يناير الجاري. بالإضافة إلى أن رئيس هيئة المحاكمة، حصر، هيئة دفاع القاضي الهيني في 5 محامين، و5 قضاة، وهو الأمر، الذي رفضته، هيئة الدفاع، التي قررت الإنسحاب من جلسة المتابعة، إحتجاجا على رفض طلباتها، خاصة طلب تنحية الوزير مصطفى الرميد لأنه ينتمي لنفس حزب أحد الأطراف المشتكية، وطلب قضية التجريح في حق القاضي الهيني.
وبعد نشر موقع وزارة العدل لبلاغ مصادقة الملك محمد السادس على الاقتراحات التي تقدم بها المجلس الأعلى للقضاء خلال اجتماعاته الأخيرة المنعقدة برسم الشطر الثاني من دورة جمادى الثانية 1436 /مارس 2015 ، وبعد تداول قرار عزل القاضي الهيني بإقتراح من مصطفى الرميد ومصادقة الملك عليه، أشار "نادي قضاة المغرب" في بيان له حول القرارات التأديبية للمجلس، المتمثلة في عزل القاضي الهيني وعقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة 6 أشهر مع النقل في حق الأستاذة آمال حماني، إلى عدم دستورية البث في التأديبات من طرف المجلس الأعلى للقضاء في هذه المرحلة الانتقالية، مستنكرا استمرار هذه المؤسسة في خرق الضمانات الدستورية المخولة للقضاة موضوع التأديب، خاصة فيما يتعلق بحقهم في الطعن أمام أعلى جهة قضائية إدارية. واعتبر أن هذه العقوبات تمثل" إعداما لكل المكتسبات التي جاء بها دستور 2011 لفائدة القضاة". وأضاف بـ" أن الهدف من هذه العقوبات، التي صدرت لا لفساد مالي أو أخلاقي، وإنما فقط بسبب التعبير عن آرائهما بشكل علني في قضايا الشأن العام التي تهم العدالة، -الهدف منها- هو إخراس كل أصوات القضاة المنادية بالتغيير والإصلاح في إطار الثوابت والمؤسسات"، معلنا "عن تضامنه المطلق مع حماني، والهيني، ويعتبر أنهما ضحايا حرية التعبير وإيمانهما بممارسة حقوقهما الدستورية بشكل كامل".
كما أصدر "الائتلاف الدولي من أجل الحرية والكرامة" (إي إف دي انترناشيونال)، بهذا الشأن بيانا بتاريخ 2 فبراير، قال فيه إنه "من غير المقبول قطعا في دولة يحكمها القانون، أن يتابع قاض بضغط من ممثلين برلمانيين لهم دور في تقديم مشروعي القانونين المقترحين و التصويت عليهما"، في إشارة إلى ملف محمد الهيني، وندد بترؤس مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، للمجلس التأديبي في الوقت الذي ينتمي فيه لأحد الأطراف المشتكية، وهو الفريق البرلماني لحزب "العدالة والتنمية".
من جهة أخرى، تعرض الحساب الشخصي، للدكتور محمد الهيني، على "الفيسبوك" للقرصنة، مساء الجمعة 26 فبراير2016، من طرف مجهولين، تزامنا مع تكريمه وتتويجه واعتماده كخبير دولي من طرف "التحالف الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان".
وفي 16 مارس، أصدرالمجلس الدستوري قرارا حول القانون التنظيمي للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، اعتبر فيه أن عددا من مواد قانون السلطة القضائية مخالفة للدستور، على عكس ما أكده مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، وهذا ما كان قد عبر عنه القاضي محمد الهيني الذي بعث مراسلة للملك محمد السادس، أكد فيها أن التهمة التي عزل على خلفيتها مخالفة للدستور.
ومن أبرز المواد التي تهم قضية محمد الهيني، نذكر المادة 97 من القانون الأساسي للقضاة، التي كانت أبرز نقطة جدل بين القضاة والرميد، والتي اعتبر المجلس الدستوري بأن تهمة "إبداء موقف يكتسي صبغة سياسية" هي جملة تدخل في إطارالعموميات، موضحا أن إبداء القاضي لموقف يكتسي صبغة سياسية" ليست من الأسباب التي تستدعي التوقيف الفوري للقاضي، مما يجعل اعتبار "أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية" موجبا لتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، غير مطابق للدستور". هذا، بالإضافة إلى قضية تبعية قضاة النيابة العامة لوزير العدل أم للوكيل العام لمحكمة النقض، حيث أكد المجلس على تبعية هؤلاء القضاة للأخير.
وتعليقا على قرار المجلس الدستوري قال الهيني إنه "نصر تاريخي للمغرب والمغاربة والحركة الحقوقية ولحرية التعبير" مؤكدا على أن هذا القرار قد أنصفه وأنصف قضاة النادي وأنه أيضا انتصار لدولة المؤسسات". كما أشار الهيني " إلى أنه اليوم أحس بأنه قد رُد إليه الإعتبار وأن الأساسي هو أن المغاربة نالوا النصر في مشوار النضال من أجل استقلالية السلطة القضائية".