ملخص تركيبي للأطروحة :
يتعلق موضوع الأطروحة التي اخترت لها عنوان: "النظام القانوني للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن- دراسة في الأسس النظرية والجوانب العملية –"، بأحد الحقوق الأساسية للإنسان، ألا وهو الحق في السكن، حيث يكتسي هذا الأخير أهمية حيوية للإنسان وأسرته بوصفه شرطا أوليا لأي حد أدنى من مقومات العيش المستقر، مما جعل المشرع المغربي يعتبر حق المواطنين في السكن الملائم حقا دستوريا ينص عليه الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011 بشكل صريح .
وعليه فإن هذه الأهمية التي يحظى بها السكن، تجعل الفرد يحرص كل الحرص على التوفر على منزل يقطنه، بل الأولى من ذلك تملكه لهذا المسكن، حيث نجد المواطن المغربي يحرص كثيرا على مفهوم الملكية وحماية حياته الخاصة، بيد أن تملك السكن ليس مسألة سهلة المنال بالنسبة لفئة عريضة من المجتمع في ظل صعوبات الحصول عليه التي تزداد يوما بعد يوم بسبب تزايد الكثافة السكانية، والتي لم تواكبها زيادة مماثلة في المباني المشيدة، فكانت النتيجة هي استفحال العجز السكني، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاستماتة في توفير السكن لأنفسهم، وبحثهم عن المال الذي يكفيهم لتحقيق هذا الهدف باللجوء إلى كافة الوسائل، وعلى رأسها الاقتراض من المؤسسات البنكية.
ويكتسي موضوع القروض السكنية راهنية وطنية تجعل منه موضوع الساعة بامتياز، بفعل تنامي الإقبال على القروض السكنية بالمغرب من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية، كما أن للموضوع راهنية دولية على اعتبار أن الإقراض السكني يعد من العوامل الأساسية التي تقف وراء الأزمة المالية التي يعاني منها العالم منذ سنة 2008، والتي انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية لتؤثر على معظم دول العالم، خاصة تلك التي تستقبل الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية القادمة من أمريكا وأوربا؛ حيث تعود أسباب هذه الأزمة إلى ازدهار القروض العقارية ومنحها إلى مقترضين ذوي سجل ائتماني ضعيف أو غير موجود، بهدف توفير مساكن لهم يستطيعون تحمل أسعارها، رغم أنهم من ذوي المداخيل المنخفضة ويفتقرون إلى ضمانات تمكنهم حتى من تسديد القروض العادية.
أما من الناحية القانونية فموضوع القروض السكنية أصبح في التشريع المغربي موسوما بالجدة، لوجود إطار قانوني حديث ينظمه بعد خروج القانون رقم 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك إلى حيز الوجود، وذلك بعدما كان من المجالات التي تأخر المشرع المغربي في وضع تنظيم خاص لها يستجيب لخصوصيات هذا النوع من العقود وخاصة على مستوى حماية المستهلك المقترض، حيث ظل النظام القانوني للقروض السكنية مطبوعا بالغموض واللبس والتناقض والتضارب بين النصوص القانونية، مما أثر بشكل سلبي على توازن المنظومة التعاقدية للقروض السكنية، والتي كانت تميل لصالح كفة المؤسسة البنكية باعتبارها طرفا مهنيا محترفا يساعدها في أداء مهمتها مختصون قانونيون وتقنيون، إذ لا يهمها من وراء الإقراض سوى تحقيق الأرباح وتحصيل الفوائد، في حين ظل المقترض الطرف الضعيف في هذه المنظومة التعاقدية باعتباره شخصا عاديا يجهل كل المعطيات المرتبطة بالعقد بما فيه لغته ومحتواه وطابعه التقني المعقد، فيلجأ إلى البنك للحصول على مبلغ مالي مكرها من أجل تلبية حاجته الأساسية المتمثلة في السكن.
ولم يقتصر تأثير الوضع المختل للمنظومة التعاقدية للقروض السكنية على مركز المستهلك المقترض فحسب، بل تعداه لينعكس بشكل سلبي على الدور الذي ينبغي أن يلعبه الاقتراض البنكي في سد حاجيات الأفراد المتزايدة من السكن ومساهمته في حل الأزمة التي تعرفها السياسة السكنية، حيث إن دور الاقتراض السكني في تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية والتنموية ظل محدودا ولم يصل إلى درجة تلبية الاحتياجات السكنية بالشكل المرغوب فيه، بسبب الهاجس التجاري للبنوك الذي يجعلها تسعى نحو تحقيق الربح السريع والنزوع نحو التعسف على المقترضين، ومواجهتهم بتعقيدات مسطرية وتقنية تعجيزية، والتضخيم من حجم الضمانات المطلوبة والرفع من نسب الفوائد المفروضة، مما أدى إلى إضعاف فعالية الاقتراض البنكي في تمويل السكن .
واستنادا على هذه الانعكاسات التي تؤكد دور النظام القانوني في ضبط توازنات المنظومة التعاقدية للقروض السكنية من أجل توجيهها نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المنشودة، عملت على حصر الإشكالية المركزية التي تؤطر موضوع الأطروحة في ما يلي:
إلى أي حد ارتقى المشرع المغربي بعد سنه للقانون رقم 08-31 بالوضعية القانونية للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن إلى مستوى نظام قانوني متكامل وقادر على خلق منظومة تعاقدية متوازنة في حمايتها لحقوق الأطراف من خلال حفظ المصالح التجارية للمؤسسات البنكية مع حماية المستهلك المقترض من جهة، وفعالة في تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المنشودة من عمليات الإقراض البنكي في المجال السكني من جهة أخرى ؟
وقد أثار لدي البحث في موضوع القروض البنكية العقارية المخصصة للسكن انطلاقا من هذه الإشكالية المركزية مجموعة من التساؤلات الفرعية أحددها في ما يلي :
- ما هي مقومات الإقراض البنكي في المجال السكني؟
- ما هي الوظيفة التنموية التي تقوم بها القروض البنكية العقارية المخصصة للسكن؟
- ما هو مركز القرض العقاري في السياسة العمومية للإسكان؟
- أي أساس شرعي وقانوني لتقاضي الفوائد البنكية في القروض السكنية ؟
- ما هي الطبيعة القانونية لعقد القرض السكني؟ هل هو عقد تجاري أم عقد مختلط؟ وما هي النتائج المترتبة عن هذا التكييف ؟
- ما هي مظاهر اختلال التوازن العقدي في القروض السكنية؟
- ما هي الآليات القانونية التي جاء بها قانون رقم 08-31 لتقوية المركز التعاقدي للمستهلك المقترض؟
- ما هي الصلاحيات الجديدة التي منحها القانون رقم 08-31 للقضاء من أجل تحقيق التوازن العقدي في قروض السكن ؟
- ما هي معيقات فعالية الإقراض البنكي في المجال السكني ؟
- ما هي وسائل تجاوز معيقات الإقراض البنكي في المجال السكني ؟ وما هي التحفيزات المشجعة على توسيع انخراط القطاع البنكي في تمويل السكن ؟
- ما مدى قدرة التمويلات البنكية البديلة الموافقة للشريعة الإسلامية على تحقيق وظيفة الائتمان السكني؟ وكيف يمكن لها تعويض اختلالات الاقتراض البنكي بفائدة ؟
الباب الأول: التأصيل النظري للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن
الفصل الأول: الإطار العام للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن
الفصل الثاني: التكييف القانوني للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن.
الباب الثاني: الجوانب العملية للقروض البنكية العقارية المخصصة للسكن
الفصل الأول: اختلال التوازن العقدي في القروض السكنية.
الفصل الثاني: حدود فعالية الإقراض البنكي في مجال السكن.
وقد توصلت بعد التعمق في دراسة الموضوع إلى عدة نتائج على شكل ملاحظات واقتراحات وتوصيات أراها ضرورية لإصلاح وتقويم نظام القروض السكنية وجعلها أكثر قدرة على تحقيق رهاناتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية المنشودة، ولتذليل العقبات التشريعية وملاءمة نظامها القانوني مع محيطها القانوني والمصرفي، ووضع الحلول والمبادرات التي يلزم اتخاذها من طرف مختلف الفعاليات المؤثرة في عملية الإقراض البنكي في المجال السكني بوجه عام، وفيما يلي أستعرض بعضا من هذه النتائج :
- عدم تنظيم القانون رقم 08-31 بعض العقود التي يشملها المفهوم الواسع للقرض العقاري مثل " المرابحة" وعقد "إجارة واقتناء".
- غياب معايير لتحديد ماهية القروض المخصصة للاستعمال المزدوج.
- إحالة القانون رقم 08-31 بكثرة على النصوص التنظيمية التي تأخرت في الخروج إلى حيز الوجود .
- غياب التنصيص على لغة إشهار القرض العقاري، ولغة العرض المسبق.
- غياب التنصيص على الجزاءات المدنية المترتبة عن الإخلال بالالتزام بالإعلام.
- عدم وضع ضوابط لتطبيق مبدإ الترابط بين القرض والعقد الأصلي .
- غياب الأساس القانوني لتقاضي الفوائد البنكية عن القروض السكنية المقدمة للمسلمين لأن الفصل 870 من ق.ل.ع لا يوجد ما يبطله أو يلغيه.
- ضرورة تدخل المشرع لتحديد الطريقة المعتمدة لاحتساب الفوائد البنكية وأن لا تترك الحرية للبنوك لاختيار الطريقة التي تناسبها.
- محدودية الجزاءات المترتبة على تجاوز البنوك للحد الأقصى لسعر الفائدة.
- ضرورة إعادة النظر حول مسألة رسملة الفوائد في القروض السكنية.
- ضرورة تدخل المشرع لوضع حد لمعضلة تراخي البنوك في إقفال الحساب بعد توقف المقترض عن الأداء لمدة طويلة.
- احتساب الضريبة على القيمة المضافة على أساس أصل الدين وليس على أساس منتوج الفوائد.
- نقترح تبني المنهجية الفرنسية في معالجة حالات الاستدانة المفرطة (التسوية الودية/ المرحلة القضائية).
- تفعيل نظام صناديق الضمان لاستيعاب كافة الشرائع الاجتماعية نظرا لما تشكله هذه التقنية من وقاية من منازعات العجز عن التسديد.
- تفعيل بعض الحلول القضائية المرتبطة بمسطرة تحقيق الرهن الرسمي.
- وضع آليات تسهل للمستهلك المقترض ولوج القضاء في مواجهة المؤسسات البنكية.
- حسم الاختصاص النوعي في منازعات القرض السكني لصالح المحاكم الابتدائية.
- تبسيط المساطر القضائية وتسريع وتيرة البت فيها والتعامل مع تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية بفعالية ونجاعة اكثر.
- وضع ضوابط لإعمال الوسائل البديلة في تسوية منازعات القرض السكني للوقاية من تعسف البنوك في فرضها على المقترضين وحرمانهم من اللجوء إلى القضاء.
- تنظيم مهنة المنعش العقاري باعتباره فاعلا في إنتاج السكن ومتدخلا أساسيا في القروض العقارية.
- إيجاد تدابير حمائية للمقترض من "ظاهرة النوار" المبالغ المدفوعة تحت الطاولة.
- إحداث بنوك متخصصة في تسويق القروض السكنية بشكل حصري.
- التشجيع على الإقراض البنكي من خلال التعاونيات السكنية.
- توفير الظروف الملائمة لإنجاح التمويلات البنكية البديلة، خاصة في ظل استعداد المغرب لإطلاق تجربة البنوك التشاركية.