مواكبة لسلسلة المناقشات العلمية التي تعرفها الجامعات المغربية تزامنا مع قرب انتهاء الموسم الجامعي، شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة يوم الخميس 18 يونيو 2015 رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص في موضوع:اتساع نطاق المسؤولية الجنائية في القانون الجنائي الجمركي، تقدم بها الطالب الباحث ابراهيم اشويعر
تحت إشراف الأستاد عبد الله أشركي أفقير
وتشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
الدكتور عبد الله أشركي أفقير أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة مشرفا ورئيسا ؛
الدكتورة وداد العيدوني أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة عضوا؛
الدكتور هشام بوحوص أستاذ بكلية الحقوق بطنجة عضوا ؛
الدكتور مصطفى حسيني أستاذ بكلية الحقوق بأكادير عضوا .
وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية قبول الرسالة ومنح الطالب نقطة 17/20 بميزة حسن جدا.
ملخص حول موضوع الرسالة
يلعب التشريع الجمركي دورا أساسيا في حماية استقرار الحياة الاقتصادية والمالية للدولة والحفاظ على التوازن التجاري ومسايرة النظام الاقتصادي العالمي في اتجاه تحرير المبادلات التجارية الدولية، وتشكل الرسوم والمكوس الجمركية المورد الأول لخزينة الدولة والمساهمة في الرفع من مردوديتها، وهنا يبرز الدور الفعال لإدارة الجمارك في التشجيع للصادرات و الواردات و تحصيل الرسوم و المكوس الجمركية.
وكما هو معلوم فالمجال الجمركي ذو ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني، وذلك لأن المجال الاقتصادي يشكل مجالا تنشط فيه إدارة الجمارك ، فهذه الأخيرة تعتبر العامل على تنشيط العمليات الاقتصادية، علاوة على دورها التقليدي المتمثل في استخلاص الضرائب الناتجة عن تداول السلع عبر الحدود، سواء بالاستيراد أو التصدير، حيث عمل المغرب لسنوات طويلة بنظام الحماية الجمركية و تشجيع التصدير لحماية مصالحه حيث عمل المغرب لسنوات طويلة بنظام الحماية الجمركية وتشجيع التصدير لحماية مصالحه الإقتصادية، ونظرا إلى خطورة الجريمة الاقتصادية فإن جل التشريعات على اختلاف أنظمتها دأبت إلى تشديد العقوبة في الجرائم الاقتصادية ، وتعتبر الجرائم الجمركية فرعا من فروع الجرائم الاقتصادية، وذلك للطبيعة التقنية التي تتميز بها، وكذلك إلى كونها جرائم تمس الاقتصاد الوطني، بصفة مباشرة عن طريق التهرب من الرسوم الجمركية.
ومن ثم تدخل المشرع بخلق قانون خاص لمحاربة هذا النوع من الجرائم بإصدار مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، الصادرة في 09 أكتوبر 1977 التي وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 1-00-222 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 الموافق ل 5 يونيو 2000. ويعتبر هذا القانون الإطار المرجعي لإدارة الجمارك عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها، التي تتميز بطابع مزدوج جبائي وجنائي، حيث عمل المشرع قدر الإمكان على إدخال تعديلات جوهرية لملائمتها مع للقواعد العامة للقانون وقانون المسطرة الجنائية، من حيث ضمانات المتهم في الجريمة الجمركية، ومبدأ المساواة أمام القانون الجنائي الجمركي، وبإلغاء بعض النصوص القديمة و تعويضها بنصوص جديدة تتماشى مع الظرفية الراهنة، حماية للمصحة العامة الاقتصادية. وقد عمل المشرع الجنائي الجمركي إلى سن مقتضيات زجرية تتناسب، وطبيعة الجرائم الواردة على الميدان الجمركي وإن كانت تتعارض في صميمها مع مجموعة من المبادئ القانونية العامة، وتشكل استثناء عليها.
وإذا كان القانون الجمركي يوصف تقليديا بأنه تشريع ذو طبيعة تقنية، فإن هذه الخاصية لا تخفي أنه يتوخى تحقيق أهداف مالية واقتصادية تتعلق بتحفيز الاستثمار وإنعاش التصدير من خلال الأنظمة الاقتصادية الجمركية، وحماية حق الدولة في استخلاص الرسوم هذه الأهداف، دفعت المشرع الجمركي إلى وضع قواعد خاصة بالجريمة الجمركية، تختلف عن الجرائم الواردة في القانون الجنائي العام.
وخصوصية الجريمة الجمركية تبرز من الناحية الموضوعية والإجرائية لقيامها، فمن حيث الخصوصية الموضوعية التي تميز الجريمة الجمركية، نجدها تتجلى في قيام المسؤولية الجنائية باعتبارها أهم خصوصية موضوعية للجريمة الجمركية، أما من حيث الخصوصية الإجرائية فنجد الإثبات الخاص بالجريمة الجمركية، والذي يتميز بعدة خصوصيات عن الإثبات الوارد على جرائم القانون الجنائي.
وبالرجوع إلى تطور المسؤولية الجنائية باعتبارها خصوصية موضوعية للجريمة الجمركية، نجد أن الإنسانية لم تعرف المسؤولية الجنائية بالمفهوم الذي هي عليه دفعة واحدة، وإنما كان ذلك عبر مراحل تطورية، وتطور المسؤولية يعتمد على الأساس الذي تنهض عليه، والذي يرتبط بالأساس الفلسفي والفكري للعقاب، لأن العقوبة في إقرارها وفرضها تعد مقياسا لتقدم حضارة الأمم.
ويعتبر مفهوم المسؤولية المفهوم الأساس من أجل ترتيب رد الفعل الاجتماعي تجاه الأفعال المخالفة للقانون الجنائي، ولهذا المفهوم بعدا فلسفيا طرح منذ القدم،حيث أن المسؤولية الجنائية في المجتمعات الحديثة تقوم على قاعدة الشخصية و الذاتية، يرتبط بالإرادة الحرة والتمييز، أي قابلية الشخص لأن يكون محل عقاب نظرا لتوفره على إرادة حرة، وقدرة على التمييز، وله بعد آخر، يمكن أن نعتبره تقنيا، يرتبط بدور الفاعل، بالعنصر المعنوي عنده، أي يسأل عن صدور أو عدم صدور خطأ منه.
وبالرجوع إلى المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية، نجد أنها لا تعطي أهمية أكبر للركن المعنوي، بل تكتفي في بعض الأحيان بعدم توافر الركن المادي لقيام الجريمة الجمركية، ما يجعل هذا النوع من الجرائم يقوم على أساس الخطأ المفترض، ولا تلزم النيابة العامة أو إدارة الجمارك، إلا بإثبات الركن القانوني والمادي للجريمة الجمركية، بغض النظر عن توافر الركن المعنوي. بالإضافة إلى ذلك فخصوصية الجريمة الجمركية، سواء الموضوعية أو الإجرائية، من حيث المسؤولية والإثبات، تمثل خروجا عن المبادئ العامة المقررة في القانون الجنائي، فنجد أن المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية، توسع من نطاق المشمولين بأحكام المسؤولية، عن طريق إدخال مفاهيم جديدة للمسؤولية والتي تتجلى من خلال المستفيدين من الغش والمسؤولية الجنائية المفترضة، بالإضافة إلى ذلك نجد فيها إسناد الجريمة لغير مرتكبيها.و تتميز بطابع مزدوج بحيث يصعب التمييز بين ما هو جنائي وما هو مدني، حيت تمزج مدونة الجمارك في جزاءاتها بين الطابع التعويضي والزجري، حيث أن المسؤولية الجنائية في القانون الجمركي تتميز بكون مرتكبي المخالفات الجمركية هم بصفة عامة محددون ومن هنا يتضح أن نظام المسؤولية الجنائية الجمركية يقوم على مفهوم الفاعل الظاهر لأعمال الغش. بالرجوع للفصل 222 من مدونة الجمارك فقد عمل على تحديد الأشخاص المسؤولون جنائيا وعددهم على سبيل التحديد، كما نص المشرع الجمركي على المسؤولية الجنائية للمشاركين بالرجوع للفصل 221 " إن الشركاء والمتواطئين في ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للجنحة أو للمخالفة الجمركية.." وهنا المشرع الجمركي أعطى تعريفا واسعا للمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية. بينما ذهبت اتجاهات أخرى أن المسؤولية الجنائية لا يمكن أن تقوم إلا في حق الفاعل الأصلي، كما تثبت المسؤولية الجنائية أيضا في حق الأشخاص المعنوية كالمقاولات وغيرها، إذ تقوم إدارة الجمارك بإبرام المصالحة في غالب الأحيان في جرائم الشخص المعنوي، أن المشرع الجمركي خالف القاعدة العامة المنصوص عليها في هذا الأخير واكتفى فقط بالتقسيم الثنائي للجرائم من جنح ومخالفات، إذ نص في الفصل 279 من مدونة الجمارك على أنه: " يوجد نوعان من الأفعال التي تكون خرقا للقوانين والأنظمة الجمركية: الجنح الجمركية والمخالفات الجمركية "، وبمجرد وقوع الجريمة الجمركية تصبح المسؤولية قائمة في حق مرتكبها
.
فالمسؤولية في القانون الجمركي تثبت للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، فكل القوانين تنص أن على رأس كل المسؤولين يوجد مرتكبي المخالفة، إلا أن هناك جدل فقهي وقضائي حول مسؤولية الشركاء والمساهمين الذين حرضوا أو ساعدوا على ارتكاب المخالفة، بل إن هذا الجدل وصل إلى مجال التقنين فبعض القوانين أعطت تعريفا ضيقا لمفهوم المشاركة خلافا لبعضها الأخر حيث التعريف واسع جدا إذ لا يشمل فقط كل الأشخاص الذين تثبت مسؤوليتهما الجنائية بل حتى أولئك الذين تقوم بحقهم المسؤولية المدنية وكذا الذين قاموا ببعض الخدمات الضرورية كالنقل والإيداع، بينما ذهبت تشريعات أخرى إلى أن المسؤولية لا يمكن أن تقوم إلا في حق الفاعل الأصلي للمخالفة وكذا المعنيين لها، إذ أنه و بإعمال مبدأ النية والعنصر المعنوي لا يمكن أن تقوم المسؤولية إلا في حق أولئك الذين ثبت تورطهم وعلمهم بالفعل الذي يشكل مخالفة، وهكذا يلزم أن يكون المسؤول قد قام بخطأ شخصي وعمدي. هذا وتثبت المسؤولية أيضا في حق الأشخاص المعنوية كالمقاولات، وإن كانت القوانين تختلف في إعمال المسؤولية بحسب ما إن كان الشخص الطبيعي الذي قام بالمخالفة يستطيع إيهام القضاء بإثارة مسؤولية المقاولة. وعموما فإذا كان القانون الجنائي يميز في تحديد الأشخاص المسؤولين عن الجريمة بين الفاعلين والمساهمين والمشاركين، فإن القانون الجمركي أدخل مفاهيم خصوصية متعلقة بنظام الجريمة الجمركية، وهكذا فعلاوة على الفاعل الرئيسي للجنحة أو المخالفة الجمركية، وضعت مدونة الجمارك افتراضات للمسؤولية بالنسبة لكل الذين شاركوا قانونيا في إدخال البضاعة إلى الجمرك، ووسعت مفهوم المشاركة عما هو عليه في القانون العام، وأقرت مبدأ تضامن الأشخاص المسؤولين بخصوص العقوبات المالية هذا إلى جانب إسناد المسؤولية عن فعل الغير، غير أن هذه الأحكام الخاصة لم تمنع من وضع قواعد تسمح في حدود معينة ووفق نظام إثبات مشدد بنفي المسؤولية.من خلال التنصيص على القواعد العامة و القواعد الخاصة للإعفاء من المسؤولية الجنائية.
وهكذا فعلاوة على الفاعل الرئيسي للجنحة أو المخالفة الجمركية، وضعت مدونة الجمارك افتراضات للمسؤولية بالنسبة لكل الذين شاركوا قانونيا في إدخال البضاعة إلى الجمرك، ووسعت مفهوم المشاركة عما هو عليه في القانون العام، وأقرت مبدأ تضامن الأشخاص المسؤولين بخصوص العقوبات المالية هذا إلى جانب إسناد المسؤولية عن فعل الغير، غير أن هذه الأحكام الخاصة لم تمنع من وضع قواعد تسمح في حدود معينة ووفق نظام إثبات مشدد بنفي المسؤولية.
أهمية الموضوع :
تكمن أهمية موضوع "الأشخاص المسؤولين في القانون الجنائي الجمركي" من خلال خصوصية المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية التي تتميز بطبيعة مرنة ذات نطاق واسع، فمسؤولية بعض الأشخاص تقومعلى عنصر الافتراض والإهمال "الفصل 223 من مدونة الجمارك" وذلك قصد الحيلولة دون تملص مرتكبي الجريمة الجمركية من العقاب، بالإضافة إلى ذلك تتميز المسؤولية أيضا بخاصية الإسناد فهذه الأخيرة لا تنحصر فقط في الشخص الذي يرتكب الفعل المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية بل تشمل حتى المسؤولية عن تبعة الأفعال التي يرتكبها الغير (الفصل 229 من مدونة الجمارك) وهو ما يخالف المسؤولية الجنائية العامة التي تقوم على مبدأ الشخصية.
كما تبرز لنا أهمية هذه الدراسة في كون المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية تعتبر بحق من المواطن التي تبرز فيها خصوصية القانون الجمركي، كما أنها من المواضيع الشائكة والصعبة الدراسة.
الصعوبات المرتبطة بالموضوع:
واجهتني في إطار إعداد هذا البحث مجموعة من الصعوبات تمثلت بالخصوص في قلة وندرة المؤلفات المتعلقة بهذا الموضوع،إذ إن أغلب الدراسات المتخصصة التي تناولت موضوع المسؤولية الجنائية الجمركية كانت عبارة عن رسائل وأطروحات ومقالات في بعض المجلات والمواقع الإلكترونية.
كما أن الدراسات التي تطرقت لهذا الموضوع إنما تحدث عن التجريم في المادة الجمركية بوجه عام فكان الرهان هنا هو الحديث عن المسؤولية الجنائية الجمركية بصفة خاصة مع المزج بين الإطار النظري و التطبيق العملي.
إشكالية البحث:
إن المسؤولية الجنائية الجمركية تتميز بخصوصية تختلف بها عن المبادئ الواردة في القانون الجنائي العام، وبما أن القانون الجمركي هو قانون تقني واقتصادي يهدف إلى ضمان حق الدولة في استخلاص حقوقها الجمركية من رسوم ومكوس، فإن إشكالية البحث في هذا الموضوع هي: ما هي الخصوصية
التي تتميز بها المسؤولية الجنائية في القانون الجمركي؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية كالتالي: ما هو نطاق المسؤولية الجنائية لا من حيث الأفعال ولا من حيث الأشخاص؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية؟ وما هي موانعها؟ والعقوبات التي حددها المشرع الجمركي في حالة ثبوت المسؤولية؟ و أسباب انتفاء المسؤولية ؟
خطة و منهج البحث:
لقد اعتمدت لإنجاز هذا البحث على المنهج التحليلي الوصفي إلى جانب الاعتماد على المنهج المقارن كلما سمحت الفرصة بذلك، لما يوفره من أدوات مهمة تساعد على التحليل.
وتقتضي من الإجابة على الإشكالية التي يطرحها موضوع الأشخاص المسؤولين في القانون الجنائي الجمركي تقسيم الموضوع إلى فصلين رئيسيين:
الفصل الأول : خصوصية المسؤولية الجنائية في الجريمة الجمركية.
الفصل الثاني : خصوصية السياسة العقابية في القانون الجنائي الجمركي.
تحت إشراف الأستاد عبد الله أشركي أفقير
وتشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
الدكتور عبد الله أشركي أفقير أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة مشرفا ورئيسا ؛
الدكتورة وداد العيدوني أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة عضوا؛
الدكتور هشام بوحوص أستاذ بكلية الحقوق بطنجة عضوا ؛
الدكتور مصطفى حسيني أستاذ بكلية الحقوق بأكادير عضوا .
وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية قبول الرسالة ومنح الطالب نقطة 17/20 بميزة حسن جدا.
ملخص حول موضوع الرسالة
يلعب التشريع الجمركي دورا أساسيا في حماية استقرار الحياة الاقتصادية والمالية للدولة والحفاظ على التوازن التجاري ومسايرة النظام الاقتصادي العالمي في اتجاه تحرير المبادلات التجارية الدولية، وتشكل الرسوم والمكوس الجمركية المورد الأول لخزينة الدولة والمساهمة في الرفع من مردوديتها، وهنا يبرز الدور الفعال لإدارة الجمارك في التشجيع للصادرات و الواردات و تحصيل الرسوم و المكوس الجمركية.
وكما هو معلوم فالمجال الجمركي ذو ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني، وذلك لأن المجال الاقتصادي يشكل مجالا تنشط فيه إدارة الجمارك ، فهذه الأخيرة تعتبر العامل على تنشيط العمليات الاقتصادية، علاوة على دورها التقليدي المتمثل في استخلاص الضرائب الناتجة عن تداول السلع عبر الحدود، سواء بالاستيراد أو التصدير، حيث عمل المغرب لسنوات طويلة بنظام الحماية الجمركية و تشجيع التصدير لحماية مصالحه حيث عمل المغرب لسنوات طويلة بنظام الحماية الجمركية وتشجيع التصدير لحماية مصالحه الإقتصادية، ونظرا إلى خطورة الجريمة الاقتصادية فإن جل التشريعات على اختلاف أنظمتها دأبت إلى تشديد العقوبة في الجرائم الاقتصادية ، وتعتبر الجرائم الجمركية فرعا من فروع الجرائم الاقتصادية، وذلك للطبيعة التقنية التي تتميز بها، وكذلك إلى كونها جرائم تمس الاقتصاد الوطني، بصفة مباشرة عن طريق التهرب من الرسوم الجمركية.
ومن ثم تدخل المشرع بخلق قانون خاص لمحاربة هذا النوع من الجرائم بإصدار مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، الصادرة في 09 أكتوبر 1977 التي وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 1-00-222 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 الموافق ل 5 يونيو 2000. ويعتبر هذا القانون الإطار المرجعي لإدارة الجمارك عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها، التي تتميز بطابع مزدوج جبائي وجنائي، حيث عمل المشرع قدر الإمكان على إدخال تعديلات جوهرية لملائمتها مع للقواعد العامة للقانون وقانون المسطرة الجنائية، من حيث ضمانات المتهم في الجريمة الجمركية، ومبدأ المساواة أمام القانون الجنائي الجمركي، وبإلغاء بعض النصوص القديمة و تعويضها بنصوص جديدة تتماشى مع الظرفية الراهنة، حماية للمصحة العامة الاقتصادية. وقد عمل المشرع الجنائي الجمركي إلى سن مقتضيات زجرية تتناسب، وطبيعة الجرائم الواردة على الميدان الجمركي وإن كانت تتعارض في صميمها مع مجموعة من المبادئ القانونية العامة، وتشكل استثناء عليها.
وإذا كان القانون الجمركي يوصف تقليديا بأنه تشريع ذو طبيعة تقنية، فإن هذه الخاصية لا تخفي أنه يتوخى تحقيق أهداف مالية واقتصادية تتعلق بتحفيز الاستثمار وإنعاش التصدير من خلال الأنظمة الاقتصادية الجمركية، وحماية حق الدولة في استخلاص الرسوم هذه الأهداف، دفعت المشرع الجمركي إلى وضع قواعد خاصة بالجريمة الجمركية، تختلف عن الجرائم الواردة في القانون الجنائي العام.
وخصوصية الجريمة الجمركية تبرز من الناحية الموضوعية والإجرائية لقيامها، فمن حيث الخصوصية الموضوعية التي تميز الجريمة الجمركية، نجدها تتجلى في قيام المسؤولية الجنائية باعتبارها أهم خصوصية موضوعية للجريمة الجمركية، أما من حيث الخصوصية الإجرائية فنجد الإثبات الخاص بالجريمة الجمركية، والذي يتميز بعدة خصوصيات عن الإثبات الوارد على جرائم القانون الجنائي.
وبالرجوع إلى تطور المسؤولية الجنائية باعتبارها خصوصية موضوعية للجريمة الجمركية، نجد أن الإنسانية لم تعرف المسؤولية الجنائية بالمفهوم الذي هي عليه دفعة واحدة، وإنما كان ذلك عبر مراحل تطورية، وتطور المسؤولية يعتمد على الأساس الذي تنهض عليه، والذي يرتبط بالأساس الفلسفي والفكري للعقاب، لأن العقوبة في إقرارها وفرضها تعد مقياسا لتقدم حضارة الأمم.
ويعتبر مفهوم المسؤولية المفهوم الأساس من أجل ترتيب رد الفعل الاجتماعي تجاه الأفعال المخالفة للقانون الجنائي، ولهذا المفهوم بعدا فلسفيا طرح منذ القدم،حيث أن المسؤولية الجنائية في المجتمعات الحديثة تقوم على قاعدة الشخصية و الذاتية، يرتبط بالإرادة الحرة والتمييز، أي قابلية الشخص لأن يكون محل عقاب نظرا لتوفره على إرادة حرة، وقدرة على التمييز، وله بعد آخر، يمكن أن نعتبره تقنيا، يرتبط بدور الفاعل، بالعنصر المعنوي عنده، أي يسأل عن صدور أو عدم صدور خطأ منه.
وبالرجوع إلى المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية، نجد أنها لا تعطي أهمية أكبر للركن المعنوي، بل تكتفي في بعض الأحيان بعدم توافر الركن المادي لقيام الجريمة الجمركية، ما يجعل هذا النوع من الجرائم يقوم على أساس الخطأ المفترض، ولا تلزم النيابة العامة أو إدارة الجمارك، إلا بإثبات الركن القانوني والمادي للجريمة الجمركية، بغض النظر عن توافر الركن المعنوي. بالإضافة إلى ذلك فخصوصية الجريمة الجمركية، سواء الموضوعية أو الإجرائية، من حيث المسؤولية والإثبات، تمثل خروجا عن المبادئ العامة المقررة في القانون الجنائي، فنجد أن المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية، توسع من نطاق المشمولين بأحكام المسؤولية، عن طريق إدخال مفاهيم جديدة للمسؤولية والتي تتجلى من خلال المستفيدين من الغش والمسؤولية الجنائية المفترضة، بالإضافة إلى ذلك نجد فيها إسناد الجريمة لغير مرتكبيها.و تتميز بطابع مزدوج بحيث يصعب التمييز بين ما هو جنائي وما هو مدني، حيت تمزج مدونة الجمارك في جزاءاتها بين الطابع التعويضي والزجري، حيث أن المسؤولية الجنائية في القانون الجمركي تتميز بكون مرتكبي المخالفات الجمركية هم بصفة عامة محددون ومن هنا يتضح أن نظام المسؤولية الجنائية الجمركية يقوم على مفهوم الفاعل الظاهر لأعمال الغش. بالرجوع للفصل 222 من مدونة الجمارك فقد عمل على تحديد الأشخاص المسؤولون جنائيا وعددهم على سبيل التحديد، كما نص المشرع الجمركي على المسؤولية الجنائية للمشاركين بالرجوع للفصل 221 " إن الشركاء والمتواطئين في ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للجنحة أو للمخالفة الجمركية.." وهنا المشرع الجمركي أعطى تعريفا واسعا للمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية. بينما ذهبت اتجاهات أخرى أن المسؤولية الجنائية لا يمكن أن تقوم إلا في حق الفاعل الأصلي، كما تثبت المسؤولية الجنائية أيضا في حق الأشخاص المعنوية كالمقاولات وغيرها، إذ تقوم إدارة الجمارك بإبرام المصالحة في غالب الأحيان في جرائم الشخص المعنوي، أن المشرع الجمركي خالف القاعدة العامة المنصوص عليها في هذا الأخير واكتفى فقط بالتقسيم الثنائي للجرائم من جنح ومخالفات، إذ نص في الفصل 279 من مدونة الجمارك على أنه: " يوجد نوعان من الأفعال التي تكون خرقا للقوانين والأنظمة الجمركية: الجنح الجمركية والمخالفات الجمركية "، وبمجرد وقوع الجريمة الجمركية تصبح المسؤولية قائمة في حق مرتكبها
.
فالمسؤولية في القانون الجمركي تثبت للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، فكل القوانين تنص أن على رأس كل المسؤولين يوجد مرتكبي المخالفة، إلا أن هناك جدل فقهي وقضائي حول مسؤولية الشركاء والمساهمين الذين حرضوا أو ساعدوا على ارتكاب المخالفة، بل إن هذا الجدل وصل إلى مجال التقنين فبعض القوانين أعطت تعريفا ضيقا لمفهوم المشاركة خلافا لبعضها الأخر حيث التعريف واسع جدا إذ لا يشمل فقط كل الأشخاص الذين تثبت مسؤوليتهما الجنائية بل حتى أولئك الذين تقوم بحقهم المسؤولية المدنية وكذا الذين قاموا ببعض الخدمات الضرورية كالنقل والإيداع، بينما ذهبت تشريعات أخرى إلى أن المسؤولية لا يمكن أن تقوم إلا في حق الفاعل الأصلي للمخالفة وكذا المعنيين لها، إذ أنه و بإعمال مبدأ النية والعنصر المعنوي لا يمكن أن تقوم المسؤولية إلا في حق أولئك الذين ثبت تورطهم وعلمهم بالفعل الذي يشكل مخالفة، وهكذا يلزم أن يكون المسؤول قد قام بخطأ شخصي وعمدي. هذا وتثبت المسؤولية أيضا في حق الأشخاص المعنوية كالمقاولات، وإن كانت القوانين تختلف في إعمال المسؤولية بحسب ما إن كان الشخص الطبيعي الذي قام بالمخالفة يستطيع إيهام القضاء بإثارة مسؤولية المقاولة. وعموما فإذا كان القانون الجنائي يميز في تحديد الأشخاص المسؤولين عن الجريمة بين الفاعلين والمساهمين والمشاركين، فإن القانون الجمركي أدخل مفاهيم خصوصية متعلقة بنظام الجريمة الجمركية، وهكذا فعلاوة على الفاعل الرئيسي للجنحة أو المخالفة الجمركية، وضعت مدونة الجمارك افتراضات للمسؤولية بالنسبة لكل الذين شاركوا قانونيا في إدخال البضاعة إلى الجمرك، ووسعت مفهوم المشاركة عما هو عليه في القانون العام، وأقرت مبدأ تضامن الأشخاص المسؤولين بخصوص العقوبات المالية هذا إلى جانب إسناد المسؤولية عن فعل الغير، غير أن هذه الأحكام الخاصة لم تمنع من وضع قواعد تسمح في حدود معينة ووفق نظام إثبات مشدد بنفي المسؤولية.من خلال التنصيص على القواعد العامة و القواعد الخاصة للإعفاء من المسؤولية الجنائية.
وهكذا فعلاوة على الفاعل الرئيسي للجنحة أو المخالفة الجمركية، وضعت مدونة الجمارك افتراضات للمسؤولية بالنسبة لكل الذين شاركوا قانونيا في إدخال البضاعة إلى الجمرك، ووسعت مفهوم المشاركة عما هو عليه في القانون العام، وأقرت مبدأ تضامن الأشخاص المسؤولين بخصوص العقوبات المالية هذا إلى جانب إسناد المسؤولية عن فعل الغير، غير أن هذه الأحكام الخاصة لم تمنع من وضع قواعد تسمح في حدود معينة ووفق نظام إثبات مشدد بنفي المسؤولية.
أهمية الموضوع :
تكمن أهمية موضوع "الأشخاص المسؤولين في القانون الجنائي الجمركي" من خلال خصوصية المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية التي تتميز بطبيعة مرنة ذات نطاق واسع، فمسؤولية بعض الأشخاص تقومعلى عنصر الافتراض والإهمال "الفصل 223 من مدونة الجمارك" وذلك قصد الحيلولة دون تملص مرتكبي الجريمة الجمركية من العقاب، بالإضافة إلى ذلك تتميز المسؤولية أيضا بخاصية الإسناد فهذه الأخيرة لا تنحصر فقط في الشخص الذي يرتكب الفعل المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية بل تشمل حتى المسؤولية عن تبعة الأفعال التي يرتكبها الغير (الفصل 229 من مدونة الجمارك) وهو ما يخالف المسؤولية الجنائية العامة التي تقوم على مبدأ الشخصية.
كما تبرز لنا أهمية هذه الدراسة في كون المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية تعتبر بحق من المواطن التي تبرز فيها خصوصية القانون الجمركي، كما أنها من المواضيع الشائكة والصعبة الدراسة.
الصعوبات المرتبطة بالموضوع:
واجهتني في إطار إعداد هذا البحث مجموعة من الصعوبات تمثلت بالخصوص في قلة وندرة المؤلفات المتعلقة بهذا الموضوع،إذ إن أغلب الدراسات المتخصصة التي تناولت موضوع المسؤولية الجنائية الجمركية كانت عبارة عن رسائل وأطروحات ومقالات في بعض المجلات والمواقع الإلكترونية.
كما أن الدراسات التي تطرقت لهذا الموضوع إنما تحدث عن التجريم في المادة الجمركية بوجه عام فكان الرهان هنا هو الحديث عن المسؤولية الجنائية الجمركية بصفة خاصة مع المزج بين الإطار النظري و التطبيق العملي.
إشكالية البحث:
إن المسؤولية الجنائية الجمركية تتميز بخصوصية تختلف بها عن المبادئ الواردة في القانون الجنائي العام، وبما أن القانون الجمركي هو قانون تقني واقتصادي يهدف إلى ضمان حق الدولة في استخلاص حقوقها الجمركية من رسوم ومكوس، فإن إشكالية البحث في هذا الموضوع هي: ما هي الخصوصية
التي تتميز بها المسؤولية الجنائية في القانون الجمركي؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية كالتالي: ما هو نطاق المسؤولية الجنائية لا من حيث الأفعال ولا من حيث الأشخاص؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية؟ وما هي موانعها؟ والعقوبات التي حددها المشرع الجمركي في حالة ثبوت المسؤولية؟ و أسباب انتفاء المسؤولية ؟
خطة و منهج البحث:
لقد اعتمدت لإنجاز هذا البحث على المنهج التحليلي الوصفي إلى جانب الاعتماد على المنهج المقارن كلما سمحت الفرصة بذلك، لما يوفره من أدوات مهمة تساعد على التحليل.
وتقتضي من الإجابة على الإشكالية التي يطرحها موضوع الأشخاص المسؤولين في القانون الجنائي الجمركي تقسيم الموضوع إلى فصلين رئيسيين:
الفصل الأول : خصوصية المسؤولية الجنائية في الجريمة الجمركية.
الفصل الثاني : خصوصية السياسة العقابية في القانون الجنائي الجمركي.