لقد تم الاتفاق، في الآونة الأخيرة، بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب الى حيز الوجود، وستعمل الحكومة على برمجة مناقشة المشروع والمصادقة عليه، خلال الدورة البرلمانية الربيعية الحالية.
واذا كان الفصل 29 من دستور 2011 اكد على مشروعية ممارسة حق الاضراب ، واحال على قانون تنظيمي سيحدد كيفيات وشروط ممارسة هذا الحق ، فان الفصل 86 من نفس الدستور نص على “ان تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في اجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور ” ، الأمر الذي الزم الحكومة اعداد مجموعة من صيغ مشاريع قوانين تنظيمية متعلقة بالأضراب كان اخرها مشروع قانون تنظيمي متعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب رقم 97.15 ، وقد اثار هذا المشروع الكثير من الجدل بين الأوساط المهنية بسبب الصيغة والمضامين التي جاء بها، بحيث تم رفضه رفضا تاما من طرف النقابات والفاعلين الاجتماعيين والحقوقيين واعتبره البعض مشروعا تكبيليا يتناقض مع مقتضيات الفصل 29 من الدستور الذي يضمن ممارسة حق الاضراب. لكن السؤال المطروح هنا: الى أي حد استطاع هذا المشروع المثير الجدل التوفيق بين الحق في الاضراب واستمرارية المرفق العمومي؟ والى أي حد استطاع هذا المشروع وضع اليات وشروط واضحة لضمان ممارسة الحق في الاضراب؟ وهل فعلا أجاب على مختلف الإشكاليات المتعلقة بممارسة حق الاضراب؟ ام انه مجرد قانون وضع لنقول انه لدينا مشروع قانون تنظيمي للإضراب فقط؟
ويتكون مشروع القانون التنظيمي الآنف الذكر من 49 مادة موزعة على ست أبواب جاءت وفق الشكل التالي:
الباب الأول: (6 مواد: من 1 الى 6): يتناول أحكاما عامة.
الباب الثاني: (23 مادة: من 7 الى 29): يتعرض لشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص.
الباب الثالث: (4 مواد: من 30 الى 33): يتضمن شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام.
الباب الرابع: (مادة واحدة: المادة 34): يتناول أحكاما خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.
الباب الخامس: (12 مادة: من 35 الى 46): يتضمن العقوبات.
الباب السادس: (3 مواد: من 47 الى 49): يتناول أحكاما مختلفة وختامية.
غير انه وقبل دراسة الجانب الموضوعي لهذا المشروع، فقد تم تسجيل مجموعة من الملاحظات المثيرة للجدل على المستوى الشكلي وهي على النحو التالي:
غياب الديباجة: يتضح ان هذا المشروع صدر بدون ديباجة بل تم حذفها بعد دراسته والمصادقة عليه من طرف المجلس الحكومي، حيث ان مشروع القانون من حيث طريقة الوضع لدى البرلمان قدم بدون مذكرة تقديمية توضح خلفيات تنزيله والمرجعيات التي ينهل منها.
عدم توازن أبواب المشروع: يلاحظ ان اغلب مقتضيات هذا المشروع تتعلق بممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص ، بحيث تم تخصيص 22 مادة من اصل 49 كلها تتحدث كيفيات و شروط ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص ، و كأن الاضراب يمارس في القطاع الخاص فقط ، في حين تم تخصيص 4 مواد من اصل 49 لتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام ، مما يجعلنا نستنتج ان مشروع هذا القانون جاء بعيدا كل البعد عن الممارسة العملية و الواقعية للإضراب لأن الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع العام (مرفق التعليم و الصحة نموذجا)اكثر بكثير و اقل تأثيرا من تلك التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع الخص .
هيمنة الطابع الزجري على مشوع القانون: يلاحظ ان الباب الخامس المخصص للعقوبات تضمن 12 مادة من أصل 49 مادة من هذا المشروع، وبالتالي فالمشرع من خلال هذا المشروع استحضر البعد الزجري أكثر لتنظيم هذا الحق الدستوري.
وللإجابة عن مختلف هذه الإشكالات السالفة الذكر أعلاه، فإننا سوف نقوم بقراءة تحليلية ونقدية لهذا المشروع وذلك بالقيام بتحليل كل باب على حدة ثم كل مادة على حدة وخصوصا بعض المواد المثيرة للجدل وذلك وفق التصميم التالي:
المحور الأول: قراء تحليلية لمقتضيات الباب الأول والثاني والثالث من مشروع قانون تنظيمي رقم: 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
المحور الثاني: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع والخامس والسادس من مشروع قانون تنظيمي رقم .97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وأسباب عدم صدوره.
المحور الأول: قراء تحليلية لمقتضيات الباب الأول والثاني والثالث من مشروع قانون تنظيمي رقم: 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
سنحاول في هذا المحور ان نقوم أولا: بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الأول المعنون بأحكام عامة وبعدها ثانيا: سنقوم بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثاني المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص، ثم بعد ذلك ثالثا: سوف نقدم قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثالث من المشروع المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام.
أولا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الأول المعنون بأحكام عامة
نصت المادة الأولى على انه “تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.” ويلاحظ ان المشروع الآنف الذكر من خلال هذه المادة أعاد التأكيد على مشروعية ممارسة الحق الدستوري المتمثل في الاضراب، تطبيقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من دستور 2011، وان هذا المشروع سيحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب كما أحال عليه المشرع الدستوري.
وتطرقت مقتضيات المادة 2 من مشروع هذا القانون التنظيمي لتعريف الإضراب، وقليلة هي التشريعات التي عمدت إلى إعطاء تعريف للحق في الإضراب، معتبرة أن مجال التعاريف شأن خاص بالفقه والقضاء، ونجد من بين التعاريف القضائية ما عمدت إلى تبنيه محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 26 يناير 1968 ” توقف مدبر عن العمل بغرض تأييد مطالب مهنية محددة سلفا رفض المشغل تحقيقها.” وخلافا لما ذكرناه أعلاه نجذ التشريع الموريتاني قد عرفه في المادة 35 بكونه “توقف جماعي عن العمل متفق عليه من طرف أجراء المؤسسة أو عدة مؤسسات للحصول على الاستجابة لمطالبهم المهنية طبقا للقوانين المعمول بها”. وبذلك فإنه لابد من توفر ثلاث شروط في الإضراب، وهي التوقف التام عن العمل، والتوقف الجماعي عن العمل من قبل الأجراء المضربين، والمطالب المهنية. و الملاحظ على هذا التعريف الذي وضعه المشروع مقارنة بهذين التعريفين أنه تضمن تحديدا لمدة الإضراب، لكن يبقى التساؤل مطروحا بخصوص مدة الإضراب سواء في حدها الأدنى أو الأقصى، وإذا كان البعض يعتبر تحديد مدة الإضراب تقييدا لهذا الحق، فإن توجهات محكمة النقض المغربية مؤخرا ترى خلاف ذلك، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية رقم 2/314 بتاريخ 17 مارس 2021 في الملف الاجتماعي عدد 488/5/1/2020 ما يلي : (لما كان من الثابت من إقرار الأجير بمذكرة دفاعه أنه خاض إضرابا عن العمل لمدة غير محددة وأنه قد اقترن باعتصام بمقر الشركة المشغلة، فإن الإضراب وإن كان حقا دستوريا من أجل تحقيق مطالب مشروعة فإن عدم تحديد مدته ينفي عنه وصف المشروعية ويعتبر تعسفيا ) ، كما أن التعريف المشار إليه أعلاه ربط الإضراب بالحقوق أو المصلحة، ولا شك أن هناك فرقا بين الاثنين، وكان الأجدر ربطه بالملف المطلبي أو المطالب المهنية، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية Cass. Soc. 22 Octobre 2014 : bull. civ. N° 146. N° 13-19-858.)) ، حيث ربطت ممارسة الإضراب بوجود مطالب مهنية محددة سلفا، والتي رفض المشغل الوفاء بها، وهو الأمر الذي يسمح بتمييز الإضراب عن تصرفات التمرد وعدم الطاعة حتى ولو كانت في صورة جماعية مدبرة، وكذلك تمييزه عن عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية. كما نلاحظ أيضا على أن توجه واضعي المشروع يذهب إلى ربط ممارسة الحق في الإضراب بالفئات الخاضعة لعلاقة تعاقدية أو علاقة نظامية، إما في إطار مفهوم المقاولة، أو مفهوم المرفق العام، وهو ما يلاحظ من خلال المادة 4، وكذلك مقتضيات مشروع القانون التنظيمي برمته، ذلك أنه يلاحظ على المشروع أنه رجح التصور العضوي أو النقابي في ممارسة حق الإضراب. وعليه فإذا كان هذا المشروع يهدف إلى تنظيم ممارسة حق الإضراب بشكل عام في جميع القطاعات والأنشطة، فأعتقد أنه يجب إعادة صياغة المشروع كاملا، حتى يمكن ملاءمة مقتضياته مع بعض الفئات الخاصة، والأجراء المستقلين، والعاملات والعمال المنزليين، وبعض المهن الحرة، وغيرها من الفئات.
وتناولت مقتضيات المادة 3: التعريف ببعض المفاهيم، كالأجير، والمشغل في القطاع العام والخاص، وكذلك سرد الجهات التي لها حق الدعوة للإضراب، غير أنه لم يتم إعطاء أي تعريف لكل من الجمع العام للأجراء، والخدمات الأساسية، والإغلاق. اما بالنسبة للجهة الداعية للإضراب، فيلاحظ على المشروع أنه لم يتطرق لمسألة حق الهيئات المهنية والجمعيات المهنية (تجار، حرفيين، مهنيين ….) في الدعوة للإضراب، مما يعني أنه منع فئات كبيرة غير محسوبة على فئة الأجراء من ممارسة هذا الحق، وجعله حكرا على الطبقة العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص. ويلاحظ ان واضعو المشروع ذهبوا الى تعريف المفاهيم والمصطلحات الواردة في هذا المشروع كالأجير والحد الأدنى من الخدمة والمشغل والمرافق الحيوية…) غير انه كان من الأجدر ان يعرف هذا المشروع مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الغامضة والتي تم تكرارها أكثر من مرة في هذا المشروع، ويتعلق الأمر بالقطاع العام والقطاع الخاص والجمع العام للأجراء والخدمات الأساسية.
نصت المادة 4 على انه “يمكن ان يمارس حق الاضراب وفق احكام هذا القانون التنظيمي كل من:
-الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل،
– الموظفين والأعوان والمستخدمين لدى إدارات الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية ولدى كل شخص اعتباري اخر من أشخاص القانون العام “.
يلاحظ من خلال هذه المادة انها تتناقض مع مقتضيات الدستور وستوضح ذلك على النحو التالي:
نصت الفقرة الأولى من الفصل السادس من دستور 2011للمملكة على انه ” القانون هو اسمى تعبير عن إرادة الأمة و الجميع ، أشخاصا ذاتيين و اعتباريين، بنا فيهم السلطات العمومية ، متساوون امامه ، و ملزمون بالامتثال له “في حين نصت الفقرة الثانية من الفصل 29 من نفس الدستور على انه “حق الاضراب مضمون و يحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته ” بالتالي فالصيغة التي جاء بها الفصل 29 من الدستور جاءت مطلقة و لم ترد عليها شروط ، و تبعا لهذا فالأمر يفرض هنا ان يتمتع بممارسة حق الاضراب جميع الفئات الشغيلة و الطبقة العاملة . لكن المشروع قيد التحليل استثنى مجموعة من الفئات من ممارسة هذا الحق الدستوري، لاسيما الأشخاص الذين لا تسري عليهم مدونة الشغل كعمال المنازل وبوابو العمارات واجراء القطاع التقليدي الصرف بالإضافة الى مجموعة من الفئات الأخرى التي لا تسري عليها مدونة الشغل.
واذا كان واضعو المشروع حددوا نطاق ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص، وذلك باقتصاره على الفئات الخاضعة لمدونة الشغل كما يظهر جليا في المادة الرابعة، فان واضعو المشروع لم يتطرقوا الى مسالة غاية في الأهمية و هي، هل يمارس حق الاضراب وفق احكام هذا المشروع قانون على الأشخاص الخاضعين بشكل مطلق لمدونة الشغل ام الأشخاص الخاضعون لمدونة الشغل احتياطيا ام استثناء، بالتالي فالأمر هنا يفرض حسما في هذه المسالة المهمة لأن هذا سيؤدي الى حرمان فئات عريضة من هذا الحق الدستوري لذلك يجب ان يعاد النظر في صياغة هذه المادة لأنها تتسم بالمحدودية و عدم الدقة.
وبخصوص المادة 4 المتعلقة بنطاق تطبيق هذا القانون من حيث الأشخاص، فالملاحظ على هذه المادة أنها ضيقت من نطاقه على مستوى القطاع الخاص، فقصرته من جهة على الأشخاص الخاضعين لمقتضيات مدونة الشغل، ليطرح التساؤل حول ما إذا كان الأمر يتعلق بالأشخاص الخاضعين لمقتضيات مدونة الشغل بشكل مطلق، أم يشمل حتى الأشخاص الذين يخضعون لمقتضبات مدونة الشغل بشكل احتياطي، وهو ما يقتضي حسما لهذه المسألة، حتى لا يشكل ذلك منعا لفئات أخرى خاضعة لمقتضيات هذا القانون، ومن جهة أخرى وسعت من نطاق الأشخاص الخاضعين لنطاقه على مستوى القطاع العام. وعليه يستحسن إضافة فئات غير الأجراء من المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاط خاص.
ولقد اعتبرت المادة 5 الدعوة للإضراب باطلة ما دام أنها لا تستجيب للأحكام المتطلبة في الدعوة للإضراب وفق مقتضيات هذا القانون، لكن في مقابل ذلك لم يتم تحديد آثار هذا البطلان هل يتم منع الإضراب، ومن هي الجهة المخول لها منع الشروع في ممارسة الإضراب وهل يعتبر الإضراب باطلا إذا تم. كما نصت مقتضيات هذه المادة على أن” كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب. وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة إلى الإضراب، ولا بد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه، في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ونصت المادة 6 من هذا المشروع على المشاركة في ممارسة حق الإضراب، الشيء الذي يوحي بأن هناك مجموعة من الفئات، المساهمين في ممارسة الحق في الإضراب، والمشاركين، والمنظمين، والمنسقين …. بخلاف الأمر أن حق الإضراب مخول للجميع وأن القانون قد حدد الجهات المخول لها الدعوة للإضراب.
ثانيا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثاني المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص.
نصت المادة 7 من المشروع على انه ” لا يمكن اللجوء الى ممارسة حق الاضراب الا بعد انصرام اجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة الى الاضراب. وتفيد الإشارة في ذات السياق الى ان أول ما يلاحظ على المادة 7 ، أنها منعت بشكل ضمني الإضراب الفجائي، كما أنها حاولت إخراج الحق في الإضراب من الطابع العشوائي إلى طابع تنظيمي يتسم بنوع من التريث والحذر، وبذلك فإن ممارسة حق الإضراب يسبقه تقديم ملف مطلبي للمشغل، حتى يكون هذا الأخير على علم بمطالب الجهة الداعية للإضراب، لكن المشروع لم يُجب عن مسألة مهمة تتعلق برفض المشغل تسلم الملف المطلبي، وجزاء ذلك على اعتبار أن المشروع حدد جزاء عدم سلوك الجهة الداعية للإضراب لهذا الإجراء دون تحديد جزاء رفض المشغل تسلم الملف المطلبي، وكذلك آثار ذلك على ممارسة الإضراب، ويوجب مشروع القانون، حسب هذه المادة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب. وقد حُدد أجل 30 يوما كمدة مخولة للمشغل من أجل دارسة الملف المطلبي، ومن جهة أخرى للجهة الداعية للإضراب من أجل تأطير الأشخاص المشاركين في الإضراب، وذلك من أجل فتح المفاوضات بين الأطراف وفي حالة فشلها إجراء محاولة التصالح بين الأطراف. غير أن هذا المقتضى يبقى غير واضح أولا من حيث تقسيم أجل 30 يوم على إجراء المفاوضات وإجراء محاولة التصالح، كما أن إجراء المفاوضات لم يحدد بشأنها من يبادر إلى فتح بابها خاصة في ظل توتر العلاقة بين الأطراف في هذه الظرفية، إلى جانب ذلك نجد مسألة الاتفاق على تعيين وسيط لم يُوضح المشروع مسطرتها، وطبيعتها، وكذلك طبيعة مهمة هذا الوسيط، وهل سيقوم بمهامه بشكل مجاني أم بمقابل، ومن سيؤدي هذا المقابل، ومن هي الجهة التي سيعين منها الوسيط، وما هي حدود مهمته، و ما هي الأحكام التي يجب عليه تطبيقها على النزاع، وماذا عن الحالة التي لم يتم فيها الاتفاق على تعيين وسيط من يقوم بهذه المهمة محل الأطراف. والملاحظ كذلك أن المشروع جعل مسطرة اللجوء إلى إجراء المفاوضات إلزامية قبل ممارسة الإضراب، لكنه في مقابل ذلك جعل من اتفاق الأطراف على تعيين وسيط مجرد إمكانية مخولة للأطراف، وإذا كان الأمر يتعلق بالوساطة الاتفاقية التي نص عليها القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، فيجب أن تتم الإحالة على مقتضيات هذا القانون. ومن جهة أخرى إذا كان من اللازم إجراء المفاوضات، فإن المشروع لم يحسم في مسألة إلزامية اللجوء إلى إجراء محاولة التصالح بعد فشل إجراء المفاوضات، ذلك أن العبارة جاءت وفق الشكل التالي “يتعين القيام ببذل جميع المساعي اللازمة لإجراء محاولة التصالح”. وهنا يجب الإحالة على مقتضيات الكتاب السادس من مدونة الشغل المتعلق بتسوية نزاعات الشغل الجماعية، كما ينبغي الحسم في مسألة إلزامية اللجوء إلى هذه المساطر قبل ممارسة الإضراب، حتى لا يكون هناك أي تناقض مع مقتضيات القانون التنظيمي بالنسبة لمدونة الشغل باعتبارها قانونا عاديا لا يجب أن تخالف أحكام القانون التنظيمي. كما تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن تكون السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، على علم مسبق كذلك بالملف المطلبي، حتى تكون على دراية بطبيعة المطالب ونوعية النزاع، لدى يتعين إدراج مقتضى إشعار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بنسخة من الملف المطلبي ضمن مقتضيات هذه المادة.
ولقد تطرقت المادة 8 لكل من شرط التنازل عن ممارسة حق الإضراب، والذي اعتبرته باطلا بقوة القانون، وإلى شرط تعليق ممارسة حق الإضراب والذي أجازته في حدود. فبالنسبة للشرط الأول، فالملاحظ أن هناك تناقضا بين هذا المقتضى وبين التعريف الذي أُعطي للإضراب في المادة الأولى، والذي اعتبرته توقفا جماعيا عن العمل، كما حددت نفس المادة الجهة التي لها حق الدعوة للإضراب، في مقابل ذلك اعتبرت هذه المادة مفهوم المخالفة الحق في الإضراب حقا فرديا، بأن منعت على الأجير التنازل عنه، كما خولته إمكانية ممارسته لوحده. أما بخصوص شرط تعليق الإضراب فقد أجازته المادة 8 لكنها اشترطت أن يكون ذلك رهينا بوجود اتفاقية شغل جماعية، لكن السؤال المطروح : هل يجب أن تكون الاتفاقية الجماعية سابقة على ممارسة الإضراب أم خلال سريانه ؟، وأن يتم تحديد مدة هذا التعليق، لكنها لم تورد آجالا محددة، كما فتحت نفس المادة الباب للأطراف من أجل الاتفاق على إجراءات أخرى غير ما ورد عليه النص في هذا القانون، أو في قوانين أخرى من أجل تسوية نزاع جماعي قد يحدث خلال مدة سريان تعليق الإضراب، وهنا يطرح إشكال قانوني، فما دام الحق في الإضراب سيتم تنظيم شروط وكيفيات ممارسته بموجب قانون تنظيمي، فهل يجوز أن تتضمن بعض القوانين العادية، أو اتفاقيات الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي أو حتى عقد الشغل بعض الأحكام الخاصة بممارسة الحق في الإضراب، فإذا كان القانون التنظيمي من حقه التدخل في اختصاص القانون العادي، فإن العكس غير صحيح، كما ذهبت لذلك المحكمة الدستورية، ذلك أن القانون العادي يوجد في مرتبة أدنى من القانون التنظيمي، وبالتالي لا يمكن للأول أن يتوغل بالتشريع في الثاني، كما أنه لا يجب للقانون العادي أن يخالف مقتضيات القانون التنظيمي.
كما تطرقت مقتضيات المادة 9 لمسألة منع عرقلة ممارسة حق الإضراب، فحددت الأشخاص المعنيين بهذا المقتضى في كل من المشغلين والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء، وهم كلهم أشخاص معنوية يصعب تحديد المسؤول المباشر عن الخرق، وكان يجب إضافة الأجير انسجاما مع المادة 36 التي تعاقبه هو الآخر على نفس الإخلال، إلى جانب إضافة الأغيار، أي كل شخص خارج العلاقة التعاقدية بين الطرفين، كما حددت هذه المادة الوسائل الممنوع استعمالها في الاعتداء، الانتقام، الإغراء …… وغيرها مما من شأنها الحيلولة دون ممارسة الأجراء حقهم في الإضراب.
واما المادة 10 فقد اقرت جواز إحلال أجراء غير مضربين محل أجراء مضربين، عدم جواز إحلال أجراء أغيار محل أجراء مضربين. كما اقرت أيضا بجواز إحلال أجراء أغيار محل أجراء مضربين مكلفين بتوفير حد أدنى من الخدمة رفضوا أداء هذه الخدمة.
وفي قراءة سريعة لمضامين مقتضيات المادة 11، يتضح لنا بجلاء كبير انه كان بالإمكان ادراج هذه المادة في الباب الأول المتعلق بأحكام عامة كونها ترتبط بمقتضى عام ومجرد.
اما مقتضيات المادة 12 فقد نصت على منع الإضراب الدائر (La grève tournante) وهو الإضراب الذي يتم من خلال التوقف عن العمل في عدة وحدات للمقاولة بصفة متتالية ومتتابعة، بحيث يبدأ الأجراء في الإضراب في مصلحة تم ينتقل بعد ذلك إلى مصالح أخرى بالتتابع، وبذلك فإن الأجراء يتناوبون بينهم على القيام بالإضراب، إذ تضرب مجموعة من أجراء المقاولة تم تستأنف عملها، وبعد ذلك تضرب مجموعة ثانية وثالثة. وهو من أنواع الإضراب التي تشكل عرقلة في وجه التنمية الاقتصادية، وكل من خالف هذا المقتضى يعاقب بغرامة من 2000 الى 5000 درهم. وهناك أنواع أخرى من الإضراب لم تتم الإشارة إليها، كالإضراب عن الإنتاج أو الإضراب المبرقع، والإضراب القصير المتكرر، والإضراب التضامني وإن تمت الإشارة إليه بشكل ضمني ضمن مقتضيات المادة الثانية التي اشترطت في الحقوق والمصالح أن تكون مباشرة للأجراء المضربين، بمعني جعل الإضراب التضامني بنوعيه الداخلي والخارجي ممنوعا، والإضراب الدفاعي، إلى جانب بعض الأنواع الأخرى المستجدة كالدعوة لمقاطعة المنتوج أو العلامة التجارية للمشغل.
وتكشف لنا مقتضيات المادة 13 مسالة منع عرقلة حرية العمل المقصود بعرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب كل فعل يؤدي أو قد يؤدي إلى منع الأجير غير المضرب أو المشغل (ماذا عن الموردين أو الأشخاص الذين يتعامل معهم المشغل) من ولوج أماكن العمل أو من القيام بمزاولة نشاطه المهني، بواسطة الإيذاء أو العنف أو التهديد أو احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. ونشير في هذا الصدد الى ان مقتضيات المادة 40 قد نصت على أنه يعاقب على عرقلة حرية العمل بغرامة من 5000 إلى 10000 درهم، لكنها في مقابل ذلك تركت المجال مفتوحا لتطبيق مقتضيات الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي وغيرها من النصوص المشددة للعقاب. تخويل قاضي المستعجلات اختصاص اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون عرقلة حرية العمل بما في ذلك وقف الإضراب. أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها،
وتعتبر مقتضيات المادة 14 من مشروع القانون المشاركين في الإضراب في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة انطلاقا من مبدا الأجر مقابل العمل، والإضراب توقف عقد الشغل ، ويلزم النص الجهة الداعية إلى الإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب، قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام، في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين، أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.
وتنص مقتضيات المادة 15 من مشروع هذا القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.
وحسب مقتضيات المادة 16 من مشروع القانون الآنف الذكر، يتخذ قرار الإضراب على صعيد المقاولة أو المؤسسة من قبل الجمع العام للأجراء. فما المقصود بالجمع العام للأجراء، ومن يمثل هذا الجمع، وكيف يتم عقد الجمع العام، هل يجب أن يتم ذلك داخل المقاولة أو المؤسسة، أم في أي مكان آخر، وما هي الوسائل المتاحة لعقد هذا الجمع العام، وما هي الجهة التي تسهر على مراقبة مدى توفر هذا الجمع العام على الشروط القانونية للانعقاد. وعليه يجب على الأقل إذا كان مكان انعقاد الجمع العام داخل المقاولة، أن يتم تحديد لجنة للإضراب، وأن يكون خارج أوقات العمل، وأن يوفر المشغل مكان خاص لعقد هذا الجمع، مع إمكانية حضور ممثل عن المشغل، وكذا ممثل للسلطات الحكومية.
وتتطرق المادة 17 من المشروع الى البيانات التي يجب أن يتضمنها قرار الإضراب سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد المقاولة أو المؤسسة، وهو ما يعني أن قرار الإضراب يجب أن يكون مكتوبا، فما هو جزاء عدم احترام هذه الشكلية، هل يعتبر الإضراب باطلا ويمكن المطالبة بإيقافه أمام القضاء الاستعجالي؟
وفي ذات السياق تتحدث مقتضيات المادة 18 من المشروع عن وجوب تبليغ المشغل بقرار الإضراب 15 يوما قبل التاريخ المقرر لخوضه، وفي حالة ما إذا تعلق الأمر بعدم أداء الأجور، أو وجود خطر حال يهدد صحة الأجراء وسلامتهم فإن الأجل يُخفض إلى 5 أيام فقط. اما بالنسبة لمسألة الخطر الحال داخل أماكن العمل، فإنه كان الأجدر أن تعطى لمفتش الشغل كلما تبين له وجود هذا الخطر صلاحية الأمر بإيقاف الأشغال أو وقف النشاط إلى حين اتخاذ المشغل التدابير اللازمة لإيقاف الخطر الحال، أو على الأقل أن يفتح الباب أمام الأجراء في حالة وجود خطر يهدد صحتهم وسلامتهم في اللجوء للقضاء الاستعجالي، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف الخطر الحال. اما إذا كان الأمر يتعلق بوجود خطر حال يهدد صحة وسلامة الأجراء، ففي هذه الحالة يجب أن لا يُربط ذلك بأجل معين، ذلك أن حياة الشخص ساعة الخطر تكون رهينة بسرعة الوسائل المتخذة لنجدته، على اعتبار أن المسألة تتعلق بأسمى حق، هو الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية، وهي حقوق مضمونة بموجب الدستور، قيمتها الدستورية في قيمة الحق في الإضراب والحق في الملكية.
وإذا تأملنا جليا في مضامين مقتضيات المادتين 18 و19، فإننا نلاحظ أن المادة 18 تنص على تبليغ المشغل بقرار الإضراب، والمادة 19 تنص على إحاطة المشغل علما بقرار الإضراب. ويمكن هنا ان نكتفي فقط بما جاءت به المادة 18.
وبخصوص مقتضيات المادة 20، فقد تطرقت لمسألة تدبير وتسيير المضربين سواء قبل أو أثناء سريان الإضراب، فحددت بذلك مهام الجهة الداعية للإضراب، وهي من جهة الإشراف على تأطير الأجراء المضربين وتدبير مختلف مراحل الإضراب، ومن جهة أخرى السهر على ضمان استمرار الخدمات الأساسية وذلك باتفاق مع المشغل. فإذا كانت مسألة تأطير الأجراء مسألة مفروغ منها، فإن مسألة السهر على استمرار الخدمات الأساسية بتنسيق مع المشغل تبقى مسألة صعبة التطبيق، خاصة وأن الأطراف هم في حالة نزاع، وأن من شأن ذلك التأثير على استمرار هذه الخدمات، والتصعيد من حدة النزاع. حتى أن مسألة لجوء المشغل لقاضي المستعجلات من شأنها أن تزيد النزاع حدة وتعقدا، وهو ما يقتضي تدخل جهاز آخر يكون أكثر قربا من الطرفين وأكثر اطلاعا على طبيعة النزاع وعلى مزاجية كلا الطرفين، ولا شك أن المديريات الجهوية والإقليمية للشغل هي الأقرب للعب هذا الدور، ولما لا إحداث مصلحة أو خلية تسهر على تتبع الإضرابات.
وفتحت المادة 21 من هذا المشروع المجال أمام كلا الطرفين من أجل الاستعانة بمفوض قضائي من أجل تتبع ظروف سير الإضراب والوقائع المصاحبة له، وهي مسألة من شأنها أن تزيد من حدة التوتر، وخلق وضعيات ووقائع وهمية من أجل الاستفادة من هذا المقتضى، وهو ما يقتضي البحث عن وسيلة من شأنها تقريب وجهات نظر الأطراف، والنيئ بهم إلى اختلاق مشاكل أخرى مصاحبة للإضراب، فلما لا يتم خلق لجنة تتكون من ممثلين عن المصالح الخارجية للشغل والسلطة المحلية والمصالح الخارجية التابع لها نشاط المقاولة أو المؤسسة، من أجل السهر على تتبع مراحل ممارسة الإضراب، والبحث من خلالها على الحلول الممكنة.
كما نصت مقتضيات المادة 22 على الاتفاق المنهي أو الملغي للإضراب، فمن يبادر إلى إبرام هذا الاتفاق، ومن هي الجهة المخول لها الإشراف على تحرير هذا الاتفاق وتتبع تنفيذ مقتضياته، وما هي طبيعة هذا الاتفاق وأثر عدم الالتزام بمضامينه من طرف أحد الطرفين أو كلاهما؟
وحسب مقتضيات المادة 23 من المشروع السالف الذكر ، يمنع بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة، وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.
ومنعت مقتضيات المادة 24 نقل أو ترحيل المشغل خلال مدة الإضراب، آليات وأجهزة عمل المقاولة، وهي إشكالية كانت تطرح خلال سريان الإضراب، حيث كان يعمد بعض المشغلين سيئي النية إلى ترحيل وسائل العمل كنوع من رد الفعل على الإضراب. غير أنه يبقى من الواجب كذلك منع ترحيل وسائل العمل قبل ممارسة الإضراب، إذ غالبا ما يصل إلى علم المشغل بأن هناك بوادر للإضراب فيسارع إلى ترحيل وسائل العمل.
وتطرقت المادة 25 من هذا المشروع في فقرتها الأولى بمنع المشغل من الإغلاق الكلي أو الجزئي للمقاولة بسبب ممارسة حق الإضراب لكن ماذا عن الإغلاق الذي قد يقوم به المشغل قبل ممارسة الإضراب، وما هو جزاء سلوكه هذا.؟ اما بالنسبة للفقرة الثانية فهناك التباس وسوء التعبير، فهي تتحدث في البداية عن توفر حالة الإضرار بممتلكات المقاولة أو المؤسسة، وفي آخر الفقرة تتحدث عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هذه الممتلكات، إذا كيف يمكن أن نوفر الحماية إذا كانت أصلا حالة الإضرار متحققة؟ كما يلاحظ أنه إذا كان المشروع منع على المشغل الإغلاق الكلي أو الجزئي بمبادرة منه، فإنه في مقابل ذلك خوله هذا الحق باستصدار أمر قضائي بذلك.
وخولت المادة 26 للمشغل وحده الحق في المطالبة بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت المقاولة جراء الإضراب غير المشروع، وبذلك نجد أن المشروع فتح المجال لتدخل قضاء الموضوع في مسألة التعويض عن الضرر جراء الإضراب. وكان الأجدر كذلك منح القضاء الاختصاص للبث في النزاعات الجماعية متى ما تعذر فضها بالوسائل السلمية. كما يجب فتح المجال أمام الجهة الداعية للإضراب من أجل المطالبة بالتعويض عن عرقلة ممارسة حقها في الإضراب، أو عن الإغلاق غير المشروع للمقاولة أو الترحيل غير القانوني لوسائل العمل، كما لابد من الإشارة إلى آثار الإضراب بالنسبة للأغيار المتعاملين مع المقاولة أو المؤسسة. إلى جانب ذلك هناك مسألة أساسية ومهمة تتعلق بالفرق بين الإضراب غير المشروع، والإضراب الممارس بشكل تعسفي، ذلك أنه إذا كان يمكن اعتبار الأول أنه كل إضراب لم تتقيد فيه الجهة الداعية له بأحكام هذا القانون التنظيمي، فإن الثاني قد تكون الجهة الداعية احترمت جميع هذه الأحكام، لكنها خرجت بحق الإضراب عن مساره أو عن نطاقه كحق.
نصت المادة 27 من المشروع على انه: “يمنع على الأجراء المضربين احتلال أماكن العمل خلال مدة سريان الاضراب.” يلاحظ من خلال هذه المادة من المشروع انها منعت ممارسة حق الاضراب مع احتلال أماكن العمل، وتناولت مقتضيات هذه المادة من مشروع القانون الآنف الذكر مسألة منع الأجراء المضربين من احتلال أماكن العمل خلال سريان الإضراب، وهو ما يعني أنه لا يجب ممارسة الإضراب داخل أماكن العمل سواء كان مقاولة أو مؤسسة، أي أن الإضراب يكون خارج المقاولة أو المؤسسة، وهو ما قد يشكل تداخلا مع الاجتماعات العمومية والمظاهرات في الطرق العمومية المنظمة بموجب ظهير 1958 بشأن التجمعات العمومية، خاصة وأن هذا الأخير يسمح للهيئات المنظمة بصفة قانونية وكذلك المنظمات النقابية بحق ممارسة حق التجمع والتظاهر في الطرق العمومية. وهو ما من شأنه أن يمنع بعض الأنواع التي لا يمكن أن تدخل في مفهوم الإضراب، كالاعتصام، والوقفة
نصت المادة 28 من المشروع على انه ” يمكن لرئيس الحكومة، في حالة حدوث افات او كوارث طبيعية او ازمة وطنية، ان يأمر بصفة استثنائية بموجب قرار معلل، يمنع الاضراب او وقفة لمدة محددة. (مادة واضحة لا تثير اية اشكال).
نصت المادة 29 من المشروع على “انه يمكن تعليق الاضراب بمقتضى امر قاضي المستعجلات بالمحكمة المختصة في حالة ما إذا كانت ممارسته ستؤدي الى تهديد النظام العام او وقف تقديم الخدمات الأساسية في حدودها الدنيا، بناء على طلب من رئيس الحكومة وبمبادرة من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بمكن اعتبار هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
ثالثا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثالث من المشروع المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام.
قبل البدء في تحليل مقتضيات هذا الباب المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع العام ، وجب ان نشير ان المشروع خصص لهذا الباب 4 مواد فقط ، و في المقابل تم تخصيص 22 مادة للباب المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص .و كان الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع العام اقل بكثير من الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص الممارسة العملية لحق الاضراب فإنها عكس ذلك بحيث كلما نسمع اليوم عن ممارسة حق الاضراب فغالبا ما يرتبط بالقطاع العام لا سيما مرفق التعليم و الصحة .
نصت المادة 30 من المشروع على انه” علاوة على الأحكام العامة المنصوص عليها في الباب الأول أعلاه تطبق احكام الباب الثاني من مشروع هذا القانون التنظيمي على ممارسة حق الاضراب من قبل الأجراء العاملين بالقطاع العام، باستثناء احكام المواد 8 و15و 16 و17 و19 و24. وبالعودة الى مقتضيات احكام المادة 30 من المشروع، نجد انها استثنت مجموعة من المواد المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص من تطبيقها في القطاع العام وهي احكام المواد 8 و15 و16 و17 و19 و24.
نصت المادة 31 من المشروع على انه يمكن ان يتخذ قرار الاضراب في القطاع العام، وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي على الصعيد الوطني من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا او ذات تمثيلية على الصعيد الوطني. ويقصد في مدلول هذا القانون التنظيمي بالقطاع العام كل المرافق التابعة للدولة او الجماعات الترابية او المؤسسات او المقاولات العمومية او لكل شخص اعتباري اخر من اشخاص القانون العام. والواقع ان مقتضيات هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
نصت المادة 32 من هذا المشروع على انه “يجب على الجهة الداعية الى الاضراب ان تحيط علما الجهات المشار اليها بعده بقرار الاضراب في أحد المرافق العمومية او في بعضها او في جميعها سبعة أيام على الأقل قبل تاريخ الشروع الفعلي في تنفيذه:
رئيس الحكومة والسلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والوظيفة العمومية والتشغيل،
السلطات الحكومية التابع لها المرفق المعني، او التي تمارس الوصاية والاشراف عليه إذا تعلق الأمر بمؤسسة او مقاولة عمومية، والى مدير المؤسسة او المقاولة العمومية المعنية، وكل مسؤول عن المرفق العمومي المعني،
عامل العمالة او الإقليم المعني.
نلاحظ اذن بان مقتضيات هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
ولقد نصت المادة 33 من المشروع الآنف الذكر على انه “لا يمكن للفئات التالية ممارسة حق الاضراب:القضاة وقضاة المحاكم المالية موظفو إدارة الدفاع الوطني و القوات المساعدة، رجال و أعوان السلطة وجميع فئات الموظفين العاملين بوزارة الداخلية و الموظفين الدبلوماسيين و القنصليون، موظفو و أعوان إدارة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة، موظفو و أعوان إدارة السجون و إعادة الادماج، موظفو الهيئة الوطنية للوقاية المدنية و جميع الفئات الأخرى العاملة بها، موظفو و أعوان المياه و الغابات حاملو السلاح ، القيمون الدينيون، مراقبو الملاحة الجوية و البحرية كما لا يمكن للأشخاص الآتي ذكرهم ممارسة حق الاضراب : الأشخاص الذين يتم تكليفهم بضمان حد ادنى من الخدمة، الأشخاص الذين يتم تكليفهم بالسهر على الصحة والسلامة المهنية بأماكن العمل اثناء فترة سريان الاضراب. ويلاحظ من خلال هذه المادة من المشروع انها حددت الفئات الممنوعة من ممارسة حق الاضراب، وذلك نظرا لحساسية وطبيعة المرافق التي تعمل بها، لأنه من شان ممارسة حق الاضراب في هذه المرافق السيادية للدولة، تهديد استمرارية الدولة وسيادتها الداخلية والخارجية.
من خلال قراءتنا وتحليلنا لهذه المواد الأربع السالفة الذكر المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع العام يتبين ان المشروع طبق نفس المقتضيات المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص على القطاع العام، بما في ذلك عدم ممارسة حق الاضراب الا بعد انصرام 30 يوما من تاريخ تقديم الملف المطلبي، واجراء المفاوضات والتصالح بشأنه من طرف الجهة الداعية لممارسة حق الاضراب، وعدم عرقلة ممارسة حق الاضراب و عدم عرقلة حرية العمل ….) ما عدا الاستثناءات المشار اليها أعلاه.
المحور الثاني: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع والخامس والسادس من مشروع قانون تنظيمي رقم .97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وأسباب عدم صدوره.
تأسيسا على ما سبق سوف نقوم أولا: بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في المرافق الحيوية، وبعدها ثانيا: سنقوم بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الخامس المتعلق بالعقوبات والباب السادس المتعلق بالأحكام الختامية للمشروع.
أولا: تحليل مقتضيات الباب الرابع من المشروع المعنون احكام خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.
يلاحظ ان المشروع خصص مادة واحدة فقط لهذا الباب وهي على النحو التالي:
نصت المادة 34 من هذا المشروع على انه يمارس حق الاضراب في المرافق الحيوية طبقا للشروط و الكيفيات المنصوص عليها في هدا المشروع شريطة توفير حد ادنى من الخدمة في هذه المرافق، ولا سيما منها: المؤسسات الصحية، المحاكم بمختلف اصنافها و درجاتها ، مرافق الأرصاد الجوية ، مرافق النقل السككي، قطاعات النقل البري بمختلف اصنافه، شركات الاتصال السمعي البصري العمومي، شركات صناعة و توزيع الأدوية و شركات انتاج مادة انتاج وتوزيع مادة الأوكسجين ذات الاستعمال الطبي، مصالح المراقبة الصحية في الحدود و المطارات و الموانئ ، المصالح البيطرية، مرافق انتاج و توزيع الماء و الكهرباء، مرافق انتاج و توزيع المواد الطاقية، مرافق التطهير السائل و الصلب، مرافق جمع النفايات بجميع اصنافها. ويحدد اتفاق يبرم بين الجهة الداعية الى الاضراب والمشغل المعني بمساهمة السلطة او السلطات الإدارية المحلية المختصة، عند الاقتضاء، الحد الأدنى من الخدمة الواجب تأمينها في المرافق المذكورة وكذا الأجراء المكلفين بتوفيرها. وفي حالة تعذر ابرام هذا الاتفاق، يتعين على المشغل استصدار امر قضائي من قبل قاضي المستعجلات يحدد بموجبه الحد الأدنى المذكور والأجراء المكلفين بتوفيرها. ويمكن تتميم لائحة المرافق الحيوية التي تستوجب توفير حد أدني من الخدمة بها بقانون، بعد استشارة المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا او ذات تمثيلية على الصعيد الوطني والمنظمات المهنية للمشغلين التابع لها المرفق المعني عند وجودها.
يلاحظ من خلال هذه المادة، ان المشروع حدد المرافق الحيوية التي يجب على العاملين فيها عند ممارسة حق الاضراب الالتزام بضمان الحد الأدنى من الخدمة وذلك نظرا لطبيعة الخدمات الحساسة والسيادية التي تقدمها هذه المرافق السالفة الذكر أعلاه. غير أن الملاحظ هو غياب أي دور للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل في تحديد الحد الأدنى من الخدمة.
ثانيا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الخامس من المشروع المعنون بالعقوبات والباب السادس المتعلق بالأحكام الختامية.
قبل تحليل مقتضيات هذا الباب المتعلق بالعقوبات، نلاحظ ان المشروع خصص له 12 مادة من أصل 49 مادة من هذا المشروع وهي على النحو الثاني:
نصت المادة 35 من المشروع على: انه ” علاوة على العقوبات المنصوص عليها في هذا الباب، يعتبر في حالة تغيب عن العمل بصفة غير مشروعة، كل اجير مارس الاضراب في القطاع العام او القطاع الخاص، دون التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في مشروع هذا القانون التنظيمي، وتطبق في حقه، عند الاقتضاء، العقوبات التأديبية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والأنظمة الخاصة بالأجراء الجاري بها العمل.”
نصت المادة 36 من المشروع على انه ” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل مشغل او منظمة مهنية للمشغلين او منظمة نقابية عرقلت ممارسة الأجراء حقهم في الاضراب خلافا لما هو منصوص عليه في المادة 9 من مشروع هذا القانون التنظيمي. ويعاقب بغرامة من 2.000 الى 5.000 درهم كل اجير ارتكب نفس الفعل خلافا لأحكام المادة 9 المذكورة.
نصت المادة 37 من المشروع على انه ” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل مشغل أحل اجراء اخرين محل الأجراء المضربين خلافا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 10 من مشروع هذا القانون التنظيمي، مع مراعاة احكام الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة المذكورة.”
ونصت المادة 38 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 15.000 الى 30.000 درهم كل مشغل اتخذ خلافا لأحكام المادة 11 أعلاه اجراء تمييزيا ضد اجرائه بسبب ممارستهم حق الاضراب.”
كما نصت المادة 39 من المشروع السالف الذكر على انه” يعاقب بغرامة من 2.000 الى 5.000 درهم كل من خالف احكام المادة 12 من مشروع هذا القانون التنظيمي دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد.
ونصت المادة 40 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 5.000 الى 10.000 درهم كل من عرقل حرية العمل خلافا لما هو منصوص عليه في المادتين 13 و27 من مشروع هذا القانون التنظيمي، دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد. ويمكن لقاضي المستعجلات بالمحكمة المختصة في الحالات المنصوص عليها في المادتين المذكورتين بطلب من المشغل ان يأمر باتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون عرقلة حرية العمل، بما في ذلك وقف الاضراب. دون الاخلال بتطبيق احكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يعاقب على كل مخالفة للأمرؤ القضائي المذكور بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر وبغرامة من 10.000 الى 20.000 درهم.
نصت المادة 41 من هذا المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل من دعا الى ممارسة حق الاضراب دون التقيد بأحكام الفقرة الأولى من المادة الأولى من المادة 7 من مشروع هذا القانون التنظيمي دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد.”
نصت المادة 42 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 10.000 الى 30.000 درهم كل من اتخذ قرار الاضراب دون التقيد بأحكام المواد 15و16و18 و19و23و31و32 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
كما نصت مقتضيات المادة 43 من المشروع على ” انه يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل من خالف احكام المادتين 24 و25 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
نصت المادة 44 من المشروع الآنف الذكر على انه “يعاقب بغرامة من 5.000 الى 10.000 ذرهم كل اجير رفض القيام بالخدمات الأساسية التي كلف بتقديمها، خلافا لأحكام البند 2 من الفقرة الأولى من المادة 20 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
ونصت مقتضيات المادة 45 من مشروع هذا القانون التنظيمي على “انه في حالة العود، تضاعف العقوبة. ويعتبر في حالة العود كل من سبق الحكم عليه من اجل مخالفة احكام هذا الباب بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة مماثلة قبل مضي سنتين من صدور المقرر المذكور او تقادم العقوبة. ولتطبيق احكام هذه المادة، تعتبر مخالفات مماثلة جميع مخالفات هذا الباب.
ونصت مقتضيات المادة 46 من مشروع هذا القانون التنظيمي على “انه يقوم ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر المعاينة واثبات المخالفات لأحكام مشروع هذا القانون التنظيمي، وترسل المحاضر الى النيابة العامة بالمحكمة المختصة داخل اجل أقصاه 24 ساعة من تحريرها داخل اجل معقول.
وبعد قراءتنا للمواد الاثنا عشر من المشروع السالفة الذكر المتعلقة بالباب الخامس المتعلق بالعقوبات، نلاحظ أن جميع الجرائم المنصوص عليها فيه عبارة عن جنح ضبطية، معاقب عليها بغرامة، أقصى حد لها يتراوح ما بين 20.000 و50.000 درهم، وأدناها ما بين 2.000 و5.000 درهم، بالإضافة إلى عقوبة حبسية واحدة تتمثل في الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر. وتجدر الإشارة إلى أن المشروع فتح المجال لإعمال المقتضيات الجنائية الأشد المنصوص عليها في نصوص قانونية أخرى كمجموعة القانون الجنائي. كما أنه تم منح اختصاص تحرير محاضر المعاينة وإثبات المخالفات لأحكام هذا القانون التنظيمي لضباط الشرطة القضائية، وهو ما يجعل من المخالفات التي تم إدراجها ضمن مقتضيات مشروع هذا القانون، تندرج ضمن جرائم الحق العام، وكان الأجدر أن يعطى لها طابع الجرائم التي تدخل في باب القانون الجنائي للشغل، وأن تبقى متسمة بطابعها الاجتماعي، وهي التي تخضع لسلطة مفتشي الشغل. كما يلاحظ غياب أي دور لجهاز تفتيش الشغل ضمن مقتضيات هذا المشروع، مع العلم أن هذا الجهاز يبقى دائما في علاقة مستمرة بالأطراف، وله إلمام كبير بطبيعة هذه العلاقة، وبوسائل تدبير نزاعات الشغل الجماعية، ولا شك أنه سيكون له دور كبير في هذا المشروع إن هو تم تمكينه من الوسائل والآليات اللازمة للاشتغال. اما فيما يخص مقتضيات الباب السادس، فانه يتضمن احكام مختلفة وختامية موزعة بين ثلاثة مواد وهي على النحو التالي:
لقد نصت مقتضيات المادة 47 من مشروع القانون التنظيمي على “انه تؤهل السلطات العمومية المعنية، خلال مدة سريان الاضراب لاتخاذ جميع التدابير الازمة لحفظ النظام العام وحماية الأشخاص والأموال والممتلكات، بما في ذلك العمل على فك الاعتصامات والحيلولة دون احتلال المباني وأماكن العمل والمرافق الملحقة بها، و منع كل تجاوز يروم اغلاق مقرات العمل و مداخلها في وجه العاملين و المرتفقين. كما يمكنها، عند الاقتضاء، وخلافا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل اللجوء الى مسطرة التسخير من اجل تامين استمرارية المرافق الحيوية في تقديم خدماتها وتامين تزويد السوق بالمواد الأساسية.
ونصت المادة 48 من المشروع على انه “تعتبر الآجال المنصوص عليها في مشروع هذا القانون التنظيمي اجالا كاملة لا يحتسب فيها اليوم الأول واليوم الأخير.
ولقد نصت مقتضيات المادة 49 من المشروع على انه ” سيدخل هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ بعد انصرام اجل ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية وينسخ ابتداء من التاريخ نفسه جميع الأحكام المخالفة.
وختاما وتأسيسا على هذه القراءة التحليلية والنقدية لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب، يمكن القول بان الحكومة تطمح من خلال هذا المشروع إلى تكبيل هذا الحق الذي هو آخر سلاح في يد الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن حقها وبأن «الباطرونا» تطالب بتنظيم ممارسة الحق في الإضراب، وهي لا تحترم حتى الحد الأدنى للأجر، وبخصوص إمكانية التنصيص على القانون التنظيمي للإضراب خلال الدورة البرلمانية الحالية كما تم الاتفاق عليه بين الحكومة والنقابات، فإننا نخشى أن يكون هناك اتفاق بمنطق المقايضة بين الحكومة والنقابات بالزيادة في الأجور والحد الأدنى للأجور، مقابل تمرير قانون الإضراب وإصلاح التقاعد ، وهذا الأمر إن تم سيكون خطيرا جدا وسيكون ورطة للنقابات التي شاركت في الحوار الاجتماعي ضد الطبقة العاملة، غير ان بعض النقابات ويتعلق الأمر بكل من الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قد عبرتا عن رفضهما لمنطق المقايضة، ونرجو أن تثبتا على موقفهما هذا لان الأساس الذي يجب أن تشتغل عليه الحكومة هو إصدار قانون النقابات، قبل القانون التنظيمي للإضراب. وكرد فعل على تمرير قانون تجريم الإضراب في هذه الدورة الربيعية للبرلمان وتمهيدا لنمط جديد من العمل النقابي، أسست مجموعة من الإطارات النقابية ما أطلقت عليه “الجبهة المغربية لمواجهة قانون الإضراب والتقاعد”، استعدادا للحوارات التي كانت الحكومة والنقابات قد اعلنتا على بدايتها خلال السنة الجارية.
وعليه، ومن وجهة نظرنا الشخصية المتواضعة، فانه يجب إعادة صياغة بنود واحكام مشروع هذا القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم حق الاضراب، لاسيما المواد التي تقيد وتحد من ممارسة هذا الحق الدستوري والتي أشرنا اليها سابقا، كما اننا نؤكد على ضرورة ملائمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية ، لان مثل هذه الشروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب، يجب أن تكون معقولة ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تُفرض قيودا على وسائل التحرك المتاحة للمنظمات النقابية وهكذا، تبقى مسؤولية إعادة صياغة مشروع قانون الإضراب الجديد تقع على النقابات المناضلة فعليا حتى تحافظ على كينونتها المهددة، وعلى كينونة العمل النقابي المهدد. كما انه من أوجب واجباتها أن تسهر على تشريع قانون فعلي للإضراب يلزم المشغل و “الأجراء ” بمجموعة من الالتزامات التي تبقي على حياد السلطة وعلى نبل العمل ونبل الإضراب والعمل النقابي. فكما أننا نمتثل لقوانين العمل لحظة العمل، نمتثل لقانون الإضراب لحظة الإضراب.، فلا شيء يعلو على سلطة القانون وعلى دولة القانون. أما إذا شئنا الدقة فلا شيء يعلو على سلطة الحق والقانون. لذا يجب إخراج هذا القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضات في حل نزاعات الشغل الجماعية.
واذا كان الفصل 29 من دستور 2011 اكد على مشروعية ممارسة حق الاضراب ، واحال على قانون تنظيمي سيحدد كيفيات وشروط ممارسة هذا الحق ، فان الفصل 86 من نفس الدستور نص على “ان تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في اجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور ” ، الأمر الذي الزم الحكومة اعداد مجموعة من صيغ مشاريع قوانين تنظيمية متعلقة بالأضراب كان اخرها مشروع قانون تنظيمي متعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب رقم 97.15 ، وقد اثار هذا المشروع الكثير من الجدل بين الأوساط المهنية بسبب الصيغة والمضامين التي جاء بها، بحيث تم رفضه رفضا تاما من طرف النقابات والفاعلين الاجتماعيين والحقوقيين واعتبره البعض مشروعا تكبيليا يتناقض مع مقتضيات الفصل 29 من الدستور الذي يضمن ممارسة حق الاضراب. لكن السؤال المطروح هنا: الى أي حد استطاع هذا المشروع المثير الجدل التوفيق بين الحق في الاضراب واستمرارية المرفق العمومي؟ والى أي حد استطاع هذا المشروع وضع اليات وشروط واضحة لضمان ممارسة الحق في الاضراب؟ وهل فعلا أجاب على مختلف الإشكاليات المتعلقة بممارسة حق الاضراب؟ ام انه مجرد قانون وضع لنقول انه لدينا مشروع قانون تنظيمي للإضراب فقط؟
ويتكون مشروع القانون التنظيمي الآنف الذكر من 49 مادة موزعة على ست أبواب جاءت وفق الشكل التالي:
الباب الأول: (6 مواد: من 1 الى 6): يتناول أحكاما عامة.
الباب الثاني: (23 مادة: من 7 الى 29): يتعرض لشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص.
الباب الثالث: (4 مواد: من 30 الى 33): يتضمن شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام.
الباب الرابع: (مادة واحدة: المادة 34): يتناول أحكاما خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.
الباب الخامس: (12 مادة: من 35 الى 46): يتضمن العقوبات.
الباب السادس: (3 مواد: من 47 الى 49): يتناول أحكاما مختلفة وختامية.
غير انه وقبل دراسة الجانب الموضوعي لهذا المشروع، فقد تم تسجيل مجموعة من الملاحظات المثيرة للجدل على المستوى الشكلي وهي على النحو التالي:
غياب الديباجة: يتضح ان هذا المشروع صدر بدون ديباجة بل تم حذفها بعد دراسته والمصادقة عليه من طرف المجلس الحكومي، حيث ان مشروع القانون من حيث طريقة الوضع لدى البرلمان قدم بدون مذكرة تقديمية توضح خلفيات تنزيله والمرجعيات التي ينهل منها.
عدم توازن أبواب المشروع: يلاحظ ان اغلب مقتضيات هذا المشروع تتعلق بممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص ، بحيث تم تخصيص 22 مادة من اصل 49 كلها تتحدث كيفيات و شروط ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص ، و كأن الاضراب يمارس في القطاع الخاص فقط ، في حين تم تخصيص 4 مواد من اصل 49 لتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام ، مما يجعلنا نستنتج ان مشروع هذا القانون جاء بعيدا كل البعد عن الممارسة العملية و الواقعية للإضراب لأن الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع العام (مرفق التعليم و الصحة نموذجا)اكثر بكثير و اقل تأثيرا من تلك التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع الخص .
هيمنة الطابع الزجري على مشوع القانون: يلاحظ ان الباب الخامس المخصص للعقوبات تضمن 12 مادة من أصل 49 مادة من هذا المشروع، وبالتالي فالمشرع من خلال هذا المشروع استحضر البعد الزجري أكثر لتنظيم هذا الحق الدستوري.
وللإجابة عن مختلف هذه الإشكالات السالفة الذكر أعلاه، فإننا سوف نقوم بقراءة تحليلية ونقدية لهذا المشروع وذلك بالقيام بتحليل كل باب على حدة ثم كل مادة على حدة وخصوصا بعض المواد المثيرة للجدل وذلك وفق التصميم التالي:
المحور الأول: قراء تحليلية لمقتضيات الباب الأول والثاني والثالث من مشروع قانون تنظيمي رقم: 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
المحور الثاني: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع والخامس والسادس من مشروع قانون تنظيمي رقم .97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وأسباب عدم صدوره.
المحور الأول: قراء تحليلية لمقتضيات الباب الأول والثاني والثالث من مشروع قانون تنظيمي رقم: 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
سنحاول في هذا المحور ان نقوم أولا: بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الأول المعنون بأحكام عامة وبعدها ثانيا: سنقوم بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثاني المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص، ثم بعد ذلك ثالثا: سوف نقدم قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثالث من المشروع المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام.
أولا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الأول المعنون بأحكام عامة
نصت المادة الأولى على انه “تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.” ويلاحظ ان المشروع الآنف الذكر من خلال هذه المادة أعاد التأكيد على مشروعية ممارسة الحق الدستوري المتمثل في الاضراب، تطبيقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من دستور 2011، وان هذا المشروع سيحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب كما أحال عليه المشرع الدستوري.
وتطرقت مقتضيات المادة 2 من مشروع هذا القانون التنظيمي لتعريف الإضراب، وقليلة هي التشريعات التي عمدت إلى إعطاء تعريف للحق في الإضراب، معتبرة أن مجال التعاريف شأن خاص بالفقه والقضاء، ونجد من بين التعاريف القضائية ما عمدت إلى تبنيه محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 26 يناير 1968 ” توقف مدبر عن العمل بغرض تأييد مطالب مهنية محددة سلفا رفض المشغل تحقيقها.” وخلافا لما ذكرناه أعلاه نجذ التشريع الموريتاني قد عرفه في المادة 35 بكونه “توقف جماعي عن العمل متفق عليه من طرف أجراء المؤسسة أو عدة مؤسسات للحصول على الاستجابة لمطالبهم المهنية طبقا للقوانين المعمول بها”. وبذلك فإنه لابد من توفر ثلاث شروط في الإضراب، وهي التوقف التام عن العمل، والتوقف الجماعي عن العمل من قبل الأجراء المضربين، والمطالب المهنية. و الملاحظ على هذا التعريف الذي وضعه المشروع مقارنة بهذين التعريفين أنه تضمن تحديدا لمدة الإضراب، لكن يبقى التساؤل مطروحا بخصوص مدة الإضراب سواء في حدها الأدنى أو الأقصى، وإذا كان البعض يعتبر تحديد مدة الإضراب تقييدا لهذا الحق، فإن توجهات محكمة النقض المغربية مؤخرا ترى خلاف ذلك، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية رقم 2/314 بتاريخ 17 مارس 2021 في الملف الاجتماعي عدد 488/5/1/2020 ما يلي : (لما كان من الثابت من إقرار الأجير بمذكرة دفاعه أنه خاض إضرابا عن العمل لمدة غير محددة وأنه قد اقترن باعتصام بمقر الشركة المشغلة، فإن الإضراب وإن كان حقا دستوريا من أجل تحقيق مطالب مشروعة فإن عدم تحديد مدته ينفي عنه وصف المشروعية ويعتبر تعسفيا ) ، كما أن التعريف المشار إليه أعلاه ربط الإضراب بالحقوق أو المصلحة، ولا شك أن هناك فرقا بين الاثنين، وكان الأجدر ربطه بالملف المطلبي أو المطالب المهنية، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية Cass. Soc. 22 Octobre 2014 : bull. civ. N° 146. N° 13-19-858.)) ، حيث ربطت ممارسة الإضراب بوجود مطالب مهنية محددة سلفا، والتي رفض المشغل الوفاء بها، وهو الأمر الذي يسمح بتمييز الإضراب عن تصرفات التمرد وعدم الطاعة حتى ولو كانت في صورة جماعية مدبرة، وكذلك تمييزه عن عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية. كما نلاحظ أيضا على أن توجه واضعي المشروع يذهب إلى ربط ممارسة الحق في الإضراب بالفئات الخاضعة لعلاقة تعاقدية أو علاقة نظامية، إما في إطار مفهوم المقاولة، أو مفهوم المرفق العام، وهو ما يلاحظ من خلال المادة 4، وكذلك مقتضيات مشروع القانون التنظيمي برمته، ذلك أنه يلاحظ على المشروع أنه رجح التصور العضوي أو النقابي في ممارسة حق الإضراب. وعليه فإذا كان هذا المشروع يهدف إلى تنظيم ممارسة حق الإضراب بشكل عام في جميع القطاعات والأنشطة، فأعتقد أنه يجب إعادة صياغة المشروع كاملا، حتى يمكن ملاءمة مقتضياته مع بعض الفئات الخاصة، والأجراء المستقلين، والعاملات والعمال المنزليين، وبعض المهن الحرة، وغيرها من الفئات.
وتناولت مقتضيات المادة 3: التعريف ببعض المفاهيم، كالأجير، والمشغل في القطاع العام والخاص، وكذلك سرد الجهات التي لها حق الدعوة للإضراب، غير أنه لم يتم إعطاء أي تعريف لكل من الجمع العام للأجراء، والخدمات الأساسية، والإغلاق. اما بالنسبة للجهة الداعية للإضراب، فيلاحظ على المشروع أنه لم يتطرق لمسألة حق الهيئات المهنية والجمعيات المهنية (تجار، حرفيين، مهنيين ….) في الدعوة للإضراب، مما يعني أنه منع فئات كبيرة غير محسوبة على فئة الأجراء من ممارسة هذا الحق، وجعله حكرا على الطبقة العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص. ويلاحظ ان واضعو المشروع ذهبوا الى تعريف المفاهيم والمصطلحات الواردة في هذا المشروع كالأجير والحد الأدنى من الخدمة والمشغل والمرافق الحيوية…) غير انه كان من الأجدر ان يعرف هذا المشروع مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الغامضة والتي تم تكرارها أكثر من مرة في هذا المشروع، ويتعلق الأمر بالقطاع العام والقطاع الخاص والجمع العام للأجراء والخدمات الأساسية.
نصت المادة 4 على انه “يمكن ان يمارس حق الاضراب وفق احكام هذا القانون التنظيمي كل من:
-الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل،
– الموظفين والأعوان والمستخدمين لدى إدارات الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية ولدى كل شخص اعتباري اخر من أشخاص القانون العام “.
يلاحظ من خلال هذه المادة انها تتناقض مع مقتضيات الدستور وستوضح ذلك على النحو التالي:
نصت الفقرة الأولى من الفصل السادس من دستور 2011للمملكة على انه ” القانون هو اسمى تعبير عن إرادة الأمة و الجميع ، أشخاصا ذاتيين و اعتباريين، بنا فيهم السلطات العمومية ، متساوون امامه ، و ملزمون بالامتثال له “في حين نصت الفقرة الثانية من الفصل 29 من نفس الدستور على انه “حق الاضراب مضمون و يحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته ” بالتالي فالصيغة التي جاء بها الفصل 29 من الدستور جاءت مطلقة و لم ترد عليها شروط ، و تبعا لهذا فالأمر يفرض هنا ان يتمتع بممارسة حق الاضراب جميع الفئات الشغيلة و الطبقة العاملة . لكن المشروع قيد التحليل استثنى مجموعة من الفئات من ممارسة هذا الحق الدستوري، لاسيما الأشخاص الذين لا تسري عليهم مدونة الشغل كعمال المنازل وبوابو العمارات واجراء القطاع التقليدي الصرف بالإضافة الى مجموعة من الفئات الأخرى التي لا تسري عليها مدونة الشغل.
واذا كان واضعو المشروع حددوا نطاق ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص، وذلك باقتصاره على الفئات الخاضعة لمدونة الشغل كما يظهر جليا في المادة الرابعة، فان واضعو المشروع لم يتطرقوا الى مسالة غاية في الأهمية و هي، هل يمارس حق الاضراب وفق احكام هذا المشروع قانون على الأشخاص الخاضعين بشكل مطلق لمدونة الشغل ام الأشخاص الخاضعون لمدونة الشغل احتياطيا ام استثناء، بالتالي فالأمر هنا يفرض حسما في هذه المسالة المهمة لأن هذا سيؤدي الى حرمان فئات عريضة من هذا الحق الدستوري لذلك يجب ان يعاد النظر في صياغة هذه المادة لأنها تتسم بالمحدودية و عدم الدقة.
وبخصوص المادة 4 المتعلقة بنطاق تطبيق هذا القانون من حيث الأشخاص، فالملاحظ على هذه المادة أنها ضيقت من نطاقه على مستوى القطاع الخاص، فقصرته من جهة على الأشخاص الخاضعين لمقتضيات مدونة الشغل، ليطرح التساؤل حول ما إذا كان الأمر يتعلق بالأشخاص الخاضعين لمقتضيات مدونة الشغل بشكل مطلق، أم يشمل حتى الأشخاص الذين يخضعون لمقتضبات مدونة الشغل بشكل احتياطي، وهو ما يقتضي حسما لهذه المسألة، حتى لا يشكل ذلك منعا لفئات أخرى خاضعة لمقتضيات هذا القانون، ومن جهة أخرى وسعت من نطاق الأشخاص الخاضعين لنطاقه على مستوى القطاع العام. وعليه يستحسن إضافة فئات غير الأجراء من المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاط خاص.
ولقد اعتبرت المادة 5 الدعوة للإضراب باطلة ما دام أنها لا تستجيب للأحكام المتطلبة في الدعوة للإضراب وفق مقتضيات هذا القانون، لكن في مقابل ذلك لم يتم تحديد آثار هذا البطلان هل يتم منع الإضراب، ومن هي الجهة المخول لها منع الشروع في ممارسة الإضراب وهل يعتبر الإضراب باطلا إذا تم. كما نصت مقتضيات هذه المادة على أن” كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب. وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة إلى الإضراب، ولا بد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه، في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ونصت المادة 6 من هذا المشروع على المشاركة في ممارسة حق الإضراب، الشيء الذي يوحي بأن هناك مجموعة من الفئات، المساهمين في ممارسة الحق في الإضراب، والمشاركين، والمنظمين، والمنسقين …. بخلاف الأمر أن حق الإضراب مخول للجميع وأن القانون قد حدد الجهات المخول لها الدعوة للإضراب.
ثانيا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثاني المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص.
نصت المادة 7 من المشروع على انه ” لا يمكن اللجوء الى ممارسة حق الاضراب الا بعد انصرام اجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة الى الاضراب. وتفيد الإشارة في ذات السياق الى ان أول ما يلاحظ على المادة 7 ، أنها منعت بشكل ضمني الإضراب الفجائي، كما أنها حاولت إخراج الحق في الإضراب من الطابع العشوائي إلى طابع تنظيمي يتسم بنوع من التريث والحذر، وبذلك فإن ممارسة حق الإضراب يسبقه تقديم ملف مطلبي للمشغل، حتى يكون هذا الأخير على علم بمطالب الجهة الداعية للإضراب، لكن المشروع لم يُجب عن مسألة مهمة تتعلق برفض المشغل تسلم الملف المطلبي، وجزاء ذلك على اعتبار أن المشروع حدد جزاء عدم سلوك الجهة الداعية للإضراب لهذا الإجراء دون تحديد جزاء رفض المشغل تسلم الملف المطلبي، وكذلك آثار ذلك على ممارسة الإضراب، ويوجب مشروع القانون، حسب هذه المادة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب. وقد حُدد أجل 30 يوما كمدة مخولة للمشغل من أجل دارسة الملف المطلبي، ومن جهة أخرى للجهة الداعية للإضراب من أجل تأطير الأشخاص المشاركين في الإضراب، وذلك من أجل فتح المفاوضات بين الأطراف وفي حالة فشلها إجراء محاولة التصالح بين الأطراف. غير أن هذا المقتضى يبقى غير واضح أولا من حيث تقسيم أجل 30 يوم على إجراء المفاوضات وإجراء محاولة التصالح، كما أن إجراء المفاوضات لم يحدد بشأنها من يبادر إلى فتح بابها خاصة في ظل توتر العلاقة بين الأطراف في هذه الظرفية، إلى جانب ذلك نجد مسألة الاتفاق على تعيين وسيط لم يُوضح المشروع مسطرتها، وطبيعتها، وكذلك طبيعة مهمة هذا الوسيط، وهل سيقوم بمهامه بشكل مجاني أم بمقابل، ومن سيؤدي هذا المقابل، ومن هي الجهة التي سيعين منها الوسيط، وما هي حدود مهمته، و ما هي الأحكام التي يجب عليه تطبيقها على النزاع، وماذا عن الحالة التي لم يتم فيها الاتفاق على تعيين وسيط من يقوم بهذه المهمة محل الأطراف. والملاحظ كذلك أن المشروع جعل مسطرة اللجوء إلى إجراء المفاوضات إلزامية قبل ممارسة الإضراب، لكنه في مقابل ذلك جعل من اتفاق الأطراف على تعيين وسيط مجرد إمكانية مخولة للأطراف، وإذا كان الأمر يتعلق بالوساطة الاتفاقية التي نص عليها القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، فيجب أن تتم الإحالة على مقتضيات هذا القانون. ومن جهة أخرى إذا كان من اللازم إجراء المفاوضات، فإن المشروع لم يحسم في مسألة إلزامية اللجوء إلى إجراء محاولة التصالح بعد فشل إجراء المفاوضات، ذلك أن العبارة جاءت وفق الشكل التالي “يتعين القيام ببذل جميع المساعي اللازمة لإجراء محاولة التصالح”. وهنا يجب الإحالة على مقتضيات الكتاب السادس من مدونة الشغل المتعلق بتسوية نزاعات الشغل الجماعية، كما ينبغي الحسم في مسألة إلزامية اللجوء إلى هذه المساطر قبل ممارسة الإضراب، حتى لا يكون هناك أي تناقض مع مقتضيات القانون التنظيمي بالنسبة لمدونة الشغل باعتبارها قانونا عاديا لا يجب أن تخالف أحكام القانون التنظيمي. كما تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن تكون السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، على علم مسبق كذلك بالملف المطلبي، حتى تكون على دراية بطبيعة المطالب ونوعية النزاع، لدى يتعين إدراج مقتضى إشعار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بنسخة من الملف المطلبي ضمن مقتضيات هذه المادة.
ولقد تطرقت المادة 8 لكل من شرط التنازل عن ممارسة حق الإضراب، والذي اعتبرته باطلا بقوة القانون، وإلى شرط تعليق ممارسة حق الإضراب والذي أجازته في حدود. فبالنسبة للشرط الأول، فالملاحظ أن هناك تناقضا بين هذا المقتضى وبين التعريف الذي أُعطي للإضراب في المادة الأولى، والذي اعتبرته توقفا جماعيا عن العمل، كما حددت نفس المادة الجهة التي لها حق الدعوة للإضراب، في مقابل ذلك اعتبرت هذه المادة مفهوم المخالفة الحق في الإضراب حقا فرديا، بأن منعت على الأجير التنازل عنه، كما خولته إمكانية ممارسته لوحده. أما بخصوص شرط تعليق الإضراب فقد أجازته المادة 8 لكنها اشترطت أن يكون ذلك رهينا بوجود اتفاقية شغل جماعية، لكن السؤال المطروح : هل يجب أن تكون الاتفاقية الجماعية سابقة على ممارسة الإضراب أم خلال سريانه ؟، وأن يتم تحديد مدة هذا التعليق، لكنها لم تورد آجالا محددة، كما فتحت نفس المادة الباب للأطراف من أجل الاتفاق على إجراءات أخرى غير ما ورد عليه النص في هذا القانون، أو في قوانين أخرى من أجل تسوية نزاع جماعي قد يحدث خلال مدة سريان تعليق الإضراب، وهنا يطرح إشكال قانوني، فما دام الحق في الإضراب سيتم تنظيم شروط وكيفيات ممارسته بموجب قانون تنظيمي، فهل يجوز أن تتضمن بعض القوانين العادية، أو اتفاقيات الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي أو حتى عقد الشغل بعض الأحكام الخاصة بممارسة الحق في الإضراب، فإذا كان القانون التنظيمي من حقه التدخل في اختصاص القانون العادي، فإن العكس غير صحيح، كما ذهبت لذلك المحكمة الدستورية، ذلك أن القانون العادي يوجد في مرتبة أدنى من القانون التنظيمي، وبالتالي لا يمكن للأول أن يتوغل بالتشريع في الثاني، كما أنه لا يجب للقانون العادي أن يخالف مقتضيات القانون التنظيمي.
كما تطرقت مقتضيات المادة 9 لمسألة منع عرقلة ممارسة حق الإضراب، فحددت الأشخاص المعنيين بهذا المقتضى في كل من المشغلين والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء، وهم كلهم أشخاص معنوية يصعب تحديد المسؤول المباشر عن الخرق، وكان يجب إضافة الأجير انسجاما مع المادة 36 التي تعاقبه هو الآخر على نفس الإخلال، إلى جانب إضافة الأغيار، أي كل شخص خارج العلاقة التعاقدية بين الطرفين، كما حددت هذه المادة الوسائل الممنوع استعمالها في الاعتداء، الانتقام، الإغراء …… وغيرها مما من شأنها الحيلولة دون ممارسة الأجراء حقهم في الإضراب.
واما المادة 10 فقد اقرت جواز إحلال أجراء غير مضربين محل أجراء مضربين، عدم جواز إحلال أجراء أغيار محل أجراء مضربين. كما اقرت أيضا بجواز إحلال أجراء أغيار محل أجراء مضربين مكلفين بتوفير حد أدنى من الخدمة رفضوا أداء هذه الخدمة.
وفي قراءة سريعة لمضامين مقتضيات المادة 11، يتضح لنا بجلاء كبير انه كان بالإمكان ادراج هذه المادة في الباب الأول المتعلق بأحكام عامة كونها ترتبط بمقتضى عام ومجرد.
اما مقتضيات المادة 12 فقد نصت على منع الإضراب الدائر (La grève tournante) وهو الإضراب الذي يتم من خلال التوقف عن العمل في عدة وحدات للمقاولة بصفة متتالية ومتتابعة، بحيث يبدأ الأجراء في الإضراب في مصلحة تم ينتقل بعد ذلك إلى مصالح أخرى بالتتابع، وبذلك فإن الأجراء يتناوبون بينهم على القيام بالإضراب، إذ تضرب مجموعة من أجراء المقاولة تم تستأنف عملها، وبعد ذلك تضرب مجموعة ثانية وثالثة. وهو من أنواع الإضراب التي تشكل عرقلة في وجه التنمية الاقتصادية، وكل من خالف هذا المقتضى يعاقب بغرامة من 2000 الى 5000 درهم. وهناك أنواع أخرى من الإضراب لم تتم الإشارة إليها، كالإضراب عن الإنتاج أو الإضراب المبرقع، والإضراب القصير المتكرر، والإضراب التضامني وإن تمت الإشارة إليه بشكل ضمني ضمن مقتضيات المادة الثانية التي اشترطت في الحقوق والمصالح أن تكون مباشرة للأجراء المضربين، بمعني جعل الإضراب التضامني بنوعيه الداخلي والخارجي ممنوعا، والإضراب الدفاعي، إلى جانب بعض الأنواع الأخرى المستجدة كالدعوة لمقاطعة المنتوج أو العلامة التجارية للمشغل.
وتكشف لنا مقتضيات المادة 13 مسالة منع عرقلة حرية العمل المقصود بعرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب كل فعل يؤدي أو قد يؤدي إلى منع الأجير غير المضرب أو المشغل (ماذا عن الموردين أو الأشخاص الذين يتعامل معهم المشغل) من ولوج أماكن العمل أو من القيام بمزاولة نشاطه المهني، بواسطة الإيذاء أو العنف أو التهديد أو احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. ونشير في هذا الصدد الى ان مقتضيات المادة 40 قد نصت على أنه يعاقب على عرقلة حرية العمل بغرامة من 5000 إلى 10000 درهم، لكنها في مقابل ذلك تركت المجال مفتوحا لتطبيق مقتضيات الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي وغيرها من النصوص المشددة للعقاب. تخويل قاضي المستعجلات اختصاص اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون عرقلة حرية العمل بما في ذلك وقف الإضراب. أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها،
وتعتبر مقتضيات المادة 14 من مشروع القانون المشاركين في الإضراب في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة انطلاقا من مبدا الأجر مقابل العمل، والإضراب توقف عقد الشغل ، ويلزم النص الجهة الداعية إلى الإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب، قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام، في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين، أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.
وتنص مقتضيات المادة 15 من مشروع هذا القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.
وحسب مقتضيات المادة 16 من مشروع القانون الآنف الذكر، يتخذ قرار الإضراب على صعيد المقاولة أو المؤسسة من قبل الجمع العام للأجراء. فما المقصود بالجمع العام للأجراء، ومن يمثل هذا الجمع، وكيف يتم عقد الجمع العام، هل يجب أن يتم ذلك داخل المقاولة أو المؤسسة، أم في أي مكان آخر، وما هي الوسائل المتاحة لعقد هذا الجمع العام، وما هي الجهة التي تسهر على مراقبة مدى توفر هذا الجمع العام على الشروط القانونية للانعقاد. وعليه يجب على الأقل إذا كان مكان انعقاد الجمع العام داخل المقاولة، أن يتم تحديد لجنة للإضراب، وأن يكون خارج أوقات العمل، وأن يوفر المشغل مكان خاص لعقد هذا الجمع، مع إمكانية حضور ممثل عن المشغل، وكذا ممثل للسلطات الحكومية.
وتتطرق المادة 17 من المشروع الى البيانات التي يجب أن يتضمنها قرار الإضراب سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد المقاولة أو المؤسسة، وهو ما يعني أن قرار الإضراب يجب أن يكون مكتوبا، فما هو جزاء عدم احترام هذه الشكلية، هل يعتبر الإضراب باطلا ويمكن المطالبة بإيقافه أمام القضاء الاستعجالي؟
وفي ذات السياق تتحدث مقتضيات المادة 18 من المشروع عن وجوب تبليغ المشغل بقرار الإضراب 15 يوما قبل التاريخ المقرر لخوضه، وفي حالة ما إذا تعلق الأمر بعدم أداء الأجور، أو وجود خطر حال يهدد صحة الأجراء وسلامتهم فإن الأجل يُخفض إلى 5 أيام فقط. اما بالنسبة لمسألة الخطر الحال داخل أماكن العمل، فإنه كان الأجدر أن تعطى لمفتش الشغل كلما تبين له وجود هذا الخطر صلاحية الأمر بإيقاف الأشغال أو وقف النشاط إلى حين اتخاذ المشغل التدابير اللازمة لإيقاف الخطر الحال، أو على الأقل أن يفتح الباب أمام الأجراء في حالة وجود خطر يهدد صحتهم وسلامتهم في اللجوء للقضاء الاستعجالي، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف الخطر الحال. اما إذا كان الأمر يتعلق بوجود خطر حال يهدد صحة وسلامة الأجراء، ففي هذه الحالة يجب أن لا يُربط ذلك بأجل معين، ذلك أن حياة الشخص ساعة الخطر تكون رهينة بسرعة الوسائل المتخذة لنجدته، على اعتبار أن المسألة تتعلق بأسمى حق، هو الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية، وهي حقوق مضمونة بموجب الدستور، قيمتها الدستورية في قيمة الحق في الإضراب والحق في الملكية.
وإذا تأملنا جليا في مضامين مقتضيات المادتين 18 و19، فإننا نلاحظ أن المادة 18 تنص على تبليغ المشغل بقرار الإضراب، والمادة 19 تنص على إحاطة المشغل علما بقرار الإضراب. ويمكن هنا ان نكتفي فقط بما جاءت به المادة 18.
وبخصوص مقتضيات المادة 20، فقد تطرقت لمسألة تدبير وتسيير المضربين سواء قبل أو أثناء سريان الإضراب، فحددت بذلك مهام الجهة الداعية للإضراب، وهي من جهة الإشراف على تأطير الأجراء المضربين وتدبير مختلف مراحل الإضراب، ومن جهة أخرى السهر على ضمان استمرار الخدمات الأساسية وذلك باتفاق مع المشغل. فإذا كانت مسألة تأطير الأجراء مسألة مفروغ منها، فإن مسألة السهر على استمرار الخدمات الأساسية بتنسيق مع المشغل تبقى مسألة صعبة التطبيق، خاصة وأن الأطراف هم في حالة نزاع، وأن من شأن ذلك التأثير على استمرار هذه الخدمات، والتصعيد من حدة النزاع. حتى أن مسألة لجوء المشغل لقاضي المستعجلات من شأنها أن تزيد النزاع حدة وتعقدا، وهو ما يقتضي تدخل جهاز آخر يكون أكثر قربا من الطرفين وأكثر اطلاعا على طبيعة النزاع وعلى مزاجية كلا الطرفين، ولا شك أن المديريات الجهوية والإقليمية للشغل هي الأقرب للعب هذا الدور، ولما لا إحداث مصلحة أو خلية تسهر على تتبع الإضرابات.
وفتحت المادة 21 من هذا المشروع المجال أمام كلا الطرفين من أجل الاستعانة بمفوض قضائي من أجل تتبع ظروف سير الإضراب والوقائع المصاحبة له، وهي مسألة من شأنها أن تزيد من حدة التوتر، وخلق وضعيات ووقائع وهمية من أجل الاستفادة من هذا المقتضى، وهو ما يقتضي البحث عن وسيلة من شأنها تقريب وجهات نظر الأطراف، والنيئ بهم إلى اختلاق مشاكل أخرى مصاحبة للإضراب، فلما لا يتم خلق لجنة تتكون من ممثلين عن المصالح الخارجية للشغل والسلطة المحلية والمصالح الخارجية التابع لها نشاط المقاولة أو المؤسسة، من أجل السهر على تتبع مراحل ممارسة الإضراب، والبحث من خلالها على الحلول الممكنة.
كما نصت مقتضيات المادة 22 على الاتفاق المنهي أو الملغي للإضراب، فمن يبادر إلى إبرام هذا الاتفاق، ومن هي الجهة المخول لها الإشراف على تحرير هذا الاتفاق وتتبع تنفيذ مقتضياته، وما هي طبيعة هذا الاتفاق وأثر عدم الالتزام بمضامينه من طرف أحد الطرفين أو كلاهما؟
وحسب مقتضيات المادة 23 من المشروع السالف الذكر ، يمنع بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة، وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.
ومنعت مقتضيات المادة 24 نقل أو ترحيل المشغل خلال مدة الإضراب، آليات وأجهزة عمل المقاولة، وهي إشكالية كانت تطرح خلال سريان الإضراب، حيث كان يعمد بعض المشغلين سيئي النية إلى ترحيل وسائل العمل كنوع من رد الفعل على الإضراب. غير أنه يبقى من الواجب كذلك منع ترحيل وسائل العمل قبل ممارسة الإضراب، إذ غالبا ما يصل إلى علم المشغل بأن هناك بوادر للإضراب فيسارع إلى ترحيل وسائل العمل.
وتطرقت المادة 25 من هذا المشروع في فقرتها الأولى بمنع المشغل من الإغلاق الكلي أو الجزئي للمقاولة بسبب ممارسة حق الإضراب لكن ماذا عن الإغلاق الذي قد يقوم به المشغل قبل ممارسة الإضراب، وما هو جزاء سلوكه هذا.؟ اما بالنسبة للفقرة الثانية فهناك التباس وسوء التعبير، فهي تتحدث في البداية عن توفر حالة الإضرار بممتلكات المقاولة أو المؤسسة، وفي آخر الفقرة تتحدث عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هذه الممتلكات، إذا كيف يمكن أن نوفر الحماية إذا كانت أصلا حالة الإضرار متحققة؟ كما يلاحظ أنه إذا كان المشروع منع على المشغل الإغلاق الكلي أو الجزئي بمبادرة منه، فإنه في مقابل ذلك خوله هذا الحق باستصدار أمر قضائي بذلك.
وخولت المادة 26 للمشغل وحده الحق في المطالبة بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت المقاولة جراء الإضراب غير المشروع، وبذلك نجد أن المشروع فتح المجال لتدخل قضاء الموضوع في مسألة التعويض عن الضرر جراء الإضراب. وكان الأجدر كذلك منح القضاء الاختصاص للبث في النزاعات الجماعية متى ما تعذر فضها بالوسائل السلمية. كما يجب فتح المجال أمام الجهة الداعية للإضراب من أجل المطالبة بالتعويض عن عرقلة ممارسة حقها في الإضراب، أو عن الإغلاق غير المشروع للمقاولة أو الترحيل غير القانوني لوسائل العمل، كما لابد من الإشارة إلى آثار الإضراب بالنسبة للأغيار المتعاملين مع المقاولة أو المؤسسة. إلى جانب ذلك هناك مسألة أساسية ومهمة تتعلق بالفرق بين الإضراب غير المشروع، والإضراب الممارس بشكل تعسفي، ذلك أنه إذا كان يمكن اعتبار الأول أنه كل إضراب لم تتقيد فيه الجهة الداعية له بأحكام هذا القانون التنظيمي، فإن الثاني قد تكون الجهة الداعية احترمت جميع هذه الأحكام، لكنها خرجت بحق الإضراب عن مساره أو عن نطاقه كحق.
نصت المادة 27 من المشروع على انه: “يمنع على الأجراء المضربين احتلال أماكن العمل خلال مدة سريان الاضراب.” يلاحظ من خلال هذه المادة من المشروع انها منعت ممارسة حق الاضراب مع احتلال أماكن العمل، وتناولت مقتضيات هذه المادة من مشروع القانون الآنف الذكر مسألة منع الأجراء المضربين من احتلال أماكن العمل خلال سريان الإضراب، وهو ما يعني أنه لا يجب ممارسة الإضراب داخل أماكن العمل سواء كان مقاولة أو مؤسسة، أي أن الإضراب يكون خارج المقاولة أو المؤسسة، وهو ما قد يشكل تداخلا مع الاجتماعات العمومية والمظاهرات في الطرق العمومية المنظمة بموجب ظهير 1958 بشأن التجمعات العمومية، خاصة وأن هذا الأخير يسمح للهيئات المنظمة بصفة قانونية وكذلك المنظمات النقابية بحق ممارسة حق التجمع والتظاهر في الطرق العمومية. وهو ما من شأنه أن يمنع بعض الأنواع التي لا يمكن أن تدخل في مفهوم الإضراب، كالاعتصام، والوقفة
نصت المادة 28 من المشروع على انه ” يمكن لرئيس الحكومة، في حالة حدوث افات او كوارث طبيعية او ازمة وطنية، ان يأمر بصفة استثنائية بموجب قرار معلل، يمنع الاضراب او وقفة لمدة محددة. (مادة واضحة لا تثير اية اشكال).
نصت المادة 29 من المشروع على “انه يمكن تعليق الاضراب بمقتضى امر قاضي المستعجلات بالمحكمة المختصة في حالة ما إذا كانت ممارسته ستؤدي الى تهديد النظام العام او وقف تقديم الخدمات الأساسية في حدودها الدنيا، بناء على طلب من رئيس الحكومة وبمبادرة من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بمكن اعتبار هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
ثالثا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الثالث من المشروع المعنون بشروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب في القطاع العام.
قبل البدء في تحليل مقتضيات هذا الباب المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع العام ، وجب ان نشير ان المشروع خصص لهذا الباب 4 مواد فقط ، و في المقابل تم تخصيص 22 مادة للباب المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص .و كان الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع العام اقل بكثير من الإشكالات التي تثيرها ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص الممارسة العملية لحق الاضراب فإنها عكس ذلك بحيث كلما نسمع اليوم عن ممارسة حق الاضراب فغالبا ما يرتبط بالقطاع العام لا سيما مرفق التعليم و الصحة .
نصت المادة 30 من المشروع على انه” علاوة على الأحكام العامة المنصوص عليها في الباب الأول أعلاه تطبق احكام الباب الثاني من مشروع هذا القانون التنظيمي على ممارسة حق الاضراب من قبل الأجراء العاملين بالقطاع العام، باستثناء احكام المواد 8 و15و 16 و17 و19 و24. وبالعودة الى مقتضيات احكام المادة 30 من المشروع، نجد انها استثنت مجموعة من المواد المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص من تطبيقها في القطاع العام وهي احكام المواد 8 و15 و16 و17 و19 و24.
نصت المادة 31 من المشروع على انه يمكن ان يتخذ قرار الاضراب في القطاع العام، وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي على الصعيد الوطني من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا او ذات تمثيلية على الصعيد الوطني. ويقصد في مدلول هذا القانون التنظيمي بالقطاع العام كل المرافق التابعة للدولة او الجماعات الترابية او المؤسسات او المقاولات العمومية او لكل شخص اعتباري اخر من اشخاص القانون العام. والواقع ان مقتضيات هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
نصت المادة 32 من هذا المشروع على انه “يجب على الجهة الداعية الى الاضراب ان تحيط علما الجهات المشار اليها بعده بقرار الاضراب في أحد المرافق العمومية او في بعضها او في جميعها سبعة أيام على الأقل قبل تاريخ الشروع الفعلي في تنفيذه:
رئيس الحكومة والسلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والوظيفة العمومية والتشغيل،
السلطات الحكومية التابع لها المرفق المعني، او التي تمارس الوصاية والاشراف عليه إذا تعلق الأمر بمؤسسة او مقاولة عمومية، والى مدير المؤسسة او المقاولة العمومية المعنية، وكل مسؤول عن المرفق العمومي المعني،
عامل العمالة او الإقليم المعني.
نلاحظ اذن بان مقتضيات هذه المادة واضحة ولا تثير اية اشكال.
ولقد نصت المادة 33 من المشروع الآنف الذكر على انه “لا يمكن للفئات التالية ممارسة حق الاضراب:القضاة وقضاة المحاكم المالية موظفو إدارة الدفاع الوطني و القوات المساعدة، رجال و أعوان السلطة وجميع فئات الموظفين العاملين بوزارة الداخلية و الموظفين الدبلوماسيين و القنصليون، موظفو و أعوان إدارة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة، موظفو و أعوان إدارة السجون و إعادة الادماج، موظفو الهيئة الوطنية للوقاية المدنية و جميع الفئات الأخرى العاملة بها، موظفو و أعوان المياه و الغابات حاملو السلاح ، القيمون الدينيون، مراقبو الملاحة الجوية و البحرية كما لا يمكن للأشخاص الآتي ذكرهم ممارسة حق الاضراب : الأشخاص الذين يتم تكليفهم بضمان حد ادنى من الخدمة، الأشخاص الذين يتم تكليفهم بالسهر على الصحة والسلامة المهنية بأماكن العمل اثناء فترة سريان الاضراب. ويلاحظ من خلال هذه المادة من المشروع انها حددت الفئات الممنوعة من ممارسة حق الاضراب، وذلك نظرا لحساسية وطبيعة المرافق التي تعمل بها، لأنه من شان ممارسة حق الاضراب في هذه المرافق السيادية للدولة، تهديد استمرارية الدولة وسيادتها الداخلية والخارجية.
من خلال قراءتنا وتحليلنا لهذه المواد الأربع السالفة الذكر المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع العام يتبين ان المشروع طبق نفس المقتضيات المتعلقة بتنظيم ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص على القطاع العام، بما في ذلك عدم ممارسة حق الاضراب الا بعد انصرام 30 يوما من تاريخ تقديم الملف المطلبي، واجراء المفاوضات والتصالح بشأنه من طرف الجهة الداعية لممارسة حق الاضراب، وعدم عرقلة ممارسة حق الاضراب و عدم عرقلة حرية العمل ….) ما عدا الاستثناءات المشار اليها أعلاه.
المحور الثاني: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع والخامس والسادس من مشروع قانون تنظيمي رقم .97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وأسباب عدم صدوره.
تأسيسا على ما سبق سوف نقوم أولا: بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الرابع المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب في المرافق الحيوية، وبعدها ثانيا: سنقوم بقراءة تحليلية لمقتضيات الباب الخامس المتعلق بالعقوبات والباب السادس المتعلق بالأحكام الختامية للمشروع.
أولا: تحليل مقتضيات الباب الرابع من المشروع المعنون احكام خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.
يلاحظ ان المشروع خصص مادة واحدة فقط لهذا الباب وهي على النحو التالي:
نصت المادة 34 من هذا المشروع على انه يمارس حق الاضراب في المرافق الحيوية طبقا للشروط و الكيفيات المنصوص عليها في هدا المشروع شريطة توفير حد ادنى من الخدمة في هذه المرافق، ولا سيما منها: المؤسسات الصحية، المحاكم بمختلف اصنافها و درجاتها ، مرافق الأرصاد الجوية ، مرافق النقل السككي، قطاعات النقل البري بمختلف اصنافه، شركات الاتصال السمعي البصري العمومي، شركات صناعة و توزيع الأدوية و شركات انتاج مادة انتاج وتوزيع مادة الأوكسجين ذات الاستعمال الطبي، مصالح المراقبة الصحية في الحدود و المطارات و الموانئ ، المصالح البيطرية، مرافق انتاج و توزيع الماء و الكهرباء، مرافق انتاج و توزيع المواد الطاقية، مرافق التطهير السائل و الصلب، مرافق جمع النفايات بجميع اصنافها. ويحدد اتفاق يبرم بين الجهة الداعية الى الاضراب والمشغل المعني بمساهمة السلطة او السلطات الإدارية المحلية المختصة، عند الاقتضاء، الحد الأدنى من الخدمة الواجب تأمينها في المرافق المذكورة وكذا الأجراء المكلفين بتوفيرها. وفي حالة تعذر ابرام هذا الاتفاق، يتعين على المشغل استصدار امر قضائي من قبل قاضي المستعجلات يحدد بموجبه الحد الأدنى المذكور والأجراء المكلفين بتوفيرها. ويمكن تتميم لائحة المرافق الحيوية التي تستوجب توفير حد أدني من الخدمة بها بقانون، بعد استشارة المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا او ذات تمثيلية على الصعيد الوطني والمنظمات المهنية للمشغلين التابع لها المرفق المعني عند وجودها.
يلاحظ من خلال هذه المادة، ان المشروع حدد المرافق الحيوية التي يجب على العاملين فيها عند ممارسة حق الاضراب الالتزام بضمان الحد الأدنى من الخدمة وذلك نظرا لطبيعة الخدمات الحساسة والسيادية التي تقدمها هذه المرافق السالفة الذكر أعلاه. غير أن الملاحظ هو غياب أي دور للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل في تحديد الحد الأدنى من الخدمة.
ثانيا: قراءة تحليلية لمقتضيات الباب الخامس من المشروع المعنون بالعقوبات والباب السادس المتعلق بالأحكام الختامية.
قبل تحليل مقتضيات هذا الباب المتعلق بالعقوبات، نلاحظ ان المشروع خصص له 12 مادة من أصل 49 مادة من هذا المشروع وهي على النحو الثاني:
نصت المادة 35 من المشروع على: انه ” علاوة على العقوبات المنصوص عليها في هذا الباب، يعتبر في حالة تغيب عن العمل بصفة غير مشروعة، كل اجير مارس الاضراب في القطاع العام او القطاع الخاص، دون التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في مشروع هذا القانون التنظيمي، وتطبق في حقه، عند الاقتضاء، العقوبات التأديبية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والأنظمة الخاصة بالأجراء الجاري بها العمل.”
نصت المادة 36 من المشروع على انه ” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل مشغل او منظمة مهنية للمشغلين او منظمة نقابية عرقلت ممارسة الأجراء حقهم في الاضراب خلافا لما هو منصوص عليه في المادة 9 من مشروع هذا القانون التنظيمي. ويعاقب بغرامة من 2.000 الى 5.000 درهم كل اجير ارتكب نفس الفعل خلافا لأحكام المادة 9 المذكورة.
نصت المادة 37 من المشروع على انه ” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل مشغل أحل اجراء اخرين محل الأجراء المضربين خلافا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 10 من مشروع هذا القانون التنظيمي، مع مراعاة احكام الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة المذكورة.”
ونصت المادة 38 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 15.000 الى 30.000 درهم كل مشغل اتخذ خلافا لأحكام المادة 11 أعلاه اجراء تمييزيا ضد اجرائه بسبب ممارستهم حق الاضراب.”
كما نصت المادة 39 من المشروع السالف الذكر على انه” يعاقب بغرامة من 2.000 الى 5.000 درهم كل من خالف احكام المادة 12 من مشروع هذا القانون التنظيمي دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد.
ونصت المادة 40 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 5.000 الى 10.000 درهم كل من عرقل حرية العمل خلافا لما هو منصوص عليه في المادتين 13 و27 من مشروع هذا القانون التنظيمي، دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد. ويمكن لقاضي المستعجلات بالمحكمة المختصة في الحالات المنصوص عليها في المادتين المذكورتين بطلب من المشغل ان يأمر باتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون عرقلة حرية العمل، بما في ذلك وقف الاضراب. دون الاخلال بتطبيق احكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يعاقب على كل مخالفة للأمرؤ القضائي المذكور بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر وبغرامة من 10.000 الى 20.000 درهم.
نصت المادة 41 من هذا المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل من دعا الى ممارسة حق الاضراب دون التقيد بأحكام الفقرة الأولى من المادة الأولى من المادة 7 من مشروع هذا القانون التنظيمي دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد.”
نصت المادة 42 من المشروع على انه” يعاقب بغرامة من 10.000 الى 30.000 درهم كل من اتخذ قرار الاضراب دون التقيد بأحكام المواد 15و16و18 و19و23و31و32 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
كما نصت مقتضيات المادة 43 من المشروع على ” انه يعاقب بغرامة من 20.000 الى 50.000 درهم كل من خالف احكام المادتين 24 و25 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
نصت المادة 44 من المشروع الآنف الذكر على انه “يعاقب بغرامة من 5.000 الى 10.000 ذرهم كل اجير رفض القيام بالخدمات الأساسية التي كلف بتقديمها، خلافا لأحكام البند 2 من الفقرة الأولى من المادة 20 من مشروع هذا القانون التنظيمي.”
ونصت مقتضيات المادة 45 من مشروع هذا القانون التنظيمي على “انه في حالة العود، تضاعف العقوبة. ويعتبر في حالة العود كل من سبق الحكم عليه من اجل مخالفة احكام هذا الباب بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة مماثلة قبل مضي سنتين من صدور المقرر المذكور او تقادم العقوبة. ولتطبيق احكام هذه المادة، تعتبر مخالفات مماثلة جميع مخالفات هذا الباب.
ونصت مقتضيات المادة 46 من مشروع هذا القانون التنظيمي على “انه يقوم ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر المعاينة واثبات المخالفات لأحكام مشروع هذا القانون التنظيمي، وترسل المحاضر الى النيابة العامة بالمحكمة المختصة داخل اجل أقصاه 24 ساعة من تحريرها داخل اجل معقول.
وبعد قراءتنا للمواد الاثنا عشر من المشروع السالفة الذكر المتعلقة بالباب الخامس المتعلق بالعقوبات، نلاحظ أن جميع الجرائم المنصوص عليها فيه عبارة عن جنح ضبطية، معاقب عليها بغرامة، أقصى حد لها يتراوح ما بين 20.000 و50.000 درهم، وأدناها ما بين 2.000 و5.000 درهم، بالإضافة إلى عقوبة حبسية واحدة تتمثل في الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر. وتجدر الإشارة إلى أن المشروع فتح المجال لإعمال المقتضيات الجنائية الأشد المنصوص عليها في نصوص قانونية أخرى كمجموعة القانون الجنائي. كما أنه تم منح اختصاص تحرير محاضر المعاينة وإثبات المخالفات لأحكام هذا القانون التنظيمي لضباط الشرطة القضائية، وهو ما يجعل من المخالفات التي تم إدراجها ضمن مقتضيات مشروع هذا القانون، تندرج ضمن جرائم الحق العام، وكان الأجدر أن يعطى لها طابع الجرائم التي تدخل في باب القانون الجنائي للشغل، وأن تبقى متسمة بطابعها الاجتماعي، وهي التي تخضع لسلطة مفتشي الشغل. كما يلاحظ غياب أي دور لجهاز تفتيش الشغل ضمن مقتضيات هذا المشروع، مع العلم أن هذا الجهاز يبقى دائما في علاقة مستمرة بالأطراف، وله إلمام كبير بطبيعة هذه العلاقة، وبوسائل تدبير نزاعات الشغل الجماعية، ولا شك أنه سيكون له دور كبير في هذا المشروع إن هو تم تمكينه من الوسائل والآليات اللازمة للاشتغال. اما فيما يخص مقتضيات الباب السادس، فانه يتضمن احكام مختلفة وختامية موزعة بين ثلاثة مواد وهي على النحو التالي:
لقد نصت مقتضيات المادة 47 من مشروع القانون التنظيمي على “انه تؤهل السلطات العمومية المعنية، خلال مدة سريان الاضراب لاتخاذ جميع التدابير الازمة لحفظ النظام العام وحماية الأشخاص والأموال والممتلكات، بما في ذلك العمل على فك الاعتصامات والحيلولة دون احتلال المباني وأماكن العمل والمرافق الملحقة بها، و منع كل تجاوز يروم اغلاق مقرات العمل و مداخلها في وجه العاملين و المرتفقين. كما يمكنها، عند الاقتضاء، وخلافا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل اللجوء الى مسطرة التسخير من اجل تامين استمرارية المرافق الحيوية في تقديم خدماتها وتامين تزويد السوق بالمواد الأساسية.
ونصت المادة 48 من المشروع على انه “تعتبر الآجال المنصوص عليها في مشروع هذا القانون التنظيمي اجالا كاملة لا يحتسب فيها اليوم الأول واليوم الأخير.
ولقد نصت مقتضيات المادة 49 من المشروع على انه ” سيدخل هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ بعد انصرام اجل ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية وينسخ ابتداء من التاريخ نفسه جميع الأحكام المخالفة.
وختاما وتأسيسا على هذه القراءة التحليلية والنقدية لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتنظيم ممارسة حق الاضراب، يمكن القول بان الحكومة تطمح من خلال هذا المشروع إلى تكبيل هذا الحق الذي هو آخر سلاح في يد الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن حقها وبأن «الباطرونا» تطالب بتنظيم ممارسة الحق في الإضراب، وهي لا تحترم حتى الحد الأدنى للأجر، وبخصوص إمكانية التنصيص على القانون التنظيمي للإضراب خلال الدورة البرلمانية الحالية كما تم الاتفاق عليه بين الحكومة والنقابات، فإننا نخشى أن يكون هناك اتفاق بمنطق المقايضة بين الحكومة والنقابات بالزيادة في الأجور والحد الأدنى للأجور، مقابل تمرير قانون الإضراب وإصلاح التقاعد ، وهذا الأمر إن تم سيكون خطيرا جدا وسيكون ورطة للنقابات التي شاركت في الحوار الاجتماعي ضد الطبقة العاملة، غير ان بعض النقابات ويتعلق الأمر بكل من الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قد عبرتا عن رفضهما لمنطق المقايضة، ونرجو أن تثبتا على موقفهما هذا لان الأساس الذي يجب أن تشتغل عليه الحكومة هو إصدار قانون النقابات، قبل القانون التنظيمي للإضراب. وكرد فعل على تمرير قانون تجريم الإضراب في هذه الدورة الربيعية للبرلمان وتمهيدا لنمط جديد من العمل النقابي، أسست مجموعة من الإطارات النقابية ما أطلقت عليه “الجبهة المغربية لمواجهة قانون الإضراب والتقاعد”، استعدادا للحوارات التي كانت الحكومة والنقابات قد اعلنتا على بدايتها خلال السنة الجارية.
وعليه، ومن وجهة نظرنا الشخصية المتواضعة، فانه يجب إعادة صياغة بنود واحكام مشروع هذا القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم حق الاضراب، لاسيما المواد التي تقيد وتحد من ممارسة هذا الحق الدستوري والتي أشرنا اليها سابقا، كما اننا نؤكد على ضرورة ملائمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية ، لان مثل هذه الشروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب، يجب أن تكون معقولة ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تُفرض قيودا على وسائل التحرك المتاحة للمنظمات النقابية وهكذا، تبقى مسؤولية إعادة صياغة مشروع قانون الإضراب الجديد تقع على النقابات المناضلة فعليا حتى تحافظ على كينونتها المهددة، وعلى كينونة العمل النقابي المهدد. كما انه من أوجب واجباتها أن تسهر على تشريع قانون فعلي للإضراب يلزم المشغل و “الأجراء ” بمجموعة من الالتزامات التي تبقي على حياد السلطة وعلى نبل العمل ونبل الإضراب والعمل النقابي. فكما أننا نمتثل لقوانين العمل لحظة العمل، نمتثل لقانون الإضراب لحظة الإضراب.، فلا شيء يعلو على سلطة القانون وعلى دولة القانون. أما إذا شئنا الدقة فلا شيء يعلو على سلطة الحق والقانون. لذا يجب إخراج هذا القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضات في حل نزاعات الشغل الجماعية.