كلمة الباحث.
بسم الله الرحمان الرحيم:
السيد رئيس اللجنة
السادة أعضاء لجنة المناقشة
أيها الحضور الكريم
يسعدني ويشرفني أن اجلس اليوم أمام هذه اللجنة العلمية لمناقشة وتقييم بحثي المتواضع المنطوي تحت عنون " مستجدات إجراءات التحديد المؤقت للعقار المطلوب تحفيظه على ضوء ق رقم 14/07" الذي أعددته لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية تخصص القانون المدني، وقبل التطرق إلى أهم النقاط التي عالجتها فيه كان لزاما علينا أن نتقدم
بالشكر الجزيل والعرفان الصادق:
للأستاذ الدكتور " سعيد الدغيمر" على قبوله الإشراف على هذا البحث المتواضع رغم انشغالاته المتعددة،وعلى كل ما أسداه لي من ملاحظات قيمة وتوجيهاته ونصائحه طوال فترة إنجازه.
كما نتوجه بخالص الشكر والتقدير لأعضاء لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور حمزة عبد المهيمن والاستاذ عبد الإله لمرابط على قبولهم قراءة ومناقشة هذا البحث
فبارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء.
وارتباطا بموضوع بحثي، فانه بالنظر للأهمية البارزة التي يحتلها العقار في كل المجالات سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو السياسية أو القانونية، فإن المغرب في الماضي والحاضر لا يزال يسعى إلى تطوير نظامه العقاري من أجل تحقيق الاستقرار والأمن العقاري. ولهذا فقد اهتم المشرع المغربي بتأطيره بمجموعة من النصوص القانونية ومن بينها ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي عدل وتمم بقانون رقم 14/07 الصادر بتاريخ 24/11/2011 بالجريدة الرسمية عدد 98/59 وهو القانون الذي كان محور بحثي في شقه المتعلق بعملية التحديد المؤقت للوقوف على اهم المستجدات التي جاء بها القانون السالف الذكر.
فعملية التحديد" تلعب دورا مهما في مسطرة التحفيظ للعقار المطلوب تحفيظه، إذ تهدف إلى توضيح معالم العقار موضوع التحديد من الناحية الهندسية بالخريطة العامة للمنطقة، فهي بذلك تكون صلة وصل بين المحافظ على الأملاك العقارية و بين العقار موضوع التحفيظ، إذ يؤدي المكلف بالتحديد مهمة ترجمة الواقع الميداني ونقله بشكل دقيق سواء خلال مرحلة التحديد التي ينجز خلالها محضر التحديد والتصميم المؤقت للتحديد أو خلال مرحلة المسح العقاري المكملة للعملية السابقة.
ويكفي هذا الموضوع أهمية، أنه حظي بعناية خاصة من طرف المشرع المغربي، حيث خصه بمجموعة من فصول ظهير التحفيظ العقاري من الفصل17 إلى 23، كما أنه يؤثر سلبا أو إيجابا على حقوق الأفراد التي يظل ضمانها رهينا بنجاح عملية التحديد،
كما له أهمية فنية واشهارية تبرز من خلال الدور الذي تقوم به في إعلاء رسم معالم العقار بشكل دقيق، سواء من حيث الموقع أو المساحة أو الحدود أو المشتملات، بالإضافة إلى وعاء القطعة أو القطع المتعرض عليها بداخله، كما أنها عملية لإشهار مطلب التحفيظ بالميدان، أي بعين المكان مع تقديم شروحات وإيضاحات حول التحفيظ ومزاياه القانونية والاقتصادية، وكذا تمكين جميع الحاضرين للعملية من المعلومات المتوفرة لديه حول العقار موضوع التحديد وذلك صونا لحقوق الغير.
وإن البحث في هذا الموضوع يثير التساؤل حول مدى توفق المشرع المغربي في معالجة عمليات التحديد ؟ ومدى مساهمته في حل الإشكالات التي كانت تطرحها هذه العمليات في السابق؟
لانطلق من فرضية مفادها أن القانون رقم 14/07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري، وإن عدل في العديد من مقتضياته بما يضمن توحيد وتدقيق المصطلحات المتعلقة بعملية التحديد، وجعله يتلاءم مع البقية من القوانين كقانون رقم 30/93 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وبإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحيين الطبوغرافيين وما جرى به العمل في الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، فإنه لم يمس مبادئ عملية التحديد التي تقوم عليها مسطرة التحفيظ.
للإجابة على هذا التساؤل، فقد ارتأيت مقاربته في محورين، بحيث خصصت
المحور الأول: لمستجدات إجراءات تسيير عملية التحديد المؤقت في ضوء قانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري،
المحور الثاني: لمستجدات آثار عملية التحديد المؤقت في ضوء القانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري.
فالمحور الأول تناولت فيه المستجدات المتعلقة إجراءات تسيير عملية التحديد المؤقت على مستوى الإشهار بالإضافة إلى المستجدات المتعلقة بالجهة المكلفة بانجاز عملية التحديد
فإجراءات تسيير عملية التحديد تجد أساسها في الفصول 17 و 18 و19 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى قانون 14/07، بحيث نجد المشرع المغربي أقر عمليات إشهار واسعة لعملية التحديد التي أوكلها إلى المحافظ على الأملاك العقارية، وذلك من خلال ما يلي:
أولا: نشر ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية:
ثانيا:تعليق ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن انتهاء التحديد لدى الجهات القضائية والإدارية:
عرف الفصل 18 أن المشرع المغربي تعديلات مهمة والتي حاول خلالها الفصل المذكور تجاوز الإشكالات التي كان يثيرها قبل تعديله ، وذلك من خلال:
الاستغناء عن شهادة التعليق وتعويضها بالإشعار بالتوصل الذي يعتبر بمثابة شهادة التعليق، يتم توقيعه من طرف الجهات المذكورة بمجرد تسلمها لملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن التحديد، حتى تكون حجة على توصلهم بهذه الوثائق،
.وهو توجه يستحق التنويه، لأن من شأنه أن يؤدي إلى الإسراع بالإجراءات المسطرية وضمان حقوق الأفراد.
تحديد اجل تبليغ الوثائق إلى الجهات الإدارية :أضاف المشرع مقتضى جديد لم يكن منصوص عليه في ظهير12 غشت 1913 قبل تعديله، ويتجلى ذلك في إلزام المحافظ على الأملاك العقارية بأن يبلغ ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن التحديد إلى الجهات المعنية بعشرين يوما قبل التاريخ المعين للتحديد، ولعل هذا التعديل راجع إلى رغبة المشرع في التسريع من إجراءات التحفيظ وتوفير الوقت الكافي حتى يطلع عليه العموم كل ذلك من شأنه يوفر ضمانة أساسية للمعنيين بالأمر.
تكليف رئيس المجلس الجماعي بتعليق الإعلانات: دائما، وفي إطار توسيع دائرة الإشهار الذي يعتبر العمود الفقري لنظام التحفيظ العقاري، عمد المشرع في الفصل 18 المذكور أعلاه إلى تكليف رئيس المجلس الجماعي بتعليق الإعلانات عن الإجراءات المسطرية من خلاصة المطالب وخلاصة الإصلاحية والإعلانات عن انتهاء التحديد وغيرها من الإجراءات التي تتطلب عملية الإشهار
وجاء هذا المقتضى لتوفير الحماية الكافية لحقوق المواطنين من الضياع، نظرا لوجود المجالس الجماعية بالمناطق النائية.
الاستغناء عن قاضي التوثيق : أمام توحيد المحاكم، وعلى غرار ظهير التحفيظ العقاري عدل قانون 14/07 إمكانية توجيه ملخص مطالب التحفيظ والإعلانات عن انتهاء التحديد إلى قاضي التوثيق، بذلك لم تعد لهذه الجهة أي أهمية عملية، إذ أصبح التعليق لدى المحاكم الابتدائية كافيا لتحقيق الغاية المرجوة منه،
اتساع دائرة وسائل الاستدعاءات: ان إضافة المشرع عون من المحافظة العقارية إلى جانب الوسائل الأخرى للاستدعاء يعد تكريسا لما هو منصوص عليه في الفصل الثاني من القرار الوزيري ل 3 يونيو 1915، وهدفا لتلافي مخاطر تأخر الاستدعاءات، وعدم وصولها في الوقت المناسب لأصحابها التي كانت تقع في ظل الظهير قبل تعديله، وتساعد المحافظ على الأملاك العقارية في تسيير دقة مسطرة التحفيظ،
أما المستجدات المتعلقة بالجهة المكلفة بانجاز عملية التحديد نلاحظ أن المشرع المغربي أسندها لأشخاص تقنيين، حيث نجد مقتضيات الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بموجب قانون 14/07، والفصل الأول من القانون 12/57 والمادة الفريدة من المرسوم التطبيقي تراجعت عن ما كان مقرر في الفصل 19 من الظهير قبل تعديله، من حيث أن عملية التحديد يباشرها المحافظ على الأملاك العقارية أو نائب عنه وبمشاركة مهندس محلف
وأعطى القانون المذكور في مادته الفريدة التي جاءت متممة لمقتضيات الفصول 19 و 20 و 21 و 25 و 34 و 43 و 54 من ظهير التحفيظ العقاري، للمحافظ على الأملاك العقارية الحق في أن ينتدب لانجاز عمليات التحديد المشار إليها في الفصول المذكورة أحد هؤلاء:
فالمهام القانونية تتجلى في:التحقق من صفة الحاضرين ومن شروط الحيازة والتأكد من الحقوق العينية والتحملات العقارية...
أما المهام الفنية تتمثل في تحرير محضر التحديد وتضمينه البيانات المنصوص عليها في الفصل 20 من الظهير
تساؤل حول مدى حجية هذا المحضر ؟
أثارت هذه النقطة نقاشات على مستوى الفقه حيث انبثق عنها اتجاهين:
الاتجاه الأول:لا يعتبر محضر التحديد وثيقة رسمية وقيمته لا تعدوا أن تكون شهادة فقط، بحيث يمكن للمحافظ العقاري أن يأنس إليها عند اتخاذ قرار مصير العقار المراد تحفيظه.
الاتجاه الثاني: يعتبر محضر التحديد وثيقة رسمية، وبالتالي له الحجية المطلقة بين الأطراف وفي مواجهة الغير، ولا يمكن الطعن فيه إلا بالزور.
ويبدوا، أن الاتجاه الثاني صادف الصواب فيما ذهب إليه من كون محضر التحديد يعتبر محضرا رسميا وله القوة الثبوتية، وذلك لعدة اعتبارات :
المحور الثاني: مستجدات أثار عملية التحديد المؤقت في ضوء القانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري.
يمكن إبراز مستجدات هذا المحور في نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: توسيع من نطاق حالات إلغاء مطلب التحفيظ.
كما هو معلوم أن المهندس المساح الطبوغرافي بمجرد انتهائه من انجاز عملية التحديد المؤقت، يرسل جميع المستندات والوثائق بما فيها محضر التحديد والتصميم الهندسي للمحافظ العقاري، لكي يتخذ القرار المناسب في شأنها، الذي قد يكون إما سلبيا في حالة تعذر انجاز عملية التحديد، وإما ايجابيا في حالة انجازه،
حسب الفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بموجب قانون 14/07 منح المشرع للمحافظ على الأملاك العقارية إمكانية إلغاء مطلب التحفيظ بناءا على حالات ثلاث:
أولا:حالة تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه في المكان أو الوقت المعينين لانجاز عملية التحديد
ثانيا:إذا لم يقم طالب التحفيظ أو نائبه بما يلزم لإجراء عملية التحديد
تعتبر هذه الحالة التي نص عليها المشرع تكريس لما كان معمول به عمليا، بحيث كان يتم إلغاء مطلب التحفيظ رغم حضور طالب التحفيظ أو نائبه، وذلك في حالة عدم معرفة حدود العقار أو امتناع طالب التحفيظ من ذلك أو عدم إحضار الأنصبة اللازمة للتحديد العقار أو لا يعرف المجاورون العقار بعد أن صرح بأسماء غير صحيحة في طلب التحفيظ.
ثالثا : إذا تعذر على المحافظ على الأملاك العقارية أو نائبه انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك
تعتبر هذه الحالة حالة جديدة أضافها المشرع إلى الحالات الأخرى المذكورة هدفه منها هو القضاء على كثرة الملفات العالقة في رفوف المحافظات العقارية نتيجة التراكم التي تعرفها هذه الأخيرة.
وما يأخذ على هذه الحالة :
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي ألزم هذه المسطرة بالحالة الأولى والثانية بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 23 من ظ.ت.ع، و لم يلزمه بتطبيقها بخصوص الحالة الثالثة المنصوص عليها بشكل مستقل في الفقرة الثانية من نفس الفصل.
والسؤال المطروح هل المشرع فعلا قصد استثناء حالة إلغاء مطلب التحفيظ لعدم انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين سبب نزاع حول الملك ؟أم أن الاستثناء كان نتيجة عيب في صياغة الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 23 من ظ.ت.ع.؟
إن الفهم الحرفي للفقرة الثانية من الفصل 23 من ظ.ت.ع ، والغاية المتوخاة من مسطرة الإنذار يدلان صراحة على أن استثناء حالة إلغاء مطلب التحفيظ لعدم انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين سبب نزاع حول الملك كان مقصودا من طرف المشرع، لان توجيه إنذار لطالب التحفيظ في هذه الحالة لا يسعفنا في رفع المانع الذي حال دون انجاز عملية التحديد مادام طالب التحفيظ لا دخل له في هذا المانع.
هذا فان قرار المحافظ على الأملاك العقارية بإلغاء مطلب التحفيظ في الحالات التي تم بيانها سالفا يجب أن يكون معللا، أي مفصحا عن الأسباب القانونية والواقعية إلى اتخاذه ومؤرخا وموقعا، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها إلى أن قرار إلغاء مطلب التحفيظ باعتباره قرارا إداريا يجب أن يحمل توقيع المحافظ العقاري وإلا اعتبر قرارا باطلا وغير منتج لأي اثأر قانونية
هذا كل ما يتعلق بالقرار السلبي للمحافظ العقاري أما فيما يخص القرار الايجابي يكون في حالة اذا ما تأكد المحافظ من سلامة إجراءات عملية التحديد المؤقت
في هذه الحالة تصل عملية التحديد إلى مراحلها الأخيرة، بحيث يعلن المحافظ عن انتهاء هذه العملية، وانجاز التصميم النهائي الذي تقوم به مصلحة المسح العقاري وإنشاء الرسم العقاري
النقطة الثانية:إقرار مسؤولية المهندس الطبوغرافي
من خلال القراءة المتأنية للفصول 19 و 20و 21 نستنتج أنه تم :
إعفاء المحافظ من مسؤولية التحديد
تحميل المهندس الطبوغرافي المسؤولية الكاملة عن انجاز عملية التحديد ، وجاء ذلك انسجاما مع المادة الأولى من القانون رقم 93 -30 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وبإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين الصادر في 25/02/1994 التي تنص على "أنه تناط بالمهندس المساح الطبوغرافي مهمة القيام باسمه وتحت مسؤوليته بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق ... والأعمال الطبوغرافية المتعلقة بعمليات رسم التصاميم وتحديد مواقع المنشآت ".
حصر مسؤولية المهندس المساح الطبوغرافي في كل ما هو تقني، كاستفسار طالب التحفيظ والمجاورين و المتعرضين ...عن كل ما يتعلق بالملك المعني ومعاينة واقع الحيازة ومدتها وحالة العقار ووضع الأنصاب وتحرير محضر التحديد والتصميم المؤقت ...
وإذا كان المشرع قد أقر صراحة مسؤولية المهندس المساح الطبوغرافي عن عمليات التحديد، فإنه قد خوَّل له في الوقت نفسه إمكانية تكليف أحد العاملين المؤهلين التابعين له لإنجاز عمليات التحديد. ذلك أن المادة الأولى من المرسوم التطبيقي لمقتضيات قانون 12ــ 57 أوجبت تأهيل التقنيين الطبوغرافيين المرسمين، المحلفين التابعين لمصلحة المسح العقاري، لإنجاز عمليات التحديد التي يكلفون بها من طرف المهندسين المساحين الطبوغرافيين المحلفين، المنتمين إلى مصلحة المسح العقاري والمنتدبين من لدن المحافظ على الأملاك العقارية.
يبدو إذن أن المهندس المساح الطبوغرافي هو الذي يتحمل المسؤولية بمناسبة قيامه بعمليات التحديد بنفسه، بَيْدَ أن الإشكال يثور في الحالات التي يعهد فيها إلى التقنيين الطبوغرافيين القيام بعمليات التحديد، فهل يتحمل المهندس المساح الطبوغرافي مسؤولية الأخطاء الصادرة عن هؤلاء التقنيين بمناسبة قيامهم بعمليات التحديد استناداً إلى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 19 التي جعلت إنجاز عملية التحديد تحت مسؤوليته؟ أم أن التقنيين يتحملون مسؤولية شخصية بحكم واجباتهم المهنية التي تفرض عليهم أداء هذه المهام انضباطاً للقوانين المؤطرة لعملهم؟ أم أن الأمر يتجاوز هذين الاحتمالين لتكون المسؤولية مشتركة بين المهندس وبين التقنيين المكلفين من طرفه؟
وفي نظرنا فإن القراءة المتأنية لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 19 في علاقتها بالفقرة الأولى من ظهير 12ــ57 ومقتضيات المادة الأولى من المرسوم التطبيقي لهذا القانون تسمح بتحميل المهندس المساح الطبوغرافي كامل المسؤولية عن عمليات التحديد سواء باشرها بنفسه أو بتكليف التقنيين المؤهلين، وذلك بالنظر إلى عدم إشارة المشرع ولو ضمنياً إلى تحميل هؤلاء التقنيين المسؤولية رغم أن القانون 12ــ57 جاء متمماً لمقتضيات الفصل 19 المذكور آنفاً.
وفي الاخير نخلص الى ان مقتضيات قانون 14/07 المعدل لظهير 12/08/1913، والذي عدل بدوره بموجب قانون 12/57 أن المشرع العقاري حاول تجاوز إشكالات والتعقيدات التي كانت تطرحها عملية التحديد المؤقت للعقار المطلوب تحفيظه، وذلك من خلال:
والسلام عليكم
السيد رئيس اللجنة
السادة أعضاء لجنة المناقشة
أيها الحضور الكريم
يسعدني ويشرفني أن اجلس اليوم أمام هذه اللجنة العلمية لمناقشة وتقييم بحثي المتواضع المنطوي تحت عنون " مستجدات إجراءات التحديد المؤقت للعقار المطلوب تحفيظه على ضوء ق رقم 14/07" الذي أعددته لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية تخصص القانون المدني، وقبل التطرق إلى أهم النقاط التي عالجتها فيه كان لزاما علينا أن نتقدم
بالشكر الجزيل والعرفان الصادق:
للأستاذ الدكتور " سعيد الدغيمر" على قبوله الإشراف على هذا البحث المتواضع رغم انشغالاته المتعددة،وعلى كل ما أسداه لي من ملاحظات قيمة وتوجيهاته ونصائحه طوال فترة إنجازه.
كما نتوجه بخالص الشكر والتقدير لأعضاء لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور حمزة عبد المهيمن والاستاذ عبد الإله لمرابط على قبولهم قراءة ومناقشة هذا البحث
فبارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء.
وارتباطا بموضوع بحثي، فانه بالنظر للأهمية البارزة التي يحتلها العقار في كل المجالات سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو السياسية أو القانونية، فإن المغرب في الماضي والحاضر لا يزال يسعى إلى تطوير نظامه العقاري من أجل تحقيق الاستقرار والأمن العقاري. ولهذا فقد اهتم المشرع المغربي بتأطيره بمجموعة من النصوص القانونية ومن بينها ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي عدل وتمم بقانون رقم 14/07 الصادر بتاريخ 24/11/2011 بالجريدة الرسمية عدد 98/59 وهو القانون الذي كان محور بحثي في شقه المتعلق بعملية التحديد المؤقت للوقوف على اهم المستجدات التي جاء بها القانون السالف الذكر.
فعملية التحديد" تلعب دورا مهما في مسطرة التحفيظ للعقار المطلوب تحفيظه، إذ تهدف إلى توضيح معالم العقار موضوع التحديد من الناحية الهندسية بالخريطة العامة للمنطقة، فهي بذلك تكون صلة وصل بين المحافظ على الأملاك العقارية و بين العقار موضوع التحفيظ، إذ يؤدي المكلف بالتحديد مهمة ترجمة الواقع الميداني ونقله بشكل دقيق سواء خلال مرحلة التحديد التي ينجز خلالها محضر التحديد والتصميم المؤقت للتحديد أو خلال مرحلة المسح العقاري المكملة للعملية السابقة.
ويكفي هذا الموضوع أهمية، أنه حظي بعناية خاصة من طرف المشرع المغربي، حيث خصه بمجموعة من فصول ظهير التحفيظ العقاري من الفصل17 إلى 23، كما أنه يؤثر سلبا أو إيجابا على حقوق الأفراد التي يظل ضمانها رهينا بنجاح عملية التحديد،
كما له أهمية فنية واشهارية تبرز من خلال الدور الذي تقوم به في إعلاء رسم معالم العقار بشكل دقيق، سواء من حيث الموقع أو المساحة أو الحدود أو المشتملات، بالإضافة إلى وعاء القطعة أو القطع المتعرض عليها بداخله، كما أنها عملية لإشهار مطلب التحفيظ بالميدان، أي بعين المكان مع تقديم شروحات وإيضاحات حول التحفيظ ومزاياه القانونية والاقتصادية، وكذا تمكين جميع الحاضرين للعملية من المعلومات المتوفرة لديه حول العقار موضوع التحديد وذلك صونا لحقوق الغير.
وإن البحث في هذا الموضوع يثير التساؤل حول مدى توفق المشرع المغربي في معالجة عمليات التحديد ؟ ومدى مساهمته في حل الإشكالات التي كانت تطرحها هذه العمليات في السابق؟
لانطلق من فرضية مفادها أن القانون رقم 14/07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري، وإن عدل في العديد من مقتضياته بما يضمن توحيد وتدقيق المصطلحات المتعلقة بعملية التحديد، وجعله يتلاءم مع البقية من القوانين كقانون رقم 30/93 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وبإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحيين الطبوغرافيين وما جرى به العمل في الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، فإنه لم يمس مبادئ عملية التحديد التي تقوم عليها مسطرة التحفيظ.
للإجابة على هذا التساؤل، فقد ارتأيت مقاربته في محورين، بحيث خصصت
المحور الأول: لمستجدات إجراءات تسيير عملية التحديد المؤقت في ضوء قانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري،
المحور الثاني: لمستجدات آثار عملية التحديد المؤقت في ضوء القانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري.
فالمحور الأول تناولت فيه المستجدات المتعلقة إجراءات تسيير عملية التحديد المؤقت على مستوى الإشهار بالإضافة إلى المستجدات المتعلقة بالجهة المكلفة بانجاز عملية التحديد
فإجراءات تسيير عملية التحديد تجد أساسها في الفصول 17 و 18 و19 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى قانون 14/07، بحيث نجد المشرع المغربي أقر عمليات إشهار واسعة لعملية التحديد التي أوكلها إلى المحافظ على الأملاك العقارية، وذلك من خلال ما يلي:
أولا: نشر ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية:
ثانيا:تعليق ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن انتهاء التحديد لدى الجهات القضائية والإدارية:
عرف الفصل 18 أن المشرع المغربي تعديلات مهمة والتي حاول خلالها الفصل المذكور تجاوز الإشكالات التي كان يثيرها قبل تعديله ، وذلك من خلال:
الاستغناء عن شهادة التعليق وتعويضها بالإشعار بالتوصل الذي يعتبر بمثابة شهادة التعليق، يتم توقيعه من طرف الجهات المذكورة بمجرد تسلمها لملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن التحديد، حتى تكون حجة على توصلهم بهذه الوثائق،
.وهو توجه يستحق التنويه، لأن من شأنه أن يؤدي إلى الإسراع بالإجراءات المسطرية وضمان حقوق الأفراد.
تحديد اجل تبليغ الوثائق إلى الجهات الإدارية :أضاف المشرع مقتضى جديد لم يكن منصوص عليه في ظهير12 غشت 1913 قبل تعديله، ويتجلى ذلك في إلزام المحافظ على الأملاك العقارية بأن يبلغ ملخص مطلب التحفيظ والإعلان عن التحديد إلى الجهات المعنية بعشرين يوما قبل التاريخ المعين للتحديد، ولعل هذا التعديل راجع إلى رغبة المشرع في التسريع من إجراءات التحفيظ وتوفير الوقت الكافي حتى يطلع عليه العموم كل ذلك من شأنه يوفر ضمانة أساسية للمعنيين بالأمر.
تكليف رئيس المجلس الجماعي بتعليق الإعلانات: دائما، وفي إطار توسيع دائرة الإشهار الذي يعتبر العمود الفقري لنظام التحفيظ العقاري، عمد المشرع في الفصل 18 المذكور أعلاه إلى تكليف رئيس المجلس الجماعي بتعليق الإعلانات عن الإجراءات المسطرية من خلاصة المطالب وخلاصة الإصلاحية والإعلانات عن انتهاء التحديد وغيرها من الإجراءات التي تتطلب عملية الإشهار
وجاء هذا المقتضى لتوفير الحماية الكافية لحقوق المواطنين من الضياع، نظرا لوجود المجالس الجماعية بالمناطق النائية.
الاستغناء عن قاضي التوثيق : أمام توحيد المحاكم، وعلى غرار ظهير التحفيظ العقاري عدل قانون 14/07 إمكانية توجيه ملخص مطالب التحفيظ والإعلانات عن انتهاء التحديد إلى قاضي التوثيق، بذلك لم تعد لهذه الجهة أي أهمية عملية، إذ أصبح التعليق لدى المحاكم الابتدائية كافيا لتحقيق الغاية المرجوة منه،
اتساع دائرة وسائل الاستدعاءات: ان إضافة المشرع عون من المحافظة العقارية إلى جانب الوسائل الأخرى للاستدعاء يعد تكريسا لما هو منصوص عليه في الفصل الثاني من القرار الوزيري ل 3 يونيو 1915، وهدفا لتلافي مخاطر تأخر الاستدعاءات، وعدم وصولها في الوقت المناسب لأصحابها التي كانت تقع في ظل الظهير قبل تعديله، وتساعد المحافظ على الأملاك العقارية في تسيير دقة مسطرة التحفيظ،
أما المستجدات المتعلقة بالجهة المكلفة بانجاز عملية التحديد نلاحظ أن المشرع المغربي أسندها لأشخاص تقنيين، حيث نجد مقتضيات الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بموجب قانون 14/07، والفصل الأول من القانون 12/57 والمادة الفريدة من المرسوم التطبيقي تراجعت عن ما كان مقرر في الفصل 19 من الظهير قبل تعديله، من حيث أن عملية التحديد يباشرها المحافظ على الأملاك العقارية أو نائب عنه وبمشاركة مهندس محلف
وأعطى القانون المذكور في مادته الفريدة التي جاءت متممة لمقتضيات الفصول 19 و 20 و 21 و 25 و 34 و 43 و 54 من ظهير التحفيظ العقاري، للمحافظ على الأملاك العقارية الحق في أن ينتدب لانجاز عمليات التحديد المشار إليها في الفصول المذكورة أحد هؤلاء:
- مهندسا مساحا طبوغرافيا محلفا ينتمي إلى مصلحة المسح العقاري، كما يمكن لهذا الأخير أن يكلف أحد العاملين التابعين له لانجاز عمليات التحديد و يحدد ذلك بنص تنظيمي،و بالرجوع إلى المرسوم التطبيقي لمقتضيات قانون 12ــ 57 في مادته الأولى أوجبت تأهيل التقنيين الطبوغرافيين المرسمين، المحلفين التابعين لمصلحة المسح العقاري، لإنجاز عمليات التحديد التي يكلفون بها من طرف المهندسين المساحين الطبوغرافيين المحلفين، المنتمين إلى مصلحة المسح العقاري والمنتدبين من لدن المحافظ على الأملاك العقارية.
- مهندسا مساحا طبوغرافيا ينتمي إلى القطاع الخاص مسجلا بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين.
فالمهام القانونية تتجلى في:التحقق من صفة الحاضرين ومن شروط الحيازة والتأكد من الحقوق العينية والتحملات العقارية...
أما المهام الفنية تتمثل في تحرير محضر التحديد وتضمينه البيانات المنصوص عليها في الفصل 20 من الظهير
تساؤل حول مدى حجية هذا المحضر ؟
أثارت هذه النقطة نقاشات على مستوى الفقه حيث انبثق عنها اتجاهين:
الاتجاه الأول:لا يعتبر محضر التحديد وثيقة رسمية وقيمته لا تعدوا أن تكون شهادة فقط، بحيث يمكن للمحافظ العقاري أن يأنس إليها عند اتخاذ قرار مصير العقار المراد تحفيظه.
الاتجاه الثاني: يعتبر محضر التحديد وثيقة رسمية، وبالتالي له الحجية المطلقة بين الأطراف وفي مواجهة الغير، ولا يمكن الطعن فيه إلا بالزور.
ويبدوا، أن الاتجاه الثاني صادف الصواب فيما ذهب إليه من كون محضر التحديد يعتبر محضرا رسميا وله القوة الثبوتية، وذلك لعدة اعتبارات :
- أن الجهة المحررة للمحضر تعد جهة محلفة ومنظمة طبقا للقانون،
- أن هذه الحجية تجد أساسها في القانون والاجتهاد القضائي في عدة قرارات: حيث ينص الفصل 36 من القرار الوزيري الصادر في 3 يونيو 1915 المقرر لتفاصيل تطبق النظام التحفيظ العقاري على ما يلي" إن محاضر التحديد وغيرها من المحاضر المحددة من طرف الأعوان المحلفين التابعين للمحافظة العقارية (المحافظين و المهندسين ..) لها قوة الحجية بما تضمنته إلى أن يقوم دليل على ما يخالفها ".
المحور الثاني: مستجدات أثار عملية التحديد المؤقت في ضوء القانون رقم 14/07 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري.
يمكن إبراز مستجدات هذا المحور في نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: توسيع من نطاق حالات إلغاء مطلب التحفيظ.
كما هو معلوم أن المهندس المساح الطبوغرافي بمجرد انتهائه من انجاز عملية التحديد المؤقت، يرسل جميع المستندات والوثائق بما فيها محضر التحديد والتصميم الهندسي للمحافظ العقاري، لكي يتخذ القرار المناسب في شأنها، الذي قد يكون إما سلبيا في حالة تعذر انجاز عملية التحديد، وإما ايجابيا في حالة انجازه،
حسب الفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بموجب قانون 14/07 منح المشرع للمحافظ على الأملاك العقارية إمكانية إلغاء مطلب التحفيظ بناءا على حالات ثلاث:
أولا:حالة تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه في المكان أو الوقت المعينين لانجاز عملية التحديد
ثانيا:إذا لم يقم طالب التحفيظ أو نائبه بما يلزم لإجراء عملية التحديد
تعتبر هذه الحالة التي نص عليها المشرع تكريس لما كان معمول به عمليا، بحيث كان يتم إلغاء مطلب التحفيظ رغم حضور طالب التحفيظ أو نائبه، وذلك في حالة عدم معرفة حدود العقار أو امتناع طالب التحفيظ من ذلك أو عدم إحضار الأنصبة اللازمة للتحديد العقار أو لا يعرف المجاورون العقار بعد أن صرح بأسماء غير صحيحة في طلب التحفيظ.
ثالثا : إذا تعذر على المحافظ على الأملاك العقارية أو نائبه انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك
تعتبر هذه الحالة حالة جديدة أضافها المشرع إلى الحالات الأخرى المذكورة هدفه منها هو القضاء على كثرة الملفات العالقة في رفوف المحافظات العقارية نتيجة التراكم التي تعرفها هذه الأخيرة.
وما يأخذ على هذه الحالة :
- أن صياغة هذا المقتضى تحمل تعارضا في نصها حيث تعتبر مطلب التحفيظ ملغى إذا تعذر على المحافظ العقاري أو نائبه انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين، والحال ان هذه الوظيفة خصها المشرع بعد التعديل للمهندس المساح المنتدب من قبل المحافظ، وكان على المشرع تعديل الفصل 23 من الظهير حتى يكون منسجما مع مقتضيات الفصل 19 من نفس الظهير.
- يترتب عن إلغاء مطلب التحفيظ في هذه الحالة أحقية طالب التحفيظ في استرجاع الرسوم المؤاداة مادام أن إلغاء مطلب التحفيظ لا يرجع إليه.
- أن من شان هذا المقتضى أن يشكل شرعنة لاعتداء المادي المانع للسلطة الإدارية من مباشرة عملية التحفيظ، ولو مع وجود مسطرة تسخير القوة العمومية من طرف الوكيل الملك.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي ألزم هذه المسطرة بالحالة الأولى والثانية بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 23 من ظ.ت.ع، و لم يلزمه بتطبيقها بخصوص الحالة الثالثة المنصوص عليها بشكل مستقل في الفقرة الثانية من نفس الفصل.
والسؤال المطروح هل المشرع فعلا قصد استثناء حالة إلغاء مطلب التحفيظ لعدم انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين سبب نزاع حول الملك ؟أم أن الاستثناء كان نتيجة عيب في صياغة الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 23 من ظ.ت.ع.؟
إن الفهم الحرفي للفقرة الثانية من الفصل 23 من ظ.ت.ع ، والغاية المتوخاة من مسطرة الإنذار يدلان صراحة على أن استثناء حالة إلغاء مطلب التحفيظ لعدم انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين سبب نزاع حول الملك كان مقصودا من طرف المشرع، لان توجيه إنذار لطالب التحفيظ في هذه الحالة لا يسعفنا في رفع المانع الذي حال دون انجاز عملية التحديد مادام طالب التحفيظ لا دخل له في هذا المانع.
هذا فان قرار المحافظ على الأملاك العقارية بإلغاء مطلب التحفيظ في الحالات التي تم بيانها سالفا يجب أن يكون معللا، أي مفصحا عن الأسباب القانونية والواقعية إلى اتخاذه ومؤرخا وموقعا، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها إلى أن قرار إلغاء مطلب التحفيظ باعتباره قرارا إداريا يجب أن يحمل توقيع المحافظ العقاري وإلا اعتبر قرارا باطلا وغير منتج لأي اثأر قانونية
هذا كل ما يتعلق بالقرار السلبي للمحافظ العقاري أما فيما يخص القرار الايجابي يكون في حالة اذا ما تأكد المحافظ من سلامة إجراءات عملية التحديد المؤقت
في هذه الحالة تصل عملية التحديد إلى مراحلها الأخيرة، بحيث يعلن المحافظ عن انتهاء هذه العملية، وانجاز التصميم النهائي الذي تقوم به مصلحة المسح العقاري وإنشاء الرسم العقاري
النقطة الثانية:إقرار مسؤولية المهندس الطبوغرافي
من خلال القراءة المتأنية للفصول 19 و 20و 21 نستنتج أنه تم :
إعفاء المحافظ من مسؤولية التحديد
تحميل المهندس الطبوغرافي المسؤولية الكاملة عن انجاز عملية التحديد ، وجاء ذلك انسجاما مع المادة الأولى من القانون رقم 93 -30 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وبإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين الصادر في 25/02/1994 التي تنص على "أنه تناط بالمهندس المساح الطبوغرافي مهمة القيام باسمه وتحت مسؤوليته بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق ... والأعمال الطبوغرافية المتعلقة بعمليات رسم التصاميم وتحديد مواقع المنشآت ".
حصر مسؤولية المهندس المساح الطبوغرافي في كل ما هو تقني، كاستفسار طالب التحفيظ والمجاورين و المتعرضين ...عن كل ما يتعلق بالملك المعني ومعاينة واقع الحيازة ومدتها وحالة العقار ووضع الأنصاب وتحرير محضر التحديد والتصميم المؤقت ...
وإذا كان المشرع قد أقر صراحة مسؤولية المهندس المساح الطبوغرافي عن عمليات التحديد، فإنه قد خوَّل له في الوقت نفسه إمكانية تكليف أحد العاملين المؤهلين التابعين له لإنجاز عمليات التحديد. ذلك أن المادة الأولى من المرسوم التطبيقي لمقتضيات قانون 12ــ 57 أوجبت تأهيل التقنيين الطبوغرافيين المرسمين، المحلفين التابعين لمصلحة المسح العقاري، لإنجاز عمليات التحديد التي يكلفون بها من طرف المهندسين المساحين الطبوغرافيين المحلفين، المنتمين إلى مصلحة المسح العقاري والمنتدبين من لدن المحافظ على الأملاك العقارية.
يبدو إذن أن المهندس المساح الطبوغرافي هو الذي يتحمل المسؤولية بمناسبة قيامه بعمليات التحديد بنفسه، بَيْدَ أن الإشكال يثور في الحالات التي يعهد فيها إلى التقنيين الطبوغرافيين القيام بعمليات التحديد، فهل يتحمل المهندس المساح الطبوغرافي مسؤولية الأخطاء الصادرة عن هؤلاء التقنيين بمناسبة قيامهم بعمليات التحديد استناداً إلى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 19 التي جعلت إنجاز عملية التحديد تحت مسؤوليته؟ أم أن التقنيين يتحملون مسؤولية شخصية بحكم واجباتهم المهنية التي تفرض عليهم أداء هذه المهام انضباطاً للقوانين المؤطرة لعملهم؟ أم أن الأمر يتجاوز هذين الاحتمالين لتكون المسؤولية مشتركة بين المهندس وبين التقنيين المكلفين من طرفه؟
وفي نظرنا فإن القراءة المتأنية لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 19 في علاقتها بالفقرة الأولى من ظهير 12ــ57 ومقتضيات المادة الأولى من المرسوم التطبيقي لهذا القانون تسمح بتحميل المهندس المساح الطبوغرافي كامل المسؤولية عن عمليات التحديد سواء باشرها بنفسه أو بتكليف التقنيين المؤهلين، وذلك بالنظر إلى عدم إشارة المشرع ولو ضمنياً إلى تحميل هؤلاء التقنيين المسؤولية رغم أن القانون 12ــ57 جاء متمماً لمقتضيات الفصل 19 المذكور آنفاً.
وفي الاخير نخلص الى ان مقتضيات قانون 14/07 المعدل لظهير 12/08/1913، والذي عدل بدوره بموجب قانون 12/57 أن المشرع العقاري حاول تجاوز إشكالات والتعقيدات التي كانت تطرحها عملية التحديد المؤقت للعقار المطلوب تحفيظه، وذلك من خلال:
- توسيع من دائرة الإشهار وذلك بإضافة جهة رئيس المجلس الجماعي
- توسيع من دائرة الأطراف المتدخلة في عملية التحديد المؤقت، حيث لم يعد المحافظ العقاري يمارسها من بدايتها إلى نهايتها-دوره يقتصر فقط في التحقق من سلامة الإجراءات المسطرية لعملية التحديد-، بل أصبح من حق المهندس المساح الطبوغرافي المنتمي إلى القطاع الخاص أو المنتمي إلى المصلحة المسح العقاري و التقنيين الطبوغرافيين في حالة تكليفهم من طرف هؤلاء أن يقوموا بعمليات التحديد المؤقت و تحت مسؤوليته.
- توسيع من حالات إلغاء مطلب التحفيظ (عدم انجاز عملية التحديد المؤقت لمرتين متتاليتين).
- الاستغناء عن شهادة التعليق و تعويضها بالإشعار بالتوصل
- محدودية النشر بالجريدة الرسمية مما يتعين معه تعزيز النشر بالجريدة الرسمية بإجراءات أخرى تكمله، وذلك عن طريق النشر بالجريدة اليومية و الوطنية و المحلية و استعمال الإذاعة والتلفزة، وكذا البث عن طريق الانترنيت أو أي وسيلة أخرى من وسائل الاتصال التقنية الحديثة زيادة على توعية المواطنين بمفهوم النشر بالجريدة الرسمية والدور الفعال الذي يقوم به إضافة إلى الآثار الخطيرة المترتبة عنه.
- إنشاء مؤسسة التبليغ لدى المحافظة على الأملاك العقارية، خاصة أن هذه الأخيرة لديها من الموارد المادية لتفعيل هذا المقترح، نظرا للدور الذي ستلعبه في المساهمة في الكشف عن حقيقة علاقة الحق المطلوب تحفيظه بطالب التحفيظ.
- إضافة مركز قاضي المقيم كجهة من الجهات التي يتم فيها التعليق
- إضفاء نفس الجزاء الذي رتبه المشرع العقاري على عدم حضور طالب التحفيظ المتمثل في إلغاء مطلب التحفيظ على باقي الأطراف المعنية بمطلب التحفيظ (المتعرضين و المجاورين... ).
- التنصيص على حضور المحافظ العقاري أو نائبه لعملية التحديد للقيام بالأعمال ذات الطابع القانوني كالتحقيق في واقع الحيازة وتحرير محضر التحديد والتوقيع عليه،لان تكليف المهندس المساح الطبوغرافي بالأعمال ذات الطابع القانوني يخرج عن اختصاصه المتمثل في الأعمال ذات الطابع الفني .
- إدخال صندوق التأمين في الدعوى المرفوعة في مواجهة المهندس الطبوغرافي، وذلك بإدخال تعديلات على الفصل 100 من ظهير التحفيظ العقاري على الشكل الأتي:"يؤسس صندوق للتأمين الغاية منه أن يضمن، في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على الأملاك العقارية والمهندسين المساحين الطبوغرافيين المنتمين إلى مصلحة المسح العقاري، أداء مبالغ المالية التي قد يحكم بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد لاحق".
والسلام عليكم