أسفل الصفحة نسخة كاملة قصد التحميل
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه, ونطلب منه الهداية والتوفيق والسداد, ونسأله أن يصلي على نبينا وشفيعنا وحبيبنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, الذي جاء بنور الهدى ودين الحق, فأنار به الطريق إلى السعادة في الدارين, وأخرج الإنسان من براثن الجهل إلى آفاق العلم, وأزال عنهم المعتقدات الكاذبة والأعراف الباطلة, حيث جاءهم بتشريع من السماء نظم به حياتهم بطريقة عادلة بإعطاء كل ذي حق حقه, وبلغ شريعة الله التي جاءت بأفضل و أرقى وسيلة للعيش وتأسيس حياة شريفة قوامها التكافل والمحبة بين أفرادها وحفظا للأنساب من الضياع,وذلك بسنها لنظام الزواج الذي من خلاله يعيش الطفل داخل أسرة متماسكة تضمن له الرعاية والتنشئة السليمة .
فالإسلام أولى عناية بحماية حق الطفل في النسب وأحاطته بسياج من التنظيم والضبط, لأن الأولاد هم ثمرة المستقبل ومنبع العطاء وصونهم فيه محافظة على قيام المجتمع وصيانة الأفراد من الوقوع في الفساد عن طريق الزواج, قال سبحانه وتعالى في سورة النجم الآية45 : " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى", ويقول عز وجل في سورة النساء الآية 1 : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء ".
وبذلك يعرف الزواج في اللغة بكونه اقتران أحد الشيئين بالآخر أو ارتباطهما مصدقا لقوله تعالى " وزوجناكم بحور العين " سورة النساء الآية 3, أي قرناهم بهن وذلك على سبيل الدوام و الاستمرار, والزواج والنكاح بمعنى واحد, يقال تناكحت الأشجار إذا تمايلت, وانضم بعضها إلى بعض, والنكاح في اللغة معناه الضم, وهو الأكثر شيوعا في الشريعة والفقه, ومن ذلك قوله تعالى في سورة النور الآية32 " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم و إمائكم وإن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله والله واسع عليم." وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح بدون ولي " رواه الترمذي.
و أما معناه شرعا فهو عقد بين رجل و امرأة يفيد حل استمتاع أحدهما بالآخر على الوجه المشروع, وعرفه محمد أبو زهرة بكونه : "عقد يفيد حل العشرة بين رجل و امرأة, يحققا ما يتقاضاه الطبع الإنساني وتعاونهما مدى الحياة, ويحدد ما لكليهما من حقوق وواجبات ." و عرفه المشرع المغربي في المادة 4 من مدونة الأسرة : " ميثاق تراضي وترابط شرعي بين رجل و امرأة على وجه الدوام, غايته الإحصان والعفاف و إنشاء أسرة مستقرة, برعاية الزوجين " .
وتجدر الإشارة إلى أن المدونة عبرت بكلمة ميثاق عن العقد, و أساس ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح بدون ولي." رواه الترمذي
ولا تقتصر أهمية الزواج بين الرجل و المرأة في التوالد والتساكن الشرعي, وإنما هو وسيلة الله عز وجل للحفاظ على النوع البشري وتعمير الكون وخلافة الله في الأرض,قال تعالى في سورة النساء الآية 1 : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا."
والأصل في الزواج أنه مباح إذا كان الشخص يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة لو لم يتزوج, أي معتدل الطبيعة وقادر على العدل بين زوجاته , كما قد يكون الزواج واجبا إذا كان الشخص قادرا على أعبائه المادية والمعنوية, ولا يخشى ظلم زوجته ومتيقن أنه سيقع في الزنا إذا لم يتزوج, وفي هذه الحالة يكون الزواج إعفافا لنفسه وحفظا لها من الحرام, وقد يكون مكروها إذا غلب على ظنه أنه سيظلم زوجته, أو لا يقوم بأعباء الحياة الزوجية إما لعجزه عن الإنفاق أو سوء العشرة مثلا, وبالإضافة إلى هذه الأحكام قد يكون الزواج حراما في حالة الشخص الذي يكون عاجزا عن القيام بأعبائه كاملة المادية والمعنوية, أو إذا تحقق من ظلم الزوجة إذا تزوج, وعن هذه الأحكام قال أحد العلماء :
وواجب على الذي يخشى الزنا تزوج لكل حالا أمكــــــــــــــــــــنا
وزيد في النساء فقد المـــــــال وليس منفق سوى الرجــــــــــــال
وفي الضياع ولجب النفقـــــــة من الخبيث حرمة متفـــــــــــــــقة
لراغب أو راج نسل ينــــــدب وإن به يضيع ما لا يـــــجـــــــــب
ويكره إن به يضيع الفـــــــــل وليس فيه رغبة أو نســــــــــــــل
وإن انتقى ما يقتضي مـــضى جاز النكاح بالسوي في المرتضى
فالزواج هو وسيلة تضفي المشروعية على تلك العلاقة الرابطة بين الزوجين, لتحل للطرفين الاستمتاع ببعضهما لتحقيق الغاية التي جاء من أجلها الزواج وهي التناسل, وبذلك يعتبر الولد الناتج عن هذه العلاقة ابنا شرعيا يثبت حقه في النسب بكافة الوسائل المعتبرة شرعا وقانونا, على خلاف البنوة غير الشرعية التي لا يعترف بها لا الشرع ولا القانون مطلقا, ولا يترتب عليها أي أثر قانوني للأب, لكن تبقى ثابتة للأم وتنتج كافة أثارها الشرعية بالنسبة لها ومنها الحضانة, في حين أن البنوة الشرعية يترتب عنها جميع أثار القرابة, فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع و تستحق بها نفقة القرابة والإرث,كما يعتمدها المشرع كشرط أساسي لثبوت نسب الأولاد لأبيهم في حالة وجود نزاع بين الزوجين, وبذلك يعد النسب أول ما يثبت لهم من حقوق, وفق ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية ليكون المجتمع طاهرا نقيا ودفعا لاختلاط الأنساب وضياعها, فحرمت بذلك التبني لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 5 : "أدعوهم إلى أبائهم هو أقسط عند الله.", وانتساب الولد لغير أبيه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض التحذير من ذلك وبيان الوعيد الشديد على فاعله: " من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام."رواه البخاري في صحيحه.
إن اهتمام الإسلام بالنسب اهتماما بالغا مرده في ذلك اعتباره ركن من أركان الأسرة المسلمة التي هي لبنة من لبنات المجتمع و ركيزة من ركائزه يقوم عليها كل مجتمع متوازن, حيث أقرت الشريعة الإسلامية قواعدها , وأسسها حماية للنسب من الضياع والفساد و الرذيلة و أحاطته بسياج منيع ليظل النسب شامخا بعيدا عن الشبهات.
و باعتبار النسب أثر من أثار الزواج الصحيح,فإن معناه يتحدد ؛ لغة بالقرابة, وهو في الآباء خاصة, ونسبت الرجل ذكرت نسبه, و انتسب إلى أبيه أي : اعتزى, و نسبت الرجل أنسُبُه بالضم نسبة ونسبا إذا ذكرت نسبه, و انتسب إليك أي : ادعى أنه نسيبك, ويقال للرجل إذا سئل عن نسبه استنسب لنا أي : هو منهم والجمع أنساب.
و اصطلاحا نجد بأنه ضاق عند البعض ليقتصر على القرابة التي هي بين الآباء والأبناء خاصة,واتسع عند آخرين ليشمل مطلق القرابة كالعصبة والرحم, فيعرف على النحو التالي: "النسب هو القرابة وهي اتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قربية أو بعيدة,وقال الأبي : هو الانتساب إلى الأب."
وقيل كلمة نسب تشمل العصبة, وهي قرابة الذكور من ولد الميت و آبائه و أولادهم والصلة بين النسب والعصبة أن النسب أعم.
والنسب هو صلة الشخص بغيره على أساس القرابة القائمة على صلة الدم, وبالنظر إلى التعريفات السابقة نجد أن التعبير عن النسب بالقرابة له وجه عام يتسع ليشمل مطلق النسب أو القرابة,فتتضمن كلمة النسب العصبة والرحم كما قال الشربيني, كما أن للنسب وجه خاص,وهو نسب الشخص لأبيه وهذا هو المقصود والغالب في الاستعمال وهو محل دراستنا.
وبالتالي فالحفاظ على النسب غايته الحفاظ على النوع الإنساني وحماية الحقوق المتعلقة به باعتبارها مشتركة, فيدخل فيها حق الله تعالى, لأنه يتصل بحرمات أوجب الله تعالى رعايتها, وحقوق أطراف النسب وهم الأب والذي يترتب على ثبوت نسب الولد ثبوت ولايته عليه مادام صغيرا, وحق ضمه إليه عند انتهاء حضانة الأم له, وحق إرثه إذا مات الولد قبله, وحقه في إنفاق الولد عليه مادام محتاجا و الابن قادرا.
أما كونه حقا للأم فإن في إثبات نسب الولد من أبيه ما يدفع عنها تهمة الزنا ودفع العار عنها وعن أسرتها, وكونه حقا للولد فلأنه يرتب له حقوقا بينها الشارع كحق النفقة والحضانة والإرث, ولدفع العار عن نفسه بكونه ولد زنا.
ومما لا شك فيه أن دراسة هذا الموضوع لا تخلو من أهمية وتتجلى في:
وفي خضم ذلك واجهتنا عدة صعوبات, أهمها يتجلى في كون هذا البحث هو أول تجربة لنا في إطار البحث العلمي, حيث لم تكن لدينا فكرة مسبقة حول كيفية الاشتغال ولا منهجية البحث, إضافة إلى قلة المراجع داخل خزانة الكلية والمكتبات العمومية المحلية,كما أنه في إطار البحث عن المعلومات في رحاب المحاكم, واجهنا بعض رجال القانون بقولهم أن الموضوع صعب ومتشعب يصعب الإلمام به من جميع الجوانب, إلا أن هذا لم يكن حاجزا أمامنا في مواصلة البحث, بل كان نقطة قوة بالنسبة لنا, وأخيرا وجدنا تحدي وصعوبة في التوفيق بين حضور المحاضرات والتحضير للامتحانات والبحث العلمي.
ولكي يكون بحثنا بحثا علميا فقد اعتمدنا في صياغته على المنهج التحليلي المقارن, والذي يبرز من خلال تحليل ووصف بعض النصوص القانونية, وكذا ما هو كائن في الشريعة الإسلامية والمنظومة القانونية المغربية, وأخيرا انتقاد ما يشكل ثغرة أو نقص قد يلحق ضررا بحق الطفل في النسب أو بكرامة المرأة.
وعليه فالإشكالية المركزية للبحث تتحدد في :
الفصل الأول: وسائل إثبات النسب
الفصل الثاني: وسائل نفي النسب
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه, ونطلب منه الهداية والتوفيق والسداد, ونسأله أن يصلي على نبينا وشفيعنا وحبيبنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, الذي جاء بنور الهدى ودين الحق, فأنار به الطريق إلى السعادة في الدارين, وأخرج الإنسان من براثن الجهل إلى آفاق العلم, وأزال عنهم المعتقدات الكاذبة والأعراف الباطلة, حيث جاءهم بتشريع من السماء نظم به حياتهم بطريقة عادلة بإعطاء كل ذي حق حقه, وبلغ شريعة الله التي جاءت بأفضل و أرقى وسيلة للعيش وتأسيس حياة شريفة قوامها التكافل والمحبة بين أفرادها وحفظا للأنساب من الضياع,وذلك بسنها لنظام الزواج الذي من خلاله يعيش الطفل داخل أسرة متماسكة تضمن له الرعاية والتنشئة السليمة .
فالإسلام أولى عناية بحماية حق الطفل في النسب وأحاطته بسياج من التنظيم والضبط, لأن الأولاد هم ثمرة المستقبل ومنبع العطاء وصونهم فيه محافظة على قيام المجتمع وصيانة الأفراد من الوقوع في الفساد عن طريق الزواج, قال سبحانه وتعالى في سورة النجم الآية45 : " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى", ويقول عز وجل في سورة النساء الآية 1 : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء ".
وبذلك يعرف الزواج في اللغة بكونه اقتران أحد الشيئين بالآخر أو ارتباطهما مصدقا لقوله تعالى " وزوجناكم بحور العين " سورة النساء الآية 3, أي قرناهم بهن وذلك على سبيل الدوام و الاستمرار, والزواج والنكاح بمعنى واحد, يقال تناكحت الأشجار إذا تمايلت, وانضم بعضها إلى بعض, والنكاح في اللغة معناه الضم, وهو الأكثر شيوعا في الشريعة والفقه, ومن ذلك قوله تعالى في سورة النور الآية32 " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم و إمائكم وإن يكونوا فقراء يُغنِهم الله من فضله والله واسع عليم." وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح بدون ولي " رواه الترمذي.
و أما معناه شرعا فهو عقد بين رجل و امرأة يفيد حل استمتاع أحدهما بالآخر على الوجه المشروع, وعرفه محمد أبو زهرة بكونه : "عقد يفيد حل العشرة بين رجل و امرأة, يحققا ما يتقاضاه الطبع الإنساني وتعاونهما مدى الحياة, ويحدد ما لكليهما من حقوق وواجبات ." و عرفه المشرع المغربي في المادة 4 من مدونة الأسرة : " ميثاق تراضي وترابط شرعي بين رجل و امرأة على وجه الدوام, غايته الإحصان والعفاف و إنشاء أسرة مستقرة, برعاية الزوجين " .
وتجدر الإشارة إلى أن المدونة عبرت بكلمة ميثاق عن العقد, و أساس ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح بدون ولي." رواه الترمذي
ولا تقتصر أهمية الزواج بين الرجل و المرأة في التوالد والتساكن الشرعي, وإنما هو وسيلة الله عز وجل للحفاظ على النوع البشري وتعمير الكون وخلافة الله في الأرض,قال تعالى في سورة النساء الآية 1 : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا."
والأصل في الزواج أنه مباح إذا كان الشخص يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة لو لم يتزوج, أي معتدل الطبيعة وقادر على العدل بين زوجاته , كما قد يكون الزواج واجبا إذا كان الشخص قادرا على أعبائه المادية والمعنوية, ولا يخشى ظلم زوجته ومتيقن أنه سيقع في الزنا إذا لم يتزوج, وفي هذه الحالة يكون الزواج إعفافا لنفسه وحفظا لها من الحرام, وقد يكون مكروها إذا غلب على ظنه أنه سيظلم زوجته, أو لا يقوم بأعباء الحياة الزوجية إما لعجزه عن الإنفاق أو سوء العشرة مثلا, وبالإضافة إلى هذه الأحكام قد يكون الزواج حراما في حالة الشخص الذي يكون عاجزا عن القيام بأعبائه كاملة المادية والمعنوية, أو إذا تحقق من ظلم الزوجة إذا تزوج, وعن هذه الأحكام قال أحد العلماء :
وواجب على الذي يخشى الزنا تزوج لكل حالا أمكــــــــــــــــــــنا
وزيد في النساء فقد المـــــــال وليس منفق سوى الرجــــــــــــال
وفي الضياع ولجب النفقـــــــة من الخبيث حرمة متفـــــــــــــــقة
لراغب أو راج نسل ينــــــدب وإن به يضيع ما لا يـــــجـــــــــب
ويكره إن به يضيع الفـــــــــل وليس فيه رغبة أو نســــــــــــــل
وإن انتقى ما يقتضي مـــضى جاز النكاح بالسوي في المرتضى
فالزواج هو وسيلة تضفي المشروعية على تلك العلاقة الرابطة بين الزوجين, لتحل للطرفين الاستمتاع ببعضهما لتحقيق الغاية التي جاء من أجلها الزواج وهي التناسل, وبذلك يعتبر الولد الناتج عن هذه العلاقة ابنا شرعيا يثبت حقه في النسب بكافة الوسائل المعتبرة شرعا وقانونا, على خلاف البنوة غير الشرعية التي لا يعترف بها لا الشرع ولا القانون مطلقا, ولا يترتب عليها أي أثر قانوني للأب, لكن تبقى ثابتة للأم وتنتج كافة أثارها الشرعية بالنسبة لها ومنها الحضانة, في حين أن البنوة الشرعية يترتب عنها جميع أثار القرابة, فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع و تستحق بها نفقة القرابة والإرث,كما يعتمدها المشرع كشرط أساسي لثبوت نسب الأولاد لأبيهم في حالة وجود نزاع بين الزوجين, وبذلك يعد النسب أول ما يثبت لهم من حقوق, وفق ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية ليكون المجتمع طاهرا نقيا ودفعا لاختلاط الأنساب وضياعها, فحرمت بذلك التبني لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 5 : "أدعوهم إلى أبائهم هو أقسط عند الله.", وانتساب الولد لغير أبيه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض التحذير من ذلك وبيان الوعيد الشديد على فاعله: " من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام."رواه البخاري في صحيحه.
إن اهتمام الإسلام بالنسب اهتماما بالغا مرده في ذلك اعتباره ركن من أركان الأسرة المسلمة التي هي لبنة من لبنات المجتمع و ركيزة من ركائزه يقوم عليها كل مجتمع متوازن, حيث أقرت الشريعة الإسلامية قواعدها , وأسسها حماية للنسب من الضياع والفساد و الرذيلة و أحاطته بسياج منيع ليظل النسب شامخا بعيدا عن الشبهات.
و باعتبار النسب أثر من أثار الزواج الصحيح,فإن معناه يتحدد ؛ لغة بالقرابة, وهو في الآباء خاصة, ونسبت الرجل ذكرت نسبه, و انتسب إلى أبيه أي : اعتزى, و نسبت الرجل أنسُبُه بالضم نسبة ونسبا إذا ذكرت نسبه, و انتسب إليك أي : ادعى أنه نسيبك, ويقال للرجل إذا سئل عن نسبه استنسب لنا أي : هو منهم والجمع أنساب.
و اصطلاحا نجد بأنه ضاق عند البعض ليقتصر على القرابة التي هي بين الآباء والأبناء خاصة,واتسع عند آخرين ليشمل مطلق القرابة كالعصبة والرحم, فيعرف على النحو التالي: "النسب هو القرابة وهي اتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قربية أو بعيدة,وقال الأبي : هو الانتساب إلى الأب."
وقيل كلمة نسب تشمل العصبة, وهي قرابة الذكور من ولد الميت و آبائه و أولادهم والصلة بين النسب والعصبة أن النسب أعم.
والنسب هو صلة الشخص بغيره على أساس القرابة القائمة على صلة الدم, وبالنظر إلى التعريفات السابقة نجد أن التعبير عن النسب بالقرابة له وجه عام يتسع ليشمل مطلق النسب أو القرابة,فتتضمن كلمة النسب العصبة والرحم كما قال الشربيني, كما أن للنسب وجه خاص,وهو نسب الشخص لأبيه وهذا هو المقصود والغالب في الاستعمال وهو محل دراستنا.
وبالتالي فالحفاظ على النسب غايته الحفاظ على النوع الإنساني وحماية الحقوق المتعلقة به باعتبارها مشتركة, فيدخل فيها حق الله تعالى, لأنه يتصل بحرمات أوجب الله تعالى رعايتها, وحقوق أطراف النسب وهم الأب والذي يترتب على ثبوت نسب الولد ثبوت ولايته عليه مادام صغيرا, وحق ضمه إليه عند انتهاء حضانة الأم له, وحق إرثه إذا مات الولد قبله, وحقه في إنفاق الولد عليه مادام محتاجا و الابن قادرا.
أما كونه حقا للأم فإن في إثبات نسب الولد من أبيه ما يدفع عنها تهمة الزنا ودفع العار عنها وعن أسرتها, وكونه حقا للولد فلأنه يرتب له حقوقا بينها الشارع كحق النفقة والحضانة والإرث, ولدفع العار عن نفسه بكونه ولد زنا.
ومما لا شك فيه أن دراسة هذا الموضوع لا تخلو من أهمية وتتجلى في:
- إبراز حق الطفل في النسب من الزاوية الفقهية والقانونية مع البحث عن الآليات الكفيلة المخولة لحماية هذا الحق.
- دراسة مدى إمكانية تطبيق النصوص الشرعية في مجال النسب داخل منظومة القضاء .
- تبيان دور البصمة الوراثية وفحص فصائل الدم كمستجدات بيولوجية علمية في إثبات النسب, والبحث عن مكانتها مقارنة مع الوسائل الشرعية.
- إبراز معالم الشريعة الإسلامية واستجلاء مواقفها من الحقائق العلمية, ومدى مشروعية تسخيرها لخدمة مستجدات الفقه الإسلامي.
وفي خضم ذلك واجهتنا عدة صعوبات, أهمها يتجلى في كون هذا البحث هو أول تجربة لنا في إطار البحث العلمي, حيث لم تكن لدينا فكرة مسبقة حول كيفية الاشتغال ولا منهجية البحث, إضافة إلى قلة المراجع داخل خزانة الكلية والمكتبات العمومية المحلية,كما أنه في إطار البحث عن المعلومات في رحاب المحاكم, واجهنا بعض رجال القانون بقولهم أن الموضوع صعب ومتشعب يصعب الإلمام به من جميع الجوانب, إلا أن هذا لم يكن حاجزا أمامنا في مواصلة البحث, بل كان نقطة قوة بالنسبة لنا, وأخيرا وجدنا تحدي وصعوبة في التوفيق بين حضور المحاضرات والتحضير للامتحانات والبحث العلمي.
ولكي يكون بحثنا بحثا علميا فقد اعتمدنا في صياغته على المنهج التحليلي المقارن, والذي يبرز من خلال تحليل ووصف بعض النصوص القانونية, وكذا ما هو كائن في الشريعة الإسلامية والمنظومة القانونية المغربية, وأخيرا انتقاد ما يشكل ثغرة أو نقص قد يلحق ضررا بحق الطفل في النسب أو بكرامة المرأة.
وعليه فالإشكالية المركزية للبحث تتحدد في :
- ما مدى مسايرة المشرع المغربي للنصوص الشرعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية؟ أم أنه يتبنى رأي مخالف؟
- كيف يمكن إثبات ونفي النسب في القانون المغربي؟ وما هي الوسائل الموظفة لذلك؟
الفصل الأول: وسائل إثبات النسب
الفصل الثاني: وسائل نفي النسب